عن الخبزة و الحلم ......... و اشياء اخرى

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

فقير الى رحمته

:: عضو مثابر ::
عشر ساعات في حافلة عتيقة . حاولت النوم مرارا وطبعا فشلت ، فالذي ينجح لا يبدأ جملته ب" حاولت " . فقلت الحافيظ الله وعوجت رأسي نحو السقف حتى لا أرى الناس الذين يفرغون بطونهم في بلاستيكات سوداء .
يختلط زعيق الأطفال بأزير المحرك . الشيفور يرفع من صوت الراديو . الشيفور هو السائق والراديو هو المذياع . أغنية راب مغربية تتحدث عن الحرية و التغيير إلخ.. نفس الشعارات، التي نادى بها مغاربة العشرينات من القرن الماضي، التي لم تتحقق .
حين وصلت إلى المحطة انطلقت مهرولا . خاطر غبي ملحاح يشعرني بأنهم سيمسكونني لإرجاعي إلى الحافلة وسط أزير المحرك و زعيق الأطفال و أغنية الراب في رحلة لا تنتهي .




سبعمئة وثلاثة وسبعون خطوة ، المسافة التي تفصل المقهى عن الغرفة التي أكتري . أقطعها وأنا أفكر في عشرات الأحلام التي تبعد عني بأميال عديدة . نحن نشقى لو لم نحلم ونشقى حين لا تتحقق أحلامنا . قرأت كتبا عديدة عن الأحلام ، فلسفات مختلفة وأفكار غريبة ، إلا أني لازلت أرى الحلم كقطعة اللحم التي توضع أمام كلاب الجري في سباقات المقامرات .
شابة متأنقة برفقة شاب متأنق كذلك ، ترطن في الكلام . تنادي على النادل وتصر على أنها تريد أن تشرب كافي . الأمر الذي جعلني أفكر في الفرق بين الكافي و القهوة والشيفور و السائق و إلخ إلخ..





شاب آخر مفتول العضلات ، عيناه لا تتوقفان عن الغمز وهو يحدث رفاقه عن الغبي الذي حطم له عظامه مباشرة قبل أن يدخل إلى المقهى لأنه تحداه ونظر في عينيه . تذكرت أني سألت صديقا لي في الموضوع : ألا تلاحظ معي أن كل المغاربة يتحدثون عن أغبياء أشبعوهم ضربا لأسبابهم الخاصة -المعقولة طبعا- . ولم أسمع يوما أحدا يقول أنه ضرب . فأين هم الناس الذين يضربون ؟





المقهى أصبح هواءها دخان سجائر ثقيلة . نحن نطبق حرفيا الحكمة المغربية التي تقول " الصدر الي ما يعلق ميدالية اعط لأمه الدخان " . مشكلتي الحقيقية هي أني أعتبر نفسي "غير" . رفعت جهاز الكشف وحركت نظارتها بسبابتها وقالت : يجب أن نجري اختبارات أعمق . ولم أكن في حاجة لبحث أعمق لأفهم أني بشري عادي جدا ، وربما أقل أيضا . فليس باستطاعتي وضع نظارة والتلاعب بها وقلب شخص ضعيف يتدحرج مع حركة سبابتي .




الإنسان حين يلم به مصاب يريد أن يحزن العالم كله لأمره . أولئك الأبطال الذين ماتوا وعلى شفاههم ابتسامة التحدي ، لم يجبنوا لأنهم يعرفون أن الأجيال ستبكيهم . كانت تقول لي : لديك أفكار جميلة ، يجب أن تنشرها . فأقول لها : ابحثي لي عمن يقرؤني وسأكتب . الذي يضمن استمراريته لا يهاب الموت . الأبطال يركبون المخاطر ، الكتاب يكتبون ، والمتزوجون ينجبون لأنهم يخافون من التلاشي و العدم .

على الرف روايتي التي كتبتها في زمن كنت أعتقد فيه أني بإمكاني أن أغير أو أضيف شيئا - عدى طبعا القاذورات إلى غرفتي - . على نفس الرف رواية للزفزاف " بيضة الديك " . اشتريتها من سنتين ولم أقرأهل لليوم . هي آخر ما تبقى له ولم أقرأه . قررت أن يبقى الوضع هكذا حتى أجد في ذكراه شيئا من الإغراء .




كل صباح يطل على المرء هو فرصة لتحقيق طموح أو أمنية . حين يكون حلمك هو أن يطل عليك الصبح و أنت حي رغم جوعك . فإنك تكون قد حققت أمنيتك، وما تبقى من الأحلام لا يصلح لك . كان يقول لي : صرت أخاف ملاقاة أمي . في كل مرة تدمع عيناها وهي تقول لي هزلت يا وليدي . كان منتهى آماله أن يلقى أمه بجسد يملأ ملابسه . ولأني بالكاد "أعمر" ملابسي ، فلم أستطع أن أسند جيبه لينتفخ قليلا داخل بذلته . ستبكي أمه وسيبكي لأجلها وسأسخر مما يبكيهما ، فلكل طريقته في الحزن .

أرفع قلمي وأكتب .. لا يهمني ما أكتب ..كلها حكايات ضبابية أدعي أنها تحزنني ، في حين أني إنسان اجتمع في الاستهتار و الفقر . لا يحزنني شيء لأني لا أسعد حتى ألاحظ الفرق في الحرارة . لا أختلف عن ملايير البشر إلا في اعتقادي أني مختلف ، وهذا أمر آخر يجمعنا فهم كذلك يحسبون أنفسهم مختلفين وإن كنا في الواقع مختليين . أقرأ المعوذتين وأدعي الخوف من الحسد و العين . وأردد عين الحسود فيها عود علما أن أتعس حسود لا يحظى بتعاستي .
حين قالت لي أنت مفكر كبير. وافقتها الرأي وأنا أدغدغ مقدمة أنفي،إمعانا في الكبر . وإن كانت خطيئتها مفهومة فمستواها لا يتجاوز الابتدائي . أما أنا فلازال النادل يناديني بياسر رغم مداومتي على نفس المقهى من خمس سنوات .



أين أنا الآن ؟ ربما المقهى أو حتى مفككا فوق فراشي .. لا يهم فكلا المكانيين مقرفين . الإنسان يسكن عقله والأخير تستوطنه الحماقات . فكيف الخلاص وأنى وليت كان نفسه المقام ؟ مشكلة الإنسان أنه لا يعلم ما يريد . ومتى أدرك ذلك تمنى ما لا يعلم . نظرت إلي وقالت : لا أفهمك . مبدئيا أراحني الأمر ، فكر مرء يتمنى أن يكون غامضا حتى لو اضطره ذلك إلى قول كلام لا يفهمه هو شخصيا . حين ستتحقق أحلامك ستدرك أنها لم تكن أحلامك .




هاتفي "الجديد" يرن . شاشته تقول لي أن هناك شخصا ما في مكان ما ، يلتهب داخله رغبة في إخباري بمصيبة ما . فالأخبار المفرحة وحدها تعرف الانتظار . والعلماء حين يدعون أن الخلوي يصيب بالسرطان ، ينسون الإشارة إلى أن الأخبار التي ينقلها النقال هي الكفيلة بإصابة المرء بالمرض الخبيث . فما الذي سيجعل الإنسان يضيع دراهمه ليتسبب في فرحك . سيكون فرحك إذن على حساب سعادته ، وهو الأمر الذي تنكره بشدة الغريزة البشرية . المتصل يكرر محاولته الثالثة للتعلق بأذني مما لا يجعل مجالا للشك أن المصيبة قد تتعدى طلب سلفة إلى نعي .

انتهى.


هوامش :

*الآنسة المذكورة في النص هي بنت جاري ذات العشر سنوات . رغم أني أمنحها دروس دعم مجانية ، فقد منعها والدها عني بعد أن لاحظ أنها أصبحت كثيرة السهو .
*الشخص الذي اتصل بي -كما تبين فيم بعد- كان يرغب في أن يطمئن علي فقط . مما يعني أني لست مفكرا عظيما كما اعتقدت ، أو أنه -هو المتصل - أحمق معتوه . في الحقيقة أميل إلى الرأي الثاني .
*تبا للأشياء التي تبعدنا عن بقية الأشياء .
نقلا عن الساخر .
 
Mashallahpat22.gif


واش نقولك اخي
موضوع واقعي و خط راقي و قلب صافي
بارك الله فيك
5bf8418273.gif
 
هاد من ذوقك ، يا بدر الزمان ...you have only 14 year !!!!
 
yepppp
why :mellow:
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top Bottom