" الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

hlEiy.png


من دلائل نبوته ـ ـ زهده في الدنيا وإعراضه عنها، وإيثار الآخرة عليها، مع أن الدنيا كانت بين يديه، ومع أنه أكرم الخلق على الله، ولو شاء لأجرى الله له الجبال ذهباً وفضة، وقد خُيِّر ـ ـ بين أن يكون ملِكاً نبياً أو عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جلس جبريل إلى النبي ـ ﷺ ـ فنظر إلى السماء فإذا ملَك ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك، قال: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا؟، قال جبريل: تواضع لربك يا محمد: قال: بل عبدا رسولا ) رواه أحمد .

ذكر ابن كثير في تفسيره عن خيثمة
أنه قيل للنبي ـ : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك، ولا نعطي أحداً من بعدك، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله، فقال: اجمعوها لي في الآخرة، فأنزل الله ـ عز وجل ـ في ذلك : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً }(الفرقان:10) .
وعن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت مع النبي ـ ـ فلما أبصر جبل أُحدٍ فقال لأصحابه: ( ما أحب أنه تَحوَّل لي ذهباً، يمكث عندي منه دينارٌ فوق ثلاث، إلا ديناراً أرصدُه لدَين، ثم قال: إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وقليل ما هم ) رواه البخاري .

طعام وشراب النبي ـ ﷺ ـ :

كان غالب طعامه وشرابه ـ ﷺ ـ التمر والماء، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( ما شبع آل محمد ـ ﷺ ـ من خُبز البُرِّ ثلاثًا حتى مضى لسبيله ) رواه مسلم . وقالت: ( إن كنا آل محمد ـ ـ لنمكث شهرًا ما نستوقد بنار، إنْ هو إلا التمر والماء ) رواه مسلم .
وعن عروة ـ رضي الله عنه ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقول: ( والله يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال - ثلاثة أهِلَّة في شهريْن - وما أُوقِد في أبيات رسول الله ـ ﷺ نار، قال: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله ـ ـ جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله ـ ﷺ من ألبانها فيسقيناه ) رواه البخاري .

بل ما شبع رسول الله ـ ـ من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يشير بإصبعه مرارًا يقول: ( والذي نفس أبي هريرة بيده، ما شبع نبي الله ـ ﷺ ـ وأهله ثلاثة أيام تباعًا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا ) رواه مسلم .
وعنه أيضا ـ رضي الله عنه ـ أنه مرَّ بقومٍ بين أيديهم شاةٌ مَصْلِيَّة فدعوه، فأبَىَ أن يأكل وقال: ( خرج رسول الله ـ ﷺ ـ من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ) رواه البخاري .
وقد أدركت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ حال أبيها ـ ـ وعرفت زهده في الدنيا، فأتته ذات يوم بكِسْرةِ خبزِ شعير، فأكلها ـ النبي ﷺ ـ وقال: ( هذا أول طعام أكله أبوكِ منذ ثلاث ) رواه أحمد .

فراشه وثيابه ـ ﷺ ـ :

أما فراشه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فكان الحصير الذي يؤثر في جنبه، ويصف هذا الفراش عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فيقول: (إنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليفٌ، وإن عند رجليه قَرَظًا مصبوبًا، وعند رأسه أَهَبٌ معلَّقة، فرأيت أثرَ الحصير في جنبه فبكيت، فقال ـ ﷺ: مَا يُبْكِيكَ ؟، فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) رواه البخاري .

وأما وسادته التي يتكئ وينام عليها ـ ـ فتصفها عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول: ( كان وسادة رسول الله ـ ﷺ ـ التي يتكئ عليها من أدَم (جلد)، حشوها ليف ) رواه البخاري .
ودخلت امرأة أنصارية بيته ـ ﷺ ـ فرأت فراشه مثنية، فانطلقت، فبعثت بفراش فيه صوف إلى بيت النبي ـ ـ فلما رآه قال: ( رُدِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله عليَّ جبال الذهب والفضة، قالت عائشة: فرددته ) رواه أحمد .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه ـ قال: ( اضطجع رسول الله ـ ـ على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح عنه، فقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا فبسطت شيئا يقيك منه، تنام عليه، فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كر*كب سار في يوم صائف، فقال (نام) تحت شجرة ثم راح وتركها ) رواه أحمد .

ولم يكن حاله في ثيابه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأحسن مما سبق، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشي مع رسول الله ـ ـ وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية ) رواه مسلم .
وعن أبي بردة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( دخلت على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فأخرجت إلينا إزارا غليظا، مما يصنع باليمن، وكساء من تلك التي تدعى الملبدة، فأقسمت بالله لقد قُبِضَ رسول الله ـ ﷺ ـ في هذين الثوبين ) رواه البيهقي .

ميراثه ـ ﷺ ـ :

حين غادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدنيا لم يترك عند موته درهما ولا دينارا، فعن أمِ المؤمنين جويرية ـ رضي الله عنها ـ قالت: (ما ترك رسول الله ـ ﷺ ـ عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً، إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة ) رواه البخاري .
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( تُوفي رسول الله ـ ﷺ ـ وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ ) رواه البخاري .
ومات ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودرعه مرهونة عند يهوديّ مقابل شيءٍ من الشعير، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قُبِضَ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ودرعه مرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعا من شعير، أخذها رزقا لعياله ) رواه أحمد .

ستظل هذه الأخبار الدالة على زهده ـ ـ شاهد صدق على نبوته وإيثاره الآخرة وما عند الله ـ عز وجل ـ

وَرَاوَدَتْهُ الجِالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهبٍ عَنْ نَفْسِهِ فأراها أيُّما شَمَمِ

وفي زهده ـ ـ ونظرته للدنيا دعوة للأمة للحذر منها وفتنتها، ومعرفة قيمتها وقدرها، فلو كانت الدنيا دليل محبة الله لصاحبها، لفاز بها خير الخلق وأكرمهم على الله، ويكفي في وصف حقيقتها وقيمتها تشبيهه ـ ـ لها بالجَدْي الميت، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - : ( أن رسول الله ـ ﷺ ـ مرَّ بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفتيه (عن جانبيه) فمر بجدي أسك (مقطوع الأذنين) ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟!، قال: أتحبون أنه لكم؟، قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟، فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ) رواه مسلم .

توازن مطلوب:

الزهد في حقيقته متعلق بالقلب وليس بما في اليد فقد يكون الإنسان ممن وسع الله عليه في الرزق وهو مع ذلك زاهد لعدم تعلق قلبه بما في يده ، وقد يكون فقيرا ليس عنده شيء وقلبه معلق بما في أيدي الناس ، والمال لا يُمْدح أو يُذم لذاته، وإنما لاعتبارات خارجة عنه، فقد يكون المال نعمة، وهذا في حق من كسبه من الحلال وأنفقه في الحلال، وعرف حق الله تعالى فيه، وقد كان أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان، وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال والغِنى، لكنهم أنفقوا هذا المال في نصرة الإسلام، وتجهيز المجاهدين في سبيل الله .

ورغم زهد النبي ـ ـ إلاَّ أن نظرته للدنيا كانت نظرة متوازنة، توجه الأُمَّة أن تَزْهَدَ في الدنيا دون أن تترك إعمارها، فليس الزهد وعدم التعلُّق بالدنيا داعيًا إلى خرابها، بل يعمرها المسلم دون أن يُفْتَنَ بها، لذلك يقول ـ ـ: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل ) رواه أحمد .
فهذه النظرة النبوية للدنيا نظرة توازن، وهذه من عظمة النبي ـ ـ التي تدلل على صدق نبوَّته، وربانية دينه ودعوته ..
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

CPAdW.jpg





وصف الله تبارك وتعالى رسوله ـ ـ بأعظم الأوصاف التي تدل على رحمته بأمته وحرصه عليها، فقال سبحانه: { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }(التوبة: 28 ). وكان هذا الحرص النبوي ـ للناس عامة ولأمته خاصة ـ نابعًا من شفقته ورحمته، فمن نعم الله علينا وعلى البشرية جميعا بعثة رسول الله ـ ـ الذي قال الله تعالى عنه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107) .
قال ابن كثير في تفسيره: " وقوله: { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم " .




وإن المتأمل في سيرته ـ ـ يجد صورا كثيرة لحرصه الشديد على أمّته, والشفقة بها، والتيسير عليها، ورجاء أن تكونَ في ظل الرحمن وجنّته يوم القيامة ..
وقد ظهر حرص رسول الله ـ ـ على أُمَّته منذ اللحظات الأُولى لبعثته ودعوته حين أمر أصحابه بالهجرة فرارا بدينهم، لمَّا رأى ما يصيبهم من البلاء، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم، فقال لهم: ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه ) رواه البيهقي .




ومن صور حرصه ـ ـ على أمته خوفه عليهم من النار، ورغبته أن تكون أكثر أهل الجنة، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار كتهافت الفراش أو الذباب ) رواه أحمد، وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لنا رسول الله ـ ﷺ ـ : ( أما ترضون أَن تَكونوا ربع أهلِ الْجنة؟، قَال : فَكَبَّرْنَا، ثم قَال: أَما تَرضون أَن تَكونوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجنة، قَالَ: فَكَبَّرْنَا ، ثم قَال : إني لأرجو أن تَكونوا شَطْرَ أَهْلِ الْجنة، وسأخبِركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفار إِلا كشعرةٍ بَيْضَاءَ في ثَوْرٍ أَسود أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَض ) رواه مسلم .




وكذلك من مظاهر حرصه بأمته ـ ـ أنه ضحّى يوم عيد الأضحى عن نفسه وعن من لم يُضَحِّ من أمته، رحمة منه بالفقير الذي لا يستطيع أن يضحي، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ضحى رسول الله ـ ﷺ ـ بكبشين أقرنين أملحين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعن من لم يضح من أمته ) رواه ابن ماجه .




وامتدَّ حرص النبي ـ ـ ورحمته بأمته حتى شمل جانب العبادات، ومن ذلك ما رواه مالك بن صعصعة - رضي الله عنه - من تردده - - ليلة المعراج - بين ربه ـ عز وجل ـ وبين موسى ـ عليه السلام ـ، وسؤاله لربه التخفيف في الصلاة حتى جعلها الله خمس صلوات في اليوم والليلة بعد أن كانت خمسين شفقة على أمته .




وعن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: ( إن النبي ـ ﷺ ـ كان عند أضاة (غدير) بني غفار، قال: فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا ) رواه البخاري .




ومن ثم فكثيرا ما رأينا رسول الله ـ ـ يُعرِض عن بعض الأعمال والعبادات - رغم حبه لها - لا لشيء إلاَّ لخوفه أن تُفْرَض على أُمَّته، فيشقّ عليهم، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( إن كان رسول الله ـ ﷺ ـ ليدع (يترك) العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) رواه البخاري . وكان يقول: ( لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل ) رواه ابن ماجه .




ومن مظاهر حرصه ورحمته بأمته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه دعا بالرفق لمن ولِيَ أمرهم فرفق بهم، ودعا على من شقّ عليهم، فقال ـ ـ: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشَقَّ عليهم فشُقَّ عليه ) رواه مسلم .




ومن صور حرصه كذلك أن دعوته لها بعدم الهلاك، فعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : ( سأَلتُ ربِى ثَلاَثًا فَأَعطاني ثِنْتَيْنِ ومنعني واحدة، سأَلْتُ ربِى أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ (القحط) فَأَعطانِيها، وسألتُه أَن لاَ يهلك أُمتي بِالْغرقِ فَأَعطانِيها، وسألْته أَن لا يجعل بَأْسَهُمْ بينهم فَمَنَعَنِيهَا ) رواه مسلم .




ومن المواقف والكلمات العظيمة التي تبين مدى حرصه ـ ـ على أمَّته ورحمته وشفقته بهم، ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما ـ : ( أن النبي ـ ـ تلا قول الله تعالى في إبراهيم: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(إبراهيم: 36)، وقال عيسى ـ عليه السلام ـ: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(المائدة: 118)، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فَسَلْه ما يبكيك؟، فأتاه جبريل فسأله فأخبره ـ ـ بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ) رواه مسلم .




الشفاعة العظمى يوم القيامة :




في يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، وتدنو منهم الشمس، حتى يبلغ عرقهم آذانهم، فإذا بلغ الغم والكرب منهم ما لا طاقة لهم به، كلم بعضهم بعضا في طلب من يشفع لهم عند ربهم، فلم يتعلقوا بنبي إلا قال: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، حتى ينتهوا إلى رسول الله ـ ـ فينطلق، فيشفع حتى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق ..




عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال ـ ـ : ( لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة ) رواه البخاري .




وفي حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال - ـ : ( إذا كان يوم القيامة ماج (اضطرب) الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد ـ ﷺ ـ، فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا؛ فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي، أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ) رواه البخاري .




وهكذا تتعدد صور ومظاهر حرص النبي ـ ـ على أمته ورحمته بها في السيرة النبوية ، ولم يؤثر عن نبي من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ذلك الحرص والحب الشديد لأمته كما أُثِر عنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فكم بين قول الرسل ـ عليهم السلام ـ: ( نفسي، نفسي )، وبين قول نبينا ـ ـ: ( أمتي، أمتي ) من معانٍ عظيمة، وصدق الله تعالى: { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة: 28 ) .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

n8UJI.jpg


من الظواهر الاجتماعية المؤرقة إهمال العناية بالمسنين وضياع الأدب معهم، وهم كبار السن الذين بلغوا مرحلة عمرية تحتاج إلى مزيد عناية وتوقير واحترام ، ورحمة وشفقة ، ورد الجميل والمجازاة بالإحسان ، فالكبار والمسنون ـ رحِمَا ودينا ـ لا يضيعون في مجتمع الإسلام الذي أولى نبيه ـ ـ القدر الكبير لرعايتهم والاهتمام بهم، فقال : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) رواه الترمذي .

ذو الشيبة له مكانة كبيرة في هدي النبي ـ ﷺ ـ، فعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ) رواه ابن حبان، وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ: ( لا تَنْتِفوا الشَّيْبَ، فإِنه ما من مسلم يَشِيبُ شَيبة في الإسلام، إلا كانت له نوراً يوم القيامة )، وفي رواية: ( كتب الله له بها حسنة، وحَطَّ عنه بها خطيئة ) رواه أحمد .

وجعل النبي ـ ـ للشيخ الكبير حرمة وحقاً لشيبته وكبره وعبادته لربه، فعن عبد الله بن شداد ـ رضي الله عنه ـ: أن نفراً من بنى عذرة ثلاثة أتوا النبي ـ ـ فأسلموا، قال: فقال النبي ـ ـ: ( مَنْ يَكْفِنيهِمْ؟ ـ أي من يقوم بأمورهم ـ قال طلحة: أنا. قال: فكانوا عند طلحة، فبعث النبي - - بعثًا، فخرج فيه أحدهم، فاستشهد، قال: ثم بعث بعثًا فخرج فيه آخر فاستشهد، ثم مات الثالث على فراشه. قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة، فرأيت الميت على فراشه أمامهم، ورأيت الذي استشهد أخيرًا يليه، ورأيت الذي استشهد أولهم آخرهم، قال: فدخلني من ذلك، فأتيت النبي ـ ـ فذكرت ذلك له، قال: فقال رسول الله - -: وما أنكرتَ من ذلك، ليس أَحَدٌ أَفْضَلَ عند الله من مؤمن يُعَمِّرُ في الإسلام، لِتسْبيحِهِ، وَتَكْبِيرِهِ، وَتَهْلِيلِهِ ) رواه أحمد .

وفي هذا الحديث دلالة على فضل الكبير وذي الشيبة المسلم، وإنما يكون هذا الفضل بكثرة عبادته لله عمن مات قبله، فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، أن رجلا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟، قال ـ ﷺ ـ: ( من طال عمره وحسن عمله، قال: فأي الناس شر؟، قال: من طال عمره وساء عمله ) رواه الترمذي .

وأوصى النبي ـ ـ شباب وصغار المجتمع بإكرام وإجلال الكبار والمسنين، ـ وشباب اليوم هم شيوخ الغد ـ، فقال: ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ) رواه أحمد .

وحذر رسول الله ـ ـ من عدم معرفة حق الكبير وترك توقيره فقال: ( ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر) رواه أحمد، وقال: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا )، وفي رواية ( ويعرف حق كبيرنا )رواه أحمد .

وفي سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المثال الحي والواقعي في معرفته لقدر الكبار والمسنين وعنايته بهم وشفقته عليهم ، فقد روى ابن هشام في سيرته والبيهقي في الدلائل أن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : لما دخل رسول الله ـ ـ مكة ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله ـ ﷺ ـ قال: ( هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟، قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، قالت: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: أسلم، فأسلم ) رواه أحمد .

تسليم الصغير على الكبير:

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير ) رواه البخاري .

كما أن الكبير في هدي النبي ـ ـ أحق بالمبادأة في الكلام، والحوار، فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عبد الله بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بن مسعود أَتيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا في النخل، فَقُتِلَ عبد الله بن سهل فجاء عبد الرحمن بن سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النبي ـ ـ فتكلموا في أمر صاحبهم، فبدأ عبد الرحمن وكان أَصْغر القوم، فقال له النبي ـ ـ : ( كَبِّرْ ) رواه البخاري .
قَال يَحْيَى: " يَعْنِي لِيَلِيَ الْكَلامَ الأكْبَرُ "
.
وهذه قاعدة عامة في تقديم الكبير والمسن في وجوه الإكرام والتشريف، فقد أمر النبي ـ ـ أن يُبدأ بالكبير في تقديم الشراب ونحوه، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( كان رسول الله - - إذا سقى قال: ابدءوا بالكبير - أو قال: بالأكابر ) رواه الطبراني .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( كان ـ ـ يستن وعنده رجلان، فأُوحي إليه: أن أعط السواك أكبرهما ) رواه أبو داود .
قال ابن بطال: " فيه تقديم ذي السن في السواك، و يلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام وكل وجوه الإكرام " .

التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية :

الأحكام الشرعية في هدي النبي ـ ـ دائمًا تأخذ في الاعتبار مبدأ التخفيف عن صاحب الحرج، كالمسن والمريض، ففي الفرائض: أجاز الشرع للمسن أن يفطر في نهار رمضان ـ ويطعم - إذا شق عليه الصيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن يصلي راقدًا إذا شق عليه الجلوس وهكذا، وقد عنّف الرسول ـ ـ معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ لما صلّى إمامًا فأطال فشق على المأمومين، فقال له : ( يا مُعَاذ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ! ثَلَاثَ مِرَارٍ! فَلَوْلَا صَلَّيْتَ ب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ }،{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا }،{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَإِنه يصلي وراءك الكبِير والضَّعِيفُ وَذو الحاجة ) رواه البخاري .

ورخص النبي ـ ـ للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع، فعَنْ الفضل أن امرأة مِنْ خثعَمَ قالَت: ( يا رسول الله، إِن أَبِي شَيْخٌ كَبِير عليه فريضة الله فِي الْحَجِّ، وَهو لا يَسْتَطِيع أَنْ يَسْتَوِي عَلَى ظهربعِيرِهِ، فقال لها النبِي ـ ـ: فَحُجِّي عَنْهُ ) رواه مسلم .

إن كبير السن له قدره ومكانته في الإسلام فينبغي أن يُتعامل معه بكل توقير وإجلال، ويظهر ذلك التوقير في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم، وجميع هذه الممارسات لها أصل في سيرة وهدي النبي ـ ـ القائل: ( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ) ..
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

كان نبينا وحبيبنا ـ ـ أرجح الناس عقلا، وأعفهم نفسا، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، شهد له بذلك أصحابه وأعداؤه، وكان يسمي قبل نبوته " الصادق الأمين "، ويُتَحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام، فقد نشأ - - من أول لحظة من لحظات حياته متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، يُضرب به المثل، فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك العدو والصديق في الماضي والحاضر .

مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد

قال القاضي عياض : " وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخُلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ ـ " .

وإذا كان من الطبيعي أن يثني التابعون على متبوعهم، فالعجيب هو ثناء الأعداء والمخالفين لعدوهم، فلم يشهد بصدق النبي ـ ـ وحسن أخلاقه المؤمنون به فقط، بل شهد له الكثير من المنصفين من أعدائه الذين لم يؤمنوا به، هذه هي الحقيقة التي أبصرتها عقول منصفة، فنطقت بها ألسنتهم لتكون حجة على كل من يكابر ويعاند، ويأبى إلا الكذب والافتراء، لحقده أو كِبْرِه، وإليك بعض تلك الأقوال التي تشهد للنبي ـ ﷺ ـ وتثني عليه وعلى أخلاقه، ممن لم يؤمن به وكان مخالفاً له في القديم والحديث ..

في القديم :

شهادة كفار قريش بأمانته وصدقه ـ ﷺ ـ :

حينما قامت قريش ببناء الكعبة قبل بعثة النبي - ﷺ - تنازعوا في رفع الحجر الأسود إلى مكانه، واتفقوا على تحكيم أول من يدخل عليهم الباب، فكان أول داخل رسول الله - - ففرحوا جميعاً، وقالوا: جاء الأمين، جاء محمد، وقد كانوا يلقبونه بلقب الصادق الأمين، لما يعلمونه من أمانته وصدقه - ـ .
ولما نزل على النبي ـ ﷺ ـ قول الله تعالى: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(الشعراء:214)، صعد إلى الصفا، فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي ـ لبطون قريش ـ حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال ـ ـ : ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) رواه البخاري .

أبو جهل :

فرعون هذه الأمة، مع شدة عداوته للنبي ـ ﷺ ـ شهد بصدقه حينما قال للنبي ـ ـ : " إنا لا نكذبك، لكن نكذب ما جئت به " ، فأنزل الله تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }(الأنعام:33) .
وذكر ابن القيم في كتابه " هداية الحيارى ": أن المسور بن مخرمة سأل أبا جهل عن حقيقة محمد ـ ـ فقال: " يا خالي هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، فقال: يا ابن أختي والله لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الأمين فما جربنا عليه كذبا قط، قال: يا خال فما لكم لا تتبعونه؟ قال: يا ابن أختي تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا (جلسنا للخصومة) على الركب كنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي فمتى ندرك مثل هذه؟ " .
وذكر ابن كثير والطبري في تفسيرهما أن الأخنس بن شريق قال يوم بدر لأبي جهل: " يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فانه ليس ها هنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء و الحجابة و السقاية والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟! ".
وكذلك شهد أبو سفيان ـ قبل إسلامه ـ بين يدي هرقل ملك الروم بصدق رسول الله - ـ ووفائه، حينما سأله هرقل : " فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قلت: لا، قال: فهل يغدر؟، قلت: لا " رواه البخاري .

في العصر الحديث :

رودنسن : ولد عام 1915، وهو من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس، ثم مديرها يقول : " بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر، بدأت تتكامل معالم صورة، هي صورة محمد ـ ـ الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع " .

ـ جاك ريسلر :

باحث وكاتب فرنسي معاصر، وأستاذ بالمعهد الإسلامي بباريس، والحاصل على جائزة الأكاديمية الفرنسية يقول : " كان لزامًا على محمد ـ ـ أن يبرز في أقصر وقت ممكن تفوّق الشعب العربي عندما أنعم الله عليه بدين سام في بساطته ووضوحه، وكذلك بمذهبه الصارم في التوحيد في مواجهة التردد الدائم للعقائد الدينية، وإذا ما عرفنا أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل أعظم أمل لحياة إنسانية، فإنه يجب أن نعترف أن محمدًا ـ ﷺ ـ يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم تاريخ الشعوب والأديان .

ـ ليف تولستوي:

ولد عام 1828م وتوفي عام 1910م، من الروائيين الروس الكبار، ومن أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، يقول: " يكفي محمداً فخراً، أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمد ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة ".

ـ آرنولد توينبي :

ولد في لندن عام 1889م في لندن وتوفي عام 1975م، من أشهر المؤرخين في القرن العشرين، وتقلَّب في عدَّة مناصب، منها: أستاذ الدراسات اليونانيَّة والبيزنطيَّة في جامعة لندن، ومدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية، يقول : " لقد أخذت سيرة الرسول العربي ـ ﷺ ـ بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا " .

ـ ويليام جيمس ديورانت :

( من 1885م - إلى 1981م ) فيلسوف ومؤرخ وكاتب أمريكي يقول : " إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا ـ ـ كان من أعظم عظماء التاريخ .

ـ مايكل هارث : عالم أمريكي فيزيائي معاصر، صاحب كتاب " أعظم مائة شخص في التاريخ" يقول: " إن اختياري محمداً ليكون الأول في قائمة أهم رجال التاريخ ربما أدهش كثيراً من القراء إلى حد قد يثير بعض التساؤلات ، ولكن في اعتقادي أن محمداً ـ ﷺ ـ كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي .. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معا، يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية " .
ويقول: " إن محمدًا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي، وبعد أربعة عشر قرنًا ما يزال أثره قويًا متجددًا "، " ويقول : "لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بقى حروفه كاملاً دون تحوير سوى القرآن الذي نقله محمد " .

ـ مهاتما غاندي :

( ولد عام م1869م ـ توفي عام1948م
) كان السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند يقول : " أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر .. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته، مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته .. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف .. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسِفاً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة " .

تلكم بعض شهادات وأقوال المنصفين الذين لم يؤمنوا بالنبي ـ ـ قديما وحديثا ـ تحمل شهادتهم وأقوالهم الحقيقة التي تشع من سيرة سيد الأنبياء والمرسلين ـ ﷺ ـ، بخلاف من أعمى الله بصره وبصيرته، فراح ينكر ضوء الشمس في رابعة النهار

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ ويشتكي الفم طعم الماء من سِقم

إن المنصفين والعقلاء قديما وحديثا ـ ولو كانوا مخالفين ـ للنبي ـ ـ عندما اطلعوا على شمائله وسيرته ـ ـ، لم يملكوا إلا الاعتراف له بالفضل وحسن الخلق والسيادة، فأي فضل أعظم من فضل من شهد له الأعداء الذين لم يجدوا فيه مغمزاً لثالب أو قادح، ولا مطعناً لجارح أو فاضح

شَهِدَ الأَنَامُ بِفضْلِهِ حتى الْعِدَا وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ به الأَعْدَاءُ
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

من نعم الله علينا وعلى البشرية بأسرها أن رسول الله ـ ﷺ ـ ما بُعِث إلا لتحقيق ونشر الرحمة بين الناس جميعا، كما قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107) ، وقال تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128) ، ويؤكد الرسول ـ ـ ذلك بقوله : ( أنا نبي الرحمة ) رواه مسلم .​

فمن سمات الكمال التي تحلّى بها النبي ـ - خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير، تلكم الرحمة التي صارت له سجيّة، فشملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، والطائع والعاصي، وإذا كان الناس ـ عامة ـ بحاجة إلى الرحمة والرعاية، فإن الذي زل ووقع في المعصية بحاجة خاصة أن نأخذ بيده لا أن نتركه واقعا، أو نهيل عليه التراب فنكون عونا للشيطان عليه، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( إن رسول الله - ﷺ - أُتِيَ برجل قد شرب الخمر، فقال: اضربوه، فمنا الضارب بيده ، والضارب بثوبه، والضارب بنعله، ثم قال: بكتوه، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله ؟ ! ما خشيت الله ؟ ! وما استحييت من رسول الله - - ؟ ! ، فقال بعض القوم: أخزاك الله ! قال: لا تقولوا هكذا ! لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ) رواه أبو داود .​

وسيرة النبي ـ صلى الله عل يه وسلم ـ وأحاديثه عامرة برحمته مع العصاة، تلكم الرحمة التي لا تضيق بضعفهم وتقصيرهم، فإنهم بشر من بني آدم، والنبي ـ ـ يقول : ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي .​

الأمل والرجاء :


من هدي النبي ـ ـ مع العاصي مهما ارتكب من ذنوب أن نفتح له أبواب الأمل والرجاء والطمع في رحمة الله وعفوه، فعن عبدالرحمن بن جبير - رضي الله عنه - عن أبي الطويل: شطبٍ الممدود قال: ( أنه أتى النبي ـ ـ فقال : أرأيت من عمل الذنوب كلها، ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة (صغيرة أو كبيرة) إلا أتاها، فهل لذلك من توبة؟! ، قال: فهل أسلمت ؟، قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال: تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن، قال : وغدراتي وفجراتي ؟ قال: نعم، قال: الله أكبر ، فما زال يكبر حتى توارى ) رواه الطبراني .​

الرفق :


كان هدي النبي ـ ـ مع أصحاب المعاصي الرفق، وكان يعظهم ويبين لهم الحكمة التي شرعها الله في تحريم الحرام، فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : ( إن فتى شابا أتى النبي - ﷺ ـ فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال رسول الله - ﷺ -: ادْنُه ، فدنا منه قريبا، فجلس، قال : أتحبه لأمك ؟، قال: لا والله ، جعلني الله فداءك، قال ـ ﷺ ـ: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال : أفتحبه لابنتك ؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال : أفتحبه لأختك ؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال : أفتحبه لخالتك ؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، ثم وضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) رواه أحمد .​

وإذا كان العاصي جاهلاً وارتكب المعصية وهو يظن جوازها، تلطف النبي ـ ـ معه بالإنكار عليه ولم يعنفه، فعن معاوية بن الحكم السلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا أنا أصلي مع رسول الله - - إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثُكْلَ أُمِّياه (وافَقْد أمي لي)، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟!، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله - - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني (ما نهرني ولا عبس في وجهي)، ولا ضربني، ولا شتمني، قال ـ ـ: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) رواه مسلم .​

قال النووي : " فيه بيان ما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته وشفقته عليهم .. وفيه التخلق بخلقه ـ صلى الله عليه و سلم ـ في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه " .​

ومع أن الرفق هو الأصل في معاملة النبي ـ ـ للعاصي إلا أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان أحيانا يغلظ في الإنكار على العاصي لمصلحة تربوية يراها، فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( رأى النبي ـ ـ عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: أأمك أمرتك بهذا؟، قلت: أغسلهما، قال: بل أحرقهما )، وفي رواية: ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما ) رواه مسلم .
الثياب المعصفرة ليست من ملابس الرجال، وإنما تلبسها النساء، فإذا لبسها الرجل تشبه بالمرأة، وقد لعن رسول الله ـ المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعلها قد كانت من ملابس الروم أو فارس، فلذلك قال: ( من ثياب الكفار ) .​

بل ربما بالغ النبي ـ ـ في تأديب العاصي، فهجره وأمر الناس بهجره، إن كان في ذلك مصلحة تربوية للعاصي نفسه أو لمن حوله، كما حصل مع الثلاثة الذين خُلفوا في غزوة تبوك، مع الأخذ في الاعتبار العلم بأن تطبيق هذا الهجر وهذه الشدة يجب أن تتم مع أمن الوقوع في الفتنة لمن يُطَبَق عليه ذلك .


الستر :


كثرت النصوص النبوية التي تحثُّ على ستر المسلم، وتحذر من تتبُّع عوراته وزلاَّته، ومن ذلك قوله - صلَّى الله عليْه وسلم -: ( مَن ستر مسلمًا ستَرَه الله يوم القيامة ) رواه البخاري .
قال ابن حجر عند شرح قوله - -: ( مَن ستر مسلمًا ) : " أي: رآه على قبيحٍ فلم يُظهِره، أي للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه " .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلم -: ( مَن ستَر عورةَ أخيه المسلم، ستر الله عورته يومَ القيامة، ومَن كشفَ عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ) رواه ابن ماجه . وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ ﷺ ـ : ( من علم من أخيه سيئة فسترها عليه ستر الله عليه يوم القيامة ) رواه أحمد .​

فائدة:

الأصل فيمن رأى المنكر أن يقوم بالإنكار على فاعله مع الستر عليه وعدم التشهير به، لما ورد في قصة ماعز ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ـ قال لرجل من أسلم يقال له هزال : ( يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك ) رواه الطبراني .
فهذا فيمن لم يكن مجاهراً بالمعصية، فإذا كان مجاهراً ومفتخرا بالمعصية فإنه يجوز الكلام عنه لردعه وردع غيره حتى لا تنتشر الذنوب ولا يُتهاون بشأن المعصية ..
قال الحافظ في الفتح: " وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به، دون ما لم يجاهر به " ..​

لا شك أن المذنب والعاصي له حق على مجتمعه، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه بأفضل الطرق وأقومها، فلو أن المسلمين ـ وخاصة الدعاة ـ اقتدوا برسول الله ـ ـ، وبذلوا جهدهم في النصح للعاصي بهذا الأسلوب النبوي الكريم، وما فيه من رفق وستر، وشفقة ورحمة، لأثروا بأسلوبهم في العصاة والمذنبين، تأثيراً يجعلهم يسارعون لتنفيذ أوامر الله، ويتمسكون بهدي رسول الله ـ ـ ..​
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

estawso.jpg

المرأة في حياة وهدي النبي ـ ﷺ ـ لها مكانة عظيمة، فهي عِرْضٌ يصان، ومخلوق له قدره وكرامته، وقد أحاطها النبي ـ ـ بسياج من الرعاية والعناية، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة وهذه باقة من أحاديثه وهديه في اهتمامه ـ ـ بالمرأة : أُمًّا وزوجة وابنة ..

الأم :



عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى رسول الله ـ ـ فقال: ( يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك ، قال: ثم من؟، قال : أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟، قال: " أبوك ) رواه البخاري .

وعن المقدام بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ ـ: ( إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب ) رواه أحمد .

وعن معاوية بن جاهمة السلمي: ( أن جاهمة أتى النبي - - فقال: يا رسول الله! أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟، قال: نعم، قال: الزمها فإن الجنة عند رجليها ) رواه أحمد .

بل إنه ـ ﷺ ـ أوصى بالأم وإن كانت غير مسلمة، فعن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( قدِمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله ـ ـ فقلت : يا رسول الله ! قدِمَت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي ؟، قال: نعم . صِلي أمك ) رواه مسلم . راغبة : راغبة عَن الإسلام كارهة له، وقيل: طامعة في العطاء والإحسان .
قال الخطابي : " فيه أن الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه، كما توصل المسلمة، قال: ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر، والأم الكافرة، وإن كان الولد مسلما " .

الإبنة :



أجمع المؤرخون على أن للنبي ـ - أربع بنات من زوجته ـ خديجة ـ رضي الله عنها ـ وهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة .

وكان من هديه ـ - أنه كان يُسَّر ويفرح لمولد بناته، فقد سُرَّ واستبشر ـ ﷺ - لمولد ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وتوسم فيها البركة واليُمن، فسماها فاطمة، ولقبها بـِ (الزهراء)، وكانت تكنى أم أبيها رغم أنها كانت البنت الرابعة له ـ ـ ..

وفي هذا درس منه ـ ـ بأن من رُزِق البنات وإن كثر عددهن عليه أن يظهر الفرح والسرور ويشكر الله سبحانه على ما وهبه من الذرية، وأن يحسن تربيتهن، ويحرص على تزويجهن بالكفء " التقي" صاحب الدين .


وقد زوج النبي ـ - جميع بناته من خيرة الرجال : فزوج زينب ـ رضي الله عنها - من أبي العاص بن الربيع القرشي - رضي الله عنه -، وكان من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة .. وزوج رقية ـ رضي الله عنها ـ من عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الخليفة الراشد الزاهد الجواد السخي الحيي، فلما توفيت زوجه أم كلثوم ـ رضي الله عنها ـ ..وكذلك زوَّج فاطمة ـ رضي الله عنها ـ من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه ـ ..

وكان ـ ﷺ - يزور بناته بعد الزواج ويدخل عليهن الفرح والسرور، فقد زار فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بعد زواجها ودعا لها ولزوجها بأن يعيذهما الله وذريتهما من الشيطان الرجيم .
ولم يكن يشغله ـ - عن بناته ـ رضي الله عنهن ـ شاغل بل كان يهتم بهن ويسأل عنهن وهو في أصعب الظروف، فعندما أراد ـ - الخروج لبدر لملاقاة قريش كانت رقية ـ رضي الله عنها ـ مريضة، فأمر النبي ـ - زوجها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يبقى في المدينة، ليمرضها وضرب له بسهمه في مغانم بدر .

الزوجة :



لقد جعل النبي ـ ـ من معايير خيرية الرجال حسن معاملة الزوجات، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال ـ رسول الله ـ ـ : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : ( إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله ) رواه الترمذي .

وقد سئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ما كان النبي ـ ـ يعمل في بيته ؟، قالت: ( يخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجل في بيته )، وفي رواية : قالت : ( ما يصنع أحدكم في بيته : يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخيط ) .

وعن الأسود ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( ما كان النبي ـ ـ يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله ( يساعدها في عملها)، فإذا حضرت الصلاة، قام إلى الصلاة ) رواه البخاري .

فمع كثرة أعبائه ومسئولياته ـ ﷺ ـ كان زوجا محبا، جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، ويصبر عليهن، ويعينهم في أمور البيت ..

مستشارة :



روى الإمام أحمد بسنده من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - رضي الله عنهما - قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي - - ومشركي قريش قام رسول الله - ﷺ - فقال: ( يا أيها الناس انحروا واحلقوا )، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله - - فدخل على أم سلمة فقال: ( يا أم سلمة ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله - ﷺ - لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون ) . فكان رأي أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ رأياً موفقا ومشورة مباركة .

قال ابن حجر : " وإشارتها على النبي ـ ﷺ ـ يوم الحديبية تدلُّ على وفور عقلها وصواب رأيها " ..
وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة الزوجة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الشورى:38) .

وفي قبول النبي ـ ـ لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للزوجة خاصة والمرأة عامة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل؟!، ويعمل النبي - - بمشورتها .

هكذا كانت المرأة ـ أُمَّاً وابنة وزوجة ـ في حياة النبي ـ ـ وهديه، لها من المكانة والمنزلة والاهتمام القدر الكبير الذي لا نظير له في أي مجتمع آخر مهما ادعى الحفاظ على حقوقها وكرامتها، وقد بلغ من شدة اهتمامه ـ ـ بالمرأة أن أوصى بها في خطبته الشهيرة في حجة الوداع قبل موته قائلا : ( استوصوا بالنساء خيرا ) رواه البخاري .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

images9.jpg



على الرغم من كون النبي ـ ـ نبياً من الأنبياء يتلقّى الوحي من السماء ، غير أن المشاعر الإنسانية المختلفة تنتابه كغيره من البشر ، وتمر به حالات من الضحك والبكاء ، والفرح والحزن ، وتبرز قيمة العنصر الأخلاقي في حياة النبي ـ ـ في وضع هذه المشاعر المتباينة في إطارها الشرعي ، حيث صانها عن الإفراط والتفريط ، بل أضاف لها بُعْداً راقياً حينما ربطها بقضيّة الثواب والاحتساب ، فقال ـ ﷺ ـ : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) رواه الترمذي . وعن أبى ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي - - ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِق (ضاحك مستبشر)) رواه مسلم .


ولا شك أن من مكارم الأخلاق إدخال السرور على المسلم ، ومن ثم فقد كان مزاحه ـ ـ تأليفا ومداعبة ، وتفاعلا مع أهله وأصحابه ، وإدخالا للسرور عليهم ، وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة ، والمقاصد النبيلة ، فصار من شمائله الحسنة ، وصفاته الطيبة ـ ـ ، قال عبيد الله بن المغيرة : سمعت عبد الله بن الحارث قال : ( ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله ـ ﷺ ـ ) رواه الترمذي .


والضحك والمزاح أمر مشروع كما دلت علي ذلك النصوص القولية ، والمواقف الفعلية للرسول ـ صلي الله عليه وسلم - ، وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلي شيء من الترويح ، يخفف عنها أعباء الحياة وقسوتها ، وهمومها وأعبائها ، ولا حرج فيه ما دام منضبطا بهدي النبي ـ ـ ، ولا يترتب عليه ضرر ، بل هو مطلوب ومرغوب ، لأن النفس بطبعها يعتريها السآمة والملل ، فلا بد من فترات راحة ، وليس أدل على مشروعية الضحك والمزاح والحاجة إليه ، مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل ـ ـ، فقد كان يداعب أهله ، ويمازح أصحابه ، ويضحك لضحكهم .
وقد سئل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ هل كان أصحاب رسول الله ـ ـ يضحكون ؟ ، قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل .
وقال بلال بن سعد : أدركتهم يضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل لا، كانوا رهبانا .


لكن المزاح والضحك في هدي وحياة النبي ـ ﷺ ـ مقيد بضوابط لابد وأن تُراعى ، منها :
ألا يقع في الكذب ليضحك الناس ، ولهذا قال ـ ـ : ( ويل للذي يحدث فيكذب ، ليضحك القوم ، ويل له ، ويل له، ويل له ) رواه الترمذي .
وقد كان ـ ـ يمزح ويضحك ولا يقول إلا حقا وصدقا ، ومن ثم فينبغي ألا يشتمل المزاح والضحك علي تحقير لإنسان آخر ، أو استهزاء به وسخرية منه ، قال الله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الحجرات:11) . وقال ـ ﷺ ـ : ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه مسلم .


ومن ضوابط المزاح والضحك في هدي النبي ـ ﷺ ـ : ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم ، قال ـ ﷺ ـ : ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) رواه أبو داود .
وأن يكون بقدر يسير معقول ، وفي حدود الاعتدال والتوازن ، الذي تقبله الفطرة السليمة ، ويرضاه العقل الرشيد ، ويتوافق مع المجتمع الإيجابي العامل ، ولهذا قال ـ ﷺ ـ : ( يا أبا هريرة أقل الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه ).
فالمنهي عنه هو الإكثار ، فالمبالغة في المزاح والضحك يُخشي من ورائه الإلهاء عن الأعباء ، أو تجرؤ السفهاء ، أو إغضاب الأصدقاء، أو الوقوع فيما حرم الله .


أما المواقف التي مزح وضحك فها النبي ـ ـ فهي كثيرة ومتنوعة ، فتجده ـ ـ يضحك فرحا بكرامة وفتح لأمته ، أو تفاعلا مع أصحابه، أو مداعبة لزوجاته ، أو لإدخال السرور على الأطفال .


مع أمته :


عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا رسول الله ـ ـ في بيت بعض نسائه ، إذ وضع رأسه فنام ، فضحك فى منامه ، فلما استيقظ قالت له امرأة من نسائه : لقد ضحكت فى منامك فما أضحكك ؟ ، قال : أعجب من ناس من أمتي ير**** هذا البحر هول العدو ، يجاهدون في سبيل الله ، فذكر لهم خيرا كثيرا ) رواه أحمد ، وفي رواية: ( يركَـــ بُـــ ونَ هذا البحر كالملوك على الأسِرَّة ) .


وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ ـ: ( إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا ، كذا وكذا ، فيقول نعم ، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا، فلقد رأيت رسول الله ـ ـ ضحك حتى بدت نواجذه (أضراسه) رواه مسلم .


مع أصحابه :



عن جرير ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ما حجبني رسول الله ـ ـ منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) وفي رواية : ( ما حجبني رسول الله ـ ـ منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك ) رواه ابن ماجه .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رجلا أتى النبي ـ ـ فقال يا رسول الله : احملني ، قال النبي ـ ـ إنا حاملوك على ولد ناقة ، قال : وما أصنع بولد الناقة ؟!، فقال النبي ـ ـ وهل تلد الإبل إلا النوق ) رواه الترمذي .
فكان قوله ـ ﷺ ـ مداعبة للرجل ومزاحاً معه ، وهو حق لا باطل فيه .


وعن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ، قال: فالتزمته (احتضنته) ، فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، قال : فالتفت فإذا رسول الله ـ ـ متبسما ) رواه مسلم .


وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا ، قال : نعم ، غير أني لا أقول إلا حقا ) رواه الترمذي .


مع الأطفال :



عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله ـ ﷺ ـ من أحسن الناس خَلَقا ، فأرسلني يوما لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله ـ ـ ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله ـ ـ قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك، فقال : يا أنيس ، أذهبت حيث أمرتك ؟ قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ) رواه مسلم .


وكان ـ ﷺ يمازح أنس ـ رضي الله عنه ـ قائلا : ( يا ذا الأذنين ) رواه أبو داود .


وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ ﷺ أحسن ـ الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير(طائر صغير) رواه البخاري.


مع زوجاته :
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( خرجت مع النبي ـ ـ في بعض أسفاره و أنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا ، ثم قال : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : هذه بتلك ) رواه أحمد .

وروى أبو يعلى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( أتيت رسول الله - - بخزيرة طبختها له ، فقلت لسودة والنبي - - بيني وبينها ، فقلت لها : كلي ، فأبت، فقلت : لتأكلنَّ أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها ، فضحك النبي - - فوضع فخذه لها ، وقال لسودة : الطخي وجهها ، فلطخت وجهي ، فضحك النبي - – أيضاً ) .

ودخل النبي ـ ـ يوما على عائشة وهي تلعب بلعب لها ، فقال لها : ( ما هذا ؟ ، قالت : بناتي، قال ما هذا الذي في وسطهن ؟ ، قالت : فرس ، قال : ما هذا الذي عليه ؟ ، قالت : جناحان ، قال : فرس لها جناحان ؟ ، قالت : أو ما سمعت أنه كان لسليمان بن داود خيل لها أجنحة ؟! ، فضحك رسول الله ـ ـ حتى بدت نواجذه ) رواه أبو داود .

لا يوجد من هو أكثر اهتماما بالدعوة من رسول الله ـ ـ ، وليس هناك من تعددت لديه الواجبات كما تعددت لدى الحبيب ـ ﷺ ـ ، فلقد كان ـ ـ إماما للناس ، ومعلما للدين ، وحاكما وقاضيا ، وقائدا للجيوش ، كما كان أبا رحيما ، وزوجا بارا ، وصاحبا وفيا ، ومع هذا كله فقد كان ـ ـ ضحاكًا بساماً ، يربي ويهذب بالابتسامة والممازحة ، فلضحكاته منافع ، ولابتساماته وممازحاته مقاصد وفوائد ، ولو ترك رسول الله ـ ـ طريق الابتسامة إلى العبوس ، لأخذ الناس أنفسهم بذلك ، على ما فيه من مخالفة الفطرة من المشقة والعناء .

قال الإمام النووي : " المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ، ويشغل عن ذكر الله تعالى ، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار ، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله ـ ـ يفعله " .
وقال رجل لسفيان بن عيينة : المزاح هجنة أي مستنكر؟! ، فقال : " بل هو سُنَّة ، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه " .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

images


نشأ الحبيب ـ ـ من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظات حياته متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس وأفصحهم لساناً، يُضرب به المثل في الأمانة والصدق، أدبه الله فأحسن تأديبه، فكان أرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأكثرهم حياء، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلة .. وبالجملة فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - ﷺ - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق ..

فهو بحق الرسول المصطفى والنبي المجتبى الذي قال عن نفسه: ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ) رواه البخاري .
وقال ـ ـ: ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين )رواه البخاري .
ويقول عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد ـ ـ خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته " .
قال القاضي عياض : " .. وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ ﷺ ـ " ..
وقد بُعِث رسول الله ـ ﷺ ـ ليتمم مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع والأمة .

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )رواه أحمد . وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال
frown.gif
لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ـ ﷺ ـ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر ، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ) رواه البخاري.

وهذه قطوف من أقواله، وقبس من أحاديثه ـ ـ في حثه وأمره بالأخلاق، تضيء لنا الطريق لنعيش في روضة أخلاق النبي ـ ـ علما وعملا واقتداء ..

في الأخلاق عامة قال ـ ـ : ( خياركم أحاسنكم أخلاقا ) رواه الترمذي . وقال: ( إن من أحبكم إلىَّ أحسنكم أخلاقاً ) رواه البخاري .
وفي معاملة الوالدين وبرهما، والاهتمام بهما وتقديهما على غيرهما : جاء رجل إلى رسول الله ـ ـ فقال : ( يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك ) رواه مسلم .
وفي معاملة الزوجة خاصة، والمرأة عامة ـ سواء كانت أماً أو أختاً أو بنتا أو زوجة ـ يقول ـ ـ : ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .. و قال عليه الصلاة و السلام : ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه البخاري .

وحفاظا على المجتمع من انتشار الرذيلة واعتيادها : كان ـ ـ يأمر بالستر وينهى عن الفضيحة فيقول: ( من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) رواه البخاري .
ويفتح طريق التوبة للمذنب، بل ويأمر صاحب المعصية أن يستر على نفسه، ولا يجهر بمعصيته أو يفتخر ويُحَّدِّث بها، فيقول ـ ـ: ( كل أمتي معافى، إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه ) رواه البخاري .
وفي مراعاة أحوال الكبار وإكرامهم، والرفق بالصغار ورحمتهم، يقول ـ ـ : ( ليس منا من لم يعرف حق كبيرنا، ويرحم صغيرنا ) رواه أحمد .

ويهتم بأمر الجار والضيف فيقول ـ ـ: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) رواه البخاري .
ويحث على الرفق ويأمر به فيقول: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه (أعابه)) رواه مسلم .
وفي حسن معاملة اليتيم والاهتمام به يقول ـ ـ : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) رواه البخاري .
ويأمر بالتواضع وينهى عن الفخر، فيقول: ( إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد ) رواه مسلم .
ويحث على الأمانة وعدم الخيانة فيقول ـ ـ ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُن من خانك ) رواه البخاري .
وفي التقاضي: ( إن خياركم أحسنكم قضاء ) رواه البخاري .
وفي البيع والشراء: ( مَن غَشَّنا فليس منا ) رواه مسلم .. وقال ـ ﷺ ـ : ( رحم الله رجلا سمحا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى ) رواه البخاري .
ويرسخ قيمة وخلق العدل ـ لأهميته في بناء المجتمع والأمة ـ في كلمته ووصيته التي خلدها التاريخ، حينما رد شفاعة حِبه أسامة بن زيد في العفو عن المرأة المخزومية التي سرقت، فقال ـ ـ: ( أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري .
ومن مفاتيح إصلاح المجتمع والحفاظ عليه النصيحة بآدابها، ومن ثم قال ـ ـ : ( الدين النصيحة ) رواه البخاري .
وهذا الذي ذكرناه من أقواله وأحاديثه في بعض الأخلاق والقيم قليل من كثير، وغيض من فيض، مما لا يمكن الإتيان على جميعه في مقال أو كتاب ..
لقد صار حسن الخلق مطلبا ملحا للأمة تبرز به الوجه الحضاري للإسلام، وتسترجع به سالف عزها وسابق مجدها، فقد كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا لِمَا يرون من حسن معاملة المسلمين وجميل أخلاقهم .. وأسوتهم وقدوتهم في ذلك رسول الله ـ ـ ، الذي كان خلقه القرآن، واهتم بالأخلاق ورفع شأنها فقال: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ..
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

من المفاهيم الخاطئة عند البعض أن علاقة المسلم بالكافر هي علاقة عنف وشدة وغلظة بإطلاق ، وهو خلاف هدي النبي ﷺ في التعامل مع الكفار ، فقد وضع ـ ـ آداباً وضوابط تقوم عليها العلاقة مع الكفار، والتعامل معهم ، وهي آداب وضوابط مبنية على العدل وعدم الظلم ، كما قال الله تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(الممتحنة : 8 ) .

وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله ـ ـ عن آبائهم ، عن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : ( ألا من ظلم معاهَدَاً ، أو انتقصه حقه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة ) رواه أبو داود .

وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ : عن النبي ـ ـ قال : ( من قتل نفسا معاهَدَاً لم يَرِح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري .​

ومن المعلوم أن المؤمن لا يكون ولاؤه إلا لله تعالى ولرسوله ـ ـ وللمؤمنين ، كما قال الله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }(المائدة:55) .
والولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم ونصرتهم لإيمانهم ، والنصح والدعاء لهم ، وغير ذلك من حقوق ، والبراء من الكفار يكون ببغضهم ، وعدم الركون إليهم ، أو التشبه بهم ، وتحقيق مخالفتهم ، ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله ، مع معاملتهم بالعدل ، والوفاء بالعهد ، والأمانة وعدم الغش ، قال الله تعالى : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }(المائدة: من الآية 8) .​

ومن هدي النبي ـ ﷺ ـ في معاملته للكافر :

دعوته إلى الله :

استخدم رسول الله ـ ـ أساليباً متعددة مع الكافرين في دعوتهم للدخول في الإسلام ، وشملت دعوته ، الدعوة باللسان حيث أقام الأدلة القاطعة على إرساله لهم ، وكان يرغبهم في الإسلام ويبين لهم محاسنه ، ويظهر لهم حلمه وصفحه ، ويعرفهم موافقة القرآن لما في كتبهم ـ قبل تحريفها ـ ، وقبِل الهدية منهم ، وأوصى بهم خيرا .

فدعوة الكافر إلى الله ـ بحكمة ورفق ـ وتبليغه حقيقة الإسلام من أعظم الإحسان إليه ، وهي قُرْبة إلى الله ، لقوله ـ ـ لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم ) رواه البخاري .وقال ـ ـ : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) رواه مسلم .​

حُسْن الجوار ، وعدم الإيذاء ، والإهداء :

حسن الجوار ، وعدم الإيذاء ، كذلك الإهداء للكافر ، وقبول الهدية منه ، كل ذلك من هدي النبي ـ ـ في معاملته معه .​

عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : ذُبِحتْ شاة لابن عمرو في أهله ، فقال : أهديتم لجارنا اليهوديّ ؟، قالوا : لا ، قال : ابعثوا إليه منها ، فإني سمعتُ رسولَ الله - - يقول : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورِّثه ) رواه أحمد .وقد قَبِل النبي ـ ـ هدية المقوقس ، وهدية كسرى ، وقبل الشاة المهدية له من اليهودية .​

البيع والشراء :

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( أن النبي ـ ـ اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ، ورهنه درعا من حديد ) رواه البخاري ، ( توفي رسول الله ـ ـ ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير ) رواه البخاري .​

قال الحافظ ابن حجر : " تجوز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم على المتعامَل فيه ، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم " .​

وقال الشيخ ابن عثيمين : " وأما معاملتهم في البيع والشراء ، وأن يدخلوا تحت عهدنا فهذا جائز ، فقد كان الرسول ـ ﷺ ـ يبيع ويشتري من اليهود ، كان اشترى طعاما لأهله ، ومات ودرعه مرهونة عندهم " .

عيادة الكافر :

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ ـ فمرض فأتاه يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال : أطع أبا القاسم .. فأسلم ، فخرج النبي ـ ﷺ ـ وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .​

الانتفاع بما عندهم من علم :

أذِن النبي ـ ﷺ ـ في أن يتلقى المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علوم الطب والزراعة وغيرها من علوم ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( واستأجر رسول الله ـ ـ و أبو بكر رجلا من بني الديل ، هاديا خِرِّيتا (الماهر بالطرق في السفر) ، وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ) رواه البخاري .
قال الشوكاني : " الحديث فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق " .​

وقد زارع رسول الله ـ ـ يهود خيبر على أن يعملوا ويزرعوها ، ولهم شطر ما يخرج منها .​

قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : (أعطى النبي ـ ـ خيبر بالشطر ، فكان ذلك على عهد النبي ـ ـ وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قُبِض النبي ـ ﷺ ـ ) رواه البخاري .​

هكذا كان يتعامل رسول الله ـ ـ مع غير المسلمين ، تعاملاً قائمًا على العدل والرحمة والتسامح معهم ، والإحسان إليهم ، وكذلك فإن سيرته ـ ـ خير شاهد على تمتع الأقلية غير المسلمة بالحرية الدينية ، فلم يرتضِ يومًا أن يفرض عليهم عقيدة الإسلام ، امتثالاً لأمر الله تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}(يونس:99) .​
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

250px-Mohammad.jpg


لن تجد في كتب التاريخ والسير من فجر الخليقة إلى اليوم ـ بل إلى قيام الساعة ـ رجلا يداني أو يضاهي رسول الله - - في كمال خُلقه ، وعظمة شخصيته ، وباهر وفائه ، فهو خير البرية أقصاها وأدناها ، وهو أبر بني الدنيا وأوفاها ، وما وُجِدَ على الأرض أنقى سيرة وسريرة ، وأوفى بوعد وعهدٍ منه - - .

ولم يتخلف وفاؤه ـ ـ لأعدائه ، رغم أنهم بذلوا غاية جهدهم للقضاء على دينه ودعوته ، وكادوا له ولصحابته ، فاعترفوا بفضله ووفائه وهم في شدة عداوته ، فقال مكرز لرسول الله - - : " ما عُرِفتَ بالغدر صغيرا ولا كبيرا ، بل عُرِفتَ بالبر والوفاء " . ولما سأل هرقل أبا سفيان - وهو عدو لرسول الله حينئذ - : " أيغدر محمد ؟ ، فقال : لا ، فقال هرقل : وكذلك الرسل لا تغدر ".

بعد الانتهاء من كتابة وثيقة صلح ومعاهدة الحديبية ـ والتي كان من بنودها : " من جاء إلى المسلمين من قريش ليُسْلِم رده المسلمين إليهم "، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ وهو في قيوده هاربا من المشركين في مكة ، فقام إليه أبوه سهيل ـ مفاوض قريش ـ فضربه في وجهه ، وقال : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليَّ ، فأعاده النبي ـ ـ للمشركين ، فقال أبو جندل : يا معشر المسلمين أَأُرَد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟! ، فقال له النبي ـ ـ : ( إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا، وإنا لا نغدر بهم ) ، ثم طمأنه النبي ـ ـ قائلا : ( يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا ) رواه أحمد .
وعن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا و أبي حسيل فأخذنا كفار قريش ، قالوا : إنكم تريدون محمدا ، فقلنا : ما نريده ، ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ، ولا نقاتل معه ، فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر ، فقال : ( انصرفا ، نفي لهم بعهدهم ، ونستعين الله عليهم) رواه مسلم .

ومن صور وفائه - - ما روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( ابتاع رسول الله ـ ـ من رجل من الأعراب جزورا بوسق من تمر الذخرة (العجوة) ، فرجع به رسول الله ـ ﷺ ـ إلى بيته و التمس له التمر فلم يجده ، فخرج إليه رسول الله ـ ـ فقال له : " يا عبد الله ! إنا قد ابتعنا منك جزورا بوسق من تمر الذخرة ، فالتمسناه فلم نجده )، قال : فقال الأعرابي : واغدراه ! قالت : فهمَّ الناس وقالوا : قاتلك الله ، أيغدر رسول الله ـ ـ ؟! قالت : فقال رسول الله ـ ـ: ( دعوه ، فإن لصاحب الحق مقالا ) . ثم عاد رسول الله ـ ﷺ ـ فقال : ( يا عبد الله ! إنا ابتعنا منك جزائر و نحن نظن أن عندنا ما سمينا لك ، فالتمسناه فلم نجده ) ، فقال الأعرابي : واغدراه ! فنهمه الناس و قالوا : قاتلك الله ، أيغدر رسول الله ـ ﷺ ؟!، فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : ( دعوه ، فإن لصاحب الحق مقالا ) ، فردد رسول الله ـ ـ ذلك مرتين أو ثلاثا ، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه : ( اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها : رسول الله ـ ـ يقول لك : إن كان عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله ، فذهب إليه الرجل ، ثم رجع فقال : قالت : نعم ، هو عندي يا رسول الله ! فابعث من يقبضه ، فقال رسول الله ـ ـ للرجل : اذهب به فأوفه الذي له ، قال : فذهب به فأوفاه الذي له .. قالت : فمرَّ الأعرابي برسول الله ـ ـ وهو جالس في أصحابه فقال : جزاك الله خيرا ، فقد أوفيت وأطيبت ، قالت : فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة ، الموفون المطيبون ) رواه أحمد .

وعن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال : بعثتني قريش إلى رسول الله ـ ـ فلما رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ أُلقِيَ في قلبي الإسلام ، فقلت يا رسول الله : إني والله لا أرجع إليهم أبدا ، فقال رسول الله ـ ـ : ( إني لا أخيس (أنقض) بالعهد ، ولا أحبس البُرْدَ(الرسل) ، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع ، قال : فذهبت ، ثم أتيت النبي ـ ﷺ ـ فأسلمت ) رواه أبو داود .
ومع أعباء الرسالة لم ينس ـ ﷺ ـ الذين أجابوا دعوته ووقفوا بجانبه ، وآزروه ونصروه ، فإلى آخر حياته يدعو لهم ، ويوصي بهم خيرا ، فيقول ـ ﷺ ـ : (احفظوني في أصحابي ) رواه ابن ماجه ، ( لا تسبوا أصحابي ) رواه البخاري ، (من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) رواه الطبراني .

فكان ـ ﷺ ـ وفيَّا لأصحابه جميعا .. ووفَّى لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، فبين للأمة مكانته ومنزلته ، فقال ـ ﷺ ـ : ( ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ، ما خلا أبا بكر ، فإن له عندنا يدا يكافيه الله بها يوم القيامة ) رواه الترمذي .

ووَّفَّى ـ ﷺ ـ للأنصار مبايعتهم له ، ووقوفهم معه ، فحينما خشي بعضهم إذا ظهر وانتصر أن يعود لقومه ويتركهم ، تبسم ـ ﷺ ـ وقال : ( .. أنا منكم ، وأنتم مني، أحارب من حاربتم , وأسالم من سالمتم ) ، وقال لهم : ( لو سلك الناس واديا أو شِعبا لسلكت واديكم وشعبكم ، أنتم شعار، والناس دثار، ولو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ثم رفع يديه حتى إني لأرى ما تحت منكبيه ، فقال : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار! ، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله ـ ﷺ ـ إلى بيوتكم ؟ ، فبكى القوم حتى اخضلوا (ابتلت) لحاهم ، وانصرفوا وهم يقولون : رضينا بالله وبرسوله حظا ونصيبا ) ، ثم أوصى بهم في مرض موته فقال ـ ـ : ( أوصيكم بالأنصار، فإنهم كَرِشي وعَيبتي (بطانتي وخاصتي) ، وقد قضوا الذي عليهم ، وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم ) رواه البخاري . والشعار: الثوب الذي يلي الجسد ، والدثار: الذي فوق الشعار.

بل وفَّى ـ ﷺ ـ لعمه أبي طالب الذي رباه حتى بلغ أشده ، وأعانه على إبلاغ دعوته ، فلما حضرته الوفاة ، ظهرت مشاعر وفاء النبي ـ ـ ، فحرص كل الحرص على إنقاذه من الكفر ، وكاد أبو طالب يستجيب لولا أن حال بينه وبين الهداية قرناء السوء ، حتى فارق الحياة على مِلتهم .. فعن سعيد بن المسيب ـ رضي الله عنه ـ عن أبيه قال : ( لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ـ ـ فوجد عنده أبا جهل و عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة, فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : يا عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله ), فقال : أبو جهل و عبد الله بن أبى أمية : حدثنا يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ? ، فلم يزل رسول الله ـ ـ يعرضها عليه و يعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب , و أبَى أن يقول : لا إله إلا الله , فقال رسول الله ـ ـ : ( أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك , فأنزل الله عز وجل : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (التوبة:113) ، و أنزل الله تعالى في أبى طالب : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(القصص:56) ) رواه البخاري ، ولما قال العباس ـ رضي الله عنه ـ للنبي ـ ـ : ( ما أغنيت عن عمك ؟ ، فإنه كان يحوطك ويغضب لك ، قال : هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) رواه البخاري .
وكان ــ وفياً مع زوجاته ، وجعل الميزان الذي يوزن به خيرية المرء لأهله حسن معاملته لهم ، فقال ـ ﷺ ـ : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .

وقد حفظ لخديجة ـ رضي الله عنها ـ مواقفها العظيمة ، وبذلها السخي ، وعقلها الراجح ، وتضحياتها المتعددة ، حتى إنه لم يتزوج عليها في حياتها ، وكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ، ويصل أقرباءها ، ويحسن إلى صديقاتها ، وهذا كله وفاءاً لها ـ رضي الله عنها - .

ومن وفائه ـ ـ أن رجح حق الوالدين على الهجرة إليه والجهاد في سبيل الله ، وفاءً وبِرَّاً لهما ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( أقبل رجل إلى رسول الله ـ ـ فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال : فهل من والديك أحد حي ؟ ، قال : نعم ، بل كلاهما حي، قال : أفتبتغي الأجر من الله ؟ ، قال : نعم ، قال : فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ) رواه البخاري .

لقد كان لكل صنف من الناس نصيب من وفائه ـ ـ، بل تعدت صور وفائه حتى شملت الحيوان والجماد .
أسر العدو امرأة مسلمة ، وكانوا أصابوا من قبل ناقة لرسول الله ـ ﷺ ـ ، فرأت المرأة من القوم غفلة ، فركبت ناقة رسول الله ـ ﷺ ـ وهربت بها حتى أتت المسلمين ، وقالت : " إني نذرت أن أنحرها إن نجاني الله بها "، فعجب النبي ـ ـ من هذه المكافأة لمن كانت سببا في نجاتها ، وتبسم وقال : ( سبحان الله بئسما جزتها ، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها ! ، لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد ) رواه مسلم .

وهذا جذع شجرة لا يعقل ، كان ـ ـ يخطب عليه ، وفي يوم الجمعة صعد منبرا صُنِع له ، وترك ذلك الجذع ، فصاح الجذع صياح الصبي حنينا ـ إليه ـ ـ ، وفي لمسة وصورة وفاء ، ينزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويحتضنه ويضمه إليه حتى سكن ، ثم قال : ( أما والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة ، حزنا على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، فأمر به رسول الله ـ ـ فدُفِن ) رواه الترمذي .

بل إن وفاءه ـ ـ وصل للحجارة الصماء ، فقال عن جبل أُحُد : ( هذا أحد يحبنا ونحبه ) رواه البخاري .

وفِّيَّ العهد ذو كرم وصدق شمائله السماحة والوفاء
هذه صورة من وفاء الحبيب ـ ـ، أَنْعِم به من خُلق كريم ، تعددت مجالاته ، وتنوعت مظاهره ، حتى شمل الإنسان والحيوان والجماد ، والعدو والصديق
وفاء ازدانت به النوادي وذاع في الحضر والبوادي
صلى عليه بارئ العباد ما أمطرت سحب وسال وادي
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

SrGEJ.png

الغضب وإن كانت حقيقته جمرة تشعل النيران في القلب ، فتدفع صاحبها إلى قول أو فعل ما يندم عليه ، فهو عند النبي ـ ـ قولٌ بالحق ، وغيرةٌ على محارم الله ، ودافعه دوماً إنكار لمنكر ، أو عتاب على ترك الأفضل .
والغضب له وظيفة كبيرة في الدفاع عن حرمات الله ودين الله ، وحقوق المسلمين وديارهم ، لكنه إذا ابتعد عن هدي النبي ـ ـ تحول إلى شر وعداوة ، وخلافات وفرقة .

والغضب ينقسم إلى نوعين : غضب محمود وآخر مذموم ، ولكل منهما آثاره على النفس والمجتمع ، من سعادة أو شقاء ، وثواب أو عقاب .

فالغضب المذموم هو ما كان لأمر من أمور الدنيا ، وكان دافعه الانتصار للنفس ، أو العصبية والحميّة للآخرين .. وهذا الغضب تترتب عليه نتائج خطيرة على صاحبه وعلى مجتمعه ، ومن ثم حذرنا منه الرسول ـ ﷺ ـ ، وأوصانا بعدم الغضب في أحاديث كثيرة ، ومناسبات عِدَّة ، من ذلك : قوله ـ ـ : (ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه البخاري . والصٌّرَعة: هو الذي يغلب الناس بقوته.

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أن رجلاً قال للنبي ـ ﷺ ـ : أوصني ، قال : لا تغضب ، فردد مراراً ، قال : لا تغضب ) رواه البخاري ، وفي رواية (لا تغضب ولك الجنة ) رواه الطبراني .

أما الغضب المحمود فهو ما كان يغضبه رسول الله ـ ـ لله ولحرماته ، ولم يكن لنفسه فيه نصيب ، وكان بسبب اعتداء على حرمة من حرمات الله ، أو قتل نفس مسلمة ، أو أخذ مال بغير حق ، وغيرها من المحرمات والمحظورات التي نُهِيَ عنها في دين الله ، ففي مثل هذه الحالات كان غضبه ـ ﷺ ـ .
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ما ضرب رسول الله ـ ﷺ ـ شيئا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه ، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل ) رواه مسلم .

فلم يغضب النبي ـ ـ لنفسه أبدا ، يبين ذلك أنس ـ رضي الله عنه ـ فيقول : (خدمت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ عشر سنين ، لا والله ما سبني سبة قط ، ولا قال لي أف قط ، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته ) رواه أحمد .

أما مواقفه ـ ﷺ ـ التي غضب فيها لله فهي كثيرة ، منها :

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ـ ـ (أي في العفو عنها) ، فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله ـ ـ ، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله ـ ـ : ( أتشفع في حد من حدود الله ؟!، ثم قام فاختطب فقال : أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه مسلم .

ومن مواقفه ـ ﷺ ـ التي ظهر غضبه فيها ، حين بعث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ في سريّة ، فقام بقتل رجلٍ بعد أن نطق بالشهادة ، وكان يظنّ أنه إنما قالها خوفاً من القتل ، فبلغ ذلك النبي ـ ـ فغضب غضباً شديداً ، وقال له : ( أقال : لا إله إلا الله وقتلته ؟!، قلت : يا رسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟!، فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ) رواه مسلم .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( دخل عليّ النبي ـ ﷺ ـ وفي البيت قرام (وهو الستر الرقيق) فيه صور ، فتلوّن وجهه ـ ﷺ ـ ، ثم تناول الستر فهتكه ، وقال : من أشد الناس عذابا يوم القيامة ، الذين يصوّرون هذه الصور ) رواه البخاري .

وشكا إليه رجل إطالة الإمام في صلاته ، ومشقة ذلك على المصلّين ، فغضب ـ ـ حتى قال أبو مسعود : " ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبا منه يومئذ " ، ثم قال ـ ﷺ ـ : (يا أيها الناس ، إن منكم لمنفرين ، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فان فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ) رواه أحمد .

بل كان يغضب ـ ـ لمجرّد تباطؤ الناس عن الخير، فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( خطبنا رسول الله ـ ﷺ ـ فحثنا على الصدقة ، فأبطأ الناس ، حتى رؤى في وجهه الغضب ) رواه أحمد .

من هذه المواقف وغيرها يتبين لنا أن الرسول ـ ﷺ كان يغضب ، وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ، أو تأخر الناس عن فعل الخير .. لا انتصار فيه للنفس ، ولا مدخل فيه للهوى أو حب الدنيا ..

ومن ثم فعلى المسلم أن يتجنب أسباب الغضب ودواعيه ، من الحقد والحسد ، والحرص على الدنيا ، والجدال والخلاف .. وغير ذلك من الأمور التي نهى عنها النبي
ـ ـ في أحاديث كثيرة .

هديه ـ ﷺ ـ في علاج الغضب :

الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، فالشيطان الذي أخرج آدم ـ عليه السلام ـ من الجنة ، ودفع قابيل لقتل هابيل ، هو نفسه الذي يثير الغضب ، فلا يترك الإنسان حتى ينساق له ويتمثل لأمره ، لذا أرشدنا الرسول ـ ـ إلى الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند الغضب ، لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم .

عن سليمان بن صرد قال : ( استب رجلان عند النبي ـ ـ فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه (العروق المحيطة بعنقه) ، قال رسول الله ـ ـ : إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال ـ ـ : ( إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه ) .

ومن وصايا النبي ـ ﷺ ـ للغاضب : أن يغير مكانه ، فإذا كان واقفًا فليجلس أو يضطجع ، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ ـ قال : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .

وفي ذلك علاج لتهدئة النفس ، وإخماد نار غضبها ، لأن الإنسان في حالة الوقوف يكون مهيئًا للانتقام أكثر منها في حالة الجلوس ، وفي حالة الجلوس منها في حالة الاضطجاع ، لذا جاء الوصف النبوي بهذه الوصفة الدقيقة ، التي أكدتها الدراسات النفسية المعاصرة .

السكوت وضبط اللسان هدي ودواء نبوي لعلاج الغضب ، لقوله ـ ـ : ( علِّموا ، ويسِّروا ولا تعسّروا ، وإذا غضب أحدكم فليسكت ، قالها ثلاثًا ) رواه أحمد .
فإطلاق اللسان أثناء الغضب قد يجعل الإنسان يتلفظ بكلمات يندم عليها بعدها ، ومن ثم أوصى النبي ـ ـ الغاضب بالسكوت ، وأوصى المسلم بوجه عام بقول الخير أو الصمت ، فقال ـ ـ : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ) رواه مسلم .

ومن هديه ـ ﷺ ـ في علاج الغضب كظمه بالحلم والعفو ، ولا شك أن ذلك يفتح أبواب المحبة والتسامح بين الناس ، ويسد أبواب الشيطان التي يمكن من خلالها أن يدخل بين المسلمين ، فيثير العداوات والبغضاء في صفوفهم ، بل ويرتقي بالغاضب إلى الإحسان إلى من أساء إليه .
وهديه ـ ـ القولي والفعلي في عدم الغضب وكظم الغيظ والعفو كثير، من ذلك :
قوله ـ ـ: ( من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء ) رواه ابن ماجه .
وقوله ـ ـ: ( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم .

فهذه الأحاديث وغيرها تحث المسلم على عدم الغضب ، بل على العفو والتسامح ، والابتعاد عن الانتقام ، وتبين الأجر العظيم لذلك في الدنيا والآخرة .

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشي مع رسول الله ـ ـ وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ـ ـ قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد ، مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ، ثم أمر له بعطاء ) رواه البخاري .

هكذا كان هدي النبي ـ ـ ، فهو أَمْلَكُ الناس لنفسه في مواطن الغضب ، إلا أن تُنتهك حرمات الله تعالى ، فعندها يغضب ، فما أحوجنا للامتثال بهديه ﷺ ، في الرضا والغضب ، بل في حياته كلها .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]


الشورى لها مكانة عظيمة في ديننا الإسلامي، وقد سمى الله تعالى سورة في القرآن الكريم باسم الشورى. والشورى هي أن يأخذ الإنسان برأي أصحاب العقول الراجحة والأفكار الصائبة، ويستشيرهم حتى يتبين له الصواب فيتبعه، ويتضح له الخطأ فيجتنبه، وهي تكون في الأمور التي ليس فيها أمر من الله، أو أمر من الرسول ﷺ، إذ إنه لا شورى مع وجود نص شرعي.

ولقد أمر الله تعالى نبيه بأن يشاور المسلمين، ويأخذ آراءهم، فقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).

وإن المتأمل لسيرته وحياته ﷺ رغم علو منزلته عند ربه، ومكانته بين أصحابه، يجده كثير التشاور معهم، بل وحتى مع زوجاته ﷺ، ومن ثم كان أصحابه رضي الله عنهم يبادرونه بالرأي والمشورة، ولكن في الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي، أما ما ورد فيه نص، فليس أمام المسلم سوى القبول والتسليم، وإن خالف عقله وهواه، ومشاهد الشورى في حياة النبي وسيرته المطهرة كثيرة.

ففي أمور الحرب، تبرز مواقف النبي التي شاور أصحابه فيها، ابتداء بغزوة بدر، حيث شاورهم في الخروج لملاقاة العدو، واختيار المكان الذي ينزلون فيه، وقال قولته المشهورة: (أشيروا علي أيها الناس)، ثم تحرك رسول الله بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر ـكخبير عسكري ـ وقال: يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟! فقال : (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال الحباب: يا رسول الله! إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ـ أي جيش المشركين- فننزله ونغوِّر (نخرب) ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله : (لقد أشرتَ بالرأي).

فأخذ النبي برأي الحباب ومشورته، ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار.

وفي غزوة (أُحد) جمع النبي ﷺ أصحابه، وشاورهم في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة المشركين، وكان رأي النبي ﷺ البقاء في المدينة، إلا أن الكثير من الصحابة ـخاصة الذين لم يشهدوا بدراًـ أشاروا بالخروج للعدو، فنزل الرسول على رأيهم.


وعندما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر الخندق، استحسن النبي ﷺ فكرته وأمر بتنفيذها، فكانت سبباً رئيسياً من أسباب النصر في تلك الغزوة.

لقد ربَّى رسول الله أصحابه وعودهم على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه، تعويداً لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، ولم يحدث أن عاتب الرسول أحداً لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه ومشورته.

ولو ذهبنا بعيداً عن المعارك والحروب، لوجدنا أيضاً في حياته وسيرته الكثير من المواقف التي ظهر من خلالها اهتمامه وترسيخه للشورى بين المسلمين.

فشاور كلاً من علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في قضيّة الإفك، وشاور الناس في كيفيّة التعامل مع من آذاه في عرضه الشريف.

وفي صلح الحديبية، كان النبي قد عزم على الخروج إلى مكة، والصحابة يحلمون بعمرة يزورون فيها بيت الله الحرام، فلما علموا بالصلح والرجوع، حزنوا وتثاقلوا مع أمر النبي بذبح الهدي والحلق، ظنا منهم أن النبيأمرهم بالتحلل من الإحرام أخذا بالرخصة في حقهم، وأنه سيستمر هو في إحرامه، فأشارت عليه زوجته أم سلمة رضي الله عنها بمباشرة النحر وحلق الشعر بنفسه، فسارع الصحابة رضوان الله عليهم لامتثال أمر النبي ، فكان رأيها سديداً ومشورة مباركة.

وحين دخل الرسول مكة فاتحاً لها، أشار عليه عمه العباس بقوله: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً، فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلّم لمشورة عمه، وقال: (نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) رواه أبو داود. وقد حدث بهذه المشورة تثبيت لأبي سفيان رضي الله عنه على الإسلام وتقوية لإيمانه.

لا شك أن الشورى التي حثنا النبي عليها بقوله وفعله، يتحقق من ورائها أهداف عظيمة، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، وهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع، وحينما تكون الشورى أمراً إلهياً وسلوكاً نبويًّا، فإن المجتمع الذي يتمسك بها، ويسير على دربها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والنجاح، قال الله تعالى آمراً نبيه ﷺ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)، وقال: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى:38).
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

images


المسلم يؤمن بالأنبياء جميعاً ـ عليهم الصلاة والسلام ـ , ولا يفرق بين أحد منهم ، إلا أنه يعتقد أن النبي ـ ـ خاتمهم وأفضلهم ، قال الله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }(البقرة: من الآية253) ، وقال : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } (الأحزاب:40) .

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ: ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة ؟ ، قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) رواه البخاري .

فهو ـ ﷺ ـ خاتم النبيين وأفضلهم ، ولا يؤذن لأحد بدخول الجنة بعد بعثته إلا أن يكون من المؤمنين به ، وبه تفتح الجنة ولا يدخلها أحد قبله . فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ : ( وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر ) رواه أحمد .

ولذلك فمن أعظم ما يفتخر به المسلم إيمانه ومحبته لرسول الله ـ ﷺ ـ .
ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا

إنه الحبيب محمد ـ ﷺ ـ حيث الكمال والسمو الخُلقي . فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - ﷺ - منه القسط الأكبر ، والحظ الأوفر ، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه .

أوفر الناس عقلاً ، وأسداهم رأياً ، وأجودهم نفساً ، أجود بالخير من الريح المرسلة ، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وكان يقول : ( أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ) رواه الطبراني .

أحسن الناس معاملة ولو مع الخدم ، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( خدمت رسول الله ـ ـ عشر سنين، والله ما قال لي: أف قط ، ولا لشيء فعلته : لم فعلت كذا ؟ ، وهلا فعلت كذا ؟ ) رواه البخاري .

ألين الناس وأسهلهم طبعاً ، وما عُرِض عليه أمران إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم ، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق ، لا يغضب لنفسه ، فإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء .

أشجع الناس وأقواهم يخوض الحروب الشديدة ، ويُنادي بأعلى صوته : ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) رواه البخاري ، وهو من الشجاعة بالمنزلة التي تجعل أصحابه إذا اشتدت الحرب وحمي القتال يحتمون به ـ ـ .

أعف الناس لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأعدلهم وأعظمهم إنصافا ـ ولو مع أعدائه وخصومه ـ ، لا يحابي أحداً لقرابته يقول - - : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري .

أرحب الناس صدراً ، وأوسعهم حلماً ، يصبر على من آذاه ، ويحلم على من جهل عليه ، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذاً بالعفو ، ويبتسم في وجه محدثه ويقبل عليه ، حتى يظن أنه أحب الناس إليه ، ويبدأ من لقيه بالسلام ويصافحه ، ولا ينزع يده قبله ، بل ويسلم على الأطفال ويداعبهم ، ويجيب دعوة الحر والعبد ، ويعود المرضى ويتبع الجنائز .

أرحم الناس وخيرهم لأهله وأمته ، ومع كثرة أعبائه ومسئولياته كان زوجا محبا ، وأبا حانيا ، فكان خير الناس لأهله ، يصبر عليهم ، ويغض الطرف عن أخطائهم ، ويعينهم في أمور البيت ، فيخصف نعله ، ويخيط ثوبه ويقول : ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .

وكانت عبراته شاهدة على مدى رحمته بأهله وأولاده ، تُوفي ابنه إبراهيم فبكى ـ ـ وقال : ( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) رواه البخاري .

ويوم أرسلت إليه ابنته زينب ـ رضي الله ـ عنها ـ تخبره أن صبياً لها يموت وتطلب منه أن يأتيها ، جاءها ورفع له الصبي ففاضت عيناه بالدموع ، فأثار بكاؤه تعجب أصحابه ، فقال ـ ﷺ ـ : ( هذه رحمة جعلها الله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه البخاري .

ومن رحمته بأمته أن الله أعطاه دعوة مستجابة ، فادخرها لأمته يوم القيامة شفاعة ، فقال ـ ـ : ( لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا ) رواه البخاري ، ولذلك قال الله ـ تعالى ـ عنه : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) .

كان أكثر الناس تواضعا ، وأخفضهم جناحا ، وألينهم جانبا ، وسيرته وحياته ـ ـ مليئة بالمواقف والعبر الدالة على ذلك ، وما حفظ عنه ـ ـ أنه تكبر على أحد .

وقد نال أعلى المنازل ، وحظي عند ربه بأكبر المقامات ، ـ فهو صاحب الحوض المورود ، واللواء المعقود ، والمقام المحمود ، وأُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى ، وبلغ مقاما لم يبلغه مخلوق قبله ولا بعده ، وأنعم الله عليه بالمعجزات ، وأيده بالآيات ، فما ذكر شيئا من ذلك على وجه الفخر أو المدح لنفسه ، ولا تعالى به على أحد من الناس ، بل كان التواضع صفته ، وخفض الجناح سمته . فكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقرن إخباره بها بنفي الفخر.


ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا، دخلها وقد طأطأ رأسه ـ تواضعا لله تعالى ـ ، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة تواضعه لربه ، فلم تأخذه النشوة والكبر عند انتصاره وظهوره .
وقف أمامه رجل ، فأخذته رعدة ، وهو يظنه كملك من ملوك الأرض ، فقال له رسول الله ـ ـ
: ( هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) رواه الحاكم .

ولو لم يكن له ـ ﷺ ـ من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض ، وإيصال القرآن الكريم والدين العظيم إلى العالم والبشرية كلها ، لكان فضلاً لا يُوفي الناس حامله بعض جزائه .

ذلك قبس من نور النبوة ، وشعاع من مشكاة الرسالة ، فما أحوجنا إلى أن نتعرف على كل صغيرة وكبيرة في حياة نبينا ـ ﷺ ـ، من مولده إلى وفاته .. فمن حقه علينا أن ندرس كل جوانب سيرته وحياته ، ونعلم أطفالنا وأهلينا : من هو رسول الله ـ ﷺ ـ ؟ ، وذلك للقيام بحقه علينا ، من محبة وأدب ، وتوقير ونصرة ، واتباع واقتداء ، قال الله تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }(الفتح: من الآية9) ، وقال : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

ytem.jpg


اهتم رسول الله ـ ـ بالمثل العالية والأخلاق السامية ، التي تصوغ الحياة في إطار المودة والتعاطف ، وتوحد طاقات المجتمع في بوتقة التكافل الاجتماعي .. وقد بين لنا ـ ـ ما ينبغي أن تكون عليه علاقة المؤمنين بعضهم ببعض ، فجعلها مثل البناء المتلاحم الذي لا خلل فيه ، فقال ـ ـ : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) رواه البخاري..
وصور لنا النبي ـ ـ تلاحم العواطف ، وقوة شعور الفرد بإخوانه المسلمين بقوله : ( إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان ، كما يألم الجسد لما في الرأس ) رواه أحمد.. ومن ثم فإن رابطة الأخوة بين المسلمين توجب على الموسر منهم مساعدة المعسر، وأي عسر أعظم من اليتم ، فاليتم مظهر واضح للضعف ، والحاجة إلى المعونة والرفق والرعاية ..
وكان رسول الله ـ ـ من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه ، ومن ثم اهتم ـ ـ باليتيم اهتماماً بالغاً من حيث تربيته ورعايته ومعاملته ، وضمان سبل العيش الكريمة له ، حتى ينشأ عضواً نافعاً ، ولا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع ، فيتحطم ويصبح عضواً هادماً في الحياة .. فقال ـ ـ حاثا وآمرا ومحفزا على رعاية اليتيم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) رواه البخاري .
قال ابن بطال : " حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي ـ ـ في الجنة ، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك " .
وجعل رسول الله ـ ـ الإحسان إلى اليتيم علاجا لقسوة القلب ، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي ، فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : أتى النبيَّ ـ ـ رجل يشكو قسوة قلبه ، فقال له النبي ـ ﷺ ـ : ( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ، ارحم اليتيم ، وامسح رأسه ، وأطعمه من طعامك ، يلن قلبك وتدرك حاجتك ) رواه الطبراني .

كما بشر النبي ـ ـ من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ـ ابتغاء وجه الله ـ بالأجر والثواب الكبير ، حيث قال ـ ـ : ( من مسح رأس يتيم ـ لم يمسحه إلا لله ـ كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده ، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) رواه أحمد.
وهذا التوجيه الذي ذكره الرسول ـ ـ من مسح شعر اليتيم ، هو الحد الذي لا يصعب على أحد ، ويمكن أن يقوم به كل إنسان ، فيشعر اليتيم بالحب والحنان ، ثم هو يجلب له الحسنات .

بل كان رسول الله ـ ـ يحرص كل الحرص على رعاية مشاعر الأيتام وإدخال السرور عليهم ، ففي قصة اختصام أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ ويتيم في نخلة ، قضى رسول الله ـ ﷺ ـ لأبي لبابة بالنخلة لأن الحق كان معه ، لكنه ـ ـ لما رأى الغلام اليتيم يبكي ، قال لأبي لبابة : (أعطه نخلتك ، فقال : لا ، فقال أعطه إياها ولك عذق في الجنة ، فقال : لا ، فسمع بذلك ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة : أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه ؟ ، فقال نعم .. ثم جاء رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : النخلة التي سألت لليتيم أن أعطيته ألِي بها عذق في الجنة ؟! ، فقال رسول الله ـ ـ نعم . ثم قُتِل ابن الدحداحة شهيدا يوم أحد ، فقال رسول الله ـ ـ : رُب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة ) رواه البيهقي .

وقد مدح النبي ـ ﷺ ـ نساء قريش لرعايتهن اليتامى ، فقال ـ ﷺ ـ : ( خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ) رواه أحمد.
ولما مات جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ تعهد الرسول ـ ـ أولاده وأخذهم معه إلى بيته ، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم ، قال ـ ـ : (العيلة (يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ) رواه أحمد .
ثم إن النبي ـ ـ لم يقتصر في اهتمامه باليتيم على أسلوب الحث والترغيب ، بل استخدم أيضا أسلوب التحذير من الإساءة إلى الأيتام ، أو أكل أموالهم بالباطل ، بحيث لا يُقْدم على فعل ذلك إلا من قسى قلبه ، وغلبت عليه شقوته ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات (المهلكات) ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ ، قال : الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) رواه البخاري.. فعدَّ الرسول ـ ـ أكل مال اليتيم من السبع الموبقات ، ومن كبائر الذنوب وعظائم الأمور ..
ولخطورة وعظم حق مال اليتيم ، وجه رسول الله ـ ـ من كان ضعيفاً من الصحابة ألا يتولين مال يتيم ، فعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله ـ ـ قال : ( يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم )رواه مسلم .

وقد ترجم المسلمون الأوائل هذه التوجيهات النبوية ترجمة عملية ، ومن ينظر في حال سلفنا الصالح ، يظهر له بوضوح مقدار الحرص على رعاية اليتيم وكفالته ، طلبا وبحثا عن ترقيق القلوب والأجر العظيم ، ومرافقة النبي ـ ـ في الجنة ، فهو القائل ـ ـ : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) رواه البخاري ..
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

التعليم مهمة من مهمات الأنبياء وأتباعهم، وهي مهمة شريفة عليَّة الرتبة ، بها يرتفع شأن صاحبها ، ويعظم أجره ، ويعم خيره .. قال الله تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(الجمعة:2) . وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ: أن النبي - - قال : ( إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً ، ولكن بعثني معلماً ميسراً ) رواه مسلم .
وسيرة رسول الله ـ ـ مليئة بالمواقف المضيئة ، التي ترشد إلى هديه في تعليمه ، وتعامله مع الجاهل برفق وحكمة وستر ونصح ..
عن أنس - رضي الله عنه ـ قال : ( بينما نحن في المسجد مع رسول الله - - إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله - ﷺ -: مَهْ مَهْ (ما هذا) ، فقال رسول الله - - : لا تُزْرِموه (تقطعوا بوله) دعوه ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله - - دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ، فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه (فصبه) عليه ) رواه البخاري .

وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ: ( أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله - - جالس فصلى ركعتين ، ثم قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فقال النبي - - : لقد تحجَّرت (ضيقت) واسعا ، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد ، فأسرع الناس إليه ، فنهاهم النبي - – وقال : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ، صبوا عليه سَجْلا من ماء ) رواه أبو داود .
قال ابن حجر : " .. وفيه الرفق بالجاهل ، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا .." ..
وقال النووي : " .. وفيه الرّفق بالجاهل ، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاء ، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافاً أو عناداً ، وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما .. " .
وما اقترفه الأعرابي منكر لا شك فيه ، من وجوه كثيرة ، أعلاها حرمة مسجد النبي ـ ﷺ ـ وحضرته ذلك ، وما فعله لا يحتاج العلم بأنه منكر ، فالفطرة تأباه ، وبرغم ذلك ما أنَّبه النبي ـ ﷺ ـ ، وما عنفه ، وما غضب ، بل كان رفيقا رحيما به .
وقد علَّم الحبيب
ـ ـ أصحابه ـ والأمة من بعدهم ـ الرفق بالجاهل ، وهداها بفعله ، و بقوله ـ ﷺ ـ فقال : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه (عابه) ) رواه مسلم) .

وعن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: ( بينا أنا أصلي مع رسول الله - - إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثُكْلَ أُمِّياه (وافَقْد أمي لي) ، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله - - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كهرني (ما نهرني ولا عبس في وجهي) ، ولا ضربني ، ولا شتمني ، قال ـ ﷺ ـ : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) رواه مسلم .
قال النووي : " فيه بيان ما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به ، ورفقه بالجاهل ، ورأفته بأمته وشفقته عليهم .. وفيه التخلق بخلقه ـ صلى الله عليه و سلم ـ في الرفق بالجاهل ، وحسن تعليمه واللطف به ، وتقريب الصواب إلى فهمه .."
وفي هذا إرشاد للمعلمين والمربين والدعاة باللطف بالجاهل قبل التعليم ، فذلك أنفع له من التعنيف ، ثم لا وجه للتعنيف لمن لا يعلم ..

وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : ( إن فتى شابا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه ، قالوا : مه مه ، فقال رسول الله - - : ادْنُه ، فدنا منه قريبا ، فجلس ، قال : أتحبه لأمك ؟ ، قال : لا والله ، جعلني الله فداءك ، قال ـ ـ : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟ ، قال: لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم ، قال : أفتحبه لأختك ؟ ، قال : لا والله ، جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم ، قال : أفتحبه لعمتك ؟ ، قال : لا والله ، جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال : أفتحبه لخالتك ؟ ، قال : لا والله ، جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم ، ثم وضع يده عليه وقال : اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصن فرجه ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) رواه أحمد .
لم ينظر النبي ـ ـ إلى الشاب على أنه معدوم الحياء فاقدا للأدب ، بل تفهَّم حقيقة ما بداخله ، ولمس جانب الخير فيه ، فتعامل معه ـ ـ بمنطق الحوار العقلي ، الذي يعلم الجاهل ، ويأخذ بيده ، بحلم ورفق وحكمة ، فأثابه إلى رشده ، وأرجعه إلى طريق العفة والاستقامة ..

وكان - ﷺ - يستر على الجاهل ، ولا يذكره باسمه حين يصحح خطأه ليستفيد هو وغيره ..
عن أنس - رضي الله عنه - : ( أن نفرا من أصحاب النبي - - سألوا أزواج النبي - ﷺ - عن عمله في السر ، فقال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا آكل اللحم ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش .. فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ، لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) رواه مسلم .

وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( صنع النبي - - شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي - - ، فخطب، فحمد الله ثم قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية ) رواه البخاري .

وكان - – مع رفقه بالجاهل ، يحذره من آثار ونتائج خطئه ..
فعن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - : ( أن رسول الله - - لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي - - : سبحان الله !، هذا كما قال قوم موسى: { اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }(الأعراف: من الآية138) ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم ) رواه الترمذي.
ذات أنواط : هي اسم شجرة ذات تعاليق ، كانت للمشركين يعلقون بها سلاحهم للتبرك بها .. وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد رغم إسلامهم ، ولكن النبي - - أوضح لهم ما في طلبهم من معاني الشرك ، وحذرهم من ذلك ، ولم يعاقبهم أو يعنفهم ، لعلمه بحداثة عهدهم بالإسلام ، وجهلهم بما يقولون ..

لا شك أن المخطئ والجاهل له حق على مجتمعه ، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه بأفضل الطرق وأقومها ، فلو أن المسلمين ـ وخاصة الدعاة والمعلمين ـ اقتدوا برسول الله ـ ـ، وبذلوا جهدهم في نصح وتعليم المخطئ بهذا الأسلوب النبوي الكريم ، وما فيه من حلم ورفق ، وعطف وستر ، ونصح وحكمة ، لأثروا بتعليمهم وأسلوبهم فيه ، تأثيراً يجعله يستجيب لتنفيذ أمر الله وهدي رسول الله ـ ﷺ ـ ..
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]


FYNGL.jpg

من مقومات التمكين في الأرض العلم ، والشيء الوحيد الذي أمر الله تعالى رسوله - - أن يطلب منه الزيادة هو العلم ، قال الله تعالى : { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً }(طـه : من الآية 114 ) ، ومن ثم استمر النبي - ـ في العهد المكي والمدني يربي أصحابه ويعلمهم ، ويحثهم على مكارم الأخلاق ، ويوضح لهم دقائق الشريعة وأحكامها بأساليب علمية تربوية .. ومن هذه الوسائل :
تكرار الحديث والتأني فيه :

فذلك أسهل في حفظه وأعون على فهمه ، وأدعى لاستيعابه ووعي معانيه ، ولذلك حرص النبي - - على تكرار الحديث في غالب أحيانه ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ـ : ( كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ، حتى تفهم عنه )(البخاري) ..
وكان - - يتأنَّى ولا يستعجل في كلامه ، بل يفصل بين كلمة وأخرى ، حتى يسهل الحفظ ، ولا يقع التحريف والتغيير عند النقل ، وكان يسهل على السامع أن يعد كلماته .. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (.. إن رسول الله - - لم يكن يسرد الحديث كسردكم )(البخاري).

عدم الإكثار والإملال :

كان - ﷺ - يقتصد في مقدار تعليمه وزمانه ، حتى لا يمل الصحابة ، وينشطوا لحفظه ، ويسهل عليهم عقله وفهمه ، فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي - ـ يتخولنا (يتعهدنا) بالموعظة في الأيام ، كراهة السآمة لملل) علينا )(البخاري).

ضرب الأمثال :

للمثل أثر بالغ في إيصال المعنى إلى العقل والقلب ، ذلك أنه يقدم الأمر المعنوي في صورة حِسية فيربطه بالواقع ، ويقربه إلى الذهن ، فضلا عن أن للمثل بمختلف صوره بلاغة تأخذ بمجامع القلوب ، وتستهوي العقول ، ولذلك استكثر القرآن الكريم من ضرب الأمثال ، وذكر حكمة ذلك في آيات كثيرة ، فقال الله تعالى : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }(العنكبوت:43) ..
وعلى هذا المنهج الكريم سار النبي - - ، فاستكثر من ضرب الأمثال ، حتى قال عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ : " عقلت عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ألف مثل " .. وقد أُلِفت كتب متعددة في الأمثال في الحديث النبوي ..
ومن هذه الأحاديث قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذيك(يعطيك) ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة )(البخاري) .

التعليم من خلال طرح السؤال :

طرح السؤال من الوسائل التعليمية والتربوية المهمة في ربط التواصل القوي بين المُعَلِّم والمعلَّم ، والمُرَبِّي والمُرَبَّى ، ولذلك استخدم النبي - - السؤال في صور متعددة لتعليم الصحابة ، مما كان له كبير الأثر في حسن فهمهم وتمام حفظهم ، وتفاعلهم عمليا مع المعاني التربوية المقصودة .. فأحيانا يوجه النبي - - السؤال لتشويق المستمع ولفت انتباهه للمعنى المراد ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، عن النبي - – قال : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط )(مسلم) .

وأحيانا يسألهم النبي - - عما يعلم أنهم لا عِلْم لهم به ، ويقصد إثارة انتباههم للموضوع ، ولفت أنظارهم إليه ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله - ـ قال : ( أتدرون من المفلس؟ ، قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعْطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ، ثم طرح في النار )(مسلم).

وأحيانا يسأل فيُحْسِن أحَدُ الصحابة الإجابة ، فيثني عليه ويمدحه ، تشجيعا له وتحفيزا لغيره ، كما فعل مع أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ حين سأله - - : ( يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ ، قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا أبا المنذر ، أتدري أي آية في كتاب الله معك أعظم ؟ ، قال : قلت : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }(البقرة : من الآية 255) ، قال : فضرب في صدري وقال : لِيَهْنِكَ العلم ( هنيئا )أبا المنذر )(مسلم) .
فهذا الاستحسان والتشجيع من المعلم يبعث المتعلم على الشعور بالارتياح والثقة بالنفس ، ويدعوه هو وغيره إلى طلب وحفظ المزيد من العلم وتحصيله .

إلقاء المعاني المثيرة للاهتمام والاستفسار :

عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - - مر بالسوق ، داخلا من بعض العالية ، والناس كَنَفَتَهُ (عن جانبيه) ، فمر بجدي أسك (مقطوع الأذنين) ميت ، فتناوله ، فأخذ بأذنه ، ثم قال : ( أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟، فقالوا : ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ ، قال : أتحبون أنه لكم ؟ ، قالوا : والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك ، فكيف وهو ميت ؟، فقال ـ ـ : فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)(مسلم).

وكان - ـ يستخدم بعض الوسائل العملية خلال تعليمه للصحابة ، لتقرير وتأكيد المعنى في نفوسهم وعقولهم ، مما يساعد على تمام وعيه وحسن حفظه ، وهو ما يسمى اليوم بالوسائل التوضيحية .. ومن هذه الوسائل : التعبير بحركة اليد وبالرسم ، ورفع وإظهار الشيء ، والتعليم العملي للشيء بفعله أمام الناس..

التعبير بحركة اليد والرسم :

مثل تشبيكه - - بين أصابعه وهو يبين طبيعة العلاقة بين المؤمن وأخيه ، فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ ﷺ ـ قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ـ وشبك بين أصابعه ـ )(البخاري) .
أما التعبير بالرسم ، فقد خط رسول الله - - على الأرض خطوطا توضيحية ليلفت نظر وتركيز الصحابة ، ثم أخذ في شرح مفردات تلك الخطوط ، وبيان المقصود منها ، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : ( خَطَّ رسول الله -- خطا بيده ، ثم قال : هذا سبيل الله مستقيما ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ، ثم قال : وهذه السبل ، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام : 153) )(ابن حبان) .

التعبير برفع وإظهار المُتَحَدَّث عنه :
كما فعل - - عند الحديث عن حكم لبس الحرير والذهب ، فعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن نبي الله - ﷺ - أخذ حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجلعه في شماله ، ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي )(أبو داود) ، فجمع النبي - - بين القول وبين رفع الذهب والحرير وإظهارهما ، حتى يجمع لها السماع والمشاهدة ، فيكون ذلك أوضح وأعون على الحفظ .

التعليم العملي بفعل الشيء أمام الناس :

وصف سهل الساعدي ـ رضي الله عنه ـ رسول الله ـ ﷺ ـ في أول جلوس له على المنبر فقال : ( .. فجلس عليه أول يوم وضع فكبر هو عليه ، ثم ركع ، ثم نزل القهقري (الخلف) فسجد وسجد الناس معه ، ثم عاد حتى فرغ ، فلما انصرف قال : يا أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي )(أحمد)..

هذه بعض وسائل نبوية في تعليمه ـ ﷺ ـ للأمة دينها ، وما يستقيم به أمرها في الدنيا والآخرة ، وقد ترك لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثروة هائلة ومنهجا عظيما من وسائل التربية والتعليم ، التي تعين على سهولة الحفظ وحسن التعلم وسمو التربية ، ولنا في رسول الله ـ ﷺ ـ أسوة وقدوة حسنة كما قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

نعم اختي بارك الله فيك
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]


6201.jpg

المرض من سنن الله وقدره، لا يكاد ينجو منه أحد، ولا يسلم منه بشر، ويختلف من شخص لآخر، ومن مرض لمرض، فما على المسلم إلا أن يصبر على ما أصابه، ويطلب علاجه عبر الوسائل المشروعة .. والنفوس جُبِلت على حبِّ من أحسن إليها وأظهر اهتمامه بها، ومن ثم كان لزيارة المريض الأثر البالغ في نفوس المرضى، وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع ..
ولهذا حرص النبي ـ ﷺ ـ على زيارة المرضى وتفقّد أحوالهم، بل جعل ذلك من حقوقهم المكفولة لهم في الشرع ..
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله - – قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس )( البخاري ) ..
وتطلعنا سيرة النبي ـ ﷺ ـ وأحاديثه على هديه مع المرض والمريض، ومن ذلك :

المرض يكفر الله به الخطايا :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: ( ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه )( البخاري ) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه – قال : دخلت على رسول الله - ﷺ - وهو يوعك فقلت : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال: ( أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت : ذلك أن لك أجرين، قال : أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها )( البخاري ).
الصبر عند المرض :

عن صهيب بن سنان ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - - قال: ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )( مسلم ).
وعن أنس - رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: ( إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر عوضته منهما الجنة )( البخاري ).
عيادة المريض :
بلغ من عناية النبي ـ ـ بالمريض أن جعل عيادته وزيارته حقاً من حقوقه ، فعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ ـ قال: ( أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني(الأسير))( البخاري )..
وقال - - : ( حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه, وإذا دعاك فأجبه, وإذا استنصحك فانصحه, وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده, وإذا مات فاتبعه )( مسلم ) .
فضل عيادة المريض :

عند كل مريض هدية ـ بل هدايا ـ من رسول الله ـ - الذي أرسله الله رحمة للعالمين ..
ومن هذه الهدايا المحفزة لزيارة المريض قوله ـ ـ : ( إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل فى خرفة الجنة (اجتناء ثمر الجنة) حتى يرجع )( مسلم )..
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ ـ : ( من عاد مريضا أو زار أخا في الله، ناداه منادٍ أن طِبت وطاب ممشاك، وتبوأتَ من الجنة منزلا )( الترمذي ).
وعن علي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - - يقول: ( ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمْسِي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف (ثمر) في الجنة )( الترمذي ).
وقد ثبت في مواقف كثيرة من سيرته وحياته ـ ـ أنه زار أصحابه حين مرضوا، بل زار غلاما يهوديا ودعاه إلى الإسلام فأسلم ..
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ ـ فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له : أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال : أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي ـ ﷺ ـ وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار )( البخاري )..
قال عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ: " إنا والله قد صحبنا رسول الله ـ ﷺ ـ في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير " .
هدي النبي ـ ﷺ ـ في زيارة المريض :
من هدي النبي ـ ـ في زيارة المريض أن يرقيه ويدعو له بالشفاء، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ ـ : ( كان إذا أتى مريضًا أو أُتي به إليه قال: أذْهِب الباس، رب الناس، اشفِ وأنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقما )( البخاري ).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ ـ قال: ( ما من عبدٍ مسلم يعودُ مريضًا لم يحضر أجلُهُ فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك؛ إلا عُوفي )( الترمذي ).
ومن هديه ـ ﷺ ـ إدخال السرور عليه وطمأنته ، والتحدث إليه بما ينفعه، والدعاء له بالشفاء، وتبشيره بالبرء من المرض، وتذكيره بالأجر الذي يلقاه العبد المبتلى، وذلك للتخفيف من معاناته، وتربيته على الصبر واحتساب الأجر، وذلك لقوله ـ ـ حين دخل على أعرابي يزوره لمرضه : (لا بأس عليك، طهور إن شاء الله )( البخاري ) .

وكان ـ ـ كما يقول ابن القيم : ".. يسأل المريض عن شكواه، وكيف يجده ويسأله عما يشتهيه، ويضع يده على جبهته، وربما وضعها بين ثدييه، ويدعو له، ويصف له ما ينفعه في علته .." ..
التداوي :
جاءت أحاديث النبي ـ ـ بالأمر بالتداوي, وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافي دفع الجوع بالطعام، والعطش بالماء ..
فعن أسامة بن شريك ـ رضي الله عنه ـ قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال : ( نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ـ أو قال دواء ـ، إلا داء واحد، قالوا يا رسول الله وما هو ؟ قال الهَرَم .. )( الترمذي ).

وقد نهى النبي ـ ـ عن التداوي بمحرم .. وبين لنا أن الله جعل الشفاء في الحلال والمباحات النافعة للبدن والعقل والدين، وعلى رأس ذلك القرآن الكريم والرقية به، والأدعية المشروعة ..
عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي - ـ أنه قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حُرِّم عليكم )( ابن حبان ) ..
وكذلك قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : " .. إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حُرِّم عليكم .." ..

وكذلك يحرم التداوي بما يمس العقيدة، من تعليق تمائم، أو خرز أو قلائد أو غيره، يعتقد فيها المريض الشفاء، ودفع العين والبلاء، لما فيها من تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وذلك كله من الشرك أو من الوسائل الموصلة إليه .
فعن عقبة بن عامر الجهني ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : ( من علق تميمة فقد أشرك )( أحمد ) .
وعن عيسى بن حمزة قال : دخلت على عبد الله بن حكيم وبه حُمْرة فقلت : ألا تعلق تميمة؟، فقال : نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله ـ ـ : ( من علق شيئا وُكِل إليه )( أبو داود ) ..
قال ابن القيم : " .. ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان، والذكر والدعاء، والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها " ..
وهكذا يظل هدي النبي ـ ـ الأكمل والأعظم أجراً، إضافةً إلى ما يترتب على المحافظة عليه من المحافظة على صحة البدن، وتقوية روابط أفراد المجتمع ..

نسأل الله تعالى أن يشفي مرضانا، ويمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أحيانا .

 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

شكرا لكم
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top