" الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]


EfbeX.gif



وهي الأسطوانة التي كان النبي يجلس عندها لوفود العرب القادمة عليه لكي تبايعه على الإسلام وهي التي وقع عندها نداء بني تميم من وراء الحجرات حيث نادوا رسول الله وقالوا: (يا محمد أخرج لنا نفاخرك) فأنزل اللَّه تعالى في شأنهم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [الحجرات: 4-5].

وعند هذه الأسطوانة أيضاً قدم على النبي ضمام بن ثعلبة وافداً عن بني سعد بن بكر فلما أقبل ووقف على الرسول وأصحابه ولم يكن يعرف الرسول فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله: أنا ابن عبد المطلب فقال له ضمام: محمد يا بن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدنَّ في نفسك، فقال : لا أجد في نفسي، قل عما بدا لك . فقال ضمام: أنشُدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئاً وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال : اللهم نعم، قال ضمام: فأنشدك الله ألهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟.

فقال : اللهم نعم، ثم جعل ضمام يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة وبالأسلوب نفسه، ثم قال في النهاية أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وساؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف إلى بعيره راجعاً فقال رسول الله : " إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة " وكم عند هذه الأسطوانة حصلت مناسبات وكم جرى من حوار بين النبي وبين وفود العرب كالذي وقع بينه وبين وفد نجران وغيره.

fVPtN.jpg

وهي الأسطوانة التي ربط فيها الصحابي الجليل (أبو لبابة) الأنصاري رضي الله عنه نفسه وظل فيها أسيراً وقال: والله لا أفك هذا الأسر عن نفسي حتى يتوب الله عليَّ ويحلني رسول الله ﷺ بيده . وقصة أبي لبابة هذه سببها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عندما حاصر اليهود بني قريظة بعد غدرهم بعهده وانضمامهم إلى معسكر الأحزاب وطال عليهم الحصار وامتلأت قلوبهم من الرعب وضاقت الأرض بهم وجهلوا النكاية التي سوف تحل بهم طلبوا من النبي أن يبعث إليهم أبا لبابة رضي الله عنه لأنه كان حليفاً لهم قبل الإسلام لكي يتفاوض معهم فلما جاء إليهم أرسلوا الصبيان في وجهه يجأرون وصاحت نساؤهم مستعطفة لرحمته ثم حاولوا استغلال عاطفته فقالوا له: ماذا ترى؟ أننزل حكم محمد؟ فقال لهم: إن نزلتم على حكم محمد (وأشار بيده إلى حلقه) يعني سوف يذبحكم. فقال أبو لبابة فوالله ما تحركت قدماي حتى علمت أني خُنْت ورسوله فلم يعد إلي الرسول بل ذهب مسرعاً إلى المسجد النبوي وربط نفسه في هذه الأسطوانة.

فلما سمع ذلك رسول الله قال: " أما إنه لو جائني لاستغفرت له ". وبعد انتهاء حصار بني قريظة عاد النبي إلى المدينة ولا يزال أبو لبابة مستأسراً في ساريته فتأتيه بنته وتطلقه للصلاة وقضاء الحاجة ثم تعيده إلى أسره. وقد كان رسول الله قال: "أما إذ فعل بنفسه ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه". فلما أنزل الله توبته على النبي وهو فيبيت أم سلمة رضي الله عنها، تقول أم سلمة: لقد سمعت رسول الله في السَّحَر يضحك، فقلت: مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك؟ قال: " تيب على أبي لبابة ". فقالت أم سلمة: ألا أبشره يا رسول الله ؟ قال: بلى إن شئت فقامت على باب حجرتها(والحجاب لم يضرب بعد) وقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك. وهذا يعني أن دارها كان بابها مفتوحاً على المسجد فلما سمع الناس التوبة على أبي لبابة ثاروا إليه ليطلقوه من أسره، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه الرسول صلاة الفجر أطلقه من الأسر.

وهذه الأسطوانة مكتوب عليها حتى الآن (أسطوانة أبي لبابة) وتعرف بالتوبة وتقع إلى الشرق من أسطوانة عائشة وهذه الأسطوانة أيضاً هي التي أسر النبي فيها ثمامة بن أثال سيد اليمامة حين جاء به الصحابة في سرية أسيراً فأكرمه النبي وكان يبعث إليه كل يوم بلبن عدة شياه فيشربه كله وكان ثمامة في أسره يراقب تصرفات المسلمين وأفعالهم فرأى من التقوى والمحبة والتعاطف والتواضع وكثرة العبادة ما لم ير في حياته فدخل في قلبه حب الإسلام وأعجب بأهله وأضمر في نفسه الدخول في الإسلام ولكن أنفة الزعامة والعزة جعلته يؤخر إسلامه إلى نهاية أسره ، وكان إذا قال الرسول أسْلم يا ثمامة يرد عليه بقوله: يا محمد إن تنعم عليَّ تنعمْ على شاكر وإن تقتلني تقتل ذا دم . وفي اليوم الثالث من أسره أمر النبي بإطلاق ثمامة من أسره وقال له اذهب حيث شئت. فذهب ثمامة واغتسل وفاجأ المسلمين بإعلان إسلامه.

إن حكمة الأسر في المسجد لحكمة عظيمة حيث تمكن الأسير من معرفة الإسلام والوقوف على حقيقة أهله مما يدفع الأسير للدخول في الإسلام. هذا ما وقع لثمامة، وبعد أن أسلم أتى باللبن الذي كان يشربه كل يوم فلم يشرب منه إلا لبن الشاة الواحدة فقال النبي : "سبحان الله إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المؤمن يأكل في معي واحد".

وورد أن النبي كان يصلي أكثر نوافله عند أسطوانة التوبة وتقع عن يمين حجرة النبي ضمن أسطوانات الروضة الشريفة.

GvvSG.jpg

(أي المطيبة بطيب الخلوق): وهي الأسطوانة الملاصقة لمصلى النبي من جهة القبلة ، وكان النبي يصلي إليها بعد تحوله عن أسطوانة عائشة رضي الله عنها ولكن هذه الأسطوانة اليوم متقدمة عن محلها الأصلي إذ محلها الأصلي عن اليمين الإمام إذا وقف في المصلى الشريف.

وروى يزيد بن عبيد أنه كان يجيء مع سلمة بن الأكوع إلى سبحة الضحى (أي صلاة الضحى) فيعمد سلمة إلى مكان الأسطوانة المخلقة ويصلي عندها سبحة الضحى ، فقال له يزيد: ألا تصلي في مكان آخر من المسجد؟ فقال له سلمة: إني رأيت رسول الله يتحرى هذا المقام ، وهذا الحديث مروي في الصحيحين وفي صحيح البخاري عن يزيد بن عبيد: "كنت آتي مع سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف - أي المخلقة - فقلت: يا أبا سلمة أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة، فقال: فإني رأيت رسول الله يتحرى الصلاة عندها ".

وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه كان يتحرى موضع المصحف يسبح فيه وذكر أن النبي كان يتحرى ذلك. فرضي الله عن سلمة وجميع الصحب الكرام، فإن استطعت أيها المسلم أن تتحرى بصلاتك ونوافلك المكان الذي كان النبي يتحرى الصلاة فيه فافعل، ولكن احذر من أن تضر أحداً من الجالسين والقاصدين من الفضل مثلما تقصد حتى لا يتسبب ذلك في إحباط عملك.

وهذه الأسطوانة اليوم يرتكز عليها المحراب النبوي الشريف ومكتوب في أعلاها (الأسطوانة المخلقة) وسبب تسميتها بذلك أن النبي رأى عليها نخامة فساءه ذلك فقام أحد الصحابة وحك النخامة وطيب مكانها بطيب يسمى الخلوق فسر النبي لذلك واعتبر هذا أول تطييب للمسجد النبوي الشريف.


a5Nqa.jpg


وهي الأسطوانة التي تقع في مكان اعتكاف النبي وكان يوضع له عندها سرير وكان هذا السرير من جريد النخل وفيه السعف ولا تظن أنه أريكة وثيرة فإن ذلك من نعيم الدنيا الزائل الذي ترفع عنه النبي وفضل عليه نعيم الآخرة.

وتقع هذه الأسطوانة شرقي أسطوانة التوبة وليس بينها أسطوانة أخرى وهي اليوم ملاصقة لشباك الحجرة الشريفة، وأول من عمل حظيراً على الحجرة الشريفة السلطان قايتباي، وعندها كان النبي يُقْرِعُ بين نسائه. ومن مكان اعتكافه عليه الصلاة والسلام هذا كان يعطي رأسه لعائشة رضي الله عنها وهي في داخل باب حجرتها لتسرحه وترجله كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

3UAas.jpg


وكانت تسمى أيضاً أسطوانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه كان يجلس عندها حارساً للنبي قبل أن يترك الحراس فلما نزل عليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]ترك الحراس حينئذ.

وترتيب هذه الأسطوانات: المخلقة عند المحراب، وأسطوانة عائشة خلفه إلى اليسار قليلاً، والتوبة على يسارها، ثم السرير عن يسار هذه، ثم الوفود خلف ذلك شمالاً ، ثم الحرس خلف الوفود، ومكتوب في أعلى كل واحدة اسمها.

وبداخل الشباك أسطوانات أخرى لا تمكن الصلاة عندها منها أسطوانة مربعة القبر، وأسطوانة التهجد وهي التي كانت في مكان تهجده من الليل.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

وهو الذي كان يدخل منه النبي وكان يعرف قبل هذه التسمية بباب النبي وأصبح يعرف بباب جبريل.
ومن الباب الذي عن اليمين المحراب دخل الأعرابي والنبي على منبره في خطبة الجمعة وقال: يا رسول الله هلكت الأموال والأنفس من القحط وقلة المطر فادع ربك ليسقينا. فدعا النبي ربه فخرجت سحابة من وراء سلع وليس بين المسجد وبين السلع بيت فغطت السماء فأمطرت ستاً (أي أسبوعاً) ثم دخل هذا الرجل نفسه ومن نفس الباب في الجمعة الثانية وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل من كثرة المطر فادع ربك يرفع عنا المطر. فتبسم النبي وقال: " لو كان الشيخ هنا لقرت عينه" فقال أبو بكر رضي الله عنه كأنك تعني يا رسول الله قول أبي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهــه ثمال اليتامى عصمـه للأرامـل
يلوذ به الهلاك من أل هــاشـمٍ فهم عنده في نعمة وفــواضل
ثم قال : " اللهم حوالينا ولا علينا " فيقول راوي الحديث إن السحاب كان ينقشع ويميل مع يده حيثما أشار حتى أصبحت السماء صحواً.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]


f0S7z.jpg

وكان لا بد أن تعترض دور لتوسعة النبي مسجده ولا بد من انتزاع ملكيتها ويكون فيما اتخذه الرسول في انتزاع الملكية تشريعاً لأمته من بعده ومن ذلك أنه اعترضته دار لرجل من الأنصار قيل إنه(منافق ) قال له النبي : " تتصدقُ بها على المسجد ولك بيت في الجنة " فأبى الرجل فجاءه عثمان بن عفان رضي الله عنه وجعل يساومه في داره حتى اشتراها بعشرة ألاف درهم ثم جاء عثمان إلى النبي وقال يا رسول الله اشتر مني البقعة فإني اشتريتها من الأنصاري بمثل ما كنت تريد شراءها به منه فاشتراها منه النبي ببيت في الجنة وهكذا تعودنا أن نقرأ عن عثمان رضي الله عنه الإنفاق في سبيل الله إلى حد اكتسب الجنة كما في هذه القصة وكما في تمويله لجيش غزوة العسرة (تبوك) وكما فعل في عيرة التجارة عام الرمادة وكما فعل في شراء بئر رومة وتصدق بها على المسلمين وجعل دلوه فيها كدلو أحد المسلمين. فيا أثرياءنا وأغنياءنا لكم في أصحاب رسول الله صلى تعالى الله عليه وسلم أسوة حسنة "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ".
وهكذا نرى الصديق رضي الله عنه دفع ثمن مكان المسجد الأول وعثمان رضي الله عنه دفع ثمن الزيادة في مسجد الرسول فرضي الله عنهما وعن عامة أصحاب المصطفى ﷺ. وكان النبي أول من وضع لبنة في بناء مسجده الشريف ثم دعا أبا بكر فوضع لبنة ثم دعا عمر فوضع لبنة ثم جاء عثمان فوضع لبنة ثم قال للناس ضعوا فوضعوا

 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

Ur98Q.jpg

كانت حجرات الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم محيطة بالمسجد من الركن الجنوبي الشرقي. حيث كانت حجرة حفصة في مكان الشباك النبي الذي عند المواجهة الشريفة الذي يقف عنده الزائرون الآن وإلى شماله خوخة (أي زقاق ) تفصل بين حجرتها وحجرة عائشة ولكل واحدة منهما عاليها كوّة صغيرة تتبادلان منهما الحديث والأسرار وعبر هاتين الكوتين أخبرت حفصةُ عائشة بما أسَّر لها رسول الله من تحريم العسل على نفسه وأظهره الله على ما أفشت حفصة من سره قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3].
فقد ورد أنه كان يطوف ببيوته كلها في كل يوم وأنأم المؤمنين زينب بنت جحش كانت تحرص على ما يسره، فكانت تصنع له شربة عسل لأنه كان يحب العسل فإذا مرّ بها سقته عسلاً فغارت منها حفصة وعائشة فاتفقتا على ما يجعل النبي يترك شرب العسل عند زينب وقالت كل واحدة للأخرى: إذا جاءك رسول الله فقولي له إني أجد فيك ريح مغافير (والمغافير شيء كريه الرائحة) وكان النبي يكره الرائحة الكريهة فلما جاء إلى عائشة بعد أن شرب العسل عند زينب قالت: إني أشم فيك رائحة مغافير يا رسول الله قال: " إنما شربت عسلاً عند زينب " فلما ذهب إلى حفصة قالت أيضاً : يا رسول الله أشم فيك رائحة مغافير فقال : "إنما شربت عسلاً عند زينب" ثم قال: إني حرّمت العسل على نفسي واستكتم حفصة ذلك فما إن خرج من عندها حتى أخبرت عائشة بسر رسول الله فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1-2]، وقد أوردت الحديث بالمعنى. فجعل اللَّه كفارة من حرم على نفسه شيئاً أحله الله أن يكفر كفَّارة يمين.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

XCkqP.jpg

إن حجرة عائشة رضي الله عنها هي أول ما بنى النبي من بيوته الشريفة بعد بناء مسجده ثم بنى بعدها حجرة سودة رضي الله عنها وتقع هذه الحجرة شرقي المسجد النبوي ويفتح بابها على الروضة الشريفة لأن النبي كان يعطي رأسه لعائشة رضي الله عنها تسرحه وترجله وهو معتكف في المسجد، ولما رفع النبي إلى الرفيق الأعلى كان في حجرة عائشة لأنه استأذن من أمهات المؤمنين أن يُمرّضَ في حجرة عائشة رضي الله عنها، وتقول عائشة إنه قبض ورأسه في حجرها، ولما توفي النبي دهش أصحابه لوفاته إلى حد أن عمر رضي الله عنه استل سيفه ووقف عند باب هذه الحجرة وقال: لا يقول أحد أن رسول الله تُوفي إلا ضربته بهذا السيف حتى جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ودخل على رسول الله وهو مسجى في ثيابه فكشف عن وجهه الشريف وقبَّل بين عينيه وقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنها لموتة كتبها الله عليك . ثم خرج الصديق رضي الله عنه ووقف عند الباب إلى جانب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ دائم لا يموت) ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] فارْتختْ يد عمر بالسيف واغمده وقال: واللَّه لكأني ما سمعت هذه الآية من قبل ولإني لمن أول من حفظها بعد نزولها. وبعد ذلك تبادل الصحابة الرأي في المكان الذي يدفن فيه رسول الله فقال الصديق رضي الله عنه إنه سمع حديثاً من رسول الله أن كل نبي يُدفن حيث قُبض فعند ذلك جيء بحافرين للقبور أحدهما يحفر الشق والآخر يلحد اللحد فألحد قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واللحد هو حفرة في جانب القبر من جهة القبلة يوضع فيها الميت ثم يهال التراب في القبر. ثم فرشت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قطيفة حمراء في قبره وبعد أن وُضع فيه أطبقت عليه تسعُ لَبنات ثم سُوِّي التراب فوق ذلك بارتفاع يسير عن سطح الأرض.
فاصبح النبي في قبره في جنوبي الحجرة الشريفة وظلت عائشة رضي الله عنها تسكن في القسم الشمالي منها ليس بينها وبين القبر ساتر فلما توفي الصديق رضي الله عنه أذنت له أن يدفن مع النبي فحفر له القبر خلف النبي بذراع ورأسه مقابل كتفيه الشريفين ولم تضع عائشة بينها وبين القبرين الشريفين ساتراً وقالت إنما هو زوجي وأبي. وبعد أن توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذنت له بأن يدفن مع صاحبيه فحفر القبر له خلف الصديق بذراع ورأسه يقابل كتفيه ولطوله عمر رضي الله عنه وصلت قدماه إلى الأساس الشرقي للحجرة حتى حفر لهما تحت الأساس الشرقي للحجرة ، فعند ذلك جعلت عائشة رضي الله عنها ساتراً بينها وبين القبور الشريفة لأن عمر رضي الله عنه ليس بمحرم فاحترمته حتى بعد وفاته فرضي الله عن الجميع وفي سنن الترمذي عن عبد اللَّه بن سلام (أنه مكتوب في التوراة صفة دفن عيسى عليه السلام مع النبي ﷺ) ولهذا قال بعض العلماء إن المكان الخالي الموجود في الحجرة سوف يكون مدفن عيسى عليه السلام. أما فاطمة رضي الله عنها فليس قبرها ثَمَّ بل دفنت بالبقيع الطاهر كما سيأتي ووردت آثار وأحاديث تفيد بأن آلاف الملائكة يحفون بالقبر الشريف ليلاً ونهاراً ويصلون على النبي . كما عند الدارمي والبهيقي.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

جاء في الصحيحين " ما بين بيتي ـ وفي رواية قبرى ـ ومنبري روضة من رياض الجنة " المكان الذي ضم أعضاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل بقاع الأرض على الإطلاق وكذلك ما جاوره: فالروضة هي روضة من رياض الجنة ومعنى ذلك:
·أنها تقطع من الأرض يوم القيامة وتوضع في الجنة؟.
- أو أن من لازم العبادة فيها حصلت له روضة من رياض الجنة يوم القيامة؟.
- أو معنى ذلك أنها روضة في الدنيا للعلم والمعرفة حيث كان يقتبس ذلك من رسول الله وهو فيها ثم تجعل يوم القيامة إحدى رياض الجنة فرياض الجنة حلق الذكر.
وقد وضع العثمانيون علامتها بجعل أساطينها بيضاء كما هو مشاهد الآن.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

زيارة قبر النبي قربة مشروعة من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى، ومن أسباب استحقاق شفاعة الحبيب الأعظم ﷺ، وهي بعض الوفاء لحقه علينا . والدليل على مشروعية زيارة النبي أمور عدة:
1- مشروعية زيارة القبور عموماً، بدليل فعله ﷺ.
2- زيارة الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لقبر النبي ﷺ.
3- ما رواه أحمد رضي الله عنه بسند صحيح أن النبي لما خرج يودع معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري "، و (لعل) هنا للرجاء …بالإضافة إلى كثير من الأحاديث والوقائع الدالة عليه.
وكيف لا يخفق قلب المؤمن شوقاً وحباً وهياماً إلى مثواه للسلام عليه، وهو في قبره يُخبَرُ بأعمال أمته فما وجد منها خيراً حمد الله عليه وما وجد منها غير ذلك استغفر لهم ﷺ.
يرد السلام على من سلم عليه وتبلغه صلوات المؤمنين عليه ويسر بالمقبلين إليه … كيف لا تتلوع قلوبنا تلهفاً إلى مثواه وقد قال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء : 64].
لقد جعل الله تعالى الدوم إلى حبيبه باباً من أوسع أبواب المغفرة وسبباً لاستحقاق الرحمة.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

*يستحب للزائر أن ينوي التقرب إلى الله بالصلاة في مسجد النبي لفضل ثواب الصلاة في مسجده .
*يُستحب أن يُكثر في طريقه إلى طيبة (المدينة المنورة) من الصلاة على الحبيب ﷺ، ولا سيما إذا بدت له معالم المدينة وأشجارها وأبنيتها، وأن يسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته ويتقبلها منه.
*يستحب الاغتسال قبل الدخول إلى مسجده للسلام عليه وأن ينظف نفسه، ويلبس أحسن ثيابه ويتطَّيب.
* على المرء أن يستشعر في قلبه أنه في أشرف بقاع الأرض بعد مكة.
* يُستحب أن يقول عند دخول المسجد النبوي الشريف كما عند دخول المسجد الحرام: " أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد الله، واللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك".
والروضة هي ما بين المنبر والقبر الشريف المحاط بالحجرة الشريف، وهي متميزة بسواريها ذات الرخام الأبيض.
ويصلي في الروضة سنة تحية المسجد، ويشكر الله تعالى على هذه النعمة ويسأله القبول، ثم يأتي القبر الشريف حيث يثوي سيدنا وحبينا محمد ﷺ، فيقف مستقبلاً القبر والقبلة خلفه، ناظراً إلى أسفل المواجهة الشريفة، غاض الطرف، ممتلىء القلب وإجلالاً لمنزلة من هو في حضرته عليه الصلاة والسلام، ثم يسلِّم بصوت معتدل قائلاً:
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نذير، السلام عليك يا بشير، السلام عليك يا طهر، السلام عليك يا نبي الرحمة، السلام عليك يا نبي الأمة، السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى آل بيتك وأزواجك و ذريتك وأصحابك أجمعين، والسلام عليك وعلى سائر الأنبياء وجميع عباد الله الصالحين.
جزاك الله يا رسول الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وصلى الله عليك وسلم كما ذكرك ذاكر وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأطيب وأكمل ما صلى على أحد من الخلق أجمعين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأشهد أنك قد بلَّغتَ الرسالة وأدَّيت الأمانة ونصحتَ الأمة وجاهدت في الله حق جهاده.
اللهم آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وهذه الصيغة مستحبة وله الاقتصار على بعضها مما يحفظه وحبَّذا لو حفظ ما يقدر على حفظه دون أن يقرأ من الورق كما يفعل بعض الناس…
ويبلِّغ السلام من أوصاه بالسلام على رسول الله فيقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان
* وبعد السلام يتأخر إلى اليمين قدر (50 سم) فيسلم على سيدنا أبي بكر الصدِّيق ويثني بما هو أهله رضي الله عنه.
* ثم يتأخر إلى اليمين قدر ذراع فيسلِّم على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويثني بما هو أهله.
فإذا انتهى تأخر فوقف مستقبلاً القبلة، حيث أمكنه من الروضة والأفضل إن تيسَّر بين القبر والسارية، فيحمد الله تعالى ويمجده، ويدعو لنفسه ولوالديه وإخوانه وسائر المسلمين.
* ليحرص على الصلاة في الروضة فقد روى أبو هريرة أن رسول الله قال: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على الحوض ".
*لا يجوز الطواف بالقبر النبوي الشريف، ويكره التمسح به أو بالمواجهة الشريفة والتقبيل، بل الأدب أن يبتعد كما لو حضر أمام الرسول في حياته.
*ينبغي أن يحرص على أن يصلي الصلوات كلها في مسجد رسول الله وأن ينوي الاعتكاف فيه.
* يسن الخروج إلى البقيع كل يوم، ولا سيما يوم الجمعة وذلك بعد أن يسلم على النبي ﷺ، ويقول عندما يصل إلى البقيع: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد اللهم اغفر لنا ولهم.
* يستحب زيارة قبور شهداء أُحُد، ويبدأ بحمزة عم رسول الله سيد الشهداء.
ويستحب استحباباً مؤكداً أن يأتي مسجد قباء، والأولى أن يأتيه يوم السبت . روى الترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله قال: " صلاة في مسجد قباء كعمرة ".
ويسن أن يأتي بئر أريس فيشرب من مائه ويتوضأ من (أُزيل بئر أريس دفعاً لبدَع بعض الجهلة).
* ينبغي أن يكون وهو في مدينة النبي مستحضراً شرف هذه المدينة وأن يتحلى فيها بالأدب والخلق المطلوبين في ذلك المقام، ويسن أن يكثر من التصدق على فقراءها.
* فينبغي عدم رفع الصوت وترك المشاحنات في حضرة النبي ﷺ، فلقد أدَّب الله المسلمين في كتابه العزيز بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 2-3]. فقد نهت الآيتان القرآنيتان عن رفع الصوت عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأوعدت من يرفع صوته عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأن الله يحبط عمله ويذهبه ولا يثيبه. وورد في تفسير الآية أن ثابت بن قيس رضي الله عنه كان جهوري الصوت ولشدة خوفه من الله جلس في بيته وهو يبكي وقال أنا صيِّتٌ (أي صوتي عالٍ) وأخشى إن بدر من علوّ صوت في حضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فما أظن هذه الآية إلا نزلت فيّ.
فلما افتقده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل يطلبه فلما جاء الطلب إلى أهله قالوا ها هو في داخل بيته لم يرقأ له دمع منذ أيام فلما دخلوا عليه قال لهم إنه ما يظن هذه الآية إلا نزلت فيه لأنه كان جهوري الصوت يرتفع صوته عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فجيء به إلى رسول الله فطمأنه وبشره بالجنة كما صرَّحت الآية بأن من يغض صوته عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد هيأ الله قلبه واختاره للتقوى، وقد روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول: (لا ينبغي رفع صوت على نبي حيَّاً ولا ميتاً) وكانت عائشة رضي الله عنها إذا سمعت صوت وتد أو مسمار يدق في البيوت المجاورة ترسل إلى أهلها (لا تؤذوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم)، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا أراد أن يصنع مصراعي باب بيته خرج إلى المناصع (أي الرومية) حتى لا يؤذي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بما يحدث من صوت أو ضجيج.
إذ يجب على الزائر والجالس في الروضة الشريفة التأدب بآداب القرآن والتخلق بما ندب إليه حتى يسلم من إحباط العمل فإن سوء الأدب ورفع الصوت والمجادلة والمشاحنات والمناقشات في هذا المكان منافية لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فاحذر أيها الزائر واحذر أيها الجالس من مخالفة كتاب الله فإن ذلك يعرض لسخط الله أعاذنا الله وجميع المسلمين من ذلك.
ويقول العلماء: إنّ هذا الأدب معه صلى الله عليه و سلم كما كان واجباً في حياته هكذا هو واجب بجوار قبره الشريف في مسجده صلى الله عليه و سلم و هكذا ينبغي التَّأدب في مجالس الحديث الشريف وقراءته وسماعه.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

قال رسول الله : " ما بين لابتيها حرام " واللابتان هما الحرتان.
* إذا أراد العودة إلى وطنه استحب أن يصلي في المسجد النبوي ركعتين، ويدعو بعدها بما أحب ثم يأتي القبر الشريف ويعيد السلام والدعاء على النحو الذي فعل عند قدومه ثم يقول:
اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بحرم رسولك ﷺ، ويسر لي العودة إلى الحرمين سبيلاً سهلاً، وارزقني العفو العافية في الدنيا والآخرة، وردنا سالمين غانمين.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

وكانت الصفة مأموي الغرباء من المهاجرين الذين لا مأوى لهم في المدينة فيقل عددهم حيناً، ويكثر أحياناً حتى يبلغ ستمائة صحابي وكان النبي يجالسهم ويأنس بهم ويناديهم إلى طعامه ويشركهم في شرابه فكانوا معدودين في عياله.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يأخذ الواحد منهم الاثنين والثلاثة من أهل الصفة فيطعمهم في بيته كما كانوا يأتون بأقناء الرطب ويعلقونها في السقف الصفة ليأكلوا منها فذهب المنافقون ليفعلوا مثل فعلهم رياء فصاروا يأتون بأقناء الحشف والرطب الرديء فأنزل الله تعالى فيهم قوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ..} [البقرة: 267] ومن أشهر أهل الصفة المنقطعين فيها أبو هريرة رضي الله عنه وهذا الانقطاع مكنه من تلقي الكثير من أحاديث الرسول كما قال عن نفسه عندما سمع الناس يقولون أكثر أبو هريرة عن رسول الله فقال أما أنتم يا معشر المهاجرين فقد شغلتكم التجارة وأما أنتم يا معشر الأنصار فقد شغلتكم الحقول والمزارع وأما أنا فقد لازمت رسول الله صلى تعالى الله عليه وسلم على ملء بطني فكنت أتعلم من العلم فكيف تقولون أكثر أبو هريرة أكثر أبو هريرة؟.
وقد صور لنا أبو هريرة رضي الله عنه ما كان أهل الصفة يصبرون عليه من الجوع وشدة الحال في قصة وقعت له في يوم من الأيام: قال أبو هريرة رضي الله عنه إنه كان يمضي عليه اليوم واليومان لم يذق طعاماً وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع وجلس يوماً في طريق الذين يخرجون من المسجد لعل أحداً منهم يكشف ما به من الجوع فمر عليه الصديق فسأله أبو هريرة عن معنى آية من كتاب الله وقال ما سألته إلا لكي ينتبه لحالي فمر ولم ينتبه بعد أن أجابه عن معنى الآية ثم مر عمر بن الخطاب كذلك، فلما مر رسول الله نظر إلى أبي هريرة وابتسم حين رآه وعرف ما في وجهه من الجوع ثم قال يا أبا هريرة فقال أبوهريرة لبيك يا رسول الله.
فقال: الحق. فتبعه ودخل معه في بيته فوجد النبي في بيته لبناً في قدح فقال من أين هذا اللبن؟ فقالوا أهداه لك فلان فقال رسول الله يا أبا هريرة فقال لبيك يا رسول الله فقال اذهب فادع أهل الصفة فقال أبو هريرة في نفسه وما يغني هذا اللبن عن أهل الصفة وضعف أمله في إصابة ما يتقوى به من ذلك اللبن. فلما دعاهم أمره النبي أن يباشر سقيهم فضعف أمله أكثر لأن ساقي القوم آخرهم شرباً فسقى الجميع وكان النبي يعزم على كل واحد شرب بأن يزيد حتى يشبع فيقول أبو هريرة في نفسه ليته لم يعزم حتى يصل إلي ولو الشيء اليسير حتى شبع أهل الصفة جميعاً وكان عددهم في هذه الحادثة يبلغ ثلاثمائة رجل حتى وصل اللبن إلى أبي هريرة رضي الله عنه ولم ينقص شيئاً فتبسم النبي يا أبا هريرة بقيت أنا وأنت فاقعد واشرب فقعد أبو هريرة وشرب حتى روى فما زال النبي يعزم عليه بأن يشرب حتى قال أبو هريرة والذي بعثك بالحق ما أجد مسلكاً للبن في بطني ثم أخذ النبي وسمى الله وشرب الفضلة.
إن هذا التكثير للطعام لرسول الله والذي تكرر معجزة له مرات ومرات في غزوة الخندق وغزوة تبوك وغزوة الحديبية وفي السمن الذي أهدته له أم سليم وفي قربة الماء التي زود بها نفراً من أصحابه في سرية فكانوا إذا جاعوا صبوا من القربة فوجدوا اللبن والزبد وإذا عطشوا صبوا منها فوجدوا الماء العزب فإذا ترى فيما عليه النبي وأصحابه من تواضع في العيش؟ إنه اختيار للآخرة على الأولى.
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: لقد رأيت معي في الصفة ما يزيد على ثلاثمائة ثم رأيت بعد ذلك كل واحد منهم والياً أو أميراً، وأن النبي قال لهم ذلك حين مر بهم يوماً ورأى ما هم عليه.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

733Kv.jpg

إن منطقة قباء هي أول منطقة سكن فيها المهاجرون بعد قدومهم من مكة المكرمة وذلك بعد انتشار الإسلام في المدينة بعد بيعتي العقبة ودعوة الأنصار للنبي للهجرة إليهم وتعهدهم بحمايته بما يحمون به نساءهم وأبناءهم، فعند ذلك بدأ أصحاب رسول اللَّه يهاجرون إلى المدينة وكان من أولهم خروجاً إليها عبد الله بن أم مكتوم رضي اللَّه وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنه وقيل إنه أول من يأخذ كتابه بيمينه وبالعكس أخوه الأسود بن عبد الأسد فإنه قيل إنه أول من يأخذ كتابه بشماله.
وأبو سلمة هذا كان زوجاً لأم المؤمنين أم سلمة قبل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولما أراد الخروج مهاجراً منع المشركون زوجته من الخروج معه ولم تخرج إلا بعد ذلك بمدة وبعد جدال بين المشركين أنفسهم ، وقدم أبو سلمة المدينة بكرة وقدم عامر بن ربيعة عشيًّا ثم بعد هؤلاء توجه مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة موفداً إليها ليعلم الأنصار أمور الدين إذ كرهوا أن يكون إمامهم ومفقههم منهم كما طلبوا ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم تتابعت هجرة الصحب الكرام رضي الله عنهم حتى لم يبق من أعيانهم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا أبو بكر وعلي رضي الله عنهما.
وكان من هاجر من المسلمين يستقر بقباء عند بني عمرو بن عوف واتخذوا مكاناً يصلون فيه بإمامه مصعب بن عمير رضي الله عنه فكان ذلك مكان مسجد قباء فيما بعد حين هاجر المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة ونزل بقباء على كلثوم بن الهدم بعد أن استقبله الأنصار مدججين بالسلاح وبعد أن تفاءل باسم أبي بردة الأسلمي وباسم عشيرته وقال للصديق: برد أمرنا وسلمنا. وبعد أن تفاءل بالاتجاه إلى اليمين وإلى العالية.
وأسلم أبو بردة هذا وآمن معه قومه بنو سهم وأعطى عمامته للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليجعلها على رأس عصا واتخذها أول لواء له صلى الله تعالى عليه وسلم.
ونزل ﷺ حين قدم تحت ظل نخلة غربي مكان مسجد قباء فلم يميز الأنصار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الصديق لأنهم لم يروه من قبل حتى لحقته الشمس فقام الصديق يظلله بردائه فعرف الأنصار حينئذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الصديق، وقام ببناء مسجد قباء (أول مسجد أسس على التقوى) وهو أول مسجد صلى فيه النبي بأصحابه صلاة الجماعة جهراً وكانت قبلته إلى بيت المقدس ، وقد حمل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الحجارة بنفسه في بناء هذا المسجد ، وإذا أراد أحد أصحابه أن يأخذ عنه الحجر قال خذ حجراً غيره، فوضع قبلته وجبريل يريه القبلة المشرفة، وكان عبد الله بن رواحة يقول في أثناء بنائه:

أفلح من يعــالج المساجـــدا


يقرأ فيها قائمـــاً وقـاعــدا


ولا يبيت الليـل عنه راقـــدا


وكلما قال المساجدا - قاعدا - راقدا قال صلى الله تعالى عليه وسلم معه المساجدا - قاعدا راقدا، ويوجد محراب صغير في صحن مسجد قباء يعتقد أنه في محل مبرك ناقته صلى الله تعالى عليه وسلم حين قدم قباء.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

coBR7.jpg

روى الطبراني بسنده إلى سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة "، وورد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يزور قباء يوم السبت ويركب له، وصارت تلك عادة أهل المدينة حيث يذهبون إلى مسجد قباء يوم السبت للصلاة فيه، حتى يومنا هذا .وقد أثنى الله تعالى على أهل قباء بقوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
فقال لهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " ما الذي أحدثتم فيه فقد أحسن اللَّه عليكم الثناء؟" فقالوا: إنا نجمع بين الحجارة والماء في الطهارة.
بعض ما ورد في فضل كل من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واقتداء الصحابة الكامل بأقوال وأفعال النبي ﷺ:
وعن علي بن ربيعة قال: رأيت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه أُتي بدابة ، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال الحمد اللَّه {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 13-14]، ثم حمد اللَّه تعالى ثلاثاً، وكبر ثلاثاً، ثم قال: سبحانك لا إلـه إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي - ثم ضحك.
فقلت له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟!!
فقال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك ، فقلت له: مم ضحكت يا رسول الله؟.
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال: رب اغفر لي ، ويقول سبحانه: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري. رواه أصحاب السنن والإمام أحمد واللفظ له. فانظروا إلى كيفية اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالنبي حتى في الضحك عندما ركب الدابة !!.
ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّه توضأ في بيته ثم خرج وقال لألزمنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا، قال فجئت المسجد، فسـأل عن النبي فقالوا: خرج، وَوَجَّه ههنا، فخرجت على إثره أسأل -حتى دخل بئر أريس- أي: البستان الذي فيه بئر أريس - فجلست عند الباب - وبابها من جريد - فتوضأ رسول الله فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس، وتوسط قُفّها - يعني حافتها -وكشف عن ساقيه- أي: تحت الركبة - ودلاّهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب ، وقلت لأكوننّ بواب رسول الله صلى اله عليه وسلم اليوم.
فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك ، ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن.
فقال : " ائذن له وبشره بالجنة " فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة .. فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله معه في القُفّ، ودَلّى رجليه في البئر، كما صنع رسول الله ، وكشف عن ساقيه.
قال أبو موسى: ثم رجعت فجلست عند الباب ، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً - يريد أخاه - يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك، ثم جئت رسول الله فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن فقال : "ائذن له وبشره بالجنة".
فجئت فقلت له: أدخل وبشرك رسول الله بالجنة ، فدخل فجلس مع النبي في القُفّ عن يساره ودَلّى رجليه في البئر وكشف عن ساقه.
ثم رجعت فجلست عند الباب، فقلت: إن يرد الله بفلان - أي: بأخيه - خيراً يأت به فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟، فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، فجئت رسول الله فأخبرته.
فقال: "ائذن له ويشره بالجنة على بلوى تصيبه ".
فقلت له: أدخل وبشرك رسول الله بالجنة على بلوى تصيبك ، فدخل فوجد القُفَّ - أي، جانب البئر الذي فيه رسول الله ﷺ قد ملىء، فجلس وجاهه - أي: أمام رسول الله من الشق الآخر- أي الجانب الآخر.
قال سعيد بن المسيب: فأوّلتها قبورهم. اهـ يعني سعيد وغيره- كما في رواية: كنا نتأولها قبورهم.
ففهموا من ذلك ترتيب وفياتهم، وترتيب قبورهم، وأن عثمان رضي الله عنه في الشق المواجه وهو البقيع.
ومن المعلوم أن عثمان رضي الله تعالى عنه اشترى قبره في البقيع وهو حي.
فلنتأمل في اقتداء الصحابة برسول الله ﷺ، وتسليمهم له، فلم يقل أحد منهم: يا رسول الله لِمَ جلست ههنا بل اجلس ثَمّة تحت الشجر وظلاله أو نحو ذلك، بل فعلوا مثل ما فعل، لأنهم موقنون أنه رسول الله، ما يفعل ذلك عبثاً ولا عن غفلة، بل عن حكمة، ولحكمة تتجلى فيها أسرار نبوية دالة على أمور غيبية.

فهذه هي المدينة المنورة التي ما ركب فيها الإمام مالك رحمه الله تعالى دابة قط وقد عاش في المدينة المنورة عمره كله وكان يقول كيف أطأ بحافر دابةٍ أرضاً وطأها النبي بقدميه الشريفتين، فلله درّك يا إمام، ولله درّ القائل:


رعى الله أياماً تقضّت بطيبه


وحيا ليالٍ ما عرفت لها قدرا


ليالي وصالٍ لو تباع شريتها بروحي


ولكنها لا تباع ولا تُشــرى


سألت إلهي قبل موتي زيارة


إلى الروضة الفيحاء والقبة الخضراء


وأدخل من باب السلام مسلماً على


الهادي المصطفى وأفرح ببشراه


وأقول يا رسول الله جئتك قاصداً


فكن لي شفيعاً يا أجل الورى قدرا


وليقرأ هذه الأبيات كل واحد عاد من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم يدرك حقيقة شعور قائل هذه الأبيات:
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

3jBTo.gif

الطعام والشراب حاجتان أساسيّتان لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الأحوال والأوضاع ، فهما سرّ الحياة ، ومن أعظم النعم التي امتنّ الله بها على عباده ، ووجّه الأنظار إليها في كثير من الآيات القرآنية ، للعظة والعبرة ، والشكر والامتنان ، قال تعالى: { فلينظر الإِنسان إلى طعامه * أنَّا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فِيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وَأبا * متاعا لكم ولأنعامكم } (عبس:24-23) .

وقد جاء الهدي النبوي فوضع لهذا المظهر الإنساني جملةً من الآداب التي ترفع من قيمة المسلم ، وتحقّق له التميّز على بقيّة الشعوب والأمم.
وأول من يُذكر في هذا الباب ، القاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها رسول الله – - بقوله: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من بطن ، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) أخرجه أحمد و الترمذي ، فالمهم إذاً أن يجد الإنسان ما يحفظ له حياته ، لا أن يكون تناول الطعام وتنويعه هدفاً بحدّ ذاته .
وقد حرص النبي – على تطبيق ذلك ، فلم يكن يكثر من تناول الطعام ويتتبّع أنواعه ، بل كانت تمرّ عليه الأيام الطويلة دون أن يُطبخ في بيوت نسائه شيء ، ويكتفي بالخبز الذي كان أكثر أكله .
وكان من هدي النبي - - غسل اليدين قبل الطعام وبعده، فقد قال: – ﷺ- ( من نام وفي يده ريح غمر وأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ) رواه أبو داود ، ومعنى( الغمر ) : دسم ووسخ ، وغيرهما من الشحوم .
أما عن صفة جلوسه – ﷺ – على مائدة الطعام فقدكان يجثو على ركبتيه عند الأكل ، أو يَنصِبُ رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فعن أنس رضي الله عنه قال: " رأيت النبي –جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم .
وكان النبي – – يأكل على الأرض ولا يتّخذ مائدة ، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه فقال : كان رسول الله - - يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ، رواه الطبراني .
وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل متكئاً ، فقد قال – - : ( لا آكل متكئاً ) رواه البخاري ومعنى ( المتكئ ): هو المعتمد على الوِسادة تحته .
وكان لا يأكل – ﷺ – منبطحاً، ومعنى ( منبطحاً ): أي مستلقياً على بطنه ووجهه ، فقد جاء النهي عن ذلك ،كما روى ذلك ابن ماجة .
وكان من هديه – – في هذا الشأن أنه يسمي الله تعالى في أول طعامه ويحمده في آخره ، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - ﷺ - قال : ( إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره ) رواه أبو داود ، وعند الفراغ من الطعام يقول : : ( الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه ، غير مَكْفِي – أي لا يستغني عنه الخلق - ، ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا ) رواه البخاري ، ويقول : ( الحمد لله الذي كفانا وأروانا ، غير مكفيّ ولا مكفور ) رواه البخاري ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ) رواه ابن ماجة ، ويقول : ( اللهم أطعمت وأسقيت ، وأغنيت وأقنيت ، وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت ) رواه النسائي ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعم وسقى ، وسَوّغه وجعل له مخرجاً ) رواه أبو داود ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ) رواه الترمذي ، وأحيانا يقول : ( الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، منّ علينا فهدانا ، وأطعمنا وسقانا ، وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله الذي أطعم من الطعام ، وسقى من الشراب ، وكسا من العري ، وهدى من الضلالة ، وبصر من العمى ، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين ) رواه ابن حبان في صحيحه .
ثم إن من هديه – – الأكل باليمين ومما يليه، فقد جاء عن النبي - - أنه قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ) رواه مسلم ، وثبت عن عمر بن أبي سلمة قال : أكلت مع النبي ﷺ فقال: ( سَمََّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك ) متفق عليه.
وكان من هديه – – في تناوله طعامه ، أنه يأكل بأصابعه الثلاثة، وكان يلعقها إذا فرغ من طعامه ، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم-يأكل بثلاث أصابع ، فإن فرغ لعقها ) رواه مسلم ، يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد: " وهو أشرف ما يكون من الأكلة ، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة ، والجشع الحريص يأكل بالخمس ، ويدفع بالراحة " .
وإذا تتبّعنا ما كان يأكله النبي – – لمسنا عدم تكلّفه ، فقد ورد عنه أكل الحلوى والعسل ، وأكل الرطب والتمر ، وشرب اللبن خالصا ومشوباً –أي مخلوطاً بغيره - ، والسويق – وهو طعام يُصنع من الحنطة والشعير - ، وأكل الأقطاللبن المجفف - ، وأكل التمر بالخبز ، وأكل الخبز بالخل أو الزيت ، وأكل الثريد - وهو الخبز باللحم - ، وأكل الخبز بالشحم المذاب ، وغير ذلك مما ورد في السنّة .
لكنه عليه الصلاة والسلام كان يفضّل أنواعاً من الأطعمة ، فقد كان يحب البقل والقثّاء – وهو الخيار - ، والدّباء (وهو القرع) ، وروى عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يتتبّع الدباء من حوالي القصعة ، متفق عليه .
وكان عليه الصلاة والسلام يحبّ الثريد بشكلٍ خاص ، حتى جعل فضل عائشة رضي الله عنها على سائر نسائه كفضل الثريد على سائر الطعام ، متفق عليه ، وكان – يحبّ من اللحم الظهر والكتف ، وكان يقول : (أطيب اللحم لحم الظهر ) صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع النبي في دعوة ، فرُفع إليه الذراع وكانت تعجبه ، متفق عليه .
وكثيراً ما كان الصحابة يدعون النبي – - ، فيقبل دعوتهم ، ويأكل من ولائمهم ، كما حصل في غزوة الخندق وغيرها ، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لصاحب الطعام فيقول: ( أفطر عندك الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلّت عليكم الملائكة ) رواه أبو داود .
لكنّه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقبل الطعام الذي جاء على سبيل الصدقة بخلاف ماجاء عن طريق الهديّة ، فإنّ الصدقة تحمل في معانيها الرحمة والمسكنة ، فلذلك كانت الصدقة محرّمة عليه وعلى ذرّيته صيانةً لهم وإعلاءً لشأنهم كما صحّ بذلك الحديث ، والحال أن النبي – – كان يسأل عن الطعام الذي يأتيه ، فإن كان هدية قبله ، وإن كان صدقة قال لأصاحبه : (كلوا) رواه البخاري .
ومن كمال هديه – – في الطعام أنه كان لايرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرَّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " ما عاب النبي- - طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه " رواه البخاري و مسلم .
ومن الأطعمة التي ثبت أن النبي – – كان يكرهها ويعافها ، لحم الضبّ ، ويبيّن سبب ذلك بقوله : ( ...ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه ) متفق عليه .
وصحّ عن النبي – – كراهيّته لأكل الثوم ، وذلك لأجل ريحه ، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله - - كان إذا أكل طعاماً بعث بفضله إلى أبي أيوب ، فأتى يوماً بقصعة فيها ثوم فبعث بها ، فقال أبو أيوب : يا رسول الله ، أحرام هو ؟ ، فقال له : ( لا ، ولكني أكره ريحه ) رواه أحمد .
ويظهر من سيرة النبي – – أنه لم يكن يأنف من تناول الطعام مع أيّ شخص ، مهما كان عمره أو وضعه الاجتماعي ، تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام .
أما عن هديه – – في شرابه فقد كان يشرب باليمين ،كما ورد ذلك في الأكل ، وكان يشرب الماء على ثلاث دفعات ، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله –- كان يتنفس إذا شرب ثلاثاً رواه البخاري و مسلم ، وفي رواية أخرى: كان رسول الله يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول : ( إنه أروى وأبرأ وأمرأ ) ، فهديه – - في شرب الماء أنه يقسم شرابه إلى ثلاثة أجزاء يتنفس بينها، مبعداً الإناء عن فيه وعن نفسه وقاية له من التلوث ، وكان ينهى عن التنفس في الإناء ، كما ثبت ذلك عنه بقوله – - : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) رواه البخاري .
ومن هديه - - في ذلك ، أنه كان قليلاً ما يشرب قائماً ، حتى قال - - : ( لا يشربن أحدكم قائماً ) رواه مسلم ، وورد عنه أنه شرب قائماً ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " سقيت رسول الله - - فشرب وهو قائم" رواه البخاري و مسلم ، وذكر العلماء في الجمع بين أحاديث النهي والإباحه أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وشربه – - قائماً بيان للجواز.
ومن الآداب التي سنّها رسول الله – - والمتعلّقة بالشرب عند اجتماع الناس - أن يكون ساقي القوم هو آخر من يشرب ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي – – قال : ( إن ساقي القوم آخرهم شربا ) رواه مسلم ، وأن يكون تقديم الشراب باعتبار الجهة لا السنّ والمكانة ، يوضّح ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن شاةً حُلبت لرسول الله - ﷺ – ، وكان على يساره عليه الصلاة والسلام أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي ، فأمر أنس أن يعطي الأعرابي ، وقال له : ( الأيمن فالأيمن ) متفق عليه .
وأكثر ما كان النبي – – يحبّ شربه : اللبن ، حتى كان يقول في حقّه : ( ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ) رواه الترمذي ، وكان يخصّص له من الشكر ما ليس لغيره من الأطعمة ، وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - – قال : ( من أطعمه الله الطعام فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) رواه الترمذي .
وكان النبي - – يعجبه شرب الماء العذب البارد ، ويطلب أن يُحضر له من الآبار ، كما ثبت في السنن .
وهكذا تبقى السنة النبوية هي الأكمل أدباً ، والأعظم أجراً ، والأحفظ لمكارم الأخلاق ، إضافةً إلى ما يترتّب عليها من المحافظة على صحّة البدن ونضارته ، فصلوات الله وسلامه على معلّم البشريّة .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﺍﺧﺘﻲ
ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺣﺴﻨﺎﺗﻚ
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

CaM7C.gif

من نعم الله تعالى التي امتن بها على عباده، وميزهم بها عن سائر المخلوقات، نعمة اللباس، قال تعالى: { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً } (الأعراف:26)، وقال تعالى: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تَقِيكم بأسكمْ } (النحل:81).

واللباس شأنه شأن غيره من أمور الحياة اليومية التي ينبغي على المسلم أن يلتزم فيها هدي النبي ﷺ، فقد كان هديه في اللباس أعظم الهدي وأكمله، فكان عليه الصلاة والسلام يلبس ما تيسر له من اللباس، سواء أكان صوفاً، أم قطناً أم غير ذلك، من غير تكلف ولا إسراف ولا شهرة.
وكان له ثوب يلبسه في العيدين وفي الجمعة، وكان إذا وفد عليه الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر عِلْية قومه بذلك.
وكان يهتم بنظافة ثيابه، ويحرص على تطييبها، ويوصي أصحابه بذلك، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلَّم أن حسن السمت، والزيِّ الحسن من شمائل الأنبياء وخصالهم النبيلة.
وكان أحب ألوان الثياب إليه - []الثياب البيضاء ـ فكان يؤثرها على غيرها من الثياب، قال ﷺ: ( البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم ) رواه الترمذي ، ولم يكن ذلك مانعاً من أن يتخير أي لون آخر، فقد ورد عنه أنه لبس حُلة حمراء كما نقل ذلك البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ( رأيت النبي ﷺ في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه ) رواه البخاري .
وبين لنا رسول الله -- آداباً يحسن بالمسلم أن يتحلى بها عند لبسه لثيابه فمن ذلك التسمية، فقد كان عليه الصلاة والسلام يبدأ بها في أعماله كلها ، ومنها البدء باليمين عند اللبس وبالشمال عند الخلع، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله يعجبه التيامن في شأنه كله ) رواه البخاري ، وهو يدل على استحباب البدء باليمين في كل ما كان من باب التكريم والزينة.
ومن الآداب الإتيان بالذكر المشروع عند لبس الثياب فقد كان ﷺ إذا لبس ثوبه أو قميصه، حَمِدَ الله تعالى قائلاً: ( الحمدُ لله الذي كَساني هذا ورَزَقَنِيه من غير حولٍ مني ولا قُوة) رواه أبو داود .
وإذا لبس ثوباً جديداً دعا الله قائلاً: ( اللهم لَكَ الحمدُ أَنتَ كَسَوتَنِيه أسألك من خَيرِهِ وخَيْرَ ما صُنع له، وأعوذ بك مِنْ شرِّه وشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ ) رواه الترمذي .
ومن جملة هديه ﷺ في لباسه عدم إطالة الثوب والإزار، فكان إزاره لا يتجاوز الكعبين، وثبت عنه ﷺ أنه قال: ( إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين ) رواه أبو داود ، وقال: ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) رواه البخاري .
واتخذ خاتماً من فضة، وكان يضعه في خنصر يده اليسرى، وتارة يضعه في يده اليمنى، ونهى عن التختم بالذهب.
ونهى عليه الصلاة والسلام عن لبس الحرير من الثياب، ونهى عن لبس ثوب الشهرة الذي يتميز به الإنسان على غيره حتى يشتهر به، فصح عنه أنه قال: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا ) رواه ابن ماجه .
وحرم النبي ﷺ، تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لعن رسول الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ) رواه البخاري ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( لعن رسول الله ﷺ، الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل ) رواه أبو داود .
هذه طائفة من هدي نبينا ﷺ في اللباس، فلا تفوت على نفسك فرصة تطبيق وإحياء سنن الحبيب ﷺ.
واعلم أن أجمل اللباس وأفضله لباس التقوى، كما قال تعالى: { ولباس التقوى ذلك خير } (الأعراف:26)، وصدق الشاعر حين قال:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

MTPBS.gif


مهما بلغ الإنسان من القوّة والنشاط فلابدّ له أن يأوي إلى فراشه أخيراً ، وهذه ضرورةٌ لا يمكن الاستغناء عنها ، فالنوم فرصةٌ تتيح للجسد الراحة والاسترخاء ، وللفكر أن يبتعد قليلاً عن مطارق الهواجس والخواطر التي ترهق العقل وتشغل البال ، وهو السكون الذي امتنّ الله به على عباده في قوله تعالى : { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } ( يونس : 67 ) وقوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا } ( الفرقان : 47 ) .


وجوانب القدوة والأسوة في حياة النبي - امتدّت لتشمل هديه في نومه واستيقاظه ، فقد أحاط عليه الصلاة والسلام هذه الحاجة الإنسانية بجملة من الآداب ، ورتّب عليها عددا من الأحكام .


وفي هذه الآداب وتلك الأحكام يظهر حرص النبي - على ربط المسلم بخالقه في كل الأحوال ، فعندما كان عليه الصلاة والسلام يريد أن يعطي جسده حقه من الراحة بعد عناء نهار طويل يستحضر عظمة الله ، ويستذكر جملة النعم التي أنعم الله بها عليه في يومه وليلته ، ويظهر ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام عندما يأوي إلى فراشه ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي) رواه مسلم فهي ألوانٌ من النعم المستوجبة للحمد والشكر لمعطيها ومانحها .


وكذلك كان -إذا أسلم النفس لراحتها ذكَّرها بأن أمرها أولاً وآخراً بيد بارئها لا بيد أحدٍ غيره، فيقول داعياً: ( اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رهبة ورغبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ) متفق عليه ، وقد علّم النبي عليه الصلاة والسلام البراء بن عازب رضي الله عنه هذا الدعاء وأمره أن يجعله آخر ما يتكلّم به ، وبشّر قائلها أن من مات على تلك الحال بأنه يموت على الفطرة كما جاء في نص الحديث .


وفي هذا الدعاء بيان للحال الذي على المسلم أن يكون عليها وهو على فراش نومه ، إنه حال الاستسلام والتسليم إلى خالق النفس وبارئها، وقريب من هذا الدعاء دعائه - - على تلك الحال بقوله : (باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ) متفق عليه.


وهناك العديد من الأذكار والأدعية التي جاءت عن النبي – – قبل النوم ، منها قوله : ( اللهم اغفر لي ذنبي ، وأخسئ شيطاني ، وفك رهاني ، واجعلني في الندي الأعلى ) كما ثبت في سنن أبي داود .


ومن الأدعية الواردة كذلك عند النوم ، قوله – –: ( اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ) رواه مسلم .


كذلك كان من هديه - – بعد الوضوء والاستعداد للنوم أن يجمع كفيه ، وينفث فيهما قارئاً سور الإخلاص والمعوّذتين ، ثم يمسح بكفّيه ما وصل إليه من جسده ، وبعد ذلك يضع يده تحت خده الأيمن ثم يدعو ثلاث مرّات : ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) رواه أبو داود وأحمد .


وفي سياق أحاديث نبويّةٍ أخرى ورد عن النبي – – قراءة سور أخرى من القرآن الكريم ، كسورة الملك وسورة السجدة ، وسورة الإسراء والزمر ، وآخر آيتين من سورة البقرة ، و"المسبّحات" وهي سور الحديد والحشر ، والصف والجمعة ، والتغابن و الأعلى .


ومن الأذكار الواردة كذلك التسبيح والتكبير والتحميد ، فقد أمر النبي - - علياً وفاطمة رضي الله عنهما إذا جلسا على الفراش أن يكبّرا أربعا وثلاثين ، ويسبحا ثلاثا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثا وثلاثين ، متفق عليه .


وفي المقابل جاء النهي عن النوم في أوضاعٍ معيّنة لمشابهتها لأحوال المعذّبين يوم القيامة ، ومن ذلك النوم على البطن ، فقد رأى رسول الله - - رجلاً مضطجعاً على بطنه فقال : ( إن هذه ضجعة لا يحبها الله ) رواه الترمذي ، وفي رواية ابن ماجة : ( إنما هذه ضجعة أهل النار ) .


وأرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – الناس إلى بعض التدابير الاحتياطيّة قبل الذهاب إلى النوم ، من إطفاء السرج وإغلاق الآنية وإخماد النيران ، حمايةً للبيوت من خطر بعض الهوام والحيوانات الصغيرة التي قد تعبث بمتاع الناس أو تكون سبباً في اشتعال الحرائق ، قال - ﷺ - : ( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ) متفق عليه ، وقال - ﷺ - : ( أغلقوا الباب ، وأوكئوا السقاء ، وأكفئوا الإناء أو خمّروا الإناء – أي : قوموا بتغطيته - ، وأطفئوا المصباح ؛ فإن الشيطان لا يفتح غلقا – أي بابا مغلقا - ولا يحلّ وكاء ، ولا يكشف آنية ، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم) رواه الترمذي ،ويقصد بالفويسقة الفأرة .


ومن هذه التدابير الواقية التي جاء الأمر بها : غسل اليدين قبل النوم إذا كان بهما شيءٌ من بقايا الطعام ، ويؤكّد النبي – - على ذلك بقوله: ( من نام وبيده غمر – أي دسومة وشحم - قبل أن يغسله فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه ) رواه البخاري في الأدب المفرد .


وإذا استيقظ الإنسان أثناء نومه فزعاً ، فعليه أن يقول : ( أعوذ بكلمات الله التامات ، من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ) كما ثبت بذلك الحديث في مسند الإمام أحمد .


ومن خصوصيّات النبي - أنه كانت تنام عينه ولا ينام قلبه ، وذلك لحضور قلبه ودوام استشعاره عليه الصلاة والسلام لعظمة خالقه وبارئه .


أما حاله - ﷺ – عند الاستيقاظ من النوم فكان كحاله قبله ، دوام ذكرٍ ومزيد شكرٍ للخالق سبحانه وتعالى على نعمة الحياة بعد الممات ، فكان يقول : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) رواه أبوداود .


ولما كان من طبيعة النائم عدم التحكّم في تصرّفاته جاء الأمر بغسل اليدين قبل الوضوء أو استخدام الآنية لإزالة ما قد يكون أصابها من نجاسة حال النوم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - - قال : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه ؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) متفق عليه .


ومن السنّة أيضاً نوم القيلولة ، وهو الاستراحة في نصف النهار ، وذلك في حديث النبي - : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) رواه الطبراني .


وبعد : فهذه إشراقةٌ من هدي النبي – ﷺفي نومه ويقظته ، جاءت لتؤكّد أن حياته عليه الصلاة والسلام لم تخلُ في لحظة من لحظاتها ، أو حالة من حالاتها ، من ذكر الله سبحانه وتعالى ، والتعلّق به ، وتفويض الأمر إليه .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

مِن نعم الله علينا وعلى البشرية أن رسول الله ـ ﷺ ـ بُعِث بالرحمة للناس جميعا، كما قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107)، ورحمة النبي ـ ـ بالمسلمين المؤمنين به أمر معلوم، ـ فهم أتباعه ومحبوه, وهم الذين يعتقدون عقيدته, ويدينون بدينه ـ، لكن رحمته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم تقتصر على المؤمنين، بل شملت حتى الكافرين به، ويؤكد الرسول ـ ﷺ ـ ذلك بقوله: ( أنا نبي الرحمة ) رواه مسلم.
وعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ : ( لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يرحم النَّاسَ ) رواه البخاري . وكلمة الناس تشمل كل أحد من الناس، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي ـ ﷺ ـ: ( ما مِنْ مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة ).
يقول ابن تيمية : " الرسول ـ ـ بعثه الله ـ تعالى ـ هدى ورحمة للعالمين، فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم " .

وسيرة النبي ـ ﷺ ـ وأحاديثه عامرة بصور ومواقف كثيرة تبين رحمته بالكافرين، ومنها :

رحمته بكفار قريش ـ سِلماً وحربا ـ :

على الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي ـ ـ من الكفار في العهد المكي، إلا أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ضرب المثل الأعلى في الرحمة بهم رغم كفرهم وإيذائهم له، وليس أدلّ على ذلك من قصة ثقيف، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟، فقال ـ ﷺ ـ : لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟، إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري .
كما تجلّت رحمته ـ ـ بهم في يوم فتح مكة، وتمكين الله تعالى له، حينما أعلنها صريحة واضحة: ( اليوم يوم المرحمة ) .

دعوة الكافرين :

لم تقف رحمته ـ ـ عند الإعراض عن أذيَّتهم، والحلمِ عن جهالاتهم، بل إنها تعدَّت ذلك إلى مجال أرحب وأفسح، يتجلى في حرصه البالغ على دعوتهم وهدايتهم، وإنقاذهم من النار، فدعوة الكافر إلى الله ـ برفق وحكمة ـ، وتبليغه حقيقة الإسلام من أعظم صور الرحمة به والإحسان إليه، وهي قُرْبة إلى الله، لقوله ـ ـ لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال: ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم ) رواه البخاري .

الدعاء لهم بالهداية :

ثمة فرق بين الدعاء للكافرين بالهداية، والاستغفار لهم، فالأول جائز والثاني لا يجوز، قال الله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }(التوبة:113). قال النووي: " وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع " .
ولا شك أن دعاءه ـ ـ لمخالفيه من الكافرين صورة من صور الرحمة بهم، فقد قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا: يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فقيل: هلكت دوس - ظنا بأن ـ النبي ـ إنما رفع يديه للدعاء عليها -، فقال ـ ﷺ ـ: ( اللهم اهد دوسا وائت بهم ) رواه مسلم .
ودعا ـ ﷺ ـ لأم أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامها، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ـ ـ ما أكره، فأتيت رسول الله ـ ـ وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة،فقال رسول الله ـ ﷺ ـ: اللهم اهد أم أبي هريرة،فخرجتُ مستبشرا بدعوة نبي الله ـ ـ، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمِعَتْ أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله ـ ـ فأتيته وأنا أبكي من الفرح ) رواه مسلم .
وجاء الأنصار إلى رسول الله ـ ـ فقالوا: يا رسول الله ادع الله على ثقيف، فقال ـ ـ: ( اللهم اهد ثقيفا )، قالوا يا رسول الله ادع عليهم، فقال : ( اللهم اهد ثقيفا، اللهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا ) رواه الترمذي .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قيل : يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: ( إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم .

عيادة مرضاهم :

العلاقة بين النبي ـ ﷺ ـ وبين الكافرين المخالفين له في الدين الذين يعيشون معه في مجتمع واحد، أعلى بكثير من مجرد علاقة سلام, بل كانت علاقة بِرٍّ ورحمة، حتى أنه كان يزور مرضاهم، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ ـ فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي ـ ـ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " وفي الحديث جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد ".

النهي عن ظلمهم :

العدل من الأخلاق النبويّة والشمائل المحمديّة التي اتّصف بها رسول الله ـ ـ ونشأ عليها، عدلٌ شمل الصديق والعدوّ، والمؤمن والكافر، فعن صفوان بن سليم عن عدد من أبناء أصحاب رسول الله ـ ـ عن آبائهم، عن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : ( ألا من ظلم معاهَدَاً، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة ) رواه أبو داود .
وفي شرح سنن أبي داود: " والمعاهد من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صُولِحوا على ترك الحرب مدة ما ".
وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( من قتل معاهداً لم يرح (يشم) رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً ) رواه البخاري .

الوصية بنسائهم وصبيانهم أثناء الحرب :

عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ إذا بعث أميرا على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وقال: اغزوا بسم الله وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) رواه مسلم . وفي رواية أخرى: ( ولا تقتلوا وليدًا، فهذا عهدُ رسولِ الله ـ ـ وسنتِه فيكم ) .
وعن رباح بن الربيع بن صيفي قال: ( كنا مع رسول الله ـ ﷺ ـ في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا، فقال: انظر على ما اجتمع هؤلاء؟، فجاء، فقال: امرأة قتيل، فقال: ما كانت هذه لتقاتل، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا، فقال: قل لخالد: لا يقتلن امرأة، ولا عسيفا (أجيرا)) رواه أبو داود .

إن نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قتل الضعفاء أو الذين لم يشاركوا في القتال من الكافرين، كالرهبان والنساء والشيوخ والأطفال، أو الذين أجبروا على القتال، كالفلاحين والأجراء (العمال)، شيء تفرد به النبي ـ ـ في تاريخ الحروب في العالم، فما عُرِف قبل الإسلام ولا بعده حتى اليوم مثل هذا الهدي النبوي الفريد المليء بالرحمة مع من كفر به وحاربه .

وكلما تأملنا في سيرة وشمائل النبي ـ ـ نجد الكمال في أخلاقه، والسمو في تعاملاته، فكمالات خُلُقه ـ ﷺ ـ آية كبرى على صدقه وفضله، وعلم من أعلام نبوته ورسالته، وقد مدحه الله ـ عز وجل ـ بقوله: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4)، ومن الكمال الخُلُقي الذي تحلى به رسول الله ـ ـ رحمته التي شملت الصغار والكبار، والمؤمنين والكفار، وصدق الله ـ عز وجل ـ القائل عنه ـ ـ: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) ..



 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

OGp36.png


الهدية سنة نبوية، ومَظْهر حب، ومبعث أُنْس، تـُقرِّب البعيد، وتصل المقطوع، وتشق طريق الدعوة إلى النفوس، وتفتح مغاليق القلوب، وتبذر المحبة بين الناس، وقد حرص النبي - - على تشريع كل ما مِن شأنه أن يؤلف القلوب، فالهدية من هديه ـ ﷺ ـ التي حض عليها حيث قال: ( تَهَادُوا تَحَابُّوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد، ومالك، وصححه الألباني .

وقد كان النبي - ﷺ ـ يهدي، ويقبل الهدية ـ القليل والكثير ـ، ويثيب عليها، ويرغب فيها، وكان يقول: ( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أو كراع لَقَبِلْتُ ) رواه البخاري، والكراع: مستدق الساق من الغنم والبقر العاري من اللحم .
قال ابن بطال: " حض منه لأمته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتَحابِ، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئاً مما يُهدى إليه أو يدعى إليه، لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المُهدى، وإنما أشار بالكُراع إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية " .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ( كان رسول الله - - يقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة ) رواه أبو داود .
قال الحافظ ابن حجر: " والأحاديث في ذلك شهيرة ".
ويقول ابن عبد البر: " رسول الله - - كان لا يأكل الصدقة وكان يأكل الهدية، لما في الهدية من تآلف القلوب، والدعاء إلى المحبة والألفة، وجائز عليها الثواب، فترتفع المِنَّة، ولا يجوز ذلك في الصدقة، وكان رسول الله - - يقبل الهدية ويثيب عليها خيراً منها، فترتفع المنة " .
وأخبر النبي - - أن الهدية من خير العمل عند الله، وأنها تعدل في أجرها عِتق الرقبة، فعن البرآء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ: أن رسول الله - - قال: ( من منح منيحة ورق (فضة)، أو منيحة لبن، أو هدى زقاقا (دلَّ على الطريق) كان له كعتق رقبة ) رواه أحمد .

هدية الكافر :

من المفاهيم الخاطئة عند البعض أن علاقة المسلم بالكافر هي علاقة عنف وغلظة بإطلاق، وهو خلاف هدي ـ النبي ﷺ ـ في التعامل مع الكفار، فقد وضع النبي ـ ﷺ ـ آداباً وضوابط تقوم عليها العلاقة مع الكفار، وهي آداب وضوابط مبنية على البر والعدل وعدم الظلم، كما قال الله تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(الممتحنة : 8 ) .
وإذا كانت الهدية مِفتاحاً من مفاتيح القلوب، فقد أهدى النبي - ﷺ - وقبل هدية الكافر، فعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: ( غزونا مع النبي ـ ﷺ ـ تبوكَ ، وأَهْدَى ملكُ أَيْلَةَ للنبي ـ ﷺ ـ بغلةً بيضاءَ ، وكساهُ بُرْدًا ) رواه البخاري .
وجاء في المغني لابن قدامة: " فصل يجوز قبول هدية الكفار من أهل الحرب لأن النبي ـ ﷺ ـ قبل هدية المقوقس صاحب مصر " .
وكما قبِل النبيُّ - - هدايا بعض المشركين من أهل الكتاب، فإنه رد هدايا غيرهم، حين رأى ما يستوجب ردها، يقول: عِياض بنُ حمار: ( أهديت للنبي - - ناقة فقال: أسلمتَ ؟!، فقلتُ: لا، فقال النبي - ﷺ -: إني نُهيت عن زبْد (هدايا و****ا ) المشركين ) رواه أبو داود.
قال النووي: " قال القاضي : و إنما قبل النبي - - هدايا كفار أهل الكتاب ممن كان على النصرانية، كالمقوقس وملوك الشام، فلا معارضة بينه وبين قوله - ﷺ -: ( لا يقبلُ زبد المشركين )، وقد أبيح لنا ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم بخلاف المشركين عبدة الأوثان " . وقال: " قبِل النبيُّ - ﷺ - ممن طمع في إسلامه وتأليفه لمصلحةٍ يرجوها للمسلمين، وكافأ بعضهم، وردَّ هديةَ من لم يطمعْ في إسلامه ولم يكن في قَبولها مصلحة، لأن الهدية توجب المحبة والمودة " .

هدايا منهي عنها :

وهي الهدايا التي نهى النبي - - عنها لما فيها من التعدي على حقوق الآخرين، أو الإضرار بهم، ومنها هدية بعض الأبناء دون البعض، وإيثارهم بشيء من المال دون إخوانهم، فهذا وإن كان نوعاً من التحبب للمُهْدَى إليه، إلا أنه يوقع بين الأبناء الشحناء، ويورثُ العقوق للآباء، فعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: ( إن أباه أتى النبي ـ ـ فقال: إني نحلت (أعطيت) ابني هذا غلاما كان لي، فقال النبي ـ ﷺ ـ: أَكُل ولدك نحلته مثل هذا؟، قال: لا، فقال رسول الله ـ ﷺ ـ: فأرجعه ) رواه البخاري . وفي رواية مسلم : ( أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟، قال: بلى، قال: فلا إذن ) .

ومن الهدايا المنهي عنها:

ما يناله الموظفون من هدايا بعضِ المتعاملين معهم، فحين استعمل النبي - - ابن الأُتَبيَّة الأزدي على الصدقة، قدم على النبي - - فقال: هذا لكم، وهذا أهدي لي. فكره النبي - - مقالته، وقال: ( فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رُغاءٌ، أو بقرةً لها خُوار، أو شاةَ تيعَر، ثم رفع - ﷺ - بيده حتى رأينا عُفرة إبطيه: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ ) رواه البخاري .
قال ابن بطال: " يلحق بهدية العامل الهدية لمن له دَيْن ممن عليه الدين، ولكن له أن يحاسب بذلك من دينه، وفيه إبطال كل طريق يتوصل بها من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ ".

ومن الهدايا التي نهى النبي ـ ـ عنها : هدية من قضى له بعض أموره وحوائجه، ومن شفع بشفاعة أو توسط بأمر من الخير، فمثل هذا من المعروف ينبغي أن يكون قربة وعملاً خالصاً لوجه الله، مجرداً من طمع الدنيا وحظوظ النفس، فعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها، فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا ) رواه أبو داود ، ومحل المنع إذا كانت الهدية مقابل الشفاعة .
قال صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود : " لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها، وقد تكون واجبة، فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها، كما أن الربا يضيع الحلال ".
يقول الشيخ الألباني : " وقد يتبادر لبعض الأذهان أن الحديث مخالف لقوله - ﷺ -: ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه، فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ) رواه أبو داود، فأقول: لا مخالفة، وذلك بأن يُحمل هذا على ما ليس فيه شفاعة، أو على ما ليس بواجب من الحاجة . والله أعلم " .

وأيضاً من الهدايا التي تُرد ولا تقبل الهدايا المحرمة كالخمر، أو الهدايا التي يحرم الانتفاع بها، وقد فعل النبي - ﷺ ـ ذلك فلم يقبل هدية الصعب بن جَثامة حين كان مُحْرِماً، فقد صاد له الصعب بن جَثامة - رضي الله عنه - حماراً وحشياً، وأهداه إليه، فرده عليه النبي - ﷺ -، فلما رأى ما في وجهه ( أي من الحزن لرد هديته ) قال - ﷺ -: ( أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " وأما حديث الصعب فإن النبي - - بيَّن العلة في عدم قبوله هديته لكونه كان محرِماً، والمحرم لا يأكل ما صِيد لأجله، واستنبط منه المهلَب ردَّ هدية من كان ماله حراماً أو عُرف بالظلم " .

المكافأة على الهدية :

أرشدنا النبي - - إلى مكافأة المُهْدِي، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كان رسول الله - - يقبل الهدية، ويثيب عليها ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( من سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أهدى لكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له ) رواه أحمد .

لا ريب أن الهدية الحسنة هي الهدية التي يدفعها المُهدِي لا ليقابَل بمثلِها، بل يرجو ثوابها من الله فحسب، مثل ما كان يهديه النبي - ﷺ -، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنا مع رسول الله - ﷺ - في سفر، فاشترى مني بعيراً، فجعل لي ظهره حتى أقدُم المدينة، فلما قدمت أتيته بالبعير، فدفعته إليه، وأمر لي بالثمن، ثم انصرفت، فإذا رسول الله - ﷺ - قد لحقني فقلت: قد بدا له (أي غير رأيه )، قال فلما أتيته دفع إلي البعير وقال: هو لك، قال جابر: فمررت برجل من اليهود فأخبرتُه، فجعل يعجب، ويقول: اشترى منك البعير ودفع إليك الثمن ووهبه لك؟!، فقلت: نعم ) رواه أحمد .

الرجوع في الهدية :

نهى النبي ـ ﷺ ـ عن الرجوع في الهدية، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ: ( العائد في هبته كالعائد في قيئه ) رواه البخاري ..
والذي يجوز له أن يرجع في هبته الوالد إذا أهدى لولده شيئاً، لقوله ـ ﷺ ـ: ( لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ) رواه الترمذي .

الهدية من أعظم الأسباب التي تحبب المؤمنين بعضهم إلى بعض، وهي سببٌ عظيمٌ للتآلف بين القلوب، وشيوع المودة والألفة والترابط بين أفراد المجتمع المسلم

هدايا الناس بعضهمُ لبعضٍ تولـد في قـلوبهـم الوصـالا
وتزرع في الضمير هـواً ووداً وتكسوهُ إذا حضروا جمالا

وهي قبل ذلك وبعده شعيرةٌ إسلامية وسنة نبوية، كما قال النبي ـ ـ: ( تَهَادُوا تَحَابُّوا ) .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

عُرِفَ النبي ـ ـ بالأمانة والصدق حتى لُقِّبَ بالصادق الأمين، وكانت قريش إذا ذهب أو جاء يقولون جاء الأمين، و ذهب الأمين، ويدل على ذلك قصة الحجر الأسود عند بناء الكعبة المشرفة بعدما تنازعت قريش في استحقاق شرف رفعه ووضعه في محله حتى كادوا يقتتلون لولا اتفاقهم على تحكيم أول من يدخل المسجد الحرام، فكان محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو أول من دخل عليهم، فلما رأوه قالوا : " هذا الأمين، رضينا، هذا محمد " .
قال ابن هشام في السيرة النبوية: " فشبَّ رسول الله ـ ـ والله تعالى يكلؤه ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أنْ كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين، لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة " .

لقد كانت ثقة أهل قريش بالنبي ـ ـ وفي أمانته كبيرة، فكانوا ينقلون إلى بيته أموالهم ونفائسهم أمانة عنده، ولم يزل ذلك دأبهم حتى بعد معاداتهم له بسبب دعوته لهم إلى الإيمان بالله تعالى وترك عبادة الأوثان .
ذكر ابن كثير في السيرة النبوية: " لم يَعْلَم بخروج رسول الله ـ ـ أحد حين خرج إلاَّ علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر، أما علي فإن رسول الله ـ ﷺ ـ أمره أن يتخلف، حتى يؤدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الودائع، التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله ـ ـ وليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته " .

وإذا كان الفضل والحق ما شهدت به الأعداء، فقد شهد بأمانة النبي ـ ـ أعداؤه ، ففي القرطبي عند تفسير قول الله تعالى: { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ }(الجاثـية: من الآية23) قال مقاتل: " نزلت في أبي جهل، وذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي ـ ـ، فقال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لصادق! فقال له: مه! وما دلك على ذلك؟!، قال: يا أبا عبد شمس، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده، نسميه الكذاب الخائن!! " .
وها هو أبو سفيان زعيم مكة ـ قبل إسلامه ـ يقف أمام هرقل ملك الروم و يعجز عن نفي صفة الأمانة عن النبي ـ ـ رغم حرصه حينئذ أن يطعن فيه، ولكن ما أن سأله هرقل عما يدعو إليه النبي ـ ـ فأجاب أبو سفيان : " يأمر بالصلاة، والصدق والعفاف، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة " .

شَهِدَ الأَنَامُ بِفضْلِهِ حتى الْعِدَا وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ به الأَعْدَاءُ

والأمانة في سنة النبي ـ ﷺ ليست قاصرة على حفظ الودائع، بل لها مدلولٌ واسع يشمل الدين والحياة كلها، وأحاديث النبي ـ الدالة على اتساع وشمول معنى الأمانة كثيرة، منها:

الولاية والإمارة :

عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ ـ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يموت يوم يموت وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلا حرم الله عليه الجنة ) رواه مسلم .
وعن عبد الرحمن بن حجيرة الأكبر عن أبي ذر قال: قلتُ: ( يا رسول الله، ألا تستعملني؟، قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) رواه البخاري .

حفظ الدماء والأموال ـ الخاصة والعامة ـ :

عن أبي هريرة ـ ر ضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ : ( المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن: من أمِنَهُ الناسُ على دمائهم وأموالهم ) رواه النسائي .
وعن أبى حميد الساعدى قال: ( استعمل رسول الله ـ ـ رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللتبية, فلما جاء حاسبه, قال: هذا مالكم , وهذا هدية, فقال رسول الله ـ ـ: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كُنْتَ صادقا؟ ! ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله, فيأتي فيقول: هذا مالكم, وهذا هدية أهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ ! والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقِيَ الله يحمله يوم القيامة, فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء, أو بقرة لها خوار, أو شاة تيعر, ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت ) رواه البخاري .
وفي رواية مسلم قال عروةُ : فقلتُ لأبي حُميدٍ الساعديِّ : أسمعتَه من رسول الله ـ ﷺ ـ؟ فقال : مِن فيه إلى أُذُني .
وعن عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله ـ ـ يقول: ( من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة ) رواه مسلم .

المشورة:

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ : ( المستشار مؤتمن ) رواه الترمذي .

الزوج مع زوجته :

عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة، الرجل يُفْضِي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها ) رواه مسلم، وفي رواية أخرى: ( ثم ينشرُ أحدُهما سِرَّ صاحبه )، ومعنى ( يفضي إلى امرأته ) : أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة، ومنه قوله تعالى { وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }(النساء: من الآية21).
قال النووي : " وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه " .

المسؤولية:

عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ ـ: ( ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ) رواه مسلم .

البيع:

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: ( أن النبي ـ ـ مرَّ على صُبْرَةِ طعام، فأدخل أصابعه فيها، فإذا فيه بلل، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟!، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا ) رواه مسلم .
قال البغوي: " لم يُرِدْ به نفيه عن دين الإسلام، وإنما أراد أنه ترك اتباعي، إذ ليس هذا من أخلاقنا وأفعالنا " .

ولأهمية الأمانة في حياة المسلم كان النبي ـ ـ يكثر من تذكيره لأصحابه بها، بل وربطها بالإيمان بالله ـ عز وجل ـ ، فقد روى البيهقي، وابن حبان عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قلما خطبنا رسول الله ـ ﷺ ـ إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ) .

وبالجملة فالأمانة ـ بل كل خلق محمود ـ له - - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، شهد له بذلك العدو والصديق، وكيف لا يُشهد له بمكارم الأخلاق وقد شهد الله ـ عز وجل ـ له بذلك فقال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)، وسئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خُلقه فقالت: ( كان خلقه القرآن ) .
 
رد: " الشمائل المحمدية" .. نبينا كأنك تراه " [متجدد]

images





مثلت الحرب في السيرة النبوية جزءا هاما منها، وشارك رسول الله ـ ـ في بعضها وقادها بنفسه وهي ما يسمى بالغزوات، وقد تعرض الرسول ـ ﷺ ـ إلى حملات تشويه من أعداء الإسلام ـ قديما وحديثا ـ، واشتد هذا العداء والتشويه في العصور الأخيرة من خلال حملات إعلامية مضللة، ركزت بعضها على حروب الرسول ـ ـ وغزواته، فزعمت ـ زورا وبهتانا ـ أن الإسلام دين عنف وإرهاب, وأن رسول الإسلام ـ ـ رجل يحب الحرب وإراقة الدماء ..




وقد أهملت تلك الدراسات عن عمد جوانب العظمة والكمال والرحمة في شخصية وحياة وسيرة النبي ـ ـ، وتجاهلت منهج وأخلاقيات الحرب عند رسول الله ـ ـ، فلم تتحدث عن جوانب الرحمة والإنسانية في حروبه مع أعدائه، ولم تذكر رغبته وميله إلى المصالحة والموادعة قبل الحرب، وتناست حسن معاملته للأسرى ..



والسيرة النبوية والتاريخ يشهدان أنه لم تعرف البشرية محاربا أرحم بأعدائه أثناء الحرب وقبلها وبعدها من رسول الله ـ ـ، وباستقراء سيرته وهديه ـ ﷺ ـ في المعارك الحربيّة المختلفة، سواء المعارك التي قادها بنفسه (الغزوات)، أو ما كان يُوصِي به صحابته وقادته في عمليّاتهم ومعاركهم الحربيّة (السرايا) يتضِحُ لنا المنهج الأخلاقيّ الذي وضعه وطبقه رسول الله ـ ـ في حياته، والذي يؤكد سمو منهجه وهديه في الحياة كلها بما فيها الحروب والقتال، ويدحض افتراء المفترين وشبهات المبطلين .




وصايا عامة في الحرب :



عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ ـ إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: ( اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) رواه البخاري .
قال الإمام النووي: " قوله ـ ـ: (ولا تغدروا) بكسر الدال، والوليد: الصبي، وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله تعالى، والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم، وما يحل لهم وما يحرم عليهم، وما يكره وما يستحب " .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا بعث جيوشه قال: ( اخرجوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد .
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال ـ ﷺ ـ: ( لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به ) رواه البخاري .
وذكر ابن هشام في السيرة النبوية أن رسول الله ـ ـ أوصى عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ عندما أرسله إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل، فقال له: ( اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم ) رواه الحاكم .




قبل القتال :



لم يكن رسول الله ـ ـ ينظر إلى أعدائه نظرة لا تفرق بين معاهد ومحارب، ولم يكن ينقض العهود أو يغدر بأعدائه، بل كان يعامل كل فريق بمقتضى ما يربط بينهما من علاقات السلم والحرب، وقد لخص ابن القيم مُجْمل هديه ـ ﷺ ـ في ذلك في كتابه زاد المعاد فقال : " .. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذِّمة، فأمر أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوَّفَّي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إلى عهدهم، ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد ، وأُمَرَ أن يقاتل من نقض عهده ، ولما نزلت سورة " براءة " نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان " .




أثناء القتال :



رغم كون القتال عملية تزهق فيها الأرواح وتجرح الأبدان، ويقصد فيها إلحاق أنواع الأذى بالأعداء، فإن رسول الله ـ ـ شرع لأمته آدابا يتحلون بها قبل الحرب وأثناءها وبعدها .. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : ( كان رسول الله - - إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا و لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) رواه مسلم .




بعد القتال :



إذا وضعت الحرب أوزارها، ووقع قتلى وأسرى من الكفار، راعى النبي ـ ﷺ ـ معاني الرحمة والكرامة الإنسانية مع أعدائه، فأوصى بالأسرى خيرا، ونهى عن التمثيل أو تشويه جثث القتلى، فقال ـ ﷺ ـ: ( استوصوا بالأُسَارَى خيرا ) رواه الطبراني .
وعن عبد الله بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال: ( نهى النبي ـ ﷺ ـ عن النُّهْبَى، والمُثْلَة ) رواه البخاري . وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ ﷺ ـ يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة ) رواه أبو داود .




الوصية بالنساء والصبيان :



كما كان الرسول ـ ـ يوصي بالنساء عامة، فقد كان وينهى عن قتلهن في الحروب، فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله ـ ـ رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان) رواه أحمد .
وعن رباح بن الربيع بن صيفي قال: ( كنا مع رسول الله ـ ـ في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا، فقال: انظر على ما اجتمع هؤلاء؟، فجاء، فقال: امرأة قتيل، فقال: ما كانت هذه لتقاتل، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا، فقال: قل لخالد: لا يقتلن امرأة، ولا عسيفا "أجيرا" ) رواه أبو داود .




لا شك في أن نهي النبي ـ ـ عن قتل الضعفاء أو الذين لم يشاركوا في القتال كالرهبان والنساء والشيوخ والأطفال، أو الذين أجبروا على القتال، كالفلاحين والأجراء (العمال)، شيء تفرد به النبي ـ ﷺ ـ في تاريخ الحروب في العالم، فما عُرِف قبل الإسلام ولا بعده حتى اليوم مثل هذا التشريع والهدي الفريد المليء بالرحمة والإنسانية قي الحروب مع الأعداء .




فائدة:



بلغ عدد شهداء المسلمين في جميع معاركهم أيام رسول الله ـ - (262) شهيدًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه (1022) قتيلاً، وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين (1284) قتيلاً فقط !! وهذا العدد يشمل المعارك التي قادها النبي ـ ـ بنفسه (الغزوات)، أو التي قادها أحد من أصحابه (السرايا)، وفي ذلك دلالة واضحة على رحمة النبي ـ ـ حتى في القتال والمعارك، وعدم دموية الحروب في عهده وسيرته .
ثم إن النبي ـ ـ كان يتجنب القتال ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وهذه حقيقة أكدتها خمس عشرة سنة مضت دون قتال، وظهرت في أول معركة (بدر) خاضها النبي ـ ـ مع أعدائه، وهي حقيقة سجلها القرآن الكريم ، حين قال في ذلك: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} (الأنفال : 7) .





يقول المستشرق الاسباني جان ليك: " لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء : 107 )، كان محمد رحمة حقيقية " .
ويقول الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل: " لدى محمد ذلك الرجل الكبير العظيم النفس المملوءة رحمة وخيراً وحناناً أفكـار غـير الطـمع الدنيـوي ونوايا خـلاف طلـب السلطة والجاه ".
ويقول المفكر اللورد هدلي وهو يعلق على معاملة النبي ـ ـ لأسرى معركة بدر: " أفلا يدل هذا على أن محمداً لم يكن متصفاً بالقسوة، ولا متعطشاً للدماء، كما يقول خصومه، بل كان دائماً يعمل على حقن الدماء قدر المستطاع " .
ويقول الألماني برتلي سانت هيلر: " كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجَّل الصفات، التي تحملها النفس البشرية، وهما العدالة والرحمة " .




إن مظاهر رحمة النبي ـ ـ في سلمه وحربه قد حفلت بها سيرته وحياته، فرحم الصغير والكبير، والمرأة والضعيف، واليتيم والفقير، والعبيد والخدم، والحيوان والجماد، بل ومن عاداه وآذاه وقاتله، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107).
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top