ليقونزا ، كاش ما قريت لنا شي جديد فالخبر ؟
مأساة نظام أفلس ولم يعد لديه ما يقدمه من إفلاس جديد
أعلن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، ترشحه لانتخابات أفريل 9002، وهو القرار الذي كان منتظرا منه بعد تعديل الدستور· ولإتمام فرحة الانتصار، أقام بوتفليقة عرسا من نوع خاص في القاعة البيضاوية، قال فيه إن الشعب هو من استعطفه للترشح، وأنه بهذا يسعى لتلبية مطالبه· وتحاشى بوتفليقة في هذا الحفل الحديث عن الفشل الذي أعلنه في وقت سابق، ولم يتطرق للانسداد السياسي ولا للانسداد المؤسساتي، كما لم تظهر عليه تلك الحماسة المعهودة عندما ترشح للانتخابات في 2004·
انفراج أمني وانسداد سياسي ـ مؤسساتي!
''لا تتركوا أيا كان يُقرّر عِوَضًا عنكم''! الشِّعارُ منصوبٌ في كل مكان، في شكل لوحةٍ عملاقةٍ أنيقةٍ مُزجّجة· ولا ريب أن الذين صاغوا تلك العبارة وقرروا أين تُوضعُ ومن أين تتدلى، قد قصدوا ألا يعطوا المستهدَفين أدنى فرصةٍ في عدم الاصطدام بها وجهًا لوجه·
ب· علاوة
لسنا ندري إلى أي حدّ يوافقُ'' المُترشّحُ المستقلُّ'' لرئاسيات أفريل القادم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على فحوى هذا الشعار· إننا فقط نُخمّن أن شعارا كهذا قد لا يعني شيئا بالنسبة لرئيسِ دولةٍ عربي إفريقي يؤكد لـ''إخوانهِ'' من القارة أن الرئاسيات القادمة في بلده ستجري في كنف الشفافية والنزاهة والمصداقية· إنها حالةٌ لممارسةٍ رسميةٍ لانفصامِ الشخصية· الدكتور جيكيل والمستر هايد· انفصامٌ لا يَخُصُّ فردا واحدا ولا بلدا إفريقيا أو عربيا واحدا، وإنما يخص طبقة سياسيةً منفصلةً انفصالاً لا علاج له عن واقع شعبها على امتداد القارة وعلى امتداد العالَم العربي· من هذه الناحية على الأقل، لا تشذُّ الجزائر عن القاعدة، وفي ذلك ما فيه من دواعٍ للاطمئنان!
إيالةُ دزاير
انتخاباتٌ أم تزكية؟ لا فرقَ ما دام ''النظام'' قرّر أن تتمَ بالطريقة التي ستتمُ بها من دونِ التمسكِ بالقشور والشكليات· ربما وجب هنا أن نُنوّه بهذا التوجه لدى ''النظام'' نحو شفافيةٍ مطلقة من حيث أنه لم يعدْ يهتمُّ بالمحافظة على المظاهر· حتى ذلك التبرير الذي رفعه مناصرو الرئيس المُتَرشِّح بأنّ زعماء الأحزاب لا يطبقون قاعدة التداول على رأس أحزابهم، هذا التبريرُ لم يعد مُبَرّرا، فوق أنه حجة متهافتة تساوي بين قيادةِ فريقٍ وقيادة دولةٍ، كما لم يعد مطلوبا القولُ إن الأطرافَ المقاطِعة والداعية إلى المقاطَعة قد اختارت الانتحار، فذنبها إذن على رقبتها· وفي الواقع فإن التعديلات الدستورية ''الجزئية المحدودة'' الأخيرة، وقد جرتْ بالصّفة التي جرتْ بها، لم تترك لـ''النظام'' خيارا آخر سوى مزيدٍ من الشفافية ومن الاعتداد بالنفس· ومن ثمّةَ فإنّ تلك ''الأغلبية الساحقة'' التي يتوقعها ''المترشح المستقل'' ويرفعها بعْدُ كسلاحِ في وجهِ خصومٍ وهميين، لن تبهرَ أحدا· إنها رقم، وما أبلغ الأرقام في بلدنا!
بوتفليقة في شخصية الدكتور جيكيل مُتشبثٌ بالحكم حتى النّخاع· الجزائر تحولت إلى ''جملوكية''، حسب تعبير سعد الدين إبراهيم الفذ· إنها هجينٌ من نظامين تُذكِّرُ بإيالة دزاير في عهد الدايات· بوتفليقة في شخصية المستر هايد يقول إن العالَمَ يتغير ويسير نحو مزيد من الديمقراطية· أين الصدق وأين التقية؟ يعترف بالفشل في تحقيق وعوده، لكنه لا يجد حرجا في إطالة وجوده في سدرة المنتهى بالتلويح بنفس الوعود· يقول إن عهد الشرعية الثورية انتهى ويعلن بقاءه في السلطة تحت راية تلك الشرعية! وفوق ذلك فهو لن يرضى بأقلّ من ''الأغلبية الساحقة'' من أصوات ''الشعب''· أين ''الزّبدُ وأينَ ما ينفعُ الناسَ''، حسب آيةِ قرآنيةِ كان الراحل هواري بومدين يحبُّ ترديدَها، لكيلا يغترَّ الناسُ بمظاهر التبرجز البادية على كبار المسؤولين والضباط من بطانته، ويتعامون عمّا ينفعُهُم من اشتراكيته الخصوصية؟ بوتفليقة كان وزيرَ خارجيته طوال سنوات حكمه، وكان يطمح لخلافته لولا أن قلّب له ''ربوب القرار'' ظهرَ المجنّ· حسابُ بوتفليقة مع ''النظام'' يعود إلى تلك اللحظة التي اختار فيها ''الخاوة'' الشاذلي بن جديد قبل أن يقرّرَ نفسُ ''الخاوة'' دائما ''إحالة ملف تسييره المالي لوزارة الخارجية على مجلس المحاسبة'' ويضطرونه إلى منفى اختياري طويلٍ وإلى سكوتٍ مُطبقٍ· وهو عندما رفضَ طلبَ ''الخاوة'' له بقيادة البلاد في تلك الفترة العصيبة من سنة 49، إنما كان يصفيّ جزءا من حسابه معهم· اغرِقوا في وحْلها وَحدَكم·
وعود أكتوبر
زمنٌ مضى· بشعاراته مضى· بأوهامه وبأحلامه مضى· لكنّ صانعيه -أو ''من لم يقْضِ مِنهم نحبَه'ـ حسب استعارةٍ من نفسِ المصدر ـ ما زالوا أحياء يُرزَقون وما زالوا ''يقودون'' البلد وما زالوا يتصارعون وينتجون نفسَ خيباتِ الأمل· النتيجة؟ العودة عن وعود أكتوبر ونشوء ظاهرة الحرّاقة· ظاهرةٌ تمثل أعلى درجات اليأس ولم تكن معروفةً من قبْل ببعدها المأساوي ذاك، وتكفي وحدها لتسفيهِ كلِّ المزاعم وكل الحصيلات الإيجابية، وكلام الجرائد الرسمية وأجهزة الإعلام الثقيلة المُموّلة من جيب دافعي الضرائب المغلوبين على أمرهم· فليقدّم بوتفليقة ما شاء أن يقدم من حصيلاتٍ وليقدّم ما شاء من أرقام· موتُ حرّاق واحدٍ في عرض البحر فارّا بجلده من وعودِ بوتفليقة، يجعل كلّ تلك البيانات تفقد قيمتها· مرة أخرى الدكتور جيكيل والمستر هايد· نفس ''النظام''· بنفس الأشخاص· بنفس الوصفات في الحكم وفي الإدارة وفي سياسة الناس ونفس الصراعات· الأمر لا يقتصر إذن على شخص كائنا ما كان اسمه وكائنا ما كان تاريخه وكائنة ما كانت حساباته· إنها سمةُ جيلٍ سياسيٍ كاملٍ· جيلٌ نَذر نفسَه أن يرهنَ مصيرَ بلدٍ ومصيرَ شعبٍ· هؤلاء هم ''الخاوة''· ولو أردنا وضع تلخيص لحصيلة ''فخامته'' تُتوّجُ عهدتيه الأوليين لما وجدنا أكثر من أن الانفراجَ الأمني صاحبَهُ انسدادٌ سياسي ـ مؤسساتي لا مخرج منه·
ماذا سيتغير في بوتفليقة وهو ينتقل من موقع ''مُرشَّح الإجماع'' إلى موقع ''المُترشِّح المستقل''؟ إنها رسالةٌ وبرنامجٌ انتخابي يعلنه في حفل مبايعته· أو على الأقل يريد إيهامنا بذلك· بوتفليقة يعلن للقاصي وللداني أنه صفّى حسابه مع ''النظام''· إنه انتصر على مراكز القوى ولم يعد أسيرَ حساباتِ العُصبِ المتصارعةِ داخلَ نظام متهالكٍ، ولا ألعوبةً في يد ''ربوب القرار'' و''الخاوة'' و''الجماعة''· إنه ربّ نفسِه· إنه ليس ''المترشح الحرّ'' بالمعنى الضيق لنفي الانتماء الحزبي، إنه ''مترشح مستقل'' ـ كما يعلنها بملء فيه ـ عن كل القِوى والعُصب التي يقوم عليها ''النظام''· حتى أحزاب ''التآلف'' وقد جعلت من نفسها مَطِيَّةً لبقائه في سدرة المنتهى، هذه الأحزاب من طبْخ ''النظام''، وهو بالكاد يشير إليها في خطاب الترشح، معتبرا إياها أبواق دعاية ليس إلاّ· ثم إنه لا يخاطب مناصريه من فوق منبر حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب والجهاز، وإنما من منبر جبهة التحرير الوطني كمرجع إيديولوجي وفكري! أهما الدكتور جيكيل والمستر هايد في صراع على المكشوف وقد تحولت المنصةُ إلى كرسي اعتراف علني بعد أن لم يعد بالإمكان المضي في تقمّص تلك الشخصية المستحيلة؟ هل انقلب ''فرنكشتاين'' على خالقيه حسب فرضيةٍ للواء المتقاعد رشيد بن يلس؟ الرجل مراوغٌ، يتلاعب بالألفاظ، وقد يقول ما لا يقصد، وقد يقصد ما لا يقول· حصيلة ''العهدة'' الجديدة هي التي سوف ''تشرعنُ'' بأثر رجعي أوْ لن ''تشرعنَ'' الانقلابَ البوتفليقي على الدستور·
''عُهدة'' ماذا؟
وبدءا: هل قَدّر بوتفليقة حجمَ المسؤوليةِ حقّ تقديرها من الناحية الأخلاقية؟ هل يملك من الأدوات ما يُمكِّنه من تحقيق ما نفترض أنه برنامج ''العهدة'' الثالثة الخفي وما يعوّض المساسَ بالدستور، أو على الأقلّ ما يجعل سلطاتِه لا تخرج من يديه؟ عندما انتقل الراحل بومدين من مرحلة ''الشرعية الثورية'' إلى مرحلة ''الشرعية الدستورية'' بفضل الميثاق الوطني و''الانتخابات الرئاسية'' بعد عشر سنوات من الوصاية، انتقل معه طاقمه ''الثوري'' بالكامل، من أحمد بن شريف إلى الطيب العربي وبن احمد عبد الغني و·· عبد العزيز بوتفليقة· أين الزّبد وأين ما ينفع الناس؟ اللواء العماري ذهب، وما عتم أن لحق به اللواء العربي بلخير، وجهان من الحرس القديم تُنسبُ إليهما خوارقُ الأعمال· وقد تذهب وجوه أخرى بما فيها وزير التربية الأبدي دون أن يكون ذلك برهانا على التحرّر من منطق ''الخاوة''· ونعود إلى السؤال: هل يملك ''المترشح المستقل'' بوتفليقة ما يجعل ''العهدة'' الثالثة ''تشرعن'' انقلابه الدستوري بأثر رجعي؟ مبايعة القاعة البيضوية ''لا حدث''، فهل في وسع بوتفليقة أن يجعل منها منصةَ انطلاقٍ نحو إعتاقِ الجزائر من ''نظام'' أفلس إلى درجة لم يعد لديه ما يقدمه من إفلاس جديد؟ هل سيقف بوتفليقة عشية إكمال ''العهدة'' الثالثة ليعلن أنه أخرج بلاده من ''نظام الجماعة'' و''نظام الخاوة'' و''نظام المحاصصة'' و''نظام التبابعة'' و''نظام آكلي الغلة وشاتمي الملة'' و''نظام الريع'' و''نظام أصحاب الحقوق المكتسبة''؟ هل سيعلن لنا بوتفليقة ذلك ثم يغادر قصر المرادية وقد خَلفَهُ من سيخرج البلاد نهائيا من لاشرعيتها التاريخية المستديمة التي كان هو نفسه أحد أبطالها بمشاركته في الانقلاب على الحكومة المؤقتة قبل نصف قرن ثم بالمشاركة في الانقلاب البومديني على أول حكومة في عهد الاستقلال ثم أخيرا بالانقلاب على الدستور؟ بغير هذا لن تكون ''العهدة'' الثالثة سوى ''عهدة'' أخرى من حيث التراكم الكمّي لا غير، ''عهدة'' تصبّ في مصلحة ''النظام''· هل هي مرةً أخرى قصةُ ''الزبد وما ينفع الناس''، الدكتور جيكيل والمستر هايد؟ ألا يَكْمنُ عيْبُنَا كمتخلفين أساسًا في أننا نتوسّمُ دوما في ''قادتنا'' ما هم ليسوا أبدًا أهلا لهُ؟ ؟
خطابا إعلان ترشح بوتفليقة في 2004 و2009
لا شيء غير المصالحة!
كما كان منتظرا، أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لعهدة ثالثة بعد أن عدّل دستور زروال الذي كان يضبط التداول على السلطة بعهدتين فقط، وكان حفل إعلان بوتفليقة لترشحه بالقاعة البيضوية، مخالفا للخطابات التي أعلن فيها ترشحه في العهدة الثانية، رغم أن الوضع الذي تعيشه الجزائر لم يتحسن ولم يتغير·
؟ م· بلعليا
ففي 2004 كان بوتفليقة شخصا لامعا في أوساط الشعب، أعاد في نظرهم للجزائر ''أمنها واستقرارها'' ووعدهم بمستقبل زاهر، طاف قبيل إعلان ترشحه بمشارق الجزائر ومغاربها، أما اليوم فإن احتمالات عزوف الشعب عن الانتخاب والركود الاقتصادي، وإعلان الفشل، والحالة الصحية، كلها عوامل جعلت الحماسة تقل، والخطاب الحالي غير الذي كان في السابق·
فقد جاء خطاب بوتفليقة الذي ألقاه في حفل إعلان الترشح مقتضبا، لم يدم طويلا، ولأن الوضع الذي تعيشه الجزائر منذ مدة لم يتغير فإن كلمات الوعود جاءت على نفس منوال تلك التي ألقاها بمناسبة ترشحه في عهدته الثانية سنة 2004.
ففي تلك السنة ركز بوتفليقة على قضية المصالحة الوطنية، ووعد الشعب بتطوير الوئام المدني ليصبح مصالحة وطنية، وتفاخر بوتفليقة كثيرا بالوئام المدني، الذي حققه في عهدته الأولى، وقال حينها في كلمته التي ألقاها بمناسبة أدائه لليمين الدستوري: ''لـم يكن هذا الـحرص غائبا عن انشغالاتي عندما دعوت، في بداية عهدتي الأولى، إلى تـحقيق الوئام الـمدني· حقا، كان الأمر يتعلـق، أول ما يتعلق، بوضع حد لأكثر من عشر سنوات من البطش والدمار''، ثم أردف قائلا: ''إنني أريد أن تكرس هذه العهدة الثانية، التي حمّلني الشعب الـجزائري إياها، لتعزيز نتائج الوئام الـمدني· يجب أن تفضي إلى مصالحة وطنية''·
أما الآن وبعد مرور عهدة تامة وغير منقوصة، عاد الرئيس ليعيد نفس الخطاب، ويعد الشعب بنفس الوعود، حيث قال في القاعة البيضوية: ''إنني أتعهد، أولا، بمواصلة ترقية المصالحة الوطنية ومصالحة الجزائريين مع أنفسهم ومع وطنهم''·
فرئيس الجمهورية، وكما في العهدة الثانية، أراد أن يغازل الشعب من خلال التطرق دائما إلى المصالحة، التي قيل عنها الكثير من طرف قيادات الجماعات الإسلامية التي ترى أنها لم تكتمل بعد، وأن العديد من النقائص تكتنفها في التطبيق، رغم مرور سنوات على تبنيها في استفتاء شعبي، إذن فبوتفليقة لم يجد في عهدتيه السابقتين، ما يبني عليهما وعوده للشعب في المرحلة المقبلة، أحسن من المصالحة الوطنية·
إلى جانب هذا، فإن الرئيس لم يعلن ترشحه بالحماسة التي كان عليها في 2004, وفقدان الحماسة كان واضحا جدا، ففي تلك الفترة ورغم المعارضة الشرسة التي لقيها من طرف غريمه على بن فليس، ومنافسين من حجم ثقيل، إلا أن بوتفليقة كان قد أعاد الاستقرار إلى الوطن، ووفى بوعده الأول، وإن لم تكن النتائج الاقتصادية مرضية، إلا أنه وجد ما يجعل أغلب أطياف الشعب الجزائري تلتف حوله، وهي وعوده بترقية الوئام المدني إلى مصالحة وطنية تقضي نهائيا عن الإرهاب·
أما بعد مرور خمس سنوات، فإن بوتفليقة أعلن في وقت سابق فشله في الخطاب الذي ألقاه أمام منتخبي المجالس الشعبية، مما جعل الحماسة التي يعلن فيها ترشحه لولاية ثالثة غير تلك التي كانت في خطاب 4002, خاصة وأن مصادر إعلامية نشرت ما مفاده أن الرئيس أراد أن يختبر شعبيته التي يبدو أنها تناقصت إلى حد كبير، ولم يسجل مثلها في العهدتين السابقتين، باعتبار أن الانتخابات التشريعية والمحلية السابقة شهدت عزوفا شعبيا غير مسبوق، كان إنذارا للسلطة، وكان بمثابة تعبير عن فقدان الأمل والثقة من طرف الشباب الجزائري، الذي أصبح يبحث عن الحرفة أكثر من بحثه عن العمل في بلده، وعن الإقامة في دول أخرى غير الجزائر، التي لم يجد فيها مسكنا يؤويه، وهو السبب الأساسي في انعدام الثقة من جهة وفي ظهور أشياء لم تكن معهودة في المجتمع مثل ارتفاع نسبة العنوسة والانحلال الخلقي، والانتحار، والجريمة، وغيرها، ولعل ذلك هو السبب الذي جعل بوتفليقة يقول أمام أحزاب التحالف وجمعيات المساندة وضيوفه بالقاعة البيضوية: ''وأود أن أخص بهذا النداء، الشبيبة الجزائرية، داعيا إياها إلى تعزيز ثقتها في نفسها وفي وطنها، حيث يكمن مستقبلها، إذ لا وطن لها إلا الجزائر''·
وأما عن الجانب الاقتصادي، فإن بوتفليقة خلال ترشحه للعهدة الثانية، كانت الجزائر تنعم بتحسن المداخيل، وولوجها باب الاستثمار، وتفاؤل رجال الأعمال بالخطابات التي ألقيت، وبداية تفكير بعضهم دخول الجزائر للاستثمار، فقال حينها بوتفليقة: ''لا بد أن يتواصل الـمجهود العمومي، من خلال مخطط دعم الإنعاش الاقتصادي الذي بعث النشاط، وذلك من أجل أن يدوم توجه البلاد صوب النـمو الـمعتمد على الدفع الذاتي، والـمساق هذا بات يـجد الآن ما يواتيه من ظروف بفضل الاستقرار الاقتصادي الكلي الذي عكفنا على بنائه وتعزيز دعائمه، وبفضل الوضعية الـمالية الـخارجية لبلادنا التي تعززت بقدر معتبر···· إننا سنعمد، على الـخصوص، إلى تـحديث وتنشيط القطاع الـمصرفي العمومي بعد تطهيره الـمالي الذي تـم حديثا، كما نعمد إلى التـخـفيف من الإكراه البيروقراطي''·
أما الآن، فإن بوتفليقة وقبيل نهاية هذه العهدة، أعلن فشله في تحقيق تلك الوعود، وذكر صراحة أن الطريق الذي سلكه لن يؤدي به وبالجزائر إلى الجنة، ليعود في خطاب القاعة البيضوية، ويعلن عن مواصلة المسار الاقتصادي، والسؤال الذي يبقى مطروحا: أي مسار يقصد؟
''زردة'' على الطريقة الأمريكية
الساعة كانت الحادية عشرة وخمس دقائق من صبيحة الخميس الماضي، عندما فتحت أبواب القاعة البيضوية بالمركب الرياضي ''محمد بوضياف'' أمام حشود الشباب من المنظمات الطلابية ومن الجمعيات والأحزاب· نعم، كانت موسيقى الأغنية الشاوية تصدح من بعيد حيث غنى كاتشو، وحسيبة عمروش، وعلاوة، وخالد، والشاب لمين، ورشيد طه، وكلها أغان تدعو إلى لمّ الشمل وحب الوطن و''بلادي هي الجزائر''، وذلك ترحيبا بوصول الوفود والشخصيات السياسية والوطنية التي تصدرت مقاعد القاعة البيضوية·
أمينة رشيد
نعم، تزينت القاعة باللونين الأبيض والأزرق، وهو اللون الذي أضفى على القاعة هدوءا كبيرا وجمالا، ويتضح من ذلك التنظيم المحكم، حيث سخرت إمكانيات مالية ومادية وبشرية ضخمة، خاصة وأن تحضير حفل إعلان ترشح بوتفليقة قد شرع فيه منذ أسبوع على الأقل·
امتلأت القاعة عن آخرها، وتصدر الشخصيات الحاضرة عبد العزيز بلخادم، وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة، وعبد العزيز زياري، رئيس المجلس الشعبي الوطني، وعبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، وغيرهم من الوزراء والبرلمانيين، فضلا على شخصيات تاريخية، مثل بلعيد عبد السلام والطاهر زبيري، كما حضر الفريق محمد العماري، رئيس أركان الجيش المستقيل، وكانت تلك أكبر مفاجآت الحفل، علما أن العماري كان من أبرز الذين ساندوا علي بن فليس في رئاسيات 2004·
في خضم تلك الأجواء الاحتفالية وفضولنا الصحفي لتلقف صور الحضور من الشخصيات السياسية والتاريخية، استمرت الموسيقى الراقصة، حيث انتهز الشباب والفتيات الفرصة للرقص والتصفيق وتعالت زغاريد النسوة الجالسات في قلب القاعة· وكل واحد من هؤلاء الشباب يحمل بين يديه لافتة كتبت عليها ''معاك يا بوتفليقة'' ويرتدي ''تيشيرت'' وقبعة مكتوب عليها ''معك يا بوتفليقة''، كما خلقت تلك الأجواء حفلا بأتم معنى الكلمة، حتى صعد أحدهم على المنصة لدعوة الحضور إلى التزام الصمت وأخذ مكانا ما في القاعة لأجل عرض شريط وثائقي هام وهام جدا·
وعمدت لجنة تنظيم حفل إعلان ترشح بوتفليقة إلى عرض شريط يحتوي على مقاطع من خطب سابقة للرئيس بوتفليقة، إضافة إلى تعداد حضوره السياسي منذ أن كان وزيرا للشباب والرياضة في سنة 3691 إلى حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية 9991 وكذا 4002 علاوة على الزيارات الميدانية التي كان يقوم بها إلى الولايات ومشاهد عن البرامج التي تم إطلاقها خلال العهدتين الرئاسيتين· ولم ينتبه القائمون على الحفل أن الخطب التي أذيعت منها مقتطفات كشفت تناقضا حادا في كلام الرئيس، وهو الذي تعود أن يقول الشيء ونقيضه·
وبعد انتهاء الشريط وبالضبط عندما كانت الساعة الثانية و52 دقيقة بعد الظهر دخل الرئيس بوتفليقة وهو يبتسم ومشى في رواق أزرق دون حراسة وتحت تصفيقات الحضور والزغاريد وأنغام الشاب مامي ولكنه كان يحيي الجمهور الذي وقف ليحييه، حتى بدأ خطابه الذي دام أربعين دقيقة، ولكنها كانت طويلة لأن الجميع كان ينتظر فقط إعلانه الصريح بأنه سيترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في التاسع أفريل المقبل·
ألقى بوتفليقة خطابه تحت تصفيقات الحاضرين وهو متفائل، وبدا في صحة جيدة نسبيا، ولكنه أكد في كذا مرة أنه تولى الحكم في الجزائر في ظروف صعبة مذكرا بالوعود التي قطعها على نفسه أمام الشعب لاسترجاع الأمن وإعادة التنمية، بالإضافة إلى مكانتها على الساحة الدولية· وفي الوقت الذي كان الرئيس يلقي خطبته، كان سعيد بوتفليقة واقفا في آخر القاعة، وفي كل مرة يرتفع فيها التصفيق، يلتفت في محاولة لمعرفة حجم الحماس، وربما لمعرفة من الذين احجموا عن التصفيق·؟
رجال حملة بوتفليقة:
البحث عمن يؤثر في الشعب من أجل الانتخاب
من غرائب السياسة في الجزائر أن يلتقي عدد كبير من أطياف سياسية متناقضة من أجل مساندة رئيس الجمهورية لعهدة ثالثة، وهي العلامات الكبرى، على حد وصف كريم طابو، السكرتير الأول للأفافاس، والشيء الأغرب في هذا هو تنافس هؤلاء الرجال حول من يقود مديريات حملة المترشح عبد العزيز بوتفليقة·
في العهدة الثانية، كان الرئيس قد قاد حملة قوية قبيل إعلان ترشحه بزيارة العديد من ولايات الوطن والزوايا، وتدشين بعض المشاريع· وكان وزير المالية، عبد المالك سلال، الشخصية غير المتحزبة التي نالت ثقة بوتفليقة، هو من ترأس حملته الانتخابية رفقة عدد من الشخصيات الأخرى، من أمثال عمارة بن يونس الذي انشق عن الأرسيدي·
أما في هذه الحملة، فإن الشيء الذي تغير في رجال حملة بوتفليقة هو بروز أسماء جديدة لم تكن تدير الحملة في السابق، وجاء التركيز أكبر على الإعلاميين والرياضيين، ومن لم يظهروا في النشاطات السياسية، حيث نجد في الصدارة مدير التلفزيون الوطني السابق حمراوي حبيب شوقي، الذي أقيل منذ تولي أحمد أويحيى منصب الوزير الاول، حيث ظن الأغلبية أن إسم حمراوي انتهى بعد عودة تسيير الحكومة للتجمع الوطني الديمقراطي، خاصة وأن حقيبته سلمت لعز الدين ميهوبي المحسوب على الأرندي· ونجد أيضا عبد القادر خمري، المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنشر والإشهار· وهما أبرز اسمين سينشطان الحملة الانتخابية والمحسوبين على دائرة الإعلام· وقد سبق وأن تردد كثيرا إسم عبد الرشيد بوكرزازة، وزير الاتصال السابق، الذي يبقى أحد الوجوه التي ستظهر كثيرا، وإن لم تكن في الخلية المباشرة لتسيير الحملة·
وإن كان لهذه الأسماء انتماءات سياسية وحزبية، باستثناء مدير الحملة عبد المالك السلال، إلا أنها لم تعرف كثيرا في الممارسات السياسة، بل ارتبط ذكرها بأمور أخرى، عكس عمارة بن يونس مثلا، الذي يعرف بأنه سياسي أكثر من أي نشاط آخر مارسه، والذي اختير لتسيير الحملة في المهجر، كما أنه سيحاول تجنيد أكبر عددد ممكن من المقيمين بمنطقة القبائل· وقد كان بن يونس كان أحد أبرز الشخصيات التي عملت على إنجاح تجمع تيزي وزو خلال انتخابات 2004, بعد أن انشق عن التجمع الوطني الديمقراطي مفضلا الالتحاق بصف المؤييدين لبوتفليقة·
أما بخصوص الأحزاب السياسية، فإن الأمر يختلف تماما، فقد عرفت بينهم العديد من الصراعات قبيل حسم توزيع ممثليهم على مديريات الحملة بمختلف ولايات الوطن· فقد نصب الطيب زيتوني، رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الجزائر الوسطى، على رأس مديرية العاصمة، وهو المحسوب على التجمع الوطني الديمقراطي مما أثار حفيظة الأفالان وحمس، إضافة إلى أسماء أخرى غير مألوفة كثيرا من أمثال فوزية بن سحنون، رئيسة المجلس الشعبي لبلدية القبة، وإيبو مروان، منتخب محلي·
ورغم أن الأمور تبدوا محسومة مسبقا في فوز المرشح عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات أفريل 9002, إلا أن عددا كبيرا من مختلف تشكيلات المجتمع الجزائري ستكون مجندة، إضافة إلى الشخصيات السابقة، منهم الرياضيين أمثال لخضر بلومي، والفنانين، والحسناوات· وسيعمل هؤلاء المجندين على محاولة التأثير في الشعب، وحثه على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، أي أن الهدف من هذه الحملة ليس حث المصوتين على تزكية المترشح عبد العزيز بوتفليقة الذي يعرفه الشعب جيدا ويعرف ما بجعبته، وكيفية تسييره للبرامج التي جاء بها، ونسبة وفائه بوعوده في العهدتين السابقتين، وإنما الهدف الأساسي من حشد هذا العدد من الرجال واختيارهم على هذا الأساس هو كيفية تعبئة الشعب بضرورة الإقبال على صناديق الاقتراع· فحمراوي حبيب شوقي، مثلا، وجه مألوف في الساحة الإعلامية منذ أن كان منشطا لحصة تلفزيونية إلى وزير للإعلام إلى مدير للتلفزين·
م·ب