التفاعل
4.9K
الجوائز
1.2K
- تاريخ التسجيل
- 22 مارس 2009
- المشاركات
- 8,637
- آخر نشاط
- الوظيفة
- أستاذ مكون م إ

مقاومة البطل ابن ناصر بن شهرة.
مقاومة البطل ابن ناصر بن شهرة
1- المولد والنشأة
ينتمي ابن ناصر بن شهرة بن فرحات إلى قبيلة المعامرة والحجاج الذين ينتمون بدورهم إلى الأرباع . ولد عام 1804 .
الناصر بن شهرة بن فرحات شيخ قبائل الأرباع بنواحي مدينة الأغواط ، ذلك الرجل الذي دام كفاحه ضد الإحتلال الفرنسي أكثر من أربع وعشرين سنة (1267-1292هـ/1851-1875م) ولد الناصر بن شهرة بعشيرة الأرباع قرب الأغواط عام 1804 وكان أبوه شهرة وجده فرحات قائدين وشيخين بالتوالي على الأرباع فنشأ بن شهرة في جو ملؤه الحياة العربية القحة بما يروي فيها من أخبار الفروسية والكرم وأحداث الكر والفر في الحرب والنزال متمسكا بسيرة أسلافه شيوخ الأرباع وزعماء الصحراء منتمياً إلى الطريقة القادرية.
2- جهاده
استهل جهاده منذ عام 1851، فاعتقلبمدينة معسكر قرب " بوغار " غادرها متخفيا في 05 سبتمبر 1851، التحق بالشريف محمد بن عبدالله ( بالرويسات) بمدينة( ورقلة ) وقام بالتنسيق معه .استمات في الدفاع عن مدينة الأغواط وقصورها وكذا ورقلة. لجأ إلى " نقطة " وتوزر بالجريد التونسي و في تونس ربط علاقات عديدة باللاجئين الجزائريين وأخذ من هناك يشن الغارات على الأعوان الفرنسيين.
وعندما اندلعت مقاومة أولاد سيدي الشيخ عام 1864 عاد ابن ناصر بن شهرة إلى الجزائرمتخفيا ودخل إلى ورقلة واتصل بسي الأعلى يوم 6 أوت في طاقين واشترك معه في عدة معارك . رجع إلى ورقلة بصحبة سي الأعلى عام 1865 وبعدها إلى مدينة المنيعة ومدينة عين صالح لتجنيد الناس وامتدت حركته إلى عين ماضي .وخلال كفاحه بالجزائر لم يقطع صلاته بتونس حيث كان يتردد عليها لجمع الأنصار وتدبير الخطط وتوفير الذخائر والمؤن .
كان من المشاركين في مقاومة المقراني والحداد عام 1871 و كانت جبهة عمله الصحراء الشرقية ،وبعد إلقاء القبض على بومزراق زعيم المقرانيين يوم 20 جانفي 1872 قرب الرويسات أخذ ابن شهرة يواصل نشاطه من الجريد ونفزاوة إلى أن أرغمه باي تونس على الرحيل، فتوجه إلى بيروت إلى أن توفي عام 1884
المقاومة في مدينة الأغواط:
1- ظروف مقاومة مدينة الأغواط :
عملت الإدارة الاستعمارية على بث روح النزاع و الفرقة بين القادة والزعماء من القبائل و شيوخ الزوايا مما أدى إلى زعزعة المنطقة و نشوب اضطرابات غاية الخطورة في الوقت الذي اشتعل فيه فتيل مقاومة الزعاطشة ، وهي كلها معطيات أقنعت فرنسا بضرورة شن حملة على الاغواط انطلاق من مدينة المدية بعد أن كلفت رسميا الجنرال لادميرول L'ADMIRAULT بالمهمة في ماي 1851.
وفي 3 جوان 1851 دخل الطابورالفرنسي بمدينة الجلفة ، و استدعى شيوخ القبائل منهم خليفة الأغواط و الآغا سي الشريف بالأحرش و كان القائد ينوي تعيين ابن ناصر بن شهرة خليفة على الأغواط عوض أحمد بن سالم غير أن ابن ناصر ظل يرى في فرنسيين غزاة طامعين و رفض خدمتهم ليلتحق بمحمد بن عبد الله أحد أعلام المقاومة في الجنوب الجزائري الشاسع ضد الاحتلال.
2- سقوط المدينة:
إثر عودته إلى الاغواط، كان ابن ناصر بن شهرة قد دخل قصر البلدة، و من جانبه أمر الحاكم العام راندون RANDON الجنرال لادميرول في فبراير 1852 بالسير إلى الاغواط في طابور يزيد على 1500 جندي ، و كان وصوله أسوار مدينة في 4 مارس ثم تقدم إلى غاية قصر الحيران دون مواجهة حيث ثبتّ فيها كتيبه من الجيش و فرقة من الصبايحية ليعود بعدها إلى الأغواط.
ورغم ذلك بقيت الإدارة الاستعمارية متخوفة من رد الفعل الجزائري حتى أنها ارتأت استقدام و حدات إضافية من الجيش المرابط بتيارت بقيادة الجنرال ديلينيه (Déligny).
و من جانبه سار محمد بن عبد الله إلى نواحي مدينة الاغواط بغرض تأديب القبائل الرافضة الالتحاق به لكنه سرعان ما تراجع إلى تاجرونة قريبا من منع وادي زرقون بعد أن بلغه خبر تحرك الجنرال لادميرول كما عمل على حشد المزيد من رجال القبائل و الالتحاق بجيش ابن ناصر بن شهرة من القبائل الأرباع،أولادسيدي عطاء الله ، و سعيد عتبة، المخادمة و رقلة ، شعانبة متليلي ، أولاد عامر بتماسين، أولاد جلاب و أهل ميزاب و قد أثار هذا الحشد تخوفات الفرنسيين و لهذا أوكلت للضابط " كولينو " COLLINEAU مهمة تجميع فرق الجيش استعدادا للمواجهة كما لم ينقطع الشريف محمد بن عبد الله عن التردد على الاغواط بهدف تحسيس و توعية سكانها فلما علم الجنرال " يوسف بالأمر وظف كل الأساليب لاستمالة أهل الأغواط مقابل حياة الشريف لكنه فشل في ذلك وعليه قرر الحاكم العام التدخل عسكريا لضرب الاغواط وإخضاعها و قد جند لأجل ذلك خمسة طوابير يقرر أوامرها الجنرال بيليسيي ( pellissier).
كانت كل هذه الاستعدادات توحي باقتراب موعد شن الحرب و بالفعل انطلقت المعارك في صبيحة يوم 3 ديسمبر ، على جبهات مختلفة ترمي لإيقاع الاغواط، واستمر الهجوم في اليوم الموالي حيث استطاعت القوات الفرنسية التمركز في المواقع الحصينة ، و اتخاذ المسجد مقرا لغرفة العمليات ، وقد أسفرت المواجهة عن مقتل الجنرال بوسكاران فخلفه العقيد " كلار " بالتنسيق مع الجنرال يوسف لتنفيذ عملية اقتحام المدينة حيث اشتد الاقتتال في مختلف الأزقة و حتى المنازل كلف الجيش الفرنسي خسائر معتبرة و أظهر المجاهدون الحنكة و القوة في مقاومتهم ، بينما ركزت المدفعية على ضرب أسوار الاغواط للسماح بتوغل المزيد من العسكر الفرنسي الذين احتلوا أعالي المدينة ، و استمرت المواجهة طويلا لتنتهي بسقوط الاغواط ووقوع مجازر رهيبة من جراء الأعمال الوحشية التي ارتكبت في حق السكان و على جماجم هؤلاء احتفل بيليسييه بالنصر حيث فرشت الزرابي الفاخرة وسط المدينة و تناول عليها غداءه وهنأ ضباطه و قام بتعيين العقيد "كلار" قائدا أعلى على مدينة الأغواط ، بينما استطاع الناجون من أهل المدينة الانسحاب و على رأسهم الشريف محمد بن عبد الله و ابن ناصر بن شهرة و يحي بن معمر والتلي بن لكحل بعد أدركوا أن المواجهة كانت تفتقر بكثير إلى عنصر التكافؤ العسكري خاصة بالنظر إلى ثقل حصيلة الضحايا التي تجاوزت 2500 شهيدا ، ناهيك عن أعداد الجرحى الذين لم يسلموا من ملاحقة الجنود الفرنسيين لاستكمال مجازرهم و قد استمر الأمر أزيد من أسبوع و الهدف من ذلك تصفية جيوب المقاومة في مختلف المناطق و من الجانب الفرنسي سقط حوالي 60 قتيلا و على رأسهم الجنرال " بوسكاران " الذي دفن هناك وقائد الفيلق موران بالإضافة إلى أعداد هامة من الجرحى.
3- نتائج المقاومة
كان سقوط مدينة الأغواط بمثابة انتصار لفرنسا و قد اعتبرته خطوة هامة للتوسع في عمق الصحراء الجزائرية الشاسعة و إخضاعها لسيطرتها ، فضلا عن أنه يرمي إلى:
- إخضاع قبائل بني ميزاب و حملهم على المرور بمدينة الأغواط إجباريا.
-مراقبة التموين بالمئوونة من مخازن الأغواط و فرض غرامات على أهل الصحراء .
-عزل قبائل أولاد نايل و الأرباع وراء مرتفعات جبل عمور الشامخ.
-تحويل الاغواط إلى مركز للإدارة و التحكم في شؤون التجارة إلى عمق الصحراء الجزائرية.
-اعتبار الأغواط نقطة انطلاق للتوسع الفرنسي في الصحراء الجزائرية الشاسعة. غير أن المقاومة بقيادة بن ناصر بن شهرة ومحمد بن عبد الله استمرت على نفس الوتيرة مما عاق عملية التوسع الفرنسي في الصحراء الجزائرية وخاصة بعد أن تكللت هذه المقاومة بإندلاع مقاومة أولاد سيدي الشيخ ، وبروز محمد بن التومي المدعو الشريف بوشوشة.
ثورة بن ناصر بن شهرة:
بدأ المجاهد بن ناصر بن شهرة يعد للثورة سنة 1846 ولكنه اعتقل سنة 1851م ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من (بوغار) سرعان ما أن فر منه.
و في آخر شهر ذي القعدة (1267هـ/5 سبتمبر 1851م)اتصل بن ناصر بن شهرة بالمجاهد البطل شريف بلدة ورقلة السيد (محمد بن عبد الله) فاتفق معه على الجهاد ثم رجع إلى الشمال الشرقي واستولى على قرية قصر الحيران (11 شوال 1268هـ/31 جويلية 1852م). و يومئذ وفد عليه أعيان رجال الصحراء الأشاوس مثل (السيد يحيى بن عمر) أحد شيوخ مدينة الأغواط والسيد (الشريف ابن الأحرش)الذي كان خليفة الأمير عبد القادر ثم صار- باش آغا على عشائر أولاد نايل ، وكان هذا اللقاء في مكان اللقحات في أرض الشبكة قرب (بريان) وذهب ابن شهرة مع شيخ قبيلة ورقلة محمد بن عبد الله إلى المدينة (القرارة) للتسليح والتموين. و استقر بالجنوب التونسي بانتظار تطور الأحداث ليستأنف الجهاد وأخذ من هناك يشن الغارات على أذناب فرنسا داخل الحدود الجزائرية وشارك (محمد بن عبد الله) في معاركه ضد القوات الفرنسية بناطق ( تقوصة ، بريزينة ، الرويسات نوفمبر1853م). و في صيف سنة 1281هـ/1864م انتقل متخفياً إلى ورقلة، واتصل بالسيد(العلا) من أولاد سيدي الشيخ فاشتركا في قيادة الثورة. كانا في يوم (2 ربيع الأول- 6 أوت 1864م) على رأس جيش كبير من الفرسان حيث كان عددهم لا يزيد عن 15000 فارس وتقدمو إلى أرض (طاقين) وهنالك وقعت معركة كبيرة ضد جيوش الاحتلال وفي يوم (19 جمادي الأول -21 أكتوبر1864م).
انتقل ابن ناصر بن شهرة رفقة مرافقيه من أولاد سيدي الشيخ والأرباع، إلى ناحية( وادي النساء) جنوب (بريزينة) للاتصال بسيدي الحاج الدين بصحراء الساورة. وأصبح هو والأنصار يمثلون قوة كبيرة في المنطقة فأضعفتهم فرنسا بقطع صلتهم عن القوافل حتى تعبوا. وفي سنة (1282هـ/1864م)رجع ابن ناصر بن شهرة وسي العلا إلى مدينة ورقلة.
و في ربيع سنة (1283هـ/1866م) توجه(بن ناصر بن شهرة وسي الزبير وابن أخيه سي أحمد بن حمزة) -من زعماء ثورة سيدي الشيخ- إلى مدينة المنيعة. و منها انتقل ابن شهرة إلى مدينة عين صالح لتجنيد المجاهدين من - توات والشعانبة ومن الطوارقأيضا- وفي شهر شوال (1285هـ/جانفي1869م) اشتعلت نار الحرب بعين ماضي وكانت هناك معركة هائلة بين قوات الاستعمارو الجيش الجزائري البطل الذي لم يتجاوز عدده في هذه المعركة 3000 فارس وألفا من المشاة بسلاحه العتيق البالي.
و في شهر ذي الحجة –مارس- 1869 م التحق البطل ابن شهرة بالبطل بوشوشة الذي كان قائد جيش (الشعابنة ومتليلي وشعانبة المواضي بمدينة المنيعة وأهل توات)، وكان معه ثلة من المجاهدين. فالتقيا في قرى (المخرق وقنيفيد على الضفة اليسرى لوادي مزي) فانضموا كلهم إلى بوشوشة وفيها كان الاستلاء على مدينة المنيعة وطرد قائدها (جعفر المعين) من طرف السلطة الفرنسية.
و في بلدة نفطة جنوب غربي تونس اجتمع ابن شهرة باخوانه في الإجهاد ومن ضمنهم المجاهد (محي الدين بن الأمير عبد القادر) وأولاد البطل الشعانبي السوفي (بوطيبة بن عمران) و(محمد بوعلاق التونسي) وجميعهم كان في ضيافة وتأييد الشيخ مصطفى بن محمد بن عزوزالجزائري رئيس الزاوية الرحمانية هناك.
إنتشرت رسائل ابن شهرة ومحي الدين بن الأمير عبد القادر ، التي أرسلاها إلى القبائل و العشائر الجزائرية لحثها على الجهاد، والتحقت يومئذ الأرباع بقائدها ابن ناصر بن شهرة ملبية الدعوة قال رين : " أرسل إلينا الرؤساء الموالون أعدادا كبيرة من هذه الرسائل، وقد تجمع لدى القائد العسكري لناحية بسكرة نحو (44 رسالة) كلها محفوظة في وثائق بسكرة".
وكان على بعضها ختم الأمير محي الدين وعلى بعضها ختم ابن ناصر بن شهرة، فمنها ما كان مرسلاً إلى رئيس زاوية (تماسين)، ومنها ما أرسل إلى السيد (باي آغا) تقرت وورقلة وإلى رؤساء وأعيان الطرود بمنطقة واد سوف وإلى الأغواط ومتليلي وميزاب وإلى الشريف (بوشوشة) وإلى المخادمة والشعانبة وغيرهم...
وفي شهر صفر (1287هـ/مايو 1870م) إستقر بن شهرة صحبة رفيقه الأمير محي الدين بمدينة عين صالح ومعهما ثوار الصحراء الشرقية وهناك إلتقت جيوشهما بجيوش الشعانبة بقيادة بوشوشة، وثوار أولاد سيدي الشيخ بزعامة سي الزوبير، وكانت الثورة مشتعلة في الشمال بقيادة المجاهد الحاج محمد بن الحاج أحمد المقراني والشيخ ابن الحداد رئيس الزاوية الرحمانية في صدوق تحت قيادة بومزراق المقراني والسيد عزيز بن الشيخ الحداد.
وانتشرت الثورة إلى أعماق الصحراء الجزائرية حيث استولى بن شهرة على تقرت وورقلة، واستولى الأمير محي الدين على نقرين وتبسة في شرق الجزائر وفي أثناء ذلك كان استشهاد المرحوم المقراني (15صفر1288هـ/6 ماي 1871م) في مكان يعرف (بسوفلات) قرب مدينة عين بسام، ثم وفي (23 ربيع الثاني- 13 جويلية 1871م) ألقي القبض على الشيخ الحداد ولما تغير الحال في الشمال قرر آل المقراني الاعتصام بالصحراء الشاسعة، فكان لابن شهرة الفضل في دخول المقراني إلى تونس.
وبعد وقوع بومزراق وبوشوشة في الأسر وتمكن الجيش الفرنسي الاستيلاء على تقرت و ورقلة تفرق المجاهدون في أنحاء البلاد، فمنهم من لجأ إلى تونس، ومنهم من ذهب إلى طرابلس الغرب وبقي بن شهرة وحده ينازل جيش الاحتلال الفرنسي فكان يشن عليه بعض الهجومات من الجريد و نفزاوة التونسيتين، ثم دخل إلى تونس لاجئاً.
وفي (27ربيع الثاني 1292هـ/2جوان1875م) أرغمه باي تونس على الرحيل، فركب الباخرة من مرسى حلق الوادي إلى بيروت، وكان برفقة الرفيق في الجهاد (محمد الكلبوتي).
واستقر ببيروت البطل ابن شهرة رفقة صديقه الحميم الأمير (محي الدين بن الأمير عبد القادر)إلى سنة (1300هـ/1883م) كما أنه اتصل بالأمير عبد القادر بنفسه بدمشق فتوسط له لدى الحكومة التونسية لبيع ما تركه بتونس عند رحيله منها، ثم كانت وفاته في سنة 1884 م فكان عمره حينها 80 سنة.
رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار





مقاومة البطل ابن ناصر بن شهرة

1- المولد والنشأة
ينتمي ابن ناصر بن شهرة بن فرحات إلى قبيلة المعامرة والحجاج الذين ينتمون بدورهم إلى الأرباع . ولد عام 1804 .
الناصر بن شهرة بن فرحات شيخ قبائل الأرباع بنواحي مدينة الأغواط ، ذلك الرجل الذي دام كفاحه ضد الإحتلال الفرنسي أكثر من أربع وعشرين سنة (1267-1292هـ/1851-1875م) ولد الناصر بن شهرة بعشيرة الأرباع قرب الأغواط عام 1804 وكان أبوه شهرة وجده فرحات قائدين وشيخين بالتوالي على الأرباع فنشأ بن شهرة في جو ملؤه الحياة العربية القحة بما يروي فيها من أخبار الفروسية والكرم وأحداث الكر والفر في الحرب والنزال متمسكا بسيرة أسلافه شيوخ الأرباع وزعماء الصحراء منتمياً إلى الطريقة القادرية.
2- جهاده
استهل جهاده منذ عام 1851، فاعتقلبمدينة معسكر قرب " بوغار " غادرها متخفيا في 05 سبتمبر 1851، التحق بالشريف محمد بن عبدالله ( بالرويسات) بمدينة( ورقلة ) وقام بالتنسيق معه .استمات في الدفاع عن مدينة الأغواط وقصورها وكذا ورقلة. لجأ إلى " نقطة " وتوزر بالجريد التونسي و في تونس ربط علاقات عديدة باللاجئين الجزائريين وأخذ من هناك يشن الغارات على الأعوان الفرنسيين.
وعندما اندلعت مقاومة أولاد سيدي الشيخ عام 1864 عاد ابن ناصر بن شهرة إلى الجزائرمتخفيا ودخل إلى ورقلة واتصل بسي الأعلى يوم 6 أوت في طاقين واشترك معه في عدة معارك . رجع إلى ورقلة بصحبة سي الأعلى عام 1865 وبعدها إلى مدينة المنيعة ومدينة عين صالح لتجنيد الناس وامتدت حركته إلى عين ماضي .وخلال كفاحه بالجزائر لم يقطع صلاته بتونس حيث كان يتردد عليها لجمع الأنصار وتدبير الخطط وتوفير الذخائر والمؤن .
كان من المشاركين في مقاومة المقراني والحداد عام 1871 و كانت جبهة عمله الصحراء الشرقية ،وبعد إلقاء القبض على بومزراق زعيم المقرانيين يوم 20 جانفي 1872 قرب الرويسات أخذ ابن شهرة يواصل نشاطه من الجريد ونفزاوة إلى أن أرغمه باي تونس على الرحيل، فتوجه إلى بيروت إلى أن توفي عام 1884
المقاومة في مدينة الأغواط:

1- ظروف مقاومة مدينة الأغواط :
عملت الإدارة الاستعمارية على بث روح النزاع و الفرقة بين القادة والزعماء من القبائل و شيوخ الزوايا مما أدى إلى زعزعة المنطقة و نشوب اضطرابات غاية الخطورة في الوقت الذي اشتعل فيه فتيل مقاومة الزعاطشة ، وهي كلها معطيات أقنعت فرنسا بضرورة شن حملة على الاغواط انطلاق من مدينة المدية بعد أن كلفت رسميا الجنرال لادميرول L'ADMIRAULT بالمهمة في ماي 1851.
وفي 3 جوان 1851 دخل الطابورالفرنسي بمدينة الجلفة ، و استدعى شيوخ القبائل منهم خليفة الأغواط و الآغا سي الشريف بالأحرش و كان القائد ينوي تعيين ابن ناصر بن شهرة خليفة على الأغواط عوض أحمد بن سالم غير أن ابن ناصر ظل يرى في فرنسيين غزاة طامعين و رفض خدمتهم ليلتحق بمحمد بن عبد الله أحد أعلام المقاومة في الجنوب الجزائري الشاسع ضد الاحتلال.
2- سقوط المدينة:
إثر عودته إلى الاغواط، كان ابن ناصر بن شهرة قد دخل قصر البلدة، و من جانبه أمر الحاكم العام راندون RANDON الجنرال لادميرول في فبراير 1852 بالسير إلى الاغواط في طابور يزيد على 1500 جندي ، و كان وصوله أسوار مدينة في 4 مارس ثم تقدم إلى غاية قصر الحيران دون مواجهة حيث ثبتّ فيها كتيبه من الجيش و فرقة من الصبايحية ليعود بعدها إلى الأغواط.
ورغم ذلك بقيت الإدارة الاستعمارية متخوفة من رد الفعل الجزائري حتى أنها ارتأت استقدام و حدات إضافية من الجيش المرابط بتيارت بقيادة الجنرال ديلينيه (Déligny).
و من جانبه سار محمد بن عبد الله إلى نواحي مدينة الاغواط بغرض تأديب القبائل الرافضة الالتحاق به لكنه سرعان ما تراجع إلى تاجرونة قريبا من منع وادي زرقون بعد أن بلغه خبر تحرك الجنرال لادميرول كما عمل على حشد المزيد من رجال القبائل و الالتحاق بجيش ابن ناصر بن شهرة من القبائل الأرباع،أولادسيدي عطاء الله ، و سعيد عتبة، المخادمة و رقلة ، شعانبة متليلي ، أولاد عامر بتماسين، أولاد جلاب و أهل ميزاب و قد أثار هذا الحشد تخوفات الفرنسيين و لهذا أوكلت للضابط " كولينو " COLLINEAU مهمة تجميع فرق الجيش استعدادا للمواجهة كما لم ينقطع الشريف محمد بن عبد الله عن التردد على الاغواط بهدف تحسيس و توعية سكانها فلما علم الجنرال " يوسف بالأمر وظف كل الأساليب لاستمالة أهل الأغواط مقابل حياة الشريف لكنه فشل في ذلك وعليه قرر الحاكم العام التدخل عسكريا لضرب الاغواط وإخضاعها و قد جند لأجل ذلك خمسة طوابير يقرر أوامرها الجنرال بيليسيي ( pellissier).
كانت كل هذه الاستعدادات توحي باقتراب موعد شن الحرب و بالفعل انطلقت المعارك في صبيحة يوم 3 ديسمبر ، على جبهات مختلفة ترمي لإيقاع الاغواط، واستمر الهجوم في اليوم الموالي حيث استطاعت القوات الفرنسية التمركز في المواقع الحصينة ، و اتخاذ المسجد مقرا لغرفة العمليات ، وقد أسفرت المواجهة عن مقتل الجنرال بوسكاران فخلفه العقيد " كلار " بالتنسيق مع الجنرال يوسف لتنفيذ عملية اقتحام المدينة حيث اشتد الاقتتال في مختلف الأزقة و حتى المنازل كلف الجيش الفرنسي خسائر معتبرة و أظهر المجاهدون الحنكة و القوة في مقاومتهم ، بينما ركزت المدفعية على ضرب أسوار الاغواط للسماح بتوغل المزيد من العسكر الفرنسي الذين احتلوا أعالي المدينة ، و استمرت المواجهة طويلا لتنتهي بسقوط الاغواط ووقوع مجازر رهيبة من جراء الأعمال الوحشية التي ارتكبت في حق السكان و على جماجم هؤلاء احتفل بيليسييه بالنصر حيث فرشت الزرابي الفاخرة وسط المدينة و تناول عليها غداءه وهنأ ضباطه و قام بتعيين العقيد "كلار" قائدا أعلى على مدينة الأغواط ، بينما استطاع الناجون من أهل المدينة الانسحاب و على رأسهم الشريف محمد بن عبد الله و ابن ناصر بن شهرة و يحي بن معمر والتلي بن لكحل بعد أدركوا أن المواجهة كانت تفتقر بكثير إلى عنصر التكافؤ العسكري خاصة بالنظر إلى ثقل حصيلة الضحايا التي تجاوزت 2500 شهيدا ، ناهيك عن أعداد الجرحى الذين لم يسلموا من ملاحقة الجنود الفرنسيين لاستكمال مجازرهم و قد استمر الأمر أزيد من أسبوع و الهدف من ذلك تصفية جيوب المقاومة في مختلف المناطق و من الجانب الفرنسي سقط حوالي 60 قتيلا و على رأسهم الجنرال " بوسكاران " الذي دفن هناك وقائد الفيلق موران بالإضافة إلى أعداد هامة من الجرحى.
3- نتائج المقاومة
كان سقوط مدينة الأغواط بمثابة انتصار لفرنسا و قد اعتبرته خطوة هامة للتوسع في عمق الصحراء الجزائرية الشاسعة و إخضاعها لسيطرتها ، فضلا عن أنه يرمي إلى:
- إخضاع قبائل بني ميزاب و حملهم على المرور بمدينة الأغواط إجباريا.
-مراقبة التموين بالمئوونة من مخازن الأغواط و فرض غرامات على أهل الصحراء .
-عزل قبائل أولاد نايل و الأرباع وراء مرتفعات جبل عمور الشامخ.
-تحويل الاغواط إلى مركز للإدارة و التحكم في شؤون التجارة إلى عمق الصحراء الجزائرية.
-اعتبار الأغواط نقطة انطلاق للتوسع الفرنسي في الصحراء الجزائرية الشاسعة. غير أن المقاومة بقيادة بن ناصر بن شهرة ومحمد بن عبد الله استمرت على نفس الوتيرة مما عاق عملية التوسع الفرنسي في الصحراء الجزائرية وخاصة بعد أن تكللت هذه المقاومة بإندلاع مقاومة أولاد سيدي الشيخ ، وبروز محمد بن التومي المدعو الشريف بوشوشة.
ثورة بن ناصر بن شهرة:
بدأ المجاهد بن ناصر بن شهرة يعد للثورة سنة 1846 ولكنه اعتقل سنة 1851م ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من (بوغار) سرعان ما أن فر منه.
و في آخر شهر ذي القعدة (1267هـ/5 سبتمبر 1851م)اتصل بن ناصر بن شهرة بالمجاهد البطل شريف بلدة ورقلة السيد (محمد بن عبد الله) فاتفق معه على الجهاد ثم رجع إلى الشمال الشرقي واستولى على قرية قصر الحيران (11 شوال 1268هـ/31 جويلية 1852م). و يومئذ وفد عليه أعيان رجال الصحراء الأشاوس مثل (السيد يحيى بن عمر) أحد شيوخ مدينة الأغواط والسيد (الشريف ابن الأحرش)الذي كان خليفة الأمير عبد القادر ثم صار- باش آغا على عشائر أولاد نايل ، وكان هذا اللقاء في مكان اللقحات في أرض الشبكة قرب (بريان) وذهب ابن شهرة مع شيخ قبيلة ورقلة محمد بن عبد الله إلى المدينة (القرارة) للتسليح والتموين. و استقر بالجنوب التونسي بانتظار تطور الأحداث ليستأنف الجهاد وأخذ من هناك يشن الغارات على أذناب فرنسا داخل الحدود الجزائرية وشارك (محمد بن عبد الله) في معاركه ضد القوات الفرنسية بناطق ( تقوصة ، بريزينة ، الرويسات نوفمبر1853م). و في صيف سنة 1281هـ/1864م انتقل متخفياً إلى ورقلة، واتصل بالسيد(العلا) من أولاد سيدي الشيخ فاشتركا في قيادة الثورة. كانا في يوم (2 ربيع الأول- 6 أوت 1864م) على رأس جيش كبير من الفرسان حيث كان عددهم لا يزيد عن 15000 فارس وتقدمو إلى أرض (طاقين) وهنالك وقعت معركة كبيرة ضد جيوش الاحتلال وفي يوم (19 جمادي الأول -21 أكتوبر1864م).
انتقل ابن ناصر بن شهرة رفقة مرافقيه من أولاد سيدي الشيخ والأرباع، إلى ناحية( وادي النساء) جنوب (بريزينة) للاتصال بسيدي الحاج الدين بصحراء الساورة. وأصبح هو والأنصار يمثلون قوة كبيرة في المنطقة فأضعفتهم فرنسا بقطع صلتهم عن القوافل حتى تعبوا. وفي سنة (1282هـ/1864م)رجع ابن ناصر بن شهرة وسي العلا إلى مدينة ورقلة.
و في ربيع سنة (1283هـ/1866م) توجه(بن ناصر بن شهرة وسي الزبير وابن أخيه سي أحمد بن حمزة) -من زعماء ثورة سيدي الشيخ- إلى مدينة المنيعة. و منها انتقل ابن شهرة إلى مدينة عين صالح لتجنيد المجاهدين من - توات والشعانبة ومن الطوارقأيضا- وفي شهر شوال (1285هـ/جانفي1869م) اشتعلت نار الحرب بعين ماضي وكانت هناك معركة هائلة بين قوات الاستعمارو الجيش الجزائري البطل الذي لم يتجاوز عدده في هذه المعركة 3000 فارس وألفا من المشاة بسلاحه العتيق البالي.
و في شهر ذي الحجة –مارس- 1869 م التحق البطل ابن شهرة بالبطل بوشوشة الذي كان قائد جيش (الشعابنة ومتليلي وشعانبة المواضي بمدينة المنيعة وأهل توات)، وكان معه ثلة من المجاهدين. فالتقيا في قرى (المخرق وقنيفيد على الضفة اليسرى لوادي مزي) فانضموا كلهم إلى بوشوشة وفيها كان الاستلاء على مدينة المنيعة وطرد قائدها (جعفر المعين) من طرف السلطة الفرنسية.
و في بلدة نفطة جنوب غربي تونس اجتمع ابن شهرة باخوانه في الإجهاد ومن ضمنهم المجاهد (محي الدين بن الأمير عبد القادر) وأولاد البطل الشعانبي السوفي (بوطيبة بن عمران) و(محمد بوعلاق التونسي) وجميعهم كان في ضيافة وتأييد الشيخ مصطفى بن محمد بن عزوزالجزائري رئيس الزاوية الرحمانية هناك.
إنتشرت رسائل ابن شهرة ومحي الدين بن الأمير عبد القادر ، التي أرسلاها إلى القبائل و العشائر الجزائرية لحثها على الجهاد، والتحقت يومئذ الأرباع بقائدها ابن ناصر بن شهرة ملبية الدعوة قال رين : " أرسل إلينا الرؤساء الموالون أعدادا كبيرة من هذه الرسائل، وقد تجمع لدى القائد العسكري لناحية بسكرة نحو (44 رسالة) كلها محفوظة في وثائق بسكرة".
وكان على بعضها ختم الأمير محي الدين وعلى بعضها ختم ابن ناصر بن شهرة، فمنها ما كان مرسلاً إلى رئيس زاوية (تماسين)، ومنها ما أرسل إلى السيد (باي آغا) تقرت وورقلة وإلى رؤساء وأعيان الطرود بمنطقة واد سوف وإلى الأغواط ومتليلي وميزاب وإلى الشريف (بوشوشة) وإلى المخادمة والشعانبة وغيرهم...
وفي شهر صفر (1287هـ/مايو 1870م) إستقر بن شهرة صحبة رفيقه الأمير محي الدين بمدينة عين صالح ومعهما ثوار الصحراء الشرقية وهناك إلتقت جيوشهما بجيوش الشعانبة بقيادة بوشوشة، وثوار أولاد سيدي الشيخ بزعامة سي الزوبير، وكانت الثورة مشتعلة في الشمال بقيادة المجاهد الحاج محمد بن الحاج أحمد المقراني والشيخ ابن الحداد رئيس الزاوية الرحمانية في صدوق تحت قيادة بومزراق المقراني والسيد عزيز بن الشيخ الحداد.
وانتشرت الثورة إلى أعماق الصحراء الجزائرية حيث استولى بن شهرة على تقرت وورقلة، واستولى الأمير محي الدين على نقرين وتبسة في شرق الجزائر وفي أثناء ذلك كان استشهاد المرحوم المقراني (15صفر1288هـ/6 ماي 1871م) في مكان يعرف (بسوفلات) قرب مدينة عين بسام، ثم وفي (23 ربيع الثاني- 13 جويلية 1871م) ألقي القبض على الشيخ الحداد ولما تغير الحال في الشمال قرر آل المقراني الاعتصام بالصحراء الشاسعة، فكان لابن شهرة الفضل في دخول المقراني إلى تونس.
وبعد وقوع بومزراق وبوشوشة في الأسر وتمكن الجيش الفرنسي الاستيلاء على تقرت و ورقلة تفرق المجاهدون في أنحاء البلاد، فمنهم من لجأ إلى تونس، ومنهم من ذهب إلى طرابلس الغرب وبقي بن شهرة وحده ينازل جيش الاحتلال الفرنسي فكان يشن عليه بعض الهجومات من الجريد و نفزاوة التونسيتين، ثم دخل إلى تونس لاجئاً.
وفي (27ربيع الثاني 1292هـ/2جوان1875م) أرغمه باي تونس على الرحيل، فركب الباخرة من مرسى حلق الوادي إلى بيروت، وكان برفقة الرفيق في الجهاد (محمد الكلبوتي).
واستقر ببيروت البطل ابن شهرة رفقة صديقه الحميم الأمير (محي الدين بن الأمير عبد القادر)إلى سنة (1300هـ/1883م) كما أنه اتصل بالأمير عبد القادر بنفسه بدمشق فتوسط له لدى الحكومة التونسية لبيع ما تركه بتونس عند رحيله منها، ثم كانت وفاته في سنة 1884 م فكان عمره حينها 80 سنة.
رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار


