الغفران
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 19 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 242
- نقاط التفاعل
- 131
- النقاط
- 9
بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
السّلامُ عليكمُ ورحمةُ اللهِ تَعالى وبَركاتهِ
الحَمدُ للهِ تَعالى.
أمّا توحيدُ الرّبوبيّة فهو: الإيمانُ بوُجودِ اللهِ تعالى، واعتِقادُ تفرّده في أفعالهِ.
كَما عرّفهُ بعضُ أهل العِلم بأنّهُ: الاعتِقادُ بأنّ الله هو الخالِقُ الرّازقُ، المُدبّر لكلّ شيء وحده لا شَريك لهُ.
ومنُهم من عرّفهُ بأّنهُ: تَوحيدُ اللهِ بأفعالهِ.
فَ ( تَوحيدُ الرّبوبيّةِ ) يَشتمل عَلى أمرينِ:
1. الإيمانُ بوُجودِ الله تِعالى - 2. الإقرارُ بأنّ الله تعالى هُو خالِقُ كلّ شيء ورازقهُ، وأنّه المُحيي، المُميمتُ،
النّافعُ، الضّارّ، المُتفرّد بإجابةِ الدّعاءِ، الذي لهُ الأمرُ كلّه، وبيده الخير كُلّه، القادرُ على ما يشاءُ، المُقدّرُ لجميعِ الأمور، المُتصرّفُ فيها، المُدبّر لها، ليسَ لهُ في ذلك كلّه شَريكٌ.
والأدلّةُ - عَلى معنى الرّبوبيّة - في القُرآن كَثيرةٌ؛ منها قولُ الله تَعالى: ( الحَمدُ لله ربّ العالمينِ ) ( الفاتحَة: 2 )، وقولهُ تعالى: ( ألا لهُ الخَلقُ والأمرُ ) ( الأعراف: 54).
وقولهُ جلّ وَعلا: ( قُل من بيدهِ ملكوتِ كلّ شيء ) ( المؤمنون: 44 ).
وقد أمرَ اللهُ تَعالى العباد بالنّظر في ملكوتهِ - سُبحانهُ - ليستدلّوا عَلى ربوبيّتهِ جلّ وَعلا، قالَ سُبحانهُ: ( وفي الأرض آياتٌ للموقِنين، وفي أنفسكُم أفلا تُبصرون ) ( الذاريات : 20-21).
وهذا النّوعُ مِن التّوحيدِ - تَوحيد الرّبوبيّة - لا يَكفي وحدهُ للدّخول في الإسلامِ، فقد كان المُشركون مقرّين به فَلم يَنفعهُم ذلك، لأنّهُم مُشركونَ في توحيدِ الألوهيّةِ،
لصَرفهم بعض أنواع العِبادةِ كالدّعاءِ والذّبحِ والاستِغاثةِ لمعبوداتهِم كالأصنامِ والملائكةِ وغيرهم.
وتَوحيدُ الرّبوبيّةُ: يستلزمُ تَوحيدُ الألوهيّةَ، فمَن أقرّ بأنّ الله خالقهُ من العَدم، مالكُهُ ورازقهُ والمُنعمُ عَليهِ، بأنواعِ النّعم التي لا يستطيعُ العبدُ إحصاءِها، وأنّهُ تعالى المُصرّف لجَميعِ أمورهِ، المُدبّر لها؛ يلزمهُ أن يشكُر الله تعالى على ذلك بأن يعبدهُ سُبحانهُ وتعالى، وأن يُطيعَ أوامرهُ، ويجتنبَ نواهيه، ويحرُم عليهِ أن يُشركَ في عِبادتهِ أحداً من خلقهِ.
قالَ تَعالى: ( يا أيّها النّاسُ اعبُدوا ربّكمُ الذي خلقكُم، والذين من قبلكُم لعلّكُم تتّقونَ، الذي جَعل لكمُ الأرضَ فِراشاً والسّماء بناءً، وأنزلَ من السّماءِ ماءً فأخرجَ بهِ من الثّمرات رزقاً لكُم فلا تَجعلوا لله أنداداً وأنتُم تعلمون ) ( البَقرة: 21 - 22).
ففي الآية الأولى ( 21 ): أمر اللهُ تَعالى جَميع النّاسِ بعبادتهِ.
وفي الآية الثاّنية ( 22 ): استدلّ سُبحانهُ عَلى وُجوبِ عِبادتهِ وحدهُ بأنّهُ ربّهمُ الذي ربّاهُم بأصنافِ النّعمِ الظّاهرةِ والباطنةِ.
وأمّا ما يُضادُّ ( تَوحيدَ الرّبوبيّةِ ) فَ الشّركُ.
والشّركُ في الرّبوبيّة:
لخّصهُ ابنُ تيمية رحمهُ اللهُ تَعالى بقوله: ( .... أما النّوع الثّاني فالشرك في الربوبية، فإنّ الرّبّ سبحانه هو المالك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعزّ، المذلّ، فمن شَهد أنّ المُعطي أو المانِع أو الضّار أو النّافع أو المُعزّ أو المذلّ غيره فقد أشرَك بربوبيّّته جلّ وَعلا.
وهذا إمّا: 1. شِرك في التّعطيل - وإمّا 2. شرك في الأنداد:
أ- شِركُ التّعطيل:
قال الشيخ سُليمان آل الشّيخ: ( شِرك التّعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك، كشركفرعون إذ قال: ( وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ ) [الشّعراء:23]، ومن هذا شِرك الفلاسفة القائلين بقِدم العالم وأبديته، وأنّه لم يكن معدوماً أصلا، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها العقولوالنفوس.
ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود، كابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني وابن الفارض،
ونحوهم من الملاحِدة الذين كَسوا الإلحاد حلية الإسلام، ومزجوه بشيء من الحق، حتى راجَ أمرهم عَلى خَفافيش البَصائر.
ب- شركُ الأنداد:
وهو شِركُ من جَعل مَع الله إلهاً آخَر ولم يُعطّل أسماءَه وصفاته وربوبيّته.
قال سُليمان آل الشّيخ: ( النّوع الثّاني: شِرك من جَعل معه إلهاً آخر ولم يعُطّل أسماءه وصِفاته وربوبيتّه، كَشِرك النّصارى الذين جَعلوه ثالِث ثَلاثة، وشرك المجوسِ القائلين بإسنادِ حَوادث الخَير إلى النّور، وحوادث الشّر إلى الظّلمة.
ومن هذا شرك كثير ممّن يشرك بالكَواكب العلويات، ويجعلها مدبّرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مُشركي الصّابِئة وغيرهم. ويلتحق به من وجه شرك غُلاة عُبّاد القُبور الذين يزعمون أن أرواحَ الأولياء تتصرّف بعد الموت، فيقضون الحاجات،ِ ويفرّجون الكُربات، ويَنصرون من دعاهم، ويحفظون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم، فإن هذه من خَصائص الرّبوبية سُبحانهُ.
وخُلاصة هذا النّوع ما يلي:
أ- الشّرك في الرّبوبية بالتّعطيل: وذلك 1. إما بالإلحاد كقول فرعون: ( وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ ) وكالمذهب الشّيوعي، 2. وإمّا بتعطيل الكون عن صانعه كالقول بقدم العالم والقَول بوحدة الوُجود، وإما بتعطيل الصانععن أفعاله كشِرك مُنكري إرسال الرّسل ومُنكري القَدر والبَعث وغير ذلك.
ب- الشّرك في الرّبوبية بالأنداد: وذلك 1. إمّا بدعوى تصرّف غير الله تعالى في الكون كشرك مُشركي قوم إبراهيم الصّابئة والمتصوّفة القائلين بالغَوث والقطب والأوتاد والأبدال المعتقدين فيهم التّصرف والتّدبير،
2. وإمّا بإعطاء حقّ التّشريع والتّحليل والتّحريم لغير الله تعالى كما هو عند النّصارى وغيرهم وكما هو في القَوانين الوضعيّة،
3. وإما بدعوى تأثير النجوم والهياكل في الكون كما يعتقده الصّابئة من قوم إبراهيم، أو دَعوى تأثير الأولياء أوالتّمائم والأحجبة، قالَ الله تعالى: (لئِن أشركت ليحبطنّ عملك)،
وقال تَعالى: (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
وأمّا تَوحيدُ الأسماءِ والصّفاتِ فهُو:
اعتقادُ انفرادِ الربّ - جلّ جلالُه - بالكَمال المُطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة ، والجَلال ، والجمال التي لايشاركه فيها مُشارك بوَجه من الوُجوه .
وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من جميع الأسماء ، والصفات ، ومعانيها ، وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللاّئق بعَظمته وجَلاله، من غَير نَفي لشَيء منها، ولا تَعطيل، ولا تَحريف، ولا تَكييفٍ، ولا تَمثيل .
ونفي ما نَفاه عن نَفسه ، أو نَفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - من النّقائص والعُيوب ومن كلّ ما يُنافي كَماله.
قال الله تعالى: ( ليسَ كمِثله شئ وهو السّميع العَليم ) (الشّورى:11).
وأمّا ضدّه: فهو الإلحاد في أسماء الله وصفاته،
وهو ثلاثةُ أنواعِ :
الأوّل: إلحاد المُشركين الذين عدلوا بأسماء الله تعالى عمّا هي عليه وسموا بها أوثانهم ، فَزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان .
الثّاني: إلحاد المُشبهة الذين يكُيّفون صفات الله تعالى ، ويُشبهونها بصِفات خَلقه وهو مُقابل لإلحاد المُشركين ،
فأولئك سوّوا المخلوق بربّ العالمين ، وهؤلاء جَعلوه بمنزلة الأجسام المَخلوقة وشَبّهوه بها تَعالى وتَقدّس.
الثّالثُ: إلحادُ النّفاة المُعطّلة ، وهم قِسمان :
قِسم أثبتوا ألفاظ أسمائه تعالى ونَفوا عنهُ ما تضمّنته من صفات الكَمال فقالوا :
رَحمن رَحيم بِلا رَحمة ، عَليم بلا عِلم ، سَميع بلا سَمع، بَصير بلا بَصر، قَدير بلا قُدرة، وأطردوا بقّيتها كذلك .
وقسم صرّحوا بنفي الأسماء ومُتضمّناتها بالكليّة ، ووصفوهُ بالعدَم المَحض الذي لا اسم له ُولا صِفة ،
سُبحان الله وتَعالى عمّا يقول الظّالمون الجاحِدون المُلحدون علوًّا كَبيرًا.
( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) ،
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).
واللهُ تَعالى أعلى وأعلمُ.
( إضافَةٌ ):
طريقةُ أهل السّنّة في أسماءِ اللهِ تَعالى وصِفاتهِ: وتتلخّصُ في ثَلاثةِ أمورٍ:
1. طَريقتهمُ في الإثباتِ: وهي إثباتُ ما أثبتهُ اللهُ تعالى لنفسهِ في كِتابهِ، أو عَلى لسان رسوله عليه الصّلاة والسّلامِ، مِن غَير تَعريفٍ ولا تَعطيلٍ ولا تَكييف ولا تَمثيلٍ؛ فيؤمنون بأن ما ثبت في النّصوص الشّرعيّة من صفات حقيقيّة تليقُ بجلالِ الله تعالى،
وأنّها لا تُماثِل صِفاتِ المَخلوقينَ.
2. طَريقتهمُ في النّفيِ: نفيُ ما نَفاهُ اللهُ تعالى عَن نفسهِ في كِتابهِ، أو عَلى لِسانِ رسولهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامِ، من صِفاتِ النّقصِ، معَ اعتِقادهِم بثُبوتِ كَمال ضِدّ الصِفةِ المنفيّةِ عنهُ جلّ وَعلا. وكُلّ ما نفاهُ الله تعالى عن نفسهِ فهي صِفاتُ نقصٍ تُنافي كَمال الواجِبِ،
فجَميعُ صِفاتِ النّقصِ مُمتنعةٌ عن الله تعالى لوُجوبِ كَمالهِ. وما نفاهُ اللهُ تعالى عن نفسهِ المُرادُ بهِ انتِفاءُ تلك الصّفة المنفيّة، وإثباتُ كمال ضدّها.
3. طَريقتهمُ فيما لَم يرِد نَفيهُ ولا إثباتهُ مّا تَناوعَ النّاسُ فيهِ: كالجِسمِ، والحيّز والجِهةِ ونَحو ذلكَ؛ فطريقتهمُ فيهِ التوقّفُ في لفظهِ
فلا يُثبتونه ولايَنفونهُ، لعَدمِ وُُرودهِ، أمّا معناهُ فيستفصلون عنهُ، فإن أريدَ بهِ باطلٌ ينزّه الله عنهُ ردّوه، وإن أريدَ به حقٌّ لا يَمتنعُ على الله قبِلوهُ.
إخوانيَ ... أخواتيَ ...
بارَكَ اللهُ فيكُم جَميعاً.
إن ارتئيَ الوُقوفُ بهذه المُسابقةِ العقائديّةِ إلى هذا الحدّ؛ فنسألنّ إخوَتي أن يُعاودوا مِثل هاتهِ المُنافَساتِ التي تُغذّي عَقيدةَ المُسلِمِ، وتُصحّحُ ما فَسَدَ مِنها، ولعلّ - إن يتيسّرَ - أن تكونَ في الإجازَةِ الدّراسَيّةِ؛ يكُن خَيراً، وأكثَرُ نفعاً؛ حَيثُ حُسبانَ التّواجُد للسّوادِ الأعظَمِ مِن أعضائِنا الكِرامِ.
للقائِمينَ عَلى المُسابقةِ، والمُشاركينَ فيها إخواني وأخواتي في الله؛
بارَكَ اللهُ فيكُم، وكتبَ أجركُم، وشكرَ سعيكُم، وعلى أبلجٍ نهجهِ - سُبحانهُ - ثبّتكُم، وكتبكُم - بمنّهِ - مِن عِبادهِ الصّالِحينِ المُصلحينَ.
اللّهمّ آمينَ؛ وسائِرَ مَن تَواجَدَ هُنا: يُعينُ عَلى الخَيرِ، ويُبّتُ عَلى الحَقّ، ويُجلّي حَقيقَةً، ويُصحّحُ مَذهباً.
اللّهمّ يا الله - إلهَنا - يا حيّ يا قَيّومُ اكتُبهُم مِن عِبادكِ الذينَ رَضيتَ عنهُم، ووفّقهُم، وبجنّتكَ حقّق طُموحهُمُ.
وأعتَذرُ - بحقّ - لتَقصيري في هذهِ المُسابقةِ؛ لِضيقِ الزّمانِ معَ هذا المَوسِمِ؛ فَضلاً عَن بِضاعَةٍ مُزجاةٍ.
( فائِدَةٌ ):
( المَدخَل لدِراسَة العَقيدةِ )؛ للشّيخ/ عُثمان جُمعة ضميريّة؛ حَفظهُ اللهُ تعالى.
http://www.4shared.com/file/59476977/5eac30f3/___.html
وفّقكمُ اللهُ تَعالى وسدّدكُم، ونفعَ بكمُ.
السّلامُ عليكمُ ورحمةُ اللهِ تَعالى وبَركاتهِ
السؤال الأخير من المرحلة الأولى و بعد التقييم العام للمشاركين معنا في هذه المرحلة.
س : ما هو توحيد الربوبية و وتوحيد الأسماء و الصفات و ما يضدهما؟
الحَمدُ للهِ تَعالى.
أمّا توحيدُ الرّبوبيّة فهو: الإيمانُ بوُجودِ اللهِ تعالى، واعتِقادُ تفرّده في أفعالهِ.
كَما عرّفهُ بعضُ أهل العِلم بأنّهُ: الاعتِقادُ بأنّ الله هو الخالِقُ الرّازقُ، المُدبّر لكلّ شيء وحده لا شَريك لهُ.
ومنُهم من عرّفهُ بأّنهُ: تَوحيدُ اللهِ بأفعالهِ.
فَ ( تَوحيدُ الرّبوبيّةِ ) يَشتمل عَلى أمرينِ:
1. الإيمانُ بوُجودِ الله تِعالى - 2. الإقرارُ بأنّ الله تعالى هُو خالِقُ كلّ شيء ورازقهُ، وأنّه المُحيي، المُميمتُ،
النّافعُ، الضّارّ، المُتفرّد بإجابةِ الدّعاءِ، الذي لهُ الأمرُ كلّه، وبيده الخير كُلّه، القادرُ على ما يشاءُ، المُقدّرُ لجميعِ الأمور، المُتصرّفُ فيها، المُدبّر لها، ليسَ لهُ في ذلك كلّه شَريكٌ.
والأدلّةُ - عَلى معنى الرّبوبيّة - في القُرآن كَثيرةٌ؛ منها قولُ الله تَعالى: ( الحَمدُ لله ربّ العالمينِ ) ( الفاتحَة: 2 )، وقولهُ تعالى: ( ألا لهُ الخَلقُ والأمرُ ) ( الأعراف: 54).
وقولهُ جلّ وَعلا: ( قُل من بيدهِ ملكوتِ كلّ شيء ) ( المؤمنون: 44 ).
وقد أمرَ اللهُ تَعالى العباد بالنّظر في ملكوتهِ - سُبحانهُ - ليستدلّوا عَلى ربوبيّتهِ جلّ وَعلا، قالَ سُبحانهُ: ( وفي الأرض آياتٌ للموقِنين، وفي أنفسكُم أفلا تُبصرون ) ( الذاريات : 20-21).
وهذا النّوعُ مِن التّوحيدِ - تَوحيد الرّبوبيّة - لا يَكفي وحدهُ للدّخول في الإسلامِ، فقد كان المُشركون مقرّين به فَلم يَنفعهُم ذلك، لأنّهُم مُشركونَ في توحيدِ الألوهيّةِ،
لصَرفهم بعض أنواع العِبادةِ كالدّعاءِ والذّبحِ والاستِغاثةِ لمعبوداتهِم كالأصنامِ والملائكةِ وغيرهم.
وتَوحيدُ الرّبوبيّةُ: يستلزمُ تَوحيدُ الألوهيّةَ، فمَن أقرّ بأنّ الله خالقهُ من العَدم، مالكُهُ ورازقهُ والمُنعمُ عَليهِ، بأنواعِ النّعم التي لا يستطيعُ العبدُ إحصاءِها، وأنّهُ تعالى المُصرّف لجَميعِ أمورهِ، المُدبّر لها؛ يلزمهُ أن يشكُر الله تعالى على ذلك بأن يعبدهُ سُبحانهُ وتعالى، وأن يُطيعَ أوامرهُ، ويجتنبَ نواهيه، ويحرُم عليهِ أن يُشركَ في عِبادتهِ أحداً من خلقهِ.
قالَ تَعالى: ( يا أيّها النّاسُ اعبُدوا ربّكمُ الذي خلقكُم، والذين من قبلكُم لعلّكُم تتّقونَ، الذي جَعل لكمُ الأرضَ فِراشاً والسّماء بناءً، وأنزلَ من السّماءِ ماءً فأخرجَ بهِ من الثّمرات رزقاً لكُم فلا تَجعلوا لله أنداداً وأنتُم تعلمون ) ( البَقرة: 21 - 22).
ففي الآية الأولى ( 21 ): أمر اللهُ تَعالى جَميع النّاسِ بعبادتهِ.
وفي الآية الثاّنية ( 22 ): استدلّ سُبحانهُ عَلى وُجوبِ عِبادتهِ وحدهُ بأنّهُ ربّهمُ الذي ربّاهُم بأصنافِ النّعمِ الظّاهرةِ والباطنةِ.
وأمّا ما يُضادُّ ( تَوحيدَ الرّبوبيّةِ ) فَ الشّركُ.
والشّركُ في الرّبوبيّة:
لخّصهُ ابنُ تيمية رحمهُ اللهُ تَعالى بقوله: ( .... أما النّوع الثّاني فالشرك في الربوبية، فإنّ الرّبّ سبحانه هو المالك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعزّ، المذلّ، فمن شَهد أنّ المُعطي أو المانِع أو الضّار أو النّافع أو المُعزّ أو المذلّ غيره فقد أشرَك بربوبيّّته جلّ وَعلا.
وهذا إمّا: 1. شِرك في التّعطيل - وإمّا 2. شرك في الأنداد:
أ- شِركُ التّعطيل:
قال الشيخ سُليمان آل الشّيخ: ( شِرك التّعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك، كشركفرعون إذ قال: ( وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ ) [الشّعراء:23]، ومن هذا شِرك الفلاسفة القائلين بقِدم العالم وأبديته، وأنّه لم يكن معدوماً أصلا، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها العقولوالنفوس.
ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود، كابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني وابن الفارض،
ونحوهم من الملاحِدة الذين كَسوا الإلحاد حلية الإسلام، ومزجوه بشيء من الحق، حتى راجَ أمرهم عَلى خَفافيش البَصائر.
ب- شركُ الأنداد:
وهو شِركُ من جَعل مَع الله إلهاً آخَر ولم يُعطّل أسماءَه وصفاته وربوبيّته.
قال سُليمان آل الشّيخ: ( النّوع الثّاني: شِرك من جَعل معه إلهاً آخر ولم يعُطّل أسماءه وصِفاته وربوبيتّه، كَشِرك النّصارى الذين جَعلوه ثالِث ثَلاثة، وشرك المجوسِ القائلين بإسنادِ حَوادث الخَير إلى النّور، وحوادث الشّر إلى الظّلمة.
ومن هذا شرك كثير ممّن يشرك بالكَواكب العلويات، ويجعلها مدبّرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مُشركي الصّابِئة وغيرهم. ويلتحق به من وجه شرك غُلاة عُبّاد القُبور الذين يزعمون أن أرواحَ الأولياء تتصرّف بعد الموت، فيقضون الحاجات،ِ ويفرّجون الكُربات، ويَنصرون من دعاهم، ويحفظون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم، فإن هذه من خَصائص الرّبوبية سُبحانهُ.
وخُلاصة هذا النّوع ما يلي:
أ- الشّرك في الرّبوبية بالتّعطيل: وذلك 1. إما بالإلحاد كقول فرعون: ( وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ ) وكالمذهب الشّيوعي، 2. وإمّا بتعطيل الكون عن صانعه كالقول بقدم العالم والقَول بوحدة الوُجود، وإما بتعطيل الصانععن أفعاله كشِرك مُنكري إرسال الرّسل ومُنكري القَدر والبَعث وغير ذلك.
ب- الشّرك في الرّبوبية بالأنداد: وذلك 1. إمّا بدعوى تصرّف غير الله تعالى في الكون كشرك مُشركي قوم إبراهيم الصّابئة والمتصوّفة القائلين بالغَوث والقطب والأوتاد والأبدال المعتقدين فيهم التّصرف والتّدبير،
2. وإمّا بإعطاء حقّ التّشريع والتّحليل والتّحريم لغير الله تعالى كما هو عند النّصارى وغيرهم وكما هو في القَوانين الوضعيّة،
3. وإما بدعوى تأثير النجوم والهياكل في الكون كما يعتقده الصّابئة من قوم إبراهيم، أو دَعوى تأثير الأولياء أوالتّمائم والأحجبة، قالَ الله تعالى: (لئِن أشركت ليحبطنّ عملك)،
وقال تَعالى: (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
وأمّا تَوحيدُ الأسماءِ والصّفاتِ فهُو:
اعتقادُ انفرادِ الربّ - جلّ جلالُه - بالكَمال المُطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة ، والجَلال ، والجمال التي لايشاركه فيها مُشارك بوَجه من الوُجوه .
وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من جميع الأسماء ، والصفات ، ومعانيها ، وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللاّئق بعَظمته وجَلاله، من غَير نَفي لشَيء منها، ولا تَعطيل، ولا تَحريف، ولا تَكييفٍ، ولا تَمثيل .
ونفي ما نَفاه عن نَفسه ، أو نَفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - من النّقائص والعُيوب ومن كلّ ما يُنافي كَماله.
قال الله تعالى: ( ليسَ كمِثله شئ وهو السّميع العَليم ) (الشّورى:11).
وأمّا ضدّه: فهو الإلحاد في أسماء الله وصفاته،
وهو ثلاثةُ أنواعِ :
الأوّل: إلحاد المُشركين الذين عدلوا بأسماء الله تعالى عمّا هي عليه وسموا بها أوثانهم ، فَزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان .
الثّاني: إلحاد المُشبهة الذين يكُيّفون صفات الله تعالى ، ويُشبهونها بصِفات خَلقه وهو مُقابل لإلحاد المُشركين ،
فأولئك سوّوا المخلوق بربّ العالمين ، وهؤلاء جَعلوه بمنزلة الأجسام المَخلوقة وشَبّهوه بها تَعالى وتَقدّس.
الثّالثُ: إلحادُ النّفاة المُعطّلة ، وهم قِسمان :
قِسم أثبتوا ألفاظ أسمائه تعالى ونَفوا عنهُ ما تضمّنته من صفات الكَمال فقالوا :
رَحمن رَحيم بِلا رَحمة ، عَليم بلا عِلم ، سَميع بلا سَمع، بَصير بلا بَصر، قَدير بلا قُدرة، وأطردوا بقّيتها كذلك .
وقسم صرّحوا بنفي الأسماء ومُتضمّناتها بالكليّة ، ووصفوهُ بالعدَم المَحض الذي لا اسم له ُولا صِفة ،
سُبحان الله وتَعالى عمّا يقول الظّالمون الجاحِدون المُلحدون علوًّا كَبيرًا.
( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) ،
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).
واللهُ تَعالى أعلى وأعلمُ.
( إضافَةٌ ):
طريقةُ أهل السّنّة في أسماءِ اللهِ تَعالى وصِفاتهِ: وتتلخّصُ في ثَلاثةِ أمورٍ:
1. طَريقتهمُ في الإثباتِ: وهي إثباتُ ما أثبتهُ اللهُ تعالى لنفسهِ في كِتابهِ، أو عَلى لسان رسوله عليه الصّلاة والسّلامِ، مِن غَير تَعريفٍ ولا تَعطيلٍ ولا تَكييف ولا تَمثيلٍ؛ فيؤمنون بأن ما ثبت في النّصوص الشّرعيّة من صفات حقيقيّة تليقُ بجلالِ الله تعالى،
وأنّها لا تُماثِل صِفاتِ المَخلوقينَ.
2. طَريقتهمُ في النّفيِ: نفيُ ما نَفاهُ اللهُ تعالى عَن نفسهِ في كِتابهِ، أو عَلى لِسانِ رسولهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامِ، من صِفاتِ النّقصِ، معَ اعتِقادهِم بثُبوتِ كَمال ضِدّ الصِفةِ المنفيّةِ عنهُ جلّ وَعلا. وكُلّ ما نفاهُ الله تعالى عن نفسهِ فهي صِفاتُ نقصٍ تُنافي كَمال الواجِبِ،
فجَميعُ صِفاتِ النّقصِ مُمتنعةٌ عن الله تعالى لوُجوبِ كَمالهِ. وما نفاهُ اللهُ تعالى عن نفسهِ المُرادُ بهِ انتِفاءُ تلك الصّفة المنفيّة، وإثباتُ كمال ضدّها.
3. طَريقتهمُ فيما لَم يرِد نَفيهُ ولا إثباتهُ مّا تَناوعَ النّاسُ فيهِ: كالجِسمِ، والحيّز والجِهةِ ونَحو ذلكَ؛ فطريقتهمُ فيهِ التوقّفُ في لفظهِ
فلا يُثبتونه ولايَنفونهُ، لعَدمِ وُُرودهِ، أمّا معناهُ فيستفصلون عنهُ، فإن أريدَ بهِ باطلٌ ينزّه الله عنهُ ردّوه، وإن أريدَ به حقٌّ لا يَمتنعُ على الله قبِلوهُ.
إخوانيَ ... أخواتيَ ...
بارَكَ اللهُ فيكُم جَميعاً.
إن ارتئيَ الوُقوفُ بهذه المُسابقةِ العقائديّةِ إلى هذا الحدّ؛ فنسألنّ إخوَتي أن يُعاودوا مِثل هاتهِ المُنافَساتِ التي تُغذّي عَقيدةَ المُسلِمِ، وتُصحّحُ ما فَسَدَ مِنها، ولعلّ - إن يتيسّرَ - أن تكونَ في الإجازَةِ الدّراسَيّةِ؛ يكُن خَيراً، وأكثَرُ نفعاً؛ حَيثُ حُسبانَ التّواجُد للسّوادِ الأعظَمِ مِن أعضائِنا الكِرامِ.
للقائِمينَ عَلى المُسابقةِ، والمُشاركينَ فيها إخواني وأخواتي في الله؛
بارَكَ اللهُ فيكُم، وكتبَ أجركُم، وشكرَ سعيكُم، وعلى أبلجٍ نهجهِ - سُبحانهُ - ثبّتكُم، وكتبكُم - بمنّهِ - مِن عِبادهِ الصّالِحينِ المُصلحينَ.
اللّهمّ آمينَ؛ وسائِرَ مَن تَواجَدَ هُنا: يُعينُ عَلى الخَيرِ، ويُبّتُ عَلى الحَقّ، ويُجلّي حَقيقَةً، ويُصحّحُ مَذهباً.
اللّهمّ يا الله - إلهَنا - يا حيّ يا قَيّومُ اكتُبهُم مِن عِبادكِ الذينَ رَضيتَ عنهُم، ووفّقهُم، وبجنّتكَ حقّق طُموحهُمُ.
وأعتَذرُ - بحقّ - لتَقصيري في هذهِ المُسابقةِ؛ لِضيقِ الزّمانِ معَ هذا المَوسِمِ؛ فَضلاً عَن بِضاعَةٍ مُزجاةٍ.
( فائِدَةٌ ):
( المَدخَل لدِراسَة العَقيدةِ )؛ للشّيخ/ عُثمان جُمعة ضميريّة؛ حَفظهُ اللهُ تعالى.
http://www.4shared.com/file/59476977/5eac30f3/___.html
وفّقكمُ اللهُ تَعالى وسدّدكُم، ونفعَ بكمُ.