خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
منزلة التوكل
التوكل منزلة عالية من منازل الدين قرنه الله بالعبادة في قوله: }فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ{[هود: 123]. وجعله سبباً لنيل محبته فقال: }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{ [آل عمران: 159]. في التوكل رضا الرحمن ومنعة من الشيطان والرسل عليهم السلام هم أئمة المتوكلين فالخليل قال: }رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{ [الممتحنة: 4]. وشعيب عليه السلام قال: }وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ [هود: 88]. ومن حقق التوكل دخل الجنة بغير حساب. وأمور الدنيا وزينتها قد يدرك منها المتواني ما يفوت المثابر، ويصيب منها العاجز ما يخطئ الحازم، ولا يقدم في ذلك إلا التوكل على الله. ولما سئل الإمام أحمد عن التوكل قال: "هو قطع الاستشراف باليأس من الخلق" والتعلق بالأسباب لا يجدي في تحقيق المطلوب.



* فعل الأسباب لا ينافي التوكل:
الالتفات إلى الأسباب نقص في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب التي أمر بها قدح في الشرع، وعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله لا على الأسباب.
وحقيقة التوكل: القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب واعتقاد أنها بيده، فإن شاء مَنَع اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه. والموحد المتوكل لا يطمئن إلى الأسباب ولا يرجوها كما أنه لا يهملها أو يبطلها بل يكون قائماً بها ناظراً إلى مسببها سبحانه ومجريها. وعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، وتحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله المقدورات بها، فإن الله أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، والناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يجهدون أنفسهم في الأسباب ومن تعلقت نفسه بالله وأنزل به حوائجه، والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه، كفاه كل سُؤله ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى علمه وعقله وتمائمه، واعتمد على حوله وقوته، وكله الله إلى ذلك وخذله. ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح وهو نوع من الطلب والسعي، ولكنه سعي يسير. قال في تيسير العزيز الحميد ([1]): "وهذا معروف بالنصوص والتجارب".



* ثمرات التوكل على الله:
في التوكل على راحة البال، واستقرار في الحال، ودفع كيد الأشرار، وهو من أقوى الأسباب التي يدع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم، وبالتوكل تستغني النفس عما في أيدي الناس، يقول شيخ الإسلام ([2]): "وما رجا أحد مخلوقاً أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه"، ومن فوض أمره إلى مولاه حاز مناه، وزكريا بلغ من الكبر عتياً ثم وُهب سيداً من فضلاء البشر وأنبيائهم وإبراهيم بشر بولد وامرأته تقول بعد يأس من حالها: }قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ{ [هود: 72]. وترك الخليل هاجر وابنه إسماعيل بواد لا زرع فيه ولا ماء فإذا هو نبي يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وما ضاع يونس مجرداً في العراء. يقول الفضيل بن عياض: "لو يئست من الخلق لا تريد منهم شيئاً لأعطاك مولاك كل ما تريد".
فألق كنفك بين يدي الباري، وعلق رجاءك به، وسلم الأمر للرحيم، واقطع العلائق عن الخلائق، ولا ترج إلا الله، وإذا قوي التوكل والرجاء، وجُمع القلب في الدعاء لم يرد النداء، }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ{ [النمل: 62]، والجأ إلى الله بقلب خاشع ذليل يفتح لك الباب.
.........................................
([1])تيسير العزيز الحميد ص170.
([2])الفتاوى 10/257.
 
آخر تعديل:

طلب الرزق
السعي في طلب الرزق هم كثير من الخلق، فالصغير ينشده والكبير يطلبه، وأكثر هموم الحياة وأحاديثها وأحداثها تدور في فلكه، والمؤمن الحاذق من يفوض أمر الرزق إلى الرازق.
فالرزق ما كان لك منه أتاك على ضعفك، وما كان عليك لم تدفعه بوقتك، فلا تضيع زمانك بهمك بما ضمن لك من الرزق، فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً، قال سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[هود: 6].
قال بعض السلف: "توكل تُسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف". وعلى العبد أن يقنع بما أعطاه الله من الرزق، يقول عمر بن عبد العزيز: "بين العبد وبين رزقه حجاب فإن قنع ورضيت نفسه أتاه رزقه، وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يزد فوق رزقه".
ومن نظر إلى من دونه في الدنيا امتلأ قلبه غنى من الحياة يقول النبي (عليه الصلاة والسلام): «انظروا إلى ن هو دونكم في الدنيا وانظروا إلى من فوقكم في الدين». (رواه البخاري).
فكن متوكلاً على الله في طلب الرزق بقلبك، ساعياً له بجوارحك مع الاعتماد على الخلاق الكريم، وإياك والحرص على تحقيق أملك من الحياة، فإن ذلك قد يخرجك من طور التوكل، فتحرص على تحقيق المرام، وتعتمد على الأسباب دون التفويض بالقلب، والله عز وجل إذا أغلق عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده.
 
آخر تعديل:
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

باركـ الله فيكـ استــآذي ع درس اليوم
كــآن ع التوكل ولكن أحيــآنـآ تنقطع بنــآ الاسباب فنفقد قنــآعتنــآ و نصبح عاجزين بعدهــآ ونتخبط في دوامــآتـ الاسئلة
الكيف ولما و وو
وهـآته المتـــآهــآتـ دومــآ تدفعنــآ لأحظـآن الشيطــآن ووساويسه فنتوه من جديد
فكيف السبيل للاقتنــآع بما كتبه الله لنــآ وترويض النفس ان كل شيء في أوآنه جميل وهنــآكـ حكمة ورآء كل شيء وليس مجرد كلام نقنع به انفسنــآ ( هي فضفضة نفس اعلم انكـ ستفهمهـآ استـآذي )

سلامي
 
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

باركـ الله فيكـ استــآذي ع درس اليوم
كــآن ع التوكل ولكن أحيــآنـآ تنقطع بنــآ الاسباب فنفقد قنــآعتنــآ و نصبح عاجزين بعدهــآ ونتخبط في دوامــآتـ الاسئلة
الكيف ولما و وو
وهـآته المتـــآهــآتـ دومــآ تدفعنــآ لأحظـآن الشيطــآن ووساويسه فنتوه من جديد
فكيف السبيل للاقتنــآع بما كتبه الله لنــآ وترويض النفس ان كل شيء في أوآنه جميل وهنــآكـ حكمة ورآء كل شيء وليس مجرد كلام نقنع به انفسنــآ ( هي فضفضة نفس اعلم انكـ ستفهمهـآ استـآذي )

سلامي
إن شاء الله لن يكون الأمر كما تقولين، و انما هي كما قال ابن القيم -رحمه الله- ( إن العبد الصادق لا يرى نفسه إلا مقصراً فمن عرف الله وعرف نفسه لم يرى نفسه إلا بعين النقصان )، إنما هي عصرة قلب في حالة كمد و قلة حيلة و ضعف وسيلة مع غياب الناصح الأمين، و غفلة المشفق الرحيم من البشر في حين لك الله الذي يَؤي إليه كل مضطر فيكفيه حاجته و يجيب دعوته و يكشف ضراءه قال تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون فهو سبحانه يبدل عبده هذا بالضيق سعة و بالضنك تلقاء الوسوسة و الخوف و الهلع أمنا و راحة و طمأنينة، ، ما ضل في غمار التيه من علم أن له رب كريم رحيم أقرب ما يكون إلى عبده عند حاجته، و أرجى ما يكون جوابه و غوثه عند اضطراره،

قال تعالى (و إذ تستغيثون ربكم فاستجب لكم )

و ما ضاق أمر إلا اتسع، و ما اجتمع على عبد عسر إلا و يليه يسر يدفع كل عسر قال تعالى (إن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا)، فلن يغلب عسر يسران كما قال الصادق الأمين عليه من ربي أفضل الصلاة و أزكى التسليم، فعليك باللجئ إليه فهو ربك، تضرعي راجية رحمته وأنت مؤمنة بأنه أرحم الراحمين، مستجلبة لطفه وأنت موقنة أنه هو اللطيف الخبير، قومي بين يديه خاضعة في صلاة خاشعة بدموع غمار تسري من العين لتنسكب على الخد حسرة على ما فات و مضى في غير طاعة و عبادة و تقوى، عاقدة العزم على الإقبال عليه بالقلب و القالب، بالروح و الجسد، بالنفس بالضمير، بالكثير و اليسير على مسار غير المسار الأول، وفقا لصراطه المستقيم، تتخذين قدوتك نبيك محمد عليه من ربي أفضل الصلاة و التسليم، و الصحابيات الجليلات من أمهات المؤمنين و غيرهن، قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، و قال عز و على (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الأخر و ذكر الله كثيرا)، حينها اذا أتيت بالفرائض و تحريت النوافل و صدقت القصد و أخلصت النية و أصلحت الطوية و زكيت النفس بكثرة الاستغفار و الذكر، و إمعان التدبر في أي القرآن و التخشُّع في الدعاء والإكثار من الرجاء يحبك الله، و يدخلك في زمرته أوليائه ويسكن السكينة و الطمأنينة قلبك و يذيقك من لذة طاعته ما يغنيك عن كل الدنيا فلا تريدين إلا قربه و حبه و رضاه و عفوه، و ستعلمين حينها أنه هو الكريم لمن عرف طريق الوصول إليه، و سيكون لك أفضل مما كنت ترجين و تتمنين، يقول ابن القيم رحمه الله (كن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد)

اللهم اجعلنا منهم يا كريم، ومنّ علينا بالقبول و الرضى أنت ولينا و مولانا و مولي النعمة عبادك الفقراء إليك، و أنا أفقرهم إلى رحمتك و عفوك و مغفرتك.
 
آخر تعديل:
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

و فيك بارك الله، نتمنى أن تنتفعي بها في حياتك العملية، فهذا المقصود منها.
 
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

السلام عليكم
ماشاء الله ونعم الدروس باارك الله فيك
ان شاء الله في ميزان حسناتك

do.php
 
آخر تعديل:
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

بارك الله فيك أخي
وجعله في ميزان حسناتك
 
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

و فيك بارك الله.
أحسن الله اليك.
 
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

و فيك بارك لله.
 
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

للرفع.
 
رد: خطوات الى السعادة 5 (التوكل الصحيح سبيل السعادة الحق)

ﺑﺂﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﻭ ﺟﺰﺁﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮﺍﺍﺍﺍ ………♥
 
هذه الحلقة الخامسة من سلسلتنا خطوات إلى السعادة، نرفعها من جديد ليعم بها النفع.
 
جزاك الله خيرا اخي الكريم
يبدو ان ظروف العمل و انشغلات الحياة هي السبب في تقطع الدروس حتى انها اصبحت غير مترابطة
وفقك الله و كان في عونك
 
الحمد لله على كل حال.
نسأل الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.
 
جزاك الله عنا كل خير أخي و حبيبي أباليث
للتوكل اسرار عظيمة لا يعرفها إلا من رزقه الله اليقين
و هو علامة من علامات التزكية أليس كذالك أخي اباليث
 
أحسن الله اليك
 
اللهم أاامين.
وفق الله الجميع إلى ما فيه رضاه.
 
slide1-n.jpg


فقال سهل : التوكل الاسترسال مع الله مع ما يريد .
وقال بشر الحافي : يقول احدهم : توكلت على الله . يكذب على الله ولو توكل على الله رضي بما يفعل الله .
وقال ابن عطاء : التوكل أن لا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها .
وقيل : التوكل قطع علائق القلب بغير الله " ولنا نضبط معنى التوكل وتعريفه على ضوء ما تقدم فنقول :
أن التوكل : هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في جلب المطلوب وزوال المكروه مع فعل الأسباب المأذون فيها وهذا اقرب تعريف .

ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا انه لا بد من تحقق أمرين مهمين :
الأول : أن يكون الاعتماد على الله اعتمادا صادقا حقيقيا.
الثاني : فعل الأسباب المأذون فيها .
فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب نقص توكله على الله ويكون قادحا في كفاية الله فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه .
ومن جعل أكثر اعتماده على الله ملغيا للأسباب فقد طعن في حكمة الله لان الله جعل لكل شيء سببا فمن اعتمد على الله اعتمادا مجردا كان قادحا في حكمة الله لان الله حكيم يربط الأسباب بمسبباتها كمن يعتمد على الله في حصول الولد وهو لا يتزوج . والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم المتوكلين ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الزاد في السفر ولما خرج إلى احد ظاهر بين درعيه أي لبس درعين اثنين ولما خرج مهاجرا اخذ من يدله الطريق وكان صلى الله عليه وسلم يتقي الحر والبرد ولم ينقص ذلك من توكله ويذكر عن عمر رضي الله عنه أن قدم ناس من أهل اليمن إلى الحج بلا زاد فجيء بهم إلى عمر فسألهم فقالوا : نحن المتوكلون على الله : فقال : لستم المتوكلين بل انتم المتواكلون . فالضابط في هذه المسالة أن تعرف أن " الأخذ بالأسباب واجب وطاعة الله تعالى ولكن مع ترك الاعتماد عليها بل الاعتماد على الله وحده لا شريك له في حصول المقصود بعد الأخذ بالأسباب. وبهذا يتبين أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد وان مما ينبغي أن يعلمه العبد تلك القاعدة الجليلة والتي ذكرها شيخ الإسلام وهي : " الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ، وإنما التوكل معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع " .


منزلة التوكل في الدين [2]


التوكل عبادة قلبية من اجل العبادات وقربة من اعظم القربات وهو فريضة يجب إخلاصه لله تعالى وهو اجمع أنواع العبادة واعلى مقامات التوحيد وأعظمها واجلها لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة فان العبد إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ماسواه صح أخلاصه ومعاملته مع الله ولذلك أمر الله به في غير أية من كتابه بل جعله شرطا في الإيمان والإسلام كما في قوله تعالى " وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين " وقوله تعالى " ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين"

وهنا انقل لك كلاماً عظيماً ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين فقال :
فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التوكل
قال الله تعالى : "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" [المائده : 23] وقال : " وعلى الله فليتوكل المؤمنون" [إبراهيم : 11] وقال : "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق : 3 ] وقال عن أوليائه : "ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" [الممتحنة : 4 ] وقال لرسوله : " قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا " [الملك : 29 ] وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم :" فتوكل على الله إنك على الحق المبين" [النمل : 79] وقال له :"وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا" [النساء : 81] وقال له : "وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده" [الفرقان : 58] وقال له : "فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" [آل عمران : 159] وقال عن أنبيائه ورسله : "وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا" [إبراهيم : 12] وقال عن أصحاب نبيه الذين قال لهم الناس : "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " [آل عمران : 173 ] وقال : "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " [الأنفال : 2 ]
والقرآن مملوء من ذلك
وفي الصحيحين في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون"
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل [ آل عمران : 173 ] وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله : أن الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون
وفي الترمذي عن عمر رضي الله عنه مرفوعا : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً "
" والتوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة ، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة .
ومنزلته أوسع المنازل واجمعها ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل وكثرة حوائج العالمين وعموم التوكل ووقوعه من المؤمنين والكفار والإبرار والفجار والطير والوحش والبهائم فأهل السموات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل وان تباين متعلق توكلهم .
قال الإمام احمد : التوكل عمل القلب ومعنى ذلك : انه عمل قلبي ليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح ولا هو من باب العلوم والادراكات .

* وهناء مسالة مهمة ألا وهي انه قد تضيق بالعبد السبل وتنعدم الأسباب وهنا ليس أمام العبد إلا عمل القلب وحده بصدق التوكل على الله عز وجل وصدق اللجوء والاضطرار إليه قال الله تعالى عن المسلمين يوم احد " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " [ آل عمران : 173]
قال ابن القيم رحمه الله تعالى " والتوكل تارة يكون توكل اضطرار وإلجاء بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا وزراً إلا التوكل كما إذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن إن لا ملجأ من الله إلا إليه وهذا لا يختلف عنه الفرج والتيسير البتة .
وتارة يكون توكل اختيار وذلك : التوكل مع وجود السبب المفضي إلى المراد فإن كان السبب مأمورا به ذم على تركه وان قام بالسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا فانه واجب باتفاق الأمة ونص القران والواجب القيام بهما والجمع بينهما وان كان السبب محرما حرم عليه مباشرته وتوحد السبب في حقه في التوكل فلم يبق سبب سواه فان التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه بل هو أقوى الأسباب على الإطلاق وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا يضعفه ؟ فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه أولى وان لم يضعفه فمباشرته أولى لان الحكمة احكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به فلا تعطل حكمته ـ [ إلى أن قال ] ـ وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها كما لا ينفعه.
قوله توكلت على الله مع الاعتماد على غيره وركونه إليه وثقته به فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء " ا.ه


صور من الخلل في التوكل

إن المتأمل لحياتنا اليوم يجدا أنواعا وصوراً وأمثله كثيرة على ضعف توكلنا على الله ومن ذلك ان البعض إذا كانت له حاجة دنيوية أو معاملة أو طلب وظيفة فتجدان أول من يخطر في باله هو فلان بن فلان وانه بيده الأمر فتجده يتوجه إليه ويطلبه وربما نافق له أو مدحه أو رشاه ونسي الله الذي بيده كل شيء وهو على ما كل شيء قدير ...
ومن ذلك أن من حصل عنده مرض أو مرض له احد أو كان عنده ظرف أو كرب فمن أول من يخطر في قلبه أالله أم الطبيب أالله أم فلان ؟!! أالله أم المدير؟!! من أول من يتوجه إليه القلب ؟!! ...... فتجد أن الواحد يقضي في طلب الأمر الأيام وربما الشهور وربما الأعوام .. يسأل هذا ويطلب هذا ؟!! .. وهنا تسأله هل دعيت الله ؟!! هل توجهت إلى الله ؟!! هل سألت ربك قضاء هذه الحاجة ؟!!... " أمن يجيب المضطر إذا دعا ويكشف السوء " أنه الله الذي الإله إلا هو الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير ...
ولست بهذا اقصد منع الشفعات .. او تحريم تفريج الكربات .. بل قديوجر صاحب الشفاعة .. ولايأثم السائل .. لكن المراد هنا هو الحذر من التفات القلب الى غير الله ..وان كان الاكمل هو ترك السوال .. كما بايع على ذلك الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
تنبيه : إن فعل الأسباب ليس حراماً بل هو أمر ٌ مطلوب قدر أمر الله به بل هو من التوحيد ولكن المحذور الشرك أن يلتفت القلب إلى السبب أي كان سواءً كان بشراً أو دابة أو طائرة أو سيارة يلتفت القلب إليها وينسى الله فهذا هو المحذور ... بل الواجب على العبد أن يفعل السبب ثم ينساه ولا يلفت إليه ويفوض أمره إلي الله تعالي ويعتمد على ربه وخالقه ..
وان يعلم العبد ان البشر مهما بلوغ من العلو في الدنيوي ومهما ملكوا انهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يقدمون ولايأخرون وان ليس بيدهم شيء وليس لهم من الأمر شيء وان يتذكر وصيته النبي صلى الله عليه وسلم للغلام "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعونك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك ألا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " نعم هذا هو التوكل وهذه هي حقيقة التوحيد أن يعلم العبد أن الله هو الرازق وهو الباسط الحافظ الرافع بيده كل شيء واليه يرجع كل شيء له ما في السموات والأرض وما بينهما وما تحت الذي فارج الهم كاشف الكرب مجيب المضطرين ومفزع الأمينين وآله العالمين يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
ومن الصور أيضاً ترك الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً من الناس وأذاهم فنجد الواحد يرى المنكر فلا يغيره بما يستطيع من درجات إنكار المنكر فإذا سألته قال لك إني أخاف ولا أحب أن أتدخل في شؤون الناس .
قلت : وهذا سببه ضعف التوكل وإلا فلو توكل العبد على الله حق توكله لما خشي أحداً من الناس ولأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولو فعل به ما فعل فالأذى في هذا السبيل يعتبر من الأذى في سبيل الله .
ولا يعني هذا أن الإنسان يأخذ عصا يضرب به الناس أو يشتمهم أو يتعدى عليهم أو على أموالهم أو حقوقهم بل هذا راجع إلى ولي الأمر .
والمقصود أن الإنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب طاقته وسعته وقدرته وحدود ما أذن به الشرع ، والرجل في بيته يستخدم من درجات إنكار المنكر مالا يستخدمه في غيره .


* أسباب ضعف التوكل *

إن سبب ضعف التوكل عند كثير من الناس ... هو سبب بعدهم عن طاعة الله ... لان العبد إذا بعد عن الله خلا قلبه من الإيمان واستحوذ عليه الشيطان وصار يخاف من غير الله من الشيطان وأوليائه فيترك طاعة الله وما أوجبه الله خوفاً من غير الله ، وأما إذا أطاع العبد ربه واستقام على عبادته وترك معصية امتلأ قلبه إيمانا فصار لا يخاف إلا من الله ولا يرجو غيره ولا يخشى سواه ...
وإذا توكل العبد على الله واعتمد عليه واستقام على طاعته حق الاستقامة كفاه الله كل شيء وحفظه ورعاه ...
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top