الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

سلام الله عليكم....أحبّتي

هو ..موضوعي الأوّل هنا معكم

أردت أن أعود بكم الى تلك الحقبة التاريخية التي جعلت من الأندلس
دارا للغربة....سكنتها معالم الصليب و غيرت وجه الجمال و الدّين
و الحياة

انّها الأندلس التي وددت أن أقف كما وقف شعراءها يوما
يبكون مجدها الضائع

أتمنى أن يكون لموضوعي هذا صدى في نفوسكم

لكم الشكر...و الامتنان
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

رثــــــــــــــــــــــــــــــاء الـــــــــمـــــــــــــــديــــــــــــــــــــنة الـــــأ نــــــــــــــــــــــــــــدلـــــــــــــــــــــــــســــــــــــــــيّــــــــــــــــــة

اذا كان الشعراء قد رثوا الأندلس برمتها ، كما ذكرنا من قبل
فانّ بعضهم قد خصّ مدينته أو مدينة معيّنة بعناية أكبر ، و تألم
لمصابها أكثر فعدد محاسنها و مزاياها و سكب دموعا حارّة تحت أسوارها

ذكر صاحب نفح الطيب أنّ أولى المدن الأندلسية الاسلاميّة التي سقطت
في يد الافرنج هي مدينة طليطلة و هي واحدة من أكبر القواعد الاسلامية
في الأندلس .
و اليكم نبذة تاريخية عنها...:


مدينة أندلسية عريقة في القدم تقع على بعد 75 كيلو متر من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة ، تتدفق فيها مياه نهر تاجة. ويحيط وادي تاجة بطليطلة من ثلاث جهات مساهما بذلك في حصانتها ومنعتها. واسم طليطلة تعريب للاسم اللاتيني "توليدوث" (Tholedoth) وكان العرب يسمون طليطلة مدينة الأملاك لأنها كانت دار مملكة القوط ومقر ملوكهم.
مدينة طليطلة قديمة للغاية، يحيط بأصلها الغموض. ويغلب على الظن أنها بنيت زمن الإغريق. ومما لا شك فيه أن بناءها يسبق مقدم الرومان، فقد حاصرها القائد الروماني ماركوس فولفيوس نوبليور واستولى عليها عام 190 قبل الميلاد. ولم يتحمل سكانها أول الأمر قسوة الرومان، فسرعان ما ثاروا عليهم، وهزموا حاكمها الروماني كايوس كالبورنيوس بيزون الذي خلف فاتحها فولفيوس عام 186 قبل الميلاد. ولكنهم ما لبثوا أن خضعوا أخيرا للرومان، واستسلمت المدينة للفاتحين.
وازدهرت طليطلة في عهد الرومان، وازدادت أهميتها بالنسبة لهم، فحصنوها بالأسوار، وأقاموا فيها المسرح الكبير والجسر الأعظم، وغير ذلك من الأبنية الرائعة التي اشتهرت بها العمارة الرومانية.
ولكن ما لبث أن اجتاح الامبراطورية الرومانية القبائل البربرية التي تدفقت على أملاكها كالسيول المدمرة، ولم تنج أسبانيا من ذلك على الرغم من أن طليطلة استطاعت أن تحتمي في حصونها وتحتفظ لنفسها باستقلال داخلي. واستقر القوط الغربيون في قطاع طركونة وجنوب غالة، وأخذوا يوجهون من هذه المراكز غاراتهم في قلب أسبانيا. ونجح إيوريكو في ضم طليطلة، قاعدة إقليم كاربتانيا، إلى ملكه. وارتفعت طليطلة في عهد الملك أتاناخيلدة إلى الذروة وزودها ملوك القوط من بعده بآثارهم الجليلة، وسموها "المدينة الملكية".
وكان رودريجو آخر ملوك القوط مشغولا بإخماد ثورة قام بها أهالي مدينة بنبلونة ببلاد البشكنس، حين وصلته أنباء الفتح الإسلامي، ونزول جيوش المسلمين بجبل طارق عام 93هـ / 712 م فعظم عليه الأمر، واتجه بجيوشه جنوبا لملاقاة المسلمين بقيادة القائد طارق بن زياد. والتقى الجيشان في واقعة وادي لكة، وانتصر المسلمون انتصارا ساحقا على جيوش القو ط، وتقدم طارق بجيوشه نحو الشمال فاتحا مدن شذونة ومدور وقرمونة وأستجة ، ولم يلق المسلمون بعدها مقاومة تذكر. وانتهى طارق إلى طليطلة، دار مملكة القوط، فوجدها خالية قد فر عنها أهلها، فاستولى عليها، وغنم فيها غنائم طائلة.
وظلت طليطلة بعد الفتح الإسلامي تتمتع بتفوقها السياسي على سائر مدن الأندلس، ولكنها ما لبثت أن فقدت هذا التفوق إزاء السيادة التي فرضتها عليها قرطبة ، عاصمة الأندلس في عهد بني أمية.
وكانت طليطلة تضم أكبر طائفة من المستعربين والمولدين واليهود وكانت مزاجا لعناصر وتقاليد لاتينية وقوطية وأخرى عربية.
وساهم موقع طليطلة الاسترتيجي على نهر تاجة في حصانتها وزيادة ميل سكانها إلى الثورة وجنوحهم إلى الانفصال عن الحكومة المركزية. وقد كان لطبوغرافية المدينة وطبيعة سكانها أثر كبير في خروجهم عن سلطان الإمارة بقرطبة مرات كثيرة، مما كلف أمراء قرطبة أثمانا باهظة لإعادتهم إلى فلك دولتهم.
وفي عام 180هـ / 797 م استطاع الحكم الربضي أن يوقع بأهل طليطلة وأن يستذلهم بعد أن استخفوا بواليه عمروس الوشقي المولد، فقد اتخذ عمروس قصرا، واستدعى فيه وجهاء طليطلة، وأوهمهم أنهم إذا طعم منهم قوم انصرفوا من باب غير الباب الذي دخلوا منه، وجعلوا كلما دخلوا قتلوا وقيل إن عدد القتلى يؤمنذ من وجهاء طليطلة بلغ نحو خمسة آلاف وثلثمائة رجل، فلانت بعد ذلك شوكة طليطلة.
وفي عهد محمد بن عبد الرحمن الأوسط عام 233هـ / 848 م خرجت عليه طليطلة، فخرج لحربها بنفسه، واستنجد أهلها بملك جيلقية البشكنس على وادي سليط، وقد أكمن لهم فأوقع بهم، وهزمهم هزيمة نكراء، ودخلت طليطلة بعدها تحت لواء الخلافة القرطبية منذ عام 318هـ / 930 م بعد سنوات طويلة من الثورات، وانتظمت أمورها في ظل خلافة عبد الرحمن الناصر.
وعندما اشتعلت نيران الفتنة الكبرى عقب سقوط الخلافة بقرطبة، وقامت دول ملوك الطوائف، واستقل بنو ذي النون بطليطلة، وهم أسرة من البربر الذين كانوا في خدمة المنصور ابن أبي عامر وكان اسم جدهم الذي ينسبون إليه زنون، فحرف الاسم إلى ذي النون أو دنون. وارتفع شأنهم، وذاع صيتهم في عهد المنصور، وقادوا جيوشه، واستقروا بكورة شنتبرية.
ولما تولى عبد الملك بن متيوة أمر طليطلة، وأساء إلى أهلها، خلعوه واتفقوا فيما بينهم على تولية عبد الرحمن بن ذي النون، فوجه إليها ابنه إسماعيل، فاستولى عليها وعلى ما يحيط بها من مدن وقرى، واستقام له الأمر فيها، وترك شئون المدينة إلى شيخها أبي بكر الحديدي، وكان من أهل العلم والدهاء. ثم توفي إسماعيل وخلفه ابنه المأمون يحيى بن إسماعيل، فجرى على سنن أبيه في اتباع العدل، فتوطد سلطانه، وعظم ملكه. وقام في عهده نزاع بينه وبين ابن هود حاكم سرقسطة، ودام هذا النزاع قرابة ثلاث سنوات، وانتهى بموت سليمان بن هود.
ولما توفي المأمون يحيى عام 466هـ / 1074 م، تولى حفيده القادر بالله يحيى. وفي عهده ثار عليه أهل طليطلة لقتله ابن الحديدي، وأرغموا ابن ذي النون على الرحيل منها. فاستعان ابن ذي النون بألفونسو السادس ملك قشتالة لاسترداد ملكه. وأقبل ألفونسو بجيوشه، وحاصر المدينة، ودخلها واغتصبها من القادر بالله، فخرج له عنها في شهر صفر 487هـ / مايو عام 1085م مقابل مظاهرة ألفونسو له على بلنسية.
وهكذا سقطت مدينة طليطلة في أيدي الصليبين وقد أحدث سقوط طليطلة في أيدي القشتاليين دويا هائلا في أنحاء العالم الإسلامي، وقرعت نواقيس الخطر تنذر ملوك الإسلام في الأندلس بسوء المصير فأحسوا بضعفهم وتنبهوا بعد فوات الأوان إلى نهايتهم الوشيكة. وكان سقوط طليطلة نذيرا بالنهاية المحتومة لدولة الإسلام في الأندلس. وقد حاول المرابطون والموحدون استرداد طليطلة ولكن جهودهم المتواصلة أخفقت وأصبحت هذه المدينة قاعدة هامة للقشتاليين.


موقع الاسلام

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

بعض صور لمدينة طليطلة

Toledo-020707_a.jpg



Toledo%20%282%29-020707_a.jpg


Toledo%20%283%29-020707_a.jpg



Toledo%20%285%29-020707_a.jpg










Toledo%20%289%29-020707_a.jpg


Toledo%20%2811%29-020707_a.jpg

قبل الأمويين

Toledo%20%2819%29-020707_a.jpg

 
آخر تعديل:
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

طليطلة ...لم أشعر بيتم مدينة أندلسية مجيدة مثل شعوري بيتم هذه المدينة ...وحيدة , معزولة , منسيّة , مهجورة من رائحة الإسلام إلاّ بقايا مساجد متناثرة و حمّامات مدفونة و ديارٌ غريبة ...
533731_421667554561205_513563581_n.jpg


 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و لقد كان سقوط طليطلة صدمة كبيرة و مصابا جللا هزّ نفوس الأندلسيين
هزّا عنيفا ما لبث أن ترجم الى هذه الحقيقة المرّة التي عبّر عنها الكثير من بينهم
عبد الله بن فرح اليحصبي

لثُكلكِ كيف تبتسم الثغـورُ
سرورًا بعدما سُبيت ثغـورُ
أما وأبي مصـابٌ هُد منـهُ
ثَبِـيرُ الدين فاتصل الثبـورُ
لقد قُصمت ظهورٌ حين قالوا
أميـر الكافرين له ظهـورُ
ترى في الدهر مسرورا بعيشٍ
مضى عنا لطيتهِ السـرورُ
أليس بها أبيّ النفس شهمٌ
يدير على الدوائر إذ تـدورُ
لقد خضعت رقابٌ كنا غلبا
وزال عتوها ومضى النفيـرٌ
وهان على عـزيز القوم ذلٌ
وسامح في الحريم فتىً غيـورُ
طليطلةٌ أبـاح الكفـر منها
حماهـا إنّ ذا نبـأ كبيرُ
فليس مثالها إيوان كسرى
ولا منها الخـورنق والسديـرُ
محصنـة محسنـة بعيـدٌ
تنـاولهـا ومطلبهـا عسيـرُ

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و يمضي الشاعر مستنكرا منددا بسقوط المدينة التي كانت محصنة
ذات يوم معرجا في سياق حديثه على الدين الذي كان يجمع أهلها بل كان باديا حتّى غي معالمها
و لكن باقتحام الغزاة أسوارها حوّلوا هذا المنار الساطع [الاسلام] الى دين آخر
لا عهد للمدينة به بل و حوّلوا مساجدها الى كنائس تنعق فيها النواقيس
فيقول....:
ألم تك معقلا للدين صعـبا
فذلّله كما شاء القديـــرُ
وأخرج أهلها منها جميعـا
فصاروا حيث شاء بهم مصيرُ
وكانت دار إيمانٍ وعلـمٍ
معالمهـا التي طُمست تنــيرُ
فعـادت دار كفر مصطفاةُ
قد اضطربت بأهليها الأمورُ
مساجدها كنائس، أي قلبٍ
على هـذا يقرُّ ولا يطـيرُ

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و بعبارة لا تخلو من الصدق و الصراحة يبين الشاعر سقوط طليطلة
التي عاث فيها الفساد و الفجور بسبب لهو حكامها و مجونهم و انشغالهم
في الترف الزائف و تخاذلهم في الدفاع عن المدينة أمام المد الصليبي
و في هذا الصدد يقول الدكتور مصطفى الشكعة [و في صراحة صادقة مريرة
يعمد الشاعر الى التقريع و التوبيخ أسباب سقوط أيّ أمّة واحدة على الدوام
ان لم يكن متطابقا على التمام فهي متشابهة متقاربة ، ان من أسباب سقوط
طليطلة حسبما ذكر الشاعر في قصيدته:
فساد الحكام و انتشار الظلم و الجور و المصادرلت و ذيوع الفاحشة
بين الناس و تعفن المجتمع بالانحلال و الاقبال على الشهوات و اقتراف
المعاصي ، و جور الحكام و تفرقهم و جبنهم و الاستهانة بالأخطار
امّا كبرا أو غرورا و امّا غفلة و غباء
انّ الشاعر يعدد كلّ ذلك عامدا الى التوبيخ هادفا الى التقريع غير بعيد
عن النغمة الشعرية و حسن الايقاع حتى تؤدي القصيدة دورها
في انقاذ ما يمكن انقاذه]
فيقول....:

فإن قلنا العقـوبة أدركتهم
وجـاءهـمٌ من الله النكيرُ
فإنـا مثـلهم وأشد منهـم
نجورٌ وكيف يسلم من يجورُ
أنأمن أن يحـل بنـا انتقـامٌ
وفينا الفسق أجمعُ والفجـورٌ
وأكل للحرام ولا اضطرارٌ
إليه فيسهلُ الأمـر العسيرُ
ولكن جرأةٌ في عقـر دارٍ
كذلك يفعلُ الكلبُ العقـورُ
يزول الستر عن قومٍ إذا ما
على العصيان أٌرخيت الستورُ
يطول على ليلي، رب خطب
يطول لهوله الليل القصير
خذوا ثار الديانة وانصروها
فقد حامت على القتلى النسورُ
ولا تهنو وسلوا كل عضبٍ
تهاب مضاربا عنه النحورُ
وموتوا كلكم فالموت أولى
بكم من أن تجارو أو تجورو
اصبرا بعد سبي وامتحانٍ
يُلام عليهما القلب الصبور
فاما الثكل مذكار ولودٌ
وأم الصقر مقلاتٌ نزورُ
نخور إذا دهينا بالرزايا
وليس بمعجب بقرُ يخورُ
ونجبن ليس نزأر لو شجعنا
ولم نجبن لكان لنا زئيرُ
لقد ساءت بنا الأخبار حتى
أمات المخبرين بها الخبيرُ
اتتنا الكتب فيها كل شرٍ
وبشرنا بانحسنا البشيرُ
وقيل تجمعوا لفراق شمل
طليطلة تملكها الكفورُ
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

ثمّ نرى مسحة الحيرة و الحزن بادية على أهالي الأندلس عامة
و الشاعر بصفة خاصة حينما تركوا دورهم من غير رجعة و خلّفوا وراءهم
ذلك الارث العظيم و تلك المدينة التي أحبوها يوما و أفنوا بين أرجاءها أعمارهم
يقول مصطفى شكعة :و يقع الشاعر في حيرة شديدة و هو يذكر طليطلة
الجميلة الأسيرة المحتلة ، و حينا يذكر الأهل و الحقل و البستان و الديار،
و يرثي الحال المقيم و يبكي لمصير النازح و تتمثل له كلّ معاني السحر و الجمال
في وطنه ، و كلّ وطن عزيز على أهله و لو كان مغارة قاتمة أو صحراء قاحلة
فما بالك و هذا الوطن هو الأندلس و تلك الديار هي طليطلة بعمرانها و مائها
و خضرتها و ظلالها ـ انّ الشاعر و أهله بين أمرين أحلاهما مرّ ، فامّا بقاء مع
ذلّ و رقّ و ذهاب الدّين و امّا تشرد و ذهاب الدنيا ، فليس أمامه الاّ البكاء]
يــــــــــــــقـــــــــــــــــــــول

كفى حزنا بان الناس قالوا
إلى أين التحول والمسيرُ
أنترك دورنا ونفرّ عنها
وليس لنا وراء البحر دورُ
ولا ثم الضياع تروق حسنا
نباكرها فيعجبنا البكورُ
وظل وارفٌ وخرير ماء
فلا قرٌ هنـاك ولا حرورُ
ويؤكل من فواكهها الطريٌ
ويشرب من جداولها نميرُ
يُؤدى مغرمٌ في كل شهرٍ
ويؤخذ كل صائفةٍ عشورُ
فهم أحمى لحوزتنا وأولى
بنا وهم ُالموالي والعشيرُ
لقد ذهب اليقين فلا يقينٌ
وغرّ القوم بالله الغـرور
فلا دينٌ ولا دنيا ولكن
غرور بالمعيشة ما غرورُ
رضـوا بالرق يا لله ماذا
رآه وما أشار به مشيرُ
مضى الإسلام فابك دما عليه
فما ينفى الجوى الدمع الغزيرُ
 
آخر تعديل:
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

ثمّ نراه من ناحية أخرى ينهض من حزنه الذي غمره طيلة القصيدة و يلملم
جراحه كي يصرخ مستغيثا مستنجدا برجل همام و بطل لا تقهره الصعاب كي ينقض المدينة من مخالب الذئاب الجائعة و كي يعيد هذا الدين المبعد - الاسلام- الى مكانته
التي اغتصبت منه و لكي يعيد هذا اللاجئ الى دياره ـ
ثم نجده في آخر المطاف و كأنّه يستسلم لهذا القدر و لهذه المصيبة
التي داهمت مدينته و يرفع صوته عاليا كي يودع طليطلة و يودع معها كلّ
جميل عاشه هناك مع الأهل و الخلان ـ

الا رجل له رأيُ أصيلٌ
به مما نحاذر نستجيرٌ
يكر إذا السيوف تناولته
وأين بنا إذا ولت كرورُ
وطعن بالقنا الخطار حتى
يقول الرمح ما هذا الخطير
عظيم أن يكون الناس طرا
باندلسٍٍ قتيلُ أو أسيرُ
اذكر بالقراع الليث حرصا
على أن يقرع البيض الذكور
يبادر خرقها قبل اتساع
لخطب منه تنخسف البدور
يوسع للذي يلقاه صدرا
فقد ضاقت بما تلقى صدور
تنغصت الحياة فلا حياةٌ
وودع جيرة إذ لا مجير
فليلٌ فيه همٌ مستكينٌ
ويومٌ فيه شرٌ مستطير
ونرجو أن يتيح الله نصرا
عليهم إنه نعم النصيرٌ

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

مـــــــــــــــــــــــــــــديــــــــــــــــــــــــــــــــــنــــــــــــــــــــة بــــــــــــــــــــــلــــــــــــــــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــــســــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــــة

تقع مملكة بلنسية شرق الأندلس، تجاوِرُ من طرفها الشمالي سرقسطة المحكومة لبني هود في الثغر الأعلى، عاصمتها مدينة "بلنسية" من حواضر الأندلس، و"شاطبة" من مدن هذه المملكة المهمة. حكمها الصقالبة بعد الفتنة العظمى، التي انتثرت بها وحدة الأندلس، ثم حكمها بنو عامر (أبناء الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر)، حين بايع الصقالبة لحكمها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن منصور (سنة 411هـ= 1021م. ولما توفي عبد العزيز سنة (452 هـ = 1061 م)، خلفه ابنه عبد الملك الملقب بالمظفر، الذي تزوج ابنة المأمون بن ذي النون حاكم طليطلة. وجرت بينهما أحداث انتهت بضم بلنسية وأعمالها إلى مملكة طليطلة، وعهِد المأمون بأمور بلنسية إلى أبي بكر محمد بن عبد العزيز (ابن رَوبش)، وجعله وزيراً ونائباً عنه في حكمها. فأحسن إدارتها وضبط أمورها، وسار سيرةً حسنةً، عدلاً ورفقاً. ولما توفي المأمون حاكم طليطلة سنة (467 هـ = 1075 م) خلفه حفيده القادر. آنذاك استقل أبو بكر في حكم بلنسية، وجرت محاولاتٌ من قبل المؤتمن بن هود صاحب سرقسطة لضم بلنسية إليه، وكانت بينه وبين أبي بكر صلاتٌ ومصاهرةٌ، إذ تزوج أحمد المستعين بن المؤتمن من ابنة أبي بكر الذي لم يلبث أن توفي سنة (478 هـ = 1085 م)، بعد عشرة أعوام من حكم بلنسية، وخلفه في حكم بلنسية وأعمالها ابنه أبو عمرو عثمان.
جرى سقوط طليطلة ـ عاصمة بني ذي النون ـ سنة 478 هـ = 1086 م، أمام جيش أذفونش السادس ملك قشتالة الذي وعد القادر حاكم طليطلة ـ بعد إخراجه منها ـ أن يعاونه في الاستيلاء على بلنسية، وسار القادر وجماعته صوب بلنسية، برفقة سرية قوية من الجنود القشتاليين، أمدَّه بها أدفونش بقيادة البارهانش أو البرهانس (Alvar Háñez)، ابن أخي رذريق الكنبيطور أو القمبيطور.
أليس عجباً أن أذفونش (الفُنش) ـ الذي ارتكب الجرائم في تخريب طليطلة وإنهاكها لسنوات، ثم إسقاطها، وطرد القادر منها، هو الذي يمده بالقوة للاستيلاء على بلنسية؟ لكن الفنش كان يعرف أن تمكين القادر من الاستيلاء على بلنسية سيجعلها وتوابعها تحت حمايته.
وصلت هذه القوة بلنسية لإخضاعها، وجرت مراسلات مع أهلها، ووعودٌ من القادر لهم. انتهى الأمر بالموافقة على مطالب القادر، واستبعاد مطالب أحمد المستعين ابن هود، منافس القادر، وخُلِع أبو عمر وعثمان، ودخل القادر وجنود قشتالة المدينة.
ساءت أحوال بلنسية بسوء السياسة وإرهاق أهلها بالضرائب، لسداد مطالب القشتاليين، الذين كثر عيثهم، وغذت لهم السيادة الحقيقية على المدينة، وغادرها كثير من أعيانها نتيجةً لهذه السياسة الطائشة، التي اتبعها القادر إرضاءاً لأنانيته، ورغبةً في البقاء بمركزه، ولو كان في ذلك ضياع الدين، وانفاض البلد، وإرهاق الناس، وتحت حماية عدو متربص، وخصم غادر.
كان هذا وأمثاله من ملوك الطوائف يسالمون أعداءهم، فيركنون إلى حمايتهم لقاء: أموال يجبونها من الإرهاق، وحصون يتنازلون له عنها طواعية، حمتها فيما مضى سواعد الفرسان الأشداء، الذين تحلوا بالشهامة، وحسن البلاء. وعدوهم ـ في كل ذلك ـ يزداد ويضعفون، ويمد الأطراف المتنازعة فيقتتلون.
كانت الأندلس ـ في هذا التاريخ ـ تُقبل على أحداث جديدة، تلك هي استدعاء المرابطين. ثم كانت معركة الزلاقة سنة (479 هـ = 1086 م)، حيث كتب الله تعالى النصر الباهر للجيش الإسلامي. بذلك أُنجدت بلنسية، واطمأن أهلها، وتحطمت قوى ملك قشتالة. لكن بلنسية ما زالت مُقبلة على أيام أخرى شديدة. يرتبط هذا بتاريخ فارس قشتالي مُغامر يبحث عن طالعه، ويسعى لمغنمه، تُشير إليه مصادرنا التاريخية باسم: القنبيطور أو الكنبيطور أو الكبيطور (El Cid Campiador). اسمه رودريجو (رذريق) دياث دي فيفار (الفيفاري)، (Rodrigo Diaz de Vivar). من مواليد قرية فيفار، قرب مدينة بُرْغش (Burgos) عاصمة قشتالة. كان من جنود شانجه، أخي الفنش (ألفونسو السادس) ملك قشتالة وليون. وقد نُكبت مدينة بلنسية الإسلامية بتخريب رذريق نكبتها الكنبيطورية، وذلك أيام تغلب رذريق المعروف بالكنبيطور على بلنسية، وإحراقه لرئيسها أبي أحمد بن جحاف.

التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة (بتصرف)،
عبد الرحمن على الحجي،
دار القلم ـ دمشق، 2010.

spain%202002---alhambra%20palace%20in%20grenada.jpg

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

معلومـــــــــــــــــــــــــات.....اضافيّـــــــــــــــــــــــــــــــــة

سقوط بلنسية

بدأ حصار بلنسية في الخامس من شهر رمضان سنة 635 هـ (أبريل سنة 1238 م) [1] [2] وشدد النصارى في التضييق على المدينة المحصورة ، وسقطت يوم الجمعة التاسع من أكتوبر سنة 1238 م، الموافق للسابع والعشرين من صفر سنة 636 هـ و دخل خايمى الفاتح ملك أراجون، وزوجه الملكة فيولانتى وأكابر الأحبار والأشراف والفرسان الأرجونيين والقطلان، وممثلو الجماعات الدينية والمدن، مدينة بلنسية، ورفع علم أراجون على قمة أعلى برج في أسوار المدينة، وحولت المساجد في الحال إلى كنائس وطمست قبور المسلمين





ما قبل الحصار

اضطرمت الثورة في بلنسية، وقام بها أبو جميل زيان بن مدافع بن مردنيش الجذامى، عقب انسحاب واليها الموحدي السيد أبي زيد بن أبي عبد الله محمد، وانهيار سلطان الموحدين بالشرق. وكان قد لجأ السيد أبو زيد إلى ملك أراجون خايمى الأول، وانضوى تحت حمايته، وعقد معه معاهدة، يتعهد فيها بأن يسلمه جزءاً من البلاد والحصون التي يستردها بمعاونته، وكيف انتهى به الأمر بأن اعتنق دين النصرانية، واندمج في القوم الذين لجأ إلى حمايتهم، وأخذ من ذلك الحين يصحبهم في غزواتهم للأراضي الإسلامية [5] .
وكان أبو جميل زيّان أمير بلنسية يعمل على توطيد سلطانه في في بلنسية وأحوازها. وكانت دانية من أملاك ابن هود، وعليها وال من قبله هو الأديب الشاعر أبو الحسن يحيى بن أحمد بن عيسى الخزرجى، وهو والي شاطبة في نفس الوقت [6]، فانتزع زيان منه دانية، وولّى عليها ابن عمه محمدا ابن سبيع بن يوسف بن سعد الجذامى [7]. ولم يكتف زيّان بالعمل على توسيع أملاكه على هذا النحو، ولكنه اعتزم في نفس الوقت أن ينتقم لما قام به النصارى من غزوات مخربة، في أراضي بلنسية، ولاسيما بتحريض السيد أبي زيد واليها المخلوع، وكانت الظروف تتيح له يومئذ أن يحقق بغيته، إذ كان ملك أراجون مشغولا بافتتاح الجزائر، وتوطيد سلطانه بها، ولم يترك في قواعد الحدود سوى حاميات ضئيلة، ومن ثم فقد خرج زيان بقواته شمالا، وقام بالعيث في أراضي أراجون على طول الشاطىء حتى ثغر طرطوشة، واستاق غنائم وأسرى [8][9]. وكان هذا الاعتداء يحز في نفس ملك أراجون، وهو يزمع أن يرده مضاعفاً في أول فرصة [10] .
وما كاد ملك أراجون ينتهي من افتتاح الجزائر، حتى أخذ يضع خطته لافتتاح الثغر الإسلامي العظيم بلنسية، وكان يقتضى لنجاح ذلك المشروع أن يستولي ملك أراجون على سائر القواعد الأمامية لإقليم بلنسية، حتى يستطيع أن يعزل بلنسية، وأن يحرمها من كل وسائل الدفاع. وكان ملك أراجون يرى أن ظروف بلنسية، ومواردها المحدودة، وما يضطرم بين الزعماء المسلمين في شرقي الأندلس من خلاف، مما يعاون على تحقيق أمنيته، ولكنه كان يرى في نفس الوقت أن يستعد لهذا المشروع بكل ما يستطيع، وأن يسعى لتتويجه بالصفة الصليبية. وقد استجاب البابا جريجورى التاسع لمسعى ملك أراجون، وأصدر مرسومه بإسباغ الصفة الصليبية، على مشروع فتح بلنسية، وأعلن أمر هذه الحرب الصليبية الجديدة في مونتشون، وهرع إلى لوائها كثير من الفرسان والسادة، ولاسيما جماعة الأسبتارية، ووافق القطلان على سن ضريبة الماشية العينية، مساهمة في نفقات الحرب [11] .

بداية الانهيار

وبدأت حرب بلنسية في أوائل سنة 1233 م (أواخر سنة 631 هـ) وخرجت جماعات من الجيش الأرجونى وتفرقت في أراضي إقليم بلنسية الشمالية، وبدأت بالاستيلاء على بلدة آرش، ثم استولت على بلدة مورلة وهي أقصى بلاد بلنسية الشمالية [12].
وكانت أول قاعدة هامة من إقليم بلنسية قصد إليها ملك أراجون هي بلدة برّيانة، الواقعة على البحر على مقربة من شمال بلنسية، فضرب الأرجونيون حولها الحصار، بعد أن خربوا ضياعها وزروعها القريبة، واشترك في الحصار عدد من الأشراف، وفرسان الداوية، والأسبتارية، وقلعة رباح. وكانت برّيانة تتمتع بحصانة فائقة، وقد استعد أهلها المسلمون للدفاع عنها بشدة. وضرب الأرجونيون البلدة بالآلات، وحاولوا اقتحامها غير مرة، وهي صامدة، واستمر الحصار زهاء شهرين، حتى نضبت مواردها وأقواتها، واضطر المسلمون في النهاية إلى التسليم وذلك في شهر يوليه سنة 1233 م [13] [14]
ثم استولى الأرجونيون بعد ذلك على قلعة بنشكلة Peniscola صلحاً، ووعد أهلها المسلمون بأن يبقوا على دينهم وشريعتهم، ثم تلتها في التسليم عدة حصون وأماكن منها شفيت، وبريول، وكويفاس، والمصورة، وغيرها من القرى والضياع، الواقعة على ضفة نهر شقر، واستولى الأرجونيون في نفس الوقت على ثغر قسطلونة الهام الواقع على مقربة من شمالي برّيانة، وكان سقوطه في أيدي النصارى أمراً محتوماً بعد استيلائهم على برّيانة، وكان لسقوط هذين الثغرين نتائج هامة، إذ كانا لقربهما من بلنسية يصلحان قواعد لتموين الجيوش الغازية. [15]ونفذ ملك أراجون بعد ذلك في قواته الخفيفة إلى فحص بلنسية ذاته، واستولى على بعض قلاع هذه المنطقة ومنها قلعتا مونكادة ومشروس القريبتين من شمالي بلنسية ذاتها. ووقعت هذه الفتوح الأرجونية كلها في سنة 1234 م (632 - 633 هـ) [16]، ووقف مشروع غزو بلنسية عند هذه المرحلة الأولى من الاستيلاء على معظم المواقع والثغور القريبة من بلنسية، وعاد ملك أراجون إلى بلاده ليعنى ببعض الشئون الداخلية والعائلية [17].
مضى نحو عامين، لم تقع خلالهما في إقليم بلنسية سوى بعض غارات أرجونية صغيرة. ولكن ملك أراجون لم ينس خلال مشاغله الداخلية، مشروع فتح بلنسية، ولم ينقطع عن أن يوليه اهتمامه المستمر، وكان يتوق بالأخص إلى أن يحتل حصن أنيشة أو أنيجة المنيع الواقع على مقربة من شمالي بلنسية، على سبعة أميال منها، وهو من أهم حصونها الأمامية، وكان يقع على ربوة عالية تزيد موقعه مناعة، ويشرف على مرج بلنسية وحدائقها [18] [19] وكان الأمير زيّان قد فطن إلى أهبة هذا الحصن، وخطورة سقوطه في أيدي النصارى، فأمر بهدمه، ولكن الملك خايمى أصر مع ذلك على احتلال موقعه، فسار في جيشه من قلعة أيوب، ومعه السيد أبو زيد أمير بلنسية المتنصر، وهاجم أنيشة وهزم المسلمين الذين تصدوا لمقاومته، واحتل المكان، وابتنى فوق نفس الربوة حصناً جديداً منيعاً، ووضع به حامية عهد بقيادتها إلى خاله دون برناردو دي انتنزا، واتخذ الأرجونيون من هذا الحصن قاعدة للعيث والإغارة في مختلف نواحي إقليم بلنسية [20] .
وقد حاول زيان استرجاع الحصن فجهز جيشاً لمحاولة استرجاع الحصن ، ولكن انتهت بأن أصيب المسلمون بهزيمة فادحة، وقتل منهم جملة كبيرة، وكان بين القتلى عدد كبير من علماء بلنسية ووجوهها وصلحائها، وفي مقدمتهم كبير علماء الأندلس ومحدثيها يومئذ، أبو الربيع سليمان بن موسى ابن سالم الكلاعى، وهو فوق علمه وأدبه الجم جندى وافر الشجاعة والجرأة، كان يشهد معظم الغزوات، ويشترك في القتال، وكان في موقعة أنيشة يتقدم الصفوف، وهو يقاتل بشجاعة، ويحث المنهزمين على الثبات، ويصيح بهم " أعن الجنة تفرون " حتى قتل. ورثاه ومن سقط معه، من علماء بلنسية، وهم نحو سبعين، تلميذه الكاتب المؤرخ، أبو عبد الله بن الأبار القضاعى، وكان إلى جانب مخدومه الأمير زيان في الموقعة، بقصيدته الشهيرة التي مطلعها: [21]
ألما بأشلاء العلا والمكارم
تقد بأطراف القنا والصوارم وعوجا عليها مأربا وحفاوة
مصارع غصت بالطلى والجماجم تحيي وجوها في الجنان وجيمة
بما لقيت حُمراً وجوه الملاحم ووقعت نكبة أنيشة في يوم الخميس عشرين من ذي الحجة سنة 634 هـ (14 أغسطس سنة 1237 م). وكانت هزيمة المسلمين الفادحة فيها على هذا النحو نذيراً بانهيار قوي بلنسية الدفاعية، نذيراً بأن مصير بلنسية ذاتها، قد بت فيه، وأن النهاية قد أضحت وشيكة الوقوع [22] .

السقوط



بدأ حصار بلنسية في الخامس من شهر رمضان سنة 635 هـ (أبريل سنة 1238 م) [23] وشدد النصارى في التضييق على المدينة المحصورة، وبدأوا يضربونها بالآلات المخربة. وكانت بلنسية، مذ هزمت قواتها، وسقط أبناؤها في موقعة أنيشة، قبل ذلك بأشهر قلائل، قد ساءت أحوالها، وانهارت قوي شعبها المعنوية وأخذت تتوقع سوء المصير. بيد أنه لما ظهر النصارى تحت أسوارها، وبدت طلائع المعركة الأخيرة، اعتزم البلنسيون أن يدافعوا عن مدينتهم حتى آخر رمق. ولم يكن أميرهم أبو جميل زيان أقل عزماً منهم في مدافعة النصارى [24] فوجه بعض رسله إلى القواعد الإسلامية القريبة في طلب النجدة والإمداد. وكان رسوله إلى مرسية الفقيه المتصوف محمد بن خلف بن قاسم الأنصارى [25] بيدد أن زيان لم يقف عند هذا الاستمداد المحدود. ذلك أنه في تلك الآونة العصيبة، قد اتجه وجهة أخرى أوسع آفاقاً وأجدى أملا، اتجه إلى إخوانه المسلمين، في الضفة الأخرى من البحر، ولم يكن ذلك الاتجاه يومئذ إلى أولئك الموحدين، الذين عبروا البحر قبل غير مرة لإنجاد الأندلس، إذ كانت دولتهم بالمغرب تجوز مرحلة الانحلال الأخير، ولكن إلى تلك الدولة الفتية، التي قامت في وسط الضفة الأخرى من البحر، إلى دولة بني حفص بإفريقية، وإلى عميدها ومنشئها الأمير أبي زكريا يحيى ابن الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص، وكانت قد أخذت تلفت الأنظار بقوتها وثرائها، واتساع مواردها. وبعث زيان إلى أمير إفريقية سفارة على رأسها وزيره وكاتبه العلامة الشاعر والمؤرخ الكبير أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن أبي بكر بن الأبار القضاعى، يحمل إليه بيعته وبيعة أهل بلنسية، وصريخه بسرعة الغوث والإنجاد قبل أن يفوت الوقت. ولما وصل ابن الأبار إلى تونس، مثل بين يدي سلطانها الأمير أبي زكريا الحفصى، في حفل مشهود، وألقى قصيدته السينية الرائعة التي اشتهرت في التاريخ، كما اشتهرت في الشعر، يستصرخه فيها لنصرة الأندلس ونصرة الدين، وهذا بعض ما جاء فيها:[26]
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
إن السبيل إلى منجاتها درسا وهب لها من عزيز النصر ما التمست
فلم يزل منك عز النصر ملتمسا وحاش مما تعانيه حشاشتها
فطال ما ذاقت البلوى صباح مسا يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا
للنائبات وأمسى جدّها تعسا[27] وقد اثرت هذة القصيدة في نفس الأمير أبي زكريا الحفصى، فبادر بتجهيز أسطول شحنه بالسلاح والأطعمة والكسى والأموال، يتألف من اثنتى عشرة سفينة كبيرة، وست صغيرة، وعهد بقيادته إلى أبي يحيى ابن يحيى بن الشهيد ابن إسحق ابن أبي حفص الكبير، وتقدر الرواية الإسلامية قيمة ما شحن بهذا الأسطول بمائة ألف دينار من الذهب، وهي قيمة لها خطرها في ذلك العصر [28] وأقلعت هذه السفن المنجدة على جناح السرعة من ثغر تونس قاصدة إلى ثغر بلنسية ومعها ابن الأبار ورفاقه، وهي رحلة تستغرق عدة أيام. وكان الأرجونيون في تلك الأثناء قد شددوا الحصار على بلنسية، وحاولوا في البداية، أن يقتحموا الرُّصافة ضاحيتها الجنوبية الشرقية، ففشلت المحاولة، وردهم المسلمون بخسارة كبيرة. وكان المسلمون يخرجون من آن لآخر لمقاتلة النصارى في جماعات صغيرة، ووقعت أعنف معركة من هذا النوع بين الفريقين حول بلدة سليا ضاحية بلنسية الجنوبية، وانتهت باستيلاء النصارى عليها. ولم تمض أيام على ذلك حتى ظهر الأسطول التونسى في مياه بلنسية، واستطاع أن يصل إلى خليج جراو Grao الواقع جنوب شرقي المدينة بحذاء مصب نهر طورية أو نهر الوادي الأبيض Guadalaviar، الذي يخترق بلنسية بعد مصبه بقليل، ولكن المحلة النصرانية كانت تحتل اللسان الواقع بين الخليج وبين المدينة، ومن ثم فإن رجال الأسطول، لم يستطيعوا الوصول إلى المدينة، ولم يستطع أهل المدينة من جهة أخرى، أن يصلوا إليهم، وعندئذ حاولت السفن المسلمة أن تبعث الأمداد إلى أهل المدينة من ناحية الشمال [29] فسارت شمالا بحذاء الشاطىء حتى ثغر بُنُشكلة الصغير، الواقع شمالي قسطلونة، ولكن هذه المحاولة لم تنجح أيضاً لظهور السفن الأرجونية، واضطرار السفن التونسية إلى الإقلاع صوب الجنوب، وانتهى الأمر بأن أفرغت السفن التونسية شحنتها في ثغر دانية، بعيداً عن الثغر المحصور، ثم أقلعت عائدة إلى إفريقية ومعها المال إذ لم يحضر من قبل الأمير زيان من يتسلمه. وهكذا فشلت هذه المحاولة التي نظمت لإمداد المدينة المحصورة وإنجادها، وتركت بلنسية لمصيرها [30] .
وهنا ضاعف النصارى جهودهم في التضييق على المدينة، وإرهاقها. وبينما كان أهل بلنسية، يعانون الحرمان والجوع داخل مدينتهم، كان النصارى في سعة تأتيهم المؤن من البحر بانتظام. وكان النصارى يضربون المدينة، وأسوارها ْوأبراجها، بالآلات الثقيلة باستمرار، والبلنسيون مع كل هذا البلاء يخرجون لمقاتلة النصارى، وتنشب المعارك الكثيرة بين الفريقين. وفي إحدى هذه المعارك أصيب الملك خايمى بجرح في رأسه. واستمر الحصار المرهق على هذا النحو زهاء خمسة أشهر، من أبريل حتى أوائل سبتمبر، حتى فنيت الأقوات، وعدمت الموارد، واشتد البلاء بأهل المدينة، وثلمت الأسوار والأبراج في غير موضع، وعندئذ رأى وجوه المدينة وعلى رأسهم الأمير زيان، بأنه لا مفر من التسليم قبل أن يفوت الوقت، ويقتحم النصارى المدينة، فبعث بابن أخيه أبي الحملات ليفاوض ملك أراجون في شروط التسليم. واتفق الفريقان على أن تسلم المدينة صلحاً. وإليك كيف يصف لنا ابن الأبار، وقد كان شاهد عيان، ما تلا ذلك من لقاء بين الأمير زيان والملك خايمى، ومن إبرام شروط التسليم بينهما، وذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر سنة 636 هـ [31].
شروط التسليم

تقدم إلينا الرواية النصرانية عن شروط تسليم بلنسية تفاصيل لا تخرج في جملتها عن مضمون الرواية المتقدمة، فتقول إن المفاوضة وقعت أولا بين أحد الرؤساء المسلمين، وأحد الأشراف الأرجونيين، وذلك بمحضر من الملكة، التي شاء الملك أن تشهد سائر التفاصيل، وانتهى الأمر بأن اقترح الأمير زيان على الملك خايمى، أن يسلم إليه المدينة، على أن يسمح لسائر المسلمين بها رجالا ونساء، بأن يحملوا سائر أمتعتهم دون أن يعترضهم أحد، وأن يسيروا آمنين ْحتى قلييرة (أو غلييرة) [32] أو دانية، فوافق الملك والملكة على اقتراحه، واتفق على أن تسلم المدينة، بعد خمسة أيام، يبدأ في نهايتها جلاء المسلمين عنها. وأبلغ الملك هذا الاتفاق إلى الأحبار والأشراف، فلم يرق لبعض القادة، والفرسان، الذين كانوا يؤملون الثراء بنهب المدينة. وفي اليوم الثالث بدأ المسلمون جلاءهم عن بلنسية، وخرج منهم منها خمسون ألفا، وساروا آمنين حتى قلييرة Cullera، وهي ثغر صغير يقع على مقربة من جنوبي بلنسية، ومنحوا عشرين يوما لإتمام الجلاء. وعقد الملك خايمى كذلك مع الأمير زيان هدنة مدتها سبع سنين، وأقسم باحترامها بالنسبة لدانية وقلييرة، طوال هذه المدة. وتم ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر سبتمبر سنة 1238 م [33] [34] .


دخول الملك

في يوم الجمعة التاسع من أكتوبر سنة 1238 م، الموافق للسابع والعشرين من صفر سنة 636 هـ دخل خايمى الفاتح ملك أراجون، وزوجه الملكة فيولانتى وأكابر الأحبار والأشراف والفرسان الأرجونيين والقطلان، وممثلو الجماعات الدينية والمدن، مدينة بلنسية، ورفع علم أراجون على قمة أعلى برج في أسوار المدينة، وحولت المساجد في الحال إلى كنائس وطمست سائر قبور المسلمين [35] وقضى الملك خايمي بضعة أيام في تقسيم دور المدينة وأموالها بين الأحبار والأشراف والفرسان، كل وفق ما اشترك به في الفتح، وبلغ عدد من وزع عليهم من فرسان أراجون وقطلونية، ثلاثمائة وثمانون، هذا عدا الأحبار والأشراف، وجعلت هذه الأملاك وراثية بالنسبة لأعقابهم، وسموا بفرسان الفتح، وترك لهم حراسة المدينة والدفاع عنها. وأقبل النصارى من كل فج على سكنى بلنسية وتعميرها. ومع ذلك فقد بقيت بها جماعة كبيرة من أهلها المسلمين، تدجّنوا واستسلموا لمصيرهم الجديد. وهكذا سقطت بلنسية في أيدي النصارى، بعد أن حكمها المسلمون، منذ الفتح خمسة قرون وربع قرن، سطعت خلالها في شرقي الأندلس، وتزعمت قواعده، ولعبت أعظم دور في أحداثه ومصايره، ولبثت فترات طويلة، مثوى الثورة الوطنية الأندلسية، وكانت أعظم مركز للعلوم والآداب في شرقي شبه الجزيرة


 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

هذا بعض سحر بلنســــــــــــــــــــــــــــــــــية
49b85c4d5eece8ce56bf039caf1c7708.jpg






nature-landscapes_hdwallpaper_valencia-spain_4788-1024x576.jpg

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

يقول مصطفى شكعة....
قد رثى الشعراء بلنسية مرتين كما لو كانت انسانا مرموقا
مات مرتين، و يبدو أن أهل بلنسية كانوا على شي من الاهمال و الغفلة
و كانوا جاهلين بفنون الحرب مقبلين على الملذات]
و حين تمّ للفرنجة الاستيلاء على مدينة بلنسية بكاها الشاعر
ابن خفاجة بأبيات وصف فيها ذلك الخراب و الدمار الذي حصل بالمدينة
فشوّه جمالها و حسنها

عاثت بساحتك العدا يا دار
و محا محاسنك البلى و النار
و اذا تردد في جانبك ناظر
طال اعتبار فيك و استعبار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها
و تمخضت بخرابها الأقدار
كتبت يد الحدثان في عرصاتها
لا أنت أنت و لا الديار ديار

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و يبدو ابن خفاجة أكثر هدوء و أقرب الى التأمل ، و هو يرثي مدينة بلنسية
حينما استولى عليها الصليبيون و أحرقوها عند خروجهم منها
و لا نجد عنده ذاك العويل و لا تلك الثورة التي رأيناها عند صاحب طليطلة
و انما نراه يقف ازاء ما حلّ بمدينته وقفة المتأمل يغلب عليه الهدوء و تمتزج معه العبرات
بالاعتبار من حوادث الدهر و تقلباته.

أمّا ابن الأبّار فيقول في بلنسية...:

فأين عيش جنينا ، بها خضرا
و أين عصر جلينا ، بها سلسا
محا محاسنها طاغ أتيح لها
ما نام عن هضمها حينا و لا نعسا
و رجّ أرجاءها لمّا أحاط بها
فغادر الشمّ من أحلامها خنسا
خلا له الجوّ فامتدت يداه الى
ادراك ما لم تطأ رجلاه مختلسا
و أكثر الزعم بالتثليث منفردا
و لو رأى راية التوحيد ما نسبا

و من الواضح انّ ابن الأبّار في أبياته هذه، يعتب على حكام بلنسية الذين
تخاذلوا في صدّ العدو الذي سارع في الاستيلاء على المدينة رافعا بذلك
راية التثليث فوق أسوار المدينة.

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و يستعين ابن الأبار في رثاءه هذا بالمدح الذي وجهه الى الأمير الافريقي
-أبو زكريا عبد الواحد بن حفص صاحب افريقيا- مصبغا عليه صفات البطولة
و الشجاعة فيقول...:

صل حبلها أيها المولى الرحيم فما
أبقى المراس لها حبلا و لا مرسا
و أحي ما طمست منها العداة كما
أحييت من دعوة المهدي ما طمسا
أيّام صرت لنصر الحق مستبقا
و بت من نور ذاك الهدى مقتبسا
و قمت فيها بأمر الله منتصرا
كالصارم اهتزّ أو كالعارض انبجسا
هذي رسائلها تدعوك من كثب
و انت أفضل مرجو لمن يئسا


 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

مـــــــــديـــــــــــــــــــــــنة اشـــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــيـــــــــــــــــلــــــــــــــــــــية

لم تضم إشبيلية الكثير من العرب، جراء نزوح أغلبهم إلى قرطبة العاصمة، وبقيت كما كانت عليه زمن القوطيين، إلى أن استقر فيها جند حمص عام 742م، فازداد بذلك توافد القبائل العربية عليها..واختلط خلالها المسلمون بالنصارى ليعيشوا في تسامح وإخاء مستمرين، كما اعتنق العديد من النصارى الإسلام، وسُمح لغير المسلمين بممارسة كافة شعائرهم الدينية بكل حرية، وسكنها قسم من اليهود الذين كانوا يعملون بالتجارة وقتها..

IMG_3836.jpg


احتلت إشبيلية مركزا هاما بين المدن الأندلسية، وعلا شأنها في عهد بني أمية، حيث بنيت المنشآت العظيمة، ولعل أبرزها المسجد الجامع الذي أقامه عبد الرحمن الأوسط سنة 849م، وبنى سورا حولها وأقام دارا لصناعة السفن الحربية وذلك لدرء الغارات عن مدن وقرى الأندلس.

أعلنت إشبيلية استقلالها في عهد الأمير عبد الله بن محمد، واستبد بحكمها إبراهيم بن الحجاج، وقد اشتهر بقوته وزعامته، وبقيت خاضعة له ولبقية عائلته إلى أن جاء عبد الرحمن بن محمد أمير قرطبة وضمها إلى إمارته..

كما استفرد بها المعتمد بن عباد عام 1042م، في عهد ملوك الطوائف، وجعلها عاصمة لبني عباد، وقد ازدهرت حينها ازدهارا كبيرا وتصدرت زعامة البلاد بعدما ضعفت قرطبة، وقد كان للمعتمد بن عباد دور رائد في الرقي الأدبي والحضاري للبلاد، حيث تفنن المهندسون في عهده بالعمارة وأقاموا المنشآت والقصور الفاتنة، قبل أن تسقط في يد المرابطين الذين قضوا على الممالك ومدن الطوائف وضموا أغلب المدن الأندلسية لحكمهم واستولوا على إشبيلية عام 1091م.


ضعف المرابطون وجاء الموحدون، الذين اختاروا إشبيلية عاصمة لهم، بعدما بايعهم أهلها، والتي بلغت ذروتها وأوج ازدهارها في عهد أبو يوسف يعقوب المنصور، الذي شيد القصور والمساجد وعمر الأسواق والمتاجر وأقام مئذنة للمسجد الجامع المعروفة اليوم بالجيرالدا، وهوالبرج الذي أمر ببناءه على أنقاض مبان رومانية قديمة، وصنع أربع تفاحات مذهبة لتكلل المئذنة بعد عودته من معركة الأرك الشهيرة عام 1195م، منتصرا على جيوش قشتالة.

كما اشتهرت المدينة بمركزها التجاري الهام نظرا لموقعها الجغرافي على مصب نهر الوادي الكبير، مما جعلها منطقة غنية بمنتوجاتها الزراعية، فضلا عن الأسواق العديدة التي كانت تحيط بالمسجد الجامع، منها سوق الخياطين والعطارين والصباغين والنجارين وغيرهم كثر..


وظلت إشبيلية تعيش عصرا ذهبيا إلى حين وفاة يعقوب المنصور، حيث حاصر بعدها الملك فرديناند الثالث المدينة، ودخلها بعد حصار دام أزيد من سنة..
ورغم محاولات سلاطين الأسرة المرينية بمراكش استرجاع إشبيلية من المسيحيين، إلا أنها لم تفلح أبدا، وبذلك انتهت حضارة عظيمة خرجت فيها المدينة نهائيا من أيدي المسلمين.



 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

إشبيلية شاهد على عظمة الأندلس

د. أحمد الصاوي







19632_image002.jpg
إشبيلية شاهدة على عظمة المسلمين







عندما دخل المسلمون إلى الأندلس قبل اختتام القرن الهجري الأول، كانت إشبيلية مجرد مدينة صغيرة، وقبل أن تسقط المدينة في أيدي ملوك قشتالة من نصارى الأسبان، كانت إشبيلية الأندلسية واحدة من أكبر وأشهر مدن القارة الأوربية.
وعلى الرغم من محاولات ملوك الأسبان لتغيير معالم هذه الحاضرة الإسلامية فما برحت -بما تبقى من أوابدها المعمارية- تقف شاهد عيان على عظمة حضارة الأندلس.
أسست العناصر الأيبيرية هذه المدينة الواقعة في جنوب البلاد تحت اسم "أشبالي"، وبعدما دخلها الرومان سنة 205 قبل الميلاد صارت تعرف بالاسم اللاتيني "أشباليس"، وعرّب المسلمون هذا الاسم الأخير إلى إشبيلية، واشتق الأسبان بدورهم منه الاسم الحالي للمدينة سفيليا sevilla.
إشبيلية جارة المغرب
تقع إشبيلية على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكبير قرب مصبه في خليج عميق، بحيث كانت مؤهلة لأن تكون ميناء بحريًّا في جنوب الأندلس.

وكانت المدينة قبل دخول المسلمين إلى شبه جزيرة أيبيريا حاضرة لدولة القوط الغربيين، إلى أن نقل الملك ليوفخلدو العاصمة إلى طليطلة سنة 567م.
ولم يستطع الفاتحون المسلمون أن يستولوا على إشبيلية في موجة الهجوم الأولى التي قادها طارق بن زياد، ولكنهم وصلوا إليها في موجة ثانية من الفاتحين قادها موسى بن نصير، الذي افتتحها بعد حصار دام عدة شهور؛ نظرًا لحصانة أسوارها.
إشبيلية حاضرة الولاة
وقع اختيار موسى بن نصير أول ولاة الأمويين بالأندلس على إشبيلية لتكون حاضرة لولايته، وذلك لوقوعها على مقربة من الشاطئ المغربي حيث توجد قواعد الجيوش الإسلامية، ولارتباطها في ذات الوقت في يسر ودون عوائق تذكر بسائر المدن الأندلسية، ولكن هذا الامتياز لم يستمر إلا لثلاث سنوات فقط، إذ أدى تسارع الأحداث بعد عزل موسى فاتح الأندلس إلى مقتل ابنه والوالي من بعده عبد العزيز بن موسى في سنة 98هـ/ 717م، وفشل خاله أيوب بن حبيب اللخمي في الاحتفاظ بكرسي الولاية لأكثر من أشهر قليلة، وعندما تولى الحر بن عبد الرحمن الثقفي الأندلس في نهاية عام 98هـ، أمر بتحويل العاصمة الأندلسية إلى مدينة قرطبة.

وقد أثر هذا التحول على التواجد العربي بالمدينة، إذ فضّل أغلب الفاتحين النزوح للإقامة في العاصمة قرطبة، ولم يبق بالمدينة سوى عدد قليل من العرب، فيما زخرت المدينة بعدد كبير من النصارى الأسبان باعتبارها المركز الديني المسيحي الأول في إسبانيا منذ عهد القوط الغربيين. ولكن هذا الوضع الاستثنائي لم يستمر لأكثر من ربع قرن، ذلك أن الخلافة الأموية أرسلت فرقة من الجيش الأموي كانت تعسكر بمدينة حمص للإقامة بإشبيلية ولحماية سواحلها، وما إن دخلت المدينة في عام 742م حتى أخذت القبائل العربية في التدفق على إشبيلية مثل بني موسى من بيت غافق، وبني زهرة، وبني حجاج، وبني خلدون.
إشبيلية مهد التسامح
ونظرًا للتسامح الذي عامل به العرب نصارى إشبيلية، فقد توطدت العلاقات فيما بين العنصرين وكثر زواج الفاتحين من الأندلسيات، ونشأ عن ذلك جيل من الأسبان المسلمين عرفوا بالمولدين، حتى أصبحوا في نهاية القرن الثالث الهجري يشكلون غالبية سكان إشبيلية.

اهتمام أموي بإشبيلية
شهدت إشبيلية أزهى عصورها بعد نجاح عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) في تأسيس الدولة الأموية الغربية بالأندلس، وقد عني أمراء وخلفاء هذه الدولة بالمدينة التي كانت المحطة الأولى في رحلة صقر قريش لاستعادة ملك أجداده.

فقد أنشأ الأمير عبد الرحمن الثاني (الأوسط) مسجدًا جامعًا بإشبيلية في سنة 829م، ولكن غزاة الشمال من النورمانديين (الفايكنج) الذين هاجموا إشبيلية سنة 884م، ونجحوا في دخولها بقواربهم الشراعية السريعة، قاموا بإضرام النار في هذا المسجد وخربوا بعض قصور الأمويين بالمدينة أثناء قيامهم بالسلب والنهب، قبل أن يتمكن المسلمون من هزيمتهم وطردهم من المدينة.
وقد أدت هذه الهجمات التي شنها النورماند إلى تنبيه الأمويين إلى أهمية تحصين إشبيلية، فأنشئوا سورًا حولها، وأقاموا بها دارًا لصناعة السفن الحربية التي شكلت نواة الأسطول الأموي فيما بعد.
وقد شهدت إشبيلية خلال عهد الدولة الأموية الغربية تمردًا واسعًا، أدى إلى نجاح العصاة في الاستقلال بها، حيث استبد بها إبراهيم بن حجاج أحد زعماء المدينة وأشرافها، واستمر بنو الحجاج يحكمون إشبيلية إلى أن تولى عبد الرحمن بن محمد المعروف عبد الرحمن الثالث (الناصر) إمارة قرطبة، وعزم على إخضاع الثائرين وتوحيد الأندلس تحت راية خلافية، ونجح عبد الرحمن الناصر بالفعل في القضاء على أولاد عمر بن حفصون الثائرين بقلعة ببشتر، واستسلم له أيضًا أحمد بن مسلمة بن حجاج.
وبذلك انضوت إشبيلية تحت لواء قرطبة، وعقب سقوط دولة الخلافة في قرطبة استولى المعتمد بن عباد على مقاليد الأمور في إشبيلية سنة 1042م، وفي عهد بني عباد شهدت المدينة ازدهارًا لم تشهده من قبل، وأضحت أعظم مدن الأندلس بعد انهيار قرطبة، وفي قصور ابن عباد ازدهرت الحركة الأدبية والفنية في إشبيلية التي أصبحت قبلة الشعراء والأدباء والمهندسين.
إشبيلية عاصمة الموحدين
سرعان ما انهارت دولة بني عباد وأصبحت تدفع الجزية لملوك قشتالة من النصارى، وما لبث المرابطون الذين جاءوا من المغرب للدفاع عن مدن الأندلس التي كانت تتساقط في أيدي الأسبان أن التفتوا بعد انتصارهم في موقعة الزلاقة الشهيرة إلى ملوك الطوائف، الذين كانوا السبب الرئيسي في نكبة الأندلس، وراح المرابطون يعزلون ملوك الطوائف الواحد تلو الآخر، وقد دخلوا إشبيلية في سنة 1091م وقبضوا على المعتمد بن عباد وجردوه من ثرواته قبل أن ينفوه إلى المغرب، حيث مات هناك فقيرًا معدمًا.

ومع انهيار دولة المرابطين اجتازت جيوش الموحدين مضيق جبل طارق قادمة من المغرب وبايع أهل إشبيلية عبد المؤمن بن علي خليفة الموحدين سنة 1156م، فاختارها حاضرة لملكه في الأندلس، وعادت إشبيلية لتحتل موقع الصدارة بين مدن الأندلس.
ثم تولى أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الخلافة سنة 1164م، وكان محبًّا للفنون والآداب رغم ميوله الحربية، فكانت إشبيلية أقرب إلى قلبه من مراكش حاضرته في المغرب، إذ إنه من مواليد قرطبة قضى في إشبيلية قدرًا كبيرًا من طفولته.
وقد اختص يوسف هذه المدينة بعدد من أجمل عمائر الموحدين بالأندلس، فشيد بها القصور والمساجد، وحرص على تجميل حاضرة ملكه التي ازدانت في حلل من الجمال خلال عهد ابنه أبي يوسف يعقوب المنصور.
الخيرالدا
استحق يعقوب أن يلقب بالمنصور بعد انتصاره على جيوش قشتالة في موقعة الأرك الشهيرة (يوليو 1195م)، وقد أراد هذا القائد أن يخلد انتصاره التاريخي، فقرر أن يشيد مئذنة سامقة لمسجد إشبيلية الجامع، فجاءت صومعة شاهقة الارتفاع تطل في إباء ورشاقة على حديقة إشبيلية وما يحيط بها من المنطقة المعروفة بالشرف، وقد أمر المنصور بعد موقعة الأرك بصنع فتاحات أربع مذهبة لتكلل المئذنة ورفعت في حضوره، وركبت بالسفود البارز بأعلى القبة وأزيحت عنها الأغشية التي كانت تكسوها، فبهرت ببريقها أنظار الحاضرين.

وقد تحولت هذه المئذنة التي كانت رمزًا للسيادة الإسلامية إلى برج نواقيس للكنيسة التي حلت مكان المسجد الجامع وهي تعرف اليوم باسم "الخيرالدا"؛ لأنها زودت في أعلاها بتمثال من البرونز يرمز للسيادة المسيحية صنعه برتولومي موريل سنة 1567م بحيث يدور مع الرياح؛ ولذلك أطلق عليه اسم خيرالديو أي دوارة الرياح، ومنها جاءت تسمية المئذنة باسم الجيرالدا أو الخيرالدا، ويبلغ ارتفاع الجزء الإسلامي من هذه المئذنة 65.69 مترًا.
نهاية الحكم الإسلامي
وعقب هزيمة جيوش الموحدين أمام الأسبان في موقعة العقاب سنة 1212م، بدا واضحًا أن نهاية الحكم الإسلامي قد باتت وشيكة، وقد حاول الخليفة الموحدي (أبو العلاء إدريس بن أبي يوسف يعقوب) أن يعيد لإشبيلية رونقها الذي كانت عليه أيام أبيه المنصور، فعمد إلى تحصينها أمام الخطر المسيحي فأقام بها سنة 1221م برجًا ضخمًا هو برج الذهب المشهور، والذي لا يزال قائمًا حتى اليوم، ثم جدد أسوار المدينة وشيد أمامها سورًا جديدًا يتقدمه خندق مائي.

وبموت هذا الخليفة الموحدي تتابع سقوط المدن والحصون التي كانت تشكل خط الدفاع الأول عن إشبيلية، مثل قرطبة وقرمونة وحصن القصر والقلعة وحصن الفرج وقلعة جابر.
وفي 22 ديسمبر سنة 1248م دخلت جيوش قشتالة مدينة إشبيلية بعد حصار دام قرابة العام والنصف، وقاست المدينة أهوال الجوع قبل أن تستسلم للنصارى.
ونظرًا لقرب المدينة من الساحل المغربي، فقد خشي فرناندو الثالث أن تطرقها الجيوش الإسلامية من أجل تحريرها؛ ولذا عمد إلى إعادة تجديد قلاعها وأسوارها، كما دفع المزيد من المقاتلين الأسبان للإقامة بها.
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و من خلال تلك المقاومة الباسلة التي خاضها الأهالي
ضد العدو كتب شاعر اشبيليّة ابراهيم بن سهيل الاسرائيلي
الاشبيلي قصيدة رائيّة يستنهض فيها همم المسلمين في افريقيّة
و يستنهض هممهم في أسلوب قوي

نادى الجهاد بكم بنصر مضمر
يبدو لكم بين القنا و الصبّر
يا معشر العرب الذين توارثوا
شيم الحميّة كابرا عن أكبر
أنّ الاله قد اشترى أرواحكم
بيعوا و يهنئكم وفاء المشترى
أنتم أحق بنصر دين نبيكم
و لكم تنهد في قديم الأعصر
أنتم بنيتم ركنه فلتدعموا
ذاك البناء بكل لدن أسمر

و أمّا هارون فقد بكى اشبيليّة حينما استولى عليها
فرناند الثالث بقصيدة طويلة استهلها بالحديث عن الأقدار
التي أطاحت بمدينته و مكنت منها العدو الذي غيّر معالمها
و ذهب بمحاسنها فقال....:
يا حمص أقصدك المقدور حين رمى
لم يرع فيك الردى الاّ و لا ذمما
جرت عليك يد الدهر ظالمة
لا يعدل الدهر في شيئ اذا حكما
ما كنت أحب الحادثات اذا
همّت بك السوء لا تلقي لك السلما
و لا توهمت ذا الحسن يطمسه
ريب الزمان و يكسو نوره الظلما
ثمّ يرحل بنا الشاعر ليبكي على ضياع المدينة و ذهابها الى أيدي
الغزاة الطامعين فيقول....:
يا عين فابك على حمص و قل لها
منك البكاء اذا لم ترسليه دما

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و اذا كانت الشكوى من تقلبات الدهر ، سمة عامة و مشتركة
بين جميع شعراء المحنة فانّ ابن هارون قد ألح أكثر من غيره
على ظلم الدهر و غدره و قسوته ، فهو دهر ظالم لا يعرف الى العدل
سبيلا ، و هو حادثات سوء لا تقهر و هو ريب زمان لا همّ له الاّ طمس معالم
الحسن و تشويه مظاهر الجمال ، و قد عظم على الشاعر ما فعله الدهر بمدينته
الجميلة و كبرت فجيعته فيها ، حتّى أصبح يطالب عينيه بأن تسعفاه بالمزيد
من الدموع ، ومن أين له أن يفي حقّ مدينته و قد عمّت مأساتها فأصابت الدنيا
و زعزعت ركن الدين
أدب المحنة الاسلامية في الأندلس
ربيعي بن سلامة
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top