التفاعل
472
الجوائز
73
- تاريخ التسجيل
- 28 مارس 2014
- المشاركات
- 787
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 6 أكتوبر
1- مغالطة الجدل بالشخص Ad Hominem ( مغالطة الحرْف ) :
وهي مهاجمة الشخص ، أو الجماعة ، أو كل ما يتعلق بهما ، والعزوف عن الفكرة الأساس المطروحة ... مثلاً : عندما يطرح شخص فكرة معينة نجد الطرف الآخر يسارع إلى اتهام ذلك الشخص بشيء قد يكون فيه أو ليس فيه ، وذلك بهدف تشتيت الفكرة أو تحجيمها .
وقد بيّن القرآن الكريم تلك المغالطة ، وذلك في الحوار الذي قد كان بين موسى ، عليه السلام ، وبين فرعون ... والذي دار كالآتي في الآيات من 23 إلى 29 من سورة الشعراء :
فرعون : وما رب العالمين ؟ . هذا سؤال من فرعون إلى نبي الله موسى ،
موسى : رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين . وهذا رد / إجابة جامعة مانعة ، جاءت على لسان موسى ، وهو أحد الرسل أُولي العزم ، فهو يعرف الجدل وأدواته ، المناظرة وأواتها ، والسفسطة وكيفية التغلب عليها داعيةً . موسى تناول قضية الربوبية فقطع الطريق على فرعون بأن بيّن له أن ربوبية صحيحة تستلزم أن يكون " الرب " رباً لكل مفردات الكون : سمائه وأرضه ... ثم ما اشتمل عليه الكون من باقي الموجودات / المربوبات .
فرعون : ألا تستمعون ؟ . وهذه بداية " حرْف " فرعون الحوار من " الموضوع " إلى " الذات " ليتحول الأمر إلى " سفسطة " تقفز على بداهات العقل ، فكان أن بدأ " خداع " الجمهور – والذي هو بطبعه قابل لهكذا خداع كان قد سبق وتم تجهيز عقليته لتقبل مثل هذه المحالات – ففرعون بدأ " يجيّش " العامة / الدهماء ضد موسى لما علم الأول ( = فرعون ) أن موسى داخل به إلى " ركن " ضيق إفحاماً له وتضيقاً عليه فرص النجاة على صعيد الفكر ... ومن ثم على صعيد الإقناع فالاتّباع .
موسى : ربكم ورب آبائكم الأولين . وهذا " إهمال " من موسى لمحاولة ، أو محاولات ، فرعون سحب الحوار إلى قضية لم تطرح بالأساس من فرعون إلا على سبيل تمييع الموقف صرفاً لموسى عن أدلة ستقف ضد فرعون ، ومن ثم سيترجرج موقفه ، وهو زاعم أنه رب القوم ... بل ، وفي مرحلة لاحقة ، سيدعي الألوهية .
فرعون : إن رسولكم الذي أرسلَ إليكم لمجنون . هكذا بتوكيدين : " إنّ " و " اللام " . فرعون ، وهو في الرمق الأخير ، يجدد " تجييش " العامة / الدهماء بأن يستفز فيهم حاسة الاحتراس : فالرسول مُرسل " إليكم " ، وهو مجنون ... إذاً ، فأنتم ستكونون " مجانين " إنْ اتبعتم هذا الرسول . وهذا طرح لا ينطلي إلا على قومٍ سبق أن " مسخت " آلة إعلام موسى آلية التلقي المنطقية لديهم ، ذلك لأن الرجل يعرف أن خاصة " الإنسان " هي العقل ، وأنه حال تم " حرْف " آلية التلقي المنطقية لديه ، فسوف يكون سهلاً أن يتقبل هذا العقل وجود المتناقضَيْن ... بل وممارسة الحياة على أساس هذه القاعدة الباطلة ... بل والمدمرة .
موسى : رب المشرق والمغرب وما بينهما إنْ كنتم تعقلون . وهذا طرح يبيّن " فهم " موسى ، عليه السلام ، لأدوات المناظرة بأن يداوم على طرح " الفكرة " غيرَ ملتفتٍ لـ شخص الخَصم ، وإلا فقد انحرف عن الطريق الصحيح الهازم لهذا الخصم . ما زال موسى يجيب على سؤال فرعون عن " وما رب العالمين " ، ثم الرجل يوجه حديثه لـ الجمهور الذي أراده فرعون حكماً بينهما ، فبينما فرعون يستفز الجمهور بقضايا " جانبية " ، فإن موسى يخاطب " منطقية " التلقي لدى هذا الجمهور . هذا الإجراء من موسى سيدفع فرعون إلى " رفع " الصوت ، وهذا دال – بذاته – على ضعف الحجة ؛ فصاحب الصوت العالي هو الأكثر ضعفاً . والصوت العالي هو سيتمثل في " القوة " تهديداً أو استخداماً .
فرعون : لئن اتخذتَ إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين . هنا كشف الرجل عن هزيمته بأن قدم " القوة " على " المنطق " ، فجاء التهديد باستخدام " السلطة " قمعاً للعقل وأدلته . وتظهر خطورة الأمر لما نقرأ تحول فكر فرعون من " الربوبية ط إلى " الألوهية " ، وهذا صراع الخلود بين " المؤمن " و " الكافر " من حيث إن الإيمان بـ الألوهية دليل على صدق الاعتقاد في الربوبية . وهذا الصراع قائم حتى في أيامنا هذه ؛ فالصراع مع الخصوم لا يصرفه هؤلاء نحو الربوبية ، بل يشددون على إبقاء الألوهية معطلةً ، فلا يكون " التشريع " لمن اعتقد المرء في أنه " الرب " ، بل يصير إلى " البشر " وهذا هو عين الضلال والإضلال . فرعون ترك الربوبية ، وهدد بضرورة قصر الألوهية على شخصه ، فيصير هو " المشرع " " المحلل " " المحرم " وهذا عين الكفر وكبيره .