وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً

MOHAMED LAMINE7

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
4 فيفري 2016
المشاركات
4,030
نقاط التفاعل
4,414
النقاط
191
في ظلال القرآن الكريم-- د.زغلول النجار
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66)

مقدمة الوحدة
هذا الشوط الأخير في السورة يبرز فيه "عباد الرحمن" بصفاتهم المميزة , ومقوماتهم الخاصة ; وكأنما هم خلاصة البشرية في نهاية المعركة الطويلة بين الهدى والضلال . بين البشرية الجاحدة المشاقة والرسل الذين يحملون الهدى لهذه البشرية . وكأنما هم الثمرة الجنية لذلك الجهاد الشاق الطويل , والعزاء المريح لحملة الهدى فيما لا قوه من جحود وصلاة وإعراض ! .
وقد سبق في الدرس الماضي تجاهل المشركين واستنكارهم لاسم "الرحمن" فهاهم أولاء عباد الرحمن , الذين يعرفون الرحمن , ويستحقون أن ينسبوا إليه , وأن يكونوا عباده . ها هم أولاء بصفاتهم المميزة ومقومات نفوسهم وسلوكهم وحياتهم . ها هم أولاء مثلا حية واقعية للجماعة التي يريدها الإسلام , وللنفوس التي ينشئها بمنهجه التربوي القويم . وهؤلاء هم الذين يستحقون أن يعبأ بهم الله في الأرض , ويوجه إليهم عنايته ; فالبشر كلهم أهون على الله من أن يعبأ بهم , لولا أن هؤلاء فيهم , ولولا أن هؤلاء يتوجهون إليه بالتضرع والدعاء .
الدرس الأول:63 عباد الرحمن مشيهم وكلامهم
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا:سلاما). .
ها هي ذي السمة الأولى من سمات عباد الرحمن:أنهم يمشون على الأرض مشية سهلة هينة , ليس فيها تكلف ولا تصنع , وليس فيها خيلاء ولا تنفج , ولا تصعير خذ ولا تخلع أو ترهل . فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية , وعما يستكن فيها من مشاعر . والنفس السوية المطمئنة الجادة القاصدة , تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها , فيمشي مشية سوية مطمئنة جادة قاصدة . فيها وقار وسكينة , وفيها جد وقوة . وليس معنى: (يمشون على الأرض هونا)أنهم يمشون متماوتين منكسي الرؤوس , متداعي الأركان , متهاوي البنيان ; كما يفهم بعض الناس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح ! وهذا رسول الله [ ص ] كان إذا مشى تكفأ تكفيا , وكان أسرع الناس مشية , وأحسنها وأسكنها , قال أبو هريرة:ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله [ ص ] كأن الشمس تجري في وجهه , وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله [ ص ] كأنما الأرض تطوي له - وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث . وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان رسول الله [ ص ] إذا مشى تكفأ تكفيا كأنما ينحط من صبب . وقال مرة إذا تقلع - قلت والتقلع الارتفاع من الأرض بجملته كحال المنحط من الصبب , وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة .
وهم في جدهم ووقارهم وقصدهم إلى ما يشغل نفوسهم من اهتمامات كبيرة , لا يتلفتون إلى حماقة الحمقى وسفه السفهاء , ولا يشغلون بالهم ووقتهم وجهدهم بالاشتباك مع السفهاء والحمقى في جدل أو عراك , ويترفعون عن المهاترة مع المهاترين الطائشين: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا:سلاما)لا عن ضعف ولكن عن ترفع ; ولا عن عجز إنما عن استعلاء , وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل الكريم المشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأرفع .
الدرس الثاني:64 - 66 عباد الرحمن ليلهم وتهجدهم ودعائهم
هذا نهارهم مع الناس فأما ليلهم فهو التقوى ومراقبة الله , والشعور بجلاله , والخوف من عذابه .
(والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما . والذين يقولون:ربنا اصرف عنا عذاب جهنم . إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما). .
والتعبير يبرز من الصلاة السجود والقيام لتصوير حركة عباد الرحمن , في جنح الليل والناس نيام . فهؤلاء قوم يبيتون لربهم سجدا وقياما , يتوجهون لربهم وحده , ويقومون له وحده , ويسجدون له وحده . هؤلاء قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ , بما هو أروح منه وأمتع , مشغولون بالتوجه إلى ربهم , وتعليق أرواحهم وجوارحهم به , ينام الناس وهم قائمون ساجدون ; ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن , ذي الجلال والإكرام .
وهم في قيامهم وسجودهم وتطلعهم وتعلقهم تمتلئ قلوبهم بالتقوى , والخوف من عذاب جهنم . يقولون: (ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما). . وما رأوا جهنم , ولكنهم آمنوا بوجودها , وتمثلوا صورتها مما جاءهم في القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله الكريم . فهذا الخوف النبيل إنما هو ثمرة الإيمان العميق , وثمرة التصديق .
وهم يتوجهون إلى ربهم في ضراعة وخشوع ليصرف عنهم عذاب جهنم . لا يطمئنهم أنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما ; فهم لما يخالج قلوبهم من التقوى يستقلون عملهم وعبادتهم , ولا يرون فيها ضمانا ولا أمانا من النار , إن لم يتداركهم فضل الله وسماحته وعفوه ورحمته , فيصرف عنهم عذاب جهنم .
والتعبير يوحي كأنما جهنم متعرضة لكل أحد , متصدية لكل بشر , فاتحة فاها , تهم أن تلتهم , باسطة أيديها تهم أن تقبض على القريب والبعيد ! وعباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما , يخافونها ويخشونها , ويتضرعون إلى ربهم أن يصرف عنهم عذابها , وأن ينجيهم من تعرضها وتصديها !
ويرتعش تعبيرهم وهم يتضرعون إلى ربهم خوفا وفزعا: (إن عذابها كان غراما):أي ملازما لا يتحول عن صاحبه ولا يفارقه ولا يقيله ; فهذا ما يجعله مروعا مخيفا شنيعا . . (إهنا ساءت مستقرا ومقاما)وهل أسوأ من جهنم مكانا يستقر فيه الإنسان ويقيم . وأين الاستقرار وهي النار ? وأين المقام وهو التقلب على اللظى ليل نهار !
الدرس الثالث:67 إقتصاد عباد الرحمن في الإنفاق
وهم في حياتهم نموذج القصد والاعتدال والتوازن:
(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا , وكان بين ذلك قواما). .
وهذه سمة الإسلام التي يحققها في حياة الأفراد والجماعات ; ويتجه إليها في التربية والتشريع , يقيم بناءه كله على التوازن والإعتدال .
 
رد: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً

بارك الله فيك اخي
 
رد: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً

بارك الله فيك اخي
1390904404383.gif
 
رد: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً

بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top