لا عرب ولا مسلمون

الخليـل

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جويلية 2011
المشاركات
5,234
نقاط التفاعل
5,403
النقاط
351
العمر
109
otoman_896863077.jpg


2016/08/11

hassani_867742960.png

محمد الهادي الحسني
يمر في هذه السنة قرن على حادثين أصابا جزءا من أمتنا العربية في مقتل، وإننا ما نزال إلى اليوم نعاني من آثار ما وقع في سنة 1916. وقد كان ذلك الحادثان شرا وبيلا فتحا أبوابا أكثر شرا، ويكفي أن نتج عن أحد الحادثين أربع "دول"، وتقاتلت فيما بينها أكثر مما تقاتلت مع أعدائها، ونتج عن الحادث الثاني ما زرع في قلب الأمة العربية من كيان فعل فيها ما يفعل السرطان في الجسم..
وأعني بالحادث الأول ما قام به بعض العرب من خيانة، حيث ركنوا إلى أعدائهم، واطمأنوا لهم، وصدقوا وعودهم الكاذبة.. بعد أن دلوهم بغرور، فاتخذوهم أولياء من دون الله، ومن دون المؤمنين.
هذا الحادث هو ما يسميه بعض العرب "الثورة العربية الكبرى"(1)، ولو كانت لنا عقول، وكنا نسمع لما سميناها إلا "الخيانة العربية الكبرى".. وإذا قلت في عنوان هذه الكلمة "لا عرب ولا مسلمون" فلأن الذي تولى كبر هذه الخيانة، المسمى "الشريف حسين" – حاكم الحجاز من قبل الدولة العثمانية – لما قيل له: ارفع شعار الإسلام في هذه الثورة، رفض ذلك وقال: "نحن عرب قبل أن نكون مسلمين".(طارق السويدان: فلسطين، التاريخ المصور ص 220). فهذه الثورة ليس فيها من شيم العرب وأخلاق المسلمين مثقال ذرة، ولم يكن الذين أعلنوها "عربا" يتحلون بأنفة العرب وكرامتهم، كما لم يكونوا "مسلمين" يتخلقون بأخلاق الإسلام من أمانة وعزة.. فأهانوا العرب، وأذلوا المسلمين.. وصدق الشاعر القائل:
والناس كالناس، في خَلق وبينهم** في الخُلق بون فذا أرض وذاك سما
لقد كان الشخص الذي استحوذ عليه الشيطان فتحالف مع الإنجليز لإعلان الثورة ضد العثمانيين هو هذا المسمى "الشريف حسين"، ومما قيل فيه:
قالوا: "الشريف"، ولو صحّت شرافته** لم ينقض العهد أو لم يخفر الذّمما
وكيف وهو الذي بانت خيانته** فصرحت عن طباع تُخجل الكرما
كان هذا "الشريف" حاكما على الحجاز من قبل الدولة العثمانية، وشمّت فيه بريطانيا رائحة "الطمع" الذي يُذل أعناق الرجال، فألقت إليه بعظم يسمى "الخلافة"، وقالت له:
أنت أولى بالخلافة من الترك، وإننا لقادرون على مساعدتك لاستعادة الخلافة إلى العرب ممثلين فيك..
يقولون إنا عاملون لسعدكم**ولم يعملوا غير الكوارث والكرث
وصدّق "الغرور" وعد الانجليز الذين هم ألأم خلق الله، "فهم كما قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي- أول الشر، ووسطه، وآخره، منهم يبتدئ وإليهم ينتهي.."، وما قاله الإمام الإبراهيمي نثرا قاله الشاعر العراقي معروف الرصافي شعرا:
لقد جمع الدهر المكايد كلها** بقدر كبير صيغ من معدن الخبث
وصبّ عليها من بئار صروفه**سجالا من الكذب المموّه والحنث
وأنقع فيها ما يعادل ثلثها** من المكر، بل ما قد يزيد على الثلب
وفتّت أرطالا من الغدر فوقها** وعالجها بالدّق والدّلك والدّعث
وأوقد نارا للخديعة تحتها** تزيد على نار الغضى أو على الرمث
ففارت مليا فيه ثم تصعدت** بخارا بأمبيق من السحر والنفث
فصاغ طباع "الإنجليز" من الذي** تقاطر في الأنبيق كالمطر الدّثّ(2)
أنا لا أجادل عن "العثمانيين"، فقد كانت دولتهم في هذه الفترة "أظلم وأطغى"، وصار أمرها في أيدي ما يسمى جماعة "تركيا الفتاة"، وهم "أتراك" أشربوا في قلوبهم "الفكر اليهودي"، ودعوا إلى إحياء العصبية التركية – واحتقروا الشعوب المكونة للدولة العثمانية..وكانوا أبعد الناس عن الإسلام، ولو ثار "الشريف" حسين على الأتراك من غير أن يتحالف مع الإنجليز لألفينا له ألف عذر، ولكنه حادّ الله-عزوجل- الذي نهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء.. فكانت عاقبة عارا وشنارا..
وقد وجد "الشريف" حسين التشجيع والتأييد من "الخونة" مثله في طول بلاد العرب وعرضها، ومنها بعض "الجزائريين"من خدام فرنسا، التي "أرسلت وفدا "إسلاميا" يمثل مسلمي الجزائر وتونس والمغرب وإفريقيا الغربية إلى "الشريف حسين" في مكة، وكان هذا الوفد برئاسة قدور ابن غبريط..الذي قابل "الشريف" حسين، وأدلى بتصريح قال فيه: "إن" المسلم الحقيقي" لا يتردد بالاشتراك في رأي شريف مكة المكرمة الذي يصرح جليا بأنه يحارب بجانب بريطانيا وحليفاتها في سبيل الحق وقد سها الألمان عن الحقيقة عندما ظنوا أن الأتراك والمسلمين يندمجون معا في اعتقاد واحد، وأن العرب فصيلة مستقلة، وأما الأتراك فهم متسلسلون من أشخاص لا يعرف أصلهم..(3)" والخائن للخائن قريب.. فلا فرق بين "الشريف" حسين في عمالته للإنجليز وقدور ابن غبريط في عمالته للفرنسيين.. وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما معناه: "إن القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة.." وأية أمانة أعظم من أمانة الدين والوطن..؟
وإذا كان قدور ابن غبريط قد رمت له فرنسا "عظما" يمشّشه (*) هو مسجد باريس، فإن "الشريف" حسين الذي وعد بملك العرب لم ينل من الإنجليز أقل من "عظم" ابن غبريط..
وأما الحادث الثاني الذي وقع منذ قرن فهو ما عرف في تاريخنا المعاصر باسم "اتفاقية سايكس - بيكو" بين فرنسا وانجلترا لتقسيم ما بقي من بلاد العرب خارجا عن سيطرتهما، وكان نصيب الإنجليز من ذلك هو العراق والأردن، ونصيب فرنسا هو لبنان وسوريا، أما فلسطين، فقد وضعت تحت الانتداب البريطاني ليسهل تسليمها لليهود.. وما يزال "العرب" أغرارا، يصدقون كل كائد لهم، متآمر عليهم، وما أجمل وصف الإمام الإبراهيمي لهؤلاء العرب، إذ يقول لهم: "وضع الأجداد العقال للرّجل، فنقلته الأحفاد إلى الرأس، وعدلوا به من الأباعر إلى الناس، وما بين النقل والنقل ضاع العقل.. والتصريف للألفاظ كالتصرف في الأموال، فيه القصد والسرف (4)".
إن أصدق وصف لهذين الحادثين هو "الخيانة والمؤامرة".. وكلتا الصفتين ما تزالان قائمتين، أولاهما في بعض "العرب" وبعض "المسلمين"، الذين تتبرأ منهم "العروبة" ويطردهم الإسلام من صفوفه.. وقد قال الإمام القرطبي في تفسير الآية الكريمة :"لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء.. ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، قال إن حُكمهم كحكم اليهود والنصارى وأما المؤامرة فما تزال بريطانيا وفرنسا، ثم انضمت إليهما الولايات المتحدة الأمريكية تتآمر على العرب والمسلمين-ومن كان في شك مما نقول فليقرأ كتاب الأستاذ الباحث أمير نور، الذي عنوانه: " العالم العربي على موعد مع سايكس – بيكو جديد". الذي سأقدمه قريبا إن شاء الله.
إن هؤلاء "العرب" و"المسلمين" لا يتدبرون القرآن الكريم، ولا يعتبرون بدروس التاريخ.. فالإنسان السوي يحار في أي صنف من الكائنات يحشرهم.. إذ ليس لهم شيء مما يتفاخر به العرب ولا مما يتمجد به الإسلام والمسلمون.. ونخشى أن ينطبق على أعقابهم ما قاله سيدنا نوح عليه السلام "ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا". وها نحن نرى بعض أحفاد أولئك الحركى وأولادهم – فتوريث الصفات الخلقية كتوريث السمات الخلقية – يعيثون في الأرض فسادا تحت عنوان "الإصلاحات" وخيانة تحت شعار "الوطنية". وكأنهم يثأرون لآبائهم وأجدادهم.

1) انظر: العماد مصطفى طلاس: الثورة العربية الكبرى. وقد كان أستاذنا جمال قنان عندما كان يدرّسنا في 1971، يسميها "الخيانة العربية الكبرى"..
2) الدّث" هو المطر الخفيف..
3) حسن صبري الخولي: سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين ج1 . ص162 ..
(*) يُمشّش، كلمة عربية صحيحة.. ومشّ العظم مصّه. (انظر: الزمخشري أساس البلاغة: مادة مشّ.)
4) آثار الإمام الإبراهيمي. ج3. ص526.

 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top