المنعمون في جنة الدنيا... قصة واقعية..

نزهة الفلاح

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
1 جويلية 2013
المشاركات
1,061
نقاط التفاعل
2,106
النقاط
71

المنعمون في جنة الدنيا... قصة واقعية..

سلام الله عليكم جميعا...
تحتاج مالا؟ عليك دينا؟ الحل الحاسم هنا...
تطبيق عملي لموضوع قواعد وأصول فن مواجهة الابتلاءات ...
لا ولم ولن أطلب مالا من أحد بإذن الله..
أنا سيدة، في الخمسينات من عمري... لما كنت طالبة في الجامعة، كنت كل يوم أذل ذلا في طلب المال من زوج أمي، المال الذي أحتاجه للوصول إلى الجامعة وتناول الغداء... كان يهينني كل يوم ويشتمني ... المهم كنت أرفض هذا الوضع، وأبكي بحرقة في مكان قصي وراء المكتبة، لكي لا يرى أحد دموع الظلم المرير الذي كنت أشعر به..
تخرجت أخيرا، وبدأت البحث عن عمل، حتى اشتكى حذائي وفتح فمه مغشيا عليه ومعلنا نهايته.. عانيت وكان حلمي أن أتزوج أو أعمل لأخرج من البيت الكئيب الذي لم يعد يتسع لمشاعر الكره التي تتزاحم في قلبي...
رفضي للوضع كان يرج قلبي بنار لا يعلم عذابها إلا الله... تسهرني الليالي وتجول بي في علبة الأفكار السوداء التي جعلت التشاؤم رفيقي وصديقي بل وملازمي...
مرت الشهور وأنا أغرق في الدَّين، لا أطلب من زوج أمي أو حتى أمي حفاظا على ماء وجهي الذي هدر منه الكثير سابقا...
وكنت في أمس الحاجة إليه للاستقلال بحياتي وقضاء ديني...
بحثت وبحثت لا حلول، حتى أرسل الله لي تلك السيدة التي رجت كياني وقلبت حياتي...
اسودت الدنيا في عيني، وضاقت علي بما رحبت ونسيت أنها واسعة بسعة رحمة الله التي لا نهايات لها...
اغرورق قلبي بالآلام، فدعوت الله بصدق أن يجعل لي من كل هذا مخرجا...
مرت أيام، وفي يوم شعرت برغبة عارمة لزيارة المسجد، رغم أني لا ألتزم بالصلاة، هرولت إلى مسجد حينا في وقت عصر... وعانقت الأرض ساجدة وكأني أهرب من كل ما بي إلى سجدة تضم قلبي العليل وتمسح ما بي بين يدي الجليل...
انخرطت في البكاء وكأن منبع دموعي قرر الفيضان، وأدعو وأدعو حتى شعرت بيد تمسح على ظهري في رفق وحنان لم أشعر به قط طول حياتي...
وإذا بها سيدة في السبعينات من العمر، الوقار يزين ملامحها، والحكمة تطل من عينيها...
فبادرتني بكلمات: الله رحيم يا ابنتي، ودموعك دليل عدم رضاك عنه...
ارضي بما أنت فيه، هل رأيت نملة تشتكي من عملها الدؤوب الذي يفوق حجمها وطاقتها؟
التزمت الصمت وكأني أطلب منها المزيد...
ثم أشارت بيدها إلى فتاة في كرسي متحرك، وقالت في هدوء: انظري إلى تلك الفتاة...
نظرت جيدا وكأني أبحث عن شيء أفهم منه قصد السيدة...
فإذا بها فتاة رائعة الجمال ما شاء الله تبارك الخالق، لكن أطرافها السفلية مبتورة..
وقالت لي في حنان: ماذا لو قلت لك أن تلك الفتاة في قمة الاستمتاع بحياتها...
اندهشت لكلامها، فاستفسرت منها، وفهمت أنها تعرضت لحادثة سير، وفقدت والديها وقدميها....
حمدت الله حقا من الأعماق على نعمة الصحة، ورضيت بما أنا فيه، وسألت السيدة بفضول: وما سبب استمتاعها...
فأجابتني بهدوء: رضاها عن الله يا ابنتي، جعلها ترى الخير كل الخير فيما حدث لها...
ما إن أفاقت في العناية الفائقة، ووجدت قدميها قد رحلتا... حمدت الله وقالت بصبر جميل: أخذ وأعطى وعطاؤه لا حدود له...
وبدأت تذكر الله تعالى وتبتهل إليه في تناغم عجيب، علمني الكثير...
وكنت أحمل هم من أين ستعيش ووالدها لم يترك شيئا سوى بيتا مستأجرا...
لكني حملت الهم هباء فقد علمني الله من خلالها كيف أستغني عن الناس ولا أطلب منهم شيئا وأنا المرأة العجوز القلقة دوما من المستقبل...
حمدت الله وقالت بصبر جميل: أخذ وأعطى وعطاؤه لا حدود له...
وبدأت تذكر الله تعالى وتبتهل إليه في تناغم عجيب، وكأنها تحيا في عالم آخر لم ولا نعرفه.
تساءلت مستغربة من ردة فعلها العجيبة، وقلت لها في حنق ممزوج بشفقة:
ابكي يا ابنتي، اصرخي، أخرجي البركان الذي يغلي داخلك لكي لا تحرقك شظاياه..
ابتسمت في هدوء ووجهها يشع نورا، وقالت: اطمئني يا خالة، فالله لم يخلقنا ليشقينا ولا ليتركنا، من يخلق من عدم، يرزق من عدم، وما أخذ إلا ليعطي..
قلت محتجة: نعم يا ابنتي لكن الله عرفناه بالعقل، الموت حق لكن الحزن من حقك أيضا، ووالدك رحمه الله لم يترك لك سندا ولا مالا..
قالت: ولم أحزن يا خالتي أليس هذا اختيار الله؟ إذن يقينا خير، هو لم يخلقنا ليعذبنا، بل خلقنا لينعمنا ويحبنا، أما عن الرزق فلا تقلقي، فهو الرزاق الكريم..
قاطعتها وداخلي يغلي، فهي تقول عكس ما تربينا عليه، وعكس ما عشت فيه من مفاهيم طوال حياتي:
يا حبيبتي، إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وهو سبحانه قال لنا اسع يا عبدي وأنا اسعى معك..
ابتسمت ضاحكة: بل إن السماء تمطر ألماسا.
ثم استطردت مازحة:
يعني انا أسعى وهو يسعى معي، سنسعى إلى ماذا وعلى باب من؟
أم هو سيسعى معي إليه؟
قلت حانقة وقد شتتت الحيرة فكري: أقصد لابد من بذل الأسباب، والمال لا يأتي لوحده..
قالت بجدية: ومن قال هذا؟ الله أم رسوله؟ أم الناس؟
قلت في عناد: بل الزمن الغدار والحياة الصعبة، تثبت ذلك كل يوم، ألا ترين طاحونة لقمة العيش التي تطحن الأعصاب والأقوات كل يوم؟ يبدو أنك يا ابنتي لازلت تعيشين في الطفولة البريئة، أفيقي لكي لا يلتهمك الواقع المر..
نظرت إلي بحنان ممزوج بإشفاق وقالت: رويدك يا خالة، سأحكي لك قصة..
كدت ألطم خدي من هدوءها المستفز وأنا أقول لنفسي: وهل هذا وقت قصص!!
ابتسمْتُ مجاملة وأومأت برأسي موافقة..
فاعتدلت وقد شرد نظرها بعيدا وكأنها تستجلب الماضي. لتحكي لي قصة قلبت كياني..
ثم بدأت تسرد في هدوء:
منذ عشر سنوات، كنت فتاة مقبلة على الحياة بأسلوب أعمى، كانت بالنسبة لي المتعة في الحياة هي الخروج مع صديقاتي والإبحار في شبكة الانترنت، ولبس آخر صيحات الموضة..
كنت أقيس مقام الناس بقيمة لباسهم وبجمالهم وثرائهم..
وفي يوم من الأيام، عدت من إحدى جولاتي في الأسواق مع إحدى صويحباتي الثريات واللاتي أتفاخر بهن على أهلي وباقي معارفي، فهذا بالنسبة لي كان رفعة مقام ونقلة إلى طبقة ال " هاي كلاس"، كنت حينها أعشق " الشوبينج" والنزهات..
ودخلت إلى بيتنا الذي ضاق بي لصغر مساحته بالنسبة للفيلات التي أراها. كان والدي رحمه الله لا يدخر جهدا في جعل حياتنا مريحة. لكن طبعا لا أشعر به، بل أعتبر ذلك واجبا، ودوما كنت ألومه، طالما هو صباغ، لِم يلدنا ليصبغ حياتنا بالفقر..
دلفت غرفتي المشتركة مع أختي، وقد كنت أشكو دوما من عيشتي وأني لا أملك حتى غرفة أفعل فيها وبها ما يحلو لي..
وجدتها ساجدة تبكي بقوة وتبتهل إلى الله..
ظننتها تلك نوبات الدروشة التي تأتيها يوميا، فالبكاء بين يدي الله أو الصلاة نفسها لم أكن في داخلي أعتبرها سوى طقوس لا تغني ولا تسمن من جوع، فصديقاتي الثريات لا يلقين لها بالا ومع ذلك يستمتعن بحياتهن والمال في أيديهن كالأرز، يشترين به كل شيء، كل شيء..
وضعت السماعات في أذني لتحجب الموسيقى الصاخبة عني ذلك الصوت الخاشع الباكي..
انتهت من الصلاة وأنا لاهية على الشات، أكلم هذه وهذا وتلك، أشعر دوما بملل ورتابة،لا جديد في بيتنا سوى الهدوء الحذر، أب يخرج منذ الصباح للعمل، وأم كل همها ماذا نأكل، ماذا ندرس، والكلام الكثير المشبع بالأوامر.
وأخت كبرى لا هم لها سوى الزن بالنصائح والمثاليات..
بعد قليل سمعنا صراخ أمي، فهرولنا إلى الخارج، فإذا بأبي ملقى على الأرض، لا يحرك ساكنا..
تحركت مشاعري المتبلدة وشعرت بعظم الخطر، حملناه معها إلى سريره، ثم اتصلنا بالطبيب..
وكانت المفاجأة، لقد أصيب بالشلل، والسبب غير معروف..
خبر شل معه تفكيرنا، فأين لنا بعائل سواه؟
اضطربت وبكيت وأنا رافضة للوضع، أقول وبقوة لم يا ربي لم نحن فقط، لم لا تبتلي الأغنياء، والوجع يحرق قلبي..
جمعنا والدي حوله وقال:
الحمد لله على منحه ومننه..
زهرات حياتي الحبيبات، هذا قضاء الله فلا تحزنّ، ووالله إن فيه الخير الكثير..
أوصيكن بالاستغفار فإنه سر من أسرار الرزق، بل سر من أسرار الحياة..
كنت أستمع ولا أرى أية علاقة بين ما نحن فيه والاستغفار..
أكمل قائلا: لولاه لمتنا جوعا، وإني والله لأنفق ببركة الله أما عملي فلا يغني ولا يوفر ربع ما نصرفه..
استغربت، ولكن قررت أن أجرب، هذا الذي يقول عنه..
وبدأنا نتنافس أنا وأختي وأمي طبعا، أي نعم لا أصلي ولا أشعر بقيمة المناسك، لكن أخذتها تحدي وفضول..
العجيب أن بيتنا لم يخلو يوما من الرزق..
وبعد ثلاثة أشهر، اشتعلت النار في المطبخ، فصرخت رعبا وفزعت إلى الخارج، لأجد والدي مهرولا نحوي وأطفأ النار..
جحظت عيناي دهشة وانفغر فاي لا شعوريا..
يا إلهي، إنه يمشي.. الصدمة أعادت الحياة لرجليه والحمد لله..
ومنذ ذلك اليوم يا خالة، لا أحمل هم الرزق، أستغفر وأدعو ولا تهمني التفاصيل، فالله كفيل بها، أما بذل الأسباب، فيظهرها الله لي واضحة جلية دون مجهود..
وفهمت بحق معنى الآية:
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) سورة الطلاق
إنه فعلا يجعل المخرج ظاهرا جليا بل ويوفقني إليه ويرزقني وينعمني في رحابه.
فالاستغفار بقوة نبع التقوى المتجدد والهدوء، هو الأساس ثم تظهر المفاتيح الأخرى رويدا، الشكر والتفكر وغيرها، فتشعر بتوجيه الله وتأييده، بل وشدة قربه..
والطمأنينة والفتح الرباني، وهذا سبب الرضا والقوة والهدوء الذي أعيشه، فكل شيء يصبح له بعد آخر، نظرة أخرى، وتقييم آخر..يصبح الاختبار في اليد لا في القلب، وكله منح تراها واضحة وتستمتع بها أما المحن فهي في أفكارنا وقصر نظرنا فقط..
*********
( الخالة)
سمعت منها القصة وقد ملكت علي كياني، وبدأت التطبيق وأسبوع بعد أسبوع أرى وعد الله حقا فكفاني الله الهم والغم ويحييني في سعادة بفضله ومنه..
*******
(الفتاة)
اغرورقت عيناي بالدموع، وعرفت أن ما بي هو تقصير مني لا من غيري وما أصابني فهو من نفسي..
فعزمت على قلب موازين حياتي، وعرفت أن الحياة تحلو لمن شاء فقط، وتضنك لمن شاء فقط..
وعدت إلى بيتنا، وبدأت على الفور..
وأضفت على ذلك دعاء الدَّيْن:
اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل و أعوذ بك من الجبن و البخل و أعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال
......
وبعد ذلك اليوم بقرابة الأسبوعين، قضى الله ديني من حيث لا أحتسب، ولن أقول كيف بل سأترك لكم تخمين فضل الله، فهو متجدد لا حدود له، وما أروع عبادة التفكُّر..
*******
يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سورة الرحمن
*******
مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) سورة فاطر

تمت بفضل الله
نزهة إبراهيم الفلاح
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top