كفارة المجلس

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,033
نقاط التفاعل
4,409
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
كفارة المجلس

روى أبو هُريرة رضي الله عنه، قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ؛ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ». أخرجه الترمذي والنسائي، قال الترمذي: حسن صحيح.

المسلم مطلوب منه في مجالسه أن يتحرز من اللَّغط، وأن يتنبه إلى أنَّ كلماته في مجالسه محسوبة عليه ومعدودة في عمله، وأنَّ الواجب عليه أن يتقي الله تعالى، لكن العبد مهما اجتهد في ذلك، فلا بد أن يبدر منه التَّقصير في مجلسه، ولو لم يكن في ذلك إلَّا أنه فوَّت على نفسه في مجلسه هذا شيئًا من الخير لمَّا اشتغل بالمباح عن المستحب لكفى به تقصيرًا، فكيف إذا كان كثير من المجالس لا تخلو من اللَّغط، بل حتى أحيانًا من الآثام، فهذه الكلمات كفارة للعبد لما كان في مجلسه ذلك، وينبغي أن يُعلم هنا أنَّ ما يقع في مجالس النَّاس من خطأ وذنب بسبب آفات اللِّسان على قسمين:
الأول: الكبائر مثل: الغِيبة والنَّميمة والسُّخرية واللَّعن والشَّتم والوقيعة في الأعراض، فلا يقول القائل: أنَّ هذا الحديث يدل على أنَّ الإنسان يجلس في مجلسه ويغتاب من أراد وينم ويهزأ ويسخر ويقول الحرام والآثام، ثم يقول: أختم مجلسي بهذا التَّسبيح ويغفر ما كان، فالكبائر لا بد فيها من توبةٍ، وإذا كانت آثارها متعدية، فلا بد من محو ذلك الأثر، فإذا كان مثلًا نمَّ فأوقع عداوة بين اثنين، أو اغتاب فشحن الصُّدور على أحد المسلمين، فلا يكفي في ذلك أن يقول: آتي بهذا الذِّكر في خاتمة المجلس ويكون كفارة لما كان، فالكبائر لابد فيها من توبة إلى الله تعالى من تلك الذُّنوب وتلك الكبائر.
الثاني: صِغار الذُّنوب واللَّمم، ممَّا لا يتعدَّى بأثره على الغير، فهذا يُكفره هذا الدُّعاء عند القيام من المجلس.
والحاصل أنَّ العبد يجب عليه أن يصون مجالسه من المعاصي والآثام، وأن يحرص على ختم مجالسه بهذا الذِّكر المبارك العظيم المأثور عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ). يدلُّ على الحرص على أن يقولها في المجلس نفسه قبل أن يقوم منه، بحيث تكون خاتمة المجلس.
ولا يختص هذا الذكر بختم المجلس الذي كثر فيه اللغط, بل يتناول كلَّ مجلس, حتى مجلس الذكر؛ لما صحَّ من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من قال: سبحان الله وبحمده, سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه, ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارة له».
قوله: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ). جمع ثلاث كلمات من الكلمات الأربع التي هي أحب الكلام إلى الله: «التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل»، ثمَّ أتبع ذلك بالاستغفار: «أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»؛ أي: أطلب منك يا الله أن تغفر لي وتتوب عليَّ.
قوله: (إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ). أي: من الصَّغائر، أمَّا الكبائر، فقد دلَّت عموم النُّصوص أنه لابد فيها من توبة، قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمعَةُ إِلَى الْجُمعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»، ومعلوم أنَّ الصَّلوات الخمس أعظم من قولِ: سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلَّا أنتَ, أستغفرك وأتوب إليك، بل جميع هذه الكلمات موجودة في الصَّلاة: التَّسبيح، والتَّكبير، والتَّهليل، والاستغفار, ومع هذا قال صلى الله عليه وسلم: «مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ».
وإذا كان المجلس فيه كلام في أعراض المسلمين: غِيبة ونميمة وسخرية ونحو ذلك, فهذه حقوق للعباد؛ لا يكفي فيها هذا الذكر أن يقوله المرء ويظن بذلك أن هذه الحقوق سقطت؛ فهي لا تسقط إلَّا بالعفو والمسامحة منهم.
بل لابد أن يتوب منها؛ ندمًا على قولها، وعزمًا على عدم العودة إليها، والإقلاع عنها تمامًا في مجالسه القادمة، وهذه هي التَّوبة النَّصوح، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8]، فمن شرط التَّوبة المقبولة: أن تكون نصوحًا، والتَّوبة النَّصوح: هي التي استوفت شروط التَّوبة: النَّدم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة إلى الذَّنب مرة أخرى.
 
جزاك الله خيرا
 
بارك الله فيك الموضوع القيم جعله الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top