تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية مع تحركات عربية وإسلامية لتأسيس تحالف عسكري إقليمي يشبه ‘الناتو’، في ظل التوترات الإسرائيلية وضغوط أمريكية واحتمالات دعم صيني، وسط جدل حول إعادة رسم موازين القوى الإقليمية
تشهد منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن مرحلة حساسة من التحولات النوعية في مقاربتها للأمن الإقليمي، حيث بدأت بعض الدول العربية والإسلامية بعد عقود من الاعتماد على الحلول الدبلوماسية التقليدية في إعادة التفكير بشكل جذري في استراتيجياتها الدفاعية والأمنية. هذه التحولات تتزامن مع سلسلة من التصعيدات العسكرية والسياسية التي شهدتها المنطقة، والتي شملت مناطق متعددة مثل قطاع غزة ولبنان وإيران وقطر، وهو ما دفع صانعي القرار في العالم الإسلامي إلى إعادة تقييم فعالية أدوات الردع التقليدية وضرورة البحث عن بدائل أكثر استقلالية وقدرة على حماية المصالح الوطنية والإقليمية.
في هذا الإطار، شهدت المنطقة مؤخرًا اجتماعات طارئة على مستوى القادة، أبرزها لقاء جمع بين قادة إيران ومصر في قطر خلال قمة عربية وإسلامية عاجلة. وقد أسفرت هذه اللقاءات عن طرح فكرة إنشاء تحالف عسكري إسلامي جديد، يُشبه إلى حد كبير حلف الناتو الغربي، بحيث يعمل كإطار دفاعي مشترك قادر على مواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في المنطقة. وبحسب تقارير مجلة “نيوزويك” الأمريكية، تسعى مصر للعب دور القيادة في هذا التحالف من مقرها في القاهرة، مستندة إلى قوتها العسكرية الأكبر عربيًا، بينما تدفع إيران نحو توسيع دائرة الشركاء لتشمل دولًا أخرى مثل السعودية وتركيا والعراق، في محاولة لضمان شمولية التحالف ورفع مستوى الردع الجماعي أمام أي تهديدات مستقبلية محتملة.
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن هذه الدعوات ليست جديدة تمامًا؛ فقد سبق لإيران أن طرحت مقترحات بشأن تشكيل جيش إسلامي موحد، إلا أن التحديات السياسية والإقليمية حالت دون تحقيقها في السابق. في المقابل، يدعو دبلوماسيون إلى مزيد من الحذر، معتبرين أن توقيع ميثاق رسمي للتحالف لا يزال مسألة معقدة وتتطلب توافقًا إقليميًا ودوليًا دقيقًا، رغم أن الظروف الحالية تبدو أكثر ملاءمة من أي وقت مضى لدفع المبادرة إلى الأمام.
وتلعب التطورات الأخيرة في الميدان دورًا مهمًا في إعادة تشكيل الرؤى الاستراتيجية؛ إذ أثارت الضربات الإسرائيلية الأخيرة تساؤلات جدية حول مدى موثوقية الولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي، ففي حين أعربت الإدارة الأمريكية عن عدم رضاها عن تلك الضربات، لم تصدر إدانة واضحة، ما عزز شعور بعض الدول العربية والإسلامية بضرورة إنشاء إطار دفاعي مستقل يعيد رسم خارطة النفوذ ويضمن حماية مصالحها دون الاعتماد الكلي على القوى الغربية.
كما أن الاعتماد الطويل الأمد للولايات المتحدة على تزويد الجيوش العربية بالتجهيزات العسكرية، والعقيدة القتالية، وبرامج التدريب والدعم اللوجستي، دفع بعض الأطراف إلى النظر في بدائل أخرى، أبرزها الصين، ما يجعلها مرشحًا محتملاً لتوفير قدرات عسكرية بديلة.
وتشير التحليلات إلى أن اعتماد ميثاق دفاع مشترك بين الدول الإسلامية قد يُحدث تحولات كبيرة في موازين القوى الإقليمية، لكنه لن يكون خاليًا من العقبات. فالمبادرة تواجه تحديات كبرى تتعلق بالتوازن بين الدول الأعضاء، والخلافات الإقليمية، والسياسات الدولية المعقدة، فضلاً عن الحاجة إلى تنسيق عسكري وأمني متقدم لضمان فعالية هذا التحالف الجديد. وفي هذا السياق، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة هذه الدول على تجاوز الخلافات التاريخية والتحرك نحو تكوين “ناتو إسلامي” قادر على تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
وفقًا لتقارير صحيفة «وول ستريت جورنال»، يشهد التفكير الأمني والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط تحولًا ملموسًا، إذ بدأت بعض الدول الخليجية والعربية تنظر جدياً في فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة، تستند إلى خبرات وتجربة مصر العسكرية خلال السنوات الماضية. ويأتي هذا الاهتمام في أعقاب موجة من الاختلالات الأمنية غير المسبوقة التي شهدتها دول مثل مصر والعراق ودول الخليج، مما عزز الحاجة إلى تأسيس قيادة عربية مركزية تحت إشراف القاهرة والرياض لضمان استقرار المنطقة وتعزيز قدراتها الدفاعية المشتركة.
وأشارت الصحيفة إلى أن القوة العربية المشتركة، في مرحلتها الأولى، يمكن أن تبدأ بـ20 ألف جندي، مع إمكانية توسيعها لاحقًا لتصبح قوة ضخمة تضم مكونات برية وجوية وبحرية متكاملة، قادرة على التأثير بفعالية على التوازنات العسكرية العالمية. وقد أوردت الصحيفة أرقامًا مذهلة تعكس حجم هذه الإمكانات: نحو 4 ملايين جندي محتمل، 9 آلاف طائرة حربية، 4 آلاف طائرة هليكوبتر، 51 ألف مدرعة، 2,600 راجمة صواريخ، إضافة إلى 900 سفينة وغواصة حربية. ومن الناحية الاقتصادية، يصل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المشاركة إلى نحو 6 تريليونات دولار، ما يجعل من هذه المنطقة قوة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها.
وفي سياق متصل، كشف اللواء سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، عن تفاصيل ما يُعرف إعلاميًا بـ“الناتو العربي”، مشيرًا إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد دعا قبل نحو عشر سنوات إلى تأسيس جيش عربي موحد. وأوضح فرج في تصريحات لـRT أن الرئيس السيسي بدأ منذ عام 2015 وضع أسس إنشاء قوة عربية واحدة على غرار حلف الناتو، مضيفًا أن رئيس الأركان المصري يشغل حاليًا منصب مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية للشؤون العسكرية، وهو الدور الذي قد يتيح قيادة هذه القوة المستقبلية.
ووفقًا للخطط المقترحة، سيكون القائد الأعلى للقوة العربية المشتركة من مصر، إما رئيس الأركان مباشرة أو ضابط مصري برتبة فريق، فيما يكون هناك نائب سعودي، إضافة إلى مجلس قيادة يضم ممثلين عن الدول المشاركة. وستكون هذه القوات مجهزة بكافة الأسلحة الحديثة، وتمتلك قيادة مركزية ورئاسة أركان تنسق إمكانيات الدول الأعضاء، بحيث تتحرك فور حدوث أي عدوان لحماية الدولة المستهدفة. وأكد فرج أن مشاركة مصر ستكون الأبرز، حيث ستساهم بفرقة تضم نحو 20 ألف جندي، وهو رقم يفوق مشاركة أي دولة عربية أخرى.
وأشار الخبير العسكري إلى أن توقيت حديث الرئيس السيسي عن هذه القوة العربية المشتركة جاء في الوقت المناسب، بالتزامن مع عقد قمة عربية إسلامية، كما لفت إلى أن هناك اتفاقية دفاع مشترك كانت قائمة لكنها لم تُفعّل من قبل. وأضاف أن العدوان الإسرائيلي على قطر أثبت الحاجة الملحة لهذه القوة، مشددًا على أن أمل مصر والدول العربية يكمن في تعزيز الوحدة وعدم الاعتماد على أي قوة خارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وتشير تقديرات موقع “غلوبال فاير باور” إلى أن إنشاء جيش عربي موحد تحت مسمى “الجيش العربي” سيجعل منه إحدى أقوى الجيوش في العالم. من المتوقع أن يضم نحو 4 ملايين جندي، و9 آلاف طائرة حربية، و4 آلاف طائرة هليكوبتر، و19 ألف دبابة، إضافة إلى 51 ألف مدرعة حربية. كما ستتضمن القوة 2,600 قاذفة صواريخ، و16 غواصة، إلى جانب 900 سفينة حربية.
وعلى الصعيد الاقتصادي والجغرافي، من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المشاركة نحو 5.99 تريليون دولار سنويًا، فيما ستبلغ المساحة الإجمالية للمنطقة حوالي 13.5 مليون كيلومتر مربع، ما يجعلها تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد روسيا. كما يقدر عدد سكان المنطقة بحوالي 385 مليون نسمة، ما يعكس الإمكانات البشرية الضخمة لهذه القوة المستقبلية، وقدرتها على لعب دور محوري في إعادة صياغة موازين القوى الإقليمية والدولية.