درس حقوق الإنسان في مجال العلاقات العامة والتعامل الدولي

ريحـان

:: أمينة اللمة الجزائرية ::
طاقم الإدارة
إنضم
24 نوفمبر 2015
المشاركات
13,664
الحلول
1
نقاط التفاعل
25,720
النقاط
2,306
محل الإقامة
الجزائر ♥
الجنس
أنثى
صار من مقاييس تقدم الدول ورقيها اليوم هو مقدار ما تراعي حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وهذه الوثيقة الدولية لم يمض على إعلانها سوى نصف قرن، في حين أقر الدين الإسلامي ما هو أوسع وأشمل من هذه الحقوق ، قبل أكثر من 1400 سنة ، وفي الوقت الذي يدعو الإسلام و يقر حقوق الإنسان لا يطلق يد الفرد، بحيث تتحول عملية الاستفادة من الحقوق إلى فوضى. إن الشريعة الإسلامية جاءت لترسي الأسس في نظرية استعمال الحق وفق معطيات الحقوق وخصائصها.

أولا. تكريم الإسلام للبشر :

لقد احترم الإسلام الذات الإنسانية وكرمها، فقال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِےٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِے اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَيٰ كَثِيرٖ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاٗۖ ) [ الإسراء/70 ]، وكفل للإنسان أن يعيش آمنا، لا يعتدي عليه أحد، ومنعه من أن يعتدي على الآخرين، وأعطى الإنسان الحق في أن يتصرف في شؤون نفسه، وحمله مسؤولية هذا التصرف، وأباح للإنسان أن يأكل ما يشاء، ويشرب ما يشاء، ويلبس ما يشاء، ولكنه حدد ذلك بأوامره ونواهيه، وهكذا فالحرية الشخصية أو حرية الذات محددة بأوامر الله و نواهيه.

ثانيا . حقوق الإنسان في مجال العلاقات العامة :

1 – الحقوق والحريات الشخصية :

الحياة أول حق جعله الله للإنسان، فهي من الحقوق المقدسة في الإسلام، بحيث لا يحق لأحد التجاوز على حق غيره في الحياة؛ فقد اعتبر الإسلام الاعتداء على حياة إنسان واحد بمثابة الاعتداء على حقوق جميع الناس، قال الله تعالى : ( مِنَ اَجْلِ ذَٰلِكَۖ كَتَبْنَا عَلَيٰ بَنِےٓ إِسْرَآءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْساَۢ بِغَيْرِ نَفْسٍ اَوْ فَسَادٖ فِے اِ۬لَارْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ اَ۬لنَّاسَ جَمِيعاٗۖ وَمَنَ اَحْي۪اهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا اَ۬لنَّاسَ جَمِيعاٗۖ ) [ المائدة/32 ]، إن هذا التشديد على احترام حق الحياة، لم يكن ليشمل جانب الغير فقط وإنما ينال صاحب الحياة ذاته أيضا، فليس من حق الإنسان التنازل عن حقه في الحياة.

أما الحق الآخر للإنسان فهو حقه في حياة حرة كريمة، ولا يجوز لأحد كائنا من كان استرقاقه، فالحرية هي الإباحة التي تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك وبأي لون من ألوان التعبير . وكما أن الإسلام لا يجيز لأحد استرقاق غيره والاعتداء على حريته، فكذلك لم يجز للإنسان التنازل عن حريته.

أما الحق الآخر من الحقوق والحريات الشخصية فهو حق الإنسان في الأمان على شخصه ؛ فلا يحق لأحد تعذيبه واعتقاله دون وجه حق ، والشريعة التي تعترف للجنين الذي لا زال في بداية تكوينه بالشخصية بحيث تحفظ له جميع حقوقه لحين ولادته ، هي أحرص على أن تقر. للإنسان المولود بالشخصية القانونية .

2 – حقوق الإنسان في علاقته بمجتمعه :

لكل إنسان حياته الخاصة التي لا يحق للغير التدخل فيها أو الاطلاع على ما لا يريد هو إطلاع الغيرِ عليه؛ فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقد عصم بها دمه وماله وعرضه. وفي الحديث الشريف : ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) . [رواه مسلم ]. ولقد اعتبر الإسلام عين المتلصص على غيره وهو في بيته هدرا فيما لو فقأها له صاحب المنزل .

ومن ضمن هذا النوع من الحقوق حق الإنسان في التنقل في أرض الله الواسعة، وهذا حق من حقوقه، ويتفرع عليه حقه في اتخاذ موطن آخر هربا وتخلصا من حياة الظلم والقهر في موطنه؛ وذلك حماية لحياته وصيانة لحريته، فقد جعل الله تعالى التقصير في هذا الأمر من الظلم : ( اِنَّ اَ۬لذِينَ تَوَفّ۪يٰهُمُ اُ۬لْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِےٓ أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْۖ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِے اِ۬لَارْضِۖ قَالُوٓاْ أَلَمْ تَكُنَ اَرْضُ اُ۬للَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۖ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأْو۪يٰهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً ) [ النساء/97 ] .

ثم إن للإنسان حقا في أن يتخذ زوجة بالرضا بعد بلوغه، و يكون أسرة تتمتع بحماية الدولة من كل ما يتهددها من المخاطر . وللإنسان الحق كذلك في التملك عن طريق الكسب الحلال الذي لا يقوم على الاستغلال؛ فلو تملك الإنسان شيئا دخل حق الملكية هذا في حماية القانون، بحيث لا يجوز تجريده من ملكه تعسفا.

3 – حقوق الإنسان المدنية والسياسية :

  • حرية المعتقد : كثيراً ما يحدد القرآن معنى ( لا إله إلاّ الله ) بالطاعة، والإسلام، والخضوع، ولكن هذا لا يكفي إذا لم يكن عن اقتناع وتصديق وإيمان؛ وبذلك لا يكون دينا. من هذا المنطلق أقر الإسلام حرية الإنسان في الاعتقاد مؤسسا في ذلك قاعدة عامة هي : ( لا إكراه في الدين )، هذه القاعدة التي قال عنها ( توينبي ) : ( لقد جاء بها الإسلام من زمن بعيد ولم نقبلها نحن هنا في بريطانيا إلا في وقت متأخر جدا ) . ويتفرع عن هذه الحرية حق الإنسان في إقامة شعائره منفردا أو مجتمعا، ولكن بشرط مراعاة النظام العام للمجتمع الإسلامي، فيما لو خالفت تلك الشعائر أساسيات الدين الإسلامي، كمحاولة نشرها بين المسلمين.
  • حرية الرأي والفكر : فيما يتعلق بحرية الرأي وضع الإسلام خطوطا حمراء لا يسمح للفرد بتجاوزها، مثل المساس بمقدسات الإسلام والنيل منه بأي شكل من الأشكال ، هذا بالنسبة لحرية الرأي . أما بالنسبة لحرية الفكر فهي ليست سلوكا محددا ولكنها منظومة متعددة الجوانب، المقصود بها أن يستطيع عقل الإنسان تدبر أمور الحياة، وموقفه منها، بدون قيود صارمة وقوالب مفروضة . إن الإسلام يريد إنسانا مبدعا، وما لم تكن هناك حرية للفكر فلا يمكن أن تتولد عملية الإبداع؛ لذا أكد الإسلام على حرية الفكر ، بحيث ذم الإنسان المعطل عقله، المقلد لغيره فيما لا يجوز التقليد فيه.
  • الحقوق السياسية : الحقوق السياسية تعني الحقوق التي يقررها القانون العام ، والتي تمكن الأشخاص من القيام بأعمال معينة تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤون المجتمع السياسية . كما تعني حق مشاركة الفرد في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، فالإسلام يرى في الشورى السبيل المنطقي القويم الذي يقود المجتمع والإنسان معا إلى سلامة المنهج وصواب الرأي وسعادة الحياة. ولقد جاء في القرآن الكريم حول مبدأ الشورى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِے اِ۬لَامْرِۖ ) [ آل عمران/159 ] . وللأهمية البالغة لمبدأ الشورى عمم الإسلام موقفه منه إلى كل جوانب الحياة، حينما فرض على كل واحد من أفراد المجتمع قانون التشاور والانفتاح. حتى في المسائل الجزئية الصغيرة، إذ حرض الجميع على ملاقحة الأفكار والفحص عن الرأي السديد ، فقال : ( وَأَمْرُهُمْ شُور۪يٰ بَيْنَهُمْ ) [ الشورى /38 ]
  • الحقوق المدنية : وهي الحقوق التي تكفل للفرد حماية الذات ، والتي بمقتضاها يعطى للشخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده. وتنقسم الحقوق المدنية إلى : ( حقوق الأسرة – الحقوق المالية ) ، فالنسبة لحقوق الأسرة رتب الإسلام جميع الضمانات للفرد لكي يعيش في ظل أسرة ينتمي إليها ويعيش في كنفها، كما تمتعت هذه الأسرة بكل وسائل الحماية في ظل الإسلام . لقد اعتنى الإسلام في تهيئة المهد الصالح الذي يجب أن يتقلب فيه الإنسان، ومن قبله اهتم اهتماما منقطع النظير بالتدابير الاحترازية لمنع نشوء أسرة على أسس غير صحيحة؛ فالإسلام رعى الأسرة باعتبارها مؤسسة ينشأ فيها الفرد بأمان من لدن كونها مشروعا حتى تغدو كيانا قائما. كما رسم لنا معالم التربية الصحيحة وكيفية بناء العلاقة الصحيحة بين أركان الأسر ة. كل ذلك لأجل أن يتمتع الفرد بحقه في العيش في أسرة آمنة نظيفة . أما في مجال الحقوق المالية، فإن الإسلام يحترم حق الإنسان في الملكية ما لم يكن قائما على استغلال الناس .

4 – الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية :

  • حق العمل : قد أعطى الدين الإسلامي الإنسان الحق في اختيار العمل المناسب له بل حث على العمل ورفع من قيمته، ولكن هذا الحق، وهذه الحرية لا يجب أن تخلو من الضوابط، إذ أن النفس البشرية مدفوعة بحب الذات والأثرة إلى فعل ما يناسب رغباتها، وإن كان ذلك على حساب الآخرين وحرياتهم، لذا حدد الإسلام هذه الحرية بضوابط عدم التجاوز على حق الآخرين واستغلالهم، كما فرض على صاحب العمل عدم استغلال العامل، وعدم التقصير في إعطائه أجره المناسب وعدم تأخيره عليه ، قال صلى الله عليه وسلم: ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) . [ رواه ابن ماجه ]
  • الضمان الاجتماعي : أما الضمان الاجتماعي فيكفي دليلا عليه أن دائرته تتسع لتشمل غير المسلم أيضا، فقد ورد في رواية أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر على رجل نصراني يستجدي الناس، فخاطب عامله على بيت المال بما معناه استعملتموه حتى إذا أهلكتموه تركتموه يتكفف، ثم أمر له بعطاء من بيت مال المسلمين .
  • حق التعلم : فمنذ الآية الأولى التي استهلت بها الرسالة السماوية التي نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جرى التأكيد على أهمية دور العلم والتعلم .
  • أسس العلاقات العامة : المقصود بالأسس مجموعة القيم، والمو جهات العقائدية، والأخلاقيات العملية، المستمدة من المصدرين الأساسيين للإسلام القرآن والسنة، وهي التي تشكل إطارا مرجعيا ومعيارا عاما، من المفترض أن تستند إليه النظريات والرؤى والمواقف التي تتبناها الجماعات والنظم والحكومات المسلمة في علاقاتها الدولية، وأن تلتزم بها قبل أن تدعو غيرها إليها من ناحية، وأن يقاس على هذا الإطار سلوكها الفعلي . إنما تستمد شرعيتها في المنظور الإسلامي من ارتباطها بتعاليم الإرادة الإلهية المعبر عنها في أصل الشريعة، وليس من ارتباطها بالإ رادة الخاصة بالحكام .
فتعاليم الإسلام تتسم بالثبات والصلاحية لكل زمان ومكان، أما تقدير الظروف والملابسات التي تحيط بعملية صنع القرار واتخاذه ، اهتداء بتلك التعاليم هي فمستوى آخر له طابع عملي، ويتسم بالتغير والاختلاف والتنوع حسب ظروف الزمان والمكان . وبيان ذلك كالآتي :

أ – وحدة الجنس البشري : قرر الإسلام وحدة الجنس والنسب للبشر جميعا؛ فالناس لآدم، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنما هي التعارف لا التخالف، والتعاون لا التخاذل، والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على المجموع والأفراد، والله تعالى رب الجميع يراقب هذه الأخوة ويرعاها، وهو يطالب عباده جميعا بتقريرها ورعايتها، والشعور بحقوقها والسير في حدودها. ويعلن القرآن هذه الحقيقة بمعانيها جميعا في وضوح فيقول الله تعالى : ( يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنث۪يٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباٗ وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۖ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْق۪يٰكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞۖ ) [الحجرات/13 ]

ب – وحدة الدين :
قرر الإسلام وحدة الدين في أصوله العامة، وأكد على أن شريعة الله للناس تقوم على قواعد ثابتة من الإيمان والعمل الصالح والإخاء، وأن الأنبياء جميعا مبلغون عن الله تبارك وتعالى، وأن الكتب السماوية جميعا من وحيه، وأن المؤمنين جميعا في أية أمة كانوا هم عباده الصادقون الفائزون في الدنيا والآخرة، وأن الفرقة في الدين والخصومة باسمه إثم يتنافى مع أصوله وقواعده، ويتناقض مع غايته ومقاصده. وقد حدد الإسلام مسألتين تطبيقيتين في مجال علاقة المسلمين مع غيرهم :


    • أن التعامل بين المسلمين وغيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني، يقول الله تعالى : ( لَّا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمُۥٓ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُقْسِطِينَۖ (8) إِنَّمَا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ قَٰتَلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمْ وَظَٰهَرُواْ عَلَيٰٓ إِخْرَاجِكُمُۥٓ أَن تَوَلَّوْهُمْۖ وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لظَّٰلِمُونَۖ ) [الممتحنة/ 08 – 09 ]
    • أن الحوار أو الجدال بالتي هي أحسن وليس الحرب هو الوسيلة المثلى للتفاهم بشأن قضايا الإيمان والعقيدة، قال تعالى : ( وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهْلَ اَ۬لْكِتَٰبِ إِلَّا بِالتِے هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا اَ۬لذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِالذِےٓ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَٰحِدٞ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَۖ ) [العنكبوت/ 46]
ج – العدالة : تعني العدالة في أبسط معانيها إعطاء كل ذي حق حقه، دون تأثرٍ بمشاعر الحب لصديق، أو الكراهية لعدو، وقد أمر الله المؤمنين أن يلتزموا بهذا المعنى للعدالة وأن يطبقوه، قال الله تعالى : ( يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَيٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْۖ اُ۪عْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْو۪يٰۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَۖ ) [المائدة/ 08] ، ويقتضي تطبيق العدالة في مجال العلاقات الدولية أن تبنى كافة العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية على أساس كفالة العدالة لكافة الأطراف، وعدم الجور على طرف فيها، فضلا عن تحريم إلحاق الظلم بجماعة، أو فئة، أو أقلية ما .

د – المساواة في الأخوة الإنسانية : إن النظرة الإسلامية للعالم تؤكد على وحدة البشرية من حيث انتماؤها إلى أصل واحد، وفي ظل هذه الرؤية المبدئية تأتي قيمة المساواة بتطبيقاتها المتعددة، التي يجب أن تلتزم بها الدولة الإسلامية في سياستها الداخلية وفي علاقاتها الخارجية. إن وحدة الجنس البشري تقتضي في نظر الإسلام المساواة التامة بين كافة أفراده وجماعاته وشعوبه، من حيث إتاحة فرص متساوية للحصول على الحقوق الأساسية للإنسان وللتمتع بها، فإذا توفرت الفرص المتساوية أمام الجميع يكون التفاوت النسبي بينهم بعد ذلك راجعا إلى ما يبذلونه من جهد وعمل، وإلى ما يحققونه من إنتاجية متميزة، وإلى ما يملكونه من قدرات على التحصيل العلمي والتقدم الحضاري .

هـ – الحرية : ينبع مبدأ الحرية في أحد أبعاده الرئيسة من قيمة المساواة بين بني البشر التي قررها الإسلام؛ فانتماؤهم إلى أصل واحد يقتضي المساواة بينهم، وهذه تقتضي أن الناس جميعا يولدون أحرارا، ويظلون كذلك ما داموا على قيد الحياة، ومن ثم فاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان أمر طارئ، لا هو من إرادة الله، ولا من الطبيعة السوية للبشر. وليست الحرية في الإسلام بابا للفوضى أو لممارسة العدوان، وإلا انقلبت إلى حرب الجميع ضد الجميع على حد تعبير فيلسوف الحداثة توماس هوبز، وإنما هي الحرية المسؤولة والمنضبطة بضوابط العدالة وحدود المساواة، وفضائل الأخلاق، وهي قيم مرتكزة في فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، وليست مجهولة المصدر أو بنت الطبيعة كما يذهب إليه كثير من الفلاسفة الطبيعيين والماديين.

و – التعاون والاعتماد المتبادل : جاء الأمر في القرآن الكريمة التعاون المبني على فضائل الأخلاق؛ الهادف إلى تحقيق الخير الإنساني العام والقرب من الله تعالى، كما جاء فيه أيضا النهي عن التعاون المؤدي إلى انتهاك تلك الفضائل؛ الهادف إلى الاعتداء أو إلحاق الأذى بالآخرين، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَي اَ۬لْبِرِّ وَالتَّقْو۪يٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَي اَ۬لِاثْمِ وَالْعُدْوَٰنِۖ ) [المائدة/ 02]، ويتضمن الأمر بالتعاو ن تقرير الاعتماد المتبادل كسياسة عامة في تسيير العلاقات بين مختلف الأطراف الاجتماعية كالأفراد والجماعات والدول، ذلك لأن التعاون لا يكون إلا بين أكثر من طرف، واللجوء إليه يعني أن كل طرف لا يستطيع بمفرده القيام بأداء مهمة ما، أو تحقيق هدف معين، ومن ثم فإن كلا منهما يعتمد على الآخر في تحقيق بعض أهدافه، وإذا قام هذا التعاون أو الاعتماد المتبادل على أسس البر والتقوى، فإن الحصيلة النهائية له ستصب في الصالح الإنساني العام، أو بالأقل لن تلحق الضرر بالأطراف الأخرى غير الداخلة في هذا التعاون بعينه.

ثالثا . حقوق الإنسان في الحرب :

1 – احترام الإنسانية : قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِےٓ ءَادَمَ ) [الإسراء/ 70]، وعن صفية بنت المغيرة بن شعبة قالت : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ) [ رواه ابن أبي شيبة ] .

وكذلك حكم الفقهاء بأنه لا يجوز التجويع والإظماء في الحرب، فقد كتب عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: ( آمرك و من معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله تعالى يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل ا لله ).

2 – حسن معاملة الأسرى : يدعو الإسلام إلى إكرامهم، و حرمة إيذائهم، يقول الله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ اَ۬لطَّعَامَ عَلَيٰ حُبِّهِۦ مِسْكِيناٗ وَيَتِيماٗ وَأَسِيراً (8) اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اِ۬للَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءٗ وَلَا شُكُوراًۖ ) [الإنسان/ 08 – 09 ].

ولم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب الرق على أسير. بل عرف أنه أطلق أرقاء مكة وبني المصطلق وحنين، وأعتق ما كان عنده من رقيق الجاهلية. يروي أبو عزيز بن عمير : ( كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي أسيرا في بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا. ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسها ) . [رواه الطبراني ]

هذه النظرة الإسلامية السمحة مع أسرى الحرب تبدأ حتى قبل الأسر . فإذا طلب الأمان أي فرد من الأعداء المحاربين، يلزم على المسلمين قبوله، ويصبح المحارِب بذلك آمنا، ولا يجوز الاعتداء عليه بأي وجه من الوجوه. قال تعالى : ( وَإِنَ اَحَدٞ مِّنَ اَ۬لْمُشْرِكِينَ اَ۪سْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّيٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ اَ۬للَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَامَنَهُۥۖ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٞ لَّا يَعْلَمُونَۖ ) [التوبة/ 06].

ويعتبر طلب الأمان حقا مؤكدا للرجال والنساء. ويمكن طلب الأمان بالإشارة أو بالعبارة، وبالتالي لا يجوز للمسلم الاعتداء بعد تلبية النداء بالأمان. ويذكر أن قريشا أوفدت أبا رافع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقع الإيمان في قلبه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، فارجع إليهم آمنا. فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه الآن، فارجع إلينا ) . [رواه أحمد وأبو داود ].

أما المستأمن وهو الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الاستيطان بها، فإنه إن قصد الإقامة، يتحول إلى مواطن . ويكون له حق المحافظة على نفسه وماله وسائر حقوقه.
 
رسمت لوحة جميلة بمواضعيك القيمة و الهادفة و المميزة جعلها الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين اجمعين
على مساعدتك التلاميذ و الاساتذة و نحن نمر بهذه الفترة الصحية الصعبة
 
رسمت لوحة جميلة بمواضعيك القيمة و الهادفة و المميزة جعلها الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين اجمعين
على مساعدتك التلاميذ و الاساتذة و نحن نمر بهذه الفترة الصحية الصعبة
امين بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top