التفاعل
2K
الجوائز
123
- تاريخ التسجيل
- 17 سبتمبر 2020
- المشاركات
- 467
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 11 فيفري 1983
- الجنس
- ذكر
- الأوسمة
- 17

قصتي مع الباكالوريا (من العهد الطّباشيري)
البدايات
في الابتدائية والإعدادية كنتُ دائمًا من بين الثلاثة أو الخمسة الأوائل، دون جهد كبير. الرياضيات كانت أرضي الطبيعية. وحين جاء وقت التوجيه في الثانوية، لم أتردّد: أردتُ شعبة العلوم الرياضية. أختي سبقتني إليها، وهي شعبة انتقائية يخشاها الكثيرون. كان الناس يحكون أن بعض من اختاروها فقدوا عقولهم تحت الضغط، وآخرون انسحبوا في منتصف الطريق. لم أُصغِ إلى تلك الأصوات، وكتبت في لائحة رغباتي "العلوم الرياضية" ثلاث مرات، ثم في الخيار الرابع "علوم تقنية".
صعوبة البدايات
النجاح بالموهبة انتهى. لا بد من عمل وانضباط. صرنا نغرق في كتب "ديما ديما" سلسلة تمارين مكتوبة بخط اليد (كانت تُعرف بسلسة ألف وباء)، والرَّشَاد. حتى ورق الزبدة كنا نشتريه من البقال (بالكيلو)، لا لنلفّ الزبدة، بل لنحلّ عليه التمارين، فهو رقيق وأملس ولونُه لا يُرهق العين عكس البياض الناصع.
مرت السنتان الأوليان من الثانوية بسلام، ثم جاءت سنة الباكالوريا، وجاء معها انقلاب غير متوقّع... والدي أطلق مسطرة التجمع العائلي. وبعد شهرين من بداية الفصل المدرسي، اضطررتُ أن أترك وجدة، وأصدقائي، وكل ما أعرفه… لألتحق بأسرتي في فرنسا لتسوية وضعية أوراقي قبل أن أبلغ 18 سنة.
الإستراحة الفرنسية
في باريس، وجدت نفسي فجأة في قسم الأولى ثانوي لأنه الفصل الوحيد المُتاح وقتها في منتصف الطريق. كُنت محاطا بفرنسيين، برتغاليين، إيطاليين، يهود، أتراك، جزائريين، … فسيفساء حقيقية. اخترتُ العربية لغة حية ثالثة مع أستاذ تونسي لم يكن يعلّمني شيئًا، بل يطلب مني فقط مقالات لأملأ بها الوقت، في حين كانت زميلتان لازالتا تتعلم أبجديات اللغة العربية.
رغم تأقلمي السريع وإحاطتي من طرف الشقراء والصهباء والعفراء (أينك يا سيلين ؟ أينك يا سوندرين ؟ أينك يا جولي ؟ هههه), كل شيء بدا غريباً: اللغة، الإيقاع، الأجواء. وفي المغرب، كانت خالتي تتكفل بالإجراءات حتى تُحتسب تلك السنة "سنة بيضاء". هل أستمر في فرنسا وأخسر سنتين؟ أم أعود وحدي إلى وجدة فأخسر عاما واحداً فقط؟ كان السؤال يُطاردني. في صيف 2001، كان والدي يكرر عليّ: "هل فكرتَ في ما تنوي فعله؟"
...وأخيراً قرّرت: "سأعود إلى المغرب".
العودة إلى وجدة, وحيداً
كان موعد رحلتي في 12 سبتمبر 2001، أي بعد يوم واحد من أحداث نيويورك. في المطار كان التوتر خانقًا. وصلتُ إلى وجدة، حيث كان جدي وجدتي في استقبالي. جدتي أمسكت يدي وقبّلتها قائلة: "يا خيري ولدي!". بقيت عندهما أياما على مَضَض، قبل أن أجمع شجاعتي وأحمل حقيبتي إلى بيتنا الخالي. وهناك، وجدت سلاما غريباً: وحيداً، لكن حرًّا.
كان عمري 18 سنة. وكان والدي يرسل لي 200 يورو شهريًا، ثروة صغيرة لكنها كانت تكفيني. أذهب إلى السوق يوم الأحد، أتنقل بالدراجة، وأتعلم الطبخ: سردين مشوي، طاجين بالسردين المفروش بالبطاطس، بيض بالطماطم (المعروفة ب BM عند العُزّاب), شاي بالنعناع.. ومساء احيانا بعض العصائر بالحليب بنكهة الفواكه، أو كاران (ما يُعرف في الجزائر بالكارانتيكا)… جارتي كانت تجلب لي الخبز أو طبقاً ساخناً من مرتين إلى ثلاث مرّات في الأسبوع. وأجيانا كنت أذهب عند جدي وجدتي، خصوصاً في رمضان.
وكان هناك "حكيم"، أعز أصدقائي الذي كان يُرافقني وينام عندي، نراجع دروسنا معًا رغم أنّه أدبيّ، نستأجر أشرطة VHS ونضحك حتى يغلبني النوم. وكان يسخر مني: "مازال فايق؟" فأجيب نصف نائم: "هممم.."، فيردّ ضاحكاً: "الله ينعل الكاذب !". وحياة العزوبية لا تعني أنني كُنت مُهملا. كانت النظافة والترتيب أحد أولياتي حتى أن احد الزُملاء الذي زار بيتي اندهش وقال لي :"تقول راك مزوّج باربع نسا !". هو نفسه الزّميل الذي عرّفني على سمك "الكروفيت".
عام الباك
بعد عودتي، وجدت أن شعبة العلوم الرياضية أُلغيت من ثانويتي، فكنت أتنقل بعيداً إلى مؤسسة أخرى يوجد بها فصل علوم رياضية. أستاذ الرياضيات كان عبقرياً، بينما أستاذ الفيزياء محطما بسبب طلاق. لم أدرس بجنون، لكنني تمسكت بالأساسيات. في العلوم الرياضية، السؤال لم يكن: هل سننجح؟ بل: بأي معدل؟ وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك راسبين. لكنّها حالات ناذرة مقارنة بباقي الشُّعَب.
جاء يوم الامتحان. حضرت باكراً لأوّل مرة، فقال زميل: "أول مرة عبد الرحيم يجي فالوقت… هاذي علامة من علامات الساعة !". مرّت الامتحانات بخير، باستثناء زميل استعمل أوراق الوسخ كـ "موشوار" لمسح أنفه. في الحقيقة اطمأننت أنها استعملها لأنفه. كُنت احسبه يحرر التمارين بسرعة البرق وقلمه يلتهم اوراق الوساخ التهاماً، وهذا عامل ضغط لا يُستهان به في يوم يُعزّ فيه المرئ أو يُهان.
في الاجتماعيات، كان الموضوع عن تاريخ الجزائر. لم أدرسه جيدًا، لكنني أسقطت ما حفظته عن تاريخ المغرب على تاريخ الجزائر إبّان الإستعمار الفرنسي مع تغيير التواريخ (1930 و 1962). حصلت على 16 أو 17.
النتيجة النهائية: 13/20 – ميزة "لا بأس به". كنت راضياً لأنني صراحة لم أكن مُثابراً... زميلي الذي قال عن بيتي "كأنك متزوج بأربع نساء" رسب، فوجدتني أواسيه بدل أن أحتفل.
ما بعد الباك: العودة إلى فرنسا
في صيف 2002، عُدت إلى فرنسا والباك في جيبي. في سبتمبر، بدأت أطرق أبواب الثانويات الباريسية، حاملاً معي نسخًا من دبلومي وكشوف نقاطي، لألتحق بالقسم التحضيري (maths sup/maths spé). الثانوية الأولى قالت: "القسم مكتمل".
الثانوية الثانية احتفظت بملفي ليدرسه أستاذة الرياضيات والفيزياء. انتظرت طوال الظهيرة، حتى خرج المراقب عند الخامسة وقال: "لقد تم قبولك"
خرجتُ إلى الشارع، وأحسست أن الدنيا كلها فُتحت أمامي. هَلِلويا ! او بالأحرى... الحمد لله !
آخر تعديل: