المجاهد الشيخ سعدي الطاهر حراث

إلياس

👑 TOP5 ✍️
أوفياء اللمة
السيرة الذاتية للمجاهد والعلامة الشيخ سعدي الطاهر حراث (1926 – 1981) رحمه الله.
كتابة وتحرير الأستاذ بدرالدين ناجي

1- المقدمة:
إن السيرة الذاتية للمجاهد والعلامة الشيخ سعدي الطاهر حراث (1926-1981) ليست مجرد سرد لمراحل حياة شخصية، بل هي رحلة ملهمة لرجلٍ كرس حياته لخدمة وطنه وشعبه. يجمع الشيخ الطاهر حراث بين العلم والإصلاح والنضال، فقد كان عالماً فذاً، ومربياً مخلصاً، ومجاهداً باسلاً، وأديباً بليغاً. تتجلى في مسيرته جوانب شخصية متعددة، بدءاً من نشأته المتدينة في أحضان قبيلة أولاد حراث اللموشية العريقة بولاية تبسة، مروراً بتفوقه العلمي في جامع الزيتونة، ووصولاً إلى دوره المحوري في ثورة التحرير المظفرة. وصولا إلى رفضه للمناصب السياسية العالية وتفضيله للبقاء في الميدان التربوي، كل هذا يؤكد إيمانه العميق بأن بناء الإنسان هو الأساس لبناء الأمة.
تُقدم لنا هذه السيرة لمحة عن روح عصامية وشجاعة أدبية لا مثيل لهما، فهو لم يخشَ قول الحق حتى في أصعب الظروف. كما أنها تسلط الضوء على إرثه الفكري الذي لا يزال حاضراً ومؤثراً، سواء في قصائده التي تحمل أبعاداً وطنية وإنسانية عميقة، أو في بصمته الخالدة على الأجيال التي علمها ورباها. في الختام، فإن سيرة الشيخ سعدي الطاهر حراث ليست مجرد تاريخ يُقرأ، بل هي منهج حياة يُحتذى في الإخلاص، والتفاني، وخدمة الوطن. هو رجل استثنائي ترك بصمة خالدة في تاريخ الجزائر الحديث، كونه أحد رواد الحركة الإصلاحية وأعلام الفكر والتربية.

2- الاسم الكامل: سعدي الطاهر بن إبراهيم بن علي بن سعيد بن محمد حراث. و أمه دلولة زغدود بنت زغاد.
اللقب. عُرف بـ "حراث" نسبة إلى عشيرته "أولاد حراث" من قبيلة اللمامشة العريقة.
مكان الميلاد: دوار "بَجّن" ببلدية العقلة، ولاية تبسة، الجزائر. ولد في 07 جويلية 1926. وُلد في مضارب عرش أولاد حراث لعائلة محافظة و متدينة. كان والده، إبراهيم الحراثي، شخصية وجيهة وقاضياً شرعياً إبان الثورة.

3- النشأة والتعليم:
بدأ تعليمه بحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب قريته. انتقل إلى منطقة نفطة بالجريد التونسي لتلقي التعليم القاعدي. التحق بعدها بجامعة الزيتونة في تونس، وهي من أبرز مراكز العلم في العالم الإسلامي. كان تلميذاً نجيباً ومقرباً من الشيخ العربي التبسي، وكان أمين سره. في 1948 (أو 1949): تخرّج من الزيتونة وحصل على شهادة "التحصيل العلمي" بامتياز كبير.

4- النشاط التعليمي والإصلاحي وبداية النضال:
في 1950عمل مدرسًا في مدرسة الشريعة. بأمر من الشيخ العربي التبسي، حيث التحق بالمدرسة و قضي مدة غير طويلة بها، و اشرف على ادارتها عندما ارسلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ محمد الشبوكي في مهمة إلى ولاية من ولايات الغرب الجزائري.
وفي سنة 1951 كلفه الشيخ العربي التبسي بتأسيس مدرسة التربية والتعليم في مدينة عنابة في إطار النشاط التعليمي الوطني. وفي سنة 1952 انتقل للتدريس في معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، معقل الإصلاح والعلم.
وفي فيفري 1955 مع اندلاع الثورة في اول نوفمبر 1954 قام هو ومجموعة من الأساتذة (إبراهيم مزهودي، الصادق مخلوف، مصطفى بوغابة) بتأسيس أول خلية ثورية داخل المعهد لتجنيد الطلبة للالتحاق بصفوف الثورة، مثل محمد الصالح يحياوي والهاشمية هجرس ومحمد لعموري.

5- النشاط الجهادي والثوري:
في 1955 جُنّد رسميًا في صفوف جيش التحرير الوطني ونشط في العمل السري. بعد اغتيال محافظ شرطة فرنسي سنة 1956، اكتُشفت الخلية الثورية داخل المعهد، مما أدى إلى اغتيال الأمين العام للمعهد الأديب رضا حوحو واعتقال الشيخ أحمد حماني. عندها لجأ الشيخ حراث إلى الجبال والتحق مباشرة بالمجاهدين في الناحية السادسة (منطقة الأوراس).
في سنة 1957: حُكم عليه بالإعدام غيابيًا من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية. لكنه غادر إلى تونس عبر فرنسا بمساعدة أحد تلاميذه، أحمد غزالي، والرائد إيدير. في تونس، عُيّن مشرفًا على علاقات جبهة التحرير الوطني، ومنسقًا عامًا لشؤون اللاجئين الجزائريين في تونس التابع للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (حوالي 1960).ثم مكلفًا ببعثة الطلبة الجزائريين في الخارج (كمثال، أوفد الطلبة مثل سيد أحمد غزالي ومحمد الشريف خروبي إلى سوريا).

6- مسيرته بعد الاستقلال (التربية ورفض السياسة):
في سنة 1965 عُيّن محافظًا (مسؤولًا) لحزب جبهة التحرير الوطني في ولاية عنابة. في فترة حكم الرئيس أحمد بن بلة رحمه الله دخل في صراع مع السلطة وحاولت ميليشيات الحكم إلقاء القبض عليه، فقدم استقالته واختفى عن الأنظار في مسقط رأسه بالعقلة حتى حدوث "التصحيح الثوري" بقيادة هواري بومدين. رفض منصب وزير التربية الوطنية الذي عُرض عليه في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله، مفضلاً البقاء في الميدان التربوي.
في سنة 1970 عاد إلى مجال حبه الأصلي، التربية، وتولى إدارة ثانوية عبد الحميد بن باديس بقسنطينة خلفًا للمرحوم خير الدين عجالي، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1980. وكان له دور أساسي في تأسيس وتدشين الثانوية. وشغل بعدها منصب المفتش العام للغة والأدب العربي حتى وفاته.
شارك في سنة 1976 /1977 في ندوات حوارية حول قضايا التعليم والتعريب، ووجه سؤالاً مباشراً وجريئاً للرئيس بومدين عن "المفارقة" بين شجاعة قراراته في المجالات الأخرى وتلك المتعلقة بتعريب الإدارة والمحيط.
كُرِّم بتكليفه رئيسًا لبعثة الحج الجزائرية لعدة مواسم.

7- وفاته:
في 4 أفريل 1981 تُوفى رحمه الله بشكل مفاجئ في مدينة قسنطينة، و دُفن في مسقط رأسه ببلدية العقلة (ولاية تبسة) في جنازة مهيبة حضرها كبار المسؤولين والعسكريين وأفراد الأسرة الثورية.

8- جوانب من شخصيته:
عُرف الشيخ سعدي الطاهر حراث بشخصية متعددة الجوانب: مجاهد، عالم، مُربي، أديب، خطيب مفوه، ورجل إصلاح. كان لا يخشى في الحق لومة لائم. كان عضوًا فاعلاً في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجيش التحرير الوطني، وحزب جبهة التحرير الوطني، ومنظمة المجاهدين.

9- الإنتاج الأدبي:
كان أديبًا وشاعرًا موهوبًا، من أفصح من تكلم بالعربية في الجزائر. من أشهر قصائده: "خواطر ضرير" (يعبر فيها عن معاناة كفيف)، و "صحراؤنا" (يصف فيها جمال الصحراء ونضال أهلها). نُشرت له بعض نصوصه في مجلة "الملتقى"، ولا تزال مخطوطات أخرى محفوظة في الأرشيف.

يقول في قصيدته (خواطر ضرير):
وأتخذ العصا أبدا دليلا بأن النور في الظلماءِ تاها
شعرت وكنت منكسرا ذليلا بأن النفس قد فقدت مُناهـا
هواجس ما استطعت لها بديلا تلح عليَّ يؤلمني بكاهـا
مشاعر ما عرفت لها مثيلا سوى حزني سوى ألمي حكاها

وفي قصيدة (صحراؤنا) يقول:
هناك حيث المساء الجميل وحيث الهواء النقي العليلْ
وحيث الظلال وحيث النخيل هناك حيث صفاء الأصيلْ
هناك حيث صحراؤنا الفاتنه هناك هناك حيث الرمال
هناك حيث الغزال الشرود وحيث المُحال وحيث الصمود
هناك الكنوز هناك المراد هناك علت صيحة للجهاد

10- التكريم والإرث:
أُقيمت ندوات فكرية لتخليد ذكراه، منها ندوة "الأثر الفكري والبعد الوطني في شخصية المجاهد الشيخ سعدي الطاهر حراث" في شهر أفريل 2018 بتبسة كنت أحد المشاركين فيها وقدمت مداخلة حوله. سُميت ثانوية في بلدية العقلة (مسقط رأسه) باسمه تكريمًا لإرثه التربوي والوطني. و يُذكر في التاريخ الجزائري كأحد أبرز رجالات الفكر والإصلاح والتربية في الجزائر المستقلة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة.
 
ربي يرحمه
شكرا لك على الموضوع
 
توقيع ام أمينة
شكرا على الإفادة ..
 
توقيع لمعانُ الأحداق
العودة
Top Bottom