التفاعل
2.4K
الجوائز
133
- تاريخ التسجيل
- 19 سبتمبر 2021
- المشاركات
- 690
- آخر نشاط
- الوظيفة
- طبيبة
- الجنس
- أنثى
- الأوسمة
- 6



#رحمك الله أختي #عائشه واسكنها الفردوس الأعلى من الجنان
قصة للعبرة






#أحداث مطابقة لواقع قصة قابلة الجلفة




كانت زوجة رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، أستطيع وصفها بالطفلة الناضجة فتصرفاتها معي كانت صبيانية ربما لأن والدها توفي في مرحلة صباها فلم يقدر لها النهل من فيض حنانه ، كونها ناضجة فهي تدير البيت بأكمله لا تشتكي لي حتى لو وقع سقف البيت على رأسها لكن بعد تصليحها لجميع الأمور تحكي مشاكلها لي بشكل نكت ضاحكة كي تشتت على ناظري رؤية الألم بعينيها ، كانت تفعل ذلك كي لا تتعبني أكثر ، ربما كانت تحمل نفسها مسؤوليتها عن تجارتي بالخضر في الأسواق العشوائية ، رغم مؤهلاتي العلمية و شهادة الليسانس التي أملكها في علم الإجتماع لكنها لم تشفع لإيجاد عمل لأبني به مستقبلا مع عائشة التي تستحق كل ما هو رائع ، حبلت بعد عام من زواجنا فرحتها زفتها لي و هي تقفز ، في تلك اللحظة أحسست حقا أنني تزوجت طفلة ، كيف لها أن تقفز و هي حامل ، عرفت في ما بعد أن القفز و الضحك كان طريقتها الوحيدة للفرح ، فترة وحمها كانت تخفي عن إشتهائها لبعض أصناف الطعام ، تدعي اشتهاءها لأرخص بسكويت لكي لا تسبب لجيبي حرجا ، اكتشفت ذلك صدفة حينما كانت ترسل جارنا الطفل الصغير محمد ليشتري لها بعد خروجي للعمل الشيكولاطة ، غضبت ذلك منها و بكت هي كثيرا و قالت :
_ لم تضخم الأمور هكذا ، ألسنا روحا واحدة مثلما تقول دائما ؟ ما الفرق إن اشتريت أنا أو أنت ؟
اعتذرت لي كثيرا قبل نومي و سامحتها ، لا يغمض لها جفن و لأحد عليها غضب ، تتنازل كثيرا لتبقي مكانة أحبابها بقلبها الكبير .
فحصت فعلمنا أن مولودنا ذكر اقترحت علي تسميته باسم والدي رحمه الله موسى اعترضت فجميع إخوتي لديهم ابناء بهذا الإسم لكنها أصرت على ذلك فلإبنها الشرف أن حمل اسم أكبر مجاهد بالبلد مثلما كانت تحدثني « يكفي أن يكون برجولة عمي موسى » فقبلت أنا .
كنت أمزح معها على انتفاخ بطنها ، أضحك على مشيتها ، أصفها بالبطريق و لم تكن تغضب البتة ، بل كانت تضحك معي على نفسها ، كان تعايشها و حكمتها يثيران جنوني فامتلكت قلبي بشكل لم أتوقعه يوما .
كلما اشترت قميصا أو جوربا أو أي شيء لابني موسى أرته لي كي أقاسمها فرحتها بابننا و إبداء رأيي كان أمرا لا مفر لي منه .
اقترب موعد ولادتها و نصحها الطبيب بالمشي لتسهل عملية ولادتها ، كنت أمشي معها ليلا تظل تثرثر بكلامها و أسمعه أو أبدي شكواي من عملي فتصغي لي بجميع حواسها خوفا علي ، لكن ما إن تلمح بائع البوظة اللذيذة حتى تتشبث بيدي تبتسم ابتسامتها المعتادة و تقول « بذوق الشكولاطة يا عيسى و اجعله يكثر العسل فوقه » أتأفف أنا فترد هي « ليس لأجلي و لكن لموسى » و تضحك ، صوت ضحكتها تلك لا زال عالقا بأذني .
اشتد تعب جسدها لكن لم تتعب روحها و لم تختف ابتسامتها كلما قابلتني ، صرخت عليها حينما وجدتها تحمص الدقيق ليصنعوا أهلها فيما بعد الطمينة ( أكلة تقليدية جزائرية بمناسبة المولود الجديد ) ، قالت و هي تضحك « أتريدهم أن ينعتونني بالكسولة التي لا تتقن فعل شيء ؟ أنا عائشة زوجة عيسى و أم موسى » و ختمت قولها بغمزة كي تصرفني عنها ، كل المشاهد ترسخت في عقلي .
صراخها ، ألمها ،بكاؤها كل ذلك كان كافيا ليفقدني عقلي ذلك اليوم ، ذهبت بها إلى المستشفى مع جاري عبد الرزاق فحولوها إلى مستشفى ببلدية أخرى و لم أفهم السبب فلم يكن لي عقل كي أفكر به أو استنتج فقط كالمخبول أجري في أروقة ذلك المستشفى ، أستنجد بكل ممرض أو طبيب أمامي و في نهاية المطاف أرسلوني معها إلى المستشفى الكبير بالولاية ، شككت أن بالأمر سرا أجهله ! كيف لهم أن يوجهونني من مستشفى لأخرى ؟ ازداد الوجع بعائشة حتى ظهرت عروق جبهتها ، وصلنا المستشفى الأخير فقالت لي القابلة :
_ عد إلى بلدتك ، ستلد هناك .
لم أتوسل في حياتي قط مثلما توسلت لتلك القابلة لكنها رفضت رفضا قاطعا و السبب كيف لها أن تعمل عمل شخص آخر ، آمنت آنذاك أن هناك بشرا لا رحمة بقلوبهم ، سفاحون بطريقة غير مباشرة ، يرونك تصارع الموت وحدك و لا تهز لهم شعرة ، لا يتجرأ أحدهم و لو المسح على رأسك ، هذا ما يحتاجه المريض من طبيبه الرحمة و حسن المعاملة و ليس كيس أدوية ، وددت لو أدبتها لكن كان هناك ما هو أهم من إثارتي للمشاكل ، توجه بي عبد الرزاق بسرعة البرق إلى بلدتنا فقد أخبرني أن هناك قابلة يعرفها حق المعرفة ، عشنا إثارة لا توصف ذلك اليوم ، لكن عائشة لم تتحمل الألم استأذنت من جاري محرجا للجلوس معها بالخلف ، كانت تتكئ على كتفي و عرقها قد بلل قميصي و أظافرها قد غرزت بمعصمي لكنني تحملت الألم لأنها تحملت عني الكثير قبلا ، أحسست حينها أنني أمدها بالقوة مخبرا اياها :
_ لم يتبق الكثير لنصل ، اصبري يا أم موسى .
ابتسمت و انزاحت يدها عن يدي ، هدأ صدرها عن التحرك بجنون ، التفت لها لأجدها نائمة على كتفي نومتها الأخيرة ، وصلنا للمستشفى ليفحصها الطبيب ، أمضيت على شهادة وفاتها و ابني و أدخلوها في الأخير لغرفة حفظ الجثث ، وددت لو أحرقتهم كما حرقوا فؤادي لكن لم يكن لي القوة سوى الجلوس أمام غرفة حفظ الجثث ، ربما كنت أنتظر أن يولدونها الموتى الطيبون الذين تتواجد معهم !
ربما كنت أنتظر سماع صراخ ابني لأستقبله بأحضاني و أأذن بأذنه و أدعو الله أن يكون صالحا ، وجع الفقد لا يوصف ، خاصة إذا كنت قد فقدته ظلما ، خاصة إذا كان طيبا لا يستحق شرور هذا العالم ، خاصة إذا مات على كتفك ، خاصة إذا كان بعني لك العالم ، أفقت على تعزية عبد الرزاق :
_ عظم الله أجركم في مصابكم ، إنا لله و إنا إليه راجعون .
أتدري كم الألم الذي يعتصرك و أن تصلي على أحبابك صلاة الوداع ؟! أن تدفنهما بيديك و تحسهما خائنتين ؟! أن تصفف الحجارة عليهما و تود لم أنهم بقوا معك أو أنك دفنت معهم ؟! الأمر من هذا و ذاك أن تكون موضوعا دسما للإعلام ، تكون محل شفقة لا أكثر و لا أقل فالأمر ليس بالجديد و لن تكون عائشة آخر ضحية .
في تلك الليلة صليت لربي و شكوتهم له واحدا واحدا و دعوت عليهم حتى أيقنت أن الله لن يضيع المظلومين .
بعد أيام دخلت بيتي فوجدته بارد برد صقيع رغم حرارة أوت بالخارج و التي تقتل جملا ، رأيت حقيبتها الكبيرة التي حضرتها و أوصتني أن آخذها لها حالما تلد ، رأيت بالمطبخ علب الدقيق ، القهوة و التمر ، و كأن الجماد كله اتفق على أن يذكرني بطفلتي ، ما نثر حطامي لحظة هو فتحي للثلاجة لشرب ماء فوجدتها قد حضرت لي مربى التين الذي أحبه ، أربع علب كتبت على كل منها عبارة
« هذه لك يا عيسى ، لا تأكلها كلها »
« عيسى ان اشتقت لنا فزرنا ، نحن أيضا نشتاق لك »
« عيسى لم يتبق الكثير ، سنعود لك فلا تقلق »
« عيسى أحبك ، أم موسى »
الإشتياق حرق فؤادي فلم يبق فيه إنشا صالحا ، سأزورها لكن ليس ببيت والدها و لكن بالمقبرة ، أما العودة فلا أظنها ستعود .
أخبركم أمرا ، ذلك اليوم لم تمت عائشة نحن فقط نحسبها ميتة لكنها حية عند الله كونها شهيدة ، أنا هو من مات ذلك اليوم ، أنا هو #من مات