التفاعل
1.2K
الجوائز
153
- تاريخ التسجيل
- 17 أوت 2016
- المشاركات
- 338
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 5 سبتمبر 1985
- الوظيفة
- إنسان
- الجنس
- ذكر
- الأوسمة
- 6
كان سامر يعيش في شقة صغيرة
تطل على شارعٍ لا يعرفه أحد بالاسم.
يقول عنها مازحًا حين يسأله أحد:
“أنا ساكن بين الغياب والضجيج.”
لكن لا أحد يضحك… لأن صوته نفسه كان يشبه المزاح المكسور.
بلغ الأربعين دون أن يتزوج.
لا لأنه لم يُحب، بل لأنه أحب كثيرًا… كل مرة كانت تشبه محاولة إصلاح ظلٍّ في المرآة.
في شبابه كان يعتقد أن الزواج هو انحناءة الشجرة على نبعها.
لكنه اكتشف أن الشجرة تنحني أحيانًا لأن الريح أقوى، لا لأن الماء أقرب.
ومنذ ذلك اليوم، لم يُغلق نافذته.
كل صباح، يفتحها.
ليس ليُدخل الهواء، بل ليُقنع نفسه أن هناك شيئًا ما ينتظره في الخارج — وجهٌ، صدفة، يد تلوّح.
لكن ما يأتي دائمًا هو العابرون… والضوء الذي يسقط على الكرسي الفارغ المقابل له.
كان يعمل مترجمًا مستقلًا، يضع السماعات في أذنيه طوال اليوم.
ينقل الكلمات من لغةٍ إلى أخرى
كما لو كان يحاول ترجمة قلبه هو — بلا نجاح.
وحين يُتعبه العمل، يقف أمام المرآة ويهمس لنفسه:
“أربعون عامًا… ولم يحدث بعد أن انتبه أحد لأنك كنت هنا.”
ذات مساء، عند الغروب، رأى امرأة تقف في الشرفة المقابلة.
كانت تسقي نبتة خضراء، صغيرة، تشبه ما تبقّى من مواسمه.
تردد لحظة، ثم رفع يده ليحييها… لكنها لم تره.
أو ربما رأت، وتجاهلت.
في كلتا الحالتين،
شعر أنه لا يُوجَد إلا بالقدر الذي يمر فيه الضوء على وجهه.
مرت أيام، والمرأة اختفت.
لكنه ظلّ يفتح النافذة كل صباح، ليس بانتظارها،
بل انتظار ما يذكّره بوجودها — رائحة التراب، صوت كلب بعيد، ظلّ عابرٍ على الزجاج.
وفي اليوم الذي أتمّ فيه عامه الواحد والأربعين،
استيقظ باكرًا جدًا.
جلس على كرسيه، وكتب في دفتره:
“لم أتزوج، لكنني عشت كل حبٍّ محتمل في خيالي.
لم أُنجب، لكنني أنجبت حوارات طويلة مع نفسي.
لم أُشارك فراشي، لكنني تقاسمت الليل مع فكرةٍ لا تنام.
يبدو أن بعض الناس خُلقوا ليكونوا نوافذ — مفتوحة دائمًا،
بلا أحد يعبر منها.”
ثم أغلق الدفتر، وأغلق عينيه،
لكن النافذة… ظلّت مفتوحة.
عمّان ٧/١١/٢٠٢٥
صهيب العوضات
تطل على شارعٍ لا يعرفه أحد بالاسم.
يقول عنها مازحًا حين يسأله أحد:
“أنا ساكن بين الغياب والضجيج.”
لكن لا أحد يضحك… لأن صوته نفسه كان يشبه المزاح المكسور.
بلغ الأربعين دون أن يتزوج.
لا لأنه لم يُحب، بل لأنه أحب كثيرًا… كل مرة كانت تشبه محاولة إصلاح ظلٍّ في المرآة.
في شبابه كان يعتقد أن الزواج هو انحناءة الشجرة على نبعها.
لكنه اكتشف أن الشجرة تنحني أحيانًا لأن الريح أقوى، لا لأن الماء أقرب.
ومنذ ذلك اليوم، لم يُغلق نافذته.
كل صباح، يفتحها.
ليس ليُدخل الهواء، بل ليُقنع نفسه أن هناك شيئًا ما ينتظره في الخارج — وجهٌ، صدفة، يد تلوّح.
لكن ما يأتي دائمًا هو العابرون… والضوء الذي يسقط على الكرسي الفارغ المقابل له.
كان يعمل مترجمًا مستقلًا، يضع السماعات في أذنيه طوال اليوم.
ينقل الكلمات من لغةٍ إلى أخرى
كما لو كان يحاول ترجمة قلبه هو — بلا نجاح.
وحين يُتعبه العمل، يقف أمام المرآة ويهمس لنفسه:
“أربعون عامًا… ولم يحدث بعد أن انتبه أحد لأنك كنت هنا.”
ذات مساء، عند الغروب، رأى امرأة تقف في الشرفة المقابلة.
كانت تسقي نبتة خضراء، صغيرة، تشبه ما تبقّى من مواسمه.
تردد لحظة، ثم رفع يده ليحييها… لكنها لم تره.
أو ربما رأت، وتجاهلت.
في كلتا الحالتين،
شعر أنه لا يُوجَد إلا بالقدر الذي يمر فيه الضوء على وجهه.
مرت أيام، والمرأة اختفت.
لكنه ظلّ يفتح النافذة كل صباح، ليس بانتظارها،
بل انتظار ما يذكّره بوجودها — رائحة التراب، صوت كلب بعيد، ظلّ عابرٍ على الزجاج.
وفي اليوم الذي أتمّ فيه عامه الواحد والأربعين،
استيقظ باكرًا جدًا.
جلس على كرسيه، وكتب في دفتره:
“لم أتزوج، لكنني عشت كل حبٍّ محتمل في خيالي.
لم أُنجب، لكنني أنجبت حوارات طويلة مع نفسي.
لم أُشارك فراشي، لكنني تقاسمت الليل مع فكرةٍ لا تنام.
يبدو أن بعض الناس خُلقوا ليكونوا نوافذ — مفتوحة دائمًا،
بلا أحد يعبر منها.”
ثم أغلق الدفتر، وأغلق عينيه،
لكن النافذة… ظلّت مفتوحة.
عمّان ٧/١١/٢٠٢٥
صهيب العوضات