مقطع من فوضى الحواس

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

شمس اللمة

:: عضو مُشارك ::
إنضم
28 مارس 2009
المشاركات
130
نقاط التفاعل
1
النقاط
7
السلام عليكم الحقيقة انني من اشد المعجبين بالروائية الجزائرية احلام مستغانمي صاحبة ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير و اردت ان اتشارك معكم بمقطع من رواية فوضى الحواس


"[font=&quot]هو رجل يشي به سكوته[/font][font=&quot]المفاجئ بين كلمتين[/font].


[font=&quot]ولذا يصبح الصمت معه حالة لغوية, وأحيانا حالة جوية, تتحكم[/font][font=&quot]فيها غيمة مفاجئة للذكرى[/font].
[font=&quot]حتمًا.. كان به شيء من الساديّة[/font].
[font=&quot]واللحظة أيضًا[/font][font=&quot]تراه مغريًا وموجعًا في آن واحد. ولم تسأله لماذا هو كذلك[/font].
[font=&quot]أيمكن للإغراء أن[/font][font=&quot]يكون طيباً؟ هو الذي يوقظ شراسة الأحلام فينا[/font]..
[font=&quot]هي كانت تريد أن تسأله فقط: كيف[/font][font=&quot]هو؟[/font]
[font=&quot]ولكن قبل أن تقول شيئاً, سرق منها السؤال نفسه الذي لن يطرح غيره بعد ذلك[/font], [font=&quot]وقال: كيف أنت؟

[/font]
[font=&quot]بين ابتسامتين لفّ حول عنقه السؤال ربطة عنق من الكذب الأنيق[/font]. [font=&quot]وعاد إلى صمته[/font].
[font=&quot]أكان يخاف على الكلمات من البرد؟ أم يخاف عليها هي من[/font][font=&quot]الأسئلة؟[/font]
[font=&quot]الأسئلة غالباً خدعة, أي كذبة مهذبة نستدرج بها الآخرين إلى كذبة[/font][font=&quot]أكبر[/font].
[font=&quot]هو نفسه قال هذا في يوم بعيد, قبل أن[/font]..
[font=&quot]تذكر قوله "تحاشَيْ معي[/font][font=&quot]الأسئلة. كي لا تجبريني على الكذب. يبدأ الكذب حقاً عندما نكون مرغمين على الجواب[/font]. [font=&quot]ما عدا هذا, فكل ما سأقوله لك من تلقاء نفسي, هو صادق[/font]".

[font=&quot]يومها حفظت الدرس[/font][font=&quot]جيّداً. وحاولت أن تخلق لغة جديدة على قياسه, لغة دون علامات استفهام[/font].
[font=&quot]كانت[/font][font=&quot]تنتظر أن تأتي الأجوبة. وعندها فقط كانت تضعها أسفل أسئلتها, دون أن تنسى أن تتبعها[/font][font=&quot]بعلامات تعجب, وغالباً بعلامات إعجاب[/font].
[font=&quot]تدريجيّاً, وجدت في فلسفته في التحاور, من[/font][font=&quot]دون أسئلة ولا أجوبة, حكمة, وربما نعمةً ما[/font].
[font=&quot]وشكرت له إعفاءها من أكاذيب صغيرة[/font][font=&quot]أو كبيرة. كانت تقترفها دون تفكير. وبدأت تتمتع بلعبة المحادثة المفترضة التي لا[/font][font=&quot]سؤال فيها ولا جواب[/font].
[font=&quot]ها هوذا اليوم. هو نفسه أمام السؤال[/font].
[font=&quot]من الأرجح أنه[/font][font=&quot]يتساءل: أيطرحه أم يجيب عنه. وهو في الحالتين كاذب[/font].
[font=&quot]السؤال خدعة. ومباغتة للآخر[/font][font=&quot]في سرّه. وكالحرب إذن, تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم. لذا, ربما قرّر الرّجل[/font][font=&quot]صاحب المعطف أن يسرق منها سؤالها, ويتخلّى عن طريقته الغريبة في التحاور[/font].
[font=&quot]تلك[/font][font=&quot]الطريقة التي أربكتها طويلاً, وجعلتها تختار كلماتها بحذر كلّ مرّة, سالكة كل[/font][font=&quot]المنعطفات اللغوية للهروب من صيغة السؤال, كما في تلك اللعبة الإذاعية التي ينبغي[/font][font=&quot]أن تجيب فيها عن الأسئلة, دون أن تستعمل كلمة "لا" أو كلمة "نعم[/font]".
[font=&quot]تلك اللعبة[/font][font=&quot]تناسبها تماماً, هي المرأة التي تقف على حافة الشك. ويحلو لها أن تجيب "ربما" حتى[/font][font=&quot]عندما تعني "نعم", و"قد" عندما تقصد "لن[/font]".
[font=&quot]كانت تحب الصيغ الضبابية. والجمل[/font][font=&quot]الواعدة ولو كذباً, تلك التي لا تنتهي بنقطة, وإنما بعدة نقاط انقطاع[/font].

[font=&quot]وكان[/font][font=&quot]هو رجل اللغة القاطعة[/font].
[font=&quot]كانت جمله تقتصر على كلمات قاطعة للشك, ترواح بين "طبعا[/font]" [font=&quot]و"حتما" و"دوما" و"قطعا[/font]".
[font=&quot]وبإحدى هذه الكلمات, بدأت قصّتهما منذ سنة. تماماً كما[/font][font=&quot]بإحداهنّ انتهت منذ شهرين[/font].
[font=&quot]تذكر أنّه يومها, قطع المكالمة فجأة, بإحدى هذه[/font][font=&quot]الكلمات المقصلة, وأنها بقيت للحظات معلّقة إلى خيط الهاتف, لا تفهم ماذا[/font][font=&quot]حدث[/font].
[font=&quot]اكتشفت بعد ذلك, أنه لم يكن بإمكانها أن تغير شيئا. فتلك الكلمات ما كانت[/font][font=&quot]لغته فحسب. بل كانت أيضا فلسفته في الحياة, حيث تحدث الأشياء بتسلسل قدريّ ثابت[/font], [font=&quot]كما في دورة الكائنات, وحيث نذهب "طوعاً" إلى قدرنا, لنكرر "حتماً" بذلك المقدار[/font][font=&quot]الهائل من الغباء أو من التذكي, ما كان لا بدّ "قطعاً" أن يحدث. لأنه "دوماً" ومنذ[/font][font=&quot]الأزل قد حدث, معتقدين "طبعاً" أنّنا نحن الذين نصنع أقدارنا[/font]!
[font=&quot]كيف لنا أن نعرف[/font], [font=&quot]وسط تلك الثنائيات المضادّة في الحياة, التي تتجاذبنا بين الولادة والموت.. والفرح[/font][font=&quot]والحزن.. والانتصارات والهزائم.. والآمال والخيبات.. والحب والكراهية.. والوفاء[/font][font=&quot]والخيانات.. أننا لا نختار شيئا مما يصيبنا[/font].
[font=&quot]وأنّا في مدّنا وجزرنا, وطلوعنا[/font][font=&quot]وخسوفنا, محكومون بتسلسل دوريّ للقدر. تفصلنا عن دوراته وتقلّباته الكبرى, مسافة[/font][font=&quot]شعره[/font].
[font=&quot]كيف لنا أن ننجو من سطوة ذلك القانون الكونيّ المعقّد الذي تحكم تقلباته[/font][font=&quot]الكبيرة, تفاصيل جدّ صغيرة, تعادل أصغر ما في اللغة من كلمات, كتلك الكلمات الصغرى[/font][font=&quot]التي يتغير بها مجرى حياة[/font]!

[font=&quot]يوم سمعت منه هذا الكلام, لم تحاول أن تتعّمق في[/font][font=&quot]فهمه. فقد كان ذلك في زمن جميل اسمه "بدءًا[/font]".
[font=&quot]ولذا كم كان يلزمها من الوقت لتدرك[/font][font=&quot]أنهما أكملا دورة الحب, وأنه بسبب أمر صغير لم تدركه بعد, قد دخلا الفصل الأخير من[/font][font=&quot]قصة, وصلت "قطعاً" إلى نهايتها[/font]!
[font=&quot]عندما ينطفئ العشق, نفقد دائمًا شيئاَ منّا[/font]. [font=&quot]ونرفض أن يكون هذا قد حصل. ولذا فإنّ القطيعة في العشق فنّ, من الواضح أنّه كان[/font][font=&quot]يتعمّد تجنّب الاستعانة به, لتخفيف ألم الفقدان[/font].
[font=&quot]تذكر الآن ذلك اليوم الذي قالت[/font][font=&quot]له فيه "أريد لنا فراقاً جميلاً[/font].."
[font=&quot]ولكنه أجاب بسخرية مستترة "وهل ثمة فراق[/font][font=&quot]جميل؟[/font]".
[font=&quot]أحيانا كان يبدو لها طاغية يلهو بمقصلة اللغة[/font].
[font=&quot]كان رجلاً مأخوذاً[/font][font=&quot]بالكلمات القاطعة, والمواقف الحاسمة[/font].
[font=&quot]وكانت هي امرأة تجلس على أرجوحة[/font] "[font=&quot]ربما[/font]".
[font=&quot]فكيف للّغة أن تسعهما معاً؟[/font]

[font=&quot]هو لم يقل سوى "كيف أنت؟" وهي قبل[/font][font=&quot]اليوم لم تكن تتوقع أن يربكها الجواب عن سؤال كهذا[/font].
[font=&quot]وإذ بها تكتشف كم هي رهيبة[/font][font=&quot]الأسئلة البديهية في بساطتها, تلك التي نجيب عنها دون تفكير كل يوم, غرباء لا[/font][font=&quot]يعنيهم أمرنا في النهاية, ولا يعنينا أن يصدقوا جوابا لا يقل نفاقا عن[/font][font=&quot]سؤالهم[/font].
[font=&quot]ولكن مع آخرين, كم يلزمنا من الذكاء, لنخفي باللغة جرحنا؟[/font]
[font=&quot]بعض[/font][font=&quot]الأسئلة استدراج لشماتة, وعلامة الاستفهام فيها, ضحكة إعجاز, حتّى عندما تأتي في[/font][font=&quot]صوت دافئ كان يوما صوت من أحببنا[/font].

"
[font=&quot]كيف أنتِ؟[/font]"
[font=&quot]صيغة كاذبة لسؤال آخر[/font]. [font=&quot]وعلينا في هذه الحالات, أن لا نخطئ في إعرابها[/font].
[font=&quot]فالمبتدأ هنا, ليس الذي نتوقعه[/font]. [font=&quot]إنه ضمير مستتر للتحدي, تقديره "كيف أنت من دوني أنا؟[/font]"
[font=&quot]أما الخبر.. فكل مذاهب[/font][font=&quot]الحب تتفق عليه[/font].
[font=&quot]من الأسهل علينا تقبل موت من نحب. على تقبل فكرة فقدانه[/font], [font=&quot]واكتشاف أن بإمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها دوننا[/font].
[font=&quot]ذلك أن في الموت تساويا[/font][font=&quot]في الفقدان, نجد فيه عزاءنا[/font].

[font=&quot]كانت تفاضل بين جواب وآخر, عندما تنّبهت إلى أن[/font][font=&quot]جلستهما قد أصبحت فجأة معركة عاطفية صامتة. تدار بأسلحة لغوية منتقاة بعناية[/font][font=&quot]فائقة[/font].
[font=&quot]وإذ بالطاولة المربعة التي تفصلهما, تصبح رقعة شطرنج, اختار فيها كل واحد[/font][font=&quot]لونه ومكانه. واضعا أمامه جيشا.. وأحصنة وقلاعا من ألغام الصمت, استعدادا[/font][font=&quot]للمنازلة[/font].
[font=&quot]أجابته بنيّة المباغتة[/font]:
-
[font=&quot]الحمد لله[/font]..
[font=&quot]الأديان نفسها, التي[/font][font=&quot]تحثنا على الصدق, تمنحنا تعابير فضفاضة بحيث يمكن أن نحملها أكثر من معنى. أوليست[/font][font=&quot]اللغة أداة ارتياب؟[/font]
[font=&quot]أضافت بزهو من يكتسح المربع الأول[/font]:
-
[font=&quot]وأنت؟[/font]
[font=&quot]ها هي[/font][font=&quot]تتقدم نحو مساحة شكه, وتجرده من حصانه الأول. فهو لم يتعود أن يراها تضع الإيمان[/font][font=&quot]برنسا لغويا على كتفيها[/font].
[font=&quot]ظلت عيناها تتابعانه[/font].
[font=&quot]هل سيخلع معطفه أخيراً, ويقول[/font][font=&quot]إنه مشتاق إليها. وأنه لم يحدث أن نسيها يوماً؟[/font]
[font=&quot]أم تراه سيرفع قبة ذلك المعطف[/font], [font=&quot]ويجيبها بجواب يزيدها برداً؟[/font]
[font=&quot]أي حجر شطرنج تراه سيلعب, هو الذ يبدو غارقا في[/font][font=&quot]تفكير مفاجئ, وكأنه يلعب قدره في كلمة؟[/font]
[font=&quot]تذكرت وهي تتأمله, ما قاله كاسباروف[/font], [font=&quot]الرجل الذي هزم كل من جلس مقابلا له أمام طاولة شطرنج[/font].
[font=&quot]قال: "إن النقلات التي[/font][font=&quot]نصنعها في أذهاننا أثناء اللعب, ثم نصرف النظر عنها. تشكل جزءا من اللعبة, تماما[/font][font=&quot]كتلك التي ننجزها على الرقعة[/font]".
[font=&quot]لذ تمنت لو أنها أدركت من صمته, بين أي جواب[/font][font=&quot]وجواب تراه يفاضل. فتلك الجمل التي يصرف القول عنها, تشكل جزءا من جوابه[/font].
[font=&quot]غير[/font][font=&quot]أنه أصلح من جلسته فقط. وأخذ الحجر الذي لم تتوقعه[/font].
[font=&quot]وقال دون أن يتوقف عن[/font][font=&quot]التدخين[/font].
-
[font=&quot]أنا مطابق لك[/font].
[font=&quot]ثم أضاف بعد شيء من الصمت[/font].
-
[font=&quot]تماماً[/font]..
[font=&quot]هو لم[/font][font=&quot]يقل شيئا عدا أنه استعمل إحدى كلماته "القاطعة" بصيغة مختلفة هذه المرة. فانقطع[/font][font=&quot]بينهما التحدي[/font]
."









 
قصة رائعة اختي , انا ايضا احب احلام مستغانمي لان طريقة كتابتها رووووعة
بارك الله فيك , ننتظر جديدك
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top