- إنضم
- 18 مارس 2009
- المشاركات
- 6,389
- نقاط التفاعل
- 55
- النقاط
- 317
- العمر
- 37

لا تجوز المقارنة ولا تصح بين العرب والكوريين الشماليين، لا من حيث الأرض ولا من حيث العدد ولا من حيث الثروة أيضاً، كوريا الشمالية بمثابة جزيرة صغيرة لا تكاد تُرى بالقياس إلى الوطن العربي، هذا الذي يمتد من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج، ومع ذلك فقط استطاعت هذه القطعة الصغيرة من الأرض الكورية أن تتحدى العالم وتفرض مواقفها على القوى العظمى، وعلى مرأى ومسمع من الجميع استطاع هذا البلد الصغير الفقير أن يمتلك قوته الرادعة، وأن يتحدى أقوى الأقوياء مؤكداً أن قوة الشعوب لا تقاس بالمساحة الجغرافية، ولا بعدد السكان وإنما بالولاء للوطن وبوجود مشروع نهوض حقيقي، وبالإصرار على تنفيذ هذا المشروع والخروج به من على الورق إلى واقع الناس .
كوريا الشمالية الآن قوة دولية لا يستهان بها، ولا قيمة للتهديدات المتلاحقة من الكبار بفرض المزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية عليها، كل ذلك بالنسبة للكوريين الواثقين من نفوسهم كلام في الهواء لا يهز شعرة واحدة في رأس كوري واحد من هؤلاء الذين يدينون بالولاء الصادق لوطنهم، والذين يؤمنون بأهمية التكاتف والوقوف صفاً واحداً في مواجهة كل الأخطار التي واجهت بلادهم في الماضي والتي قد تواجه بلادهم في الحاضر والمستقبل . وهذه الكوريا تقدم مثالاً رائعاً لشعوب العالم التي عانت وتعاني من الحصار والهيمنة والاحتلال في ضرورة امتلاك قوة ردع تضمن لها الحرية والكرامة وتصد كل محاولة للعدوان .
ويجعلنا الحديث عن كوريا الشمالية في هذه الأيام نتذكر تصريحاً لا يُنسى لمسؤول كوري في أعقاب غزو العراق عندما قيل له إن الولايات المتحدة في طريقها إلى احتلال كوريا، فقال ما معناه: “وهل نحن عرب؟” وهو رد على ما فيه من إساءة بالغة لنا نحن العرب تحمل من إثارة التحدي أكثر مما تحمل من معاني التحقير والإهانة، وهو رد واقعي وتعبير عن حقيقة لا يسعنا إلا الاعتراف بها، لا سيما بعد أن فاق تعدادنا الثلاثمائة مليون، ومع ذلك فما زال في مقدور “مالطا” أن تتحدانا وتحتل أجزاء من أراضينا دون مقاومة تذكر بعد أن وصل بهم الهوان إلى أبعد مدى .
وما يثير قلقي وحزني وانفعالي أن أحداً من المسؤولين العرب الأماجد لم يكلف نفسه قراءة التصريح الكوري، ولم يتوقف الإعلام العربي عنده قليلاً أو كثيراً، لأنه إعلام مشغول برصد “المنجزات الحضارية؟” ومتابعة أحدث الابتكارات في عالم الاختلافات والمماحكات التي كانت السبب في كل ما وصلت إليه الأمة من انهيار وتراجع وهوان . ومن يقف ليراجع سيل الإهدار المالي، وما أضاعه العرب من تريليونات في المساخر والمظاهر، يدرك أن بعضاً من ذلك الإهدار كان كافياً ليجعل من الأمة العربية واحدة من الأمم التي تمتلك من القوى الرادعة ما يجعلها في مقدمة دول العالم قدرة على الردع والمواجهة .
/ صحيفة الخليج الإماراتية