هل نحن قوم صادقون؟!

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

عمار صادق

:: عضو فعّال ::
أوفياء اللمة
هل نحن قوم صادقون؟!

Pic16.jpg







إخوتي وأحبتي في الله... دعوني آخذكم إلى مساحة مظلمة وأرض مقفرة وموضوع لا يتطرق إليه كثير من الدعاة؛ إما عمدًا أو سهوًا أو.. هو لا يمر بخاطرهم أصلاً.

وأجدني متحدثًا إليكم مرة أخرى عن التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.. وحديثنا هذه المرة عن كلمة "كُتب" التي وردت في آيات عديدة، وهي تفتح لنا موضوعًا لا نتطرق إليه كثيرًا، رغم أنه غاية في الأهمية، وهو.. "تجزئة القرآن".

ودعوني أسألكم لماذا تصومون؟! وسؤالي هذا عجيب! فالناس كلهم يصومون.. بل لا أكتمكم سرًّا.. حتى الفجار يصومون.. ومضيعي الصلوات يصومون.. والفساق كذلك.

ودعوني إذن أجيب على سؤالي.. نحن نصوم لأن الصيام فريضة على المسلمين.. وأسألك أخي الحبيب: بأي دليل أجبت؟ وردك عليَّ هو: لأن الله عزَّ وجلَّ قال في آيات سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة).

أليس الله قد قال.. ﴿كُتِبَ﴾.. أي "فرض" فالصوم فريضة إذن.. ولعلك تزيدني ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ هي سبب ومقصد وغاية وحكمة وفائدة للصيام.

وكل ذلك لا غبار عليه.. ولكني.. عندما فتحت مصحفي فوجئت بما يلي: في الآية رقم (178) من سورة البقرة أيضًا ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى....﴾.

ثم في الآية (180) من نفس السورة ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾.

ثم أخيرًا بعد آيات الصيام بقليل وعند الآية (216) من سورة البقرة أيضًا.. وبنفس الصيغة ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.

وسؤالي إليكم.. لماذا تركيزكم منصبٌّ فقط على ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ﴾ ولا اهتمام مطلقًا بـ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ﴾؛ "أحكام الشريعة".. وتطبيقها فرض كالصيام.. ولا اهتمام أبدًا بـ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ﴾؛ "الجهاد".. وهو فرض كالصيام سواءً بسواء... ولا اهتمام بـ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾...و"الوصية فرض كفرضية الصيام".

دعني أصارحك أخي الحبيب أن الآيات الأربعة تحمل فروضًا أربعة متساوية؛ ولكنك تعلم وأنا كذلك أن الصوم أخفهم وطأة، وأسهلهم أداءً؛ فالصبي يصوم والمسن، بل وحتى المريض.. وإلا فقل لي بربك؛ لماذا لم تكتب وصيتك حتى الآن؟ أتعرف لماذا؟ لأنها تذكر الناس بالموت.. ذلك الشيء البغيض.. ولأن فيها حقوقًا للآخرين يسوؤك تذكرّها؛ ولأنها تشعرك بقرب الرحيل! ولماذا لم تحدث نفسك بالغزو بصدق؟ لأنه بذل لأغلى ما يعيش الناس من أجله في زماننا هذا.. النفس والمال والمتاع.. ولأن فيه حرمان من الدنيا وملذاتها!! ولماذا لم تلتزم بالشرع في خاصة نفسك وأهلك؟ ولماذا لم تبذل جهدًا من أجل تطبيق شرعة ربنا في أمتك؟ وكل هذا كُتب علينا بنص الآيات السابقات.

ودعني أصدقك القول إن الاهتمام الكبير شعبيًّا ورسميًّا بشهر الصوم المبارك، وغض الطرف عن باقي التكاليف الشرعية؛ هو في الحقيقة هروب من مسئوليات جسام، وتجزئة للدين؛ أخذًا بالسهل اليسير مقابل ترك واجبات عظيمة.

أيها الإخوة:
أمة ضيَّعت شريعة ربها، فلم تحكّمها في القليل ولا في الكثير من أمور دنياها وأخراها.. أمة لم تنتصر لأعراض منتهكة وأراضٍ محتلة ومقدسات مغتصبة.. في فلسطين.. وفي العراق.. وفي الشيشان.. وفي السودان.. وفي أفغانستان.. و.. و.. و.. أمة ترى الجهاد إرهابًا والدفاع عن حرماتها تطرفًا.. وهي مع ذلك تحتفل بالصيام احتفالاً ضخمًا.. وتكتفي بذلك!! ماذا تقولون عنها؟!

واجبات عملية:
1) إخوتي الأحباء.. قال صلى الله عليه وسلم "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" (متفق عليه من حديث ابن عمر)؛ فأسرعوا بالوصية فهي مكتوبة عليكم كمثل الصيام.

إن كنتم صادقين..! وإلا فاسمع قوله تعالى: ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ(90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ(91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾ (الحجر).

2) ابحث في جنبات نفسك وأهل بيتك.. هل تقيم فيهم دولة الإسلام؟ حجاب ابنتك وزوجك.. معاملاتك المالية.. العلاقة بالجنس الآخر رجلاً أو امرأةً؛ هل تضبطها شريعة الإسلام؟ هل لو تسببت في موت إنسان خطأً بسيارتك أو في عملك- كطبيب مثلاً- هل تسأل أهل الذكر عن حكم الشرع فتعطي أولياء الدم دية مسلمة إلى أهله عن طيب نفس، أم تلجأ إلى الشرطة والقضاء؟ وأترك لنفسك اللوامة الإجابة.. وإلا فاسمع ما قاله الله عزَّ وجلَّ عن بني إسرائيل.. ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)﴾ (البقرة).

3) هل تخففت من بعض شواغل الدنيا وأنت مقبل على شهر الجهاد، محدثًا نفسك بالرباط في سبيل الله حتى إذا اصطفاك الله عزَّ وجلَّ للجهاد في سبيله لم تكن مصابًا بالوهن الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "حب الدنيا وكراهية الموت".

وأزيدك.. هل تحفظ هذا الحديث؟ هل تعيش معانيه الجليلة على قصر متنه، من حديث سهل بن حنيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" (رواه مسلم).

4) ثم أختم كلامي بسؤال إليك وأنت تعلم أن مقصود الصوم هو التقوى.. هل تخرج من رمضان كل عام بتقوى لله وتتطهر من بعض معاصيك أم ترى الصوم عادة تدخلك وتخرجك من الشهر بلا تغيير؟ وإذا سألتك قلت اللهم إني صائم.

ألا يخيفك تهديد ووعيد لم يعهد كثيرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم "ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له" (صحيح: أخرجه الإمام أحمد والترمذي).

ترى هل نحن جادون في صومنا؛ لنخرج من شهر رمضان بإرادة جادة وعزم أكيد على التحكم في الشهوات والشبهات بعد انقضائه أم تراها مناسبة موسمية تأتي وتمر كل عام وأنت وأنا.. كما نحن بلا جديد وبلا تجديد؟

أخي الحبيب.. فقط انظر إلى حالك قبل عبادة الصوم وبعدها.. فإن كان حالك بعدها أحسن وأقرب إلى الله جل وعلا؛ فأبشر فأنت من المقبولين بإذن الله.. وإلا.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.. وتلك هي علامة القبول في كل العبادات.. وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top Bottom