تفسيرسورة البقرة

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 234-237[/font]


﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ(235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ(236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)


تتناول هذه الآيات موضوع "العدة"، والعدة أثر من آثار انحلال الرابطة الزوجية.

1. تعريفها:
هي المدة التي تتربصها المرأة في بيتها بلا زواج بعد فراقها لزوجها سواء بوفاة أو طلاق.

2. حكمة تشريعها:
أ- إعطاء فرصة للزوج كي يراجع زوجته ما دامت في عدتها﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا(1) الطلاق.
ب- ثبوت نسب الولد إلى والديه (المحافظة على الأنساب).
ج- حفظ الحقوق: كثبوت الميراث للمطلقة طلاقا رجعيا، وفي الطلاق البائن في حالة طلاق الفار.
د- إعلان الحداد على زوال نعمة الزوجية في عدة الوفاة.

3. أنواعها:
أ- عدة الأقراء (القروء): والقرء هو الطهر عند المالكية والشافعية، وهو الحيض عند الحنفية والحنابلة، وتعتد بها المرأة ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار إذا كانت المرأة من ذوات الحيض.
ب- عدة الأشهر: وتخص المرأة اليائس والتي لا تحيض، ومدتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: ﴿وَاللَّائِييَئِسْنَ مِنَالْمَحِيضِمِننِّسَائِكُمْإِنِارْتَبْتُمْفَعِدَّتُهُنَّثَلَاثَةُأَشْهُرٍ وَاللَّائِيلَمْيَحِضْنَ...(4)﴾الطلاق.
ج- عدة وضع الحمل: تنتهي عدة المرأة الحامل بوضع حملها ﴿...وَأُوْلَاتُالْأَحْمَالِأَجَلُهُنَّأَنيَضَعْنَحَمْلَهُنَّ...(4)﴾الطلاق.
د- عدة المتوفي عنها زوجها: ومدتها أربعة أشهر وعشرة أيام: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا...(234)﴾ البقرة.

التفسير:
﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ تعتد المرأة المتوفى عنها زوجها مدة أربعة أشهر وعشرة أيام.

﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾بعد انتهاء مدة العدة يجوز للمرأة أن تتزين بلا إسراف، ويحق لها الزواج.

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾فالله عليم بأعمال عباده.

﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ﴾يجوز لمن يريد خطبة المرأة المعتدة بوفاة أن يلمح لذلك دون التصريح، أو أن يأمل ذلك في قلبه.

﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾فالله يعلم أن هذا الشخص قد يذكر هذا الأمر فأباح ذلك، لكن نهى عن إبرام العقد.

﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ بعد نهاية العدة تجوز الخطبة والزواج.

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾تأكيد من المولى عز وجل على إحاطته بكل شيء لذا لابد من الحذر منه.

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ فالله غفور لمن أخطأ حليم لا يعجل بالعقوبة.

﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾لا حرج على من طلق زوجته قبل البناء ولم يسم لها مهرا أن يقدم لها تعويضا بحسب استطاعته يسرا وعسرا جبرا لخاطرها وتمتيعا لها.

﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ من طلّق زوجته قبل الدّخول مع تحديد المهر، فعليه أن يعطيها نصفه، إلى أن تتنازل هي أو وليّها عنه، وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد تنازل الزوج المطلق عن نصف المهر فتستأثر به المطلقة كاملا.

﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ يوجه الله الخطاب للرجال والنساء على السواء فيدعوهم إلى التسامح والعفو وهو ما يقربهم إلى مقام التقوى.

﴿وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾لا يكون الطلاق سببا لقطع وشائج القربى ونكران الجميل والاحسان الذي كان بين الزوجين.

﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي مطلع على أقوال وأفعال العباد
 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 238-245[/font]


﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ(243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245)


الإسلام هو الانقياد لله تعالى في كل أحكامه، والشهادتان عقد بين العبد وربه، يترتب عنه التزامات منها الصلاة، لكن من المسلمين من يغفل عن هذه الفريضة الكبرى ويتحجج بحجج واهية كصغر السن أو كثرة مشاغل الدنيا وغيرها.

ولقد شُرعت الصلاة لحكم منها:
- تقوي روح الإنسان وتجدد طاقته.
- تزيل القلق والهموم.
- تدرب على الصبر.
- تعلم السكينة والوقار.
- تعود العقل على التركيز.
- تدرب صاحبها على الانضباط والمحافظة على الوقت.
- تستوجب لزوم الطهارة الحسية.
- تنهى عن الفحشاء والمنكر.
- تحفظ من عذاب القبر.

التفسير:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىأمر الله تعالى بالمحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها على وجه الكمال والمواظبة عليها قال تعالى:﴿...فَأَقِيمُواْالصَّلاَةَإِنَّالصَّلاَةَ كَانَتْعَلَىالْمُؤْمِنِينَكِتَابًامَّوْقُوتًا(103) النساء.
وخص الله عز وجل بالذكر الصلاة الوسطى، ولقد اختلف العلماء فيها، بين قائل أنها صلاة الفجر، وقائل أنها صلاة العصر، وقائل أن الله أخفاها لنجتهد في جميع الصلوات، لكن أرجح الأقوال هي صلاة العصر، روى البخاري ومسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر)، والملائكة تشهدها.

﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَأمر الله تعالى بالخشوع في الصلاة، فالصلاة ليست مجرد حركات وهيئات، بل هي جسم وروح وروحها الخشوع.

﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَفي حالة الخوف من عدو أو غيره رخص الله تعالى للمؤمنين بالصلاة مشاة أو ركبانا على الدواب، لكن إذا زال الخوف وعاد الأمن صلوا على الوجه العادي المشروع.

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍفي أول الإسلام كانت عدة المتوفى عنها زوجها عاما، ثم نسخت بحكم آخر فصارت أربعة أشهر وعشرا.
كان الرجال يوصون أن تمكث زوجاتهم في بيوتهم، ولها الحق في النفقة من مال زوجها - من دون الميراث – حولا كاملا.

﴿فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍإن اختارت المرأة أن تخرج من بيت زوجها - بعد أربعة أشهر وعشرة أيام - وتتطيب وتتزين للخطاب فيحق لها ذلك.

﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌعزيز لأنه صاحب القوة المطلقة، حكيم لأنه يضع الأمور في نصابها.

﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَأعطى الشرع الحكيم للمطلقة حق الحضانة، وحق التعويض عن الضرر - في حالة الطلاق المتعسف - وحق المتعة للمطلقة مطلقا جبرا لألم الفراق.

﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَيبين الله أحكامه لمعرفتها وتطبيقها.

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْيشير الله تعالى إلى قصة قوم من بني إسرائيل (سبعين ألفا) دعاهم الله تعالى إلى الجهاد ففروا خوفا من الموت، فأماتهم الله تعالى ثمانية أيام ثم أحياهم بدعوة نبيهم "حِزْقِيل".

﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَرغم أن الله كثير الإنعام إلا أن الكثير من الناس لا يشكرونه، قال تعالى: ﴿...وَقَلِيلٌمِّنْعِبَادِيَ الشَّكُورُ(13) سبأ.

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌأمر الله بقتال الكفار لإعلاء كلمته، وهو يسمع الأقوال ويعلم النيات.

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُدعوة إلى بذل المال في وجوه الخير لوجه الله تعالى، والله يضاعف الأجر والثواب للمحسنين، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء امتحانا وابتلاء لعباده، والله هو المالك الأصلي للمال، أما ملكية الإنسان فهي ملكية استخلاف وتفويض، قال تعالى: ﴿...وَأَنفِقُوامِمَّاجَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَفِيهِفَالَّذِينَآمَنُوامِنكُمْوَأَنفَقُوالَهُمْأَجْرٌكَبِيرٌ(7) الحديد.

﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مرجع بني آدم كلهم إلى الله فيجازيهم الجزاء العادل: ثوابا وعقابا.


 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 246-254[/font]


﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ(251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ(252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ(254)﴾


﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ يخبر الله تعالى رسوله الكريم خبر قوم من بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام، حيث طلب أشرافهم من النبي "شمويل أو شمعون" - وهو من نسل هارون عليه السلام - أن يجعل لهم قائدا وأميرا يدير شؤونهم في السلم والحرب، ولإخراج العدو الذي حارب شريعتهم، فرد عليهم النبي عليه السلام أنه يخشى أن يفرض عليهم الجهاد فيتقاعسوا عنه، فقالوا أنهم متمسكون بالقتال في سبيل الله خاصة أنهم قد أخرجوا من أرضهم ظلما وعدوانا وأبعدوا عن أولادهم.

﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْلما فرض الله عليهم القتال تقاعس أكثرهم عنه، ولم يثبت إلا القلة، وهم الذين عبروا النهر مع طالوت.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَعليم بمن ترك فرائضه والتي منها الجهاد.

﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِأخبرهم أن الله اصطفى طالوت - وهو رجل صالح- ليكون ملكا عليهم، فاعترضوا بحجة أنه فقير لا يملك شيئا، وفضَّلوا أن يكون المَلك من بينهم (أي من أولاد الملوك)، وهذا المنطق يؤسس لقاعدة ترجيح المال على العلم والصلاح وإبعاد الفقراء من مراكز القيادة والريادة.

﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِأكد النبي عليه السلام أن الله هو الذي اختار طالوت ملكا لإدارة شؤونهم، وحباه بنعمتي العلم والقوة لمقاومة الأعداء.

﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌفلا اعتراض على أمر الله، فهو يؤتي الملك من يشاء وهو ذو الفضل العظيم، قال تعالى: ﴿...اللّهُ أَعْلَمُحَيْثُيَجْعَلُرِسَالَتَهُ...(124)﴾ الأنعام.

﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُقال نبيهم أن آيات اصطفاء الله لطالوت هي:
- أن يرد التابوت الذي أخذ منهم، وهو مبعث طمأنينتهم وسكينتهم.
- بعض آثار موسى عليه السلام (عصاه، ثيابه، بعض الألواح التي كتبت عليها التوراة...)
- عمامة هارون عليه السلام.
وهذه الآيات تحملها الملائكة بين السماء والأرض حتى تضعها بين يدي طالوت أمام الناس.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَفتلك علامات واضحة للمؤمنين منهم.

﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْخرج بهم طالوت وكانوا ثمانين ألفا، وابتعد بهم عن بيت المقدس فأصابهم عطش شديد، فكان الامتحان الإلهي في نهر يسمى نهر الشريعة بين الأردن وفلسطين، اختبارا لإرادتهم وطاعتهم قبل الحرب، وأخبرهم أن من شرب منه حتى يروي عطشه فهو ليس منه، ومن شرب قليلا يذهب به عطشه فهو منه، فأخفق في الامتحان ستة وسبعون ألفا، ولم يبق منهم إلا أربعة آلاف.

﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَفلما مروا بالنهر وهم في حالة عطش وإرهاق، راعهم كثرة عدد عدوهم، فقالت طائفة منهم أن لا قدرة لهم على مواجهتهم، أما الصفوة الصابرة الذين يعتقدون لقاء الله بيقين يعلمون أن النصر لا يرتبط بالعدد بل يرتبط بتأييد الله عز وجل ومعيته.

﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَلما ظهروا لعدوهم وجها لوجه دعوا الله أن يلهمهم الصبر ويثبت أقدامهم وينصرهم على عدوهم.

﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِاستجاب الله تعالى لدعوتهم فنصرهم على أعدائهم.

﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَقتل داود عليه السلام – وهو فتى صغير في جيش طالوت من بني إسرائيل - جالوت رأس الطغيان، قال تعالى: ﴿فَلَمْتَقْتُلُوهُمْوَلَـكِنَّاللّهَقَتَلَهُمْوَمَارَمَيْتَإِذْرَمَيْتَ وَلَـكِنَّاللّهَرَمَىوَلِيُبْلِيَالْمُؤْمِنِينَمِنْهُبَلاءحَسَناً إِنَّاللّهَسَمِيعٌعَلِيمٌ(17)﴾ الأنفال.

﴿وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ أتى الله داود خيرا كثيرا: الملك، والنبوة والعلم.

﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُبيانا للغاية من الصراع وهو دفع شرور الأشرار بجهاد الأخيار، وحتى لا تكون الأرض خرابا ودمارا.

﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَومن فضل الله تعالىألا يعمر الفساد كثيرا لأنه إذا طال دمر.

﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَيبين الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن ما يقصصه عليه غيب يؤكد به صدق رسالته.

﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ إن جميع الرسل من عند الله لا فرق بينهم في الإيمان بهم، لكن فضل بعضهم على بعض في المنازل، فاصطفى موسى بكلامه دون واسطة (كليم الله)، وآتى عيسى ابن مريم المعجزات الباهرات، وأيده بجبريل عليه السلام، وجعل إبراهيم عليه السلام خليله، ورفع من يشاء منهم في الدرجات كمحمد صلى الله عليه وسلم الذي خصه بالشفاعة والشهادة...

﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُاقتضت حكمة الله ألا يمنع الأمم التي جاءت بعد الرسل من الاختلاف والاقتتال بعدما اتضحت الآيات والمعجزات، ولكنها اختلفت وتقاتلت ومنها من آمن ومنها من كفر، وفي ذلك كله حكمة أرادها الله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌدعا الله المؤمنين إلى الإنفاق في سبيله بأداء الزكوات وبذل الصدقات، قبل أن يأتي يوم لا يفتدون أنفسهم بالمال، ولا ينفعهم الأصدقاء، ولا شفاعة أحد إلا بإذن الله.

﴿وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَفالكافرون ظالمون بوجوه عدة منها:
- أنكروا الحق فظلموه بالكفر.
- ظلموا أنفسهم بدخولهم جهنم.
- ظلموا الناس بان صدوهم عن طريق الهدى.
 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 255-257[/font]


آية الكرسي
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(257)


آية الكرسي شأنها عظيم فيها تمجيد لله، وقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم آية في كتاب الله، فيها اسمه الأعظم، قال صلى الله عليه وسلم: (اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه) قال هشام: أما البقرة فقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وفي آل عمران: ﴿أَلم(1) اللّهُلاإِلَـهَإِلاَّهُوَالْحَيُّالْقَيُّومُ(2)﴾،وفي طه: ﴿وَعَنَتِالْوُجُوهُلِلْحَيِّالْقَيُّومِ...(111)﴾.

- حديث أبي بن كعب: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي آية من كتاب الله أعظم؟ قال: (آية الكرسي...) رواه مسلم وأحمد.
- عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعظم آية في كتاب الله: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.
- روى الإمام أحمد أن آية الكرسي تعدل ربع القرآن.
- ووما يزيد في فضلها أنها تطرد الشيطان وتحفظ الإنسان بقراءتها صباحا ومساء، وتتناول أصل الإيمان وصفات الله وأسماءه.

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَإعلان لعقيدة التوحيد الذي هو أصل الأصول (أصل الإيمان)، وفي هذا نفي للعقائد الباطلة مثل عقيدة التثليث التي يؤمن بها المسيحيون، ﴿لَّقَدْكَفَرَالَّذِينَقَالُواْإِنَّاللّهَثَالِثُثَلاَثَةٍوَمَامِنْ إِلَـهٍإِلاَّإِلَـهٌوَاحِدٌوَإِنلَّمْيَنتَهُواْعَمَّايَقُولُونَلَيَمَسَّنَّ الَّذِينَكَفَرُواْمِنْهُمْعَذَابٌأَلِيمٌ(73)المائدة.
وعقيدة التوحيد جاء بها جميع الأنبياء والرسل: ﴿وَمَاأَرْسَلْنَامِنقَبْلِكَمِنرَّسُولٍإِلَّانُوحِيإِلَيْهِأَنَّهُلَاإِلَهَ إِلَّاأَنَافَاعْبُدُونِ(25)﴾ الأنبياء.

﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾من صفاته تعالى أنه حي لا يموت، وقائم بنفسه فلا يحتاج إلى غيره، أما حياة الناس قائمة على تقدير الله تعالى، فهو القائم بتدبير الخلق رعاية وحفظا وتدبيرا.

﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌلا يغفل الله أبدا فلا يناله النعاس أو النوم.

﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِالمالك الحقيقي والأصلي لكل شيء خلقا وملكا وتدبيرا.

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِلا يجرؤ أحد يوم القيامة على الشفاعة إلا لمن أذن له، ومن رحمته تعالى بنا أن جعل محمدا صلى الله عليه وسلم شفيعا للمسلمين فهو صاحب الشفاعة الكبرى.

﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْفهو تعالى يعلم ما هو حاضر مشاهد في عالم الدنيا وما هو في المستقبل في عالم الآخرة.

﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾علم الله مطلق، وقد علم الناس شيئا من علمه عن طريق رسله ووسائل المعرفة الموهوبة لهم مثل العقل، وسيظل علم الإنسان قليلا لقوله تعالى: ﴿...وَمَاأُوتِيتُممِّنالْعِلْمِإِلاَّقَلِيلاً(85)الإسراء.

﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَاقال ابن عباس: أن كرسيه علمه، وقال الحسن البصري: عرشه، قال ابن كثير: لا يثقلهه ولا يكترثه حفظ السموات والأرض ومن فيهما.
والكرسي صورة حسية للدلالة على قدرة الله المطلقة، فلا يثقله أو يتعبه شيء.

﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ علي في منزلته ومقامه، وعظيم في سلطانه وملكوته.

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّتقرير حرية العقيدة، فلا أحد يجبر على اعتناق الإسلام أو يجبر على تركه، وبيان لطريق الإيمان والكفر وطريق الهدى والضلال.

﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَاالذي يكفر بالطغيان بكل أشكاله وأصنافه ويؤمن بالله تعالى فقد تمسك بالحبل المتين الذي لا ينقطع أبدا.
وكلمة الطاغوت (ما عُبد ظلما من دون الله) أقوى دلالة من كلمة الطاغية لأن الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى.
وهذه الآية تقابلها كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فالكفر بالآلهة المزيفة تقابل لا إله (نفي)، والإيمان بالله يقابل إلا الله (اثبات).
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسميع لأقوال خلقه عليم بأفعالهم.

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِإعلان من المولى عز وجل أنه ناصر للمؤمنين ومخرجهم من ظلمات الكفر والضلال والشك إلى نور الإيمان والهداية واليقين، وقال أيضا: ﴿إِنَّاللَّهَ يُدَافِعُعَنِالَّذِينَآمَنُواإِنَّاللَّهَلَايُحِبُّكُلَّخَوَّانٍكَفُورٍ(38)﴾ الحج.

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِفالكافرون أولياؤهم الطواغيت يخرجونهم من نور الإيمان والهداية واليقين إلى ظلمات الكفر والضلال والشك.
وقد وردت الظلمات جمعا لكثرة أنواع الكفر والضلالة، أما النور ورد مفردا لأن الحق واحد، وهو نور يملأ عقل المؤمن وقلبه ووجدانه، أما الكافر فيتخبط في ظلمات الكفر والشرك فلا يدرك طريق النجاة.

﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَفجزاء الكافرين الخلود في جهنم وبئس المصير
 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 258-260[/font]


﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260)


ذكر الله تعالى الإيمان به وصفاته العلا، وذكر نموذجا للمعاندين والمجادلين، ثم بين عقيدة الحشر والبعث لبناء التصور الصحيح لحقائق هذا الوجود في عقل المسلم وضميره.

تناولت هذه الآيات المشاهد الآتية:
- المشهد الأول: قصة إبراهيم عليه السلام والنمرود
- المشهد الثاني: قصة عزير والبعث
- المشهد الثالث: تجربة إبراهيم الخليل

المشهد الأول: قصة إبراهيم عليه السلام والنمرود
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَيتحدث الله تعالى عن النمرود بن كنعان الذي جادل إبراهيم عليه السلام وخاصمه في وجود الله، رغم أن الله أتاه الحكم والسيادة فقابل ذلك كله بالجحود.
﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُأعلن إبراهيم عليه السلام أن الله عز وجل يخلق الحياة والموت، فادعى النمرود أنه كذلك، إذ أمر بإحضار رجلين فحكم عليهما بالإعدام، فقتل أحدهما وقال: هذا أمتته، وأمر بإطلاق الآخر وقال: هذا أحييته.
﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَأعلن إبراهيم عليه السلام أن الله تعالى يأتي بالشمس من المشرق وأشار إليه أن يأتي بها من المغرب فخرس أمام حجة إبراهيم.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَفالله تعالى لا يلهم الكافرين الجاحدين الحجة والبرهان.

المشهد الثاني: قصة عزير والبعث
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يخبر الله تعالى عن قصة الرجل الصالح عُزَيْر الذي أتى على حماره قرية ببيت المقدس سقطت جدرانها، فاستغرب أن يحيي الله تعالى هذه القرية بعد دمارها، فأماته الله تعالى مائة عام وهذا برهان عقلي لتجربة ذاتية حسية واقعية، ثم أحياه بيانا لقدرته التي لا حدود لها، فسأله المَلَك عن مدة نومه فسُلب منه الإحساس بالزمن واعتقد أنه قد لبث يوما أو بعض يوم، فأخبره أنه قد لبث مائة عام، وأمره أن يفحص زاده (العنب والتين) الذي لم يفسد طعمه ولا لونه، أما حماره فقد تفرقت عظامه وصار هيكلا أعاده الله بقدرته بعظمه ولحمه إلى حياته، فتجلت الحقيقة للعبد الصالح وأدرك أن قدرة الله عز وجل غير متناهية فازداد إيمانا على إيمانه، ويلاحظ هنا تباين أحوال الإنسان والطعام والحمار رغم خضوعهم جميعا إلى مؤثرات بيئية واحدة.
وهذه القصة ساقها ربنا تعالى تروي قضية الموت والبعث ترسيخا لعقيدة الإيمان بالبعث.

المشهد الثالث: تجربة إبراهيم الخليل
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
يروي المشهد الثالث تجربة خليل الله إبراهيم عليه السلام الذي تشوق لمعرفة سر البعث العجيب، فسأل تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى استجابة لشوقه الروحي ولم يتسرب الشك إلى قلبه، فأمره تعالى باختيار أربعة طيور، وقد روي عن ابن عباس وبعض علماء السلف أنها: حمامة وطاووس وديك وغراب، وأمره أن يقربهن إليه ليتعرف على خصائصهن المميزة التي سيرجعها الله إليهن عند احيائهن من جديد، فذبحهن إبراهيم عليه السلام ومزقهن وفرق أجزاءهن على جبال شمال الحجاز، ثم ناداهن فأتين مسرعات، فاطمأن قلب إبراهيم الخليل إلى عقيدة البعث، وازداد إيمانه.


 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 261-267[/font]


﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ(263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(267)


تتناول هذه الآيات موضوع المال، وهو أمر ضروري في الحياة وقد يستخدم لأغراض شتى منها:
-الاكتناز.
-الطغيان على العباد (أفرادا ودولا).
-امتصاص دماء الضعفاء عن طريق الربا وغيره.
-الإفساد في الأرض.
-الإصلاح.

سبب التنزيل:
نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، ففي غزوة تبوك جهز عثمان جيش العسرة بألف بعير ووضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ألف دينار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، وأتى عبد الرحمن بن عوف النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم قائلا: [...أقرضتها لربي]، وأمسك لنفسه وعياله أربعة آلاف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت).

التفسير:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌافتتح الله تعالى الآية باستجاشة مشاعر المؤمنين الخيرة بالحض على الإنفاق والترغيب فيه بتشبيه المنفقين في سبيل الله بحبة سنبلة التي ترمز إلى كثرة العطاء، والله يضاعف ثوابهم فهو المنعم واسع الفضل، ويعلم نية المنفقين فبقدر النية يكون الثواب، فرب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية.

﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَيؤكدالله تعالى على إخلاص النية لله في الإنفاق فلا يؤذي كرامة المنفَق عليه ولا يخدش شعوره.
وبشر المنفقين المخلصين بالثواب الجزيل، والأمن من الفزع يوم القيامة، فلا يخافون من فقر، ولا يحزنون على ما فاتهم من إنفاق- لأنهم موقنون أن الله سيخلفه.

﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًىأمر تعالى برد السائل بطريقة حسنة لا تجرح مشاعره والصفح عند إلحاحه في الطلب، وهذا خير من صدقة يتصدقها يتبعها بالمن والتجريح تهذيبا لنفوس المتصدقين.

﴿وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌفالله مستغن عن خلقه، وحليم عليهم فلا يعجل بالعقوبة لمن خالف أوامره فهو يمهل ولا يهمل.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىنهى الله عز وجل المؤمنين عن إحباط أجر الصدقات وتضييع ثوابها بالمن والأذى، فالمن شعور كريه ينبئ عن استعلاء المعطي وكبره وبعده عن الله ويلحق الأذى بالآخذ فينكسر وينهزم ويتولد لديه شعور بالانتقام، وهو في النهاية ماحق للثواب ممزق للمجتمع.

﴿كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَضرب الله مثلا عن المرائي الذي لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا كحجر أملس عليه شيء من التراب نزل عليه المطر فأزال عنه ذلك التراب فكذلك المرائي تزول عنه الحسنات وذلك جزاؤه لأن الله لا يهدي القوم الكافرين إلى طريق الرشاد.

﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌينتقل الله تعالى إلى وصف المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيله وهو موقنون أن الله تعالى سيجازيهم ثوابا، فشبههم ببستان بمكان مرتفع من الأرض أصابه مطر غزير فأثمر ضعفين، وإن أصابه مطر خفيف أو لامسه الندى فهو يثمر لموقعه وجودته، والله تعالى عليم بأعمال عباده.

﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْيرغب عز وجل في الإنفاق لوجهه الكريم والابتعاد عن الرياء، بتشبيه المرائي أو المنان في حرمانه ثمرة إنفاقه بمن يملك جنة مثمرة فأصابته الشيخوخة فعجز عن الكسب وترك أولادا ضعفاء، وأهلكت جنته نار تحملها ريح عاصف.

﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَفهذه عظات وعبر لنهاية محزنة لكل من أراد أن ينفق ماله رياء.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَدعوة لكل المؤمنين أن ينفقوا من مالهم الحلال ومن خيرات الأرض بانتقاء أجودها دون رديئها.

﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِيبين الله تعالى أن الآخذ للصدقات لا يقبلها إلا مع إغماض البصر لردائتها، لذلك لابد من التصدق بأجودها ضمانا للأجر الحسن ورفعا للحرج.

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌفالله عز وجل مستغن عن الناس وهو حميد تفيض نعمه على العباد ، ويجازي المحسنين الجزاء الحسن.
 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 268-274[/font]


﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِوَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ


﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِيفتتح الله تعالى الآية بفضح أحد مداخل الشيطان وهو تخويف العباد بالفقر فيغريهم بالشح والامتناع عن أداء الزكاة وسائر أوجه الإنفاق، ويدعوهم إلى صرف المال في الترف والفواحش والمنكرات.

﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌوعد الله سبحانه وتعالى عباده بمغفرة لذنوبهم، كما وعد المنفقين منهم بالزيادة في أرزاقهم، وهو صاحب الفضل والعطاء، والعليم بما أنفقه المنفقون ابتغاء وجهه.

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًاوالحكمة أصلها إحكام الشيء واتقانه، وهي العلم النافع الذي يثمر صالح الأعمال، وهي نعمة يؤتيها الله لمن يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أتاه خيرا كبيرا ينال سعادة الدارين.

﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِفلا يعتبر بأمثال القرآن وحكمه إلا أصحاب العقول النيرة.

﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍيعد الله تعالى من ينفق في سبيله ويلتزم بطاعة من الطاعات قليلها وكثيرها بالجزاء الأوفى، ويتوعد مانعي الإنفاق أو الذين يصرفونه في المعاصي بحرمان النصرة والمعونة.

﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْيبين الله عز وجل جواز الإنفاق سرا أو علانية، ولكن تستحب السرية لأنها أبعد عن الرياء، ومن ينفق يغفر الله له بعض سيئاته.

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌتقرير لعلم الله الذي يستوعب السر والعلن، وفي الآية ترغيب في الإسرار في بذل الصدقات.

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أن الله هو الهادي إلى طريقه المستقيم، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فيتولى البلاغ.
نزلت هذه الآية حينما أمر الله سبحانه بالصدقات وسألها فقراء الكفار واليهود، فتحرج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من التصدق عليهم ، فرفع الله عنهم الحرج بالإذن لهم ببذل الصدقات التطوعية دون الزكاة الواجبة.

﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَيخبر الله المنفقين أنهم ما أنفقوا من أموال يؤجرون عليه، وينالون الجزاء العادل بلا ظلم.

﴿لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًادعوة للإنفاق على فقراء المهاجرين الذين جاهدوا في سبيل الله، وخرجوا من ديارهم وأموالهم، وثبتوا في المدينة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يقدرون على ممارسة التجارة لكسب المال، ويستفيد كذلك أهل الصَّفَة وهم حراس بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم على فاقتهم يدعون السؤال ولا يلحون فيه لعفتهم، فيعتقدهم الجاهل بحالهم أغنياء.

﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌأخبر الله بعلمه بحال المنفقين من أموالهم فيجازيهم أجورهم يوم القيامة.

﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَوعد الله الذين ينفقون أموالهم في السر والعلن أجرا عظيما، ولا خوف عليهم في الدنيا ولا يحزنون في الآخرة.
والعبرة بالنية في حالي السر والعلن، فالزكاة الفريضة إعلانها أفضل، أما الصدقة إسرارها أفضل.
وفي الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله:... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) رواه مسلم.
 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 275-281[/font]


﴿الَّذِينَيَأْكُلُونَالرِّبَالاَيَقُومُونَإِلاَّكَمَايَقُومُالَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُمِنَالْمَسِّذَلِكَبِأَنَّهُمْقَالُواْإِنَّمَاالْبَيْعُ مِثْلُالرِّبَاوَأَحَلَّاللّهُالْبَيْعَوَحَرَّمَالرِّبَافَمَنجَاءهُمَوْعِظَةٌ مِّنرَّبِّهِفَانتَهَىَفَلَهُمَاسَلَفَوَأَمْرُهُإِلَىاللّهِوَمَنْعَادَ فَأُوْلَـئِكَأَصْحَابُالنَّارِهُمْفِيهَاخَالِدُونَ(275) يَمْحَقُ اللّهُالْرِّبَاوَيُرْبِيالصَّدَقَاتِوَاللّهُلاَيُحِبُّكُلَّكَفَّارٍأَثِيمٍ(276) إِنَّالَّذِينَآمَنُواْوَعَمِلُواْالصَّالِحَاتِوَأَقَامُواْالصَّلاَةَ وَآتَوُاْالزَّكَاةَلَهُمْأَجْرُهُمْعِندَرَبِّهِمْوَلاَخَوْفٌعَلَيْهِمْ وَلاَهُمْيَحْزَنُونَ(277) يَاأَيُّهَاالَّذِينَآمَنُواْاتَّقُواْاللّهَ وَذَرُواْمَابَقِيَمِنَالرِّبَاإِنكُنتُممُّؤْمِنِينَ(278) فَإِنلَّمْتَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْبِحَرْبٍمِّنَاللّهِوَرَسُولِهِوَإِنتُبْتُمْفَلَكُمْرُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْلاَتَظْلِمُونَوَلاَتُظْلَمُونَ(279) وَإِنكَانَ ذُوعُسْرَةٍفَنَظِرَةٌإِلَىمَيْسَرَةٍوَأَنتَصَدَّقُواْخَيْرٌلَّكُمْ إِنكُنتُمْتَعْلَمُونَ(280) وَاتَّقُواْيَوْمًاتُرْجَعُونَفِيهِإِلَى اللّهِثُمَّتُوَفَّىكُلُّنَفْسٍمَّاكَسَبَتْوَهُمْلاَيُظْلَمُونَ(281)


تدور معاني هذه الآيات حول موضوع الربا، وهو موضوع مهم وخطير لأنه يمس صميم الاقتصاد، لذا جاءت تفاصيله في الكتاب والسنة، والربا نتاج الفكر اليهودي القائل: (لا تنمية إلا باقتصاد، ولا اقتصاد إلا ببنوك، ولا بنوك إلا بفوائد)، وقد كرسوا جهودهم وسخروا إمكاناتهم من أجل التمكين للنظام الربوي في المؤسسات المالية عبر العالم.

أولا: تعريف الربا
أ- لغة: رَبَا يربو ربوة وربَا، والربوة هي الهضبة المرتفعة عن الأرض والربا هو الزيادة.
ب- شرعا: هو الزيادة في المال، وهو من الموبقات السبع المنهي عنها شرعا.

ثانيا: أنواعه
1. ربا النسيئة: وهو الزيادة في المال مقابل الإمهال في المدة، أو قرض مؤجل بزيادة مشروطة، انتشر في الجاهلية، فكان يقال للمدين (أتقضي أم تربي؟).
2. ربا الفضل: يقع بين شيئين من نفس النوع مع الزيادة، كبيع الذهب بالذهب والقمح بالقمح، قال صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري وأحمد.، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض... ولا تبيعوا الورقة بالورقة إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز) متفق عليه.

ثالثا: خصائص النظام الربوي
1- استخدام وسائل غير مشروعة لبلوغ غايات غير مشروعة.
2- إهمال القيم والمبادئ.
3- الاهتمام بتنمية الثروة ولو على حساب الأفراد والأمم.
4- اتساع دائرة ضرر المعاملات الربوية في عالم اليوم بسبب النفوذ الكبير للمرابين في المؤسسات المالية وفي أجهزة الحكم ومراكز صنع القرار.

رابعا: النظام الاقتصادي الإسلامي
وهو البديل للنظام الاقتصادي القائم على الربا، ومن أهم سماته:
1- عدم إلحاق الأذى بالآخرين: أفرادا وشعوبا.
2- عدم تعطيل جريان الأرزاق بين العباد:
﴿وَمَامِندَآبَّةٍفِيالأَرْضِإِلاَّعَلَىاللّهِرِزْقُهَا(6)هود.
﴿وَفِيالسَّمَاءرِزْقُكُمْ وَمَاتُوعَدُونَ(22)الذاريات.
﴿وَكَأَيِّنمِندَابَّةٍلَاتَحْمِلُ رِزْقَهَااللَّهُيَرْزُقُهَاوَإِيَّاكُمْ...(60)العنكبوت.
3- طهر الوسائل ونبل الغايات.
4- نظام متكامل متوازن، يراعي مصالح الفرد والجماعة بلا إفراط أو تفريط.
 
مناسبة الآيات:


أقرضت قبيلة بني عمرو من ثقيف مالا لقبيلة بني المغيرة لأجل، فلما حل الأجل وعجزت عن تسديد الدين عرضت عليها القبيلة الدائنة القضاء أم الربا، باعتبار أن الربا مثل البيع، فأنزل الله قوله تعالى: ﴿ذَلِكَبِأَنَّهُمْقَالُواْإِنَّمَاالْبَيْعُ مِثْلُالرِّبَاوَأَحَلَّاللّهُالْبَيْعَوَحَرَّمَالرِّبَا



التفسير:


﴿الَّذِينَيَأْكُلُونَالرِّبَالاَيَقُومُونَإِلاَّكَمَايَقُومُالَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُمِنَالْمَسِّبدأ الله تعالى بوصف آكلي الربا في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يعيشون حالة قلق واضطراب وطمع، ويبعثون من قبورهم يوم القيامة بصورة مضطربة مخيفة كمن مسهم الشيطان.



﴿ذَلِكَبِأَنَّهُمْقَالُواْإِنَّمَاالْبَيْعُ مِثْلُالرِّبَافهم يتعاملون بالربا ويقرون أنه مثل البيع لأن كلا منهما يستهدف الحصول على الربح.



﴿وَأَحَلَّاللّهُالْبَيْعَوَحَرَّمَالرِّبَافأجاب الله على إدعائهم وبين أنه ليس البيع كالربا، فالبيع يحقق ربحا بعد جهد وعمل، أما الربا يحصل ربحا دون جهد وعمل.



﴿فَمَنجَاءهُمَوْعِظَةٌ مِّنرَّبِّهِفَانتَهَىَفَلَهُمَاسَلَفَوَأَمْرُهُإِلَىاللّهِمن علم بتحريم الربا فانتهى عن التعامل به، عفا الله عنه وأمره موكل إلى الله.



﴿وَمَنْعَادَ فَأُوْلَـئِكَأَصْحَابُالنَّارِهُمْفِيهَاخَالِدُونَمن كان يعلم بحقيقة الربا وتمادى في التعامل به فهو من أصحاب النار لا يفارقها و يخلد فيها أبدا.



﴿يَمْحَقُ اللّهُالْرِّبَاوَيُرْبِيالصَّدَقَاتِوالمحق هو النقصان ومنه القمر يبدأ هلالا ثم يكتمل بدرا ثم يتناقص فيصير محاقا صغيرا.


فالله عز وجل ينقص فوائد وأرباح الربا، أما الصدقات والقروض الحسنة فيضاعف ثوابها وأرباحها.



﴿وَاللّهُلاَيُحِبُّكُلَّكَفَّارٍأَثِيمٍوالكافر هنا هو من يكفر بحكم شرعي فيحمل أوزار كثيرة وقد وردت بصيغة المبالغة: "كفار"، واستعمل الله تعالى لفظ "لا يحب" ليسنفر القلوب كي لا تكون ممن لا يحبهم الله وهذا حرمان لا يرضاه المؤمن.



﴿إِنَّالَّذِينَآمَنُواْوَعَمِلُواْالصَّالِحَاتِوَأَقَامُواْالصَّلاَةَ وَآتَوُاْالزَّكَاةَلَهُمْأَجْرُهُمْعِندَرَبِّهِمْوَلاَخَوْفٌعَلَيْهِمْ وَلاَهُمْيَحْزَنُونَيصف الله المؤمنين و يمدحهم بأعمالهم (الصلاة، الزكاة) فيعدهم أجرا يوم القيامة ولا خوف عليهم حين يفزع الناس ولا يحزنون على ما فاتهم من مصالح الدنيا لأن مآلهم الجنة.



﴿يَاأَيُّهَاالَّذِينَآمَنُواْاتَّقُواْاللّهَ وَذَرُواْمَابَقِيَمِنَالرِّبَاإِنكُنتُممُّؤْمِنِينَيخاطب الله المؤمنين و يأمرهم بالتقوى، فالتقوى هي الحارس الأكبر لأحكام الشريعة، فإن كانوا كذلك تركوا الربا صغيره وكبيره، وتأكيدا لحكم (ترك الربا) ورد في الآية بين إيمانين.



﴿فَإِنلَّمْتَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْبِحَرْبٍمِّنَاللّهِوَرَسُولِهِيتوعد الله كل من يتعامل بالربا ويستمر فيه بإعلان الحرب عليه، و من كان خصمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فحليفه الهزيمة ومآله الخسران.



﴿وَإِنتُبْتُمْفَلَكُمْرُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْلاَتَظْلِمُونَوَلاَتُظْلَمُونَباب التوبة مفتوح أمام المرابين فإذا تابوا احتفظوا برؤوس أموالهم دون زيادة أو نقصان، فلا يَظلمُون بأخذ الفوائد من الفقراء والضعفاء المدينين، ولا يُظلمَون من المدينين بإنقاص الأموال المقترضة.



﴿وَإِنكَانَ ذُوعُسْرَةٍفَنَظِرَةٌإِلَىمَيْسَرَةٍيخاطب الله كل مقرض بإمهال المستدين المعسر إلى زوال عسره، وإن فعل ذلك فهو مأجور لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:(من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة) رواه مسلم.



﴿وَأَنتَصَدَّقُواْخَيْرٌلَّكُمْ إِنكُنتُمْتَعْلَمُونَفإن عفا الدائن عن المدين المعسر فهو خير له عند الله.



﴿وَاتَّقُواْيَوْمًاتُرْجَعُونَفِيهِإِلَى اللّهِثُمَّتُوَفَّىكُلُّنَفْسٍمَّاكَسَبَتْوَهُمْلاَيُظْلَمُونَقال جمهور المفسرين أنها آخر آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلمن قال ابن كثير في تفسيره: [هذه الآية آخر ما نزل من القرآن العظيم، وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى] وهي آية جامعة، يدعو الله فيها عباده أن يخافوه ويتقوا اليوم الآخر الذي سيحاسب كل بمفرده، ويجني ما زرعت يداه في الدنيا دون ظلم، والتقوى هي الحارس الأكبر لمقررات الشريعة وأحكامها.



سئل أحد العلماء: كيف يحاسبنا الله يوم القيامة فردا فردا؟ فأجاب: [سيحاسبنا الله في الآخرة فردا فردا كما كان في الدنيا يرزقنا فردا فردا].
 
آخر تعديل:
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]تفسيرسورة البقرة الآيات 282-286[/font]


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282) وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(286)


تتناول هذه الآيات ما يلي:
-القرض الحسن بلا ربا.
-كتابة الديون وتوثيقها.
- خواتيم البقرة التي يحفظ الله قارئها.

التفسير:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِيخاطب الله تعالى عباده المؤمنين ويأمرهم بتوثيق الديون وكتابتها حفظا للحقوق مقدارا وميقاتا، مع اختيار الموثق الأمين الذي يكتب بالحق.

﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًاأمر تعالى بكتابة الدين وفق الشرع الحكيم، فيملي عليه المدين المقدار والأجل، ونهى عن إنقاص أي شيء من الحق الثابت.

﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِإن كان المدين مبذرا أو ناقص عقل أو لا يستطيع الإملاء بنفسه بسبب خرس أو غيره، يقوم مقامه قيّمه أو وكيله حماية للمدين وحفظا للحقوق.

﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىزيادة في توثيق الديون وضبط الالتزامات أمر تعالى باستشهاد أولي العدالة: رجلين أو رجل وامرأتين تذكر إحداهما الأخرى إذا نسيت.

﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوانهى الله الشهداء أن يمتنعوا عن أداء الشهادة إذا طلب منهم ذلك.

﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُواولا تملوا من كتابة الدين إلى ميعاده صغيرا كان أم كبيرا فذلك أعدل وأثبت للشهادة وأضمن في تحديد مقدار الدين والأجل.

﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَااستثنى الله من الاستشهاد البيع يدا بيد مع قبض الثمن.

﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْأمر بالإشهاد إذا كان البيع ناجزا أو إلى أجل، فلا يضار من قبل صاحب الحق بأن يكتب زورا أو يشهد به، ومن يفعل ذلك فإنه فسوق وعصيان.

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌأمر بتقوى الله فلا يخفى عليه شيء، وتقوى الله سبيل لتحصيل العلم.

﴿وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُفي حال السفر وعدم وجود كاتب أمين يكتب وثيقة الدين، على المدين أن يسدد الدين الذي عليه، فإذا أمن الدائن المدين فعلى المدين أن يبرأ ذمته بتسديد دينه ويتق الله في رعاية حقوق الأمانة.

﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌكرّر الله تعالى نهيه عن كتمان الشهادة ففي الكتمان إثم وتضييع للحقوق، وتعطيل لمبدأ التعاون بين الناس، والله مطلع على كل شيء.

﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِفالله صاحب الخلق وصاحب الملك وصاحب الأمر.

﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌفالله يحاسب عباده على السرائر والظواهر ويغفر لمن يشاء.

﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِإن ذكر المؤمنين بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم تشريف لهم، ويزداد مقامهم بارتباط هذا الذكر بمقومات الإيمان وهي:
-الإيمان بالله تعالى بصفاته العلى وأسمائه الحسنى.
-الإيمان بالملائكة الذين لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون.
-الإيمان بالكتب السماوية فهي من عند الله تعالى، رسالة واحدة وعهدا واحدا، فالإيمان بالكتب السابقة في أصلها لا على حالها بعدما لحقها التحريف، أما القرآن الكريم فالإيمان به كتابا من عند الله محفوظا من التحريف والزيف.
-الإيمان بالرسل والأنبياء دون إنكار لأحد ولا تفريق بينهم.

﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْلقد أشفق الصحابة حينما نزلت الآية السابقة ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ...﴾فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: من ينجو منا من عقاب الله إذا كنا نؤاخذ بما تحدث به أنفسنا من الهم والوساوس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرضا بحكم الله، وقال لهم: (قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا) رواه مسلم عن ابن عباس، فألقى الله الإيمان في قلوبهم ثم أنزل قوله: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها...﴾.
ومن رحمة الله على عباده أنه يكتب الحسنات لمن لم يعملها إذا نواها، ولا يحاسب من نوى سيئة ولم يعملها، ويكتبها له حسنة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه قال فيما يرويه عن ربه: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك: فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم.

﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَيعلم الله المؤمنين هذا الدعاء الجامع بأن يتجاوز عن أخطائهم، وأن لا يحاسبهم على نسيانهم، وأن لا يحمّلهم أكثر مما يطيقون، وأن يعفوا عنهم ويغفر لهم، ويرحمهم، وينصرهم على من عاداهم.

وردت أحاديث في فضل خاتمة البقرة منها حديث ابن مسعود ان لنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) رواه البخاري، ويروي مسلم أن ملَكا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة).
 
بارك الله فيك اختي
جزاك الجنة

 
بارك الله فيك اختي

جزاك الجنة
شكرا لكي هذا التفسير مبسط يفهمه عامة الناس لذالك نقلته بارك الله فيك
 
بارك الله فيك
 
مليح تعودو تقروها ................صح رمضانكم
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top Bottom