نكران الجميل: بين الغدر والجحود

حاملـة المسك

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
15 ماي 2010
المشاركات
3,994
نقاط التفاعل
9,487
النقاط
191

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



نكران الجميل هو ألا يعترف الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه، يقول تعالى: "يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا"، النحل-83. نكران الجميل دليل على خسة النفس، فصاحب هذه النفس المعروف لديه ضائع والشكر عنده مهجور وأقصى ما يرنو إليه هو تحقير المعروف الذي أسدي إليه وعدم الوفاء لمن أحسن إليه. "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين". فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه من الله أو من الناس فهو منكر للجميل جاحد للنعمة. فهل مصير الإحسان يكون العصيان؟. القصص كثيرة في الغدر ونكران الجميل والجحود من ناس أن قابلتهم بإحسان قابلوك بنكران الجميل، وأن أعطيتهم إنج أخذوا منك قدم، ويحذرنا الامام علي كرم الله وجهه من هؤلاء بقوله: "إتق شر من أحسنت إليه". فهل أصبح نكران الجميل صفة سائدة فى مجتمعنا؟. ولكن لو خليت لقلبت وكل اناء بما فيه ينضح. قال تعالى: "إنا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفورا".

والنفس البشرية السوية تحب من أحسن إليها بل وإن الإحسان يقلب مشاعرها العدوانية إلى موالاة حميمة، يقول تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، فصلت-34. لذا فإن النفس التي تنكر الجميل والإحسان وتتناساه هي نفس لئيمة وجحودة، فالكريم شكور أو مشكور واللئيم كفور أو مكفور. ويسمى هذا الأمر في حق الله تعالى: كفران النعم وجحودها.
والأعتقاد السائد عند أغلب الناس في الصورة الواجبة لشكر النعم الاكتفاء بقول الحمد لله دون استكمال أركان الشكر والذي من أهمها أن يتذكر أنه أعطي ما أعطي ليستعين بها إلى الوصول لله تعالى ويستخدمها في طاعته. فمن أهم أسباب حجود النعم هو الغفلة عنها لأنها متوافرة لعمومها ومبذولة في الغالب بلا أدنى سبب كالسمع والبصر وغير ذلك..فلا يرى كل واحد لنفسه منهم اختصاصا بها فيقصرون في الشكر. فإذا سلبت هذه النعمة أو شيئا منها ثم عادت إلى الإنسان قدر ذلك واعتبرها عندئذ نعمة فأصبح الشكر موقوفا على سلب النعمة ثم ردها. فالإنسان الجحود لنعم الله هو الكنود الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه"، فلا يرى ولا يبحث إلا عما ينقصه، وهذا مدخل عظيم يوصل إلى نكران النعم.

من الأمراض الاجتماعية التي تتفشى وتنتشر بين الناس نكران الجميل وهي صفة مذمومة عند الناس ما تقشعر لها الأبدان، فإذا كنت قد ابتليت بذلك فكان الله في عونك؛ لما يتركه ذلك النكران في نفسك من آثار سيئة تحتاج إلى قوة تحمل وصبر مؤمن للتخلص منها. ونكران الجميل يتنافى مع طبائع النفوس السوية، التي طُبعت على حب مَنْ أحسن إليها، والتسامح والعفو مع مَنْ أساء إليها. وكثيرة هي النماذج التي نسمع عنها بين الحين والآخر لما يمثل عقوقاً للوالدين بنكران جميلهما، أو ما نعرفه عن أصدقاء تقطعت بينهم صلات المودة والصداقة بعد أن تنكر بعضهم لبعض في الجحود والنكران. ما يجعلنا نتذكر ترك المكافأة من التطفيف وجزاء سنمَّار ويقتل القتيل ويمشي في جنازته. إننا في حاجة إلى أن يقف كُلٌّ منَّا وقفة مراجعة مع نفسه من وقت لآخر؛ ليتأكد أنه في علاقاته مع غيره يسير على الطريق السوي الذي يكون سبباً في سعادته، وطريقاً لإرتقائه في التعامل مع غيره، فلا يُنكر لهم حقاً، ولا يجحد لهم معروفاً. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ استعاذ بالله فأعيذوه، ومَنْ سألكم فأعطوه، ومَنْ دعاكم فأجيبوه، ومَنْ آتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإنْ لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

نكران الجميل من شيم اللئام، ومن لم يشكر الناس لم يشكرالله. وقد وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه،"من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور". أما أن يحسن الناس إلى آخرين فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الإحسان بالفضل والإمتنان. أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته.. ... ..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ومن الناس من يسأل الله النعمة سواءً من المال أو الصحة أو الولد فإذا أعطاه الله، نسي فضل الله، وبدلاً من أن يشكر الله ويوجه ما أعطاه في مرضاته، نراه يستعملها فيما ينافي الشكر بل فيما يغضب الله عز وجل، وحال هذا يشبه حال من قال الله فيهم "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون"، التوبة 75-76.
وأما نكران الجميل مع الناس فله صور متعددة، فقد يكون بين الزوج وزوجته، وبين الآباء والأبناء، وبين عامة الناس. وكم من زوج ينسى ما بينه وبين زوجه من الجميل والإحسان ويبدأ برصد السقطات وإغفال الحسنات وقد يكون بسبب نفسه اللئيمة، والله عز وجل يقول "ولا تنسوا الفضل بينكم"، البقرة. فكم من زوجة يحسن إليها زوجها وعند أول خلاف قالت: ما رأيت منك خيرًا قط. وهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حفظ جميل خديجة رضي الله عنها حتى بعد وفاتها.

وكم من أم مات زوجها فضحت بنفسها ومالها ليكمل ابنها الطريق، بل ونحتت الصخر حتى ظهر شأنه وعلا، ولما فتح الله عليه، ووسع له في رزقه إذا به يتنكر لتلك الأم الرائعة، بل ويفضل زوجته عليها، بل ربما وصل الأمر لحد العقوق فكم من أم بكت من ولدها.. الله أكبر فالكبائر هي بكاء الوالدين من العقوق. وقد تحدث مثل هذه الصورة و غيرها مع الأب كذلك. وليحمد الله ويشكره كل رجل يرزقه الله بزوجة تذكره وتحرضه على بر والديه، وخاصة الأم، فالزوجة الصالحة تزيد صلة الرحم والسعادة، ومن علامات توفيق الله للعبد. ومن صور نكران جميل الوالدين: ما يبذله الوالدان من جهدهما ومالهما ووقتهما لصلاح أولادهما، وربما تحملا المشاق ليصل إلى حلقة في مسجد أو مدرسة تعينه على الصلاح فإذا ما يسر الله للابن صحبة طيبة أو شيوخاً أفاضل أو معلمين أجلاء، فثبت أقدامه على الطريق وصلح حاله، واستقام، نسب الفضل لهؤلاء بعد الله دون والديه وربما لم ير لهما فضلاً في صلاحه، نعوذ بالله من الخذلان. وفي المقابل، من الآباء والأمهات من يرزقه الله بصلاح أولادهم وبرهم، ولكنهم ينكرون ما يقدمه الأولاد لهم، ويتعنتون، ويصبح هذا البر كالسيف المسلط على كل أمر. وإن كان على الأبناء الصبر والاحتساب فلن يضيع الله أجورهم، إلا أنه يدخل الشيطان بينهم، ويقتل الحب بين الآباء والأبناء، والله المستعان. وعلى الوالدين أن يحسنا إنزال البر في مواضعه حتى يكونوا عوناً لأولادهم على زيادة البر والعطاء.

وهناك صورة أصبحت متفشية للأسف، وهي أن يكون الإنسان في غفلة وتيه عن الحق، منغمساً في ضلالة وعصيان، فيقيض الله له داعية أو مصلحاً فينتشله مما كان فيه، ويكون سبباً في هدايته، حتى إذا ما فتح الله عليه، واستزاد في طريقه وتعرف على من يظن أنه أعلم نسي صاحب الفضل الأول عليه بعد الله بل ربما انقلب عليه وأصبح همه وشغله الشاغل تتبع عوراته وزلاته، ويحرص على فضحه والتشهير به.
فيالله أي نفس لئيمة هذه ؟! وهذا العيب له آثار وخيمة منها: يؤدي إلى نسيان نعم الله على العبد، وبالتالي إلى الجحود، فمن كانت عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له. وهذا من أسباب زوال النعمة بعد حصولها، تخلي الناس عنه وخاصة عندما يحتاج إلى المعونة، ويؤدي إلى تولد الكراهية ويقطع الأواصر بين الناس، ويجلب الشقاء ونكد البال وسوء الحال.

عليك أن تعاهد النفس بتذكيرها نعم الله عليها دوما، يقول تعالى: "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم" فاطر 3. نلاحظ قوله تعالى "اذكروا" فيها أمر للإنسان أن يذكر نفسه التي من طبيعتها النسيان، فهي تحتاج إلى وقفات تستعرض النعم استعراضاً نعمة نعمة حتى يثمر ذلك الشكر، وإلا فإن تقلب الإنسان فيها إن لم يذكر نفسه أنها من الله تجعله يركن إليها، وينسى أداء حقها والله المستعان. الحرص على الاتصال بحلقات الذكر ومجالسة من يذكر النفس بالحقوق وأدائها لأصحابها. المسارعة في رد المعروف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أتى عليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافؤنه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

الكريم يحفظ ود ساعة، ولا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لا تصنعه إليه. فأجره عند الله لن يضيع، وسيرفع الله قدره وشأنه عند الناس، ويخذل من ينكر صنيعه. فيالله أي نفس لئيمة هذه ؟! وهذا العيب له آثار وخيمة منها: يؤدي إلى نسيان نعم الله على العبد، وبالتالي إلى الجحود، فمن كانت عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له. وهذا من أسباب زوال النعمة بعد حصولها، تخلي الناس عنه وخاصة عندما يحتاج إلى المعونة، ويؤدي إلى تولد الكراهية ويقطع الأواصر بين الناس، ويجلب الشقاء ونكد البال وسوء الحال.

وفي دار العجزة يطأ كل مسن وسادته وحسرات الأحلام الجميلة تتبعثر دون ان يسمع كلمة أبي أو أمي من الذين سقاهم خيرا بعرق جبينه ليهتموا به في هذه الأوقات. عندما يأتي الليل بظلامه وتزدان شجون النفس في الحسرة والألم، تجد هناك من يطأ رأسه على الوسادة الخاوية كل مساء دون أحلام جميلة وبلا كلمة أبي أو أمي تقول له تصبح على خير. إذا بلغت القمة وتحققت أهدافك وأستقرت بك الأحوال فوجه نظرك إلى السفح لترى من عاونك في الصعود إليها بالتضحية والكفاح وانظر إلى السماء وتذكر من كان يناجي رب العرش المبين بالصلاة والدعاء ليثبت الله أقدامك على الأرض. سؤال موجه بأنين السنين ودموع الحنين هو لماذا لايأتون لزيارتي بعد ان وعدوني أنهم سيكونوا حولي صباحا ومساءا. هواجس النفس وعزلة الدعاء مع الله تضج بالمرارة وتعلو بالصبر وتهمس بدمعة حزينة على كل عاق بحق والديه ونكران حسن صنيعهم له. وتمر الأيام متثاقلة وينظر الأب من شباك غرفته لعل الزائر القادم هو أبني/بنتي، وأم تعيش ذكريات الحمل والولادة والرعاية والأهتمام لذلك الأبن/ البنت ولكن هيهات من يسمع نداء الضمير إلا القليل. يبقى الغريب من المسنين في دار العجزة يعبر عن ضالته برحمة رب العالمين ودعاء شجي يرمي برأسه على سجادة الصلاة مع دمعة عتاب صامتة وكأنه يقول حسبنا الله ونعم الوكيل.

الله يا قلبي ما هذا الجهاد حين يكون الأب/الأم لازال يطلب من الله ان يعفو ويغفر عن أبنه الجاحد، اللهم إنه كان قد كفاني مؤونة الدنيا فاكفه مؤونة الآخرة. حقا كم أنت عظيم يا ربي بحكمتك وبلائك، وهم بأنتظار الموت وفي قلوبهم وحشة الحب والحنين وذكريات عميقة عن العفو والغفران. كم وقف الوالدين قرب باب البيت ينتظر بقلق إلى حين عودتكم، هل نظرت إلى عيونهم بين الراحة برؤيتك والإرتباك على تأخيرك. ها هو والدك اليوم رجل مهزوم بتجاعيد الزمان ولهفة اللقاء بك قبل الرحيل. ايها الأبن الذي نسي الجميل، بالله عليك هل هذا هو رد الجميل، اتق الله واعدهما الى وسط بيتك ستجد بركة الرزق والسعادة في الدنيا والاخرة، "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان".

إن الإنسان بطبيعته يعاشر الناس، وفيهم الكريم واللئيم فيهم من إذا أحسنت إليه شكرك وعرف لك الجميل وذكرك بالذكر الحسن وكافأك على المعروف متى ما سنحت له فرصة ولو بكلمة طيبة، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أن قد كافأتموه". ومنهم اللئيم من إذا أحسنت إليه تمرد وكفر معروفك وأنكر جميلك وتناساك وجفاك إذا انتهت مصلحته وتمت فائدته وهذا الضرب كثير في هذا الزمان والله المستعان. كثيرا من الكرماء لا يميزون بين الناس بين من يستحق الإحسان ومن لا يستحق ولذلك تقع لهم مشاكل وتواجههم عقبات في حياتهم العملية مما تصيبهم بالإحباط أو تسبب لهم الانقطاع عن بذل الخير أو غير ذلك من الآثار النفسية.

إن نكران الجميل وقلة الوفاء من الأخلاق الذميمة التي نهى عنها الشرع وحذر منها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". وهو يدل على سوء الخلق وقلة المروءة وفساد الرأي وأنانية النفس وضعف الإيمان. إنه إنكار للفضل وجحود بالإحسان الذي من الله به على عباده وفتح عليهم به وكفران للنعم "من صنع إليه معروف فوجده فليجز به فإن من أثنى فقد شكره ومن كتم فقد كفره". ومن كانت عادته كفران نعم الخلق وترك شكرهم كانت عادته كفران نعم الله وترك شكره. فلا يليق بالعاقل أبدا أن ينكر الإحسان ويتنكر له. إن اعتراف الإنسان بفضل الغير ومعروفه لا ينقص من قدره ولا يحط من منزلته بل يعلي قدره عند الله وفي عيون الخلق. إن المؤمن ينبغي عليه أن يكون وفيا شاكرا لأهل الإحسان ذاكرا للجميل حسن العهد بمن أحسن إليه يحفظ الود ويرعى حرمة من له صحبة وعشرة طويلة ولا ينسى المعروف لأهله ولو طال به الزمان، "إن حسن العهد من الإيمان".
وظلم ذوي القربى أشد مضاضه على النفس من وقع الحسام المهند

أن يحسن الأستاذ للتلميذ ويدله على طرق الخير ويصبر على جهله فإذا كبر التلميذ وصلب عوده وأصاب حظا من العلم وأدرك المسائل وصار من أهل العلم جفا أستاذه وتناسى معروفه ولم يحفظ له الجميل وربما أساء إليه وصار عاقا به. أن تحسن الزوجة إلى الزوج وتكون كريمة معه بصبرها وتضحي لأجله وتقف معه في فقره وشدته وتقدم له الشيء الكثير في سبيل نجاحه ومحبته وربما مرضه، فإذا استغنى الزوج وصلحت حاله وأقبلت عليه الدنيا رحل عنها وطردها وشردها في الوقت التي تكون في أمس الحاجة إلى عطائه وإحسانه فينسى معروفها ويتناساها ويقابل الإحسان بالإساءة وربما ذكرها بسوء.

وبعض المحسنين يشتكون أهل زمانهم في قلة الشكر والنكران للجميل وعدم الوفاء فإلى هؤلاء أقدم لهم وصايا نافعة: عند عطاءك بالإحسان والفضل كن واثقا بالله ومعتمدا عليه في النية الصالحة، إذا أحسنت فاجعله لله ولا تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا، وإتق شر من أحسنت إليه وكن على حذر من اللئيم، أحرص على اختيار الشخص المناسب من أهل المروءة والخير الذي يستحق الإحسان والكرم، وتوقع الخير والسلام من الذين أحسنت اليهم قبل توقع منهم النكران والجفاء، لا تجعل إحسانك للناس وعطائك على حساب أهلك ونفسك إلا إذا تيقنت أن إحسانك في موضعه وأن معروفك في أهل العلم والدين، ولا تلتفت أبدا إلى أقاويل الناس وإشاعاتهم التي تسفه الكريم على بذله وإحسانه وتذمه على منعه وإمساكه فإن كلام الناس غاية لا تدرك.

ولقد دعتني للخلاف عشيرتي.. ... ..فعددت قولهم من الإضلال
إني امرؤٌ فيَّ الوفـاء سجيـة.. ... .وفعال كل مهـذب مفضال


حين تكون عادة الإنسان نكران الجميل، وكفران الإحسان فإنه يسلك بذلك سبيلاً إلى النار، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله. وهكذا يوجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل وشكر من أسداه، بل والدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه". نكران الجميل سبب العقوبة وزوال النعم، ومن أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف. فإياك ونكران الجميل، واشكر صنائع المعروف، وكن من الأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة. الأنانية هي حب الذات ونكران الجميل هو الجحود وعدم الوفاء. أن تصنع معروفا لأحد وعندما تحتاجه يتنكر لك، "وأفوض أمري إلى الله إن الله عزيز حكيم". في مقابل نكران الذات هناك نكران الجميل، وكأنهما يغذي أحدهما الآخر، "ومن يصنع المعروف في غير أهله"، وعض الأيادي التي مدت له للمساعدة. إن غالبية أصحاب نكران الجميل هم ممن ينكرون ذواتهم، ولأن الطبع يغلب التطبع، فهم مهما حاولوا تغيير الطبع لا ينجحون، لذلك يستمرون في الشكوى. سبب جحود من تنصحه بنصيحة تغير أحواله إلى الأفضل، فهذا النوع من الجاحدين للجميل يمتطون صهوة النكران هرباً من شقٍّ ساعدهم صديقٌ على رتقه. فلا نملك إلا قول "حسبي الله ونعم الوكيل".

وعندما يصنع الإنسان جميلاً في أحد ما يجب ألا ينتظر حتى الشكر، ذلك حتى لا يصاب بصدمة، فعندما تخفف من توقعاتك الايجابية يسهل عليك تحمل الصدمات، من هنا نستوعب مغزى وجوهر الحكمة التي تنصح بفعل الخير ورميه في البحر، فللبحر رب كريم يحصي كل شيء، ومهما كان البحر عميقاً واسعاً، فإن ما رميته فيه من الخير لن يضيع، بل عليك التفكير في جميل آخر، ولكن لشخص آخر، عندها ربما تكتشف أن الدنيا ما زالت بخير، وأن الأوفياء لم ينقرضوا حتى الآن.

إن نكران الجميل هو أن تنسى معروف أسدي اليك، نكران جميل الخالق عز وجل "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِيِ أَحْسَِنِ تَقْوِيِمْ ". عدم القيام بفرائض الإسلام هو نكران جميل لرحمة الله، حتى إذا أردنا شي من الخالق في الامور التي لا نقدر عليها لجأنا اليه بالدعاء.

أعلم أيها الجاحد أنه ليس من العيب أن تنسب الفضل إلى أحد بعد الله فالناس للناس. وأنت يا فاعل الخير،لا تكن سببا في تنكر الآخرين لك، فإلحاق المنة بالخدمة والتذكير بها تجعل منها ذلا وأذى يكون الجحود هو السبيل للخلاص منها ."إتق شر من أحسنت إليه"، أصبحت من المؤكد أنها حصيلة تجارب فعلية وحقيقية .أمر محزن هو أن تفعل المعروف بحذر وتخشى ليس فقط الجحود والنكران بل وطعنة تأتيك من الظهر. قد لا يكون الجحود بأنكار المعروف بل قد يكون بأنكارك ذاتك والتغاضي عن تواجدك. إن نكران الجميل هو أن تنسى معروف أسدي اليك، نكران جميل الخالق عز وجل "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِيِ أَحْسَِنِ تَقْوِيِمْ ". عدم القيام بفرائض الإسلام هو نكران جميل لرحمة الله، حتى إذا أردنا شي من الخالق في الامور التي لا نقدر عليها لجأنا اليه بالدعاء.

كان هناك بنت فاقدة البصر، كَرهتْ نفسها لأنها كَانتْ عمياءَ، وكرهت كُلّ شخص في الدنيا، ما عدا خليلِها المحبِّ، وهو الذي كَانَ دائماً بقربها. أخبرتْ الفتاة خليلَها: فقط إذا تمكنت أَنْ أَرى العالم، فسَأَتزوّجُك. وفي أحد الأيام تبرع شخص ما بزوج من العيونِ إليها، وعندما تم إزالة الضمادات، أصبحت الفتاة قادرة على رُؤية كُلّ شيءِ ، بما في ذلك حبيبها. سَألَها : (الآن بما أَنْ بإمكانك أن تَشاهدي العالمَ ، هَلْ ستَتزوّجُينني) ؟ ' نَظرتْ البنتُ إلى خليلِها وكانت مفاجأة لها أنه كَانَ أعمى، وجفونِه المُغلقةِ صَدمتْها، وهي التي ما كَانت لتتوقع ذلك، وفكرت بأنها ستقضي بقية حياتها إلى جواره مما دفعها لرفْض الزَواج به. تَركَها باكياً وبَعْدَ أيام كَتبَ إليها مُلاحظة: ( رجاءً إعتني كثيراً بعينيِكَ يا حبيبتي ، فقد كانتا عيناي من قبل ) . هكذا دماغ الإنسان يَعْملُ في أغلب الأحيان، عندما تَتغيّرُ منزلتنا، فقط القليل جداً يَتذكّرُ ما كانت حياتنا قبل ذلك، وكيف كنا دائماً إلى جانبِهم في الحالاتِ الأكثر ألماً.
من يبتغي رضاء المولي عز وجل لا يتوقف كثيرا أمام تصرفات العباد شكروه أو جحدوه. ومن ينتظر رضى الناس فعليه أن يتحمل تصرفاتهم! من يقدم علم ومساعدة لأخوانه يحتسب ذلك عند ربه. لا تحزن أيها الكريم وتوكل على من خلقك ويعرف ما في داخلك من نيات ولا تهتم برأي الناس.
اعلمه الرماية كل يوم ........ فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ......... فلما قال قافية هجاني


"اتقوا الله في الأمهات والآباء": اللهم يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت أن تبسط على والدينا من بركاتك ورحمتك ورزقك. اللهم ألبسهم العافية حتى تهنئهم وتسعدهم بالمعيشة، واختم لهم بالمغفرة حتى لا تضرهم الذنوب. اللهم اكفيهم كل هول دون الجنة حتى تُبَلِّغْهم إياه. برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم لا تجعل لهم ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولهم فيها صلاح إلا قضيتها وأعنتهم على قضائها. اللهم ولا تجعل لهم حاجة عند أحد غيرك، اللهم وأقر أعينهم بما يتمنوه لنا في الدنيا، اللهم إجعل أوقاتهم بذكرك معمورة، اللهم أسعدهم بتقواك، اللهم اجعلهم في ضمانك وأمانك وإحسانك وعفوك وجود كرمك، اللهم ارزقهم عيشا قارا، ورزقا دارا، وعملا بارا، اللهم ارزقهم الجنة وما يقربها إليهم من قول أو عمل وباعد بينهم وبين النار وبين ما يقربهم إليها من قول أو عمل، اللهم اجعلهم من الذاكرين لك، الشاكرين لك، الطائعين لك، المنيبين لك اللهم واجعل أوسع رزقهم عند كبر سنهم وانقطاع عمرهم، اللهم واغفر لهم جميع ما مضى من ذنوبهم، واعصمهم فيما بقي من عمرهم، وارزقهم عملا زاكيا ترضى به عنهم اللهم تقبل توبتهم، وأجب دعوتهم اللهم إنا نعوذ بك أن تردهم إلى أرذل العمر، اللهم واختم بالحسنات أعمالهم. اللهم وأعنا على برهم حتى ترضى عنا فترضى ، اللهم اعنا على الإحسان إليهم في كبرهم. اللهم ورضهم علينا، اللهم ولا تتوفاهم إلا وهم راضين عنا تمام الرضى. اللهم واعنا على خدمتهم كما ينبغي لهم علينا، اللهم اجعلنا بارين طائعين لهم. اللهم ارزقنا رضاهم ونعوذ بك من عقوقهم، اللهم ارزقنا رضاهم ونعوذ بك من عقوقهم. اللهم ارزقنا رضاهم ونعوذ بك من عقوقهم، اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين، اللهم اني أسألك من خير ما سألك به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واستعيذ بك من شر ما استعاذ به محمد صلى الله عليه و آله وسلم، اللهم ارزقنا زهو جنانك، وشربه من حوض نبيك واسكنه دار تضيء بنور وجهك، اللهم لا تجعل لنا في هذه الدنيا همًا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا يسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعلنا ممن يورثون الجنان ويبشرون بروح وريحان ورب غير غضبان.

أيهما أسوء أن تخذل شخصاً آمن بك بكل قواه، أم أن يخذلك أنت شخصٌ وثقت به ونظرت إليه بإكبار؟. الخذلان شيء أكثر إيلاماً، وأسوأ أنواع نكران الجميل هو خذلان عديل الروح. إن الآثام التي يأتي بها الإنسان في حياته، غالباً ما تذكر بعد وفاته، ولكن أعماله الحميدة تدفن كما يدفن جسده وتنسى. فالرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا إلا أمثالهم. نكران الجميل أشد وقعاً من سيف القادر.
الرحمة جوهر القانون، ولا يستخدم القانون بقسوة إلا للطغاة، وعلى المرء أن ينتظر حلول المساء ليعرف كم كان نهاره عظيماً. الذئب ما كان ليكون ذئباً لو لم تكن الخرافُ خرافا، ولا يكفي أن تساعد الضعيف بل ينبغي أن تدعمه. ليس من الشجاعة أن تنتقم، بل أن تتحمل وتصبر، فمن خلال أشواك الخطر نحصل على زهور السلام.
أخوك من صدقٌك لا من صدقك، الصديق إما أن ينفع أو يشفع، جواهر الأخلاق تصفها المعاشرة.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته…وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
نماذج ساقطة لا تستحق الحب ولا التضحية من أجلها لأنها تعشق الإساءة وتنتظر اللحظة القاسية التي نحتاجهم بها فينسحبون بقناع الخيانة وعدم التضحية.

مما راق لي

 
شكرا لك
موضوع رائع و يستحق التقييم
 
شكرا لك
موضوع رائع و يستحق التقييم

العفو
يبدو لي انه سبق لك قراءة المقال كون 3 د غير كافية لاستوعابه كاملا
شكرا للتقييم و المرور
 
موضوع هادف قاسني بزاف بارك الله فيك
 
موضوع يستحق التقدير مثل صاحبه
 
بارك الله فيك على الطرح الاكثر من رائع وان كان طويل فهو مفيد بارك الله فيك مرة اخرى وتستحقين التقييم​
 


بارك الله فيك و جزاك الله كل خير

جعله الله في ميزان حسناتك ان شاء الله

بالتوفيق ...
 
BRAHIM.BARçA211 youcef29 محـ أمين مد

جزيتم خيرا لمروركم...تحياتي
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top