قصص اسلامية

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

اسامة معضادي

:: عضو مُشارك ::
إنضم
31 ديسمبر 2007
المشاركات
102
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
العمر
27
قصص إسلامية
الْمَرْأَةُ العَجُوزُ
وَقَعَتْ أَحْدَاثُ هذهِ القِصَّة في عهدِ خِلافةِ أبو بَكْرٍ الصِدّيق رضيَ اللَّهُ عَنْهُ وعِنْدها كان عَمَرُ بْنُ الخَطَّاب رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يراقبُ ما يفعلهُ أبو بَكْر ويأتي بضِعْفِ ما يفعلُ حتى ينالَ الخيرَ ويسبِقُهُ إلى أَعْلى مَرَاتِبِ الجنَّة.. وشَدَّ انْتِبَاهُ عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ أبا بَكْر يخرجُ إلى أَطْرَافِ المدينةِ بعد صلاةِ الفجرِ ويَمُرّ بكوخٍ صغيرٍ ويَدْخُلُ به لِسَاعَاتٍ ثُمّ يَنْصَرِفُ لِبَيْتِهِ... وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ ما بِدَاخِلِ البَيْتِ ولا يدرِي ما يَفْعَلُهُ أبو بكر الصِدِّيق داخِلَ هذا البيتِ لأنَّ عُمَرَ يَعْرِفُ كُلَّ ما يَفْعَلُهُ أبو بَكْرِ الصِدِّيق مِنْ خَيْرٍ إلا ما كان من أَمْرِ هذا البيتِ الَّذِي لا يعلمُ عُمَر سِرَّهُ!!
مَرَّتِ الأَيامُ وما زالَ الصِدِّيقُ يزورُ هذا البيت، إِلى أنْ قَرَّرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ دُخُولَ البيتِ بَعْدَ خُروج أبو بَكَرٍ مِنْهُ لِيُشَاهِدَ بِعَيْنِهِ ما بِدَاخِلِهِ ولِيَعْرِفَ ماذا يَفْعَلُ فيهِ الصِدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ بَعْدَ صلاةِ الفَجْرِ!!
حِيْنَمَا دَخَلَ عُمَرُ في هذا الكُوخِ الصَّغِيرِ وَجَدَ سَيِّدةً عَجُوزَ لا تَقْوَى على الحِرَاك كما أَنَّها عَمْياءُ العَيْنَيْنِ.
سَأَلَ عُمَرُ: مَاذا يفعلُ هذا الرَّجُلُ عِنْدَكُمْ؟ (يَقْصِدُ أَبو بَكْرٍ الصِدِّيق) فَأَجَابَتِ العَجُوزُ وقالتْ: واللَّهِ لا أَعْلَمُ يا بُنَيّ! فهذا الرَّجُلُ يَأْتِي كُلَّ صَبَاحٍ ويُنَظِّفُ لي البَيْتَ ويَكْنُسُهُ وَمِنْ ثُمَّ يُعِدُّ لِي الطَّعَامَ ويَنْصَرِفُ دُونَ أَنْ يُكَلِّمَني!!؟؟
جَثَمَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ عِبَارَتَهُ المَشْهُورَةُ وَهُوَ يَبْكِي: «لَقَدْ أَتْعَبْتَ الخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِكَ يا أبا بَكْرٍ».


خَلُّو بَيْني وبَيْنَ ناقَتي
الرَّحْمَةُ يا أَصْدِقَائِي أَنْبَلُ الصِّفَاتِ التي يجبُ أنْ يتمتَّعُ بها الصغيرُ والكبيرُ، والراحمونَ يرحمُهُم اللَّهُ، ومعاملةُ الناسِ بالرَّأْفَةِ والسَّمَاحَةِ لا يعني ذلكَ تحقيراً لنفسِكَ أو إهانةً لها، لأن العَفْوَ عِنْدَ المقدرة لا يزيدُ الإنسانُ الحليمُ إِلا رُقِيًّا في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرة.
ولا شكَّ أبداً أنكم لا تُؤذونَ حتى قطةً صغيرةً، حتى النباتَ الذي لا يشعرُ يجبُ ألاَّ نُؤْذِيَهُ، دونَ فائدةٍ فقد نُهِينَا نحنُ المسلمونَ أن نَقْتلَ عصفوراً للتسليةِ أو نقطعَ شجرةً لِمُجَرَّدِ الَّلهْوِ.
الرحمةُ عنوانُ الإنسانية، والردُّ على المسيءِ بالإحسانِ يُضفي على الإنسانِ بهاءً ولا أروع.
وَلْنَنَظُرْ يا أصدقائي إلى هذه القصةِ المدهشةِ، والتي جَرَتْ مع رسولِنَا الكريمِ، وأصحابِهِ مِنْ حَولِهِ يُرَاقبونَ أَفعالَهُ وأَقْوَالَهُ العظيمة.
هيا بنا نستمع إلى هذه الحادثة، ثم نتدارسُها، ونحاول أن نطبِّقها في حياتنا، وفي كلّ أمورنا، فمنها تفوحُ رائحةُ المِسْكِ الآتي من جَنباتِ السِّيرةِ الطاهرة.
كانَ الرسولُ الكريمُ جالساً في المسجدِ وحَوْله كِبارُ الصَّحَابةِ مِنْهم أَبو بكر وعُمر وعُثمانُ وعليّ، فَدَخَلَ الحَلَقَةَ رجلٌ من أهلِ الباديةِ وراحَ يقولُ بِغِلْظَةٍ ودونَ احترام:
يا محمَّد، اعْطِنِي ممّا أعطاكَ الله.
يا للغرابة، أَيُخَاطَبُ خَيْرُ البشر بهذا الأسلوبِ الفظِّ، لقد هزَّ أسلوبه هذا الصحابةَ الكرامْ، وظهرَ عليهم الغضبُ، فأشارَ إليهم رسولُ اللَّهِ أَنْ اُهْدَأوْا.
ثُمّ دَخَلَ إلى بَيْتِهِ وأَخْرَجَ للسَائِلِ بعضَ المالِ والطعامِ، وقال: هل أحسنتُ إليك؟
فقال الأَعْرابيّ: لا.. ولا أَجْمَلْتَ «أيْ ما صنعتَ معروفاً».
يا سبحانَ الله، إنّ هذه الكلمةُ جَعلَتِ الصَّحَابةَ الكرامَ يقفونَ غاضبينَ وأَيديهم إلى مقابِضِ سُيُوفِهِم، فالأَعرابيّ أهانَ رسولَ اللَّهِ بينَ أَصحابِهِ.
فَمَنَعَهُمُ الرسولُ الحليمُ مِنَ القِيَامِ بِأيِّ عملٍ، فتفرّقوا، ثم أعطى الرَّجُلَ وقال له: والآنْ هَلْ أَحسنتُ إليكَ؟
فقالَ الرجلُ بهدوءٍ ورِضًى: نَعَمْ، فجزاكَ اللَّهُ من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً.
فقالَ الرسولُ :
لقد قلتَ ما قلت، وفي نفوسِ أصحابي منكَ شيءٌ، فإذا كان الغدُ فتعالَ وقُلْ أمامهم إنكَ قد قنعتَ ورضيتَ، فذلك أحسنُ وأوفقُ، وأسلمْ لك ولهم.
وفي اليومِ التالي جاءَ البدويّ إلى المسجدِ، وجلسَ مع صَحَابةِ رسولِ اللهِ ، كواحدٍ منهم، يلفُّه الحياءُ ويكسوهُ الخجلُ، وينظرُ إلى الأرضِ.
فدعاهُ الرسولُ إلى جوارِهِ، ثم قال:
لقد زدتُ صاحبنا هذا على ما أعطيناهُ من قبل، فزعم أنَّهُ رَضِيَ، فطلبتُ إليهِ أنْ يقولَ ذلكَ أمامَكُم، ثم التفتَ إلى البدويّ وقال: أليسَ كذلك؟ فقال: نعم يا رسول اللَّهِ، فجزاكَ اللَّهُ من أهل وعشيرة خيراً.
فابتسمَ النبيّ وقال: «إنّما مَثَلي ومَثَلُكم ومثل هذا الرجل كَمَثَلِ رجل شَرَدَتْ له ناقةٌ، قطعتْ زِمامَها، وانطلقتْ هاربة، فَأراد بعضُ الناسِ أن يساعدوه على الإمساكِ بها، فقاموا يلاحقونها من هنا وهناك، فما زادوها إلا ابتعاداً ونفوراً.
فقالَ صاحبُها للناسِ: يا معشرَ الناسِ، كُفُّوا عن الملاحقةِ، وخلّوا بيني وبين ناقتي فأنا أَدرى بها منكم وأعلمُ، فتوقفوا عن المتابعةِ والجري، ثم إنّ الرجلَ جمع بيدهِ شيئاً من نَبَاتِ الأَرضِ، وتقدَّمَ على مهلٍ من الناقةِ، يلوِّحُ لها بما يحملُ، حتى ارتدَّتْ إليهِ هائدةً مستسلمة، فأمسكَ بِزِمَامها وعادَ بها.
ثم قال رسولُنا العظيم:
فلو تَرَكْتُكُم بالأَمْسِ تفعلونَ ما تريدون وقتلتمْ الرجل لَبُؤْتُمْ بِإِثْمِهِ، وَتَحَمَّلْتُمْ دَمَهُ.





أَجْوَدُ النَّاسِ
تَرَاهَنَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ عَمَّنْ هُوَ أَجْوَدُ النَّاسِ فِي عَصْرِهِمْ فقالَ أَحَدُهُمْ: أَجْوَدُ النَّاسِ في عَصْرِنَا قَيْسُ بنُ سَعْدَ بْنُ عَلْقَمه، وَقالَ آخرٌ: أجودُ النَّاسِ في عَصْرِنا عَبدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَر، وقالَ الثالثُ: أَجْوَدُ النَّاسِ في عَصْرِنَا عُرَابة الأَوْسي، فَتَشَاجَرُوا في ذلك فأَكْثَرُوا في الجِدَال، فقالَ لهمُ النَّاسُ، يمضي كُلُّ واحدٍ مِنْكُمْ إلى صَاحِبِهِ يَسْأَلُهُ حَتَّى نَنْظُرَ ما يُعْطِيهِ وَنَحْكُمَ على العَيَان.
فقامَ الأَوَّلُ وذهبَ إلى عبدِ اللَّهِ بن جعفر فصادفَهُ وهو يجهِّزُ نَفْسَهُ لِبَعْضِ أَسْفَارِهِ على راحِلَتِهِ، فقال: يا بْنَ عمِّ رسول اللَّهِ أنا ابْنُ سبيلٍ منقطعٍ، أريدُ رَفْدَكَ لأَسْتَعِينَ بِهِ، وكانَ قَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ وقالَ خُذْها «أَيْ الدَّابَّة» بما عَلَيها، فَأَخَذَهَا فإذا عَلَيها مَطَارفُ خَزّ «أي أثوابُ حرير» وأَلْفَا دِينار.
ومَضَى الآخرُ إلى قيسِ بْنِ سعدْ فَقَرَعَ البابَ فخرجتْ إليهِ جاريةٌ فقالتْ: ما حاجَتُكْ؟ فإِنَّهُ نائمٌ.
قال: ابنُ سبيلٍ منقطعٍ، أَتَيْتُ إِلِيهِ يُعِينُنِي على طَرِيقي.
فقالتْ: حاجَتُكَ أهونُ عليَّ من إِيقاظِهِ، ثُمّ أَخْرَجَتْ له صرّةً فيها ثلاثمائةِ دينار، وقالتْ له: امضِ إلى مَعَاطِنِ الإبلِ «أماكِن بروكِ الإبل» فَاخْتَرْ لكَ مِنْ راحلةٍ فَارْكَبْها وامضِ راشداً فَمَضَى الرجلُ فأخذَ المالَ والراحلةَ، ولمّا استَيْقَظَ قيسٌ أَخْبَرَتْهُ الجاريةُ بالخَبَرِ فَأَعْتَقَهَا.
وراحَ الثالثُ إلى عرابة الأوسي فَوَجَدَهُ قَدْ عُمِيَ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ المَنْزلِ يُريدُ المَسْجِدَ، وهوَ يمشي بينَ عَبْدَيْنِ، فقالَ: يا عرابة، ابنُ سبيلٍ منقطعٍ يريدُ رَفْدَكَ، فقال: واسَوْأَتَاهُ، واللَّهِ ما تَرَكَتِ الحقوقُ في بيتِ عرابة الدِّرْهَم الفَرْدَ، ولكنْ يا أخي خُذْ هَذَيْنِ العَبْدَيْنِ.
فقَالْ: ما كنتُ بالذي أَقُصُّ جَنَاحَيْكَ.
فقال: واللَّهِ، لا بدَّ مِنْ ذلك، وَإِنْ لَمْ تَأْخُذْهُمَا فَإِنَّهُمَا حَرّان، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنَ العَبْدَيْنِ، وَرَجَعَ إلى بَيْتِهِ، وَهَذَا الجِدَارُ يَلْطُمُهُ وهذا الجِدَارُ يَصْدُمُهُ حتى أثَرَ في وَجْهِهِ.
فلمّا اجْتَمَعُوا حَكَمُوا لِعُرَابة الأوسي بالجُودِ.


الطِّفْلُ اليَتيْمُ
بَعْدَ مضيّ أسبوعٍ واحدٍ على ولادةِ خيرِ الكائناتِ محمد رسول الله ، انتظرَتْ أمّهُ آمنةُ بنتُ وهب المراضِعَ من قبيلةِ بني سعد، لتَدْفَعَهُ إلى إحداهن، لِتُرْضِعَهُ وتهتمّ بهِ، وكانتْ هذِهِ من عادةِ قبائلِ أشرافِ العربِ، الذينَ يبعثونَ أبناءَهم إلى الباديةِ في اليومِ الثامنِ من وِلادتِهِم، ثم لا يعودونَ إلى بيوتِهم حتى يَبْلُغوا الثامنة من عمرهم.
وتأخّرتِ المراضعُ عن الوقتِ المحدّد لَهُنّ، فتطوّعت ثُوَيْبَةَ، جاريةُ عمّهِ أبي لهب، وهو من وُجَهَاءِ قُريشٍ وَسَادَتِها، وراحتْ تُرْضِعُهُ، وتُرْضِعُ مَعَهُ عَمّه حمزة، وكان قد وُلِدَ في العامِ نفسه مع رسولِ اللَّهِ .
وبعدَ مدةٍ وجيزَةٍ، وصلتْ مراضعُ بني سعد إلى مكّة المكرّمة، وكنّ يَتَسَابَقْنَ إلى ضمِّ أبناءِ الأَغْنِيَاءِ، ليأخذُنَ المالَ الوفيرَ مقابِلَ العنايةِ بهم، بينما كنّ يَعْرِضْنَ عن رسول الله لأن يتيمٌ فقيرُ الحالِ، وأمّهُ لا تملكُ من المالِ الكثير.
فأخذتْ كلُّ مُرْضِعَةٌ منهنَّ ولداً وبَقِيَتْ واحِدَةٌ لم تحظَ بولدٍ من أبناءِ الأَثْرِيَاءِ، وكانتْ هذهِ المرضعةُ تُدْعَى حليمة السعدية، وهي سيدةٌ كريمةٌ طيبةٌ مشهورةٌ بين قومِهَا بالصدقِ والوفاءِ، فقالت لزوجها:
واللَّهِ أَنِّي أكرهُ أَنْ أرجعَ معْ صُوَيْحَبَاتِي ولم آخذْ رضيعاً، واللَّهِ لأذهبنَّ لمحمدِ بنِ عبدِ المطّلب اليتيم وَلآخِذَنّهُ.
فوافق زَوجُها الحارثُ بن عبد العزى على قرارها وقال لها: خُذيهِ، عسى أنْ يَجعلَ اللَّهُ لنا فيه بَرَكَة.
وهكذا يا أصدقائي أَخَذَتْ حليمةُ هذا النورُ والرحمةُ والضياءُ، فكانَ حظَّها عظيماً أنْ تربِّي خيرُ البشرِ وأفضلَ الخَلْقِ بين يَدَيْها بِضعَ سنين.
وبعد أنْ وَصَلَتْ حليمة ومَعَها هذا الطفلُ الذي أَضاءَ الدنيا بنور الإسلامِ والإيمانِ حَدَثَتْ أمورٌ غريبةٌ، فبعد أنْ كانتَ حليمةُ فقيرةً، وتملكُ أغناماً ضعيفةً، سَمِنَتْ الأَغْنَامُ، ودرَّ لَبَنُهَا بكَثْرة، وباركَ اللهُ لها في كلِّ ما عندها.
وكيف لا يحدثُ ذلكَ، وقد أَنعمَ اللَّهُ عليها بهذا الشرفِ العظيمِ، وهذا العملُ الذي تَغْبطُهَا عَليهِ الملائكةُ.
وقَضى رَسُولُنا عليهِ الصلاةُ والسلامُ عامَيْن كامِلَيْنِ في الصحراءِ، تُرْضِعُهُ حليمةُ السعدية، وَتَخْضِنُهُ اُبْنَتُها الشيماءُ، وبعدَ عامينِ عادتْ بهِ حليمةُ إلى أُمِّهِ آمنة فَأَرْجَعَتْهُ أُمُّهُ إليها حتى يكونَ فِي صِحّةٍ أَفضلَ ويكبرُ قليلاً في أَجواءِ الباديةِ الصافية.
ونعلمُ يا أَصْدِقائي من قُصَصِ السِّيرةِ الشريفةِ أنّ رسولَ اللَّهِ وبعدَ أن أَتَمَّ مِنَ العمرِ ثلاثَ سنواتٍ، وبينَما كانَ يلعبُ خلفَ بيوتِ بني سعدٍ وخيامِهِم وكان مَعَهُ أخوهُ مِنَ الرِّضَاعِ وَهُوَ فِي مِثْلِ سِنِّهِ، فجأةً رَكَضَ الطِّفْلُ مُسْتَنْجِداً بحليمة: أخي محمدٌ أخذهُ رَجُلانِ عليهِمَا ثيابٌ بيضُ، فأَضْجَعَاهُ فَشَقَا بَطْنَهُ وَرَاحَا يُقَلِّبَانِهِ.
تقولُ حليمة: خرجتُ أنا وأبوهُ نحوَهُ: «تقصدُ زوجَها الحارث» فوجدناهُ قائماً سليماً، ولكنّه أصفرُ اللونِ، فقلتُ لهُ: ما لكَ يا بني؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ : جاءَني رجلان يا أمّاهُ، عليهِمَا ثيابٌ بيضٌ، فأَضْجَعَانِي فَشَقَا بطني، فالتَمَسَا فيهِ شيئاً لَمْ أَدْرِ ما هو.
فَخَافَتْ حليمة، وحَمَلَتْهُ فوراً إلى مكّة ولكنّ أمَّهُ آمنةُ أعادتْهُ إليها بعدَ أنْ اطمأنّتْ عليهِ.
وقضى رسولُ اللَّهِ خمسُ سنواتٍ ترعاهُ حليمة وتَهْتّمُ به، وبعدَ أن رَجِعَ إلى مكّة، أَخَذَتْهُ أمُّهُ إلى المدينةِ المنورةِ «وكانَ اسْمُهَا يَثْرب» لِيَرَاه أخوالُ جَدِّهِ مِنْ بَني النَّجَّار.
وقالتْ لهُ: هذا هو البيتُ الذي ماتَ فيهِ أبوكَ، وهنا دُفِنَ.
عند ذَلكَ صَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ وقد غَالَبَهُ حزنٌ شديدٌ، فَخَفَفَتْ عنهُ أُمُّهُ، ومَسَحَتْ على رأسِهِ، فَتَبَسَّمَ وذهبَ عنهُ الحزنُ. وظلّ رسولُ اللَّهِ مع أمِّه شهراً كاملاً، وعندما أرادت العَوْدةُ إِلى مكّة، وفي طريقِ العودةِ، مَرِضَتْ آمنة، وأَصْبَحَتْ غيرُ قادرةٍ على الكلامِ، ولمْ تمضِ أيامٌ حتى ماتَتْ. بكى رَسُولُ اللَّهِ وبكى كلُّ من عَرَفَ قِصَّتُهُ، لقدْ أصبحَ محمدٌ محروماً من الأمِّ والأَبِ.
ولكنَّ اللَّهَ لمْ يتركَ هذا الصبيُّ الصغيرُ، فآواهُ وهداهُ، حتى أصبحَ هادياً للبشريّةِ جمعاءُ.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا رسولُ اللَّهِ ، ففي قصَّتِكَ مُوَاساة، لِكُلِّ أيتامِ الأرضِ، ولكلِّ مصيبةٍ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنيا.


مِنْ مَكَّةَ إِلى الأَقْصَى
بَعْدَ أَنْ قَامَ رَسولُ اللَّهِ بِرِحلةِ الإسراءِ المباركةِ مِنْ مكَّةَ المكرَّمَةَ إلى بيتِ المقدسِ، وصلّى بالأَنبياءِ إماماً، ثم عَرَجَ بهِ إلى السَّمَواتِ العُلا، ورأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ ما رَأى، عادَ إلى فِرَاشِهِ وكانَ لَمْ يَزَلْ دافئاً.
وحدّثَ رسولُنا الكريمُ أهلَ قُرَيْشٍ بهذهِ الرِّحْلةِ المعجزةِ، وأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بما رأى من الآياتِ العظيماتِ.
واسْتَغْرَبَ المُشْركُونَ حديثَ رسولِ اللَّهِ، وكَذَّبوه، وادَّعوا أنَّ الرِّحلةَ بين مكّة وبيتِ المقدسِ تَقْطَعُهَا الإِبلُ في شهورٍ، فكيفَ يَقْطَعُهَا ذهاباً وعودةً ويَظَلُّ فِرَاشُهُ دافئاً.
فَسَاقَ لهمْ رسولُ اللَّهِ الأَدِلّةَ الدَامِغَةَ، ومنها أَنَّهُ رأى لهمْ قافلةً عائدةً من الشامِ، فيها رجالٌ يَعْرِفُهُمْ، إِلاَّ أَنَّهمْ أَصَرّوا على تَكْذِيبِهِ، غيرَ مصدِّقين أنّه أُسْرِيَ بِهِ لأَنَّه لم يَدَّعِ أنَّهُ قَطَعَها كما يَقْطَعُونها على ظُهُورِ الإِبلِ. وقدْ وَصَلَ الخبُر إلى أَبي بَكرِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، عندما ذَهَبَ المُشْرِكُونَ إليهِ يقولونَ لهُ: إنّ صاحِبَكَ يقولُ كَذَا وكذا، مدّعِينَ أنّه كلامٌ كذبٌ وغيرُ معقولْ. فكانَ رَدُّهُ رَدُّ الرَّجُل الواثِقُ المؤمِنُ: واللَّهِ إنْ كانَ قَال ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ. فَما أَبْلَغَ ما قالَهُ هذا الرَّجلُ العظيمُ، وهذا ما دعا رسُولُنا الكريمُ إلى تسميته بــ «الصِّدِّيق» فقد صَدّقَهُ حين كَذَّبَهُ النَّاسُ، وهاجَرَ مَعَهُ في أقسى مراحلِ الدَّعْوةِ وأشدّها خطراً، ونزلَ فيهِ قرآنٌ يُتْلَى ويتعبّدُّ بِقِرَاءَتِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.





قِطْعَةُ البْرُونْز
نَحْنُ دَائِماً نَسْمَعُ ونَقْرَأُ قِصَصَ الصَّالِحِينَ في تُراثِنَا العريقِ، ونستمِدُّ منها العِبَرَ البالغةَ، والحِكَمَ المفيدةَ، وتكونُ في قلوبِنا كالإِشْرَاقاتِ المضيئةِ.
وسَأَرْوِي لَكُمْ يا أحبَّائي قِصّةً من أروعِ ما يُمْكِنُ أَنْ نَسْمَعَهُ في حادثةٍ وَقَعَتْ قبلَ مِئاتِ السنينِ ولكنّها تؤكّدُ على المثالِ الراقي، والخُلُقِ الرفيعِ، والإيمانِ العميق.
بطلُ قِصّتنا هو الخليفةُ الراشدي الثاني عُمَرُ بن الخطّاب رضي الله عنه، وأنْتُمْ تَعْرِفُونَ يا أَصدقائي عَدالةَ هذا الإنسان الفذّ، ورَجَاحَةَ عَقْلِهِ، وصَلاَبَتِهِ في الحقِّ، وشدَّتِهِ فِي حِفْظِ الأمانة.
وفي الحادثةِ، أنَّ عُمَرَ الفاروق، رأى اُبنَهُ عبدُ اللَّهِ وفي يدِهِ قطعةُ نقدٍ برونزية، وهذا النوعُ من النّقْدِ لَمْ يَكُنْ لهُ قيمةٌ كبيرةٌ ولم يكنْ رائجاً لقلّة قِيمتِهِ، فسألَ الخليفةُ ابنَهُ: مِنْ أَينَ لكَ هذا وليسَ في جيبِ أبيكَ ولا في بيتِهِ مِثْلَهُ؟
وهُوَ يقصدُ أنَّهُ لا يملكُ مِنَ المالِ شيئاً، يا سبحانَ اللَّهِ، خليفَةٌ كبيرٌ، يحكمُ الأمّةَ، وتحتَ يديهِ أموالُها وغنائِمُها، وليسَ في بيتِهِ حتى قِطعَةَ نقدٍ برونزية، ورَغْمَ ذلكَ لم يتغاضَ عنْ وجودِهَا في يدِ ابنِهِ ويقولُ ليستْ ذاتَ أَهَمِّيَةً، بل سألَهُ بِحَزْمٍ عن مَصْدَرِها.
فقَالَ الغُلامُ، بصِدْقٍ وإِيمانٍ، فهوَ لا يخافُ مِنْ أَبِيهِ لأنَّ أباهُ يُعَامِلُهُ كَرَجُلٍ، ولم يكذِبْ لأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الصِّدْقَ مَنْجَاةٌ، وأنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الكاذِبين.
قال: هي مِنْ أبي موسى الأشعريّ.
وكانَ أبو موسى في ذلكَ الحينِ مسؤولاً عن بيتِ مالِ المسلمينْ، وهذا البيتُ هو عبارةٌ عن مكانٍ تُخَزَّنُ فيهِ الأموالُ وكلُّ ما تَمْلُكُهُ الدَّوْلَةُ من مَنْقولاتٍ وغنائِمُ حَرْبٍ وزكاةٍ وضرائبٍ وجِزْيَةٍ.
فماذا فعلَ الفاروقُ رضي الله عنه؟
لم يَسْكُتْ الخليفةُ، بَلْ أَخَذَ بِيَدِ اُبنِهِ وَقَصَدَ أبا موسى، وصاحَ بِهِ قائلاً: «أنتَ أعطيتَ ابني هذهِ القطعة؟» فقال: نعم يا أميرَ المؤمنين، فقال عُمَرُ غاضباً، ولماذا؟ قالَ أبو موسى: أحصيتُ مالَ المسلمينَ فوجدتُهُ ذهباً وفضةً وليسَ فيهِ من البرونز سوى هذهِ القطعةُ، فلم أَشَأْ أنْ أُحَرِّرَ بها قائمةً مفردةً فَأَعْطَيْتُهَا عبد الله.
بعد أنْ سَمِعَ عُمَرُ مَقَالَةَ أبي موسى، كيف ستكونُ يا أصدقائي ردّة فعلِ الفاروقِ رضي الله عنه؟ هل سَيَهْدأُ ويمضي مَعَ اُبنهِ بعد أنْ تأكّدَ أنّ القطعةَ مِنْ بيتِ المالِ، وأنّ ابنَهُ حَصَلَ عليها بِرضى أبي موسى، بلْ على العَكْسِ، لقدْ اشتدّ غضبُ الخليفةِ، وصاح: «يا أبا موسى، أَبَحَثْتَ في أولادِ المسلمينَ فما وجدتَ غلاماً أفقر من ابنِ عُمَر؟ أَطِفْتَ في بيوتِ المدينةِ فما وجدتَ بيتاً يقبلُ الحرامَ ويتعاملُ بهِ إلاّ بيتِ عمر؟، أَمَا وَجَدْتَ في أبناءِ المسلمينَ مَنْ يستحقُّ الصَّدَقَةَ إلاّ اُبْنَ عمر؟
ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ القِطْعَةَ مِنْ يَدِ اُبْنِهِ، وَرَمَى بها إلى أبي موسى وهو يقولْ: «إِنّ الجُنْدَ في الميدانِ يُقاتِلُ، الْحَقْ بِهِ يا أبا موسى».
ما الذي جعلَ الخليفةَ يفعلُ ذلك؟ ولماذا أعادَ القطعةَ زهيدةَ القيمةَ إلى أبي موسى؟ ولماذا عَزَلَ أبي موسى عن مسؤوليّتِهِ في بيتِ المالِ وَأَمَرَهُ بأنْ يَلْحَقَ بساحاتِ الجِهَادِ.
إنّ وَرَعَ الخليفةِ وحرصُهُ على أموالِ المسلمينَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ ابنَهُ ولو قطعةً برونزية، وإِنّ تَسَاهُلَ أبي موسى البسيطُ جداً جِداً اعْتَبَرَهُ الخليفةُ تَفْرِيطاً فَعَزَلَهُ عَنْ مَنْصِبِهِ، فكانَ ردُّ فِعْلِهِ أنْ قال: سَمْعاً وطاعة.
هذا هو يا أحبائي الحِرْصَ الذي كانَ يُسَيْطِرُ عَلَى هؤلاءِ الرِّجَالِ، فما من شيءٍ، مهما رَخُصَ إِلاَّ وَلَهُ عِنْدَهُم قيمةٌ، فما أَحْوَجَنَا يا أصْدِقَائي إلى أَنْ نَحْرِصَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ مهما صَغُرَ وَقَلّ، فقدْ كانوا لا يَسْتَصْغِرُونَ الأُمورَ، بل يُرَاقِبُونَ أَنْفُسَهُم في كُلِّ فِعْلٍ وقَوْلٍ واعْتِقَادٍ.


الرَّجُلُ الصَّالِحُ
يُرْوَى يا أَصْدِقَائي أَنَّ رَجُلاً عَزَمَ مَرَّةً على الرَّحِيْلِ مِنْ قَرْيَتِهِ إِلى بَعْضِ البِلادِ لِقضَاءِ مَصَالحَ لَهُ، وَأَعَدَّ عِدَّةَ السَّفَرِ مِنْ زَادٍ ومالٍ. وفي الطريقِ البَرِّية، اشْتَدَّ عَطَشُهُ بِسَبَبِ حَرَارةِ الشَّمْسِ وَكَثْرَةِ الحَرَكَةِ، وكانَ يَضْطَّرُ لِلْشُّرْبِ المرَّةَ تلوَ الأُخْرى، حتّى نَفَدَ كلُّ الماءِ الذي مَعَهُ.
فَرَاحَ يَدُورُ هُنا وهُنَاكَ بَحْثاً عَنِ الماءِ فَمَا وَجَدَ لهُ أَثَراً، وطلبَ مَنْ يُغِيثَهُ، فَلَمْ يَحْظَ بِمُسَافِرٍ في ذلكَ اليومِ شَديدِ الحَرارةِ.
وَبَعدَ بَحْثٍ طويلٍ، عَثَرَ عَلى بِئْرِ مَاءٍ، فَرَكَضَ نَحْوَهُ حَامِدًا اللَّهَ شَاكِرًا نِعَمَهُ لأَنَّهُ أَنْقَذَهُ مِنَ المَوْتِ الأَكِيدِ.
ن َزَلَ الرَّجُلُ فِي البِئْرِ، وبعدَ عَنَاءٍ ومَشَقّةٍ وَصَلَ إلى قَعْرِ البِئْرِ وراحَ يَشْرَبُ حتى اُرْتَوى وَحَمَدَ اللَّهَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البِئْرِ وحَمَلَ حَاجَاتِهِ لِيُتَابِعَ السَّفَرَ.
وَفَجْأَةً لَمَحَ كَلْبًا بِجِوَارِ البِئْرِ، وَأَخَذَ يُرَاقِبُهُ فَرآهُ يَلْهَثُ ويَمْرَغُ لِسَانَهُ فِي التُّرَابِ مِنْ شِدَّةِ العَطَشِ.
حَزَنَ الرَّجُلُ كَثِيراً وعَلِمَ أَنَّ الكُلْبَ يَشْعُرُ بِعَطَشٍ شديدٍ وهوَ الذي كانَ يُعاني مِنْهُ قَبْلَ لَحَظَاتٍ.
أَرادَ الرَّجُلُ أنْ يُحْضِرَ الماءَ لِلْكَلْبِ، ولكِنَّهُ لا يَمْلِكُ أيَّ إناءٍ، وأَخَذَ يُفَكِّرُ، وَيَنْظُرُ يَمِيناً ويَسَاراً.
وفجأةً خَطَرَتْ لَهُ فِكْرَةٌ مُنَاسِبَةٌ، رَفَعَ الرَّجُلُ قَدَمَهُ ثُمَّ خَلَعَ نَعْلَهُ.
نَزَلَ الرَّجُلُ إلى البِئْرِ، ومَلَأَ نَعْلَهُ بِالماءِ، وأَمْسَكَهُ بِفَمِهِ ثُمَّ تَسَلَّقَ جُدْرَانَ البِئْرِ.
وعِنْدَما رآهُ الكَلْبُ جَرى نَحْوَهُ مُسْرِعاً، وأَخَذَ يَشْرَبُ مِنَ المَاءِ والرَّجُلُ مَسْرُورٌ وسَعِيدٌ.
فَشَكَرَ اللَّهَ لِهذا الرَّجُلِ الصَّالِح ذَلَكَ العَمَلُ الطَّيِّبُ وَغَفَرَ لَهُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ وأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ.
أَرَأَيْتُمْ يَا أَصْدِقَائي أنَّ عَمَلَ الخَيْرِ مَهْمَا كَانَ صَغِيراً فَإِنَّهُ كَبِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضَيِّعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ.

كَيْفَ تُصْبِحُ النَّارُ بَارِدَةً؟
عَادَتْ نَهْلا مِنْ مَدْرَسَتَها وفي رَأْسِهَا سُؤَالٌ تُريدُ أنْ تَطْرَحَهُ عَلى أَبِيها.
فَوْرَ وُصُولِها.. أَلْقَتْ بِنَفْسِهَا فِي حِضْنِهِ وَقَالتْ:
بابا.. أَخْبَرَتْنَا المُدَرِّسَةُ اليَوْمَ أَنَّ قَوْمَ النَّبِيّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم وَضَعُوهُ فِي النَّارِ المُحْرِقَةِ، لكِنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا سَليماً مُعَافَى.. أَخْبِرْنِي يا أَبي كَيْفَ حَدَثَ ذلكَ؟
ــــ بَعْدَ أَنْ نَأْكُلَ طَعَامَ الغَدَاءِ يا حَبِيبتي.
ــــ أَرْجُوكَ يا أبي أُريدُ أَنْ أَعْرِفَ القِصَّةَ كُلَّهَا.
ــــ حَاضِرْ يا عزيزتي.
لِنَبْدأْ مُنْذَ أَن رَفَضَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ الإِقْرَارَ بِنُبُوَّتِهِ والاعْتِرَافَ بِرَبِّهِ، وَبَعْدَ أَنْ أَقَامَ لَهُمُ الحُجّةُ عَلى أَنَّ الأَصْنَامَ التي يَعْبُدُونَها لا تَضُرُّهُمْ وَلاَ تَنْفَعُهُمْ، أَمْسَكُوا بِهِ وَحَكَمُوا عَليهِ بِأَنْ يُحْرَقَ بِالنَّار.
ــــ كَيْفَ يا أَبي، أَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةٌ؟
ــــ الكُفْرُ يا حَبِيْبَتِي يُغْلِقُ القُلُوبْ، وهُمْ لا يُرِيدونَ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلى عِبَادَةِ اللَّهِ الواحِدِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
ــــ وماذا حَدَثَ بعدَ ذلك؟
ــــ انْطَلَقَ جميعُ الناس يَجْمَعُونَ الحَطَبَ اعْتِقَاداً مِنْهُمْ أَنْهُمْ يَقُومُونَ بِشَيءٍ مُقدَّسٍ، وأتى النَّاسُ مِنَ المَنَاطِقِ المُجَاوِرَةِ لِيَشْهَدُوا تَنْفِيذَ الحُكْمِ بِالذي تَجَرَّأَ وَشَتَمَ الآلِهَةَ وَحَطَّمَها وسَخِرَ مِنْ صَانِعِيها وعَابِدِيها.
واخْتَارُوا مَكَاناً فَسِيحًا وحَفَرُوا حُفْرَةً عَمِيقةً، مَلَؤُوها بِالحَطَبِ، ثم أَشْعَلُوا النَّارَ وَعَلَتْ أَلْسِنَةُ اللَّهَبِ، وقَيَّدُوا يَدَيْ إبراهيمَ وَقَدَمَيْهِ اسْتِعْداداً لِوَضْعِهِ بالنَّارِ، وكانَ يقولُ: «لا إِلهَ إلاَّ أنتَ سُبْحَانَكَ، لَكَ الحَمْدُ وَلَكَ المُلْكُ ولاَ شَرِيكَ لَكَ».
ورُمِيَ إبراهِيمُ الخَليلُ إلى النَّارِ بواسِطَةِ مِنْجَنِيقٍ، وهي آلةٌ كانتْ تُسْتَخْدَمُ بِالحَرْبِ شَبيهَةٌ بالمِدْفَع، فقالَ عليهِ السلامُ: «حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكيلْ».
وَهُنَا يا نَهْلا، أَتَدْرِينَ ما حَدَثْ؟ لَقَدْ جَاءَتْ نَجْدَةُ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ لِنَبِيِّهِ الصَّابِرِ المُحْتَسِبِ، وَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ بَرْداً وسَلاَماً، فَلَمْ يَبْقَ في الأَرْضِ نارٌ إلاَّ أُطْفِئَتْ.
ــــ قَالَتْ نَهْلاَ بِدَهْشَةٍ: وَمَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذلكَ؟
ــــ نَفَذَ الأَمْرُ الإلهي وهَبَطَ إِبْرَاهِيمُ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَكَانَ الناسُ مِنْ حَوْلِهِ مُسْتَغْرِبينَ وَلاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ.
عِنْدَهَا صَاحَ أَبُوهُ أَزَرَ بَعْدَمَا رأى ذلكَ: «نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ يا إبراهيمُ».
وأَحْرَقَتْ النَّارُ قُيُودَهُ، وَجَلَس إبراهيمُ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيَشْكُرُهُ.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْنِهمْ سليماً مُعَافَى لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَضُرُّوهُ بِشَيءٍ، وَاسْتَمَرَّ إبراهيمُ الخليلُ بعدَ ذلكَ في صِرَاعِهِ مَعِ الباطِلِ لا يَهْدَأُ وَلاَ يَلِينُ.
وَهكذا هِيَ يا حبيبتي قِصَصُ الأَنْبِيَاءِ الصَّابِرينَ الِّذِينَ يَنْصُرُهُمْ اللَّهُ دائماً على مَكْرِ أَعْدَائِهِ.
والآن هيَّا بِنَا إلى مائدةِ الطَّعَامِ.

حَدِيقَةُ الفُقَراء
كانَ هُنَالِكَ رجلٌ مُزَارِعٌ طيِّبُ القَلبِ، لديهِ حديقةٌ يَزْرَعُ فِيها أنوعًا مِنَ المَزْروعَاتِ، وكانَ يوزِّعُ فِي كُلِّ مَوْسمٍ جِزءًا كَبِيْرًا مِنْ إِنْتَاجِ الحَدِيقَةِ عَلَى الفُقَراءِ.
فباركَ لهُ ربُّهُ في حديقتهِ، وكان ثَمَرُها من أَطيبِ الثِّمارِ، فعاشَ حياةً سعيدةً رغيدةً، وكلُّ النَّاسِ يَدْعونَ لَهُ بالخَيْرِ والتَّوْفِيقِ.
وبَعْدَ أَنْ تُوفِّيَ الرَّجُلُ، طمَعَ أَبْنَاؤه، وحَجَبُوا ثَمَارَ الحَدَيقَة عَنْ الفُقَراء. وَذَلِكَ لأَنَّهُم كَانوا يَطْمَعُون بِكُلِّ ما تَعْطِيه الحَديقَة لَهُمْ.
وَكَانَ فِيهِم ولدٌ عَاقِلٌ صَالِحٌ مثلُ أبيهِ، فقالَ: يَا إخوَتِي، إتّقُوا اللَّهَ وَلاَ تَقْطَعُوا عَادَةَ أَبِيكُم الطيِّبة، فإنّ اللَّهَ يرزُقَكُمْ بَدَلَ مَا تعطونَهُ للفُقَراء. لَكِنّ إخوتهُ رفَضوا كَلاَمَهُ وقَرّروا أَنْ يَذْهَبوا فِي وَقْتٍ قَبْلَ مَجِيء الفُقَراءِ ويَأْخُذوا كُلَّ مَا تَنتجهُ الحديقة. لَكن اللَّهَ أَرسلَ ريحاً عاصفةً محرقةً، تَرَكَت الحديقةَ سوداءَ كالفحمِ، وأَصحابُها لا يعلمون.
وقُبَيلَ الصُّبْحِ نادوا بعضهُمْ بَعْضًا بصَوتٍ خافِتٍ، وَأَوصى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بألاَّ يَتَكَلَّموا حَتَّى لا يحسَّ بِهِم أَحَد.
وَفَتحوا البابَ ودَخلوا، فوَجَدوا الأشجارَ محترقةً وليسَ فيها ثمرٌ، قالوا: لَقد ضَلَلْنا وتُهْنا عَنْ حَديقَتِنا بسببِ الظَّلاَمِ، وهذه ليسَتْ حديقَتُنا، فسَمعوا صوتَ أخِيهم الطيّب وهُوَ يَقول: بل إنَّها حَديقتُكُم عَيْنُها، وَقَد أحْرَقَها ربُّكم لأَنَّكُم أرَدْتُم حِرْمَانَ المَساكِينِ مِنْها.
واسودّتْ وجوهُهُم مِنَ الحزنِ وراحَ كلُّ مِنهم يلومُ أخاهُ ويقولُ له: أنتَ الذي أشرتَ علينا بهذهِ الفكرةِ الملعونةِ، وكلُّ واحدٍ منهم يتبرّأُ من التُّهْمَةِ ويتَّهِمُ الآخر.
وَهَذِهِ عاقبةُ الذينَ يَطمعونَ بما رَزَقَهُمُ اللَّهُ ولا يقدّمونَ من الخيرِ الَّذِي أَعطَاهُم لِلْفُقَرَاءِ والمَسَاكِين.
 
رد: قصص اسلامية

بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
 
رد: قصص اسلامية

بارك الله فيك
 
رد: قصص اسلامية

اللهما اجعلنا منهم
 
رد: قصص اسلامية

جزاك الله خير وبارك الله فيك ...
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top