مسابقة في العقيدة (المرحلة الأخيرة و الحاسمة)

ليعلم أن جوائز المسابقة كالأتي:
1- شرح كتاب رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين للفائز(ة) بالمرتبة الأولى.
2- جلباب شرعي أو قميص الحرمين للفائز أو الفائزة بالمرتبة الثانية.
3- مبلغ مالي 1000 دج للفائز بالمرتبة الثالثة.
ثم اكرامات بالتقييم و الأوسمة لباقي المشاركين معنا، كل على حسب ترتيبه.
ملاحظة: عن مسألة تبليغ الجوائز أتدارس أليتها مع إدارة المنتدى.

و الجائزة الكبرى بفضل و رحمته بلا شك، و التي يورثها العمل بهذه العقيدة النقية، هي الفوز برضى رب العالمين و الحشر مع الأنياء والصديقين و الشهداء و الصالحين في أعلى جنان النعيم لمن كان على الاستقامة الحق و صدق الله مع الصادقين.
أسأل االله لي و لكم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك و القادر عليه.
 
توقيع ابو ليث
حكم السحر

أولاً: السحر ينقسم إلى قسمين:
- شرك، وهو الأول الذي يكون بواسطة الشياطين، يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور.
- عدوان، وفسق وهو الثاني الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.
ثانياً: بالتقسيم الذي ذكر نتوصل إلى مسألة مهمة، وهي: هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟
اختلف في هذا أهل العلم:
فمنهم من قال: إنه يكفر.
ومنهم من قال: إنه لا يكفر.
ولكن التقسيم السابق الذي ذكرناه يتبين به حكم هذه المسألة، فمن كان سحره بواسطة الشيطان، فإنه يكفر لأنه لا يتأتى ذلك إلا بالشرك غالباً، لقوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ... إلى قوله: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ [البقرة:102]، وأما قتل الساحر، فإن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوهما، فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصياً معتدياً.
وأما قتل الساحر، فإن كان سحره كفراً، قُتِل قتل ردة، إلا أن يتوب على القول بقبول توبته، وهو الصحيح، وإن كان سحره دون الكفر، قُتِل قتل الصائل، أي: قتل لدفع أذاه وفساده في الأرض، وعلى هذا يرجع في قتله إلى اجتهاد الإمام وظاهر النصوص ... أنه يقتل بكل حال، فالمهم أن السحر يؤثر بلا شك، لكنه لا يؤثر بقلب الأعيان إلى أعيان أخرى، لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله ـ عز وجل ـ، وإنما يخيل إلى المسحور أن هذا الشيء انقلب وهذا الشيء تحرك أو مشى وما أشبه ذلك، كما جرى لموسى عليه الصلاة والسلام أمام سحرة آل فرعون، حيث كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى...
قوله: (حد الساحر ضربة بالسيف). حده يعني: عقوبته المحددة شرعاً.
وظاهره أنه لا يكفر، لأن الحدود تطهر المحدود من الإثم.
والكافر إذا قتل على ردته، فالقتل لا يطهره.
وهذا محمول على ما سبق: أن من أقسام السحر ما لا يخرج الإنسان عن الإسلام، وهو ما كان بالأدوية والعقاقير التي توجب الصرف والعطف وما أشبه ذلك.
قوله: (ضربة بالسيف). روي بالتاء بعد الباء، وروي بالهاء، وكلاهما صحيح، لكن الأولى أبلغ، لأن التنكير وصيغة الوحدة يدلان على أنها ضربة قوية قاضية.
وفي (صحيح البخاري) عن بجالة بن عبدة، قال: ((كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة)). قال: ((فقتلنا ثلاث سواحر))
tip.gif
.

هذا كناية عن القتل، وليس معناه أن يضرب بالسيف مع ظهره مصفحاً....
وهذا القتل هل هو حد أم قتله لكفره؟
يحتمل هذا وهذا بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر فقتله من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام.
والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل، لأنهم يمرضون ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس، فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم، فإن بعضهم قد يسحر أحداً ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً، فكان واجباً على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة مادام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم، فإن الحد لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد.
وصح عن حفصة رضي الله عنها، (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت) . وكذلك صح عن جندب قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم).
وهم: عمر، وحفصة، وجندب الخير، أي: صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية، لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم، لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر.
book.gif

وقال ابن هبيرة: (اختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: - يكفر بذلك، إلا أن من أصحاب أبي حنيفة من فصل ذلك، فقال إن تعلمه ليتقه أو ليتجنبه فلا يكفر بذلك، وإن تعلمه معتقداً لجوازه أو معتقداً أنه ينفعه فإنه يكفر، ولم ير الإطلاق، وإن اعتقد أن الشياطين تفعل ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي: - إذا تعلم السحر قلنا له صف سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر بمثل ما اعتقد أهل بابل من التقرب إلى الكواكـب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر) .

أما القائلون بتكفير الساحر، فنورد أمثلة من أقوالهم على النحو التالي:-
... يقول الدردير المالكي: (فقول الإمام رضي الله عنه: - إن تعلم السحر وتعليمه كفر، وإن لم يعمل به، ظاهر في الغاية إذ تعظيم الشياطين ونسبة الكائنات إليها لا يستطيع عاقل يؤمن بالله أن يقول فيه: إنه ليس بكفر) .
وقال الخرشي: (والمشهور أن تعلم السحر كفر، وإن لم يعمل به) .
وقال ابن قدامة: ( إن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته، وروي عن الإمام أحمد ما يدل على أنه لا يكفر ) .
وقال مرعي الكرمي: (فساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء، أو يدعي أن الكواكب تخاطبه كافر، كمعتقد حله، لا من يسحر بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر، ويعزر بليغاً) .

وجاء في الإنصاف: (الساحر الذي يركب المكنسة، فتسير به في الهواء ونحوه، كالذي يدعي أن الكواكب تخاطبه يكفر ويقتل، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب... وعنه: لا يكفر..
فأمـا الذي يسحـر بالأدوية، والتدخين، وسقـي شـيء يضر، فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر. هذا المذهب... ) .

وأما الفريق الآخر، فهذا الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول: (والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئاً، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً، وكان غير معروف ولم يضر به أحد نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن كان يعمل عملاً إذا عمله قُتِل المعمول به، وقال عمدت قتله، قتل به قوداً، إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته...) .
وإذا تأملنا القولين فلا اختلاف معنوي بينهما، فعند التفصيل يزول الإشكال وتجتمع الأدلة، وكما قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله – (وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك وليس كذلك بل لا يأتي السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشيطان والكواكب، ولهذا سماه الله كفراً في قوله: - إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [البقرة:102]

وأما سحر الأدوية والتدخين ونحوه فليس بسحر، وإن سمي سحراً فعلى سبيل المجاز كتسمية القول البليغ والنميمة سحراً، ولكنه يكون حراماً لمضرته، ويعزر من يفعله تعزيراً بليغاً) .
وقال الشنقيطي: (التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل، فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة فإنه كفر بلا نزاع،كما دل عليه قوله تعالى: - وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة: 102], وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر) .
وللإمام النووي رحمه الله تعالى عبارة جامعة في حكم السحر حيث قال: -
(قد يكون (السحر) كفراً، وقد لا يكون كفراً بل معصيته كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب...) .
وإن السحر الذي يعد كفراً، قد يقع قولاً باللسان، أو اعتقاداً بالقلب، أو عملاً بالجوارح، ونورد أمثلة على ذلك:
فمنه السحر الذي لا يتأتى إلا عن طريق الشياطين، كأن يستغيث بهم، ويدعوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وينطق بكلمة الكفر من أجل رضاهم والاستمتاع بهم، أو يعتقد نفعهم وضرهم بغير إذن الله تعالى، أو يذبح لتلك الشياطين ونحوهم ويتقرب إليهم، أو يهين ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، أو يدعي لنفسه أو لشياطينه علم الغيب ومشاركة الله في ذلك.
4 - وأما وجه كون هذا السحر كفراً فذلك لعدة اعتبارات منها:-
(أ) قوله تعالى: - وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102- 103].
فيستدل بهذه الآيات على كفر الساحر من وجوه:-
1 - قوله تعالى: - وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ
فظاهر هذا أنهم إنما كفروا بتعليمهم السحر؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته، فصرحت الآية بكفر الشياطين منوطاً بتعليم السحر للناس .
2 - قوله تعالى: - وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ يعني من حظ ولا نصيب.
يقول الشيخ حافظ الحكمي – في ذلك –: (وهذا الوعيد لم يطلق إلا فيما هو كفر لا بقاء للإيمان معه، فإنه ما من مؤمن إلا ويدخل الجنة، وكفى بدخول الجنة خلاقاً، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) .
3 - قوله تعالى: - وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ..
يقول الجصاص – عن هذه الآية -: (فجعل ضد هذا الإيمان فعل السحر؛ لأنه جعل الإيمان في مقابلة فعل السحر، وهذا يدل على أن الساحر كافر، فإذا ثبت كفره، فإن كان مسلماً قبل ذلك، فقد كفر بفعل السحر، فاستحق القتل) .
يقول ابن كثير: (وقد استدل بقوله وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا.. من ذهب إلى تكفير الساحر) .
ويقول الحكمي – عن هذا الدليل -: (وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر، ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي: ولو أنه آمن واتقى، وإنما قال تعالى ذلك لمن كفر، وفجر، وعمل بالسحر، واتبعه، وخاصم به رسوله، ونبذ الكتاب وراء ظهره)

(ب) قوله تعالى: - وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69]
ومما قاله الشنقيطي – رحمه الله – في هذه الآية:-
(إن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم... فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى الآية يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله حَيْثُ أَتَى وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر.
ويدل على ذلك أنه عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة لا يفلح يراد بها الكافر كقوله تعالى في سورة يونس: - قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [يونس:68 – 70].
وقوله في الأنعام: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 21]) .
(ج) أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن السحر بالشرك، وفي بعض الأحاديث سماه شركاً، وحكم صلى الله عليه وسلم بالكفر على من أتى ساحراً فصدقه، كما تبرأ صلى الله عليه وسلم من الساحر والمسحور.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: - ((اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر.. الحديث)) "
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه)) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)). .
(والتولة ضرب من السحر، قال الأصمعي: - وهو الذي يحبب المرأة إلى زوجها) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: - ((من أتى عرافاً، أو ساحراً، أو كاهناً فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له..)) الحديث
(د) أن الصحابة رضي الله عنهم أمروا بقتل أولئك السحرة، وقد تقرر شرعاً أن دماء المسلمين محظورة إلا ما استثناه الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)). .
وليس الساحر زانياً محصناً، ولا قاتل نفس، فتعين أن يكون كافراً مرتداً.
يقول ابن تيمية: (أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبدالله...) .
فمن هذه الآثار ما جاء (عن بجالة بن عبدة أنه قال: (كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر). ).
يقول ابن قدامة – معلقاً على هذا الأثر: (وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال إن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها سحرتها جارية لها، فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه، فقال: جاريتها سحـرتها أقرت بالسحر وأخرجـته، قـال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره .
وعن جندب الخير رضي الله عنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) .
وقتل جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ساحراً كان عند الوليد بن عقبه .
وأما ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما عندما باعت جارية مدبرة سحرتها، فيحمل على أن سحرها من قبيل الأدوية الضارة، والتدخينات المؤذية، كي تموت أم المؤمنين، فيتحقق عتقها، ولذا أمرت عائشة رضي الله عنها بعقاب تلك الجارية بنقيض قصدها، كما هو ظاهر في الحديث التالي:-
فعن عمرة قالت: - ((اشتكت عائشة فطال شكواها، فقدم إنسان المدينة يتطبب فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها، فقال: والله إنكم تنعتون نعت امرأة مطبوبة ، قال هذه امرأة مسحورة سحرتها جارية لها، فقالت: نعـم أردت أن تمـوتي فأعتق، قال وكانت مدبرة، قالت: فبيعوها في أشد العرب ملكة ، واجعلوا ثمنها في مثلها)) .).
وقد أجاب الإمام الشافعي عن هذا الأثر قائلاً:-
(وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها، فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها؛ لأن لها بيعها عندنا، وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك، ما تركت قتلها إن لم تتب، أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها) .
(هـ) أن السحر الذي يعد كفراً يتضمن أنواعاً كثيرة من المكفرات الاعتقادية والقولية والعملية، كأن يعتقد نفع الشياطين وضررهم بغير إذن الله تعالى، أو يعتقد أن الكواكب مدبرةً لأمر العالم، أو ينطق بكلمة الكفر كسب الله تعالى، أو الاستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم.
كما يتضمن هذا السحر شركاً في توحيد العبادة، فمن ذلك أن يدعو غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو يستعيذ بالشياطين أو يذبح لهم، أو يتقرب إليهم بالنذور.
وقد أورد القرافي أمثلة للكفر التي يتضمنها هذا السحر فقال: -
(هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر، أو اعتقاد هو كفر، أو فعل هو كفر، فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر، والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية، والثالث كإهانة ما أوجب الله تعالى تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر، فذلك السحر كفر لا مرية فيه) .
ويذكر ابن حجر الهيتمي أنواعاً من الكفر تندرج في هذا السحر فيقول:-
(إن اشتمل (السحر) على عبادة مخلوق كشمس، أو قمر، أو كوكب أو غيرها، أو السجود له، أو تعظيمه كما يعظم الله تعالى، أو اعتقاد أن له تأثيراً بذاته، أو تنقيص نبي، أو ملك... كان كفراً وردة) .
ويبين الشيخ السعدي وجه إدخال السحر في الشرك قائلاً: -
(السحر يدخل في الشرك من جهتين: - من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شعب الشرك والكفر) .
واستكمالاً لهذا المبحث نورد جملة من كلام العلماء في معنى السحر وحكمه. يقول الخطابي: ( والسحر من عمل الشيطان يفعله في الإنسان بنفثه ونفخه وهمزه ووسوسته، ويتلقاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقاه عنه، استعمله في غيره بالقول والنفث في العقد) .
وقال شيخ الإسلام الصابوني: (ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله فقد كفر بالله جل جلاله، وإذا وصف ما يكفر به استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإن وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه) .
ويقول ابن العربي: (إن الله سبحانه قد صرح في كتابه بأن السحر كفر؛ لأنه تعالى قال: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ من السحر، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ بقول السحر، وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ به وبتعليمه، وهاروت وماروت يقولان " إنما نحن فتنة فلا تكفر وهذا تأكيد للبيان) .
وقال ابن الشاط: (فالذي يستقيم في هذه المسألة: ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله تعالى به، أو يكون سحراً مشتملاً على كفر كما قال الشافعي) .
ويقول القرطبي: (قوله تعالى: - وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تبرئة من الله لسليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحداً نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، ولما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر، ثم قال وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ فأثبت كفرهم بتعليم السحر) .
وقال النووي: (والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح... كالسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها...) .
ويقول ابن تيمية: (إذا تقرب صاحب العزائم وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إلى الشياطين بما يحبون من الكفر والشرك، صار ذلك كالرشوة لهم، فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله... ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة، وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إما حروف الفاتحة، وإما حروف قل هو الله أحد وإما غيرهما.. فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين، أعانتهم على بعض أغراضهم...) .
ويقول السبكي: - وأما مذهب الشافعي فحاصله أن السحر له ثلاثة أحوال: حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر، أما الحالة التي يقتل فيها كفراً، فقال الشافعي رحمه الله: - أن يعمل بسحره، ما يبلغ الكفر، وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة: - أحدهما أن يتكلم بكلام هو كفر ولا شك في أن ذلك موجب للقتل.
المثال الثاني: - أن يعتقد ما اعتقده من التقريب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل بأنفسها فيجب عليه أيضاً القتل.
المثال الثالث: - أن يعتقد أنه يقدر به علـى قلب العيان، فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسين والماوردي) .
ويقول الذهبي: (إن الساحر لابد وأن يكفر، قال الله تعالى: - وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102]، وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به.
فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر ويظنون أنه حرام فقط، وما يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعلم السيمياء وعملها، وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو سحر، وفي محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال. وحد الساحر القتل؛ لأنه كفر بالله أو ضارع الكفر... فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة) .
ويقول البيضاوي: (قوله تعالى وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تكذيب لمن زعم ذلك، وعبر عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفر، وأن من كان نبياً كان معصوماً عنه..) .
وقال الحافظ ابن حجر: (وقد استدل بهذه الآية: وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه... كالتعبد للشياطين، أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً.
- إلى أن قال – وفي إيراد المصنف (البخاري) هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر لقوله فيها: - وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر، فيكون العمل به كفراً، وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه، وقد زعم بعضهم أن السحر لا يصح إلا بذلك، وعلى هذا فتسميته ما عدا ذلك سحراً مجاز) .
وقال الدردير: (وسحر فيكفر بتعلمه، وهو كلام يعظم به غير الله تعالى، وينسب إليه المقادير، ثم إن تجاهر به فيقتل إن لم يتب، وإن أسره فحكم الزنديق، يقتل بدون استتابة، وشهر بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً) .
وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب السحر من نواقض الإسلام فقال: -
(السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر)

يقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في شرحه لمنظومة سلم الوصول:
وَالسِّحْرُ حَقٌّ وَلَهُ تَأْثِيرُ



لَكِنْ بِمَا قَدَّرَهُ الْقَدِيرُ
أَعْنِي بِذَا التَّقْدِيرِ مَا قَدْ قَدَّرَهْ



فِي الْكُوْنِ لاَ فِي الشِّرْعَةِ الْمُطَّهَرَة
(والسحر حق) يعني متحقق وقوعه ووجوده، ولو لم يكن موجوداً حقيقة لم ترد النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله والعقوبات الدينية والأخروية على متعاطيه والاستعاذة منه أمراً وخبراً. وقد أخبر الله تعالى أنه كان موجوداً في زمن فرعون وأنه أراد أن يعارض به معجزات نبي الله موسى عليه السلام في العصا بعد أن رماه هو وقومه به بقولهم: إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ - إلى قوله - وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [الشعراء:34-37] وقال تعالى عن السحرة: فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] وقال تعالى: فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:66-69] يقال إنهم كانوا سبعين ألفاً مع كل واحد منهم حبل وعصا فأخذوا بأبصار الناس بسحرهم وألقوا تلك الحبال والعصى فرآها الناس حيات عظاماً ضخاماً وذلك قوله تعالى: سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ وقوله: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى قال الله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ [طه:67-69] يعني العصا تَلْقَفْ تبتلع مَا صَنَعُوا أي السحرة أي ما اختلقوا وائتفكوا من الزور التخييل، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى:فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الأعراف:117] وهون الله أمرهم على نبيه موسى عليه السلام بقوله سبحانه: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ، ( مكره وخداعه) وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ [الأعراف:119] إلى آخر الآيات، وقد أخبر الله تعالى عن قوم صالح وكانوا قبل إبراهيم عليه السلام أنهم قالوا لنبيهم عليه السلام: إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشعراء: 153] وكذا قال قوم شعيب له عليه السلام: إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وقالت قريش لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ذكر الله تعالى ذلك عنهم في غير موضع بل ذكر الله عز وجل أن ذلك القول تداوله كل الكفار لرسلهم فقال تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:52] الآية، وقال سبحانه في ذم اليهود: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:101-102] وقال تعالى: وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] والنفاثات هن السواحر يعقدن وينفثن. والمقصود أنه قد ثبت بهذه النصوص وغيرها مما سنذكر ومما لا نذكر أن السحر حقيقة وجوده.
(وله تأثير) فمنه ما يمرض ومنه ما يقتل ومنه ما يأخذ بالعقول ومنه ما يأخذ بالأبصار ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، (لكن) تأثيره ذلك إنما هو (بما قدَّره القدير) سبحانه وتعالى، أي بما قضاه وقدره عندما يلقى الساحر ما ألقى، ولذا قلنا (أعني بذا التقدير) في قوله بما قدره القدير (ما قد قدره في الكون) وشاءه (لا) أنه أمر به (في الشرعة) التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه (المطهرة)، من ذلك وغيره كما تقدم أن القضاء والأمر والحكم والإرادة كل منها ينقسم على كوني وشرعي، فالكوني يشمل ما يرضاه الله ويحبه شرعاً، وما لا يرضاه في الشرع ولا يحبه، والشرعي يختص بمرضاته سبحانه وتعالى ومحابه، ولهذا قال تعالى في الشرعي: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وقال عز وجل:وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7] فأخبر تعالى أنه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر وأنه يرضى لهم الشكر ولا يرضى لهم الكفر، مع كون كل من العسر واليسر والشكر والكفر واقع بقضاء الله وقدره وخلقه وتكوينه ومشيئته، قال الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62] وقال تعالى:إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] والمقصود أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً وإنما يؤثر بقضاء الله تعالى وقدره، وخلقه وتكوينه، لأنه تعالى خالق الخير والشر، والسحر من الشر، ولهذا قال تعالى:فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ [البقرة:102] وهو القضاء الكوني القدري، فإن الله تعالى لم يأذن بذلك شرعاً، وقد ثبت في (الصحيحين) من طرق عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ودعاه ثم قال: أشعرت يا عائشة، إن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فبماذا؟ قال: مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر. قال: فأين؟ قال: في بئر ذي أروان. قال فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البشر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفأخرجته: قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله عز وجل وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شراً وأمر بها فدفنت)) . وفي رواية قال: ((ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً. قال وفيم؟ قال في مشط ومشاقة. قال: وأين؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان – وذكره –)) هذا لفظ البخاري المشاطة ما يخرج من الشعر، والمشط أسنان ما يمشط به، والمشاقة من مشاقة الكتان، وجف طلعة غشاؤها وهو الوعاء الذي يكون فيه الطلع، تحت راعوفة هو حجر يترك في البئر عند الحفر ثابت لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقى، وقيل حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي، وقيل حجر بارز من طيها يقف عليها المستقي والناظر فيها، وقيل في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظفها لا يمكن قلعه لصلابته. والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في (شرح مسلم):قال المازري رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافاً لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له، وهذا الحديث أيضاً مصرح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه فإحالة كونه من الحقائق محال، ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه وتعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر، وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية الحادة ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتاله أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة. قال: ومن أنكر من بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط من منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته، وعصمته صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلاً من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل إنه إنما كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعل وما فعله، ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده. ويكون معنى قوله في الحديث حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، ويروى يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور. وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا كالخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الضلالة والله أعلم ا. هـ. قلت: قول المازري خلافاً لمن أنكر ذلك، قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى: أجمعوا على أن السحر له حقيقة، إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده. ثم ذكر الاختلاف في حكم الساحر، وقال القرطبي رحمه الله تعالى: وعندنا أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافاً للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفراييني حيث قالوا إنه تمويه وتخييل اهـ.
قلت: قد ثبت وتقرر من هذا وغيره تحقق السحر وتأثيره بإذن الله بظواهر الآيات والأحاديث وأقوال عامة الصحابة، وجماهير العلماء بعدهم رواية ودراية، فأما القتل به والأمراض والتفرقة بين المرء وزوجه وأخذه بالأبصار فحقيقة لا مكابرة فيها، وأما قلب الأعيان كقلب الجماد حيواناً وقلب الحيوان من شكل إلى آخر فليس بمحال في قدرة الله عز وجل ولا غير ممكن، فإنه هو الفاعل في الحقيقة وهو الفعال لما يريد، فلا مانع من أن يحول الله ذلك عندما يلقى الساحر ما ألقى امتحاناً وابتلاء وفتنة لعباده، ولكن الذي أخبرنا الله تعالى به في الواقع من سحرة فرعون في قصتهم مع موسى إنما هو التخييل والأخذ بالأبصار حتى رأوا الحبال والعصي حيات، فنؤمن بالخبر ونصدقه ولا نتعداه ولا نبدل قولاً غير الذي قيل لنا ولا نقول على الله ما لا نعلم. وبالله التوفيق.

وَاحْكُمْ عَلَى السَّاحِرِ بِالتَّكْفِيرِ



وَحَدُّهُ الْقَتْلُ بِلاَ نَكِيرِ
كَمَا أَتَى فِي السُّنَّةِ الْمُصَرَّحَةْ



مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهْ
عَنْ جُنْدُبٍ وَهَكَذَا فِي أَثَرْ



أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرْ
وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةَ عِنْدَ مَالَكِ



مَا فِيهِ أَقوَى مُرْشِدٍ للسَّالِكِ
- حكم الساحر:
(واحكم على الساحر) تعلَّمه أو علَّمه عمل به أو لم يعمل (بالتكفير) أي بأنه كفر بهذا الذنب الذي هو السحر، وذلك واضح صريح في آية البقرة بأمور:
منها سبب عدول اليهود إليه وهو نبذهم الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [البقرة:101] سواء أريد بالكتاب التوراة التي بأيديهم أو القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، كل ذلك نبذه كفر، وقد علم أن السحر لا يعمل إلا مع من كفر بالله، وهذا معلوم من سبب نزول الآية كما قال الربيع بن أنس وغيره: إن اليهود سألوا محمداً صلى الله عليه وسلم زماناً عن أمور التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله سبحانه وتعالى ما سألوه عنه فيخصمهم، فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل إلينا منا، وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه به فأنزل الله عز وجل: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] الآيات.
ومنها قوله: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ، تتقوله وتزوره عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أي في ملكه وعهده، ومعلوم أن استبدال ما تتلوه الشياطين وتتقوله والانقياد له والعمل به عوضاً عما أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هذا من أعظم الكفر، وهو من عبادة الطاغوت التي هي أصل الكفر، وقد سمى الله تعالى طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله، سمى ذلك عبادة وأنه اتخاذ لهم أرباباً من دون الله فقال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ [التوبة:31] الآية، قال عدي بن حاتم رضي الله عنه حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوها: إنا لسنا نعبدهم، قال: ((أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟)) قال بلى. قال: ((فتلك عبادتكم إياهم)) ، ولهذا قال تعالى بعدها: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] فإذا كان هذا في طاعة الأحبار والرهبان فكيف في طاعة الشيطان فيما ينافي الوحي، فهل فوق هذا الشرك من كفر؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ وعبادة الشيطان هي إتباعه فيما أمر به من الكفر والضلال ودعا إليه، كما قال عز وجل فيه إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وكما يقول للمجرمين يوم القيامة: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:60-62].
ومنها قوله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، برَّأ الله سبحانه وتعالى نبيه عليه السلام من الكفر، وهذا الكفر الذي برأه الله تعالى منه هو علم الساحر وعمله، وإن كان بريئاً من الكفر كله كان معصوماً مما هو دونه، لكن سياق الآية في خصوص السحر وأنه بريء منه، ولو فرض وجود عمله به لكفر لأنه شرك والشرك أقبح الذنوب وأعظم المحبطات للأعمال كما قال تعالى في جميع رسله سليمان وغيره عليهم السلام بعد أن ذكرهم: ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وهذا معلوم من أصل القصة فإن اليهود قاتلهم الله تلقوا السحر عن الشياطين ونسبوه إلى سليمان عليه السلام، فبرأه الله تعالى من إفكهم بهذه الآية، كما قال مجاهد رحمه الله تعالى في هذه الآية: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ قال: كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها، فأرسل سليمان عليه السلام إلى ما كتبوا من ذلك، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين وعلمته الناس وهو السحر. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: كان سليمان عليه السلام يتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيَّهِ في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه، فدنت إلى الإنس فقالوا لهم: أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك؟ قالوا نعم. قالوا فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه، فاستثار به الإنس واستخرجوه وعملوا به، فقال أهل الحجاز – يعني اليهود من أهل الحجاز – كان سليمان يعمل بهذا وهو سحر، فأنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان عليه السلام فقال تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وقال محمد بن إسحاق بن يسار: (عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليهما السلام فكتبوا أصناف السحر، من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، حتى إذا صنفوا السحر جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم على نقش خاتم سليمان وكتبوا في عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، ثم دفنوه تحت كرسيه واستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حتى أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا، فأفشوا السحر في الناس فتعلموه وعلموه، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود لعنهم الله، فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عد من المرسلين قال من كان بالمدينة من اليهود: تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبياً، والله ما كان إلا ساحراً. وأنزل الله تعالى في ذلك: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) [البقرة: 102], الآية) . وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه. فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل به. قال فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماء الناس، فلم يزل جهال الناس يسبونه حتى أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) وتفاسير السلف وآثارهم في هذه الآية كثيرة جداً، وما كان منه إسرائيلياً فهو من القسم المقبول لموافقته ظاهر الآية في أن اليهود تعلموا السحر من الشياطين ورموا به نبي الله سليمان وأكفروه به وسبوه، وخاصموا به محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فبين الله تعالى ما لبسوه وهدم ما أسسوه وبرأ نبيه سليمان عليه السلام مما ائتفكوه وأقام الحجة عليهم في بطلان ما انتحلوه فلله الحمد والمنة.
ومنهـا قوله تعالى: وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] أكذب الله تعالى اليهود فيما نسبوه إلى نبيه سليمان عليه السلام بقوله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وهم إنما نسبوا السحر إليه، ولازم ما نسبوه إليه هو الكفر لأن السحر كفر، ولهذا أثبت كفر الشياطين بتعليمهم الناس السحر فقال تعالى: وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس، إذ لا فرق بينه وبينهم، بل هو تلميذ الشيطان وخريجه، عنه روى وبه تخرج وإياه اتبع، ولهذا قال تعالى في الملكين: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فبين تعالى أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلمه أو لا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فإذا أتاهما علما الخير والشر والكفر والإيمان فعرفا أن السحر من الكفر، قال فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتى عاين الشيطان فعلمه، فإذا تعلمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعاً في السماء فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع)) . وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: ((نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله تعالى أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)) ، وقال قتادة كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ أي بلاء ابتلينا به فَلاَ تَكْفُرْ وقال السدي إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة، فإذا أبى قالا له ائت هذا الرماد فبل عليه فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء وذلك الإيمان، وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء وذلك غضب الله، فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر فذلك قول الله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ الآية. وعن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترئ على السحر إلا كافر، والفتنة هي المحنة والاختبار.
ومنها قوله تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102].
ومنها قوله تعالى:وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ، (يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن)، واتَّقَوْا (السحر وسائر الذنوب) .

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ [البقرة:103] وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي: ولو أنه آمن واتقى، وإنما قال تعالى ذلك لمن كفر وفجر وعمل بالسحر واتبعه وخاصم به رسوله ورمى به نبيه ونبذ الكتاب وراء ظهره، وهذا ظاهر لا غبار عليه والله أعلم. وقد صرح بذلك أئمة السلف من الصحابة والتابعين، وإنما اختلفوا في القدر الذي يصير به كافراً، والصحيح أن السحر المتعلم من الشياطين كله كفر قليله وكثيره كما هو ظاهر القرآن.
- عقوبة الساحر شرعاً ووعيداً:


(وحده) أي حدُّ الساحر (القتل) ضربة بالسيف (بلا نكير) بل هو ثابت بالكتاب من عموم النصوص في الكفار المرتدين وغيرهم (كما أتى) ثابتاً (في السنة المصرحة) الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم (مما رواه الترمذي) محمد بن عيسى بن سورة بمهملتين ابن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الحافظ الضرير أحد الأعلام وصاحب الجامع والتفسير عن خلق مذكورين في تراجمهم من جامعه وغيره، وعنه محمد بن إسماعيل السمرقندي وحماد بن شكر وأبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي راوي الجامع والهيثم بن كليب وخلق من أهل سمرقند ونسف وتلك الديار، وقال ابن حبان كان ممن جمع وصنف، قال أبو العباس المستغفري مات سنة تسع وسبعين ومائتين، مرفوعاً (وصححه) موقوفاً (عن جندب) هو ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلقمي أو العلقي له ثلاثة وأربعون حديثاً اتفقا على سبعة وانفرد مسلم بخمسة. روى عنه الحسن وابن سيرين وأبو مجلز، مات بعد الستين، قال رحمه الله تعالى: (باب ما جاء في حد الساحر حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حد الساحر ضربة بالسيف)) , هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع هو ثقة ويروي عن الحسن أيضاً والصحيح عن جندب موقوفاً والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول مالك بن أنس، وقال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملاً دون الكفر فلم ير عليه قتلاً. ويعني بقوله: ما يبلغ الكفر أي ما كان فيه اعتقاد التصرف لغير الله وصرف العبادة له كما يفعله عباد هياكل النجوم من أهل بابل وغيرهم والله أعلم. (وهكذا في أثر أمر بقتلهم) يعني السحرة (روي عن عمر) ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي أبي حفص المدني أحد فقهاء الصحابة ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأول من سمي أمير المؤمنين، له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثاً اتفقا على عشرة وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر، روى عنه أبناؤه عبد الله وعاصم وعبيد الله وعلقمة بن أبي وقاص وغيرهم، شهد بدراً والمشاهد والمواقف، وولي الأمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما وفتح في أيامه عدة أمصار، أسلم بعد أربعين رجلاً، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه)) , ولما دفن قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((ذهب اليوم بتسعة أعشار العلم)) استشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين ودفن في أول سنة أربع وعشرين في الحجرة النبوية وهو ابن ثلاث وستين وصلى عليه صهيب، ومناقبه جمة قد أفردت في مجلدات. وهذا الأثر المشار إليه في الباب هو ما رواه الإمامان الجليلان أحمد بن حنبل الشيباني ومحمد بن إدريس الشافعي رحمهما الله تعالى قالا: أخبرنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة بن عبدة يقول كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال فقتلنا ثلاث سواحر .
(وصح) نقلاً (عن حفصة) بنت عمر بن الخطاب العدوية أم المؤمنين رضي الله عنها (عند مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبي عبد الله المدني أحد الأعلام في الإسلام وإمام دار الهجرة، ولد سنة ثلاث وتسعين وحمل به ثلاث سنين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورضي عنه (ما) أي الذي (فيه أقوى) دليل (مرشد للسالك) وهو ما رواه في موطأه في باب ما جاء في الغيلة والسحر من كتاب العقول: عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه (أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت) ، قال مالك: (الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله تعالى في كتابه: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه) اهـ. قال ابن كثير رحمه الله: (وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيي الموتى! ورآه رجل من صالح المهاجرين فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر وقال: إن كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء: 3] فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه والله أعلم). وقال الإمام أبو بكر الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا يحيى بن سعيد حدثني أبو إسحاق عن حارثة فقال: (كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندب مشتملاً على سيفه فقتله، قال أراه كان ساحراً). وحمل الشافعي رحمه الله تعالى قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً. والله أعلم. ...
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا، فأما إن قُتل بسحره إنسان فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا فإنه يقتل حداً عندهم، إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصاً. قال وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية: تقبل، وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة إنه يقتل كما يقتل الساحر إذا كان مسلماً، وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل يعفى لقصة لبيد بن الأعصم. واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة إنها لا تقتل ولكن تحبس، وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل والله أعلم). وقال أبو بكر الخلال أخبرنا أبو بكر المروزي قال قرأ علي أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: عمر بن هارون أخبرنا يونس عن الزهري قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال في الذمي: يقتل إن قتل سحره. وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر أحداً. الأولى أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل. والثانية أنه يقتل وإن أسلم. وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفراً كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة: 102], لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائباً قبلناه، فإن قتل بسحره قتل، قال الشافعي: فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطئ عليه الدية.

الدرر السنية
 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
الكهانة
الكهان: جمع كاهن، والكهنة أيضاً جمع كاهن، وهم قوم يكونون في أحياء العرب يتحاكم الناس إليهم، وتتصل بهم الشياطين، وتخبرهم عما كان في السماء، تسترق السمع من السماء، وتخبر الكاهن به، ثم الكاهن يضيف إلى هذا الخبر ما يضيف من الأخبار الكاذبة، ويخبر الناس، فإذا وقع مما أخبر به شيء، اعتقده الناس عالماً بالغيب، فصاروا يتحاكمون إليهم، فهم مرجع للناس في الحكم، ولهذا يسمون الكهنة، إذ هم يخبرون عن الأمور في المستقبل، يقولون: سيقع كذا وسيقع كذا، وليس من الكهانة في شيء من يخبر عن أمور تدرك بالحساب، فإن الأمور التي تدرك بالحساب ليست من الكهانة في شيء، كما لو أخبر عن كسوف الشمس أو خسوف القمر، فهذا ليس من الكهانة، لأنه يدرك بالحساب، وكما لو أخبر أن الشمس تغرب في 20 من برج الميزان مثلاً في الساعة كذا وكذا، فهذا ليس من علم الغيب، وكما يقولون: إنه سيخرج في أول العام أو العام الذي بعده مذنب (هالي)، وهو نجم له ذنب طويل، فهذا ليس من الكهانة في شيء، لأنه من الأمور التي تدرك بالحساب، فكل شيء يدرك بالحساب، فإن الإخبار عنه ولو كان مستقبلاً لا يعتبر من علم الغيب، ولا من الكهانة.
وهل من الكهانة ما يخبر به الآن من أحوال الطقس في خلال أربع وعشرين ساعة أو ما أشبه ذلك؟
الجواب: لا، لأنه أيضاً يستند إلى أمور حسية، وهي تكيف الجو، لأن الجو يتكيف على صفة معينة تعرف بالموازين الدقيقة عندهم، فيكون صالحاً لأن يمطر، أو لا يمطر، ونظير ذلك في العلم البدائي إذا رأينا تجمع الغيوم والرعد والبرق وثقل السحاب، نقول يوشك أن ينزل المطر.
فالمهم أن ما استند إلى شيء محسوس، فليس من علم الغيب، وإن كان بعض العامة يظنون أن هذه الأمور من علم الغيب، ويقولون: إن التصديق بها تصديق بالكهانة.
والشيء الذي يدرك بالحس إنكاره قبيح، كما قال السفاريني:

فكل معلوم بحس أو حجا

فنكره جهل قبيح بالهجا

فالذي يعلم بالحس لا يمكن إنكاره ولو أن أحداً أنكره مستنداً بذلك إلى الشرع، لكان ذلك طعناً بالشرع.

روى مسلم في (صحيحه) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أتى عرافاً، فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً))
قوله: (من): شرطية، فهي للعموم.
والعراف: صيغة مبالغة من العارف، أو نسبة، أي: من ينتسب إلى العرافة.
والعراف قيل: هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن المستقبل.
وقيل: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق، إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة.
قوله: (فسأله، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً). ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوماً، ولكنه ليس على إطلاقه، فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالاً مجرداً، فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً.....)) .، فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه، إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله: فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى:قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65].
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث.
وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد، فقال: ((ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ فقال: اخسأ، فلن تعدو قدرك)) , فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره، لأجل أن يختبره، فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور يتبين بها كذبه وعجزه، وهذا مطلوب، وقد يكون واجباً.
وإبطال قول الكهنة لا شك أنه أمر مطلوب، وقد يكون واجباً، فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى.
وقد ذكر شيخ الإسلام أن الجن يخدمون الإنس في أمور، والكهان يستخدمون الجن ليأتوهم بخبر السماء، فيضيفون إليه من الكذب ما يضيفون، وخدمة الجن للإنس ليست محرمة على كل حال، بل هي على حسب الحال.
فالجني يخدم الإنس في أمور لمصلحة الإنس، وقد يكون للجن فيها مصلحة، وقد لا يكون له فيها مصلحة، بل لأنه يحبه في الله ولله، ولا شك أن من الجن مؤمنين يحبون المؤمنين من الإنس، لأنه يجمعهم الإيمان بالله.
وقد يخدمونهم لطاعة الإنس لهم فيما لا يرضي الله ـ عز وجل ـ، إما في الذبح لهم، أو في عبادتهم، أو ما أشبه ذلك.
والأغرب من ذلك أنهم ربما يخدمون الإنس لأمر محرم من زنا أو لواط، لأن الجنية قد تستمتع بالإنسي بالعشق والتلذذ بالاتصال، أو بالعكس، وهذا أمر معلوم مشهود، حتى ربما كان الجني الذي في الإنسان ينطق بذلك، كما يعلم من الذين يقرؤون على المصابين بالجن.
والنبي صلى الله عليه وسلم حضر إليه الجن وخاطبهم وأرشدهم، ووعدهم بعطاء لا نظير له، فقال لهم: ((كل عظم ذكر اسم لله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة، فهي علف لدوابكم)) ... قوله: (فصدقه). ليس في (صحيح مسلم)، بل الذي في (مسلم): (فسأله، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، وزيادتها في نقل المؤلف، إما لأن النسخة التي نقل منها بهذا اللفظ (فصدقه)، أو أن المؤلف عزاه إلى (مسلم) باعتبار أصله، فأخذ من (مسلم): (فسأله)، وأخذ من أحمد: (فصدقه).
قوله: (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة). نفي القبول هنا هل يلزم منه نفي الصحة أولا؟
نقول: نفي القبول إما أن يكون لفوات شرط، أو لوجود مانع، ففي هاتين الحالين يكون نفي القبول نفياً للصحة، كما لو قلت: من صلى بغير وضوء لم يقبل الله صلاته، ومن صلى في مكان مغصوب لم يقبل الله صلاته عند من يرى ذلك.
وإن كان نفي القبول لا يتعلق بفوات شرط ولا وجود مانع، فلا يلزم من نفي القبول نفي الصحة، وإنما يكون المراد بالقبول المنفي: إما نفي القبول التام، أي: لم تقبل على وجه التمام الذي يحصل به تمام الرضا وتمام المثوبة.
وإما أن يراد به أن هذه السيئة التي فعلها تقابل تلك الحسنة في الميزان، فتسقطها، ويكون وزرها موازياً لأجر تلك الحسنة، وإذا لم يكن له أجر صارت كأنها غير مقبولة، وإن كانت مجزئة ومبرئة للذمة، لكن الثواب الذي حصل بها قوبل بالسيئة فأسقطته.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ((من شرب الخمر، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) .
وقوله: (أربعين يوماً). تخصيص هذا العدد لا يمكننا أن نعلله، لأن الشيء المقدر بعدد لا يستطيع الإنسان غالباً أن يعرف حكمته، فكون الصلاة خمس صلوات أو خمسين لا نعلم لماذا خصصت بذلك، فهذا من الأمور التي يقصد بها التعبد لله، والتعبد لله بما لا تعرف حكمته أبلغ من التعبد له بما تعرف حكمته، لأنه أبلغ في التذلل، صحيح أن الإنسان إذا عرف الحكمة اطمأنت نفسه أكثر، لكن كون الإنسان ينقاد لما لا يعرف حكمته دليل على كمال الانقياد والتعبد لله عز وجل، فهو من حيث العبودية أبلغ وأكمل، أما ذاك، فهو من حيث الطمأنينة إلى الحكم يكون أبلغ، لأن النفس إذا علمت بالحكمة في شيء اطمأنت إليه بلا شك، وازدادت أخذاً له وقبولاً، فهناك أشياء مما عينه الشرع بعدد أو كيفية لا نعلم ما الحكمة فيه، ولكن سبيلنا أن نكون كما قال الله تعالى عن المؤمنين: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب: 36].
فعلينا التسليم والانقياد وتفويض الأمر إلى الله تعالى.
ويؤخذ من الحديث: تحريم إتيان العراف وسؤاله، إلا ما استثني، كالقسم الثالث والرابع، لما في إتيانهم وسؤالهم من المفاسد العظيمة، التي ترتب على تشجيعهم وإغراء الناس بهم، وهم في الغالب يأتون بأشياء كلها باطلة.
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم )) رواه أبو داود .
قوله: (من أتى كاهناً). تقدم معنى الكهان، وأنهم كانوا رجالاً في أحياء العرب تنزل عليهم الشياطين، وتخبرهم بما سمعت من أخبار السماء.
قوله: (فصدقه). أي: نسبه إلى الصدق، وقال: إنه صادق، وتصديق الخبر يعني: تثبيته وتحقيقه، فقال: هذا حق وصحيح وثابت.
قوله: (بما يقول). (ما) عامة في كل ما يقول: حتى ما يحتمل أنه صدق، فإنه لا يجوز أن يصدقه، لأن الأصل فيهم الكذب.
قوله (فقد كفر بما أنزل على محمد)، أي: بالذي أنزل، والذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن أنزل إليه بواسطة جبريل، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء: 192- 193]، وقال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [ النحل: 102]، وبهذا نعرف أن القول الراجح في الحديث القدسي أنه من كلام الله تعالى معنى، وأما لفظه، فمن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه حكاه عن الله، لأننا لو لم نقل بذلك لكان الحديث القدسي أرفع سنداً من القرآن ...
ولأنه لو كان من كلام الله لفظاً، لوجب أن تثبت له أحكام القرآن، لأن الشرع لا يفرق بين المتماثلين، وقد علم أن أحكام القرآن لا تنطبق على الحديث القدسي ولا يتعبد بتلاوته ولا يقرأ في الصلاة، ولا يعجز لفظه، ولو كان من كلام الله، لكان معجزاً، لأن كلام الله لا يماثله كلام البشر، وأيضاً باتفاق أهل العلم فيما أعلم أنه لو جاء مشرك يستجير ليسمع كلام الله وأسمعناه الأحاديث القدسية، فلا يصح أن يقال: إنه سمع كلام الله
فدل هذا على أنه ليس من كلام الله، وهذا هو الصحيح، وللعلماء في ذلك قولان: هذا أحدهما، والثاني: أنه من قول الله لفظاً.
فإن قال قائل: كيف تصححون هذا والنبي صلى الله عليه وسلم ينسب القول إلى الله، ويقول: قال الله تعالى: ومقول القول هو هذا الحديث المسوق.
قلنا: هذا كما قال الله تعالى عن موسى وفرعون وإبراهيم: قال موسى، قال فرعون، قال إبراهيم… مع أننا نعلم أن هذا اللفظ ليس من كلامهم ولا قولهم، لأن لغتهم ليست اللغة العربية، وإنما نقل نقلاً عنهم، ويدل هذا أن القصص في القرآن تختلف بالطول والقصر والألفاظ، مما يدل على أن الله سبحانه ينقلها بالمعنى، ومع ذلك ينسبها إليهم، كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [ الزخرف: 26،27]، وقال عن موسى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ [الأعراف: 128]، وقال عن فرعون: قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [الشعراء: 34].
قوله: (بما أنزل على محمد). ذكر أهل السنة أن كل كلمة وصف فيها القرآن بأنه منزل أو أنزل من الله، فهي دالة على علو الله ـ سبحانه وتعالى ـ بذاته، وعلى أن القرآن كلام الله، لأن النزول يكون من أعلى، والكلام لا يكون إلا من متكلم به.
قوله: (كفر بما أنزل على محمد). وجه ذلك: أن ما أنزل على محمد قال الله تعالى فيه: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65]، وهذا من أقوى طرق الحصر، لأن فيه النفي والإثبات، فالذي يصدق الكاهن في علم الغيب وهو يعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، فهو كافر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وإن كان جاهلاً ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب، فكفره كفر دون كفر.
وللأربعة، والحاكم ـ وقال: (صحيح على شرطهما) عن أبي هريرة: ((من أتى عرافاً أو كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) .
قوله: (وللأربعة والحاكم). الأربعة هم: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم ليس من أهل (السنن)، لكن له كتاب سمي (صحيح الحاكم).
قوله: (صحيح على شرطهما)، أي: شرط البخاري ومسلم، لكن قول (على شرطهما) هذا على ما يعتقد، وإلا، فقد يكون الأمر على خلاف ذلك.
ومعنى قوله: (على شرطهما)، أي: أن رجاله رجال (الصحيحين)، وأن ما اشترطه البخاري ومسلم موجود فيه.
ونحن لا ننكر أن هناك أحاديث صحيحة لم يذكرها البخاري ومسلم، لأنهما لم يستوعبا الصحيح كله، وهذا أمر واقع، ولكن ينظر في قول من قال: إن هذا الحديث على شرطهما، فقد تكون فيه علة خفية خفيت على هذا القائل، ويكون البخاري ومسلم علماها وتركا الحديث من أجلها.
قوله: (صحيح). يقولون الحاكم ممن يتساهل بالتصحيح، ولهذا قالوا: لا عبرة بتصحيح الحاكم، ولا بتوثيق ابن حبان، ولا بوضع ابن الجوزي، ولا بإجماع ابن المنذر.
وهذا القول فيه مجازفة في الحقيقة، لأن كلمة (لا عبرة)، أي: لا يلتفت إليه، والصواب أنه لا يؤخذ مقبولاً في كل حال، مع أني تدبرت كلام ابن المنذر رحمه الله، ووجدت أنه دائماً إذا نقل الإجماع يقول: إجماع من نحفظ قوله من أهل العلم، وهو بهذا قد احتفظ لنفسه، ولا يكلف الله نفساً إلى وسعها.
ولكننا مع ذلك نقول: إذا كان الرجل ذا اطلاع واسع، فقد يكون هذا القول إجماعاً، أما إذا كان هذا الرجل لا يعرف إلى ما حوله، فإن قوله هذا لا يكون إجماعاً ولا يوثق به، ولا نحكم بأنه إجماع.
مثاله: فلو قال رجل: لم يدرس إلا المذهب الحنبلي في مسألة، وقال هذا إجماع من نحفظ قوله من أهل العلم، فإن قوله هذا لا يعتبر، لأنه لم يحفظ إلا قولاً قليلاً من أقوال أهل العلم.
قوله: (من أتى عرافاً أو كاهناً). (أو) يحتمل أن تكون للشك، ويحتمل أن تكون للتنويع، فالحديث الأول بلفظ عراف، والثاني بلفظ كاهن، والثالث جمع بينهما، فتكون "أو" للتنويع.
... ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفاً .
وعن عمران بن حصين مرفوعاً: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). رواه البزار بإسناد جيد .
... أن حديث أبي هريرة: (من أتى عرافاً أو كاهناً) أنه موقوف، لأنه قال عن أبي هريرة، لكنه لما قال في الذي بعده: (موقوفاً) ترجح عندنا أن الحديث الذي قبله مرفوع.
قوله: (ليس منا). تقدم الكلام على هذه الكلمة، وأنها لا تدل على خروج الفاعل من الإسلام، بل على حسب الحال.
قوله: (مرفوعاً) أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (تطير) التطير: هو التشاؤم بالمرئي أو المسموع أو المعلوم أو غير ذلك، وأصله من الطير، لأن العرب كانوا يتشاءمون أو يتفاءلون بها.
ومنه ما يحصل لبعض الناس إذ شرع في عمل، ثم حصل له في أوله تعثر تركه وتشاءم، فهذا غير جائز، بل يعتمد على الله ويتوكل عليه، وما دمت أنك تعلم أن في هذا الأمر خيراً، فغامر فيه، ولا تشاءم، لأنك لم توفق فيه لأول مرة، فكم من إنسان لم يوفق في العمل أول مرة، ثم وفق في ثاني مرة أو ثالث مرة؟!
ويقال: إن الكسائي - إمام النحو - طلب النحو عدة مرات، ولكنه لم يوفق، فرأى نملة تحمل نواة تمر، فتصعد بها إلى الجدار، فتسقط، حتى كررت ذلك عدة مرات، ثم صعدت بها إلى الجدار وتجاوزته، فقال: سبحان الله! هذه النملة تكابد هذه النواة حتى نجحت، إذاً أنا سأكابد علم النحو حتى أنجح. فكابد، فصار إمام أهل الكوفة في النحو.
قوله: (أو تطير له). بالبناء للمفعول، أي: أمر من يتطير له، مثل أن يأتي شخص، ويقول: سأسافر إلى المكان الفلاني، وأنت صاحب طير، وأريد أن تزجر طيرك لأنظر: هل هذه الوجهة مباركة أم لا، فمن فعل ذلك، فقد تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (من تطير) يشمل من تطير لنفسه، أو تطير لغيره.
وقوله: (أو تكهن أو تكهن له). سبق أن الكهانة ادعاء علم الغيب في المستقبل، يقول سيكون كذا وكذا، وربما يقع، فهذا متكهن، ومن الغريب أنه شاع الآن في أسلوب الناس قولهم: تكهن بأن فلاناً سيأتي، ويطلقون هذا اللفظ الدال على عمل محرم على أمر مباح، وهذا لا ينبغي، لأن العامي الذي لا يفرق بين الأمور يظن أن الكهانة كلها مباحة، بدليل إطلاق هذا اللفظ على شيء مباح معلوم إباحته.
قوله: (أو تكهن له)، أي: طلب من الكاهن أن يتكهن له، كأن يقول للكاهن: ماذا يصيبني غداً، أو في الشهر الفلاني، أو في السنة الفلانية، وهذا تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: (أو سحر أو سحر له). تقدم تعريف السحر، وتقدم بيان أقسامه.
قوله: (أو سحر له)، أي: طلب من الساحر أن يسحر له، ومنه النشرة عن طريق السحر، فهي داخلة فيه، وكانوا يستعملونها على وجوه متنوعة، منها أنهم يأتون بطست فيه ماء، ويصبون فيه رصاصاً، فيتكون هذا الرصاص بوجه الساحر، أي: تكون صورة الساحر في هذا الرصاص، ويسمونها العامة عندنا (صب الرصاص)، وهذا من أنواع السحر المحرم، وقد تبرأ رسول الله من فاعله.
الشاهد من هذا الحديث: قوله: (ومن أتى كاهناً....) إلخ، وقوله: (ورواه الطبراني في (الأوسط) بإسناد حسن من حديث ابن عباس...) إلخ، فيكون هذا مقوياً للأول.
قال البغوي: (العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك)
وقيل: هو الكاهن. والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
[ قوله: (قال البغوي: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات...). العراف: صيغة مبالغة فإما أن يراد بها الصيغة، وإما أن يراد بها النسبة.]
وهو الذي يدعي معرفة تتعلق بعلم الغيب، فيدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على مكان المسروق والضالة ونحوها.
وظاهر كلام البغوي رحمه الله: أنه شامل لمن ادعى معرفة المستقبل والماضي، لأن مكان المسروق يعلم بعد السرقة، وكذلك الضالة قد حصل الضياع، ولكن المسألة ليست اتفاقية بين أهل العلم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وقيل: هو"، أي: العراف الكاهن.
والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
قوله: (وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير)، أي: أن تضمر شيئاً فتقول: ما أضمرت؟ فيقول: أضمرت كذا وكذا.
أو المغيبات في المستقبل، تقول: ماذا سيحدث في الشهر الفلاني في اليوم الفلاني؟ ماذا ستلد امرأتي؟ متى يقدم ولدي؟ وهو لا يدري.
والخلاصة: أن العلماء اختلفوا في تعريف العراف، فقيل: هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على مكان المسروق والضالة ونحوها، فيكون شاملاً لمن يخبر عن أمور وقعت.
وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
وقال أبو العباس ابن تيمية: (العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) .
قوله: (وقال أبو العباس ابن تيمية). هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، يكنى بأبي العباس، ولم يتزوج، ولم يتركه من باب الرهبانية، ولكنه والله أعلم كان مشغولاً بالجهاد العلمي مع قلة الشهوة، وإلا لو كان قوي الشهوة لتزوج، وليس كما يدعي المزورون أن له ولداً مدفوناً إلى جانبه في دمشق، فإنه غير صحيح قطعاً.
وظاهر كلام الشيخ: أن شيخ الإسلام جزم بهذا، ولكن شيخ الإسلام قال: وقيل العراف، وذكره بقيل، ومعلوم أن ما ذكر بقيل ليس مما يجزم بأن الناقل يقول به، صحيح أنه إذا نقله ولم ينقضه، فهذا دليل على أنه ارتضاه.
وعلى كل حال، فشيخ الإسلام ساق هذا القول وارتضاه، ثم قال: ولو قيل: إنه اسم خاص لبعض هؤلاء الرمال والمنجم ونحوهم، فإنهم يدخلون فيه بالعموم المعنوي، لأن عندنا عموماً معنوياً، وهو ما ثبت عن طريق القياس، وعموماً لفظياً، وهو ما دل عليه اللفظ، بحيث يكون اللفظ شاملاً له.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن استخدام الإنس للجن له ثلاث حالات.
الحال الأولى: أن يستخدم في طاعة الله، كأن يكون له نائباً في تبليغ الشرع، فمثلاً: إذا كان له صاحب من الجن مؤمن يأخذ عنه العلم، ويتلقى منه، وهذا شيء ثبت أن الجن قد يتعلمون من الإنس، فيستخدمه في تبليغ الشرع لنظرائه من الجن، أو في المعونة على أمور مطلوبة شرعاً، فهذا لا بأس به، بل إنه قد يكون أمراً محموداً أو مطلوباً، وهو من الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ، والجن حضروا النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن، وولوا إلى قومهم منذرين، والجن فيهم الصلحاء والعباد والزهاد والعلماء، لأن المنذر لابد أن يكون عالماً بما ينذر، عابداً مطيعاً لله ـ سبحانه ـ في الإنذار.
الحال الثانية: أن يستخدمهم في أمور مباحة، مثل أن يطلب منهم العون على أمر من الأمور المباحة، قال: فهذا جائز بشرط أن تكون الوسيلة مباحة، فإن كانت محرمة، صار حراماً، كما لو كان الجني لا يساعده في أموره إلا إذا ذبح له أو سجد له أو ما أشبه ذلك ...
الحالة الثالثة: أن يستخدمهم في أمور محرمة، كنهب أموال الناس وترويعهم، وما أشبه ذلك، فهذا محرم، ثم إن كان الوسيلة شركاً صار شركاً، وإن كان وسيلته غير شرك صار معصية، كما لو كان هذا الجني الفاسق يألف هذا الإنسي الفاسق ويتعاون معه على الإثم والعدوان، فهذا يكون إثماً وعدواناً، ولا يصل إلى حد الشرك.
ثم قال: إن من يسأل الجن، أو يسأل من الجن، ويصدقهم في كل ما يقولون، فهذا معصية وكفر، والطريق للحفظ من الجن هو قراءة آية الكرسي، فمن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم
C:\Users\amin\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\clip_image001.gif
, وهي: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [ البقرة: 255]

فيه مسائل:
الأولى: لا يجتمع تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن

. الثانية: التصريح بأنه كفر.

الثالثة: ذكر من تكهن له.

الرابعة: ذكر من تطير له.

الخامسة: ذكر من سحر له.

السادسة: ذكر من تعلم أباجاد.
فيه مسائل:
الأولى: لا يجتمع تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن. يؤخذ من قوله: "من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"، ووجهه: أنه كذب بالقرآن وهذا من أعظم الكفر.
الثانية: التصريح بأنه كفر. تؤخذ من قوله: (فقد كفر بما أنزل على محمد).
الثالثة: ذكر من تكهن له. تؤخذ من حديث عمران بن حصين، حيث قال: (ليس منا)، أي: إنه كالكاهن في براءة النبي صلى الله عليه وسلم منه.
السابعة: ذكر الفرق بين الكاهن والعراف. وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: أن العراف هو الكاهن، فهما مترادفان، فلا فرق بينهما.
القول الثاني: أن العراف هو الذي يستدل على معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها، فهو أعم من الكاهن، لأنه يشمل الكاهن وغيره، فهما من باب العام والخاص.
القول الثالث: أن العراف يخبر عن أمور بمقدمات يستدل عليها، والكاهن هو الذي يخبر عما في الضمير، أو عن المغيبات في المستقبل.
فالعراف أعم، أو أن العراف يختص بالماضي، والكاهن بالمستقبل، فهما متباينان، والظاهر أنهما متباينان، فالكاهن من يخبر عن المغيبات في المستقبل والعراف من يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك.

قال حافط الحكمي في شرحه لمنظومة سلم الوصول:

وَمَنْ يُصَدِّقْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرْ

بِمَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ الْمُعْتَبَرْ

(ومن يصدق كاهناً) يعتقد بقلبه صدقه في ما ادعاه من علم المغيبات التي استأثر الله تعالى بعلمها (فقد كفر) أي بلغ دركة الكفر بتصديقه الكاهن (بما أتى به الرسول) محمد صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل من الكتاب والسنة وبما أتى به غيره صلى الله عليه وسلم من الرسل عليهم السلام. ولنسق الكلام أولاً في تعريف الكاهن من هو ثم في بيان كذبه وكفره ثم في كفر من صدقه بما قال والله المستعان، فنقول:
الكاهن في الأصل هو من يأتيه الرئي من الشياطين المسترقة السمع تتنزل عليهم كما قال الله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء: 221] وهذه الآيات متعلقة بما قبلها وهي قوله عز وجل لما قال المشركون في رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إنه كاهن وقالوا في القرآن كهانة وأنه مما يلقيه الشيطان، فنفى الله تعالى ذلك وبرأ رسوله وكتابه مما أفكوه وافتروه: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء: 192-195] إلى أن قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: 210-212] فأثبت تعالى أن القرآن كلامه وتنزيله، وأن جبريل عليه السلام رسول منه مبلغ كلامه إلى الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مبلغ له إلى الناس، ثم نفى ما افتراه المشركون عليه فقال: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وقرر انتفاء ذلك بثلاثة أمور: الأول بعد الشياطين وأعمالهم عن القرآن، وبعده وبعد مقاصده منهم، فقال تعالى: وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ لأن الشياطين مقاصدها الفساد والكفر والمعاصي والبغي والعتو والتمرد وغير ذلك من القبائح، والقرآن آت بصلاح الدنيا والآخرة، آمر بأصول الإيمان وشرائعه مقرر لها مرغب فيها زاجر عن الكفر والمعاصي ذام لها متوعد عليها آمر بالمعروف ناه عن المنكر، ما من خير آجل ولا عاجل إلا وفيه الدلالة عليه والدعوة إليه والبيان له، وما من شر عاجل ولا آجل إلا وفيه النهي عنه والتحذير منه، فأين هذا من مقاصد الشياطين؟ الثاني عجزهم عنه فقال تعالى: وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، أي لو انبغى لهم ما استطاعوه، لأنه كلام رب العالمين ليس يشبه كلام شيء من المخلوقين، وليس في وسعهم الإتيان به ولا بسورة من مثله: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88]. الثالث عزلهم عن السمع وطردهم عن مقاعده التي كانوا يقعدون من السماء قبل نزول القرآن فقال تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ فبين تعالى – مع كونه لا ينبغي لهم – أنه لو انبغى ما استطاعوا الإتيان به أو بمثله لا من عند أنفسهم ولا نقلاً عن غيرهم من الملائكة، نفى عنهم الأول بعدم الاستطاعة، والثاني بعزلهم عن السمع وطردهم منه، قال الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] إلى قوله: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [الحجر: 16-18] وقال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 6-10] وقال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ [الملك: 5] وقال تعالى عن مؤمني الجن رضي الله عنهم: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن: 8-10] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو صلى الله عليه وسلم بنخل عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: 1-2] فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ [الجن: 1])) وهذا الحديث بطوله وطرقه في (الصحيحين) وغيرهما ، ثم قال تعالى في جواب الكفار مبيناً لهم أولياء الشياطين الذين تنزل عليهم فقال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء: 221] الآيات. وفي (صحيح البخاري) قالت عائشة رضي الله عنها: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال: ((إنهم ليسوا بشيء)) قالوا يا رسول الله إنهم يحدثون بالشيء يكون حقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة)). وله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض – وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أو ليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء)) ولمسلم عن ابن عباس نحوه، وللبخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الملائكة تحدّث في العنان – والعنان الغمام – بالأمر في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة)). وقد بين الله تعالى كذب الكاهن بقوله: أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء: 222] فسماه أفاكاً وذلك مبالغة في وصفه بالكذب. وسماه أثيماً وذلك مبالغة في وصفه بالفجور. وقوله: وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ أي أكثر ما يقولونه الكذب فلا يفهم منه أن فيهم صادقاً، يفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيكذب معها مائة كذبة)) فلا يكون صدقاً إلا الكلمة التي سمعت من السماء.
وأما كفر الكاهن فمن وجوه: منها كونه ولياً للشيطان فلم يوح إليه الشيطان إلا بعد أن تولاه، قال الله تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ [الأنعام: 121] والشيطان لا يتولى إلا الكفار ويتولونه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة: 257] وهذا وجه ثان. والثالث قوله تعالى: يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ أي نور الإيمان والهدى إِلَى الظُّلُمَاتِ أي ظلمات الكفر والضلالة. وقال تعالى: وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا [النساء: 119] وهذا وجه رابع. والخامس تسميته طاغوتاً في قوله عز وجل: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء: 60] نزلت في المتحاكمين إلى كاهن جهينة. وقوله وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ أي الطاغوت. وهذا وجه سادس. والسابع أن من هداه الله للإيمان من الكهان كسواد بن قارب رضي الله عنه لم يأته رأيه بعد أن دخل في الإسلام، فدل أنه لم يتنزل عليه في الجاهلية إلا لكفره وتوليه إياه، حتى إنه رضي الله عنه كان يغضب إذا سئل عنه حتى قال له عمر رضي الله عنه: (ما كنا فيه من عبادة الأوثان أعظم) الثامن وهو أعظمها تشبهه بالله عز وجل في صفاته ومنازعته له تعالى في ربوبيته، فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله تعالى بها دون من سواه فلا سميَّ له ولا مضاهي ولا مشارك وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59] - قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65]- عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: 26-27] - أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [الطور: 41]- أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى [النجم: 35] ولسان حال الكاهن وقاله يقول نعم. التاسع أن دعواه تلك تتضمن التكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله. العاشر النصوص في كفر من سأله عن شيء فصدقه بما يقول فكيف به هو نفسه فيما ادعاه، فقد روى الأربعة والحاكم وقــال صحيح على شرطهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقـه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) وعن عمران بن حصين رضي الله عنه ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له. ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). ولمسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)). فهذا حكم من سأله مطلقاً، والأول حكم من سأله وصدقه بما قال.
ثم اعلم أن الكاهن وإن كان أصله ما ذكرنا فهو عام في كل من ادعى معرفة المغيبات ولو بغيره كالرمّال الذي يخط بالأرض أو غيرها، والمنجم الذي قدمنا ذكره أو الطارق بالحصى وغيرهم ممن يتكلم في معرفة الأمور الغائبة كالدلالة على المسروق ومكان الضالة ونحوها أو المستقبلة كمجيء المطر أو رجوع الغائب أو هبوب الرياح ونحو ذلك مما استأثر الله عز وجل بعلمه فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا من طريق الوحي كما قال تعالى: فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: 26] ملائكة يحفظونه من مسترقي السمع وغيرهم لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: 28] فمن ذا الذي يدَّعي علم ما استأثر الله بعلمه عن رسله من الملائكة والبشر كما قال تعالى عن نوح عليه السلام: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْب [الأنعام: 50] الآية، وقال تعالى عن هود عليه السلام: قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ [الأحقاف: 23]، وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأحقاف: 23] الآية، وقال تعالى: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] وقال تعالى: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأحقاف: 9] الآية، وقال تعالى عن الملائكة: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 31-32] الآيات ولم يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم مكان راحلته حتى أعلمه الله بذلك، وقال في سؤال الحبر إياه فأجابه صلى الله عليه وسلم وصدقه الحبر ثم انصرف فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به)) وهي في مسلم.

. وفيه قول عائشة رضي الله عنها لمسروق رحمه الله تعالى: (ومن زعم أن رسول الله يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية)، والله تعالى يقول: قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يعلم شيئاً من الرسالة حتى أتاه الله عز وجل به كما قال تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى [الضحى: 6]، وقال تعالى وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ [الشورى: 52] وقال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا [هود: 49]، وقال تعالى: قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [يونس: 26] وقال تعالى: وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113]. نسأل الله العظيم من فضله العظيم

الدرر السنية
 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
النشرة
قال ابن الأثير: (النشرة بالضم ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسًّا من الجن، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي: يكشف ويزال)، والمراد بها هنا: هي حل السحر عن المسحور وهي نوعان:
الأول: حل السحر عن المسحور بسحر مثله، وهو محرم، وهو كفر أصغر، وهو الذي قال فيه الحسن: (لا يحل السحر إلا الساحر) ، حيث يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
الثاني: حل السحر بالأدعية والرقى المباحة من القرآن والسنة، فهذا جائز.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أحمد بسند جيد . وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تداووا بحرام)) وقال: ((ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها)) فحل السحر بالسحر من عمل الشيطان، وعمل الشيطان محرم، فلا يكون فيه شفاء وتوقع أن فيه شفاء عادة لم يجز؛ لأنه يحرم التداوي بالمحرمات، ولا يقال أن ذلك مما تمليه الضرورة؛ لأن محل الضرورة ما فيه نفع يدفعها، والسحر ليس كذلك كما دل عليه الحديث المتقدم. وإن قلنا: إن فيها نفعاً فإن محل الضرورة خوف الموت، والمسحور لا يموت بمجرد سحره حتى يقال إنه يحافظ على نفسه, كما أن تجويز إتيان السحر من أجل العلاج به يساعد على تعلمه وهو يحمل ضمناً تجويز تعلمه والعمل به, ويفتح الباب لكل شرير أن يسحر فيلجأ الناس إليه من أجل العلاج مما يزيد في شر السحرة وإفسادها, مع أن الشرع يحل دم الساحر ويدل على كفره – كما تقدم – وهذا الأمر مما ابتلي به كثير من الناس في عصرنا، فيكثر منهم من يذهب إلى السحر لحل ما أصابه من السحر عنه، مما جعل الناس يكثرون من لجوئهم إلى السحر سواء في العلاج، أو في طلب سحر الغير لحقد أو حسد أو بغضاء، مما زاد في الفساد وفتح باب الخرافة للناس.



سئل الشيخ ابن باز رحمه الله
هل يجوز فك السحر عن المسحور باستخدام السحر ؟


الجواب: الحمد لله
إن فك السحر عن المسحور لا يخلو من حالين :


الحالة الأولى : أن يستخدم في ذلك الرقى الشرعية والتعوذات النبوية ، والأدوية المباحة فلا بأس بذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية للرقى . يراجع سؤال ( 12918 )


الحالة الثانية : " أن يعالجه ـ أي السحر ـ بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز ؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون ؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم فقال عليه الصلاة والسلام : " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " وقال صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " فالسحرة كفرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم .


وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة ؟ فقال : " هي من عمل الشيطان " رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/294 ) وأبو داود في سننه ( 3868 ) بإسناد جيد


والنشرة هي حل السحر عن المسحور


ومراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية وهي سؤال الساحر ليحل السحر ، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما ونص على ذلك أيضا غيرهما من أهل العلم والله المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء وأن يحفظ عليهم دينهم ويرزقهم الفقه فيه والعافية من كل ما يخالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه" ا.هـ


مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ( 3 / 280 ).


________________


س: من كان به سحر هل يجوز أن يذهب إلى ساحر ليزيل السحر عنه؟
ج: لا يجوز ذلك، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان وفي الأدوية الطبيعية والأدعية الشرعية ما فيه كفاية، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم، فقال صلى الله عليه وسلم: تداووا، ولا تداووا بحرام. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.




اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو، عضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس
عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز

كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **

ما هو التنجيم‏؟‏ وما حكمه‏؟‏

‏(‏263‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن التنجيم وحكمه ‏؟‏
فأجاب بقوله ‏:‏ التنجيم مأخوذ من النجم ، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية ، بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض ، أو ما سيقع في الأرض بالنجوم بحركاتها ، وطلوعها ، وغروبها ، واقترانها ، وافتراقها وما أشبه ذلك ، والتنجيم نوع من السحر والكهانة وهو محرم ، لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها ، فلا علاقة لما يحدث في الأرض بما يحدث في السماء ، ولهذا كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم ، فكسفت الشمس في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم - رضي الله عنه - فقال الناس ‏:‏ كسفت الشمس لموت إبراهيم ، فخطب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، الناس حين صلى الكسوف وقال ‏:‏ ‏(‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ‏)‏ فأبطل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية ، وكما أن التنجيم بهذا المعنى نوع من السحر والكهانة فهو أيضاً سبب للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل ، فيقع الإنسان في أوهام ، وتشاؤمات ، ومتاهات لا نهاية لها ‏.‏
وهناك نوع آخر من التنجيم وهو أن الإنسان يستدل بطلوع النجوم على الأوقات ، والأزمنة ، والفصول ، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه ، مثل أن نقول إذا دخل نجم فلان فإنه يكون قد دخل موسم الأمطار، أو قد دخل وقت نضوج الثمار وما أشبه ذلك ، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه‏.‏

ما العلاقة بين التنجيم والكهانة ‏؟‏ وأيهما أخطر ‏؟‏
‏(‏264‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ ما العلاقة بين التنجيم والكهانة ‏؟‏ وأيهما أخطر ‏؟‏
فأجاب قائلاً ‏:‏ العلاقة بين التنجيم والكهانة أن الكل مبني على الوهم والدجل ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وإدخال الهموم والغموم عليهم وما أشبه ذلك‏.‏
وبالنسبة لخطرهما على المسلمين فهذا ينبني على شيوع هذا الأمر بين الناس فقد يكون في بعض البلاد لا أثر للتنجيم عندهم إطلاقاً ولا يهتمون به ولا يصدقون به ، ولكن الكهانة منتشرة بينهم فتكون أخطر ، وقد يكون الأمر بالعكس ‏.‏ لكن من حيث واقع الكهانة والتنجيم فإن الكهانة أخطر‏.‏
 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
س: ما حكم السحر والساحر؟
جـ: السحر متحقق وجوده وتأثيره مع مصادفة القدر الكوني، كما قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ} [البقرة: 102] وتأثيره ثابت في الأحاديث الصحيحة، وأما الساحر فإن كان سحره مما يتلقى عن الشياطين، كما نصت عليه آية البقرة فهو كافر، لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] إلى قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] الآيات.
_________
(1) رواه البخاري (2682، 2749) ، ومسلم (الإيمان / 107، 108) .
(2) رواه البخاري (2459، 3178) ، ومسلم (الإيمان / 106)

س: ما حد الساحر؟
جـ: روى الترمذي عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حد الساحر ضربه بالسيف» (1) وصحح وقفه وقال العمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر فأما إذا عمل دون الكفر فلم ير عليه قتلا، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر وابنه عبد الله وابنته حفصة، وعثمان بن عفان، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، وأحمد، وأبي حنيفة وغيرهم رحمهم الله.
.......................................

(1) (ضعيف مرفوعا، صحيح موقوفا) رواه الترمذي (1460) ، والدارقطني (3 / 114) ، والحاكم (4 / 360) ، والبيهقي (8 / 136) ، والطبراني في الكبير (1665) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الآبادي تعليقا على الدارقطني: الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي والترمذي، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي، اهـ. قال الحافظ في التقريب: وكان فقيها ضعيف الحديث. وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة ويروي عن الحسن أيضا، والصحيح عن جندب موقوف، اهـ. قال البيهقي: إسماعيل بن مسلم ضعيف، وقد ضعف الحديث أيضا الحافظ بن حجر، والشيخ الألباني.

س: ما حكم الكهان؟
جـ: الكهان من الطواغيت وهم أولياء الشياطين الذين يوحون إليهم كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] الآية، ويتنزلون عليهم ويلقون إليهم الكلمة من السمع فيكذبون معها مائة كذبة كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 - 223] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الوحي: " «فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة» (1) . الحديث في الصحيح بكماله، ومن ذلك الخط بالأرض الذي يسمونه ضرب الرمل، وكذا الطرق بالحصى ونحوه.
_________
(1) صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة سبأ (4800) .

س: ما حكم من صدق كاهنا؟
جـ: قال الله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] الآية، وقال تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور: 41] وقال تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم: 35] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما» (2) .
..........................................

(1) ( صحيح ) رواه أحمد ( 2 / 429 ) ، والبيهقي ( 8 / 135 ) ، والحاكم ( 1 / 8 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرطهما جميعا من حديث ابن سيرين ولم يخرجاه ، وصححه الألباني ( صحيح الجامع 5815 ) ، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر .
(2) رواه مسلم ( السلام / 125 ) ، وأحمد ( 4 / 68 ، 5 / 380 ) .

................................

س: ما حكم التنجيم؟
جـ: قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5] وقال تعالى: {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف: 54] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» (1) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم والتكذيب بالقدر وحيف الأئمة» (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما
في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: " ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق " (3) وقال قتادة رحمه الله تعالى: خلق الله هذه النجوم لثلاث زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به (4) .

_________


(1) ( صحيح ) رواه أحمد ( 1 / 227 ، 311 ) ، وأبو داود ( 3905 ) ، وابن ماجه ( 3726 ) ، والبيهقي ( 8 / 138 ) وقد سكت عنه الإمام أبو داود وصححه الألباني ، وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح .
(2) ( ضعيف قد يحسن ) وقد روي بمثله وبنحوه عن عدد من الصحابة ، وكلها لا يخلو من ضعف ، وقد بين ذلك الشيخ الألباني في الصحيحة ( 1127 ) وسبقه إلى ذلك الحافظ الهيثمي في المجمع ( 7 / 203 ) وقال : عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان » . رواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو لين وبقية رجاله وثقوا ، ا هـ . وذكر الألباني أن للحديث شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة ، ا هـ .
(3) ( صحيح ) رواه البيهقي ( 8 / 139 ) ، وعبد الرزاق ( 11 / 19805 ) ، وابن أبي شيبة ( 8 / 414 ) ، والدر المنثور ( 3 / 35 ) وسنده صحيح ، رجاله ثقات .
(4) أورده الإمام السيوطي في كتابه الدر المنثور ( 3 / 43 ) .

س: ما هي النشرة وما حكمها؟
جـ: النشرة هي حل السحر عن المسحور فإن كان ذلك بسحر مثله فهي من عمل الشيطان، وإن كانت بالرقى والتعاويذ المشروعة فلا بأس بذلك.

[الرقى المشروعة]
س: ما هي الرقى المشروعة؟
جـ: هي ما كانت من الكتاب والسنة خالصة وكانت باللسان العربي،
واعتقد كل من الراقي والمرتقي أن تأثيرها لا يكون إلا بإذن الله عز وجل، «فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد رقاه جبريل عليه السلام» (1) ورقى هو كثيرا من الصحابة وأقرهم على فعلها بل وأمرهم بها وأحل لهم أخذ الأجرة عليها، كل ذلك في الصحيحين وغيرهما.

[الرقى الممنوعة]
س: ما هي الرقى الممنوعة؟
جـ: هي ما لم تكن من الكتاب ولا السنة، ولا كانت بالعربية، بل هي من عمل الشيطان واستخدامه والتقرب إليه بما يحبه، كما يفعله كثير من الدجاجلة والمشعوذين والمخرفين وكثير ممن ينظر في كتب الهياكل والطلاسم كشمس المعارف، وشموس الأنوار وغيرهما مما أدخله أعداء الإسلام عليه وليست منه في شيء، ولا من علومه في ظل ولا فيء، كما بيناه في شرح السلم وغيره.

[حكم التعاليق من التمائم والأوتار والحلق والخيوط والودع ونحوها]
س: ما حكم التعاليق من التمائم والأوتار والحلق والخيوط والودع ونحوها؟
جـ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من علق شيئا وكل إليه» (2) . «وأرسل صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» (3) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» (4) وقال صلى الله عليه وسلم:
_________
(1) رواه مسلم (السلام / 39، 40) .
(2) (حسن) رواه أحمد (4 / 130، 311) ، والترمذي (2072) ، والحاكم (4 / 216) ، وعبد الرزاق (11 / 17 / 1972) عن الحسن مرسلا، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (1691) قال الشيخ البنا في الفتح الرباني (17 / 188) : هذا الحديث لا تقل درجته عن الحسن، لا سيما وله شواهد تؤيده والله أعلم، اهـ.
(3) رواه البخاري (3005) ، ومسلم (اللباس / 105) ، وأحمد (5 / 216) ، وأبو داود (2552) .
(4) (صحيح) رواه أحمد (1 / 381) ، وأبو داود (3883) ، وابن ماجه (3530) ، والبغوي في شرح السنة (12 / 156، 157) وقد سكت عنه الإمام أبو داود، وصححه الألباني وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر ورواه الحاكم (4 / 217، 218) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(1/104)​

«من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له» (1) وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك» (2) «وقال صلى الله عليه وسلم للذي رأى في يده حلقة من صفر: " ما هذا "؟ فقال: من الواهنة. قال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا» (3) وقطع حذيفة رضي الله عنه خيطا من يد رجل، ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: (من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة) (4) وهذا في حكم المرفوع.
_________
(1) (حسن) رواه أحمد (4 / 154) ، والحاكم (4 / 216) وصححه ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في المجمع (5 / 103) : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجالهم ثقات اهـ. وفي سنده خالد بن عبيد المعافري، قال الحافظ في التعجيل عنه: ورجال حديثه موثوقون (262) ، وقال المنذري: إسناده جيد.
(2) (صحيح) رواه أحمد (4 / 156) ، والحاكم (4 / 219) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات (5 / 103) وقال المنذري في الترغيب: ورواة أحمد ثقات (4 / 307) وصححه الشيخ الألباني، وصحح له الحاكم اهـ. (صحيحه 492) .
(3) (حسن على الراجح) رواه أحمد (4 / 445) ، وابن ماجه (3531) ، وابن حبان (1410) ، قلت: وقد حسن إسناد ابن ماجه البوصيري، وصحح الحديث الحاكم، ووافقه الذهبي، وقد ضعفه الشيخ الألباني في الضعيفة (1029) والراجح أنه حسن فانظر ما قال.
(4) (ضعيف) رواه ابن أبي شيبة (7 / 375) حديث رقم (3524) وفي سنده الليث بن أبي سليم بن زنيم، قال الحافظ في التقريب: صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك اهـ. ويؤيده ما حكاه ابن أبي شيبة عن جرير قوله في الليث: كان أكثر تخليطا، وقال ابن حبان: اختلط آخر عمره، قلت: ثم إن رواية مسلم عنه مقرونة بأبي إسحاق الشيباني.
(1/105)​

[حكم التعاليق من القرآن]
س: ما حكم المعلق إذا كان من القرآن؟
جـ: يروى جوازه عن بعض السلف، وأكثرهم على منعه كعبد الله بن عكيم، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود وأصحابه رضي الله عنهم وهو الأولى، لعموم النهي عن التعليق، ولعدم شيء من المرفوع يخصص ذلك، ولصون القرآن عن إهانته إذ قد يحملونه غالبا على غير طهارة، ولئلا يتوصل بذلك إلى تعليق غيره، ولسد الذريعة عن اعتقاد المحظور والتفات القلوب إلى غير الله عز وجل، لا سيما في هذا الزمان.
المصدر ..اعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة ..للشيخ حافظ الحكمي

 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
توقيع الطيب الجزائري84
طالعت شيئا من اجابة الأخت بلقيس، لا زلت بعد لم أتم، فألفيتها اجابة جامعة في بابها.
لي عودة في المساء بإذن الله.
 
توقيع ابو ليث
غدا بإذن الله أئتي على باقي الاجابة وأحيل على السؤال الثالث.
 
توقيع ابو ليث
و على الرغم من العودة لم أتم بعد، يسر الله لنا التمام.
ألتقيكم غدا بإذن الله.
 
توقيع ابو ليث
كان الله في عونك أخي
 
كان الله في عونك أخي
و إياك بارك الله فيك.
للتو أنهيت قرءاة مبحث السحر على طوله و كثرة تفصيله، فاستفدت منه أيما فائدة، بعد أن صوبت بعض الكلمات، وأعدت عرض الإجابة بشكل أفضل.
لكن سؤالي هل قرئتي كل ما نقل هنا؟
ان كنت قرأتيه، فأنا أحي فيك همتك، و ان لم تكوني قرأتيه فأنصحك بقرأته.
الآن أنتقل مبحث الكهانه، و لعلي أرجيه إلى الليل بإذن العلي القدير
.
 
توقيع ابو ليث
بارك الله فيك أخي نعم طالعته في الاول لا نقلته قرات العناوين فقط
ثم رجعت لونت الايات والاحاديث واسماء العلماء حتى اسهل القراءة لهذا ادخل اعمل تعديل مرة اخرى وازيل الرموز التي تاتي مع الكتابة
الكهانة لم اكملها لاني استفدت اما النشرة فوجدتها في ثلاث مواقع وطالعتها جيدا التنجيم لقيت في شكل اسئلة واجوبة بحثت لقيت فتوى الشيخ بن عثيمين رحمه الله فيها التعرف والحكم والاجابة كانت صغيرة نقلتها
 
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أتيت على كل اجابات الأخت بلقيس، ووجدته جد نافعة و هي اجابات لأهل العلم الكرام و لأئمة الاسلام من خيرة الخلق و أبرهم قلوبا و أفقههم لكتاب الله و سنة رسوله، بقى على الأخت ذكر المصادر المستند اليها في هذا البحث النفيس و ان كان كما يبدوا واضح أن النقل كما هو مبين في أخر مشاركة جواب السحر و الكهانة كان من الدرر السنية، فما الدرر السنية موقع أو موسوعة عقدية أو مؤلف لعلماء ومشايخ الدعوة النجدية؟
انبغى هنا التنبيه بارك الله فيكم.
 
توقيع ابو ليث
س: ما حكم السحر والساحر؟
جـ: السحر متحقق وجوده وتأثيره مع مصادفة القدر الكوني، كما قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ} [البقرة: 102] وتأثيره ثابت في الأحاديث الصحيحة، وأما الساحر فإن كان سحره مما يتلقى عن الشياطين، كما نصت عليه آية البقرة فهو كافر، لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] إلى قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] الآيات.
_________
(1) رواه البخاري (2682، 2749) ، ومسلم (الإيمان / 107، 108) .
(2) رواه البخاري (2459، 3178) ، ومسلم (الإيمان / 106)

س: ما حد الساحر؟
جـ: روى الترمذي عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حد الساحر ضربه بالسيف» (1) وصحح وقفه وقال العمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر فأما إذا عمل دون الكفر فلم ير عليه قتلا، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر وابنه عبد الله وابنته حفصة، وعثمان بن عفان، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، وأحمد، وأبي حنيفة وغيرهم رحمهم الله.
.......................................

(1) (ضعيف مرفوعا، صحيح موقوفا) رواه الترمذي (1460) ، والدارقطني (3 / 114) ، والحاكم (4 / 360) ، والبيهقي (8 / 136) ، والطبراني في الكبير (1665) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الآبادي تعليقا على الدارقطني: الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي والترمذي، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي، اهـ. قال الحافظ في التقريب: وكان فقيها ضعيف الحديث. وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة ويروي عن الحسن أيضا، والصحيح عن جندب موقوف، اهـ. قال البيهقي: إسماعيل بن مسلم ضعيف، وقد ضعف الحديث أيضا الحافظ بن حجر، والشيخ الألباني.

س: ما حكم الكهان؟
جـ: الكهان من الطواغيت وهم أولياء الشياطين الذين يوحون إليهم كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] الآية، ويتنزلون عليهم ويلقون إليهم الكلمة من السمع فيكذبون معها مائة كذبة كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 - 223] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الوحي: " «فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة» (1) . الحديث في الصحيح بكماله، ومن ذلك الخط بالأرض الذي يسمونه ضرب الرمل، وكذا الطرق بالحصى ونحوه.
_________
(1) صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة سبأ (4800) .

س: ما حكم من صدق كاهنا؟
جـ: قال الله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] الآية، وقال تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور: 41] وقال تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم: 35] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما» (2) .
..........................................

(1) ( صحيح ) رواه أحمد ( 2 / 429 ) ، والبيهقي ( 8 / 135 ) ، والحاكم ( 1 / 8 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرطهما جميعا من حديث ابن سيرين ولم يخرجاه ، وصححه الألباني ( صحيح الجامع 5815 ) ، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر .
(2) رواه مسلم ( السلام / 125 ) ، وأحمد ( 4 / 68 ، 5 / 380 ) .

................................

س: ما حكم التنجيم؟
جـ: قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5] وقال تعالى: {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف: 54] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» (1) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم والتكذيب بالقدر وحيف الأئمة» (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما
في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: " ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق " (3) وقال قتادة رحمه الله تعالى: خلق الله هذه النجوم لثلاث زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به (4) .

_________


(1) ( صحيح ) رواه أحمد ( 1 / 227 ، 311 ) ، وأبو داود ( 3905 ) ، وابن ماجه ( 3726 ) ، والبيهقي ( 8 / 138 ) وقد سكت عنه الإمام أبو داود وصححه الألباني ، وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح .
(2) ( ضعيف قد يحسن ) وقد روي بمثله وبنحوه عن عدد من الصحابة ، وكلها لا يخلو من ضعف ، وقد بين ذلك الشيخ الألباني في الصحيحة ( 1127 ) وسبقه إلى ذلك الحافظ الهيثمي في المجمع ( 7 / 203 ) وقال : عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان » . رواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو لين وبقية رجاله وثقوا ، ا هـ . وذكر الألباني أن للحديث شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة ، ا هـ .
(3) ( صحيح ) رواه البيهقي ( 8 / 139 ) ، وعبد الرزاق ( 11 / 19805 ) ، وابن أبي شيبة ( 8 / 414 ) ، والدر المنثور ( 3 / 35 ) وسنده صحيح ، رجاله ثقات .
(4) أورده الإمام السيوطي في كتابه الدر المنثور ( 3 / 43 ) .

س: ما هي النشرة وما حكمها؟
جـ: النشرة هي حل السحر عن المسحور فإن كان ذلك بسحر مثله فهي من عمل الشيطان، وإن كانت بالرقى والتعاويذ المشروعة فلا بأس بذلك.

[الرقى المشروعة]
س: ما هي الرقى المشروعة؟
جـ: هي ما كانت من الكتاب والسنة خالصة وكانت باللسان العربي،
واعتقد كل من الراقي والمرتقي أن تأثيرها لا يكون إلا بإذن الله عز وجل، «فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد رقاه جبريل عليه السلام» (1) ورقى هو كثيرا من الصحابة وأقرهم على فعلها بل وأمرهم بها وأحل لهم أخذ الأجرة عليها، كل ذلك في الصحيحين وغيرهما.

[الرقى الممنوعة]
س: ما هي الرقى الممنوعة؟
جـ: هي ما لم تكن من الكتاب ولا السنة، ولا كانت بالعربية، بل هي من عمل الشيطان واستخدامه والتقرب إليه بما يحبه، كما يفعله كثير من الدجاجلة والمشعوذين والمخرفين وكثير ممن ينظر في كتب الهياكل والطلاسم كشمس المعارف، وشموس الأنوار وغيرهما مما أدخله أعداء الإسلام عليه وليست منه في شيء، ولا من علومه في ظل ولا فيء، كما بيناه في شرح السلم وغيره.

[حكم التعاليق من التمائم والأوتار والحلق والخيوط والودع ونحوها]
س: ما حكم التعاليق من التمائم والأوتار والحلق والخيوط والودع ونحوها؟
جـ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من علق شيئا وكل إليه» (2) . «وأرسل صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» (3) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» (4) وقال صلى الله عليه وسلم:
_________
(1) رواه مسلم (السلام / 39، 40) .
(2) (حسن) رواه أحمد (4 / 130، 311) ، والترمذي (2072) ، والحاكم (4 / 216) ، وعبد الرزاق (11 / 17 / 1972) عن الحسن مرسلا، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (1691) قال الشيخ البنا في الفتح الرباني (17 / 188) : هذا الحديث لا تقل درجته عن الحسن، لا سيما وله شواهد تؤيده والله أعلم، اهـ.
(3) رواه البخاري (3005) ، ومسلم (اللباس / 105) ، وأحمد (5 / 216) ، وأبو داود (2552) .
(4) (صحيح) رواه أحمد (1 / 381) ، وأبو داود (3883) ، وابن ماجه (3530) ، والبغوي في شرح السنة (12 / 156، 157) وقد سكت عنه الإمام أبو داود، وصححه الألباني وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر ورواه الحاكم (4 / 217، 218) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(1/104)​

«من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له» (1) وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك» (2) «وقال صلى الله عليه وسلم للذي رأى في يده حلقة من صفر: " ما هذا "؟ فقال: من الواهنة. قال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا» (3) وقطع حذيفة رضي الله عنه خيطا من يد رجل، ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: (من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة) (4) وهذا في حكم المرفوع.
_________
(1) (حسن) رواه أحمد (4 / 154) ، والحاكم (4 / 216) وصححه ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في المجمع (5 / 103) : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجالهم ثقات اهـ. وفي سنده خالد بن عبيد المعافري، قال الحافظ في التعجيل عنه: ورجال حديثه موثوقون (262) ، وقال المنذري: إسناده جيد.
(2) (صحيح) رواه أحمد (4 / 156) ، والحاكم (4 / 219) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات (5 / 103) وقال المنذري في الترغيب: ورواة أحمد ثقات (4 / 307) وصححه الشيخ الألباني، وصحح له الحاكم اهـ. (صحيحه 492) .
(3) (حسن على الراجح) رواه أحمد (4 / 445) ، وابن ماجه (3531) ، وابن حبان (1410) ، قلت: وقد حسن إسناد ابن ماجه البوصيري، وصحح الحديث الحاكم، ووافقه الذهبي، وقد ضعفه الشيخ الألباني في الضعيفة (1029) والراجح أنه حسن فانظر ما قال.
(4) (ضعيف) رواه ابن أبي شيبة (7 / 375) حديث رقم (3524) وفي سنده الليث بن أبي سليم بن زنيم، قال الحافظ في التقريب: صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك اهـ. ويؤيده ما حكاه ابن أبي شيبة عن جرير قوله في الليث: كان أكثر تخليطا، وقال ابن حبان: اختلط آخر عمره، قلت: ثم إن رواية مسلم عنه مقرونة بأبي إسحاق الشيباني.
(1/105)​

[حكم التعاليق من القرآن]
س: ما حكم المعلق إذا كان من القرآن؟
جـ: يروى جوازه عن بعض السلف، وأكثرهم على منعه كعبد الله بن عكيم، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود وأصحابه رضي الله عنهم وهو الأولى، لعموم النهي عن التعليق، ولعدم شيء من المرفوع يخصص ذلك، ولصون القرآن عن إهانته إذ قد يحملونه غالبا على غير طهارة، ولئلا يتوصل بذلك إلى تعليق غيره، ولسد الذريعة عن اعتقاد المحظور والتفات القلوب إلى غير الله عز وجل، لا سيما في هذا الزمان.
المصدر ..اعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة ..للشيخ حافظ الحكمي

تكون اجابة الأخ الطيب، هي الاجابة المثالية لاجادتها و حسن صياغتها كما كانت سابقتها من اجابة الأخت بلقيس، لكن نخترها لاختصرها و سهولة عبارتها.
لكل من المشاركيين العلامة الكاملة.
 
توقيع ابو ليث
السؤال الثالث من الأسئلة الاضافية:
عرف ما يأتي؟
الطيرة لغتا و شرعا، والعين و هل لها تأثير مستقل أم هي بقضاء الله و قدره، و الحسد و هل هو سواء مع العين في المعنى أم لا؟ ثم ما حكم قول القائل سقنا بنوء كذا و كذا؟

الكلام و الاجابة تكون عن أهل العلم الكرام، لكن يرعى الاختصار لتعم الفائدة الجميع (مشاركين و متابعين).
نرجوا ألا تنسونا في ظهر الغيب من صالح دعائكم.
 
توقيع ابو ليث
اعتذر على طول الاجابة السابقة لكن كان طلبك في السؤال هو التفصيل ونقل كلام كبار أهل العلم
 
نعم هي موسوعة
موسوعة عقدية ضخمة على منهج أهل السنة والجماعة تشمل جميع المواضيع والمسائل العقدية، والتي تم جمعها وترتيبها وتحقيقها من أكثر من ثمانين مرجعا _ المراجع المعتمدة توجد في موضوع خاص
 
www.noor-alyaqeen.com13398632511.png


الطيرة لغة : " الطيرة ضد التفاؤل ، وهي فيما يكره ويسوء، والطائر ما تيمنت به أو
تشاءمت، وأصله في ذي الجناح ، وقالوا للشيء يتطير منه الإنسان: طائر الله لا طائرك ، وهو
المصدر من الطائر لسان العرب
قال ابن الأثير : " الطيرة _ كسر الطاء ، وفتح الياء ، وقد تسكن _ هي التشاؤم بالشيء ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع ، وأبطله النهاية في غريب الحديث

اصطلاحا قال ابن عثيمين (التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
بمرئـي مثـل: لو رآى طيراً فتشاءم لكونه موحشاً.
أو مسموع مثل: من هم بأمر فسمع أحداً يقول لآخر: ياخسران أو يا خائب فيتشاءم.
أو معلـــوم: كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات فهذه لا
ترى ولا تسمع). القول المُفيد علىٰ كتاب التَّوحيد

العين :
لغة : يقال عان الرجل ، يعينه عيناً فهو عائن ، والمصاب معين على النقص ، ومعيون على التمام . أصابه بالعين لسان العرب
اصطلاحاً : حقيقة العين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر فتح الباري ، ابن حجر 10/200
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :( إن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو مـن الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الـدعاء للذي يعجبه بالبركة ، فيكون ذلك رقية منه ) (فتح الباري : 10/215) .

الحسد
لغةً: قال في لسان العرب: الحسد معروف، حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه حسدًا وحسَّده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو
واصطلاحًا: هو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يَصِرْ للحاسد مثلها. أو تمني عدم حصول النعمة للغير
قـال شيخ الإسلام ابـن تيمية :( والحسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ولهذا يقال ' مـا خلا جسد مـن حسد ' لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه ) (أمراض القلوب وشفائها - ص 21) .
وقال ابن رجب : الحسد مركوز في طباع البشر وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل جامع العلوم والحكم
______________________

جاءت الإشارة إلى العين فى القرآن الكريم على لسان يعقوب عليه السلام حين خاف على أبنائه فقال:
start-icon.gif
وقال يابنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون
end-icon.gif
وهكذا يفعل المؤمنون بالأسباب، ويبقى التوكل على الله ملاذا آمنا، ومعتقدا صادقا، يأخذون بالحيطة والحذر، ويؤمنون بالقضاء والقدر، ويثقون بقدرة الواحد الأحد
start-icon.gif
وما أغنى عنكم من الله من شيء
end-icon.gif
.

وجاء فى القرآن أيضا إخبار من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم عن حسد الكافرين له، ومحاولة إنفاذه بأبصارهم
start-icon.gif
وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ( ليزلقونك ) أى يعينونك بأبصارهم، بمعنى يحسدونك... قال ابن كثير: وفى هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة


_______________

عن أبي خزامة عن أبيه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ! أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال : " هي من قدر الله " [ أخرجه ابن ماجة والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ] .

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في العين، أي: الإصابة بالعين، وهو ما يحصل لشخص من ضرر نتيجة نظر شخص إليه، فيحصل مع هذه النظرة بإذن الله ضرر بالمعين بسبب الحسد الذي يكون في العائن، وقد جاءت السنة بأن الإنسان إذا رأى شيئاً يعجبه يذكر الله ويدعو بالبركة لصاحبه، ويكون ذلك سبباً لعدم حصول الضرر منه بإذن الله.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق) يعني: الإصابة بالعين من قبل ذلك العائن الذي يكون عنده شيء من الحسد، فيحصل من نظرته ضرر للمعين بقضاء الله وقدره، وكل ما يقع في الكون هو بقضاء الله وقدره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد تؤدي به العين إلى الهلاك والموت.شرح سنن أبي داود [437] - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )

___________________
قال ابن القيم في بدائع الفوائد :
العائن والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كلا منهما تتكيف نفسه، و تتوجه نحو من يريد أذاه، فالعائن، تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته،
والحاسد: يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره، ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده: من جماد، أو حيوان، أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق ، فمع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين. ا.هـ.

قال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي - رحمه الله- : ( ويشتركان - الحسد والعين - في الأثر ، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق ، فالحاسد : قد يحسد ما لم يره ، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود ، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس والعائن : لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل ، ومصدره انقداح نظرة العين ، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله ) أضواء البيان


إن العائن والحاسد يشتركان في الأعجاب بالشيء ويختلفان في مداه . ( فالأول لايتمنى زوال الشيء بينما الثاني يحرص ويتمنى )

العائن متى تجاوز الأعجاب بالشيء وتمنى زواله . سُمي حاسداً

_________________

( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) أي: تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله، فتقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها، فهلا شكرتم الله تعالى على إحسانه، إذ أنزله الله إليكم ليزيدكم من فضله، فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم. تفسير السعدي


قال البخاري في صحيحه : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ

يقولون في الجاهلية مطرنا بنوء كذا وكذا هذا هو المحرم ولا يجوز اعتماده لأنه لا علاقة لما يحدث في الأرض فيما يحدث بالسماء السماء مستقلة فما حصل من أثر في السماء فإنه لا يؤثر على الأرض فالنجوم لا دخل لها في الحوادث بعض الناس والعياذ بالله يقول هذا الولد ولد في النوء الفلاني فسيكون سعيدا هذا الولد ولد في النوء الفلاني فسيكون شقيا من قال هذا ويسمونه الطالع أي طالع هذا الولد هذا هو المحرم الذي من صدق المنجم فيه فهو كمن صدق الكاهن والله الموفق
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح أحاديث رياض الصالحين كتاب الأمور المنهي عنها
 
آخر تعديل:
عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال ( ليس منا من تطير أو تُطير له ) رواه البزار بإسناد جيد
الطيرة هذه الظاهرة التي قل أن يسلم منها مجتمع وقد أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم في الوعظ عندما قال " ليس منا من تطير أو تُطير له " وقال مرة أخرى " الطيرة شرك " والشرك أعظم الذنوب على الإطلاق ، وكيف لا يكون كذلك وقد قال الله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يُشرك به " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار "
والكلام على هذه المواعظ النبوية يكون على النحو الآتي :

أولاً ** معنى الطيرة
الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن : هي التشاؤم بالشيء
وأصله فيما يقال : التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما . وكان ذلك يصد أهل الجاهلية عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر
إذن الطيرة هي التشاؤم بكل مسموع أو مرئي أو معلوم
♦عرف علماء الشريعة الحسد بتعريفات عدة..
كلها تدور في فلك واحد..
ألا وهو تمني زوال النعمة من الغير..

♦قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى-:
الحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها.. سواء كانت نعمة دين أو دنيا..

♦قال الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى-:
أما الحسد عند علماء الشريعة فحده كراهية النعمة.. وحب زوالها عن المنعم عليه..

♦قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله تعالى-:
(الحسد: هو تمني زوال نعمة المحسود.. وإن لم يصل للحاسد مثلها..
 
آخر تعديل:
توقيع أم عبد الله
www.noor-alyaqeen.com13398632511.png


الطيرة لغة : " الطيرة ضد التفاؤل ، وهي فيما يكره ويسوء، والطائر ما تيمنت به أو
تشاءمت، وأصله في ذي الجناح ، وقالوا للشيء يتطير منه الإنسان: طائر الله لا طائرك ، وهو
المصدر من الطائر لسان العرب
قال ابن الأثير : " الطيرة _ كسر الطاء ، وفتح الياء ، وقد تسكن _ هي التشاؤم بالشيء ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع ، وأبطله النهاية في غريب الحديث

اصطلاحا قال ابن عثيمين (التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
بمرئـي مثـل: لو رآى طيراً فتشاءم لكونه موحشاً.
أو مسموع مثل: من هم بأمر فسمع أحداً يقول لآخر: ياخسران أو يا خائب فيتشاءم.
أو معلـــوم: كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات فهذه لا
ترى ولا تسمع). القول المُفيد علىٰ كتاب التَّوحيد

العين :
لغة : يقال عان الرجل ، يعينه عيناً فهو عائن ، والمصاب معين على النقص ، ومعيون على التمام . أصابه بالعين لسان العرب
اصطلاحاً : حقيقة العين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر فتح الباري ، ابن حجر 10/200
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :( إن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو مـن الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الـدعاء للذي يعجبه بالبركة ، فيكون ذلك رقية منه ) (فتح الباري : 10/215) .

الحسد
لغةً: قال في لسان العرب: الحسد معروف، حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه حسدًا وحسَّده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو
واصطلاحًا: هو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يَصِرْ للحاسد مثلها. أو تمني عدم حصول النعمة للغير
قـال شيخ الإسلام ابـن تيمية :( والحسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ولهذا يقال ' مـا خلا جسد مـن حسد ' لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه ) (أمراض القلوب وشفائها - ص 21) .
وقال ابن رجب : الحسد مركوز في طباع البشر وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل جامع العلوم والحكم


جاءت الإشارة إلى العين فى القرآن الكريم على لسان يعقوب عليه السلام حين خاف على أبنائه فقال:
start-icon.gif
وقال يابنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون
end-icon.gif
وهكذا يفعل المؤمنون بالأسباب، ويبقى التوكل على الله ملاذا آمنا، ومعتقدا صادقا، يأخذون بالحيطة والحذر، ويؤمنون بالقضاء والقدر، ويثقون بقدرة الواحد الأحد
start-icon.gif
وما أغنى عنكم من الله من شيء
end-icon.gif
.

وجاء فى القرآن أيضا إخبار من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم عن حسد الكافرين له، ومحاولة إنفاذه بأبصارهم
start-icon.gif
وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ( ليزلقونك ) أى يعينونك بأبصارهم، بمعنى يحسدونك... قال ابن كثير: وفى هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة

قال ابن القيم في بدائع الفوائد :
العائن والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كلا منهما تتكيف نفسه، و تتوجه نحو من يريد أذاه، فالعائن، تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته،
والحاسد: يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره، ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده: من جماد، أو حيوان، أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق ، فمع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين. ا.هـ.
ما شاء الله أراك وفقت أيما توفيق هذه المرة أيضا، لكن بإختصار غير مخل و هذا المطلوب و لو كان في الأمر تفصيل، باقي جواب هل للعين تأثير مستقل أم هي بقضاء الله و قدره، و الحسد و هل هو سواء مع العين في المعنى أم لا؟ يعني ما هو جوهر الفرق؟ ثم ما حكم قول القائل سقنا بنوء كذا و كذا؟
 
آخر تعديل:
توقيع ابو ليث
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.

المواضيع المشابهة

العودة
Top Bottom