الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

قـــــــــــــصة الأنـــــــــــــــــــــدلس
الحلقة الســـــــــــــابعة
متابعة....ممتعة
https://www.youtube.com/watch?v=25XHRx0Y4oY
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و من مراثي ابن اللّبانة في دولة بني عبّاد و المعتمد قصيدة دالية
منها قوله....
تبكي السّماء بدمع رائح غادي

على البهاليل من أبناء عبّاد

على الجبال التي هدّت قواعدها

و كانت الأرض منهم ذات أوتاد
عريسة دخلتها النائبات على
أساود لهمو فيها و آساد
و كعبة كانت الآمال تعمرها
و اليوم لا عاكف فيها و لا باد
و لقد مزج الشاعر رثاءه بالطبيعة فالسّماء و الجبال و حتّى الأرض
تبكي هذا الملك المغيّب و هذه الدولة الزائلة التي تداعت أركانها
و هدّت قواعدها ...
فابن اللّبانة ظهر من خلال قصيدته بقلب مفجوع مبرزا الفجيعة
في اطارها الجماعي و مدى احساس القوم بها ، فيصوّر
موكب الحزن مهيبا يتفق و عظمة الملك و جلال الموقف اذ الناس
يحتشدون على شاطئ النهر و هم ينظرون الى ذلك الموكب بحسرة
على أولئك الذين هووا من عليائهم ،فاذا هم أحياء و لكن كالأموات
تحملهم تلك السفن و كأنّها النعوش في مأتم صامت كانت الدموع خلالها تتقاطر
و تسيل كي تختلط بمياه النهر الكبير ...ذلك النهر الحزين
ثمّ يرسم لنا الشاعر تلك الصورة الحزينة التي اصطبغت بها قلوب النّاس حينما رأوا
المعتمد بن عبّاد مكبّلا في قيوده ، و هو في طريقه لأرض المنفى و هي صورة لا تكاد تخلو
من عبارات الأسى و الشجن فيقول...:
نسيت غداة النّهر كونهم
في المنشآت كأموات بألحاد
و النّاس قد ملأوا العبرين و اعتبروا
من لؤلؤ طافيات فوق أزباد
حطّ القناع فلم تستر مخدرة
و مزّقت أوجه تمزيق أبراد
تفرقوا جيرة من بعد ما نشأوا
أهلا بأهل و أولاد بأولاد

حان الوداع فضجت كل صارخة

وصارخ من مفداة ومن فاد
سارت سفائنهم والنوح يصحبها
كأنها ابل يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع وكم حملت
تلك الفظائع من قطعات أكباد






















 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

L_Alambra_1_EM.jpg


L_Alambra_2_EM.jpg


L_Alambra_3_EM.jpg
 
توقيع علي الفاضلي
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و صورة الرّحيل في هذه الابيات صورة مفعمة بالحزن خاصّة عندما
وقف النّاس على ضفتي النهر و هم يودعون هذا الملك و يودعون معه
هذه الدولة التي كانت قائمة ذات يوم ، فما ذلك النحيب و ما ذلك العويل
و ما تلك الآهات الاّ دليل على تمسّك هذه الرعيّة بملكها ، وما هي الاّ دليل على عظم هذه الفاجعة التي ألمت بهذه الرعيّة من تفرّق الشمل بعد ان كان يجمعهم وطن واحد و يجمع هذا الشمل ملك واحد و هو المعتمد.

و لقد كان ابن اللّبانة من الوفاء بحيث عبر البحر الى المغرب و قصد أغمات
سنة 476 أي قبل وفاة المعتمد بعامين و أنشد قصيدته التي تعدّ من أجود ما قيل في رثاء
هؤلاء الملوك ....

تنشق رياحين السلام فانما

أفض بها مسكاً عليك مختما


أفكر في عصر مضى لك مشرقاً

فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما

وأعجب من أفق المجرة اذ رأى

كسوفك شمساً كيف أطلع أنجما

لئن عظمت فيك الرزية اننا

وجدناك منها في المزية أعظما

قناة سعت للطعن حتى تقصّدت

وسيف أطال الضرب حتى تثلما

وطود غريب في الشواهق أمره

بنى كلَّة من فوقها وتهدما

منأبته زادت على النبع بالجنى

فإذ عريت عادت مع النبع أسهما

بكى آل عباد ولا كمحمد

وأولاده صوب الغمامة اذ همى

حبيب الى قلبي حبيب لقوله

عسى وطن يدنو بهم ولعلما

صباحهم كنا به نحمد السرى

فلما عدمناهم سرينا على عمى

وكنا رعينا العز حول حماهم

فقد اجدب المرعى وقد أقفر الحمى

وقد ألبست أيدي الليالي قلوبهم

مناسج سدى الغيث فيها وألحما

قصور خلت من ساكنيها فما بها

سوى الأدم تمشي حول واقفة الدمى

يُجيبُ بها الهامَ الصدى ولطالما

أجاب القيانُ الطائر المترنما

كأن لم يكن فيها أنيس ولا التقى

بها الوفد جمعاً والخميس عرمرما

ولا حلت الآمال فيك ثباثبا

فقامت اليها المكرمات لما لما

ولا اخضر وض في رباها فخلته

توشح منهم لا من النور أنعُما

ولا انعطفت فيه الغصون فعانقت

وشيجاً بأيدي الدارعين مقوما

ولا حسبت بيضُ الظبى من فرندها

سوالف بات الدرّ فيها منظما

ولم تخفق الرايات فيه فاشبهت

قوادم طير في ذرى الجو حُوَّما

ولا جرّ فيها صعدة الرمح خلفه

فتاها فقلت الصلّ أتبع ضيغما

ولم يصدع النقع المثار سنانه

كما صدع الظلماء برق تضرّ ما

ولا صورت في جسمه الدرع شكلها

فأشبه مما صوَّرت فيه أرقما

جرى القدر الجاري الى نقض أمره

فعاد سحيلا منه ما كان مبرما

مؤيد لخم هل تؤمل رجعة

فكم أمل أضحى الى النجم سلما

حكيت وقد فارقت ملكك مالكاً

ومن ولهي أحكى عليك مُتمما

مصاب هوى بالنيرات من العلى

ولم يبق في ارض المكارم معلما

تضيق عليَّ الارض حتى كأنما

خُلقت واياها سواراً ومعصما

ندبتك حتى لم يُخل لي الأسى

دموعاً بها أبكي عليك ولا دما

واني على رسمي مقيم فان أمُت

سأترك للباكين رسمي موسما

بكاك الحيا والريح شقت جيوبها

عليك وناح الرعد باسمك معلما

ومزق ثوب البرق واكتست الدجى

حداداً وقامت أنجم الليل مأتما

وحار ابنك الاصباح وجدا فما اهتدى

وغار اخوك البحر غيظاً فما طما

وما حلّ بدر التم بعدك داره

ولا أظهرت شمس الظهيرة مبسما

قضى اللَه أن حطوك عن ظهر أشقرٍ

أشمَّ وأن أمطوك أشام أدهما

قيودك ذابت فانطلقت لقد غدت

قيودك منهم بالمكارم ارحما

عَجِبتُ لأن لان الحديدُ وان قسوا

لقد كان منهم بالسريرة أعلما

سينجيك من نجّى من الجب يوسفا

ويأويك من آوى المسيح بن مريما





 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

و من الشعراء الأوفياء لابن عبّاد الشاعر عبد الصمد الذي سعى الى
قبر المعتمد في أوّل عيد مرّ على وفاته و أنشد قصيدة من الشعر

ملك الملوك أسامع فأنادي
أم قد عدتك عن السماع عوادي
لمّا خلت منك القصور فلم تكن
فيها كما كنت في الأعياد
أقبلت في هذا الثرى لك خاضعا
و اتخذت قبرك موضع الانشاد
قد كنت أحبّ ان تبدد أدمعي
نيران حزن أغرست في فؤادي
و أمام قبر الملك وقف ابن عبد الصمد يرثيه و يرثي معه تلك الأيام
الغابرة التي جمعته ذات يوم معه فالقصور التي شهدت اللّقاءات
السعيدة قد أقفرت و أصبحت موطنا للأشباح و الخيالات
حتّى أن الدّموع المسكوبة التي كان الشاعر يحسبها
تخفف هذه اللّوعة التي في قلبه لم تزده الاّ اشتعالا
و لم تزده الاّ اشتياقا و حزنا الى أيّام العهد السّعيد
عهدي بملك و هو طلق ضاحك
متهلل الصفحات للقصّاد
أيّام تخفق الرايات فوق
كتائب الرّؤساء و الأجناد
و الأمر أمرك و الزمان مبشر
بمعالك قد أذعنت و بلاد
و الخيل تمرح و الفوارس تنحني
بين الصوارم و القنا الميّاد
أن تحسب الهيجاء روضا يانعا
و ترى الأزعار من ضياء صعاد
و يذكر الشاعر في هذه الأبيات فترة الازدهار التي التي كانت عليها دولة بني عبّاد
و على رأسها المعتمد اذ كانت فترة للتقدم و السيطرة و الغلبة ، أين كان الزمن يخضع لارادته و الجنود تأتمر بأمره و البلدان تذعن لفتحه و هذا هو المجد الذي يرثيه الشاعر
مجد لم يبق على الاطلاق بل أصبح عبارة فتاة تقذفته الريخ و زرعته في كلّ مكان
من غير أن تحاول جمعه من جديد . و من قوله في شجاعة المعتمد و سماحته و ثقافته

من يفتح الأمصار بعد محمد
من يعقد الرايات للقوّاد
من يترك الأسطار في الأوراق مثل
الحليّ في اللّبات و الأجياد
من يفهم المعنى الخفي و من له
صدق الحديث و صحة الايراد

هذا ما كان من أمر رثاء بني عبّاد و لعلّنا لاحظنا أن رثاء الدولة كان مرتبطا
برثاء شخص المعتمد بن عبّاد و ليس ذلك بغريب فلقد كان المعتمد
شاعرا و كان هو نفسه عصب الدولة و عنوان مجدها ..

 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

دولــــــــــــة بني المظفّـــــــــــــــــــــــــــــــــــر

لقد أنشأ محمد بن المظفّر بن المنصور بن الأفطس دولة بني المظفر
في بطليوس و ماردة و يابزة ز سنترين و لشبونةو ما حولها ، أي أنّه كان
ملكا على البرتغال الحاليّة و جزء صغير من اسبانيا و كان يلقب بالمظفّر
و كان أديبا فارسا ،عالما و مؤرخا ،و هو معاصر المعتمد ألف كتابا على نمط
عيون الأخبار لابن قتيبة و أسماها المظفري أو التذكير المظفري و جعله في خمسين
جزء ، كما كتب تفسير القرىن الكريم.
و لمّا مات سنة 460ه تولى الملك من بعده ابنه المنصور بن يحي و لم يكن ذا شأن
كبير مثل ابيه فلمّا توفي المنصور سنة 489ه ، تولي الملك من بعده عمر الذي لقّب
بالمتوكل و كان أديبا و شاعرا و فارسا و سياسيا محنكا.
انّ الذي يدعو الى الأسى أن المتوكل و ابنيه الفضل و العباس قد قتلوا
من قبل جيش ابن تاشفين سنة 489ه أي بعد عزل المعتمد بخمس سنوات
و بعد وفاته بسنة واحدة ، و قد حزن الناس عليهم و فيهم يقول
أبو محمد بن عبدون

الدهر يفجع بعد العين بالأثر
فما البكاء على الأشباح و الصور
أَنهاكَ أَنهاكَ لا آلوكَ مَوعِظَةً

عَن نَومَةٍ بَينَ ناب اللَيثِ وَالظُفرِ

فَالدَهرُ حَربٌ وَإِن أَبدى مُسالَمَةً

وَالبيضُ وَالسودُ مِثلُ البيضِ وَالسُمرِ

وَلا هَوادَةَ بَينَ الرَأسِ تَأخُذُهُ

يَدُ الضِرابِ وَبَينِ الصارِمِ الذكرِ

فَلا تَغُرَّنكَ مِن دُنياكَ نَومَتُها

فَما صِناعَةُ عَينَيها سِوى السَهَرِ

ما لِلَّيالي أَقالَ اللَهُ عَثرَتَنا

مِنَ اللَيالي وَخانَتها يَدُ الغيرِ

في كُلِّ حينٍ لَها في كُلِّ جارِحَةٍ

مِنّا جِراحٌ وَإِن زاغَت عَنِ النَظَرِ

تَسُرُّ بِالشيءِ لَكِن كَي تغرّ بِهِ

كَالأَيمِ ثارَ إِلى الجاني مِنَ الزَهرِ

كَم دَولَة ولِيَت بِالنَصرِ خدمَتها

لَم تُبقِ مِنها وَسَل ذِ****َ مِن خَبَرِ

هَوَت بِدارا وَفَلَّت غَربَ قاتِله

وَكانَ عَضباً عَلى الأَملاكِ ذا أثرِ
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

انّ الدهر يأخذ من بيننا أغلى الأشياء و أثمنها و يأخذ منّا أحبّ الأشخاص
الى قلوبنا فيصبحون آنذاك أثرا بعد عين ، و الدّنيا تبهرنا بأشيائها و تجعلنا نتعلق بها
أشدّ التعلق و نحبّها كلّ الحبّ و لكن على حين غفلة منّا و حينما نعتقد أنّنا
فزنا بنصيبنا منها تنقلب علينا و تسلبنا كلّ شيئ منحته لنا يوما ، لذلك توجب
علينا أن نكون يقظين لأنّها لاتنام على الاطلاق ، فكيف ينام من يعمل على ايذاء
قلوبنا .فابن عبدون من خلال تلك الأبيات راح يندب ما جرّته عليهم يد الحدثان
و عاديات الزمان و المغزى الذي رنى اليه الشاعر من ذلك هو ابراز طبيعة الحياة
و سنّة الكون من حيث ادبار الدنيا و غلبة الفناء.

هذا ما استطعنا رصده عن هاتين الدولتين اللّتين كانتا في يوم ما ذات شأن
عظيم ، ولكنها صارت فيما بعد في عداد الدول التي أثقلت كاهلها الحروب
و جعلت منها كذلك السراب الذي لم يكن يوما قائما.

أمّا الطابع الذي وجدناه سائدا في هذا النوع من الرثاء ، هو ذلك الأسى العميق
الذي لفّ سريرة الشعراء في رثائهم لملوكهم الذين كانوا أشدّ القرابة منهم بل أحبوهم و أخلصوا
لهم أشد الاخلاص فما بكاء ابن اللّبانة و ما نحيب ابن الصمد الاّ دليل على تلك العلاقة المتينة التي ربطت قلوبهم بقلب الملك و قد استطاعوا عن جدارة المحافظة على شعرة معاوية
حتى بعد موت المعتمد .بالاضافة الى ذلك التماس العظة و التأسي على قيام هذه الدولة
و زوالها منذ القدم و ارجاع هذه النكبة التي حلّت بهم الى فعل الدهر الذي لم يكن يرحمهم
هذا الدهر الذي أخذمنهم الوطن و الأرض و أبعد عنهم الأهل و الاخوة و الخلان
و أفقدهم أحبتهم ،فالدهر بطبعه قاس جدا لا يرحم ،لأنه لا يملك قلبا رؤوفا كي ينظر اليهم
بعين الرأفة و العطف و الانسانية و حالهم كحال المتنبي في قوله:

كيف الرجاء من الخطوب تخلّصا
من بعد ما أنشبن فيّ مخالبا
أوحدنني و وجدن حزنا واحدا
متناهيا فجعلنه لي صاحبا
أظمتني الدنيا فلمّا جئتها
مستسقيا مطّرت عليّا مصائبا



 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

خصائص فن الرّثاء و مميزاته

-انّ رثاء الاندلس هو الصورة الحزينة التي تعكس مأساتها على مدى
السنين و العصور ،فاذا كان شعر الطبيعة في الأندلس قد صوّر الحياة
بوجهها المشرق البهيج ،فانّ فنّ الرثاء قد صوّر مقابل ذلك وجهها الآخر
القاتم الكئيب كما في قول الشّاعر ابراهيم بن خلف القرشي:

و يبكي الأيّام و يبكي اليتامى
و يبكي الحمام ذوات الشجن

أو حين يقول:
ويندب أطلالها آسفا
و يرثي من الشعر ما قد وهن
أو كما قال ابن خفاجة:
و قد لبست ثوب الحداد و مزّقت
ملابس حسن كان يزهو حبورها
انّ صورة الاندلس الحزينة أسالت الكثير من الحبر الممزوج بالدّموع و الأحزان
لأنّ الاندلس في كلّ ذلك هي هذا الوطن الذي ضمّهم يوما بين أحضانه و منحهم
الكثير من الدفء و الحنان ، لقد كانت الأندلس تلك الأمّ الرؤوم التي تعطف دون أن تنتظر
المقابل أمّا اليوم فهذه الأمّ فقد تهاوى صرحها و انمحى مجدها من غير ما أمل في اعادة بناءها
- الصدق الشعوري : فلقد عاش معظم الشعراء حرارة التجربة المريرة التي تمثلت
في سقوط الأندلس في يد الصليبين كما أحسوا بشدّة المعانات و ليس أقصى على المرء
من تقتيل اخوانه و خراب بلدانه كما في قول الشاعر ابن خفاجة:
عاثت بساحتك العدا يا دار
و محا محاسنك البلى و النّار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها
و تمخضت بخرابها الأقدار
أو كما قال ابن الأبّار
محا محاسنها طاغ أتيح لها
ما نام عن هضمها حينا و لا نعسا
أو كما قال ابن الغال
كفى حزنا بأنّ الناس قالوا
الى أين التحوّل و السير
أنترك دورنا و نفرّ منها
و ليس لنا وراء البحر دور

-ثمّ أنّ هذا الشعر كان مغايرا لغرض الرثاء في معهود أشعار العرب الذي
يكثر فيه الندب و النواح في حين فهو ينطوي على الأسى الهادئ
و الحزن العميق و الاحساس بالمرارة .و ما يزيد من الحزن في نفس الشاعر
أمام خراب المدن هو شعور بالحنين الى وجه الأندلس المنير أين كانت في عزّ
ازدهارها و تقدمها و رقيّها أو الحنين الى الدّيار و الأهل و الأبناء و الخلّان الذين
تفرق شملهم من غير أن ينتظروا يوما يجمعهم كما قال الشاعر
المعتمد بن عبّاد :
هنيئا لها ان لم يفرق جمعها
و لا ذاق منها البعد عن أهلها أهل
و ان لم تبت مثلي تطير قلوبها
اذا اهتزّ باب السجن أو صلصل القفل
أو كما قال هارون بن هارون:
يا عين فابكي على حمص و قل لها
منك البكاء اذا لم ترسليه دما
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

-الحكمة التي حلّت محلّ البكاء في القصائد عند بعض الشعراء
و ليس عند كلّهم فقد أخذ هؤلاء في التبصير الى شؤون الدّنيا
و طبيعة الحياة و التماس العظة و العبرة ممن أبادهم الدهر
اذ نجدها -الحكمة- تتصدر كلّ بيت محاولين تخفيف المصاب
الجلل الذي أدرك مدينتهم و جعل منها أثرا بعد عين.هذه الحكمة التي
نستشفّ من ورائها ليس فقط ذلك الأنين و ذلك الألم و تلك الزفرات
بل هي عبارات تحمل بين طياتها روح الصبر على البلاء لأنّ الدّنيا أمواج متلاطمة
و أخرى هادئة و بين هذه و تلك نسبح نحن البشر عكس التّيار دائما
كما قال أبو البقاء الرّندي...
لكلّ شيئ اذا ما تمّ نقصان
فلا يقرّ بطيب العيش انسان
أو كما قال....
و الدّهر في صبغة الحرباء منغمس
ألوان حالاته فيها استحالات
و نحن من لعب الشطرنج في يده
و ربّما قهرت بالبيدق الشاة

-أنّ فنّ الرثاء لا يصف المشاعر الذاتية للشاعر فقط بل يعبّر عن مشاعر
الجماعة و يصوّر ظاهرة الحزن الشامل لجميع النّاس الذين تعرضوا للنكبات
و بذلك أصبح هذا الشّعر شديد الصّلة بالأحداث قوي الدلالة على العصر.

-من سمات هذا النوع أنّه نوع ينبّه العاطفة الدينيّة في المشاعر الانسانية
بذكر المقدسات كالمساجد التي حوّلت الى كنائستدقّ فيها النواقيس
لأنّ الاسلام هو ذلك الدّين الذي بامكانه أن يؤلف بين القلوب و يلهب
الحماسة و نخوة الجهاد حتى تحرير الوطن السليب ، انّه الدّين الذي
بامكانه أن يوحد الصفوف و يذود عن تلك المساجد التي حوّلت الى كنائس
تصرخ نواقيسها ظلما و جورا ،و لأنّ الاسلام هو الوحيد الذي بامكانه مسح
تلك الكآبة التي بسطت أجنحتها على المدائن ، و لأنّ الاسلام هو الوحيد الذي بامكانه كفكفة دموع اليتامى و الأرامل و الزّاحفين الى المنفى ، و لأنّ الاسلام هو الوحيد الذي بامكانه معالجة الجراح ، جراح وطن لم يعد وطنا على الاطلاق و لا يتسنى ذلك الاّ باعلان الجهاد
على أعداء اتخذوا من التثليث و الخداع و الجرم سلاحا لهم كما قال
ابراهيك بن خلف القرشي:

و كانت رباطا لأهل التقى
فصارت مناطا لأهل الوثن
و كانت معاذا لأهل التقى
فصارت ملاذا لمن لم يدن
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

أو كما قال ابن الأبّار
مدائن حلّها الشرك مبتسما
جذلان و ارتحل الايمان مبتئسا

أو كما قال ابن الرّحال
استنصر الدين بكم فاستقدموا
فانكم ان تسلموه يسلم
لاذت بكم أندلس ناشرة
برحم الدّين و نعم الرحم
-طلب النّجدة من المسلمين الأخرين و ذلك بوصف ما لحقهم وصفا
مفصلا و غالبا ما يكون هذا الطلب مصحوبا بلهجة لا تخلو من التعنيف
و التقريع أو بالدعوى الى الجهاد و اثارة النخوة فيهم.كما يكون هذا النداء
مصحوبا بالمدح كما رأينا من قبل في قول ابن الأبّار:
هذي رسائلها تدعوك من كثب
و أنت أفضل مرجو لمن يئسا
أو كما قال ابراهيم بن سهيل الاسرائيلي في أبيات لا تخلو من الحماسة
و الدّعوة الى الجهاد:
نادى الجهاد بكم بنصر مضمر
يبدو لكم بين القنا و الصمّر
انّ الاله قد اشترى أرواحكم
بيعوا و هنيئا لكم وفاء المشتري
-ان أكثر الشعراء كانوا صادقين مع أنفسهم حين ينصحون في صراحة تامة
من أسباب سقوط الأندلس كتخاذل حكامها في الذود عنها و انشغالهم باللّهو و المجون
اللّذان لا طائل منهما كما في قول ابن الغسّال:
أنامل أن يحلّ به انتقام
و فينا الفسق أجمع و الفجور
و أكل للحرام و لا اضطرار
اليه؟ فيسهل الامر العسير
- أمّا فيما يخصّ الاسلوب فانّه يتميّز بتدفق العبارة و حلاوة الجرس
كما لا يخلو من التنسيق كما قال مصطفى الشكعة:
[ انّ قصائد الرّثاء لوجوب ظهلورها بمظهر الوقار لا ينبغي ان يتحرى فيها الزينات اللّفظية
الاّ ما يجيئ عرضا .و لكنّ الامر لم يكن كذلك في المراثي الاندلسية و السبب في ذلك
أنّ هذا اللّون من المراثي لم يظهر الاّ في أواخر القرن الخامس الهجري و هو قرن الصناعة البديعيّة
المسرفة الغالية في الشرق، و لمّا كان الاندلس يجري دائما في مضمار الشرق
فقد انتقلت الصناعة البديعية اليه]
 
رد: الأندلس...سحر...و مجد....مندثر

بارك الله فيك اختي

**
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom