217- منقبة علماء هذه الأمَّة «كلُّ أمَّةٍ قبل مبعث محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم علماؤُها شرارُها، إلَّا المسلمين، فإنَّ علماءهم خيارُهم، فإنهم خلفاءُ الرسول مِن أمَّته، والمُحْيُون لِمَا مات مِن سنَّته، فَبِهم قام الكتابُ وبه قاموا، وبهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وكلُّهم متَّفقون اتِّفاقًا يقينًا على وجوب اتِّباع الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنْ إذا وُجِد لواحدٍ منهم قولٌ قد جاء حديثٌُ صحيحٌ بخلافه فلا بدَّ له في تركه مِن عذرٍ...».
218- الإسلام مبنيٌّ على التوحيد والاتِّباع «والإسلامُ هو توحيدُ اللهِ وعبادتُه وحدَه لا شريكَ له، والإيمانُ بالله وبرسولِه واتِّباعُه فيما جاء به، فما لم يأتِ العبدُ بهذا فليس بمسلمٍ وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافرٌ جاهلٌ».
219- خير الأمورِ السالفاتُ على الهدى «وعند هذا تعلم أنَّ خير الأمور السالفاتُ على الهدى، وشرَّ الأمور المحدثاتُ البدائعُ، وأنَّ الحقَّ الذي لا شكَّ فيه ولا شبهة، هو ما كان عليه خيرُ القرون، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وقد كانوا ـ رحمهم الله، وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم ـ يُمرُّون أدلَّةَ الصفاتِ على ظاهرها، ولا يتكلَّفون عِلْمَ ما لا يعلمون، ولا يحرِّفون ولا يؤوِّلون».
220- عدل السلف «الواجب ـ عند خبر الفاسقِ ـ التثبُّتُ والتبيُّنُ، فإن دلَّتِ الدلائلُ والقرائن على صدقه عُمِل به وصُدِّق، وإن دلَّتْ على كَذِبِه كُذِّب ولم يُعْمَل به، ففيه دليلٌ على أنَّ خبر الصادق مقبولٌ، وخبرَ الكاذب مردودٌ، وخبرَ الفاسق متوقَّفٌ فيه كما ذَكَرْنا؛ ولهذا كان السلفُ يقبلون رواياتِ كثيرٍ مِن الخوارج المعروفين بالصدق ولو كانوا فُسَّاقًا».
«أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنّ أهل الكلام أهلُ بدعٍ وزيغٍ، ولا يُعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم».
«وأحب أن أوضح هنا - تأكيداً لما ذكرت هناك- أن السلف يفهمون معاني الصفات العامة ويفوضون الكيفية فقط، فليسوا بالمؤولين المحرفين وليسوا بالمشبهين المجسمين ولا بالمفوضين الجاهلين. ولا الواقفين الحائرين، بل هم أصحاب فهم صحيح وفقه دقيق، إذ هم وسط بين هذه النحل المختلفة. ومنهجهم لبن خالص يخرج من بين فرث التشبيه ودم التعطيل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
«فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها، والتقيد في ذلل بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد عَلَى تمييز صحيحه من سقيمه أولاً، ثم الاجتهاد عَلَى الوقوف عَلَى معانيه وتفهمه ثانيًا، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل».
«الذين يقتدي بهم الناس مِن بعدهم هم الذين كانوا يقتدُون بسلفهم الصالح من قبلهم، فالذين أحدثوا في الدين ما لم يعرفه السلف الصالح لم يقتدوا بمن قبلهم فليسوا أهلاً لأن يقتدي بهم مَن بعدهم، فكل من اخترع وابتدع في الدين ما لم يعرفه السلف الصالح فهو ساقط عن رتبة الإمامة فيه».
«كلام مالكٍ في ذمِّ المبتدعة وهجرِهم وعقوبتهم كثيرٌ، ومِن أعظمهم عنده الجهميةُ الذين يقولون: إنَّ الله ليس فوق العرش، وإنَّ الله لم يتكلَّم بالقرآن كلِّه، وإنه لا يُرى كما وردت به السنَّة، وينفون نحو ذلك مِن الصفات، ثمَّ إنَّه كثيرٌ في المتأخِّرين مِن أصحابه مَن يُنكر هذه الأمورَ كما يُنكرها فروعُ الجهمية، ويجعل ذلك هو السنَّةَ ويجعل القولَ الذي يخالفها -وهو قولُ مالكٍ وسائرِ أئمَّة السنَّة- هو البدعةَ، ثمَّ إنه مع ذلك يعتقد في أهل البدعة ما قاله مالكٌ، فبدَّل هؤلاء الدينَ فصَاروا يطعنون في أهل السنَّة».
«ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم، وبدأ الجدل من كثير من الناس. فهذه ثلاثة أمور كلها تُحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم: أولا: بدع بدأت تظهر شرورها. ثانيًا: أناس يتطلعون إلى الإفتاء بغير علم. ثالثًا: جدل كثير في مسائل قد تكون واضحة لأهل العلم لكن يأتي من يجادل فيها بغير علم. فمن أجل ذلك فنحن في ضرورة إلى أهل علم عندهم رسوخ وسعة اطلاع، وعندهم فقه في دين الله، وعندهم حكمة في توجيه عباد الله؛ لأن كثيرًا من الناس الآن يحصلون على علم نظري في مسألة من المسائل ولا يهمهم النظر إلى إصلاح الخلق وإلى تربيتهم، وأنهم إذا أفتوا بكذا وكذا صار وسيلة إلى شر أكبر لا يعلم مداه إلا الله »
«تطبيق العلم النافع والقيام بالعمل الصالح وهو أمر جليل لا يمكن للمسلمين أن يصلوا إليه إلا بإعمال منهج التصفية والتربية وهما واجبان مهمان عظيمان وأردت بالأول منهما أمورا: الأول: تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها. الثاني: تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة وتحرير العقول من آصار التقليد وظلمات التعصب. الثالث: تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والمنكرات. وأما الواجب الآخر: فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام المصفى من كل ما ذكرنا تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره دون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة. ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهودا جبارة مخلصة بين المسلمين كافة: جماعات وأفرادا من الذين يهمهم حقا إقامة المجتمع الإسلامي المنشود كل في مجاله واختصاصه »