﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا﴾
فالمنافقون من اليهود يعترفون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عند اجتماعهم بالمسلمين، ويقرون بصدق نبوته.
﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾
فحينما يجتمعون فيما بينهم يلوم بعضهم البعض على إخبارهم المسلمين بما بشرت به التوراة من مجيء المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيتخذونها حجة عليهم يوم القيامة.
﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾
من اليهود أميون لم يطلعوا على ما جاء في كتابهم المقدس، لا يعلمون إلا ما أخبروهم به أحبارهم من أنهم شعب الله المختار، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، لذلك فهم لن يدخلوا النار إلا أياما معدودة، فالله يبين زيفها وعدم صحتها.
﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾
والويل هو غضب ودمار لهؤلاء الذين يحرفون كتاب الله فجعلوا التوراة خمسة أسفار، ونسبوا ذلك إلى الله افتراء وبهتانا، طمعا في متاع الدنيا وعرضها الزائل.
﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾
استفهام على سبيل الإنكار والتوبيخ، على أن الله لم يعاهدهم على هذا فلن يخلفه إبرازا لكذبهم وزورهم.
﴿بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
يؤكد الله أن العصاة الغارقين في ذنوبهم وكفرهم لا مجال لنجاتهم ومصيرهم الخلود في جهنم.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
وعد الله المؤمنين الذين ترجموا إيمانهم إلى أعمال صالحة بملازمتهم للجنان وخلودهم فيها.
﴿وَإِذ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ﴾
يذكر الله تعالى بني إسرائيل بالميثاق الذي التزموا به، والميثاق هو العهد المؤكد بالإيمان، وأول بنوده الإقرار بعقيدة التوحيد، فهي أصل الأصول في كل الأديان السماوية لقوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 25].
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾
إبرازا لمقام الوالدين الرفيع وقد جاء ذكرهما بعد تفريد الله بالعبادة في قوله تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [سورة الإسراء، الآية 23]. فالله هو صاحب النعمة الأولى، وبعده يأتي فضل الوالدين في التنشئة والرعاية، لذلك فرض الله تعالى الإحسان إليهما.
﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾
أمر بالعناية بالقرابة وحفظ الأرحام، وعدم قطع الصلات، فالرحم اشتقت من اسمي الله "الرحمن" و "الرحيم".
﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾
أمر بالإحسان إلى هذين الصنفين، فاليتيم يحتاج إلى الحنان، والمسكين يحتاج إلى الإعانة، واهتمام اليهود بهما يرقق قلوبهم القاسية.
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾
رغم هذا الميثاق إلا أنهم أعرضوا عنه ونقضوه، وهي من أبرز صفاتهم، لا يهمهم الميثاق مع من كان سواء مع الله تعالى أو مع الرسل والأنبياء أو مع الناس جميعا.
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ﴾
يذكرهم الله عز وجل بميثاق آخر أول بنوده عدم إراقة الدماء، لكنهم أباحوا هذا لأنفسهم، بل وجعلوه قربة لله، وقد تقرر في أصولهم الدينية: "من قتل غير يهودي فقد قدم قربانا للرب".
﴿وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ التزم اليهود بذلك كله وأكدوا ذلك بالإقرار وهو سيد الأدلة ثم نقضوا التزاماتهم وعهودهم.
﴿ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ﴾
ومناسبة الآية أن اليهود كانوا على ثلاث قبائل: بنو قريضة، وبنو قينقاع، وبنو النضير، فالقبيلة الأولى كانت في حلف مع الأوس، أما القبيلتان الأخريان فكانتا في حلف مع الخزرج، فلما نشبت الحرب بين الأوس والخزرج تشتت اليهود وتحاربوا.