صحح تاريخك- متجدد

رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

ما شاع ولم يثبت في غزوة خيبر

مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية تترس علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- بباب الحصن في غزوة خيبر، حيث لم يرد ذلك من طرق صحيحة.

قال ابن إسحاق -رحمه الله: "حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، حين بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطاح تُرسه من يده، فتناول -رضي الله عنه- بابًا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفرٍ سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه (1)".

قال الحافظ الذهبي: "رواه البكّائي عن ابن إسحاق عن أبي رافع منقطعًا (2)".

وأورده تلميذه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" وقال: "وفي هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر".

ولكن روى الحافظ البيهقي والحاكم من طريق مطلب بن زياد عن ليث بن أبي سُليم عن أبي جعفر الباقر عن جابر أن عليًا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فافتتحوها، وأنه جُرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلًا، وفيه ضعف أيضًا (3).

وفي رواية ضعيفة عن جابر بن عبد الله: ثم اجتمع عليه سبعون رجلًا وكان جهدهم ان أعادوا الباب (4)"، وعزا الحافظ في الإصابة هذه الروية لعبد الله بن أحمد بن حنبل، وقال: "وفي سنده حرام بن عثمان، متروك (5)". وقال الذهبي في الميزان عن رواية أبي جعفر عن جابر: "هذا منكر" (6).

وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "له شاهد من حديث أبي رافع رواه أحمد في مسنده، ولكن لم يقل أربعون رجلًا (7)" والإِمام أحمد رواه من طريق ابن إسحاق (8)"، وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: "رواه أحمد، وفيه راوٍ ولم يسمِّ (9)".

وقال الدكتور أكرم العمري: "ووردت عدة روايات تفيد تترّس علي -رضي الله عنه- بباب عظيم كان عند حصن ناعم، بعد أن أسقط يهودي ترسه من يده، وكلها روايات ضعيفة، واطّراحها لا ينفي قوة علي وشجاعته، فيكفيه ما ثبت في ذلك وهو كثير (10)".

فائدة

قال الإِمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه: "وُلد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وعاش مئة وعشرين سنة" (حديث رقم 1532). وقال الإِمام النووي -رحمه الله-: ولد حكيم (بن حزام) - رضي الله عنه - في جوف الكعبة ولا يُعرف أحد ولد فيها غيره، وأما ما روي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وُلد فيها فضعيف عند العلماء (تهذيب الأسماء واللغات 1/ 166).

فائدة أخرى

مناقب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- كثيرة في الصحيحين وغيرهما، منها: قوله -رضي الله عنه: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إليّ: أن لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق". (أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حُبّ الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان، 2/ 63 نووي).

المصدر:كتاب: ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية

(1) الروض الأنف (6/ 508).
(2) المغازي ص 412.
(3) لأن في سنده ليث بن أبي سُليم، قال الحافظ في (التقريب): "صدوق، اختلط أخيرًا، ولم يتميز حديثه، فتُرك".
(4) البداية والنهاية (4/ 189 - 190).
(5) الإصابة (2/ 502) قال الإِمام الشافعي: الرواية عن حرام حرام. (تهذيب التهذيب (2/ 223)
(6) ميزان الاعتدال (5/ 39) ط دار الكتب العلمية، 1426 هـ.
(7) لسان الميزان (4/ 196).
(8) الفتح الرباني (21/ 120).
(9) مجمع الزوائد (6/ 152).
(10) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 324).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

إشاعة مقتل عثمان وسبب بيعة الرضوان

اشتهر في كتب السيرة أن سبب بيعة الرضوان هو إشاعة مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه - لما تأخرت عودته من مكة، فهل صح ذلك ؟ وما السبب الحقيقي في بيعة الرضوان ؟

في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بضع عشرة مئة من أصحابه إلى مكة لأداء العمرة، معهم الهدْي، فلما علمت قريش بذلك عزمت على منعهم من الدخول، ونزل المسلمون بالحديبية، وبدأت المفاوضات بين الطرفين، وأرسلت قريش أكثر من رسول لثني الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن عزمه، وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قريش عثمان بن عفان ليبين لهم أن المسلمين ما جاؤا لقتال، وإنما جاؤا لأداء العمرة فحسب.

وأثناء وجود المسلمين بالحديبية دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للبيعة، فبايعوه تحت شجرة كانت هناك، وأنزل الله فيهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} وشهد لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة بقوله: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة (*) أحد، الذين بايعوا تحتها (1)"، والحديث بطوله في المفاوضات مع رُسُل قريش في كتب الصحاح والسنن، وكذا في بيعتهم -رضي الله عنهم- للرسول -صلى الله عليه وسلم.

لكن سبب البيعة لم يُذكر في الأحاديث الصحيحة وقد اشتهر في كتب السيرة أن سبب البيعة هو إشاعة مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه - لمّا تأخرت عودته من مكة.

قال ابن إسحاق: "وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال ... فخرج عثمان إلى مكة ... واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قُتل".

قال ابن إسحاق: "فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "لا نبرحْ حتى نناجز القوم"، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة (2)". وأول الخبر فيه جهالة شيخ ابن إسحاق، فلم يُسَّم وآخره مرسل، وكما سبق قول الإِمام البيهقي -رحمه الله: "محمد بن إسحاق إذا لم يذكر اسم من حدَّث عنه لم يُفرح به (3)".

قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة: "ضعيف، أخرجه ابن إسحاق وعنه ابن هشام (2/ 229) عن عبد الله بن أبي بكر مرسلًا (4)".

وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد في (المسند) قال -رحمه الله: "حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمَّد بن إسحاق بن يسار عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: " ... فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلّغهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرسله به، ... فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين أن عثمان قد قُتل، قال محمَّد [ابن إسحاق] فحدثني الزهري أن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي فقالوا: أئت محمدًا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنّا عامه هذا ... (5)" وابن إسحاق مدلس وقد عَنْعَن، ثم صرّح بالتحديث لما أرسلت قريش سهيل بن عمرو، مما يدل على أنه لم يسمع أوله من الزهري. وربما يُقال بتقوي أحد الطريقين بالآخر.

سبب أخر في بيعة الرضوان

وقد ورد سبب أخر للبيعة ذكره البيهقي في (الدلائل) بسنده عن عمرو بن خالد قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، قال عروة بن الزبير في نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية: "... ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب عبد العزى ومكرز بن حفص، ليصلحوا عليهم، فكلموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوه إلى الصلح والموادعة، فلما لان بعضهم لبعض وهم على ذلك لم يستقم لهم ما يدعون إليه من الصلح والموادعة، وقد أمن بعضهم بعضًا، وتزاوروا، فبينما هم كذلك وطوائف من المسلمين في المشركين لا يخاف بعضهم بعضًا ينتظرون الصلح والهدنة، إذا رمى رجل من أحد الفريقين رجلًا من الفريق الآخر، فكانت معاركة وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين من فيهم، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو، ومن أتاهم من المشركين، وارتهن المشركون عثمان بن عفان ومن كان أتاهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى البيعة ... ".

وهذا السند فيه علتان:

ابن لهيعة، وهو ضعيف، والإرسال، فعروة بن الزبير تابعي لم يدرك القصة، ولم يسندها من هذا الوجه، وإلا فقد روى البخاري في صحيحة من طريق عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قصة الغزوة، والمكاتبة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسهيل بن عمرو (6) كما أن رواية البيهقي ليس فيه إشاعة قتل عثمان، وإنما أن الفريقين ارتهن كل منهما من عنده من الطرف الآخر، لما حصلت المراماة بينهما.

الخلاصة

فالخلاصة أنه لم يثبت -والله أعلم- أن سبب البيعة كان إشاعة مقتل عثمان -رضي الله عنه.

أما على أي شيء كانت البيعة، ففي حديث سلمة بن الأكوع –رضي الله عنه- لما سئل على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت (7). وروى مسلم عن جابر قال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت (8). وكذا قال معقل بن يسار: ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر. رواه مسلم (9). وفي رواية للبخاري لما سئل نافع: على أي شيء بايعهم، على الموت؟، قال: لا، بل بايعهم على الصبر (10).

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): "لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا وليس المراد أن يقع الموت ولا بدّ، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: "بل بايعهم على الصبر"، أي على الثبات وعدم الفرار، سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا. والله أعلم (11)".

وقال -رحمه الله- في موضع آخر: "وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها؛ لأنه إذا بايع على أن لا يفرّ لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يَغلب أو يُؤسر، والذي يُؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تؤول إليه (12)".

المصدر:كتاب: ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية

(*) روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منّا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله". (6/ 117 فتح). وعن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: "لقد رأيت الشجرة ثم أنسيتها بعد فلم أعرفها". وفي رواية: "أنه كان ممن بايع تحت الشجرة، فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا". (7/ 447 فتح) قال الحافظ في الشرح: " ... ثم وجدتُ عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قومًا يأتون الشجرة فيصلّون عندها فتوعدهم، ثم أمر بها فقُطعت". (الفتح 7/ 448). قال محمَّد الغزالي: "وقد قطعت الشجرة، ونسي مكانها، وذلك خير، فلو بقيت لضرِبت عليها قبة، وشدت إليها الرحال، فإن الرعاع سراع التعلّق بالمواد والآثار التي تقطعهم عن الله". (فقه السيرة، ص 330).
(1) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، فضائل أصحاب الشجرة والأشعرين (16/ 58) نووي.
(2) الروض الأنف (6/ 459 - 460).
(3) السنن الكبرى (4/ 13).
(4) ص 329.
(5) الفتح الرباني (21/ 102).
(6) البخاري. كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط (5/ 329 فتح). وفي المغازي باب غزوة الحديبية (7/ 453 فتح).
(7) البخاري (7/ 449 فتح) مسلم (13/ 6 نووي).
(8) مسلم (13/ 2 نووي).
(9) مسلم (13/ 5 نووي).
(10) البخاري (6/ 117 فتح)
(11) فتح الباري (6/ 118).
(12) فتح الباري (7/ 448).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

قصة الزبير بن باطا يوم قريظة

مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية قصة الزبير بن باطا يوم قريظة، مع أنها لم تثبت من طرق صحيحة.

قال ابن إسحاق في آخر حديثه عن بني قريظة: "وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري أتى الزبير بن باطا القرظي (*)، وكان يُكني أبا عبد الرحمن، وكان الزَبِير قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية، ذكر لي بعض ولد الزَّبير أنه كان منَّ عليه يوم بُعاث، أخذه فجزَّ ناصيته، ثم خلَّى سبيله، فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك، قال. إني قد أردت أن أجزيّك بيدك عندي ..."، ثم ذكر أن ثابتًا استوهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دمه، فأجابه ثم طلب الزبير بن ثابت أن يستوهب أهله وولده، ثم ماله، وإجابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك. ثم سؤال الزبير عن بعض زعماء يهود، وإخباره أنهم قُتلوا، فقال: "فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك، إلاَ ألحقتني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير ... فقدَّمه ثابت فضرب عنقه (1)".

وعن ابن إِسحاق أخرجه البيهقي في (الدلائل) (2)، ومرسل الزهري لا يفرح به. وأخرجه في (السنن الكبرى (3)) من مرسل عروة، وفي سنده ابن لهيعة. وعزاه الهيثمي إِلى الطبراني في (الأوسط) وقال: "فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف (4)".

وما ذكره بعض المعاصرين (5) من الاستدلال لهذه القصة بأنّ ابن عبد البر ذكر أنّ لعبد الرحمن بن الزبير بن باطا صُحبة، ولذا ترجم له في (الاستيعاب) لا وجه له، فصُحبة عبد الرحمن بن الزَّبير لا شكَّ فيها، وقصته مع امرأة رفاعة القرظي التي تزوجها عبد الرحمن بعد طلاقها منه مشهورة، أخرجها البخاري ومسلم (6).

ومن الثابت أن من لم يُنبت من بني قريظة لم يُقْتل (7)، فدخل نفر منهم في الإِسلام، منهم: كعب القرظي، وكثير بن السائب، وعطية القرظي وعبد الرحمن بن الزبير، وغيرهم.

وسؤال الزبير أن يُلحقه ثابت بمن قُتل من زعماء يهود، يخالف ما عرف عنهم من حُبِّ الدنيا، وكراهية الموت، واسمع قول الله تعالى عنهم {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96]. وما أجمل ما قاله صاحب (الظلال) -رحمه الله- عند كلامه على هذه الآية "... آيةُ حياة، لا يهم أن تكون حياة كريمة، ولا حياة مميزة على الإطلاق حياة فقط حياة بهذا التنكير والتحقير! حياة ديدان أو حشرات! حياة والسلام، إنها يهود في ماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء، وما ترفع رأسها إلا حين تغيب المطرقة، فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس، وعنت الجباء جبنًا وحرصا على الحياة .. أي حياة! (8)".

المصدر:كتاب: ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية

(*) بفتح الزاي وكسر الباء
(1) الروض الأنف (6/ 292 - 293).
(2) دلائل النبوة (4/ 23).
(3) (9/ 66).
(4) مجمع الزوائد (6/ 141 - 142).
(5) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص 461.
(6) البخاري، كتاب الطلاق (9/ 464 فتح). وكتاب اللباس (10/ 264). مسلم كتاب النكاح (10/ 2 نووي)
(7) سنن النسائي (6/ 155) وأبو داود (كتاب الحدود، 12/ 79) والترمذي (5/ 208) تحفة وابن ماجة، كتاب الحدود، حديث رقم2541. وحسنه ابن حجر (الإصابة 3/ 270) وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 2/ 78) والوادعي (الصحيح المسند 2/ 80).
(8) في ظلال القرآن (1/ 86) ط شركة دار العلم.
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

موقف قتل أبي عبيدة بن الجراح لأبيه يوم بدر

من المواقف التي يستدل بها الكثير من العلماء على عقيدة الولاء والبراء موقف أبي عبيدة بن الجراح –رضي الله عنه- من أبيه، فقد قتل أبو عبيدة أباه عبد الله بن الجراح يوم بدر، فهل صح هذا الخبر ؟

ذكر بعض المفسرين عند قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

أنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - قال القرطبي: "قال ابن مسعود: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وقيل: يوم بدر. وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثرِ قصد إليه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله حين قتل أباه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ ... } الآية. قال الواقدي: "كذلك يقول أهل الشام، ولقد سألت رجلًا من بني الحارث بن فهر فقالوا: توفي أبوه قبل الإِسلام (1)".

وروى الحاكم في (المستدرك) في مناقب أبي عبيدة - رضي الله عنه - بسنده عن عبد الله بن شَوْذب قال: جعل أبو عبيدة بن الجراح ينصب الأل (*) لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجرّاح قصده أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ} (2) الآية، وسكت عنه الذهبي. ورواه البيهقي من طريق الحاكم، كما في (السنن الكبرى) وقال عقبة: "هذا منقطع (3)".

وقال الحافظ ابن حجر (في الفتح) في مناقب أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-"وقُتل أبوه كافرًا يوم بدر، ويقال إنه هو الذي قتله، ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلًا (4)".

وقال -رحمه الله- في (التلخيص): "روى الحاكم والبيهقي منقطعًا عن عبد الله بن شوذب قال: (جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينصب الآلهة لأبي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر الجراح قصده أبو عبيدة فقتله) وهذا معضل، وكان الواقدي ينكره ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإِسلام (5)".

وقال في (الإصابة) في ترجمته: "ويقال إنه قتل أباه يوم بدر ونزلت فيه {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ ... } وهو فيما أخرجه الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب قال: "جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه، فلما أكثر قصده فقتله فنزلت (6). وأقوال الحافظ الثلاثة في (الفتح) وفي (التلخيص) وفي (الإصابة) ووصفه للخبر بأنه مرسل، وفي الأخرى بأنه معضل وفي الثالثة بأنّ سند جيد لا تعارض بينها عند التأمل.

وعبد الله بن شَوْذب أكثر الأئمة على توثيقه، لكن الخبر منقطع، وابن شوذب وُلد سنة 86هـ ومات سنة 144 هـ، وقيل:156هـ (7). ولذا قال ابن الملقِّن: "وهذا مرسل على قول الأكثر، وعلى قول من زعم أن المرسل لا يكون إلا من التابعين يكون معضلًا؛ لأن عبد الله هذا إنما يروي عن التابعين (8)".

فائدة
ومسألة قتلُ الابن المسلم أباه المشرك قال عنها شيخ الإِسلام ابن تيمية في الفتاوى: "إذا كان (الوالد) مشركًا جاز للولد قتله، وفي كراهته نزاع بين العلماء (9)".أ. هـ

وقد بوّب الإِمام البيهقي في (السنن) لمّا أورد الخبر بقوله: (باب المسلم يتوقى في الحرب قتل أبيه، ولو قتله لم يكن به بأس (10)).

وقد جاء عن اثنين من الصحابة فيما وقفت عليه - استئذانهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتل أبويهما، هما: عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ وحنظلة بن أبي عامر قال ابن حجر في (الفتح): "ومن مناقبه -عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ- أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في قتله، قال: "بل أحسن صحبته"، أخرجه ابن منده من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- بإسناد حسن، وفي الطبراني من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ أنه استأذن، نحوه، وهذا منقطع لأن عروة لم يدركه (11)" ا. هـ.

وقال في (الإصابة) في ترجمة حنظلة -رضي الله عنه: "وروى ابن شاهين بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن (عبد الله بن) أُبيّ ابن سلول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتل أبويهما، فنهاهما عن ذلك (12). ا. هـ. والحافظ حسّن الإسناد.

هنا مع أنه في الفتح أعلّه بالانقطاع؛ لأن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- تابعي، فهو لم يدرك القصة.

واستئذان عبد الله بن عبد الله في قتل والده رواه أيضًا الحاكم في (المستدرك) قال: حدثنا أبو العباس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول قال: "قلت: يا رسول الله، أقتلُ أبي؟ قال: لا تقتل أباك (13)".

وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وإسناده مرسل كما سبق. وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) إلى الطبراني وقال: "رجاله رجال الصحيح إلا أن عروة بن الزبير لم يدرك عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ"، ثم قال: "وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعبد الله بن أُبيّ وهو في ظل أُطْم فقال: غبّر علينا ابن أبي كبشة، فقال ابنه عبد الله: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي أكرمك لئِّن شئت لأتيتك برأسه، فقال: "لا، ولكن برّ أباك، وأحسن صحبته". رواه البزار، ورجاله ثقات (14). ا. هـ.

ورواه ابن إسحاق في السيرة في غزوة بني المصطلق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبيّ فيما بلغك (**) عنه. فإن كنت لا بدّ فاعلًا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمتْ الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبيّ يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا (15)".
وعاصم بن عمر تابعي، فالحديث مرسل.

فائدة
أخرج الإِمام مسلم في صحيحه (16) في قصة اعتزال الرسول -صلى الله عليه وسلم- نساءه قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "والله ليِّن أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضرب عنقها لأضربن عنقها .." (يعني ابنته حفصة -رضي الله عنها).

فائدة
قال الصالحي (ت 942 هـ) -رحمه الله- معلقًا على استئذان عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ في قتل أبيه: "وفي هذا: العلمُ العظيم والبرهان النَيِّر من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشد خلق الله حميّة وتعصبًا، فبلغ الأيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقربًا إلى الله تعالى وتزلّفًا إلى رسوله، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبعد الناس نسبًا منهم، أي الأنصار، وما تأخر إسلام قومه وبني عمه وسبق الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة؛ إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الأيمان به لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم، وتعصّبوا له، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبّه من كان منهم، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت سَدِكتْ (***) في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى (17)".

(1) الجامع لأحكام القران الكريم (تفسير القرطبي). دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
(*) هكذا هنا، وفي التلخيص كما سيأتي: (ينعت الآلهة) أي يصفها، ولعله تصحيف. والألة: الحربة العظيمة النصل، جمْعها ألٌ (لسان العرب، مادة: ألل)
(2) 3/ 296.
(3) 9/ 27. دار المعرفة. بيروت، 1413 هـ
(4) فتح الباري (7/ 93).
(5) التلخيص الحبير (4/ 113) التهذيب (5/ 73).
(6) الإصابة (2/ 244). دار الكتاب العربي.
(7) تهذيب التهذيب (5/ 255).
(8) البدر المنير (9/ 79).
(9) الفتاوى (14/ 478).
(10) السنن الكبرى (9/ 26).
(11) فتح الباري (14/ 478).
(12) الإصابة (3/ 679).
(13) 3/ 679.
(14) مجمع الزوائد (9/ 318). وأورده الألباني في الصحيحة (3223) بعد أن عزاه لابن حبّان والبزّار.
(**) أي من قوله: لئِّن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
(15) الروض الأنف (6/ 43).
(16) كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير المرأة لا يكون طلاقًا إلا بالنية (10/ 83 نووي).
(***) السّدك: المولع بالشيء.
(17) سُبل الهدي والرشاد (4/ 357).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

رد الرسول عين قتادة بن النعمان

من المشاهد الشائعة التي يستدل بها على معجزات النبي –صلى الله عليه وسلم- مشهد رد الرسول –صلى الله عليه وسلم- عين قتادة بن النعمان –رضي الله عنه- في غزوة بدر، فهل وردت أخبار صحيحة بذلك ؟

قال ابن إسحاق-رحمه الله: "وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمى عن قوسه حتى اندقت سِيَتُها (*) فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ردّها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما (1)".

وهذا إسناد مرسل. وضعّفه الذهبي (2). وأخرجه الحاكم من طريق الواقدي (3)، وأخرجه البيهقي في (الدلائل) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان (4). وفي إسناده يحي الحمّاني، قال عنه ابن حجر في (التقريب): "حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث (5)، وعمر بن قتادة مقبول (6)، واختُلف على الحماني فيه، ففي بعضها دون عمر بن قتادة، وأخرجه أيضًا أبو القاسم الأصبهاني في (دلائل النبوة (7)) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا.

وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني وقال: "وفيه من لم أعرفه". وفي موضع آخر عزاه إلى الطبراني وأبي يعلي، وقال: "وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم، وفي إسناد أبي يعلى يحي بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف (8)".

ونقل الألباني -رحمه الله- كلام الهيثمي هذا ثم تعقبه بقوله: "لكنه عند أبي نعيم من طريقين آخرين فهو يتقوى بهما (9)".

وفي متن الخبر اختلاف، ففي رواية ابن إسحاق أن ذلك يوم بدر، وفي رواية البيهقي أنها يوم أحد، قال ابن عبد البر: وقيل يوم الخندق (10).

وقد أسهب في تخريج هذا الخبر بما لا مزيد عليه، الشيخ مساعد الراشد الحميد -وفقه الله- في تحقيقه لكتاب: (دلائل النبوة للأصبهاني) وبَيّن ضَعْف الحديث (11).

فائدة
ويغني عن هذا الحديث الضعيف أحاديث عدة في آياته -صلى الله عليه وسلم- في شفاء المرضى والمصابين -بإذن الله- منها: مَسحه -صلى الله عليه وسلم- على رِجْل عبد الله بن عتيك -رضي الله عنه- لمّا انكسرت ساقه في قصة قتل ابن أبي الحقيق اليهودي، وفيه، فقال لي: "ابسط رجلك" فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم اشتكها قط" رواه البخاري (12).

ومنها ما جرى لعلي -رضي الله عنه- يوم خيبر، وكان يشتكي عينيه "فجئ به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما سأل عنه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع". رواه البخاري (13)، ومسلم (14).

ومنها ما جرى لـ سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- حين أُصيبت ركبته يوم خيبر، قال: "فأتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فنفث فيه (أي في موضع الإصابة) ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة " أخرجه البخاري (15).

فائدة أخرى
أخرج الحاكم في (المستدرك (16)) وعنه البيهقي في (الدلائل (17)) من طريق إبراهيم بن المنذر، قال: أخبرنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني رفاعة بن رافع بن مالك قال: "لما كان يوم بدر. . رُميت بسهم، فَفُقئت عيني، فبصق فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا لي فما آذاني منها شيء" وقال الحاكم بعد إخراجه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "عبد العزيز (بن عمران) ضعّفوه". اهـ. وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى البزار والطبراني في الكبير والأوسط ثم قال: "وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف (18) . والقول بأن عبد العزيز ضعيف فيه تساهل، فالأئمة معظمهم على تركه (19)، ولذا قال الحافظ في (التقريب) متروك (20).

والعجيب أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أورد هذا الحديث في تاريخه عن البيهقي ثم قال: "وهذا غريب من هذا الوجه، وإسناده جيد، ولم يخرجوه (21) وتعقّبه الأرناؤوط في حاشية الزاد بقوله: "وما ندري كيف يكون هذا الإسناد جيدًا، وفيه عبد العزيز بن عمران؟ (22)".

تنبيه
قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- في تعليقه على (الروض الأُنف) عند حديث السهيلي عن قصة قتادة الآنفة في ردّ عينه، قال ما نصه: "والله يختص برحمته من يشاء ولا أحد يُبرئ أحدًا. وتدبّر قوله سبحانه فيما يقصّ عن خليله إبراهيم {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، وتدبرّ كل آيات القرآن التي ذكر الله فيها آياته التي منّ بها على عيسى تجد فيها النص المؤكد على أنها بإذن الله وحده) اهـ (حاشية الروض الأنف 6/ 34).

وكان الأليق به -رحمه الله- أن يستشهد ببعض ما صحّ في هذا الباب، كقصة علي، وابن عتيك وسلمة -رضي الله عنهم، ولا شك أنه بإذن الله، لأن كلامه (في تعليقه على الروض الأنف) يوهم نفي هذه الآيات، للرسول وقد سلك الشيخ الوكيل -رحمه الله وعفا عنه- مسلكًا عقلانيًا أحيانًا في ردّ بعض الروايات الصحيحة في السيرة، وحاشا أن نتّهم الشيخ بأنه من أصحاب المنهج المعتزلي العقلاني، كيف؟ وهو ممّن تولى رئاسة جماعة أنصار السنة في مصر، وقد أحسن -رحمه الله- وجزاه خيرًا في تعقبه على السُّهيلي في مخالفته -أحيانا- لمذهب أهل السنة والجماعة.

ومعلوم أن الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- نشأ صوفيًا مصدقًا بما يسميه الخرافيون بالكرامات عن شيوخهم، ثم فتح الله عليه وهداه إلى مذهب أهل السنة، وصنف بعدها كتابه القيّم (هذه هي الصوفية) ويبدو أن نشأته في وسط صوفي معطّل للعقل، ثم تحوله -بحمد الله- عن ذلك جعلته يغلو أحيانًا -كردة فعل، والله أعلم- في تغليب العقل على النقل، أذكر ذلك عذرًا ألتمسه للشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله.

(*) السّية: المنعطف من طرفي القوس.
(1) الروض الأنف (5/ 445).
(2) تاريخ الإِسلام، المغازي، ص 194.
(3) المستدرك 3/ 334 رقم (5281).
(4) دلائل النبوة (3/ 99 - 100).
(5) تقريب التهذيب (2/ 352).
(6) تقريب التهذيب (2/ 62).
(7) دلائل النبوة (3/ 1031)
(8) مجمع الزوائد (6/ 113) و (8/ 298).
(9) بداية السول، للعز بن عبد السلام، حاشية ص 42.
(10) الاستيعاب (3/ 238).
(11) دلائل النبوة للأصبهاني (3/ 1031).
(12) كتاب المغازي، باب قتل أبي افع (7/ 340 - 341 فتح).
(13) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/ 476 فتح).
(14) كتاب الفضائل، فضل علي - رضي الله عنه - (15/ 176 نووى)
(15) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/ 475 فتح).
(16) المستدرك (23/ 258).
(17) دلائل النبوة (3/ 100).
(18) مجمع الزوائد (6/ 82).
(19) انظر التهذيب (6/ 351).
(20) (1/ 511).
(21) البداية والنهاية (3/ 291).
(22) زاد المعاد (3/ 187).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

موقف مصعب بن عمير مع أخيه أبي عزيز

موقف مصعب بن عمير –رضي الله عنه- مع أخيه أبي عزيز من المواقف المشهور في كتب السيرة النبوية في غزوة بدر، وذلك بعد أن وقع أخوه في الأسر، فهل ثبت هذا الخبر من طرق صحيحة ؟

قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثني نُبيه بن وهب، أخو بني عبد الدار أن رسول اللُّه -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل بالأسارى فرّقهم بين أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيرًا. قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمّه في الأسارى.

قال: فقال أبو عزيز بن عمير: مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شدّ يدك به، فإنّ أمّه ذات متاع، لعلها تفديه منك .. قال ابن هشام: وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين بعد النضْر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليَسَر -وهو الذي أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك ... (1)".

وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، وشيخه نُبيه (بالتصغير) ثقة، لكن الخبر مرسل.

فائدة
مما يتعلق بمصعب بن عمير -رضي الله عنه- ما ذكره الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (3/ 401) في ترجمته حيث قال: "وأخرج الترمذي بسند فيه ضعف عن علي -رضي الله عنه- قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير فبكى للذي كان فيه من النعمة ولما صار إليه". وذكره في الفتح (11/ 279) وسكت عنه.

والحديث أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القُرَظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: "إنَّا لجلوس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم ...". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب (2) ا. هـ.
ويظهر أن الضعف الذي أشار إليه ابن حجر هو جهالة الواسطة بين محمد بن كعب وعلي -رضي الله عنه.

وروى ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "كنّا قومًا يصيبنا صَلَف العيش بمكة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإِسلام جهدًا شديدًا، حتى لقد رأيت جلده يتخشّف تخشّف جلد الحية عنها، حتى إن كنا لنعرضه على قسيّنا فنحمله ممّا به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله عَزَّ وَجَلَ بالشهادة يوم أحد (3)".

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مصعب بن عمير مقبلًا عليه إهاب كبش قد تنطّق به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- انظروا إلى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حبّ الله ورسوله إلى ما ترون". قال الحافظ العراقي-رحمه الله: "رواه أبو نُعيم في (الحلية) بإسناد حسن (4)".

ثم طُبع المجلد الحادي عشر من (الضعيفة) وقد ذكره الشيخ الألباني-رحمه الله- فيه (5).

(1) الروض الأنف (5/ 155) وقال السهيلي: أما أبو عزيز فاسمه زرارة (5/ 187).
(2) تحفة الأحوذي (7/ 176).
(3) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله، ص 173.
(4) تخرج أحاديث إحياء علوم الدين (5/ 2346) وانظر مستدرك الحاكم (3/ 728).
(5) رقم (5195)
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلــــــــــــــــــــــــــنا اخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوة
السلام عليكم

مشورة الحباب بن المنذر في غزوة بدر

مشورة الحباب بن المنذر –رضي الله عنه- على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بتغيير مكان المسلمين بالقرب من ماء بدر، من المواقف المشهور في كتب السيرة النبوية في غزوة بدر مع أنها لم تثبت من طرق صحيحة.

قال: ابن إسحاق في حديثة عن غزوة بدر: "ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي ..، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبادرهم إلى الماء، حتى أدنى ماء من بدر نزل عليه".

قال ابن إسحاق: فَحُدِّثتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيتَ هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نعورّ (*) ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فعوّرت وبنى حوضًا على القليب الذي نزل عليه فمُلئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية (1)".

قال الشيخ الألباني -رحمه الله: "وهذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة. وقد وصله الحاكم (3/ 426، 427) من حديث الحباب بن المنذر وفي سنده من لم أعرفه.

وقال الذهبي في تلخيصه (قلت: حديث منكر، وسنده) كذا الأصل، ولعله سقط منه (واه) أو نحوه.

ورواه الأُموي كما في البداية (3/ 267) وفيه الكلبي وهو كذاب (2)".

وقال في (دفاع عن الحديث): "وهذا إسناد مرسل مجهول، فهو ضعيف، وقد وصله بعضهم، وفيه من لا يُعرف وآخر كذاب (3) . ثم أجاب -رحمه الله- عما ذكره الحافظ ابن حجر في (الإصابة) في ترجمة الحباب: "وقال ابن إسحاق في السيرة حدثني يزيد بن رومان عن عروة وغير واحد في قصة بدر (4) "، بما حاصله أن ما ذكره الحافظ ليس موجودًا في سيرة ابن إسحاق المتداولة. كما أن الرواية مرسل عروة والمرسل من أقسام الضعيف. ا. هـ
وأورده -رحمه الله- في (الضعيفة) وقال: "ضعيف على شهرته في كتب المغازي (5)".

وهذا الخبر الذي عزاه ابن حجر لابن إسحاق رواه البيهقي في (الدلائل) من طريق ابن إسحاق مرسلًا (6). وقال في (السنن الكبرى): وروى أبو داود في المراسيل عن محمد بن عبيد عن حماد عن يحي بن سعيد قال استشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر فقال الحباب (7). وقد ضعف القصة الشيخ سعد الحميد (8).

وينبغي أن يُعلم أن مشورة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه ثابتة في الأحاديث الصحيحة كما في مشاورته لهم قبل غزوة بدر، ثم في الأسرى، وفي الخروج يوم أحد، وفي الحديبية، وفي حادثة الإفك، وغيرها.

(*) بالعين المهملة، أي دفنها وسدها (لسان العرب، مادة، عور، دار صادر، بيروت)
(1) الروض الأنف (5/ 97).
(2) تخريج فقه السيرة للغزالي. ص 224، ورواية الحاكم في المستدرك (3/ 482) دار الكتب العلمية كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب الحباب بن المنذر - رضي الله عنه.
(3) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 26.
(4) الإصابة (1/ 302).
(5) سلسلة الأحاديث الضعيفة (7/ 451).
(6) دلائل النبوة (3/ 31).
(7) السنن الكبرى (9/ 85).
(8) مختصر استدراك الذهبي على الحاكم لابن الملقن (5/ 2139).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلــــــــــــــــــــــــــنا اخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوة
السلام عليكم

إبليس في صورة سراقة بن مالك

مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية في أحداث غزوة بدر الكبرى أن إبليس جاء في صورة سراقة بن مالك، وكان من أشراف بني كنانة، فقال للمشركين: أنا لكم جار، فهل ثبت هذه الخبر ؟

قال ابن إسحاق -رحمه الله: "وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرتْ الذي كان بينها وبين بني بكر، فكاد ذلك يثنيهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعًا (1). وهذا إسناد مرسل.

قال ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ذكر كلام ابن إسحاق-رحمه الله: "قلت: هذا معنى قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 47 - 48] (2).

وذكر المفسرون القصة عند تفسيرهم للآية الآنفة في سورة الأنفال، على أن بعضهم قد أوردها بصيغة التمريض: روي، كالقرطبي (3) والشوكاني (4) -رحمه الله- قال ابن سعدي -رحمه الله- بعد أن ذكر قول المفسرين أن إبليس تبدى لقريش في صورة سراقة: "ومن المحتمل أن يكون الشيطان سوّل لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم، فلما أوردهم مواردهم نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر: 16 - 17] (5).

وقال سيد قطب -رحمه الله: "وفي هذا الحادث نص قراني يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم ... ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم، والتي قال لهم بها: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، والتي نكص بها كذلك وقال ما قاله بعد ذلك (6)".

وروى الطبراني في (الكبير) - كما قال الهيثمي - عن رفاعة بن رافع قال: "لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر، أشفق أن يخلص القتل إليه، فتشبّث به الحارث بن هشام، وهو يظنه سراقة بن مالك، فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا حتى ألقى نفسه في البحر، ورفع يديه
وقال: اللهم إني أسألك نظرتك إياي، وخاف أن يخلص إليه القتل، فأقبل أبو جهل بن هشام، فقال: يا معشر الناس، لا يهزمنُكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد مع محمَّد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى، لا نرجع حتى نقرنهم بالجبال، ولا ألفين رجلًا
منكم قتل رجلًا منهم، ولكن خذوهم أخذًا حتى نُعَرِّفهم سوء صنيعهم من مفارقتهم إياكم ورغبتهم عن اللات والعزى .."، ثم قال الهيثمي: "فيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف .. (7) . ا. هـ وأكثر الأئمة على أنه متروك.

(1) الروض الأنف (5/ 88).

(2) البداية والنهاية (3/ 259).

(3) الجامع لحكام القران (8/ 18) دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ.

(4) فتح القدير (2/ 315) دار المعرفة بيروت. بدون ذكر الطبعة ولا سنة الطبع. توزيع مكتبة المعارف بالرياض.

(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة. الطبعة الثالثة 1417 هـ.

(6) في ظلال القرآن (3/ 153) دار العلم، جدة، الطبعة الثانية عشرة 1406 هـ

(7) مجمع الزوائد (6/ 77).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلــــــــــــــــــــــــــنا اخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوة
السلام عليكم

ما شاع ولم يثبت في غزوة بدر

شاعت الكثير من الأخبار والروايات في غزوة بدر الكبرى في كتب السيرة النبوية مع أنها لم تثبت من الناحية الحديثية، منها قول الرسول –صلى الله عليه وسلم: هذا فرعون هذه الأمة، وحديث سيف عكاشة بن محصن وغيرها.

قول الرسول: نحن من ماء
ما ذكره ابن إسحاق في كلامه عن تتبعه -صلى الله عليه وسلم- أخبار قريش، قال: " .. كما حدثني محمَّد بن يحيى بن حبان: حتى وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر -رضي الله عنه- على شيخ من العرب فسأله عن قريش، وعن محمَّد وأصحابه، وما بلغه عنهم. فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممّن أنتما؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أخبرتنا أخبرناك، قال: أذاك بذاك؟ قال: نعم. قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي فيه قريش، فلما فرغ من خبره، قال ممّن انتما؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحن من ماء. ثم انصرف عنه. قال: يقول الشيخ: ما مِنْ ماء، أمِنْ ماء العراق؟
قال ابن هشام: يقال: ذلك الشيخ سفيان الضمري (1)".

وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، وشيخه ابن حبان (بفتح الحاء) ثقة من رجال الجماعة، لكن العلة هي الانقطاع لأن ابن حبان مات سنة 121هـ، وهو ابن أربع وسبعين سنة، فبين مولده والقصة قرابة خمس وأربعين سنة.

قول الرسول: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها
ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها".
وقد رواها ابن إسحاق قال: "حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير (2) .. . قال الشيخ الألباني -رحمه الله: "وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل (3)".

وأصل القصة في صحيح مسلم عن أنس -رضي الله عنه- أن المسلمين "لما نزلوا بدرًا وردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه (*) فيقول: مالي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف، قال: "والذي نفسي بيده لَتَضْربوه إذًا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم". قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هذا مصرع فلان، قال: ويضع يده على الأرض ههنا، وههنا"، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم (4)".

وفي رواية الإِمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله "كم القوم؟ "، قال: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم، فجهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخبره كم هم فأبى، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله: "كم ينحرون من الجُزُر؟ " فقال: عشرًا كل يوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "القوم ألف، كل جزور لمائة وتبعها (5)".

زاد ابن إسحاق في روايته عن عروة بن الزبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأله: "فمن فيهم من أشراف قريش؟ "، قال: عتبة بن ربيعة ... وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف ... فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس فقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ كبدها". وسبق قول الشيخ الألباني عن هذه الزيادة إن إسنادها صحيح، لكنه مرسل.

قول أبي حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا؟
قال ابن إسحاق-رحمه الله: "وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه يومئذ (يوم بدر): "إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرهًا".

قال: فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس؟ والله ليِّن لقيته لألحمنه بالسيف. قال: فبلغتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لـ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: "يا أبا حفص، أيُضرب وجه عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسيف؟"، فقال عمر -رضي الله عنه- يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفًا، إلا أن تكفّرها عني الشهادة، فقُتل يوم اليمامة شهيدًا (6)".

والعباس بن معبد ثقة، لكنه لم يُسَمِّ من حدّثه من أهله. ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق عن العباس بن معبد عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهم- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم بدر: "من لقي منكم العباس فليكفف عنه فإنه خرج مستكرهًا"، فقال أبو حذيفة ... "، ثم قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وخالفه الذهبي فحذفه من التلخيص لضعفه (7).

قال الذهبي: "معبد عن ابن عباس مجهول (8)، ويُستبعد -مع ضعف الإسناد- أن يصدر هذا الكلام من أحد الصحابة -رضي الله عنهم- خاصة ممّن هو من السابقين الأولين للإسلام (9)، بل حتى من بعدهم.

قول الرسول لأهل القليب: بئس العشيرة كذبتموني
قال ابن إسحاق: "وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم هذه المقالة (**): "يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ للمقالة التي قال .. (10)".

قال الألباني -رحمه الله- عنه: "وهذا إسناد معضل، وقد رواه أحمد (6/ 170) من طريق إبراهيم عن عائشة –رضي الله عنها -مرفوعًا بلفظ (جزاكم الله شرًا من قوم نبي، ما كان أسوأ الطرد، وأشد التكذيب)، ورجاله ثقات لكنه منقطع بين إبراهيم وهو النخعي وبين عائشة –رضي الله عنها (11)".

وذكره اليهثمي في (المجمع) قال: "رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة ولكنه دخل عليها (12) . قال الحافظ في (التهذيب): "روى عن عائشة ولم يثبت سماعه منها (13)".

سبف عكاشة بن محصن –رضي الله عنه
مما شاع ولم يثبت في غزوة بدر حديث سيف عكاشة بن محصن –رضي الله عنه، قال ابن إسحاق: "وقاتل عكاشة بن محصن .. يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه جِذْلًا (***) من حطب، فقال: "قاتلْ بهذا يا عكاشة"، فلما أخذه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هزّه فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قُتل في الردة وهو عنده، قتله طليحة بن خويلد الأسدي (14)" ورواه البيهقي في (الدلائل (15)) عن ابن إسحاق.

قال الإِمام الذهبي -رحمه الله: "هكذا رواه ابن إسحاق بلا سند، وقد رواه الواقدي قال ... (16)" ا. هـ. والواقدي متروك. ومن طريقه أيضًا رواه البيهقي في (الدلائل (17)).

فائدة
عُكاشة، قال ابن حجر: "بضم أوله وتشديد الكاف، وتخفيفها أيضًا". (الإصابة 3/ 487) وهو من المشهود لهم بالجنة -رضي الله عنه. وقاتِلُه طُليحة الأسدي كان ممن ارتد، ثم عاد إلى الإِسلام. رضي الله عنهم أجمعين.

طلب عمر نزع ثنيّتيْ سهيل بن عمرو
ومما شاع ولم يثبت في غزوة بدر أيضا طلب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- نزع ثنيّتيْ سهيل بن عمرو، قال ابن إسحاق: "وحدثني محمَّد بن عمرو بن عطاء، أخو بني عامر بن لؤي: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو (18) ويدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"لا أمثِّل به فيمثّل الله بي وإن كنتُ نبيًا". قال ابن كثير –رحمه الله- لما نقله في (البداية): "قلت: هذا حديث مرسل، بل معضل (19)".

قال ابن إسحاق: "وقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر في هذا الحديث: "إنه عسى أن يقوم مقامًا لا تذمّه (20)".

هذا فرعون هذه الأمة
روى الإِمام أحمد في مسنده قال: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا شَريك عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه قال: "أتيت أبا جهل وقد جُرح وقُطعت رجله، قال فجعلت أضربه بسيفي، فلا يعمل فيه شيئًا ... فلم أزل حتى أخذتُ سيفه فضربته به حتى قتلته، قال: ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم، فقلت: قد قُتل أبو جهل (وربما قال شَريك: قد قتلت أبا جهل).

قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم فقال: آلله؟ مرتين، قلت: نعم، قال: فاذهب حتى أنظرَ إليه، قال: فذهب، فأتاه وقد غيرت الشمس منه شيئًا، فأمر به وبأصحابه فسُحبوا حتى أُلقوا في القليب، قال: وأُتبع أهل القليب لعنة، وقال: كان هذا فرعون هذه الأمة".

قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده ضعيف لانقطاعه (21). ا. هـ. أي بين أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبيه. قال الحافظ في (التقريب): "والراجح أنه لا يصحّ سماعه من أبيه (22)".

ورواه البيهقي في (الدلائل (23)) عن أبي عبيدة عن أبيه. ورواه في (السنن الكبرى) عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، ثم قال: كذا قال عن عمرو بن ميمون والمحفوظ عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه (24).

وذكره الهيثمي في (المجمع) وقال عقبة: "رواه كله أحمد والبزار باختصار، وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح".

وعزاه في رواية تالية إلى الطبراني، ثم قال: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة (25)". وابن أبي كريمة قال عنه في (التقريب): "صدوق (26)".
وقصة قتل أبي جهل في الصحيحين (27)، وليس فيها: (هذا فرعون هذه الأمة).

تنبيه
وقول ابن كثير –رحمه الله- بعد أن أورد الحديث: "ورواه أبو داود والنسائي (28) ، يوهم أن هذه اللفظة: "هذا فرعون ... " عندهما، وليس الأمر كذلك وسبقه النووي -رحمه الله- بعزوه إليها في كتب السنن (29).

فائدة
روى ابن ماجه (30) عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم بُشِّر برأس أبي جهل ركعتين". قال ابن الملقن: "إسناده جيد (31) . وقال تلميذه الحافظ في (التلخيص (32) ): "إسناده حسن واستغربه العقيلي". وأورده الألباني في (ضعيف ابن ماجه (33)).

فائدة أخرى
قال ابن تيمية -رحمه الله: "سجود الشكر لا يجب بالإجماع، وفي استحبابه نظر" (34).

(1) الروض الأنف (5/ 93).
(2) الروض الأنف (5/ 94).
(3) فقه السيرة ص 222.
(*) أي عن القافلة.
(4) مسلم (كتاب الجهاد والسيرة، باب غزوة بدر (نووي 12/ 125)) ورواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في الأسيرُ ينال منه وُيضرب ويقرر (عون المعبود 7/ 342).
(5) المسند (2/ 192) وصححه الشيخ أحمد شاكر. وكذا الألباني (فقه السيرة 222).
(6) الروض الأنف (5/ 107 - 108).
(7) المستدرك (3/ 247)
(8) المغنى في الضعفاء (2/ 418).
(9) انظر أسماءهم في سير أعلام النبلاء (1/ 144).
(**) وهي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يا فلان ابن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمَّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" (رواه البخاري 7/ 301 فتح) و (مسلم رقم 2873).
(10) الروض الأنف (5/ 147).
(11) فقه السيرة. ص 232.
(12) مجمع الزوائد (6/ 90).
(13) تهذيب التهذيب (1/ 177).
(***) الجِذْل: ما عظم من أصول الشجر المقطّع. (لسان العرب. مادة: جذل).
(14) الروض الأنف (5/ 145).
(15) دلائل النبوة (3/ 98).
(16) المغازي. ص 101.
(17) دلائل النبوة (3/ 99).
(18) وكان في الأسرى يوم بدر.
(19) البداية والنهاية (3/ 310).
(20) الروض الأنف (5/ 159).
(21) المسند بتحقيق أحمد شاكر (5/ 316). وكذا قال الأرناؤوط، رقم (4246)
(22) تقريب التهذيب (2/ 448).
(23) دلائل النبوة (3/ 88).
(24) (9/ 92 - 93).
(25) مجمع الزوائد (6/ 79).
(26) 2/ 216
(27) البخاري، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل (7/ 292 فتح) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب قتل أبي جهل وكعب بن الأشرف (نووي 12/ 160).
(28) البداية والنهاية (3/ 289).
(29) تهذيب الأسماء واللغات (6/ 202).
(30) (1/ 445 رقم 1391).
(31) البدر المنير (9/ 106).
(32) 4/ 118
(33) رقم 296
(34) الفتاوي (21/ 293).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلــــــــــــــــــــــــــنا اخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوة
السلام عليكم

رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب قبل بدر

ما صحة رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب قبل غزوة بدر ؟

مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب قبل غزوة بدر، فماذا رأت عاتكة ؟ وما صحة هذه الرؤيا ؟ وهل وردت من طرق صحيحة ؟

قال ابن إسحاق -رحمه الله: "فحدثني من لا أتّهم عن عكرمة عن ابن عباس، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، قالا: وَقَدْ رَأَتْ عاتكة بنت عبد المطلب، قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، رُؤْيَا أفزعتها. فبعثت إلى أخيها العباس ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي، وَتَخَوّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ، فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ؛ فَقَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ: ثم دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمّ صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ: ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا.
ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ، فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ، وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فَلِقَةٌ؛ قَالَ الْعَبّاسُ:
وَاَللهِ إنّ هَذِهِ لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد (1) . وابن إسحاق لم يسمّ شيخه.

وقد قال الإِمام البيهقي رحمه الله: "ابن إسحاق إذا لم يذكر اسم من حدّث عنه لم يُفرح به (2)".

وقد رواه الحاكم من طريق ابن إسحاق وفيه تسمية من حدثه، وأنه حسين بن عبيد الله بن عبد الله بن العباس. وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: فيه حسين بن عبد الله ضعيف (3)".

وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني من طريقين:
الأول: فيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك.
والثاني: مرسل، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن (4) ا. هـ

وقد أشار إلى ضعف القصة الشيخ عبد الله بن حمد اللحيدان في تحقيقه لمختصر مستدرك الذهبي على مستدرك الحاكم لابن الملقن (5).

(1) الروض الأنف (5/ 83).
(2) السنن الكبرى (4/ 13).
(3) المستدرك (3/ 20).
(4) مجمع الزوائد (6/ 69).
(5) 2/ 1102.
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلنا اخوة​
السلام عليكم

سبب إجلاء يهود بني النضير

المشهور في كتب السيرة أن سبب إجلاء يهود بني النضير هو تآمرهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد طلبه أن يعينوه في دية القتيلين، فهل ثبت ذلك؟ وما الصحيح في سبب إجلاء يهود بني النضير ؟

المشهور في كتب السيرة أن سبب إجلاء يهود بني النضير هو تآمرهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءهم يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فَمَنْ رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم .. إلى آخر القصة (1).

وقد روى ذلك ابن إسحاق عن يزيد بن رُومان، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، لكن الحديث مرسل. وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (2).

الصحيح في سبب إجلاء يهود بني النضير
وقد جاء سبب إجلاء يهود بني النضير بسند صحيح متصل، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى مَعْمر عن الزهري: "أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أُبيّ وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهمّ ابن أُبيّ ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم".

فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا، فلما كانت وقعة بدر كتب كفار قريش بعدها إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، يتهددونهم، فأجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم: اُخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبّحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم عدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها. وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام".

وكذا أخرجه عبد بن حُميد في تفسيره عن عبد الرازق، وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد. قلت (ابن حجر): فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أنّ سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جُلّ أهل المغازي، فالله أعلم (3)" ا. هـ كلام ابن حجر.

وأخرجه أبو داود بنحوه وفيه: "فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم اُخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حَبْرًا حتى نلتقي بمكان المنصف، فيسمعوا منك، فإنْ صدّقوك وآمنوا بك، آمنا بك فقصّ خبرهم (*) فلماّ كان الغد عدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب ... (4)".

(1) الروض الأنف (6/ 208).
(2) سلسلة الأحاديث الضعيفة، رقم: 4866 (10/ 469).
(3) فتح الباري (7/ 331، 332).
(*) في جامع الأصول: "فأعلمه جبريل بكيدهم" (8/ 219).
(4) وصححه الأرناؤوط في تخريجه جامع الأصول (8/ 218)، وكذا سلمان العودة في الغرباء الأولون (ص 210 - 212).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلنا اخوة​
السلام عليكم

هل ثبت قول حيي بن أخطب (عداوته ما بقيت)

من المقولات الشهير التي يستشهد بها في كتب السيرة عن عداوة اليهود الشديدة للإسلام، قول حيي بن أخطب عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "عداوته والله ما بقيت"، فهل ثبت هذا القول ؟

قال ابن إسحاق: "وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم قال: حُدّثت عن صفية بن حيي بن أخطب –رضي الله عنها- أنها قالت: كنت أحبَّ ولد أبي إليه، والي عمي أبي ياسر، لم ألقهما قطّ مع ولد لهما إلاّ أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا إليه أبي حُيّي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغلّسيْن. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس قالت: فأتيا كالّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما، مع ما بهما من الغمّ، قالت: وسمعت عمي أبو ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتُثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال عداوته والله ما بقيت (1)".

قال الحافظ العراقي: وهو منقطع (2). أي بين عبد الله بن أبي بكر وصفية.

وحقد اليهود، وحسدهم وعداوتهم، ومعرفتهم أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حقًا لا نحتاج إلى مثل هذا الأثر الضعيف، وقد قال الله عّز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].

فائدة
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود" قال ابن حجر: "فالمراد عشرة مختصة وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة (3)".

فائدة أخرى
أخرج الطبراني عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: "كان بعيني صفيّة خضرة، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم: ما هذه الخضرة بعينك؟ قالت: قلت لزوجي: إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرًا وقع في حجري، فلطمني، وقال: أتريدين مَلِكَ يثرب؟ قالت: وما كان أبغض إليّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَتَلَ أبي وزوجي، فما زال يعتذر إليّ، وقال: يا صفية إن أباك ألّب عليّ العرب، وفعل وفعل، حتى ذهب ذلك من نفسي". قال الهيثمي: "ورجاله (الطبراني) رجال الصحيح (4) . وذكره الألباني في (الصحيحة) (5).

(1) الروض الأنف (4/ 310).
(2) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1843).
(3) كتاب مناقب الأنصار، باب إتيان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة (7/ 274 فتح).
(4) مجمع الزوائد (9/ 251)
(5) رقم: (2793).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلنا اخوة​
السلام عليكم

الصحيح في وثيقة المدينة (المعاهدة مع اليهود)

وثيقة المدينة من أشهر الحوادث التي يذكرها المؤرخون في السنة الأولى من هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم. فهل هي وثيقة واحدة تشمل تحالف المسلمين بعضهم مع بعض، والمعاهدة مع اليهود، أم هما وثيقتان؟ وما صحة وثيقة المدينة والمعاهدة مع اليهود من الناحية الحديثية ؟

قال الدكتور أكرم العمري: "الراجح أن الوثيقة في الأصل وثيقتان ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما تناولت موادعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لليهود، والثانية توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار وحقوقهم وواجباتهم، ويترجح عندي أن وثيقة موادعة اليهود كتبت قبل موقعة بدر الكبرى أما الوثيقة بين المهاجرين والأنصار فكتبت بعد بدر (1)".

وهناك رأي آخر مخالف لذلك يقول: "أما القول بأن الوثيقة في الأصل وثيقتان، ثم جمع المؤرخون بينهما، قول ضعيف يفتقر إلى الدليل والبيان (2)".

لكن هل صحّ السند لإثبات هذه الوثيقة؟
إن ذكر ابن إسحاق -رحمه الله- لها، ونقل الآخريّن عنه، وشيوعها بين كُتَّابِ السيرة لا يكفي للحكم بصحتها. وسأنقل - باختصار - الروايات التي ذكرت القصة وأسانيدها وعلة كل طريق منها (3):
الرواية الأولى
قال ابن إسحاق -رحمه الله: "وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وداع فيه يهود، وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم:
" بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمَّد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم ... " وساق المعاهدة.

قال الشيخ الألباني -رحمه الله: "هذا مما لا يُعرف صحته .. . فَذَكره (ابن إسحاق) هكذا بدون إسناد، فهو معضل، وقد نقله ابن كثير (3/ 224- 225) عن ابن إسحاق ولم يزد عليه في تخريجه شيئًا على خلاف عادته، مما يدل على أنه ليس مشهورًا عند أهل العلم والمعرفة بالسيرة والأسانيد (4)".

وقال في تعليقه على (فقه السيرة) عند ذكر المؤلف لها: "روى هذه الوثيقة ابن إسحاق (2/ 16 - 18) بدون إسناد (5)".

وبالإضافة إلى ابن كثير فقد نقلها ابن سيد الناس بدون إسناد أيضًا (6).

الرواية الثانية
عند الإِمام أحمد -رحمه الله- قال: "حدثنا سُريج حدثنا عبّاد عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار، أن يعقلوا معاقلهم، وأن يَفْدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين (7) . ثم أعقبه -رحمه الله- بطريق آخر فقال: "حدثني سُريج حدثنا عباد عن حجاج عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس مثله (8)".

وذكر طريقًا ثالثة فقال: "حدثنا نصر بن باب عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار، على أن يعقلوا معاقلهم .. (9)" الحديث.

ويُلحظ في روايات الإِمام أحمد أمران:
الأول: أنها مختصرة جدًا، وليس فيها ذكر للمعاهدة مع اليهود.
الثاني: أن مدارها على حجاج وهو ابن أرطاة وهو مدلّس ولم يصرّح هنا بالتحديث، وقد نقل الإِمام الذهبي -رحمه الله- أقوال العلماء فيه، فقال: "قال ابن معين: هو صدوق، ليس بالقوى، يُدلس عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب، يعني فيسقط العرزمي ... وقال أبو زرعة: صدوق مُدلس، وقال أبو حاتم: صدوق يُدلس عن "الضعفاء" يُكتب حديثه، فإذا قال: حدثنا، فهو صالح، لا يُرتاب في صدقه وحفظه، ولا يحتج بحديثه ... وقال ابن المبارك: كان الحجاج يدلس، فكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يُحدّثه العرزمي، والعرزمي متروك (10) ورواية حجّاج هنا عن عمرو بن شعيب، فلعلها مما دلسه عن العرزمي. وقد وصفه بالتدليس - غير من سبق -: الإِمام أحمد والنسائي وغيرهما.

وقد تعقّب الشيخ الألباني -رحمه الله- البوطي في إيراده لهذا الحديث فقال -رحمه الله: "إسناده ضعيف لا تقوم به حجة؛ لأن حجاجًا هذا هو ابن أرطأة وقد قال فيه الحافظ في (التقريب): "صدوق كثير الخطأ والتدليس" ويبدو أن الشيخ عبد الرحمن البنا (في الفتح الرباني) قد توهم أنه غيره من الثقات فقال: "وسنده صحيح" (11) ا. هـ كلام الألباني -رحمه الله.

كما صححه الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على المسند، وهو من تساهله -رحمه الله.

والطريق الثالث للإمام أحمد عن نصر بن باب، وقد تركه غير واحد.

الرواية الثالثة
عند ابن أبي خيثمة، عزاها إليه ابن سيد الناس، فقال بعد أن ساق المعاهدة بطولها عن ابن إسحاق: "هكذا ذكره ابن إسحاق، وقد ذكره ابن أبي خيثمة، فأسنده: حدثنا أحمد بن جناب أبو الوليد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار، فذكره بنحوه (12)".

قال الدكتور العمري-وفقه الله: "ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة إذ لا وجود لها فيما وصل إلينا منه (13)".

وفي سند ابن أبي خيثمة كثير بن عبد الله، قال الذهبي: "متروك (14)" ورماه بالكذب أبو داود، وقال الشافعي من أركان الكذب "وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا في الرواية عنه إلا على جهة التعجب (15)".

قال الشيخ الألباني عن إسناد ابن أبي خيثمة: "هذا الإسناد لا قيمة له، كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ضعيف جدًا (16)".

الرواية الرابعة
عند أبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) في كتابه (الأموال) وقد ساق لها إسنادين، الأول: حدثني يحي بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثنا عُقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب بهذا الكتاب (17).." وسرده، فالخبر مرسل عن الزهري، ومرسله -رحمه الله- شرّ من مرسل غيره، قال الإِمام الذهبي-رحمه الله: "قال يحي بن سعيد القطان: مرسل الزهري شرٌّ من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يُسمّي سَمّى، وإنما يَترك من لا يحب أن يسميه. قلت (الذهبي): مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله ... ومن عدّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير ونحوهما، فإنه لم يدرِ ما يقول، نعم كمرسل قتادة ونحوه"(18).

الإسناد الثاني عند أبي عبيد: "حدثني حجاج عن ابن جريج قال: في كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين من قريش وأهل يثرب .. " وهذا كسابقه مرسل، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز ثقة، لكنه يدلس ويرسل. "روى الميموني عن أحمد، إذا قال ابن جريج: قال فاحذره (19)".
أما الرواي عنه فهو حجاج بن محمَّد الأعور ثقة روى له الجماعة.

الرواية الخامسة
عند أبي عبيد أيضًا في كتابه (غريب الحديث) وذكر لها ثلاثة أسانيد، هي:
الأول: من طريق حفص عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده. وحفص هو ابن غياث القاضي ثقة فقيه، لكن العلة في كثير بن عبد الله، وسبق الحديث عنه.

الثاني: قال أبو عبيد: "حدثني حماد بن عبيد عن جابر عن الشعبي أو أبي جعفر محمَّد بن علي -الشك من أبي عبيد- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. " فذكر رواية مختصرة. وحماد بن عبيد قال عنه الذهبي في الميزان: "حماد بن عبيد أو ابن عبيد الله عن جابر الجُعْفي. قال أبو حاتم: ليس بصحيح الحديث، لا يُعبأ به، قال البخاري: لم يصحّ حديثه (20)". وجابر الجُعْفي قال عنه في (التقريب): "ضعيف رافضي (21) وقال عنه الذهبي في (الكاشف): "وثّقه شعبة فشذّ وتركه الحفاظ (22) . والشعبي ومحمد بن علي كلاهما من التابعين، فالخبر مرسل، فضلًا عن ضعف سنده.

الثالث: "حدثنا حجاج عن ابن جريج أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال .."، وسيق الكلام على هذا الإسناد.

الرواية السادسة
عند حميد بن زنجوية (ت 247 هـ) من طريق عبد الله بن صالح قال: حدثني عُقيل عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب بهذا الكتاب ... وسبق الكلام على هذا السند.

الرواية السابعة
عند البيهقي بإسنادين:
الأول: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بُكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عثمان بن محمَّد بن عثمان بن الأخنس بن شريق قال: "أخذت من آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الكتاب كان مقرونًا بكتاب الصدقة الذي كتب عمر للعمال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمَّد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ... " وهي مختصرة عما عند ابن إسحاق.

ثم أعقبها بالإسناد الثاني فقال: "وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ القاضي قال: حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب قال: حدثنا محمَّد بن إسحاق الصغاني قال: [[أنبأنا]] معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق هو الفزاري عن كثير بن عبد الله ... (23)" فذكره.

والإسناد الأول ضعيف: "لأن عثمان تحملها وجادة (*)، وفي الإسناد رجال فيهم ضعف مثل عثمان فهو صدوق له أوهام، ويونس بن بُكير يخطئ، والعطاردي (أحمد بن عبد الجبار) ضعيف وتحمّله للسيرة صحيح (24)".

أما الإسناد الثاني: ففيه كثير بن عبد الله، وسبق الكلام عنه.

الرواية الثامنة
عند ابن أبي حاتم. قال -رحمه الله- في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل): "حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة، قال: أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى عبد الله بن محمَّد أمير المؤمنين (وكتب إليه رسالة طويلة وقال فيها:) وقد حدثني الزهري أنه كان في كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كتب بين المهاجرين والأنصار أن لا يتركوا مفرحًا أن يعينوه في فداء أو عقل".

والإسناد مرسل، وسبق الكلام عن مراسيل الزهري.

الرواية التاسعة
عند ابن حزم في (المحلى) وساقه بسنده عن الحجاج بن أرطأة عن الحكم (**) عن مِقْسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابًا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويفْدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين الناس" ثم قال -رحمه الله: "فيه حجاج بن أرطأة، وهو ساقط، وفيه مِقسم وهو ضعيف (25)".

مما سبق يتبين أنه لم يثبت لهذه الحادثة المشهورة إسناد صحيح سالم من علة قادحة، ولذا لم يوردها الإِمام الكبير أبو عبد الله الذهبي في كتابه المشهور: (تاريخ الإِسلام) في الجزء الخاص بالمغازي الذي يبدأ من الهجرة النبوية المباركة، وقد قال -رحمه الله- في مقدمة الكتاب: "وأُشير إلى الوقائع الكبار .. (26)".

فلم يُشر إلى هذه الحادثة رغم أهميتها، فكأن ذلك -والله أعلم- لأنها لم تصحّ عنده. وكذا الإِمام النووي -رحمه الله- في: (تهذيب الأسماء واللغات) فلم يُشر إليها في جملة الأمور المشهورة حيث قال عن حوادث السنة الأولى: "فيها بني النبي -صلى الله عليه وسلم- مسجده، ومساكنه، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأسلم عبد الله بن سلام، وشُرع الأذان (27)". ولا ريب أن المعاهدة مع اليهود - لو صحّ سندها - أهم من بعض ما ذكر.

وقد لا يكون الأمر مشكلًا إذا ذُكرت الحادثة بصيغة التضعيف: يُروى، يُذكر، ونحوهما من الصيغ، لكن المشكل إذا بُني على هذه الحادثة - أو غيرها من حوادث السيرة التي لم يثبت - حكم، أو أحكام تشريعية "كما لو كان الأمر متعلقًا بأصل العقيدة أو بأصل ينبني عليه حكم من أحكام الشريعة وهو الصلح مع اليهود (28)" فحينئذ ينبغي التأكد من صحة الخبر أولًا، ثم استخراج الأحكام منه، كما يقال في مثل ذلك: "أثبت العرش ثم انقش" والله أعلم.

وأشار الشيخ سلمان العودة -رحمه الله- إلى هذه الوثيقة وبيّن ضعف أسانيدها ثم قال: "وقد روى أبو داود عن كعب بن مالك، في قصة قتل كعب بن الأشرف، وفيه: فلما قتلوه، فزعت اليهود والمشركون، فغدوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: طُرق صاحبنا، فقُتل، فذكر لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابًا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة".

رواه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة، ... من طريق محمَّد بن يحيى بن فارس عن الحكم بن نافع عن شعيب عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه .. فالحديث بهذا الإسناد صحيح (**) ويلحظ في هذه الرواية تأخّر الكتابة عن بداية العهد المدني، وهذا خلاف ما عليه معظم أهل السير والمؤرخين وغيرهم.

وجمع بعضهم بين الروايتين بأن ما في رواية كعب إنما هو تجديد للموثق الأول. والله أعلم (29)" ا. هـ. كلام الشيخ سلمان العودة -حفظه الله.

(1) السيرة النبوية الصحيحة. (1/ 276).
(2) بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة، ضيدان اليامي، مكتبة المعارف الرياض، ط الأولى، 1408 ص 31.
(3) وقد اعتمدت على المصدرين السابقين في ذكر الروايات.
(4) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 25، 26.
(5) فقه السيرة. ص 185.
(6) عيون الأثر (1/ 318) ط الأولى 1413، دار التراث، المدينة النبوية، تحقيق د. محمَّد العيد الخطراوي، محيي الدين مستو.
(7) المسند بتحقيق أحمد شاكر (4/ 146) حديث رقم 2443.
(8) المسند بتحقيق أحمد شاكر (4/ 146) حديث رقم 2444.
(9) المسند بتحقيق أحمد شاكر (11/ 125) حديث رقم 6904.
(10) سير أعلام النبلاء (7/ 70) وكذا تهذيب التهذيب (2/ 196).
(11) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 80.
(12) عيون الأثر (1/ 320).
(13) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 273)
(14) المغني في الضعفاء (2/ 227) تحقيق: حازم القاضي. دار الكتب العلمية، بيروت.
(15) تهذيب التهذيب (8/ 422).
(16) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة 79.
(17) السيرة النبوية (1/ 273).
(18) سير أعلام النبلاء (5/ 338 - 339).
(19) سير أعلام النبلاء (6/ 328).
(20) ميزان الاعتدال (1/ 597 رقم 2259).
(21) تقريب التهذيب (1/ 123).
(22) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (1/ 12) دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة
الأولى 1403.
(23) السنن الكبرى، كتاب الديات، باب العاقلة. (8/ 106) دار المعرفة، بيروت، 1413.
(*) قال ابن كثير: "وصورتها: أن يجد حديثًا أو كتابًا بخط شخص بإسناده". (الباعث الحثيث) تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ، ص 12.
(24) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 274 - 275).
(*) في الأصل: الحكم بن مقسم وهو خطأ.
(25) المحلى، (11/ 45) تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة.
(26) تاريخ الإِسلام. المغازي. تحقيق: عمر تدمري. دار الكتاب العريي، بيروت، الطبعة الأولى 1407 ص: 22.
(27) تهذيب الأسماء واللغات (1/ 20).
(28) بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة. ص 39.
(**) وصححها الحافظ ابن حجر (الفتح 7/ 331)، وصححها أيضًا الأرناؤوط في تخريج (جامع الأصول) (8/ 218).
(29) الغرباء الأولون (ص 210 - 212).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

كلنا اخوة​
السلام عليكم

نشيد طلع البدر علينا

صحة حديث نشيد طلع البدر علينا
من أشهر الأناشيد التي يحفظها الكبار والصغار فيما يتعلق بالهجرة النبوية المباركة نشيد (طلع البدر علينا)، فهل لهذا النشيد أصل صحيح ؟ وما وجه اختلاف العلماء في نشيد طلع البدر علينا ؟

أخرج البيهقي في الدلائل بسنده عن ابن عائشة قال: لما قدم عليه السلام المدينة جعل النساء والصبيان يقلن: (1)

طلـع البــدر علينـا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** مــا دعــا لله داع

ورواه في موضع آخر من الدلائل في باب تلقي الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قدم من غزوة تبوك، ثم قال: قلت: وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة، وقد ذكرناه عنده، لا أنه لما قدم المدينة من ثنية الوداع عند مقدمه من تبوك، والله أعلم، فذكرناه أيضًا ها هنا (2)".

وأعلّه الحافظ العراقي بكونه معضلًا (3)؛ لأن راوي القصة عبيد الله بن عائشة وهو من شيوخ الإِمام أحمد مات سنة 228 هـ. فبينه وبين القصة مفاوز.

قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في الفتح: "وأخرج أبو سعيد في شرف المصطفى ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعًا: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن:

طلـع البــدر علينـا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** مــا دعــا لله داع

وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك (4)".

وقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن محمَّد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد: "أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك (5)".

قال الحافظ ابن حجر: "فأنكر الداودي هذا وتبعه ابن القيم وقال: ثنية الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك، بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب، قال: إلا أن يكون هناك ثنية أخرى في تلك الجهة، والثنية ما ارتفع من الأرض. وقيل: الطريق في الجبل. قلت: لا يمنع كونها جهة الحجاز أن يكون خروج المسافر إلى الشام من جهتها، وهذا واضع كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى، وينتهي كلاهما إلى طريق واحدة.

وقد روينا بسند منقطع في الحلبيات (*) قول النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع" فقيل: كان ذلك عند قدومه في الهجرة، وقيل: عند قدومه من غزوه تبوك (6)".

كذا نسب الحافظ ابن حجر إلى ابن القيم أنه قال: ثنية الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك: وكلام ابن القيم مخالف لذلك تمامًا، فقد قال رحمه الله: "فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، خرج الناس تلقيه، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلـع البــدر علينـا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** مــا دعــا لله داع

وبعض الرواة يهم في هذا ويقول: إنما كان ذلك عند مقدمه إلى المدينة من مكة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجّه للشام .. (7)".

وجاء سبب تسمية ثنية الوداع بذلك وأنها من جهة تبوك في حادثة أخرى، في تحريم نكاح المتعة. قال الحافظ ابن حجر: "وأخرجه الحازمي من حديث جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، حتى إذا كناّ عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة كناّ تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فغضب وقام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه، ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ فسميت ثنية الوداع (8)".

والحديث "لا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير، وهو متروك (9)".

قال الشيخ الألباني رحمه الله: "على أن القصة برمّتها غير ثابتة (10)".

ومما يدل على ضعف هذه القصة: أن الروايات الصحيحة في دخوله صلى الله عليه وسلم طيبة عند هجرته إليها لم تذكر ولو إشارة ما يستشهد به لذلك، بل نقلت تلك الروايات ما قاله أهل المدينة عند وصوله إليها، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه: "فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله .. (11)".

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: " .. ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم (12) برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية: "فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرّق الغلمان والخدم في الطُرق ينادون: يا محمد، يا رسول الله. يا محمد، يا رسول الله (13)".

فائدة
نقل الصالحي رحمه الله تعالى عن المقريزي أنّ هذا النشيد قيل لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر. فهذا قول ثالث، وسبق أن النشيد لا يصح.

فائدة أخرى
رغم عناية ابن إسحاق رحمه الله بالسيرة، وتتبعه لأحداثها، فإنه لم يورد هذا النشيد في سيرته.

(1) دلائل النبوة، باب من استقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه .. ، ص 506، وزيادة: أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع، من زيادة رزين، قاله الصالحي (سبل الهدى والرشاد، 3/ 271).
(2) "الدلائل" باب تلقي الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم من غزوة تبوك (5/ 266).
(3) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، دار العاصمة، الطبعة الأولى (3/ 1327).
(4) فتح الباري (7/ 261، 262).
(5) كتاب المغازي، باب كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر (8/ 126 فتح).
(*) كذا في الأصل وهو خطأ مطبعي، والصواب: الخلعيات.
(6) فتح الباري (8/ 128، 129).
(7) زاد المعاد (3/ 551) الطبعة السادسة، 1405.
(8) فتح الباري (8/ 169).
(9) فتح الباري (8/ 170). والتلخيص الحبير (3/ 178).
(10) سلسة الأحاديث الضعيفة (2/ 63) الطبعة الثالثة، 1406.
(11) كتاب مناقب الأنصار، رقم 3911.
(12) البخاري، رقم 3925.
(13) أخرجه مسلم، برقم (7522) [2009].
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

سراقة بن مالك وسواري كسرى

أكثر ما شاع واشتهر في السيرة النبوية قصة لحاق سراقة بن مالك برسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- في طريق الهجرة، فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- لسراقة: "كيف بك إذا لبستَ سواريْ كسرى ؟" فهل هذا الخبر صحيحا ؟

ذكر ذلك الحافظان ابن عبد البر وابن حجر-رحمهما الله- في ترجمتهما لسراقة بن مالك -رضي الله عنه- فقالا: "روى سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لسراقة: .. وذكره: "قال فلما أُتي عمر -رضي الله عنه- بسواري كسرى ومنطقه وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه إياهما، ... وقال له: ارفع يدك، فقال: الله أكبر والحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة الأعرابي".

وهذا مرسل الحسن بن أبي الحسن البصري الإِمام المشهور، وهو على جلالته وعلمه وفضله إلا أن مراسيله ليست بحجة، وهو قول محمد بن سيرين وابن سعد والإِمام أحمد، وخالفهم الإمامان أبو زرعة الرازي ويحي القطان (1)".

قال العلائي -رحمه الله- في (جامع التحصيل): "والظاهر أن قول الأكثر أولى بالاعتماد، وقال أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنهما كانا يأخذان من كل ضرب (2)".

وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة من طريق علي بن زيد -وهو ضعيف- عن الحسن، وليس فيه: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى (3)".

أما أصل القصة وهي لحاق سراقة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والصديق فهي ثابتة رواها البخاري، ومسلم (4).

وفيها من آيات حماية الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولصاحبه الصديق - رضي الله عنه -، ووقوع الإِسلام في قلب سراقة: " ... ووقع في نفسي حين لقيتُ ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ، فأمر عامر بن
فهيرة فكتب في رقعة من أدم" (البخاري 3906).

(1) شرح علل الترمذي لابن رجب، تحقيق د. همام سعيد، ط الأولى (1/ 536 - 538).
(2) جامع التحصيل في أحكام المراسيل، تحقيق حمدي السلفي، الطبعة الثانية 1407.ص 91.
(3) المطالب العالية (4/ 207) والمحققة (17/ 299).
(4) البخاري رقم 3906 (7/ 338 فتح). مسلم كتاب الزهد، باب في حديث الهجرة رقم 75.
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

قصة العنكبوت والحمامتين في الغار

أكثر ما شاع في روايات السيرة النبوية في الهجرة النبوية قصة نسيج العنكبوت والحمامتين في الغار، فهل وردت أخبار صحيحة حول قصة العنكبوت والحمامتين في غار ثور ؟

روى الإِمام أحمد رضي الله عنه في مسنده قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا مَعْمَر قال: وأخبرني عثمان الجزري أن مِقْسمًا مولى ابن عباس رضي الله عنهما أخبره عن ابن عباس في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: من الآية 30]، قال: "تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك. فبات عليٌّ على فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة .. فلما رأوا عليًا ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسيج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال" (1).

من حسّن قصة العنكبوت
قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار (2)".

لكنه رحمه الله قال في (الفصول): "ويقال والله أعلم إن العنكبوت سدّت على باب الغار، وان حمامتين عششتا على بابه ... (3) . فلم يحسنّها هنا، بل يفهم من كلامه خلاف ذلك.

وحسّنها الحافظ ابن حجر في (الفتح (4)) على أنه قال عن عثمان الجزري: "فيه ضعف (5)". وفي (التهذيب) أن أبا حاتم قال عنه: يُكتب حديثه ولا يحتج به. وقال العقيلي: لا يتابع في حديثه (6).

ولذا ضعّف الحديث الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند فقال: "في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري (7) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد أن ضعّف الحديث: "ثم إن الآية المتقدمة: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} فيها ما يؤكد ضعف الحديث؛ لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا تُرى، والحديث يُثبت أن نصره -صلى الله عليه وسلم- كان بالعنكبوت، وهو مما يُرى، فتأمّل.

والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في تفسيره (4/ 147) للآية: (وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته) ا. هـ كلام الشيخ الألباني (8).

وقال في موضع آخر: "واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين (9)".

فتحسين الحافظيْن ابن كثير وابن حجر إنما هو لنسيج العنكبوت فقط. أما بيض حمامتين على الغار فلم أر -حسب علمي- من صحّحه. والله أعلم.

من ضعّف قصة العنكبوت والحمامتين
وقد أورده الهيثمي في (المجمع) بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة بات في الغار أمر الله تبارك وتعالى شجرة فنبتت في وجه الغار .. وأمر .. العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأمر .. حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، وأتى المشركون من كل فجّ .. وتقدم رجل منهم فنظر فرأى الحمامتين فرجع فقال لأصحابه: ليس في الغار شيء، رأيتُ حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله فعلم أن الله تبارك وتعالى قد درأ بهما عنه، فسمّت (دعا بالخير والبركة) عليهما وفرض جزاءهما، واتخذ في حرم الله تبارك وتعالى فرخين أحسبه قال: فأصل كل حمام في الحرم من فراخهما". ثم قال اليهثمي: "رواه البزار والطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم (10)".

وأخرجه أيضًا أبو القاسم الأصبهاني في (دلائل النبوة) من طريق عبد الرزاق، كسند الإِمام أحمد، قال: محقق الدلائل، مساعد الحميد: "في إسناده ضعف".

وأعله -كمن قبله- بعثمان الجزري، ثم قال: "ثم إن في الإسناد علة أخرى لا تقل أهمية عما سبق، فقد أخرج الحديث عبد الرزاق في (المصنف) (5: 389) وفي التفسير (ل95) عن مَعْمَر به، دون ذكر ابن عباس، وينبغي أن يكون هذا هو المحفوظ عن عبد الرزاق إذ هو ثابت بهذا الأداء في مؤلفاته (11).

قال أبو تراب الظاهري-رحمه الله: "وقد ورد أن حمامتين وحشيتين عششتا على بابه، وأن شجرة نبتت، وكل ذلك فيه غرابة ونكارة من حيث الرواية .. وفي رواية فيها غرابة ونكارة أن الحمامتين أفرختا، وأن حَمَام الحرم المكي من نسل تينك الحمامتين، وكل ذلك بأسانيد واهية (12)".

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- معلقًا على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا): "وفيه دليل على أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ أن العنكبوت نسجت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة .. كل هذا لا صحة له؛ لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ليست أمورًا حسية تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية وآية من آيات الله عز وجل" (13).

وقال -رحمه الله- في موضع آخر: "ما كان عشٌّ كما يقولون، ولا حمامة وقعت على الغار، ولا شجرة نبتت على فم الغار، ما كان إلا عناية الله عز وجل؛ لأن الله معهما (14)".

فائدة
أورد الشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الضعيفة (3/ 337) حديثًا عزاه إلى مسند الفردوس للديلمي وهو: "جزى الله عَزَّ وَجَلَ العنكبوت عنا خيرًا فإنها نسجت علي وعليك يا أبا بكر في الغار، حتى لم يرنا المشركون، ولم يصلوا إلينا"، وقال -رحمه الله- عن الحديث: منكر، ثم ختم كلامه بقوله: "واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يُذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات .. ".

فائدة أخرى
أخرج الحاكم في المستدرك (3/ 4) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إليك" فأسكنه الله المدينة. ثم قال الحاكم: "هذا حديث رواته مدنيّون من بيت أبي سعيد المقبري". وتعقبه الذهبي بقوله: "لكنه موضوع، فقد ثيت أن أحب البلاد إلى الله مكة" ا. هـ.

وسئل شيخ الإِسلام -رحمه الله- عن هذا الحديث فقال: "هذا حديث باطل كذب". (الفتاوى 18/ 124) وقال في (18/ 378): "هذا باطل، بل ثبت في الترمذي وغيره أنه قال لمكة: "والله إنكِ لأحبّ بلاد الله إلى الله" وقال: "إنك لأحبّ البلاد إليّ" فأخبر أنها أحبّ البلاد إلى الله وإليه. وقال -رحمه الله- في (27/ 36): "فهذا حديث موضوع كذب لم يروه أحد من أهل العلم" أ. هـ.

ومن إنصاف الإِمام الكبير أبي عمر ابن عبد البر -رحمه الله- قوله: "واني لأعجب ممن يترك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ وقف بمكة على الحَزْورة وقيل على الحجون وقال: "والله إني أعلم أنك خير أرض الله .. " وهذا حديث صحيح .. فكيف يُترك مثل هذا النص الثابت ويُمال إلى تأويل لا يُجامع متأوله عليه؟ " (التمهيد 2/ 288)، وابن عبد البر -رحمه الله- مالكي، والمشهور عن المالكية تفضيل المدينة على مكة.

(1) المسند (5/ 87).
(2) البداية والنهاية (3/ 181).
(3) الفصول في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ص 52.
(4) 7/ 236.
(5) التقريب (2/ 13).
(6) التهذيب (7/ 145).
(7) (5/ 87).
(8) سلسلة الأحاديث الضعيفة (3/ 263) وضعفها أيضًا في تعليقه على فقه السيرة، ص 163.
(9) سلسلة الأحاديث الضعيفة (3/ 339).
(10) مجمع الزوائد (6/ 152 - 153) وانظر: تخريج أحاديث الكشاف (2/ 76).
(11) دلائل النبوة للأصبهاني، تحقيق مساعد بن سليمان الحميد، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1412 هـ (2/ 576)
(12) الأثر المقتفى لقصة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ص 13.
(13) شرح رياض الصالحين، ط الأولى 1415، دار الوطن، ج 2، ص 525.
(14) المرجع السابق ص 303.
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

مجيء أسماء بالطعام إلى غار ثور؟

هل كانت أسماء بنت أبي بكر تأتي بالطعام إلى غار ثور؟

مما اشتهر في السيرة النبوية أن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - كانت تأتي بالطعام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبيها عندما كانا في غار ثور في الهجرة، فما هو الصحيح في هذه الرواية؟

قال ابن إسحاق: "وكانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما (1 ) ، لكن رواية البخاري بيّنت أن أسماء -رضي الله عنها- صنعت لها الطعام في بيت أبي بكر الصديق وقبل الخروج للغار، قالت - رضي الله عنها -: "صنعتُ سفرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة. قالت: فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي، قال: فشقيه باثنين فاربطيه: بواحد السقاء وبالآخر السفرة، ففعلت. فلذلك سميت ذات النطاقين (2) ، وبوّب له الإِمام البخاري بقوله: "باب حمل الزاد في الغزو".

وفي روايتها لحديث الهجرة قالت عائشة -رضي الله عنها: "فجهزناهما أحثّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُميت ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور .. (3)".

أما طعامهما (رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه) في غار ثور في الأيام الثلاثة التي مكثاها في الُغار، فالظاهر أنه من تلك السفرة التي أُعدت في بيت أبي بكر - رضي الله عنه- وما كان يأتيهما به عامر بن فهيرة -رضي الله عنه.

ففي رواية البخاري الآنفة الذكر: .. "ويرعى عليهما عامر بن فُهيرة مولى أبى بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسل -وهو لبن مِنْحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث .. (4)".

قال الحافظ ابن حجر في الشرح: "قوله: (في رِسْل) .. اللبن الطري. قوله (ورضيفهما) بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي [الذي] وضعت فيه الحجارة المحمّاة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته (5)".

(1) الروض الأنف (4/ 183).
(2) البخاري، كتاب الجهاد، باب حمل الزاد في الغزو. (6/ 129 فتح).
(3) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة. (7/ 232 فتح).
(4) المصدر السابق.
(5) فتح الباري (7/ 237).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

قصة تحكيم إبليس في دار الندوة

الهجرة النبوية الشريفة
قصة تحكيم إبليس في دار الندوة، مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية، حيث شاعت كثير من الروايات حول ما حدث في دار الندوة قبل هجرة الرسول، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ، فهل لهذه الروايات من أصل ؟ وما موقف العلماء منها ؟

قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "ولما رأت قريش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ... فحذروا خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة ... يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خافوه".

ثم قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما أجمعوا لذلك واتّعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها ... فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل .. (1) الخ.

وعلة هذا السند جهالة شيخ ابن إسحاق وقد سبق قول البيهقي (2): ابن إسحاق إذا لم يُسمِّ من حدثه فلا يُفرح به.

وقد أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق فقال: "حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمَّد بن إسحاق، قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ... (3)".

وفي سند الطبري سقطت الواسطة بين ابن إسحاق وابن أبي نجيح وصرَّح ابن إسحاق فيه بالتحديث عنه، لكن في هذا الإسناد علّة هي: أن شيخ الطبري هو: محمَّد بن حُميد بن حيان الرازي، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: (حافظ ضعيف) (4)، وكذّبه أبو زرعة والنسائي وابن وارة. وقال صالح بن محمَّد الأسدي: ما رأيت أحدًا أحذق بالكذب منه ومن الشاذكوني (5)، وذكره الذهبي في (الضعفاء والمتروكين) (6) وفي (الكاشف) وقال: "وثقه جماعة والأولى تركه (7)".

ومحمد بن حُميد هذا هو المتهم -والله أعلم- بتسوية إسناد ابن إسحاق عند الطبري.

وفي السند علة أخرى لكنها دون الأولى، وهي أن عبد الله بن أبي نجيح-وهو ثقة رمي بالقدر- ربما دلس، وقد عنعن هنا، قال يحيى بن سعيد وابن المديني: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد (8)، وقال ابن حبان: رواه عن مجاهد من غير سماع (9).

وأخرجه ابن سعد (10) من طريق الواقدي، وقد تقدم مرارًا أنه متروك على سعة علمه، وأخرجه عبد الرازق عن قتادة مرسلًا (11).

وهذه القصة لم أرَ -حسب علمي- من صحّح أسانيدها من أهل العلم، على أنها مشهورة في كتب السيرة، لكن الشهرة لا تغني عن صحة الإسناد.

ومال الدكتور سليمان السعود إلى تقوية القصة بأمور ثلاثة:
1 - أن لها أصلًا في كتاب الله في قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30]، وبهذه القصة فسرها الطبري.
2 - أنها وردت من عدة طرق يشد بعضها بعضًا.
3 - شهرة هذه القصة واستفاضتها عند أئمة السير (12) ا. هـ.

وقال الشيخ محمَّد الصادق عرجون -رحمه الله- عن هذه القصة ومشاركة إبليس إنه ضرب من الخيال المجنون: "لأنه لم يثبت فيه خبر صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان ما جاء فيه رواية مرسلة عن ابن عباس لم يثبت لها سند يمكن التشبث به والاعتماد عليه .. (13)".

وتعقبه الدكتور مهدي رزق الله بقوله: "قلت: جاءت القصة بطريق صحيح عن [عند] ابن إسحاق والطبري إضافة إلى أن ابن إسحاق والزهري والواقدي وابن سعد والأموي من أئمة المغازي والسير، واتفقوا على ذكر القصة مما يدل أن لها أصلًا، خاصة حديثهم -إذا استثنينا قصة النجدي- ورد مضمونه في أحاديث صحيحة، مثل الأحاديث التي وردت في تفسيير الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...} (14)".

تعقيب
وهذا التعقب يحتاج إلى تعقب، فالقول بأن هذه القصة جاءت من طريق صحيح، غير صحيح وقد سبق أن الرواية لهذه القصة إما من طريق الواقدي وهو متروك، أو من طريق ابن إسحاق وفيه جهالة شيخه، وما ذكر من أن ابن إسحاق قد صرح بالسماع في رواية الطبري لا يفيد لأن شيخ الطبري كما سبق كذّبه العلماء وهو -والله أعلم- المتّهم بتسوية السند، وكل ذلك قد مرّ قريبًا.

وروى ابن إسحاق قصة في حصار بيته -صلى الله عليه وسلم- للفتك به، فقال: "فحدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القُرظي قال: لما اجتمعوا له، وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جُعلت لكم نار تحرقون فيها.

قال: وخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك، أنت أحدهم. وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ....} إلى قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} حتى فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا قد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممّن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا؟ قالوا: محمدًا، قال: خيبكم الله: قد والله خرج عليكم محمَّد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا قد وضع على رأسه ترابًا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون، فيرون عليًا على الفراش متسجيًا ببُرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: والله إن هذا لمحمدًا نائمًا عليه بُرده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي - رضي الله عنه - عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا (15)".

وهذا إسناد مرسل، وقد أشار إلى ضعفها الدكتور أكرم العمري (16)، والدكتور سليمان السعود (17)، ولهذا لم يعرِّج أكثر أئمة التفسير إلى ذكر هذه الأحاديث عند تفسيرهم للآيات السابقة من سورة يّس، مع عنايتهم بذكر سبب النزول، كالطبري والقرطبي وابن الجوزي والزمخشري، وأوردها ابن كثير نقلًا عن ابن إسحاق، بل ذكر أكثرهم سببًا آخر للنزول لم يثبت هو الآخر.

واعلم أن في قصة الهجرة تساؤلات كثيرة، ففي صحيح البخاري في حديث الهجرة عن عائشة - رضي الله عنها: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، وهي ساعة لم يكن يأتيه فيها، وأخبره بأنه قد أُذن له في الخروج، قالت: فجهزناهما أحثَّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب ... ثم لحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال (18)".

فمتى حاصر المشركون بيته؟ -على القول بصحة القصة- هل كان قبل ذهابه إلى بيت أبى بكر؟ فأين قضى -صلى الله عليه وسلم- هذا الوقت الذي استغرق ليلة ونصف نهار قبل أن يذهب إلى بيت صاحبه الصديق - رضي الله عنه -؟ أو كان بعد عودته من بيت أبي بكر وإخباره له بالهجرة؟ وهذا لا يستقيم مع رواية البخاري، فإن ظاهرها أن التوجه إلى الغار كان من بيت أبي بكر.

ومن هذه التساؤلات: متى تم استئجار ابن أريقط؟ ومنها: - على القول بصحة الحصار -أين كان بنو هاشم عن هذه المؤامرة؟ ولماذا سكتوا عنها؟ ولم يُسمع لهم فيها بأدنى ذكر؟ صحيح أن أبا طالب قد مات، لكن ذلك لا يعني عدم وجود آخرين من بني هاشم تأخذهم الحمية والأنفة لابن أخيهم، وعلى رأس الهاشميين العباس بن عبد المطلب وهو الذي قد رافق -وكان لا يزال مشركًا- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لقائه بالآنصار في بيعة العقبة الثانية، بل وبدأ بالحديث حينها، وبيّن للحاضرين أن ابن أخيه في عزّ ومنعة من قومه، لكنه أبى إلا الانحياز إليهم، ثم تثبّت منهم إن كانوا صادقين في بيعتهم. ثم كيف علمت قريش بموعد هجرته -صلى الله عليه وسلم- حتى تقوم بمثل هذه الأمور؟ إلى غير ذلك من الإشكالات وقد أشار الشيخ محمَّد عرجون -رحمه الله- إلى كثير من هذه التساؤلات (19).

فائدة
أخرج البيهقي في سننه (6/ 289) من طريق ابن إسحاق: "وأقام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- ثلاث ليالٍ وأيامها -يعني بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه- حتى أدى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم".
قال ابن حجر: رواه ابن إسحاق بسند قوي (التلخيص 3/ 112) وحسنه الألباني (إرواء الغليل 5/ 384 رقم 1546).

(1) الروض الأنف (4/ 176).
(2) في قصة الفحل الذي عرض لأبي جهل.
(3) تاريخ الطبري (1/ 566).
(4) تقريب التهذيب (2/ 156).
(5) تهذيب التهذيب، وفيه: "قال إسحاق بن منصور الكوسج قرأ علينا محمَّد بن حميد كتاب المغازي عن سلمة، فقضى أني صرتُ إلى علي بن مهران فرأيته يقرأ كتاب المغازي عن سلمة فقلت له: قرأ علينا محمَّد بن حميد، قال: فتعجب علي وقال: سمعه محمَّد بن حميد مني" (9/ 129).
(6) 2/ 289.
(7) 3/ 32.
(8) تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 231 و 240).
(9) تهذيب التهذيب (6/ 54).
(10) الطبقات الكبرى (1/ 227)،
(11) المصنف، كتاب المغازي (5/ 389).
(12) أحاديث الهجرة جمع وتحقيق ودراسة، مركز الدراسات الإِسلامية، برمنجهام، بريطانيا، الطبعة الأولى، 1411 هـ، ص 114. والكتاب رسالة ماجستير
(13) محمَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، منهج ورسالة، بحث وتحقيق. دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1405 هـ (2/ 498).
(14) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، الطبعة الأولى 1412 هـ، مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، ص 265.
(15) الروض الأنف (4/ 178 و 179).
(16) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 207).
(17) أحاديث الهجرة ص 111.
(18) البخاري (7/ 230)
(19) محمَّد رسول الله. (2/ 498) وما بعدها.
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

عمر بن الخطاب
تعد هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه علنا من القصص المشهورة في كتب السيرة وعلى ألسنة بعض العلماء، مع أنها لم تثبت من طرق صحيحة، فما هو الصحيح في هجرة عمر بن الخطاب ؟

ومما اشتهر أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أراد أن يهاجر من مكة إلى طيبة الطيبة، تقلّد سيفه ومضى قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت، ثم أتى المقام فصلى، ثم وقف فقال: "شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يُثكل أُمّه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي (1)".

قال الألباني رحمه الله في رده على البوطي الذي نقل هذه القصة عن ابن الأثير: "جزمه بأن عمر رضي الله عنه هاجر علانية اعتمادًا منه على رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه المذكورة، وجزمه بأن عليًا رواها ليس صوابًا؛ لأن السند بها إليه لا يصح، وصاحب أسد الغابة لم يجزم أولًا بنسبتها إليه رضي الله عنه وهو ثانيًا قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته، ولينظر فيه من كان من أهل العلم، وقد وجدتُ مداره على الزبير بن محمَّد بن خالد العثماني: حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله الأيلي) عن أبيه بإسناده إلى علي. وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين، فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا .. (2)" ا. هـ كلام الألباني.

وذكرها الصالحي (3) معزوة إلى ابن السّمان في الموافقة. وعزاها أبو تراب الظاهري (4) إلى ابن عساكر وابن السمان.

وقال الدكتور أكرم العمري: "وأما ما روي من إعلان عمر الهجرة وتهديده من يلحق به فلم يصح (5)".

وشجاعة الفاروق عمر رضي الله عنه لا تُجهل. لكن الكلام هنا على سند القصة. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشجع الناس هاجر وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه متخفّيَيْن عن أعين المشركين، فليس في هذا ما يعيب، بل هو من بذل الأسباب، ومن تمام التوكل على الله.

وقد روي البخاري رحمه الله عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يُقرئون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر رضي الله عنهم . ثم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... (6)".

بل قد أخرج ابن إسحاق ما يدل على أن هجرة عمر -رضي الله عنه- كانت سرًا فقال: "حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "اتّعدتُ لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التّناضب من أضاة بني غِفَار (*) فوق سَرِف، وقلنا: أيُّنا لم يُصبح عندها فقد حُبس، فليمض صاحباه. قال: فأصبحتُ أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحُبس عنا هشام، وفُتن فافتتن .. (7)" الحديث. وصحّحه ابن حجر (8) وحسّن إسنادها: الوادعي (9)، وسلمان العودة (10).

والجمع بين رواية ابن إسحاق هذه، ورواية البخاري أن عمر قدم في عشرين من الصحابة: أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم التقي بعضهم ببعض في الطريق دون ترتيب مسبق، فيما يظهر. والله أعلم.

(1) أُسد الغابة في معرفة الصحابة (4/ 58).
(2) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 43.
(3) سُبل الهدى والرشاد (5/ 225).
(4) الأثر المقتفى لهجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ص 106.
(5) السيرة النبوية الصحيحة (1/ 206).
(6) البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة (7/ 259 فتح)
(*) قال السُّهيلي: أضاة بن غفار على عشرة أميال من مكة، والأضاة الغدير. (الروض الأنف 4/ 190).
(7) الروض الأنف (4/ 170).
(8) الإصابة (3/ 572)، وحسنه في مختصر زوائد البزّار (2/ 14 - 13).
(9) الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (2/ 108)
(10) الغرباء الأولون (1/ 117).
 
رد: صحح تاريخك- متجدد

السلام عليكم

عام الحزن

عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بعام الحزن، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأبي طالب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة، وذكروا أنه صلى الله عليه وسلم لشدة حزنه سمى هذا العام عام الحزن. فهل صح ذلك؟

تسمية عام الحزن
لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة، بل ولا الضعيفة، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كسيرة ابن إسحاق وشرحها للسهيلي، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كابن القيم والذهبي وابن كثير، ولا غيرهم من شرّاح الأحاديث كالنووي و ابن حجر رحمهم الله، قال الشيخ الساعاتي رحمه الله في الفتح الرباني: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي ذلك العام عام الحزن كذا في المواهب اللدنية (1)".

وقال الشيخ الألباني في تعقيبه على البوطي في قوله: (ولقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العام (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة) قال رحمه الله: "من أي مصدر من المصادر الموثوقة أخذ الدكتور هذا الخبر؟ وهل إسناده -إن كان له إسناد- مما تقوم به الحجة؟ فإني بعد مزيد البحث لم أقف عليه ...

والمصدر الوحيد الذي رأيته قد أورده إنما هو القَسطَلاّني في المواهب اللدنية فلم يزد على قوله: (فيما ذكره صاعد) وصاعد هذا هو ابن عبيد البجلي كما قال الزرقاني في شرحه عليه فما حال صاعد هذا؟ إنه مجهول لا يُعرف، ولم يوثقه أحد، بل أشار الحافظ (*) إلى أنه ليّن الحديث إذا لم يتابع، كما هو حاله في هذا الخبر. على أن قول القسطلاني: (فيما ذكره صاعد) يُشعر أنه ذكره معلقًا بدون إسناد فيكون معضلًا، فيكون الخبر ضعيفًا لا يصح، حتى ولو كان صاعد معروفًا بالثقة والحفظ، وهيهات هيهات (2)". ا. هـ كلام الألباني.

ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب .. " الحديث (3).

وفي قصة بعثه صلى الله عليه وسلم سبعين رجلًا من أصحابه يُسَمَّون بالقرّاء إلى أحياء من سُليم فقتلوهم، قال أنس رضي الله عنه" فما رأيته وَجَد على أحدٍ ما وجد عليهم (4)، حتى كان من شدة حزنه صلى الله عليه وسلم عليهم أنه مكث شهرًا كاملًا يدعو على قاتليهم، قال أنس رضي الله عنه "دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا حين يدعو على رِعْل ولحيان وعُصيّة عصت الله ورسوله (5)".

وكانت هذه الحادثة المؤلمة التي قُتل فيها سبعون رجلًا، من الصحابة من قرّائهم قد وقعت في أوائل العام الرابع للهجرة، وسبقها بفترة قصيرة حادثة أخرى تُعرف بماء الرجيع لعشرة من الصحابة منهم: خبيب بن عدي وعاصم بن ثابت وزيد بن الدثنة ومرثد بن أبي مرثد وغيرهم رضي الله عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد أصيبوا في شوال من العام الثالث للهجرة (غزوة أحد) باستشهاد سبعين رجلًا كان منهم: حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، وعبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر)، واليمان (والد حذيفة)، وعبد الله بن جبير أمير الرماة يومها، وغيرهم رضي الله عنهم بل شُجّ رأسه صلى الله عليه وسلم وكُسِرت رَباعيته ودمي وجهه الشريف (6).

كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا رضي الله عنهم ولم يُنقل أنه صلى الله عليه وسلم على شدة حزنه سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه.

(1) الفتح الرباني (20/ 226).
(*) ابن حجر، حيث قال في التقريب عن صاعد: "مقبول". وقد نص في مقدمة التقريب على أن من وصفه بأنه مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فليّن الحديث. (1/ 5).
(2) دفاع عن الحديث والسيرة ص 18.
(3) البخاري، كتاب الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (6/ 312 فتح)، مسلم (12/ 154 نووي).
(4) البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب دعاء الإِمام على من نكث عهدًا (6/ 272 فتح).
(5) البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة .. (7/ 389 فتح).
(6) مسلم، كتاب الجهاد والسيرة، غزوة أحد (12/ 148 نووي).
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top