اعلامنا - متجدد

السلام عليكم

في دار الحديث النورية:
وبقي ابن عساكر رحمه الله منكبا على التأليف والتصنيف والتدريس، وحملت مكانته الرفيعة الملك العادل نور الدين زنكي (ت 569هـ /11733م) على العناية به، فبنى له دار الحديث النورية، وانصرف ابن عساكر إلى التدريس فيها حتى وفاته، غير متطلع إلى زخرف الدنيا ولا ناظر إلى محاسن دمشق ونزهها، بل لم يزل مواظبا على خدمة السنة والتعبد باختلاف أنواعه: صلاة وصياما واعتكافا وصدقة ونشر علم وتشييع جنائز وصلات رحم إلى حين قبض.

مكانة أبي القاسم بن عساكر وما قيل فيه:
يقول السبكي: هو الشيخ الإمام، ناصر السنة وخادمها وقامع جند الشيطان بعساكر اجتهاده وهادمها، إمام أهل الحديث في زمانه وختام الجهابذة الحفاظ، ولا ينكر أحد منه مكانة مكانه، محط رحال الطالبين وموئل ذوي المهم من الراغبين، الواحد الذي أجمعت عليه الأمة والبحر الذي لا ساحل له.

ويقول ابن خلكان: كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره. قال سعد الخير: ما رأيت في سن ابن عساكر مثله. وقال شيخه الخطيب أبو الفضل الطوسي: ما نعرف من يستحق هذا القلب سواه (يعني لفظة الحافظ).

وقال فيه الشيخ النووي: هو حافظ الشام بل هو حافظ الدنيا الإمام مطلقا الثقة الثبت. وقال ابن الدبيثي: أحد من اشتهر ذكره وشاع علمه وعرف حفظه وإتقانه. وقال أيضا: أبو القاسم ختم به هذا الشأن ولم يخلف بعده في الحديث مثله ولا أرى مثل نفسه في معرفة الحديث ومعرفة رجاله. وقال الذهبي في السير: وبلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نفذ من استعار له شيئا من تاريخ دمشق، فلما طالعه انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع -رحم الله الجميع.

من ألقاب ابن عساكر:
تعددت ألقاب الحافظ ابن عساكر رحمه الله، ومنها: ثقة الدولة، وصدر الحفاظ، وناصر السنة، وجمال السنة، والثقة. وجميعها تؤكد مكانته وعلمه وثقة العلماء والناس بحديثه وروايته. أما لقبه: "ابن عساكر" فيقول السبكي: ولا نعلم أحدا من جدوده يسمى عساكر، وإنما هو اشتهر بذلك. يقول الذهبي في السير: فعساكر لا أدري لقب من هو من أجداده أو لعله اسم لأحدهم. وأول من أثبت هذا اللقب ابن الجوزي، قال: علي بن الحسن بن هبة الله أبو القاسم الدمشقي المعروف بابن عساكر.

من شعر ابن عساكر:

وللحافظ أبي القاسم بن عساكر شعر كثير، قلما أملى مجلسا إلا ختمه بشئ من شعره، من أشعاره:

ألا إن الحديـــــــث أجل علم *** وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كـل نــوع منه عندي *** وأحسنه الفوائد والأمالي
فإنك لــن ترى للعلم شيئا *** تحققه كأفواه الرجــــال
فكن يا صاح ذا حــرص عليه *** وخذه عن الشيوخ بلا ملال
ولا تأخذه من صــحـف فترمى *** من التصحيف بالداء العضال

ومن شعر الحافظ أبي القاسم بن عساكر أيضًا:

أيا نفس ويحك جاء المشيب *** فماذا التصابي وماذا الغزل
تولى شبابي كأن لم يــــكن *** وجاء مشيبي كأن لم يزل
كأني بنفسي على غـــــــرة *** وخطب المنون بها قد نزل
فياليت شعري ممن أكون *** ومــــا قدر الله لي بالأزل

وفاة ابن عساكر:
توفي ابن عساكر رحمه الله في ليلة الاثنين حادي عشر شهر رجب سنة 571هـ / 1176م، وعندما حضرته الوفاة سار السلطان صلاح الدين الأيوبي في جنازته، وصلَّى عليه القطب النيسابوري، ودفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير، شرقي الحجرة التي فيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

قال العماد الأصفهاني: "وكان الغيث قد احتبس في هذه السنة، فدر وسمح عند ارتفاع نعشه، فكأن السماء بكت عليه بدمع وبله وطشّه".

المصادر والمراجع:
- عمرو بن غرامة العمروي: مقدمة تحقيق كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415هـ / 1995م.
- ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ / 1992م.
- ياقوت الحموي: معجم الأدباء، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1414هـ / 1993م.
- ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر – بيروت.
- السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو
الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413هـ.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط
الناشر : مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405هـ / 1985 م.
- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1986م.
- صلاح الدين المنجد: المجلدة الأولى من تاريخ تدمشق.
 
السلام عليكم

في دار الحديث النورية:
وبقي ابن عساكر رحمه الله منكبا على التأليف والتصنيف والتدريس، وحملت مكانته الرفيعة الملك العادل نور الدين زنكي (ت 569هـ /11733م) على العناية به، فبنى له دار الحديث النورية، وانصرف ابن عساكر إلى التدريس فيها حتى وفاته، غير متطلع إلى زخرف الدنيا ولا ناظر إلى محاسن دمشق ونزهها، بل لم يزل مواظبا على خدمة السنة والتعبد باختلاف أنواعه: صلاة وصياما واعتكافا وصدقة ونشر علم وتشييع جنائز وصلات رحم إلى حين قبض.

مكانة أبي القاسم بن عساكر وما قيل فيه:
يقول السبكي: هو الشيخ الإمام، ناصر السنة وخادمها وقامع جند الشيطان بعساكر اجتهاده وهادمها، إمام أهل الحديث في زمانه وختام الجهابذة الحفاظ، ولا ينكر أحد منه مكانة مكانه، محط رحال الطالبين وموئل ذوي المهم من الراغبين، الواحد الذي أجمعت عليه الأمة والبحر الذي لا ساحل له.

ويقول ابن خلكان: كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره. قال سعد الخير: ما رأيت في سن ابن عساكر مثله. وقال شيخه الخطيب أبو الفضل الطوسي: ما نعرف من يستحق هذا القلب سواه (يعني لفظة الحافظ).

وقال فيه الشيخ النووي: هو حافظ الشام بل هو حافظ الدنيا الإمام مطلقا الثقة الثبت. وقال ابن الدبيثي: أحد من اشتهر ذكره وشاع علمه وعرف حفظه وإتقانه. وقال أيضا: أبو القاسم ختم به هذا الشأن ولم يخلف بعده في الحديث مثله ولا أرى مثل نفسه في معرفة الحديث ومعرفة رجاله. وقال الذهبي في السير: وبلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نفذ من استعار له شيئا من تاريخ دمشق، فلما طالعه انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع -رحم الله الجميع.

من ألقاب ابن عساكر:
تعددت ألقاب الحافظ ابن عساكر رحمه الله، ومنها: ثقة الدولة، وصدر الحفاظ، وناصر السنة، وجمال السنة، والثقة. وجميعها تؤكد مكانته وعلمه وثقة العلماء والناس بحديثه وروايته. أما لقبه: "ابن عساكر" فيقول السبكي: ولا نعلم أحدا من جدوده يسمى عساكر، وإنما هو اشتهر بذلك. يقول الذهبي في السير: فعساكر لا أدري لقب من هو من أجداده أو لعله اسم لأحدهم. وأول من أثبت هذا اللقب ابن الجوزي، قال: علي بن الحسن بن هبة الله أبو القاسم الدمشقي المعروف بابن عساكر.

من شعر ابن عساكر:

وللحافظ أبي القاسم بن عساكر شعر كثير، قلما أملى مجلسا إلا ختمه بشئ من شعره، من أشعاره:

ألا إن الحديـــــــث أجل علم *** وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كـل نــوع منه عندي *** وأحسنه الفوائد والأمالي
فإنك لــن ترى للعلم شيئا *** تحققه كأفواه الرجــــال
فكن يا صاح ذا حــرص عليه *** وخذه عن الشيوخ بلا ملال
ولا تأخذه من صــحـف فترمى *** من التصحيف بالداء العضال

ومن شعر الحافظ أبي القاسم بن عساكر أيضًا:

أيا نفس ويحك جاء المشيب *** فماذا التصابي وماذا الغزل
تولى شبابي كأن لم يــــكن *** وجاء مشيبي كأن لم يزل
كأني بنفسي على غـــــــرة *** وخطب المنون بها قد نزل
فياليت شعري ممن أكون *** ومــــا قدر الله لي بالأزل

وفاة ابن عساكر:
توفي ابن عساكر رحمه الله في ليلة الاثنين حادي عشر شهر رجب سنة 571هـ / 1176م، وعندما حضرته الوفاة سار السلطان صلاح الدين الأيوبي في جنازته، وصلَّى عليه القطب النيسابوري، ودفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير، شرقي الحجرة التي فيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

قال العماد الأصفهاني: "وكان الغيث قد احتبس في هذه السنة، فدر وسمح عند ارتفاع نعشه، فكأن السماء بكت عليه بدمع وبله وطشّه".

المصادر والمراجع:
- عمرو بن غرامة العمروي: مقدمة تحقيق كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415هـ / 1995م.
- ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ / 1992م.
- ياقوت الحموي: معجم الأدباء، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1414هـ / 1993م.
- ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر – بيروت.
- السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو
الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413هـ.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط
الناشر : مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405هـ / 1985 م.
- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1986م.
- صلاح الدين المنجد: المجلدة الأولى من تاريخ تدمشق.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top