كن مستقلا عن الوسط الخارجي - الجزء 4

irised7

:: عضو منتسِب ::
إنضم
30 ديسمبر 2017
المشاركات
20
نقاط التفاعل
43
النقاط
8
محل الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الجزء الثالث
https://www.4algeria.com/forum/t/473524/

شعر بالعالم ضيقا لا يسعه ، و أسرع مهرولا في الغابة و دموعه المتلألئة تذروها الرياح ، لدرجة أنه نسي ما يحيط به و ما قد يلم به في الغابة من مخاطر ، ساقته قدماه إلى مكان معزول قليل العشب ، ضمّ نفسه بشدة و أخذ يبكي من اليأس و الضعف ، و كل الأفكار السلبية تراوده ، و كل ما ينتقص من عزمه و يزيده استسلاما يحيط بتفكيره .
بقي كذلك لبضع دقائق ثم بدأ الهدوء يخيم عليه شيئا فشيئا ، و ذهنه الشارد يجد مساره شيئا فشيئا ، كان رأسه مطأطأ ، و عيناه لا تريان بوضوح ، لكنهما كانتا تتبعان مسار شيء أسود يتحرك في الأرض من غير أن يعي ذلك ، و مع تخييم الهدوء عليه ، بدأ الوعي يعي و بدأت الصورة تتضح .

إنها نملة صغيرة كانت تروح هنا و هناك ، من غير كلل أو ملل ، تدخل لغارها الصغير ، فتلبث يسيرا ثم تعيد الخروج ساعية لمكان ما , تجرُّ شيئا ما بصعوبة , لكن من دون كسل .
مع صفاء نظَره و ذِهنه تماما ، بدأ يلاحظ تفاصيل المشهد ، كانت تلك النملة تسعى لرزقها ، رغم صغر حجمها ، و كبر حملها لم تيأس أمام عنائها و لم تَمِل نفسُها للراحة ، و بعد لحظات حصل أنها حاولت أن تدفع حبة ذرة ضخمة ، بقيت تدور حولها ، تدفعها من هنا و هناك ، تحفر التراب من تحتها لتدحرجها ، لم تترك طريقة تقدر عليها لم تجربها لبلوغ هدفها ، نجحت في تحريكها لمسافة يسيرة ، و إذا بنملات أخرى تذهب نحوها لتساعدها على ذلك ، اجتمع النمل حول حبة الذرة و تعاونوا على دحرجتها ، و رغم بطئ العملية إلا أن الأهم هو أنهم لم يتقاعسوا و فعلوا ما بوسعهم فكانت النتائج قليلة و العبرة عظيمة .

كان هذا المشهد بمثابة الدرس ، فتح النسر الصغير عيناه البراقتان ، و أحس بموجة باردة تجتاح عقله و تحرره من قيده و ضيقه ، ابتسم ابتسامة خفية و قال لنفسه
" نعم هذه هي ، أنا لم أحاول حتى أيأس ، و لم أفعل ما بوسعي حتى اتذمر من غياب النتائج ، و لم أطلب يد العون حتى أتهم العالم بظُلمي "

انبعث النسر الصغير من جديد و عاد الأمل يدِبّ بداخله , عزم مرة أخرى على السعي لاسترجاع ذاته و بذْلِ أقصى ما يستطيع في سبيل بلوغ مبتغاه .

" حسنا الخطوة الأولى هي تعلّم الطيران , و فَكُّ التِحام هاذان الجناحان , حان الوقت ليصيرا نافعين " قال النسر متمتِما .
ذهب صوب ربوةٍ قرب الجبل مسرعا , و هو يمسح الدمع عن وجنتيه , و الإندفاع و الثقة يعتريانه . صعد بعزم , و استعد بثبات , استجمع قِواه و أخذ نفسا عميقا , و جرى بكل قوته ثم قفز في الهواء مرفرفا بجناحيه رفرفة من لم يرفرف بهما من قبل , حركات عشوائية و تصلٌب عضلي , استطاع البقاء في الهواء لبضع ثوان رغم كل ذلك الجهد الذي كان يبذله , كان يصارع الجاذبية و يحاول التماسك لكنه فقد السيطرة و سقط أسفل الربوة .
كان سقوطا مؤلما بالنسبة لمحاولة أولى , بقي ساكنا لوهلة , عيناه مغمضتان و رأسه ملتصق بالتراب كالمغشي عليه , حتى أنه لو مرّ به أحد لظنّه جيفة ملقاة وسط الغابة .
مكث طويلا على تلك الحال , ثم فتح عيناه المليئتين بالأمل و نهض مبتسما و هو ينفض التراب عن ريشه , نظر إلى السماء نظرة طَموحٍ يقصد العُلى و عيناه تقولان " اليوم تلّة و بضع ثوان , و غدا سماءٌ من غير أوَان "


______________ يتبع
 
السلام عليكم
اجل يجب على كل واحد فينا ان يبحث عن مواطن القوة بداخله ،وينميها ولو بعد عشرات المحاولات سينجح في النهاية اكيد
متابع للقصة
بارك الله فيك
احترامي وتقديري
 
السلام عليكم
اجل يجب على كل واحد فينا ان يبحث عن مواطن القوة بداخله ،وينميها ولو بعد عشرات المحاولات سينجح في النهاية اكيد
متابع للقصة
بارك الله فيك
احترامي وتقديري

و فيك بارك الله , شكرا على المتابعة , احتراماتي
 
أسلوب جميل للسرد ، وأمل أجمل في التغيير...
في المتابعة دوماً...
تحياتي
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top