القاهرة تراهن على «ناتو عربي» لحماية الأمن القومي العربي
مصر تعيد طرح مشروع «القوة العربية المشتركة» في ظل تصاعد التوتر مع إسرائيل، وسط اتصالات عربية ودولية مكثفة لتنسيق المواقف. القاهرة تسعى لقيادة قوة عسكرية شبيهة بـ«الناتو» تضم عشرات الآلاف من الجنود، مع تجنّب تحولها إلى إعلان حرب مباشرة على تل أبيب.
في خضمّ التوترات المتصاعدة في المنطقة، عادت مصر إلى إحياء مشروع «القوة العربية المشتركة»، في خطوة تعكس رغبتها في إعادة ترتيب البيت العربي وتوظيف اللحظة السياسية الراهنة لصالحها. هذا الطرح، الذي يعود أصله إلى مبادرة مصرية قبل نحو عشر سنوات، يتجدّد اليوم مع اشتداد الأزمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، لكنه لا يُقدَّم بصفته إعلان مواجهة مفتوحة مع تل أبيب، بل كآلية لتعزيز التنسيق الدفاعي وحماية الأمن القومي العربي.
تأتي هذه المبادرة في ظل فتور واضح في العلاقات المصرية – الإسرائيلية. فالقاهرة، وفق مصادر دبلوماسية، قلّصت في الأيام الأخيرة مستوى تواصلها مع تل أبيب إلى الحد الأدنى، وحصرت الاتصالات في مسائل إنسانية تتعلق بترتيب دخول المساعدات إلى قطاع غزة. هذا التراجع دفع واشنطن إلى التدخل لنقل بعض الرسائل بين الجانبين، في مشهد يعكس حجم الهوة التي أحدثها الهجوم الإسرائيلي على قطر في علاقات القاهرة وتل أبيب.
إلى جانب ذلك، تكثّف مصر تنسيقها مع السعودية وفرنسا بهدف ممارسة ضغوط دبلوماسية إضافية على إسرائيل. وقد ظهر الموقف المصري بوضوح خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة، حين استخدم مندوب القاهرة لغة حادة في إدانة استهداف قيادات المقاومة في الدوحة. هذا التوجه المصري يتقاطع مع الموقف القطري الذي يدعو إلى تصعيد الرد العربي، ومع المداولات السعودية الرامية إلى بلورة موقف أكثر صرامة.
في المقابل، برز الموقف الإماراتي الذي حمل بعض التلميحات إلى إمكانية إعادة النظر في اتفاقيات «أبراهام»، إذا ما أقدمت إسرائيل على خطوات رسمية لضم الضفة الغربية.
أما على المستوى الاستراتيجي الأوسع، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يسعى إلى إعادة طرح فكرة «الناتو العربي» الذي يضمن استعداداً جماعياً لمواجهة أي عدوان على دولة عربية. وقد عُرض هذا المقترح مجدداً في الاتصالات الدبلوماسية الجارية تحضيراً للقمة العربية – الإسلامية المرتقبة في الدوحة، حيث تراهن القاهرة على الحصول على دعم عملي يترجم المشروع إلى واقع.
مع ذلك، يدرك المسؤولون المصريون أن الطريق إلى تنفيذ المبادرة ليس سهلاً. فهناك عوائق جوهرية تتعلق بتحديد توقيت التدخل العسكري وآليات اتخاذ القرار، إضافة إلى حساسية التوازنات السياسية بين الدول العربية. فالقاهرة تطرح أن تُبنى القوة المشتركة على أساس يراعي الوزن الديمغرافي والعسكري لكل دولة، مع توزيع للمناصب القيادية يضمن لها موقع القيادة الأولى، مقابل منح المنصب الثاني للسعودية أو لإحدى دول الخليج.
في هذا السياق، اقترح اللواء سمير فرج مشاركة نحو 20 ألف مقاتل من الجيش المصري في القوة المرتقبة، على أن يتولى قيادتها رئيس أركان الجيش المصري أو ضابط رفيع برتبة فريق. وتطمح القاهرة من خلال ذلك إلى تسريع عملية تحديث جيشها وتزويده بأحدث المنظومات، تحت غطاء المشروع العربي المشترك.
المشاورات لا تزال جارية بين العواصم العربية، خصوصاً مع السعودية التي يُتوقع أن تكون المساهم الثاني الأكبر في القوة بعد مصر. ومع أن هناك توافقاً عاماً على أهمية المشروع، إلا أن دبلوماسيين مشاركين في النقاشات يحذّرون من خطورة أن يُفسَّر تشكيل القوة باعتباره إعلان حرب على إسرائيل، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام مواجهات عسكرية لا ترغب غالبية الدول العربية في الانخراط فيها حالياً.
وبينما تتقدم القاهرة بخطوات مدروسة في طرحها، يبقى التحدي الأبرز هو مدى استعداد العواصم العربية لتحويل المبادرة من مجرد فكرة سياسية إلى واقع عسكري ملموس، قادر على ملء الفراغ الأمني الذي تعيشه المنطقة منذ عقود.