ادت تصريحات باكستان بالدفاع عن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة إلى التداول بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتذكر العالم بالالتزام الأمني الذي يشكل جوهر التحالف بين باكستان والسعودية.
وتأتي هذه الضمانات، المتجذرة في عقود من التعاون العسكري، مرة أخرى إلى دائرة الضوء العالمية في وقت تهتز فيه منطقة الشرق الأوسط جراء الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على الدوحة، ما يثير تساؤلات حول مدى تعرض المواقع الاستراتيجية في المنطقة للخطر.
وترجع أصول هذا الالتزام إلى معاهدة الصداقة الموقعة بين باكستان والسعودية عام 1951، التي أرست أسس أحد أقدم التحالفات العسكرية في العالم الإسلامي.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، لم تقتصر باكستان على تدريب الكوادر العسكرية السعودية فحسب، بل نشرت قواتها أيضاً في المملكة لتعزيز دفاعاتها في اللحظات الحرجة.
خلال عملية عاصفة الصحراء 1990–1991، قامت باكستان بنشر وحدة بحجم فرقة في السعودية، مكلفة صراحةً بحماية المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة من التهديدات الإقليمية المحتملة.
وفي أعقاب الهجوم الإرهابي عام 2016 قرب المسجد النبوي، أكدت وزارة الخارجية الباكستانية دعمها الثابت “لسلامة وأمن ووحدة أراضي المملكة العربية السعودية”.
وفي نفس العام، انضمت باكستان إلى التحالف العسكري الإسلامي بقيادة السعودية والمكون من 34 دولة، لمواجهة الإرهاب والتهديدات غير المتماثلة، مما عزز وجود قواتها في العمليات المشتركة وأطر التدريب.
وبحلول عام 2018، كان أكثر من 1000 ضابط باكستاني متواجدين في السعودية لأغراض التدريب والاستشارات، بينما تلقى نحو 10,000 عنصر سعودي تدريباً متقدماً على يد مدربين باكستانيين منذ السبعينيات.
وشددت الزيارات رفيعة المستوى، بما في ذلك زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإسلام آباد عام 2019، على مكافحة الإرهاب وتحديث التسليح واستقرار المنطقة، موضحة أبعاد التحالف المتطورة في خضم مشهد خليجي مضطرب.
ويعكس انتشار هذا الموضوع على منصات التواصل الاجتماعي اليوم مشاعر الجمهور والمخاوف الاستراتيجية، حيث يشارك الآلاف منشورات مثل: “لدى باكستان اتفاق مع السعودية للدفاع عن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة إذا تعرضا لأي هجوم.”
وقال الدكتور أحمد قريشي، محلل دفاعي في إسلام آباد: “ضمان باكستان ليس مجرد اتفاق عسكري؛ بل هو رمز للوحدة في الأمة الإسلامية.”
وقد اكتسب هذا الدور الرمزي والعسكري أهمية جديدة مع تداعيات الضربة الإسرائيلية في الدوحة، التي هزت الأعراف الدبلوماسية وأظهرت مدى تعرض حتى أغنى عواصم الخليج للحروب عالية الدقة.
وأثبت الهجوم على الدوحة الطبيعة المتطورة للصراعات الإقليمية، حيث يمكن للأسلحة المتقدمة والطائرات بدون طيار والحروب الإلكترونية تجاوز الدفاعات الجوية التقليدية.
وبالنسبة للرياض، يوفر الاعتماد على باكستان ضماناً فريداً يتجاوز المعدات العسكرية، إذ يحمل الجيش الباكستاني المزوّد بأسلحة نووية ثقلاً رادعاً هائلاً في العالم الإسلامي، ويقدم مصداقية لا تضاهيها الضمانات الغربية.
ويرى المحللون أنه بينما تظل الولايات المتحدة الشريك الأمني الأساسي للسعودية، يمثل التزام باكستان بُعداً موازياً ذا طابع ديني عميق، مصمماً لردع الدول والجهات غير الحكومية على حد سواء عن التفكير في استهداف أمن المملكة.
ما يميز التزام باكستان عن أي تحالف آخر هو الرادع النووي الضمني الذي يحمله. فباكستان هي الدولة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة التي تمتلك أسلحة نووية، مع ترسانة تتجاوز 170 رأساً نووياً وأنظمة إطلاق متنوعة تتراوح بين صواريخ شاهين الباليستية إلى صواريخ الكروز “بابور”.
توفر هذه الترسانة درعاً نفسياً للمملكة العربية السعودية، إذ تمنع الفاعلين على مستوى الدول من التفكير في الهجوم على الحرمين الشريفين، حتى في حال اختراق أنظمة الرياض التقليدية.
وعلى الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي، تكهنت مصادر استخبارات غربية منذ زمن طويل بأن السعودية قد تكون لديها تفاهمات مع باكستان للوصول إلى الردع النووي في السيناريوهات القصوى، وهو ادعاء تنفيه الحكومتان علناً.
تعزز هذه التكهنات عقود من الدعم المالي السعودي لميزانية الدفاع الباكستانية، ما دفع بعض المحللين لوصف الرياض بأنها “الممول الصامت” للبرنامج النووي في إسلام آباد.