التفصيل في عمل المرأة بين التحريم والتحليل

أم أُنٌَيسة

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
27 جويلية 2013
المشاركات
12,470
نقاط التفاعل
34,361
النقاط
2,256
الجنس
أنثى
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التفصيل في عمل المرأة
بين التحريم والتحليل


عناوين فرعية:


• أدلة شرعية.
• عمل المرأة بين أدلة الشرع ودعوات التحرر.
• الأضرار الناتجة عن خروج المرأة للعمل.
• فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين في حكم عمل المرأة.
• ضوابط خروج المرأة للعمل.
• خلاصة القول.


مقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمةً للعالمين، ومَحجة للسالكين، وحُجة على جميع المكلفين، أرسله على حين فترة من الرُّسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، هدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عُميًا وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصَح الأُمة، وكشَف الغُمة، وجاهد في الله حقَّ الجهاد، لا يرده عنه رادٌّ، ولا يصده عنه صادٌّ، حتى سارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، وبلَغ دينه القيِّم ما بلَغ الليل والنهار، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين صلاةً دائمة على تعاقُب الأوقات والسنين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.



وبعد:

فلا ريب أن الإسلام جاء بإكرام المرأة، والحفاظ عليها، وصيانتها عن ذئاب بني الإنسان، وحفظ حقوقها، ورفع شأنها؛ فجعلها شريكة الذَّكر في الميراث، وحرَّم وَأْدها، وأوجب استئذانها في النكاح، وجعل لها مطلق التصرف في مالها إذا كانت رشيدة، وأوجب لها على زوجها حقوقًا كثيرة، وأوجب على أبيها وقراباتها الإنفاق عليها عند حاجتها، وأوجب عليها الحجاب عن نظر الأجانب إليها؛ لئلا تكون سلعة رخيصة يتمتع بها كل أحد.



وإن مما ابتلينا به في الآونة الأخيرة ظهور مجموعة من الدعوات والصرخات التي تصيح بحرية المرأة، وضرورة مساواتها مع الرجل، وإطلاق العنان لها لتفعل ما تريد وتقول ما تريد، وكان من أبرز الإشكالات التي حظيت بجدل واسع في الأوساط الفكرية والاجتماعية الإسلامية: قضية عمل المرأة، أحلال هو أم حرام؟ وتكاثرت الكتب والمقالات والرسائل في هذا الباب، وأدلى فيه كل فريق بدلوه، ودافع فيه بحجته ومنطقه، كما حدث أن نزل إلى المعترك من ليس بأهل له، وخاض في هذا البحر من لا يجيد السباحة فضلاً عن ركوب الأمواج، فكان أن غرق البعض، ومرض البعض الآخر، ولم ينجُ من هذه الأمواج إلا القليل.



ومن بين كثرة ما قيل وألف في هذا الباب، أحببت أن أدبج رسالة صغيرة أجمع فيها فتات ما تناثر من هنا وهناك؛ لأن الموضوع محسوم سلفًا، ولا داعي لمزيد من الإطناب وشرح المشروح، فجاءت في نحو صفحات قليلة، أرجو الله أن يعم نفعها، وينالني بعض أجرها، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.

يتبع...
 
أدلة شرعية:

قال تعالى في سورة الأحزاب:
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53] الآية،
وقال سبحانه في السورة المذكورة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59]،
وقال تعالى في سورة النور:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾ [النور: 30، 31] الآية..
فقوله سبحانه: ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31] فسَّره الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بأن المراد بذلك الملابس الظاهرة؛ لأن ذلك لا يمكن ستره إلا بحرج كبير، وفسَّره ابن عباس رضي الله عنهما في المشهور عنه بالوجه والكفين، والأرجح في ذلك قول ابن مسعود؛ لأن آية الحجاب المتقدمة تدل على وجوب سترهما، ولكونهما من أعظم الزينة؛ فسترهما مهم جدًّا، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان كشفهما في أول الإسلام، ثم نزلت آية الحجاب بوجوب سترهما، ولأن كشفهما لدى غير المحارم من أعظم أسباب الفتنة، ومن أعظم الأسباب لكشف غيرهما، وإذا كان الوجه والكفان مزيَّنين بالكحل والأصباغ ونحو ذلك من أنواع التجميل، كان كشفهما محرَّمًا بالإجماع، والغالب على النساء اليوم تحسينهما وتجميلهما؛ فتحريم كشفهما متعيِّن على القولين جميعًا، وأما ما يفعله النساء اليوم من كشف الرأس والعنق والصدر والذراعين والساقين وبعض الفخذين، فهذا منكر بإجماع المسلمين، لا يرتاب فيه مَن له أدنى بصيرة، والفتنة في ذلك عظيمة، والفساد المترتب عليه كبير جدًّا، فنسأل الله أن يوفق قادة المسلمين لمنع ذلك والقضاء عليه، والرجوع بالمرأة إلى ما أوجب الله عليها من الحجاب والبُعد عن أسباب الفتنة، ومما ورد في هذا الباب قوله سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]،
وقوله سبحانه: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 60]؛
فأمر الله سبحانه النساء في الآية الأولى بلزوم البيوت؛ لأن خروجهن غالبًا من أسباب الفتنة، وقد دلت الأدلة الشرعية على جواز الخروج للحاجة مع الحجاب، والبُعد عن أسباب الريبة، ولكن لزومهن للبيوت هو الأصل، وهو خير لهن وأصلحُ وأبعد عن الفتنة، ثم نهاهن عن تبرج الجاهلية؛ وذلك بإظهار المحاسن والمفاتن، وأباح في الآية الثانية للقواعد - وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا - وَضْع الثياب، بمعنى عدم الحجاب، بشرط عدم تبرجهن بزينة، وإذا كان العجائز يُلزَمن بالحجاب عند وجود الزينة، ولا يسمح لهن بتركه إلا عند عدمها وهن لا يفتِنَّ، ولا مطمع فيهن - فكيف بالشابات الفاتنات؟!
ثم أخبر سبحانه أن استعفاف القواعد بالحجاب خير لهن، ولو لم يتبرجن بالزينة، وهذا كله واضح في حث النساء على الحجاب، والبُعد عن السفور وأسباب الفتنة.

يتبع...
 
عمل المرأة بين أدلة الشرع ودعوات التحرر:

إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط، سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح، بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة - أمر خطير جدًّا، له تبِعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها، والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها، ونحوه.



ومن أراد أن يعرف عن كَثَبٍ ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى، فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم - اختيارًا أو اضطرارًا - بإنصاف من نفسه، وتجرُّد للحق عما عداه، يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي، والتحسر على انفلات المرأة من بيتها، وتفكك الأسر، ويجد ذلك واضحًا على لسان الكثير من الكتَّاب، بل في جميع وسائل الإعلام، وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع، وتقويض لبنائه.



والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخَلوة بالأجنبية، وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله - أدلةٌ كثيرة، قاضية بتحريم الاختلاط؛ لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.



وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراجٌ لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها.



فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمرٌ خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره: الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع، ويهدم قيَمه وأخلاقه.



ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبًا خاصًّا يختلف تمامًا عن تركيب الرجال، هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها، والأعمال التي بين بنات جنسها.



ومعنى هذا:
أن اقتحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجًا لها عن تركيبها وطبيعتها، وفي هذا جناية كبيرة على المرأة، وقضاء على معنوياتها، وتحطيم لشخصيتها، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث؛ لأنهم يفقدون التربية والحنان والعطف؛ فالذي يقوم بهذا الدور هو الأم، وقد فُصلت منه، وعُزلت تمامًا عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها، وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول.



والإسلام جعل لكلٍّ من الزوجين واجبات خاصة، على كل واحد منهما أن يقوم بدوره؛ ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت، وفي خارجه.



فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد، والعطف، والحنان، والرضاعة، والحضانة، والأعمال التي تناسبها لتعليم الصغار والنساء، وإدارة مدارسهن، والتطبيب والتمريض لهن، ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء؛ فترك واجبات البيت من قِبل المرأة يعتبر ضياعًا للبيت بمن فيه، ويترتب عليه تفكك الأسرة حسيًّا ومعنويًّا، وعند ذلك يصبح المجتمع شكلاً وصورة لا حقيقة ومعنى.



قال الله جل وعلا: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]؛
فسنَّة الله في خلقه أن القِوامة للرجل بفضله عليها، كما دلت الآية الكريمة على ذلك، وأمرُ الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط، وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك؛ لأن اقتحام المرأةِ في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهيِّ عنه، وفي ذلك مخالفة لأمر الله، وتضييع لحقوقه المطلوبِ شرعًا من المسلمة أن تقوم بها.



والكتاب والسنَّة دلاَّ على تحريم الاختلاط، وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه؛ قال الله جل وعلا: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33، 34]،
فأمر الله أمهات المؤمنين - وجميعُ المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك - بالقرار في البيوت؛ لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد؛ لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرُّج، كما يفضي إلى شرور أخرى، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهنَّ عن الفحشاء والمنكر؛ وذلك بإقامتهن الصلاةَ، وإيتائهن الزكاة، وطاعتهن لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة؛ وذلك بأن يكنَّ على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنَّة النبوية المطهَّرة، اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب، ويطهرها من الأجراس والأنجاس، ويرشد إلى الحق والصواب،
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59]؛
فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام - وهو المبلغ عن ربه - أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين: يدنين عليهن من جلابيبهن؛ وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب، وذلك إذا أردن الخروج لحاجة مثلاً؛ لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب، فإذا كان الأمر بهذه المثابة، فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم، وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم، وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنًى وصورة.



قال الله جل وعلا: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 30، 31] الآيتين.



يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض النظر، وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم.



ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها - من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له؛ فاقتحامها هذا الميدان معه واقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غضُّ البصر، وإحصان الفرج، والحصول على زكاة النفس وطهارتها.



وهكذا أمَر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب، المتضمن ستر رأسها ووجهها؛ لأن الجيب محل الرأس والوجه، فكيف يحصل غضُّ البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير، كيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغضَّ بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما تقوم به؟

والإسلام حرَّم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة، وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال؛ لكونه يفضي إلى الطمع فيهن؛ كما في قوله عز وجل: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32]، يعني: مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟



ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها، ولا بد أن ترقق لهم الكلام، وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزيِّن ويحسِّن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البَرُّ والفاجر، والطاهر والعاهر؛ فالحجاب يمنع - بإذن الله - من الفتنة، ويحجز دواعيها، وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53] الآية.



وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو بيتها، وحرَّم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب؛ لئلا تعرِّض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر، وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة، مع لزوم الأدب الشرعي، وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارًا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة؛ ففيه استقرار لنفسها، وراحة لقلبها، وانشراح لصدرها؛ فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لِما لا تُحمَد عقباه، ونهى الإسلام عن الخَلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم، وعن السفر إلا مع ذي محرم، سدًّا لذريعة الفساد، وإغلاقًا لباب الإثم، وحسمًا لأسباب الشر، وحماية للنوعين من مكايد الشيطان؛
ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما تركتُ بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء))،
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أولَ فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).



وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرِك مغزاها إلا مَن نوَّر الله قلبه، وتفقَّه في الدِّين، وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوُّره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض، ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات، والجواب عن ذلك: أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليها ما يخشى عليهن من الفساد؛ لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن، وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر.



ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تمامًا عن الحالة التي خرجن بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو؛ فقياس هذه على تلك يعتبر قياسًا مع الفارق.



وأيضًا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا، وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم، وأقرب إلى التطبيق العملي لكتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما هو الذي نقل عنهم على مدار الزمن؟ هل وسَّعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها؟ أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟



وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة، أما ما يدعى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل، كالرجل - فهو لا يتعدى أن يكون وسيلةً لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود؛ لأن طبيعة الرجال إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأُنس والاستراحة إلى الحديث والكلام، وبعض الشيء يجر إلى بعض، وإغلاق الفتنة أحكمُ وأحزمُ وأبعدُ من الندامة في المستقبل.



فالإسلام حريص جدًّا على جلب المصالح، ودرء المفاسد، وغلق الأبواب المؤدية إليها، ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمَّة وفساد مجتمعها كما سبق؛ لأن المعروف تاريخيًّا عن الحضارات القديمة - الرومانية واليونانية ونحوهما -: أن مِن أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها خروجَ المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال، ومزاحمتهم، مما أدى إلى فساد أخلاق الرجال، وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي.. وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل، وخسران الأمَّة، وعدم انسجام الأسرة وانهيار صرحها، وفساد أخلاق الأولاد، ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبَر الله به في كتابه من قِوامة الرجل على المرأة، وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها؛ فمنَعها من تولي الولاية العامة؛ كرئاسة الدولة، والقضاء، وجميع ما فيه مسؤوليات عامة؛
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة))؛ رواه البخاري في صحيحه.



ففتحُ البابِ لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفًا لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها؛ فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل، وقد ثبت من التجارِب المختلفة - وخاصة في المجتمع المختلط - أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطريًّا ولا طبيعيًّا، فضلاً عما ورد في الكتاب والسنَّة واضحًا جليًّا من اختلافٍ في الطبيعتينِ والواجبينِ، والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف - المنشَّأِ في الحلية وهو في الخصام غيرُ مُبِين - بالرجال، يجهلون أو يتجاهَلون الفوارقَ الأساسية بينهما.



لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط واشتراك المرأة في أعمال الرجال ما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولكن نظرًا إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام علماء المسلمين - رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال الغرب والشرق بمضارِّ الاختلاط ومفاسده، لعلهم يقتنعون بذلك، ويعلمون أن ما جاء به دِينهم العظيم من منع الاختلاط هو عينُ الكرامة والصيانة للنساء، وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن.



قالت الكاتبة الإنجليزية اللايدي كوك:
(إن الاختلاط يألفه الرجال؛ ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة... إلى أن قالت: علموهن الابتعاد عن الرجال، أخبِروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد).



وقال شوبنهاور الألماني:
(قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علوِّ مجده وباذخ رفعته، وسهَّل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها).



وقال اللورد بيرون:
(لو تفكرت أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان، لوجدتها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة، ولرأيت معي وجوب شَغْلِ المرأة بالأعمال المنزلية، مع تحسن غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير).



وقال سامويل سمايلس الإنجليزي:
(إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزَّق الروابط الاجتماعية؛ فإنه يسلب الزوجة من زوجها، والأولاد من أقاربهم، فصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة؛ إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية، مثل: ترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل خالية، وأضْحَت الأولاد تشِب على عدم التربية، وتُلقى في زوايا الإهمال، وطفئت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والقرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرَّضة للتأثيرات التي تمحو غالبًا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة).



وقالت الدكتورة إيدايلين:
(إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة، فزاد الدخلُ وانخفض مستوى الأخلاق، ثم قالت: إن التجارِب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه).



وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي:
(إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقًّا إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة).



وقال عضو آخر:
(إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلُبْ منها أن تتركهم لتعمل في الخارج، بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال).



وقال شوبنهاور الألماني أيضًا:
(اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة، ولا تنسوا أنكم ستَرْثُون معي للفضيلة والعفة والأدب، وإذا مت فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة).



ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضارِّ الاختلاط، التي هي نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال - لطال المقال، ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة.

يتبع ...
 
الأضرار الناتجة عن خروج المرأة للعمل:

استمرارًا في نفس السياق الذي تحدثنا عنه في العنوان السابق، نود أن ندرج ها هنا بعض الأضرار التي تنجم عن خروج المرأة للعمل.



إهمال الأطفال من العطف والرعاية:

إذ لا شك أن عملية التربية تقوم على الحب والصدق، والملاحظة طول الزمن، وبدون ذلك لا تتحقق التربية، ومحاضن الرضع والأطفال عند الآخرين تظهر أنها لا تحقق للأطفال ما يتحقق لهم في بيوتهم؛ لأن المربية في المحضن مهما كانت على علم وتربية، فإنها لا تملِك قلب الأم، فلا تصبر، ولا تحرص، ولا تحب كما تفعل الأم، والمرأة العاملة تعود من عملها مرهقة متعبة، فلا تستطيع أن تتحمل أبناءها، وقد يدفعها ذلك إلى ضربهم ضربًا مبرحًا، حتى انتشرت في الغرب ظاهرة الطفل المضروب، وإن من أعظم وأخطر أضرار عمل المرأة على طفلها: الإهمالَ في تربيته، ومن ثم تهيئة الجو للانحراف والفساد، ولقد شاع في الغرب عصابات الإجرام من مدخني الحشيش والأفيون، وأرباب القتل والاغتصاب الجنسي، وأكثرهم نتاج للتربية السيئة، أو لإهمال الأبوين، وظهر من أحد البحوث التي أجريت على نساء عاملات أن هناك 22 أثرًا تتعلق بصحة الطفل، منها: الاضطرار إلى ترك الطفل مع من لا يرعاه، والامتناع عن إرضاع الطفل إرضاعًا طبيعيًّا، ورفض طلبات الأطفال في المساعدة على استذكار الدروس، وترك الطفل المريض في البيت أحيانًا، ومما يؤكد ذلك ما أشارت إليه عالمة غربية، حيث تقول: "من الأمور الجوهرية لصحة الطفل النفسية: أن تتفرغ الأم لطفلها الرضيع، وتمنحه معظم وقتها خلال السنتين الأُوليين من حياته على الأقل، إن ترك الطفل لساعات طويلة مع الأقارب، أو الجيران، أو في مركز من مراكز الرعاية النهارية، لا يضمن - دائمًا - تمتُّعه بالرعاية الدافئة الثابتة التي يحتاجها، ليس هناك شك في أن ظروفًا اقتصادية تضطر الأمهات لأن يخرجن للعمل، ولكن ينبغي أن تتلافى الأم - بقدر الإمكان - الخروج للعمل خلال السنتين أو السنوات الثلاث من عمر الطفل؛ فخلال عملي ومن خبرتي كنت أجد الأطفال ذوي المشاكل النفسية، هم الذين عانَوْا حرمانًا عاطفيًّا كبيرًا في طفولتهم المبكرة؛ بسبب غياب أمهاتهم الطويل في أعمالهن، ولا يخفى أن الأم بعد عودتها من عمل يوم طويل مُضنٍ في أشد حالات التوتر والتعب؛ مما يؤثر على تعاملها مع طفلها مزاجيًّا وانفعاليًّا"، فهل يوازي ما يخسره الأولاد من عطف الأمهات وعنايتهم ما تعود به الأم آخر النهار من دريهمات؟!



♦ إن المرأة التي تخرج إلى العمل في المجتمعات التي تخالط الرجال فيه - وقد تخلو بهم - يؤدي ذلك إلى أضرار على سُمعتها وأخلاقها، وقد تمت الإشارة إلى ذلك أثناء الحديث عن المضايقات الجنسية للمرأة العاملة.



♦ إن المرأة التي تعمل خارج البيت تحتل في كثير من الحالات مكان الرجل - المكلف بالإنفاق شرعًا على المرأة - وقد يكون هذا الرجل زوجها أو أخاها، ثم هي تدَع في بيتها مكانًا خاليًا لا يملؤه أحد.



♦ إن المرأة التي تعمل خارج البيت تفقد أنوثتها، ويفقد أطفالها الأُنس والحب.



قالت إحدى أعضاء الحركات النسائية - وقد زارت أمريكا -: "من المؤسف حقًّا أن تفقد المرأة أعز وأسمى ما مُنحت - وأعني أنوثتها - ومن ثم سعادتها؛ لأن العمل المستمر المضني قد أفقدها الجنات الصغيرات التي هي الملجأ الطبيعي للمرأة والرجل - على حد سواء - والتي لا يمكن أن تتفتح براعمها ويفوح شذاها بغير الأم وربة البيت؛ ففي الدُّور وبين أحضان الأسرة سعادة المجتمع، ومصدر الإلهام، وينبوع الخير والإبداع".



♦ إن المرأة إذا خرجت من بيتها للعمل فستعتاد الخروج من البيت - ولو لم يكن لها عمل كما هو ملاحظ، وبالتالي سيستمر انشطار الأسرة وانقطاع الأُلفة بين أفرادها، ويقلُّ ويضعف التعاون والمحبة بين أفرادها، كما هو حال البلاد الغربية، وقد كادت الأسرة تنهار كليًّا.



وقد أكد هذا الأمر - أي: اعتياد المرأة للخروج - فتاة إيطالية تدرس الحقوق في جامعة أكسفورد، حينما سئلت: هل ستحاولين أن تطلبي من المرأة الغربية العودة إلى البيت، وأن يقوم الرجل بواجبه نحوها؟ فأجابت: "هيهات! لقد فات الأوان؛ إن المرأة الغربية بعد أن اعتادت الخروج من البيت وغشيان المجتمعات، يصعب عليها جدًّا أن تعتاد حياة البيت بعد هذا، ولو أني أعتقد في ذلك سعادة لا توازيها سعادة".



♦ الآثار الصحية: فعمل المرأة خارج المنزل - لساعات طوال - يعرض المرأة لأنواع من الأمراض، يأتي في مقدمتها الصداع، وهذه طبيبة نمساوية تقول: "كنا نظن أن انخفاض نسبة الولادات بين العاملات يرجع لحرص المرأة العاملة على التخفف من أعباء الحياة في الحمل والولادة والرَّضاع تحت ضغط الحاجة إلى الاستقرار في العمل، ولكن ظهر من الإحصائيات أن هذا النقص يرجع إلى عقم استعصى علاجه، ويرجع علماء الأحياء سبب ذلك إلى قانون طبعي معروف، وهو أن الوظيفة توجد العضو، وهذا يعني أن وظيفة الأمومة أوجدت خصائص مميزة للأنوثة، وإنها لا بد أن تضمر تدريجيًّا بانصراف المرأة عن وظيفة الأمومة بسبب اندماجها مع عالم الرجال".



♦ الأثر النفسي: ذلك أن عمل المرأة وخروجها من البيت، وتعاملها مع الزميلات - أو الزملاء - والرؤساء، وما يسببه العمل من توتر ومشادات - أحيانًا - يؤثر في نفسيتها وسلوكها، فيترك بصمات وآثارًا على تصرفاتها، فيفقدها الكثير من هدوئها واتزانها، ومن ثم يؤثر بطريق مباشر في أطفالها وزوجها وأسرتها، إن نسبة كبيرة من العاملات يعانين من التوتر والقلق الناجمين عن المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن، والموزعة بين المنزل والأولاد والعمل؛ لذا فإن بعض الإحصاءات ذكرت أن 76% من نسبة الأدوية المهدئة تصرف للنساء العاملات.



الهدر الاقتصادي، ويتمثل ذلك في ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن المرأة مجبولة على حب الزينة والتحلي بالثياب والمجوهرات وغير ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 18].



فإذا خرجت المرأة للعمل كل يوم، فكم ستنفق من المال على ثيابها وزينتها؟ لا شك أن الإنفاق على أدوات الزينة وخلافها سيبلغ رقمه - على مستوى الدولة - ملايين الدولارات، فماذا نطلق على هذا؟ أليس هدرًا اقتصاديًّا لا تستفيد الأمة منه بشيء؟!



الأمر الثاني: أن المرأة أقل عملاً وإنتاجًا من الرجل، وأقل منه رغبة في الطموح، والوصول إلى الجديد؛ ذلك أن ما يعتريها من العادة الشهرية، وأعباء الحمل والوضع، والتفكير في الأولاد، ما يشغلها حقًّا أن توازي الرجل في عمله، ويعوقها عن التقدم بالعمل، والنادر من النساء لا ينقض القاعدة.



الأمر الثالث: الزيادة في نفقات المعيشة، رغبة في زيادة مستوى الأسرة؛ حيث دفع هذا الأمر بالمرأة إلى النزول إلى ميدان العمل للمشاركة في إعالة الأسرة ومساعدة الزوج في تحمُّل مسؤوليات المعيشة، وبما أن الحياة الحضرية تتطور فيها السلع والخدمات بشكل مستمر، (فإن دخل الأسرة مهما نال من تحسين أو زيادة، لا يمكن أن يفيَ بهذه المطالب المتجددة، وهكذا أصبحت الأسرة الحضرية تتجه نحو الاستهلاك المتزايد، وأصبحت ظاهرة الاستهلاك من الظواهر التي تهدد الأسرة دائمًا بالاستدانة، أو استنفاد مدخراتها أولاً بأول).



وينضاف إلى كل ما سبق:

• انخفاض معدلات الخصوبة والإنجاب في الأسرة، وارتفاع معدلات الطلاق؛ حيث يرتفع الطلاق بشكل واضح في أغلب المجتمعات الصناعية؛ نظرًا لشعور المرأة بالاستقلال الاقتصادي، فلا تتردد في قطع علاقتها الزوجية إذا لم يحقق لها الزوج السعادة التي تنشدها.



• عمل المرأة بدون قيود يساهم مساهمة فعالة في زيادة عدد البطالة؛ فهي بعملها تكسب مالاً قد يضيع فيما لا فائدة فيه، ويُحرَم من ذلك المال رجلٌ يقوم على نفقة أسرة كاملة.



• ساهم عمل المرأة مساهمة فعالة في قضية العنوسة؛ فالمرأة التي ترغب العمل لا توافق على زواج قد يقطعها عن الدراسة التي هي بريد العمل، وإذا عزفت عن الزواج في السن المبكر، فربما لا تجد من يتقدم لها بعد ذلك.

يتبع...
 
فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين في حكم عمل المرأة:

سئل فضيلة الشيخ:

س - هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال، علمًا بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان؟

ج- الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية أو أهلية؛ فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة من الرجال؛ لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال، وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكانًا خاصًّا إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال؛ كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعَظهن وذكَّرهن، وهذا يدل على أنهم لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمِعْنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها))، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال، فكان شر الصفوف، ولبُعد آخر صفوف النساء من الرجال، فكان خير الصفوف، وإذا كان في العبادة المشتركة، فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعدُ ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة؛ فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط، والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه مِن أضرِّ ما يكون على الرجال؛ كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء))، فنحن والحمد لله - نحن المسلمين - لنا ميزة خاصة، يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله - عز وجل - وعن شريعة الله فإنهم على ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد؛ ولهذا نسمع أن الأمم التي كان يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد، نسأل الله -تعالى- أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة.


يتبع...
 
ضوابط خروج المرأة للعمل:

المرأة شقيقة الرجل وأخته، وحياتها مع الرجل في الدنيا حياة مشتركة، بحيث يواجهان ظروف الحياة وتجري عليهما نواميس الكون.



وقد تلجئ الضرورةُ والحاجة المرأةَ للعمل خارج بيتها، وقد يحتاج المجتمع لخروج المرأة للعمل، فعندئذٍ ينبغي لمن تؤمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً: أن تتقيد بأحكام الشرع؛ حتى يكون خروجها للعمل خروجًا شرعيًّا، يكافئها الله عليه بالثواب في الآخرة مع ما تعطى في الدنيا؛ ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195].



وهذه الشروط تتمثل فيما يلي:

أولاً: أن يكون العمل مباحًا:

إذ لا بد في العمل الذي يعمله الإنسان ألا يخرج عن نطاق المباح ليتعداه إلى الحرام؛ حتى لا يلحقه الإثم والحرج الشرعي.



وقد يصل الأمر ببعض الأعمال خارج المنزل إلى الوجوب العيني، أو الوجوب الكفائي؛ ففي حالة حاجة الأمة لامرأة معينة يكون الوجوب العيني، وفي حالة حاجة الأمة لفئة معينة من النساء، فيكون الوجوب الكفائي، ويبقى حكم الخروج للعمل المباح في نطاق المباح؛ كالتعليم، والطب، والتمريض، والحسبة في وسط النساء، والأذان والإقامة للنساء خاصة، وكذلك إمامتهن، والعمل في الشرطة النسائية، ونحو ذلك.



فكل ما تقدم من أعمال جائزٌ بدليل الكتاب والسنة والآثار والمعقول مع نصوص الأئمة الفقهاء.


ثانيًا: أن يكون الخروج لحاجة شخصية أو حاجة المجتمع:

فقد أمر الله تبارك وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالقرار في البيوت، ونساء الأمة تبعٌ لهن في ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]،
وهذه الآية جاءت ضمن سلسلة آداب أدَّب الله تبارك وتعالى بها أمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبعٌ لهن في تلك الآداب؛ فقد قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير الآية التي قبلها مباشرة: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم، ونساءُ الأمة تبعٌ لهن في ذلك.



وعليه فقد أمَرت هذه الآية نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين عامة بالقرار في البيوت، وعدم الخروج من غير ما حاجة، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى -: وقوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ أي: الزَمْنَ فلا تخرجن لغير حاجة، وقد نص الفقهاء على أن للمرأة الخروج من بيتها لحاجة، كما أنهم اعتبروا خروجها بدون إذن زوجها لا يُعَد نشوزًا ما دام الزوج لا يكفيها.



وقد استدل الفقهاء على جواز خروج المرأة لحاجتها بدلالة السنة والمعقول.

أولاً: من السنة:

1 - عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أُذِن أن تخرُجن في حاجتِكن)).

وقد أفاد هذا الحديث أن للمرأة الخروج من بيتها من أجل حاجتها، وأنه لا مانع من أن تخرج المرأةُ لحاجة؛ فهذا مما أذِن الشرع فيه.



2 - عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها)).

وهذا الحديث يفيد عدم منع المرأة إذا استأذنت لحاجتها، سواء كان خروجها للمسجد أو غيره.



جاء في إرشاد الساري:

ليس في الحديث التقييد بالمسجد، إنما هو مطلق يشمل الإذن لهن في الخروج إلى مواضع العبادة، أو غيرها.



وجاء في عمدة القاري:

هذا الحديث معناه العموم فيما تخرج له المرأة، سواء في ذلك المساجد أو غيرها، وفي معنى هذا الإذنُ في الخروج إلى العيد، وزيارة قبر ميت لها، وإذا كان حقًّا على الأزواج أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه، فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو يندب الخروج إليه أَولى؛ كخروجهن لأداء الشَّهادة، والحج، وغير ذلك من الفرائض، أو لزيارة آبائهن وأمهاتهن وذوي محارمهن.


3 - عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو)).



وهذا الحديثُ يدل على جواز خروج المرأة لحضور عرس امرأة أخرى، وزفافها إلى زوجها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر عائشة - رضي الله عنها - ومن كان معها على حضور زفاف تلك المرأة إلى زوجها.

والأدلة من السنة في هذا الباب كثيرة.



ثانيًا: أدلة من المعقول أيضًا:

فإن عدم جواز خروج النساء لحاجتهن فيه مشقة عليهن، والقاعدة القرآنية واضحة: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].



والحاجة قد تكون شخصية، وقد تكون حاجة مجتمع، وفي كلا الحالتين يجوز الخروج للمرأة.



فقد تكون المرأة غير محتاجة للخروج للعمل، لكن المجتمع بحاجة إلى خروجها؛ لتعليم من يحتَجْنَ إلى تعليمها، أو مداواة من يحتجن إلى مداواتها، أو نحو ذلك من حاجات المجتمع؛ فإن للمرأة الخروج لذلك كله.



وقد ذكر الإمام ابن القيم في كتابه "الطرق الحكمية" أنه يجوز لولي الأمر حملُ أرباب الحِرَف والصناعات على العمل بأجر المثل إذا امتنعوا عن العمل، وكان في الناس حاجة إلى أعمالهم وصناعاتهم وحِرَفهم.



ثالثًا: إذن الزوج أو الولي:

لا بد للزوجة من إذن زوجها لخروجها إلى العمل المباح؛ لأنه مسؤول عنها أمام الله تعالى، وكذلك فإن غير المتزوجة لا بد لها من إذن وليها؛ لأنه راعٍ ومسؤول عنها أمام الله تعالى.



ويستدل الفقهاء على اشتراط إذن الزوج أو الولي بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].



فقد أوجب الله تبارك وتعالى على المؤمنين حماية أنفسهم وأهليهم من نار جهنم؛ ولذا كان الزوج أو الولي قيِّمًا على من ولاه الله أمرهم، وعليه حمايتهم من النار، وعليهم طاعته، وقد قال قتادة في تفسير هذه الآية: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتَهم عنها، وزجرتَهم عنها.



ومن السنة ما ورد عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.



في هذا الحديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل راعٍ فإن الله سيسأله عما استرعاه، هل حفظ أم ضيع؟ وبالتالي فإن هذا الراعي له حقوق وعليه واجبات؛ فمن حقوقه أن يطاع فيما يأمر به في غير معصية، وألا يصدر الجميع إلا عن رأيه.



وعليه، فلو أرادت المرأة العمل عليها أن تستأذن زوجها أو وليها؛ لأنه مسؤولٌ أمام الله سبحانه وتعالى.


رابعًا: عدم التفريط في حق الزوج أو الأولاد:

فإن الفقهاء فد اشترطوا لخروج المرأة للعمل المباح ألا تفرط في حق زوجها وأولادها، وقد استدل الفقهاء على ذلك بأدلة كثيرة، منها:

حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبدالله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل))، فقلت: بلى يا رسول الله! قال: ((فلا تفعل؛ صُمْ وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزَورك عليك حقًّا، وإن بحَسْبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام؛ فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها؛ فإن ذلك صيام الدهر كله))، فشدَّدت فشدِّد علي، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، قال: ((فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه))، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: ((نصف الدهر))، فكان عبدالله يقول بعدما كبِر: يا ليتني قبلتُ رخصة النبي صلى الله عليه وسلم!؛ رواه الشيخان.



وقد دل هذا الحديث على وجود حقوق على المسلم تجاه نفسه وأهله، فعلى المسلم أن يؤدي هذا الحقوق، وإلا كان مفرِّطًا، وعليه فإن على المرأة إذا خرجت للعمل ألا تفرط في هذا الحق لزوجها وأولادها.



خامسًا: ملاءمة العمل لطبيعة المرأة:

ينبغي في العمل الذي تعمله المرأة أن يكون موافقًا لطبيعتها التي خلقها الله عليها؛ فإن الله عز وجل قد اقتضت حكمته أن تختلف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل، وقد جاء الطب الحديث وعلم وظائف الأعضاء ليشير إلى هذه الاختلافات بين الرجل والمرأة، حتى إن هذا أصبح مسلَّمًا به ولا ينكره إلا مكابر.



وعليه، فإنه لا ينبغي للمرأة أن تعمل الأعمال التي تختص بالرجال، كالتي تحتاج إلى محض القوة العضلية، ونحو ذلك.

ولقد كانت المرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرون المفضلة تلي أعمالاً تليق بطبيعتها التي فطَرها الله عليها؛ فهذه عائشة - رضي الله عنها - كانت أفقهَ الناس، وأعلم الناس، وكانت تتولى التعليم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.



سادسًا: الالتزام باللباس الشرعي:

اشترط الفقهاء على المرأة للخروج من بيتها أن تلتزم باللباس الشرعي الذي يغطي جميع بدنها، إلا الوجه والكفين ففيهما الخلاف، هل هما عورة أو لا؟، فالجمهور على أنهما ليسا من العورة، غير أن المرأة تغطيهما في حال خوف الفتنة، وقول في مذهب الإمام أحمد أنهما عورة، ويشترط أيضًا في لباس المرأة المسلمة ألا يكون لُبسها زينة في نفسه، وألا يشبِه لباس الرجال، وألا يشبه لباس الكافرات، وأن يكون غليظًا لا يشف، وأن يكون واسعًا لا يصف.



سابعًا: عدم مس الطِّيب، وهو العطر:

يشترط لخروج المرأة من بيتها إلى العمل المباح: ألا تمس طِيبًا، ولا تصيب بخورًا، وقد نص السادة الفقهاء على هذا الشرط عند حديثهم عن خروج المرأة من بيتها.



جاء في حاشية الدسوقي 1/ 398:

أما النساء إذا خرجن فلا يتطيَّبن، ولا يتزيَّنَّ؛ لخوف الافتتان بهن.

وقد استدل الفقهاء على عدم جواز مس المرأة للطيب إذا أرادت الخروج من بيتها بما يلي:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة أصابت بخورًا، فلا تشهد معنا العِشاء الآخرة))؛ رواه مسلم في صحيحه.



تاسعًا: أمن الفتنة:

يشترط لخروج المرأة من بيتها للعمل المباح ولغيره: أمن الفتنة في الطريق، وفي مكان العمل، بحيث يؤمن أن تفتن أو يفتتن بها، فإذا كان يخشى أن يفتتن بها الرجال الأجانب عنها، أو يخشى عليها أن تفتن هي، فإنه لا يجوز لها الخروج في تلك الحالة؛ ولهذا كره بعض الفقهاء خروج الشواب من النساء؛ لخوف الفتنة.



ويستدل الفقهاء على هذا الشرط بحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركتُ بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء))؛ رواه الشيخان في صحيحيهما.


فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحصل من افتتان الرجل بالنساء، وأن تلك الفتنة هي الأشد ضررًا على الرجال، فينبغي على الرجال تركُ الافتتان بالنساء، وينبغي على النساء ألا يوقِعْنَ أنفسهن في تلك الفتنة.



عاشرًا وأخيرًا: عدم الخلوة أو الاختلاط بالرجال:

يشترط لخروج المرأة للعمل المباح ألا يكون هناك خلوة برجل أجنبي عنها، وألا يكون هناك اختلاطٌ بالرجال لغير ضرورة.



وقد نص الفقهاء على تحريم ذلكم الاختلاط، وأن على المرأة إذا خرجت لعمل مباح ألا تزاحم الرجال، واستدل الفقهاء على تحريم الخلوة بما رواه عبدالله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يخلوَنَّ رجل بامرأة))؛ متفق عليه.



فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز خَلوة الأجنبي بأجنبية عنه؛ لأن هذا سبيل للشيطان، والحديث بصيغة النهي ليدل على تحريم الخلوة بين المرأة وكل أجنبي عنها.



كما استدلوا على تحريم الاختلاط بما رواه أبو داود في سننه عن أُسيد بن حضير، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق يقول للنساء: ((استأخِرْن؛ فإنه ليس لكن أن تحقُقْنَ الطَّريق))، ومعنى تحقُقْنَ الطريق: أي: تسِرْن في حقِّ الطريق؛ أي وسطه.



وفي هذا الحديث نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم النساءَ أن يسِرْن في وسط الطريق بحيث يختلطن بالرجال، بل عليهن تجنُّب هذا الاختلاط بالسير في حافَاتِ الطرقات، وهذا دليلٌ على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب؛ لأن ذلك هو حقيقة النهي.

يتبع...
 
والخلاصة:

أن استقرار المرأة في بيتها والقيام بما يجب عليها من تدبيره بعد القيام بأمور دِينها هو الأمرُ الذي يناسب طبيعتها وفطرتها وكيانها، وفيه صلاحها وصلاح المجتمع وصلاح الناشئة، فإن كان عندها فضل ففي الإمكان تشغيلها في الميادين النسائية؛ كالتعليم للنساء، والتطبيب، والتمريض، لهنَّ ذلك مما يكون من الأعمال النسائية في ميادين النساء، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وفيها شغل لهن شاغل.



ولا ننسى هنا دور أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ومَن سار في سبيلهن، وما قُمن به من تعليم للأمة، وتوجيه وإرشاد، وتبليغ عن الله سبحانه، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فجزاهنَّ الله عن ذلك خيرًا، وأكثَر في المسلمين اليوم أمثالهن، مع الحجاب والصيانة والبُعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم.



والله المسؤول أن يبصِّر الجميع بواجبهم، وأن يعينَهم على أدائِه على الوجه الذي يرضيه، وأن يقيَ الجميع وسائل الفتنة، وعوامل الفساد، ومكايد الشيطان، إنه جَوَادٌ كريم، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



المراجع:

موقع صيد الفوائد.

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية.

مجموعة فتاوى ابن عثيمين.


رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/sharia/0/74809/#ixzz6vfSQ6IrY
 
بورك فيك على الموضوع القيم اختي دمت مبدعة في سماء المنتدى جعله الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين اجمعين
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top