السؤال ما قبل الأخير :ما معنى الإيمان باليوم الآخر، و هل هو من أركان الايمان و ما أدلته، وما الذي يدخل فيه ؟
إن  حقيقة الإيمان باليوم الآخر ؛ هي التصديق الجازم بأن الله تعالي سيعيد  العباد مرة أخرى إلى الحياة بعد موتهم ؛ وذلك لمحاسبتهم , وإقامة العدل في  شأنهم , وهذا يستلزم الإيمان بكل تفاصيل الإعادة والجزاء , التي أخبر بها  المولى تعالى في كتابه, والتي دلت عليها السنة المطهرة , كالحساب والصحف  والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك .
 
 أما عن أسماء اليوم الآخر , فيذكر منها   يوم الدين , ويوم الجزاء , ويوم القيامة .
 
   أدلة اليوم الآخر 
 
         الأدلة على ركنية الإيمان باليوم الآخر كثيرة , منها قوله تعالى : {لَيْسَ  الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ  وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ  وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}.
 
         وهذا ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور , قال  عليه الصلاة والسلام في بيان معنى الإيمان بذكر ما يقوم عليه من أركان :  {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره  وشره}.
 
 وقد  أتى التصريح في كثير من الآيات الكريمة على إمكان الاستدلال للمعاد  استدلالاً ذهنياً برهانياً ؛ يستند في حجيته إلى القياس ,  وعند تحقيق  الأمر في هذه المهمة نجد أن طرق القياس التي دار حولها حديث القرآن الكريم  لإثبات قضية المعاد , لا تخرج عن أحد مسلكين اثنين : هما قياس الشاهد على  الغائب , وقياس الأولى .
 
         ـ أما قياس الأولى ؛ فقد ورد الاستدلال به كثيرا في كتاب الله تعالى , وهو  استدلال على إمكان وجود الشيء بوجود ما هو أولى منه :
 وهو  خطاب للفطرة بما استقر فيها أن من قدر على إيجاد الشيء ابتداء ؛ قدر على  إعادته من باب أولى , فحقيقة المعاد إعادة للخلق الأول الذي كانت نسبة  إيجاده للباري تعالى من الحقائق الفطرية التي يعدم الشك إليها سبيلاً , مع  سلامة الفطرة وبعدها عن شبهات الهوى , وهذا مصداق قوله تعالى  : { يَا  أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا  خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ  مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ  وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ  نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ  يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا  يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا  أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ  كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(الحج:5)
 
         يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في الاستدلال بهذه الآية على ما سبق  بيانه : " فلستم ترتابون في أنكم مخلوقون , ولستم ترتابون في مبدأ خلقكم من  حال إلى حال إلى حين الموت والبعث , الذي وعدتم به نظير النشأة الأولى ,  فهما نظيران في الإمكان والوقوع ؛ فإعادتكم بعد الموت خلقا جديدا , كالنشأة  الأولى التي لا ترتابون فيها ,  فكيف تنكرون إحدى النشأتين مع مشاهدتكم  لنظيرها " 
 
         وكذلك قوله تعالى رداً على منكري البعث: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا  عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيدا ً. قُلْ  كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي  صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ  أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى  هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} (الإسراء:49ـ51)
 
         وكان استفسارهم عن موعد البعث بعد إقامة الحجة عليهم في إمكان وجوده؛  دليلا على إقرارهم بإمكانه , وإن لم يصرحوا بذلك ؛ نتيجة لما أعمل في  قلوبهم من أدواء الكبر والبغي بغير الحق , وإنما أعرضوا عن الإذعان لهذه  الحقيقة , كما أعرضوا عن الإيمان بصدق المصطفى عليه الصلاة والسلام مع  كونهم قد أطبقوا على أحقية ذلك في قرارة أنفسهم .
 
         ومن هنا تتجلى واحدة من أهم أسباب الجمع بين ذكر الإيمان بالله تعالى  والإيمان باليوم الآخر في كثير من آيات الكتاب العزيز ؛ فإن حقيقة التكذيب  باليوم الآخر تكذيب بربوبية الله تعالى , وقدح في كمال قدرته , وتمام عدله  في تصرفه , وقد جاء هذا المعنى في الحديث القدسي : ( كذبني ابن آدم ولم يكن  له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما  بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من أعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ  الله ولداً ، وأنا الأحد الصمد , لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفؤاً أحد )
 
         وكانت هذه الحقيقة وهي فطرية الإيمان بربوبية الله تعالى , وتسليمهم لها  في قرارة أنفسهم ؛ مستند الاحتجاج عليهم في إنكارهم مبدأ البعث , ومن ذلك  قوله تعالى : {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ.تَرْجِعُونَهَا  إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}( الواقعة:86ـ87) .
 
         يقول الإمام ابن القيم رحمه الله موضحا المراد من هذا التحدي وانهزامهم  السافر في المقابل , كل ذلك من أجل إقامة الحجة عليهم بوجود البعث والجزاء :  " أي هلا تردون الروح إلى مكانها إن كنتم غير مدبورين ولا مقهورين ولا  مجزيين , وهذه الآية تحتاج إلى تفسير ؛ فإنها سيقت للاحتجاج عليهم في  إنكارهم البعث والحساب , ووجه الاستدلال أنهم إذا أنكروا البعث والجزاء ؛  فقد كفروا بربهم وأنكروا قدرته وربوبيته وحكمته , فإما أن يقروا بان لهم  ربا قاهرا متصرفا فيهم , يميتهم إذا شاء , ويحييهم إذا شاء , ويأمرهم  وينهاهم , ويثيب محسنهم , ويعاقب مسيئهم , وإما أن لا يقروا برب هذا شأنه ,  فان أقروا آمنوا بالبعث والنشور , والدين الأمري والجزائي , وإن أنكروه  وكفروا به فقد زعموا أنهم غير مربوبين , ولا محكوم عليه , ولا لهم رب يتصرف  فيهم كما أراد ، ...... ، وهذه غاية التعجيز لهم ؛ إذا تبين عجزهم عن رد  نفس واحدة إلى مكانها ولو اجتمع على ذلك الثقلان , فيالها من آية دالة على  وحدانيته وربوبيته سبحانه , وتصرفه في عباده , ونفوذ أحكامه فيهم ,  وجريانها عليهم , والدين دينان ؛ دين شرعي أمري , ودين حسابي جزائي ,  وكلاهما لله وحده "
نعم هو من أركان الإيمان
ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها لا محالة .  وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه وبالنفخ في الصور وخروج  الخلائق من القبور وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع وتفاصيل المحشر  : نشر الصحف ، ووضع الموازين ، وبالصراط والحوض ، والشفاعة وغيرها ،  وبالجنة ونعيمها الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز وجل ، وبالنار وعذابها  الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل..
بارك الرحمن بكم