شرح الأربعين حديث نبوية للعلامة الشيخ أمان الجامي رحمه الله

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر

الشريط الأول من شرح الأربعين نووية
للعلامة محمد آمان الجامي رحمه الله​


... على أشرف خلق الله المرسلين أما بعد،،

فنبدأ في دراسة الأربعين النووية، الحديث الأول عن أمـيـر المؤمنـين أبي حـفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنـما الأعـمـال بالنيات وإنـمـا لكـل امـرئ ما نـوى، فمن كـانت هجرته إلى الله ورسولـه فهجرتـه إلى الله ورسـوله، ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماًً كثيرا، أما بعد،

نبدأ في دراسة الأحاديث النبوية التي جمعها الإمام النووي وتُعرف بالأربعين النووية، جمع غير واحدٍٍ من أهل العلم أربعين حديثاًً في أبواب مختلفة، منهم من جمع في الأصول، منهم من جمع في الجهاد ومنهم ومنهم، ولكن الإمام النووي جمع أربعين حدياًً جامعة وشاملة لجميع الأبواب تشمل الأصول -أعني العقيدة- وتشمل الترغيب والترهيب والأحكام والأخلاق وغير ذلك من الأبواب، اعتمادا على حديث كما ذكر الإمام النووي نفسه أجمع الحفاظ على ضعفه (من جمع على أمتي أربعين حديثاًً، حشره الله في زمرة الفقهاء والعلماء) وبألفاظ مختلفة وبروايات عديدة ورد هذا الحديث، وذكر الإمام النووي بأن الحفاظ أجمعوا على تضعيف هذا الحديث ولكن بعض أهل العلم يرى العمل بالحديث الضعيف بشروط معروفة وتلك الشروط تتوافر في مثل هذا العمل،
لذلك اعتماداًً عليه وعلى غيره من الأحاديث التيى فيها الحث على حفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وفهمها وتبليغها للناس اعتماداًً على ذلك ورجاءاً لما عند الله جمع الإمام النووي هذه الأحاديث في هذا الكُتيب، فبدأ بذلكم الحديث العظيم الذي هو من أصول الشريعة وأصول الدين، حديث عـمـر بن الخـطاب، يقول الإمام النـووي: الحديث الأول: عن أمـيـر المـؤمنـين أبي حـفص .. الذي أشتهر من بين الخلفاء بهذا اللقب هو عمر رضى الله عنه، ثم قال أبي حفص، هذه كُنيته بدل من أمير المؤمنين، عـمـر بن الخطاب عـطف بيان، لأن وإن اشتهر بأمـير الـمؤمنين يحتمل أن يُطلق على غيره، وأبو حفص يحتمل أن يُطلق على غيره ولكن الذي يُبين هذه الألقاب والكُنى كلها (عمر بن الخطاب رضى الله عنه) ..
قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
إنـما الأعـمـال بالنيات، وفي لفظ: الأعمال بالنيات بدون ذكر إنما.. الأعمال بالنيات، ولكن المشهور إنما الأعمال بالنيات ويكون التقدير عند الجمهور: إنما صحة الأعمل بالنيات، وإنما قبول الأعمال بالنيات، وقدَّر بعضهم: إنما كمال الأعمال بالنيات وهذا التقدير كما قيل اختاره الإمام أبوحنيفة ولكن الذي تدل عليه الأصول إنما صحة الأعمال وقبول الأعمال وإجزاء الأعمال بالنيات، الأعمال لا قبول لها ولا صحة لها ولا تُجزئ إلا بالنيات، وفي لفظ: إلا بالنية، لا فرق بين التعبيرين، ما المراد بالنية؟ إنما الأعمال بالنيات...
النية: عند أهل العلم تُطلق على معنيين أثنين، المعنى الأول: هو القصد الذي يُفرق بين العادة والعبادة، أن تقصد إلى العمل وتريد فعله إرادة وقصداًً يفرق بين العبادة وبين العادة ولولا النية لأصبح ذلك العمل عادة لا ثواب فيه مثل الجلوس في المسجد، لو دخل إنسانٌٌ ناوياًً للإعتكاف فجلس، فجاءه زائر جلس عنده فترة من الزمن فخرج، ما الذي فرَّق بين الجلوسين حتى صار أحدهما عبادة والآخر عادة؟
النية.. جُنُبٌ دخل في البركة ليسبح، يعوم لم ينوي شيئا، لم ينوي رفع الجنابة وهو جُنُب، مكث في الماء ما شاء أن يمكث ثم خرج وهو جُنُب لأنه لم يقصد ولم يرد بدخوله في الماء رفع الجنابة والآخر استنجى واستعد للإغتسال وبدلا من أن يقف تحت الدُش رمى نفسه في البركة فـدخل في الـبركة فخرج بعد أن نوى رفع الجـنابة خرج طـاهراًً له أن يُـصلي بـهذا الغـسـل ولو لم يـتوضأ لأن الحدث الأصغر يدخل في الحدث الأكبر، إذا لم ينقض وضوءه هو بنفسه بمس فرجه مثلاً، هكذا فرَّقت النية بين العادة وبين العبادة، هذا هو بحث الفقهاء ولكن المشهور عند السلف المتقدمين: المراد بالنية هنا الإخلاص، إرادة تُفَرِّق بين ما تريد به وجه الله وبين ما تريد به وجه غيره سبحانه، هذه هي النية التي بمعنى الإخلاص هي المعروفة عند السلف المتقدمين،
إنما صحة الأعمال بالنية أي بالإخلاص، لأن العمل إن لم يكن خالصاًً لله تعالى غير مقبول عند الله، إما أن يريد بعمله غير الله ولا يريد وجه الله مطلقاً، هذا مردود مائة بالمائة أو يريد الله ويريد معه غيره بالإشتراك، يريد بصلاته وجه الله تعالى وفي الوقت نفسه يريد أن يُمدح ويُذكر في المجالس بأنه مصلي وبأنه وبأنه ...
مردود أيضا، بدليل الحديث القدسى ( أنا أغنى الشركاء من عمل عملاًً أشرك فيه ........) ..............
أماراتها بفتح الهمزة أي من علاماتها قال: أن تلد الأمة ربتها. وفي لفظ: ربَّها .. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.. ثم انطلق، فلبث ملياً. وفي لفظ: فلبثت ملياًً، عمر يقول، أي لبثت زمناًً طويلاًً، الطول نسبي ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ وفي لفظ: ردوا عليَّ السائل، فأرادوا أن يردوه فلم يجدوا شيئا، قال: أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم.. قال: هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم.
هكذا تفضل الله سبحانه وتعالى على عباده بهذا التعليم الشامل الذي اشتمل على جميع درجات الدين الإسلامي، هذا الحديث مشتمل على درجات الدين الإسلامي، درجات الدين ثلاثة: (إسلام) وهي أوسع الدرجات، (إيمان) تلي الدرجة الأولى ثم (إحسان) أضيق الدرجات، هذا هو الدين كله، إسلام وإيمان وإحسان.
يقول عمر رضى الله عنه: إن هذا الرجل الذي هذه صفته، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ولما اجتمع ذكر الإسلام والإيمان في هذا الحديث فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بأعمال الجوارح وعمل اللسان.
أن تشهد أن لا إله إلا الله: أن تتلفظ بهذه الكلمة عارفاًً لمعناها، عاملاًً بمقتضاها ليس مجرد تلفظ.
وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، في بعض الروايات زيادة وأن تعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء.
دل هذا الحديث على أن الأعمال -أعمال الجوارح وقول اللسان- يُقال لها الإسلام، الإسلام هو الإستسلام والإنقياد، أن ينقاد العبد لأوامر ربه أمراًً ونهيا، قولاًً وفعلا، هكذا فُسر بما سيأتى من ذِكر الإيمان.
التلفظ بالشهادتين قد يكون إسلاماًً -إسلاماًً مؤقتا- أي إذا دعونا كافراًً يهودياًً أو نصرانياًً أو مجوسياًً أو علمانياًً أو ماركِسياًً أو بوذياًً أو هندوكياًً، دعوناه إلى الإسلام فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله، فيجب الكف عنه حتى لو أراد الإنسان من قبل أن يقتله، إحتراماًً وتقديراًً لكلمة الإسلام وكلمة الإيمان،
ثم يبقى هذا المتلفظ بالشهادة تحت الإختبار، إن وُجد منه بعد ذلك ما يدل على صدقه كرغبته في تعلّّم الإسلام، وإذا دخل وقت الصلاة، سَأَل كيف يصلي، فحاول أن يصلي أو صلى، رأينا منه علامات تدل على صدق قوله، حُكِم له بالإسلام، الإسلام الصحيح، يُعلَّّم الصلاة وكل ما يجب عليه، يتعلم فيكون أخاًً لنا في الإسلام،
وهذا الوضع الآن كثيرٌ جداًً بين العُمَّال، فيما مضى نلاحظ هذا في خارج هذا البلاد عندما يدعو الدعاة الناس إلى الإسلام يعتنقون الإسلام، سواءٌٌ كان في الخارج أو في الداخل، فينا قصور جداً عند استقبال هؤلاء المسلمين الجدد، ولا ينبغى أن نُلقنهم كلمة التوحيد ثم نتركهم، بل الواجب، الواجب علينا، واجب الدعوة إلى الإسلام، أن نُعلمهم أركان الإسلام وأركان الإيمان، وما يجب عليه أن يتحلى به في الإسلام، ليكون مسلماًً صحيحا ولا يكون مسلماًً تقليدياًً ،الذي هو جارٍٍ الآن عند كثير من المؤلفة قلوبهم عدم من يعتني بهم ويعلمهم أمر دينهم، ويكتفي بمجرد التلفظ بالشهادتين وتغيير اسمه ويبقى بين المسلمين وجمهور المسلمين الذين هو يعيش بينهم هم أنفسهم إسلامهم تقليدي فيصبح مسلماًً تقليدياًً كالجمهور الذين يعيش معهم ككثير من أصحاب مؤسسات المُستقدِمين هو نفسه إسلامه إسلام تقليدي ففاقد الشىء لا يعطيه، ماذا يفعل بهذا المسلم الجديد؟
فالواجب أن يعتني دعاة الحق بأمثال هؤلاء وخصوصاًً في داخل هذا البلد طالما وصلوا ورغبوا في إعتناق الإسلام وأما في الخارج فحدِّث ولا حرج، إن الدعاة التابعين لإدارات البحوث، ليس لديهم إمكانية حتى يهتموا بهم، ويجعلوا لهم مأوى ويجعلوا لهم مُعلمين، يكتفون بمجرد تلقينهم الشهادتين، هذا خطأ، وعلى كلٍٍ طالما هو راغب في الإسلام وليس نطقه للشهادتين للتخلِّّص، يُعتبر مسلما وأما إذا تلفظ بالشهادتين فـوُجد بعد ذلك التهـرب من الصـلاة وعدم رغبته في الأعمال وفي الأفعال التي يقـوم بـهـا المسلم، يتهرب ويتخلص، يُعتبر مرتداً ويعامل معاملة المرتدين.
إذاًً المسلم، المسلم الحق، من جمع بين هذه الأركان الخمسة، هذا هو الإسلام وأما الإيمـان في هذا الحديث فُسِّر بأعمال القـلوب، أن تؤمن بالله: الإيمان بالله: معرفته أولاًً حق المعرفة، وعبادته حق العبادة، فمعرفة الله تعالى واجبة بالإجماع حتى عند علماء الكلام، فمعرفة الله باستيقان، هذا أول واجب، أول واجب علي الإنسان معرفة الله باستيقان، أي معرفة تصل إلى درجة اليقين، ليس مجرد دعوى، هذه المعرفة قد تتم بالدليل العقلي، ثم يجب عليه أن يعبده بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معرفة الله معـرفة العبد ربه هذه معرفة فطرية عقـلية وشرعية، بالفـطرة يعلم كـل إنسان أن له خالقا كيف يعلم ذلك؟
إذا عرف نفسه بأنه مخلوق وأنه فقير وأنه ضعيف و أنه وُجد بعد أن لم يكن و أنه سوف يموت لأنه يرى الموت يومياًً أو في كل لحظة، من هنا يعلم أن له خالقاًً خلقه، وأن ذلك الخالق يُخالفه في جميع صفاته، ليس مُحدثاًً مثله، ليس فقيراًً، ليس عاجزا بل خالقٌ قادر على كل شىء غنيٌ عن كل شيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، هكذا يدرك يؤمن بوجود الله تعالى.
ومما يجب الإيمان به في باب معرفة الله تعالى أن يعرف بأن الله ليس مختلطاًً بخلقه لا في الأرض ولا في السماء بل الله سبحانه وتعالى منزه من أن يختلط بخلقه ويمتزج بهم، أي لا يعتقد بأن الله في كل شيء أو في كل مكان بل يعتقد بأن الله فوق سماواته مستوٍِ على عرشه بائن من خلقه يُدعى من فوق ويقصد من فوق لا من أسفل ولا عن يمين ولا يسار ولا خلف ولا أمام، وهذه المعرفة، معرفة فطرية لو أنك سألت أي إنسان جاهل غير متعلم عربياًً أو عجمياًً أين ربك؟ وكيف تدعو ربك ومن أين تدعوه؟ قال: يا الله، فوق، يدعوه من فوق ويرفع يديه إلى فوق ويرفع بصره إلى فوق وضميره يلتفت قبل بصره وقبل أن يرفع يديه إلى فوق إذا قال يا الله حالاًً، هكذا فطر الله العباد على معرفته أنه يُدعى من فوق،
سُئل إمام من أئمة المسلمين وعالم كبير، قيل له بما نعرف ربنا؟ قال: نعرفه بأنه مستو على عرشه بائن من خلقه وعلمه في كل مكان ولا يخلو مكان من علمه، هذه النقطة في كل مناسبة لابد من الوقوف عندها لأن جمهور المسلمين حتى العوام فسدت عقيدتهم في هذه العقيدة وفي هذه الصفة، في صفة علو الله واستواءه على عرشه إذ قد انتشرت من فترة طويلة من عهد العباسيين إلى يومنا هذا، انتشرت عقيدة تُسمى: العقيدة الأشعرية وتللك العقيدة فيها انحراف وفيها أخطاء، فيها صواب وخطأ،فالخطأ فيها أكثر من الصواب،
ومن أخطاء العقيدة الأشعرية التي أفسدت فِطر كثير من الناس إعتقاد بأن الله في كل مكان، خطأ، ما أكبره من خطأ، إذا قلت إن الله في كل مكان أنت بين أحد أمرين إما أن تعتقد بأن الله حلّ في كل شىء كما تعتقد وحدة الوجود، حلّ في كل شىء واتحد مع كل شىء، لذلك لا تراه، أو تعتقد بأن وجوده كوجود الهواء المنتشر في كل شىء، كل هذه العـقيدة عـقيدة منحرفة مخالفة لما في الكتاب والسنة، الله أخبر عن نفسه بأنه مستوٍٍ على عرشه ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) وقال الرب سبحانه : ((أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء)) مرتين، (( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ))
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لما خلق الخلق، كتب كتاباًً وهو عنده فوق العرش في ذلك الكتاب غلبت رحمتي غضبي (أو سبقته).
هذا الكتاب عنده فوق العرش فالله سبحانه وتعالى موصوف بأنه فوق العرش، العرش أكبر المخلوقات، سقف المخلوقات فالله فوق ذلك بذاته، وليس محتاجاًً إلى العرش لأنه خلق العرش بعد أن لم يكن عرشٌ، فالله على ما كان عليه قبل أن يخلق العرش ولكنه فوق العرش لأنه لا يوجد فوق العرش شيء والعرش منتهى هذه المخلوقات في العلو،
الله سبحانه وتعالى لا ينبغى للعبد أن يحاول أن يحيط به معرفة ليعرف كيف استواءه وكيف علوه وكيف مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء كل هذا لا ينبغى البحث فيه ولكن يجب الإيمان به، الله هو الذي أخبر عن نفسه وأخبر عنه الصادق الأمين وجب تصديق ذلك ولكن لا يجوز البحث عن الكيفية كما قال الإمام مالك: الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب إلى أخر الأثر..
هكذا نعرف ربنا ونعبده عبادة خالصة لا نشرك به شيئا، فعبادة الله لا تتم إلا في ضوء ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا تعبد الله بالهوى وبالإجتهاد وبآراء الرجال ولكن باتباع ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هكذا يتم الإيمان بالله تعالى ثم الإيمان بأسماءه وصفاته، الإيمان بقضاءه وقدره كما سيأتى ..
والإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام: أن تُصدقه في رسالته وفي كل ما أخبر وأن تعبد الله بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ولا تعبده من عند نفسك ولا تُقدم آراء الرجال على سنته عليه الصلاة والسلام إلى آخر ما يجب الإيمان به هذا هو الإيمان، ولكن إذا ذكر الإيمان وحده كما في قصة وفد عبد القيس ذُكر الإيمان وحده وفُسر بأعمال الجوارح، دعاهم أن يؤمنوا بالله فقال لهم: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ إلى آخر الحديث.. أن تؤمنوا بالله وبرسوله إلى أن قال: وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، هذا محل الشاهد من الحديث، جعل أداء الخمس من الإيمان، وفي حديث شعب الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.
وردت نصوص في الكتاب والسنة تدل على أن أعمال الجوارح كالصلاة والزكاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل اجتناب ما حرَّم الله من الإيمان لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن إلى آخر الحديث.. أي ترك شرب الخمر وترك السرقة وترك ارتكاب المحرمات من الإيمان لذلك نفى عمن ارتكب ذلك الإيمان أي الإيمان الكامل لا أصل الإيمان، النفي هنا لنفي الكمال لا لنفي الأساس، لا يخرج الإنسان من ملة الإسلام لمجرد شربه للخمر أو سرقته أو غير ذلك بدليل أن الـشـريعة رتبت الحدود على من ارتكب هذه الموبـقات والكـبائر، جعلت عليه حدود ولـم يُعامل شارب الخمر والزانى والسارق لم يُعاملوا معاملة المرتد وهو ضرب الرقبة بالسيف ولكن جُعلت عليهم حدود مختلفة دليل على أن نفي الإيمان هنا لنفي الكمال لا لنفي الأساس،
الشاهد: اختلف أهل العلم هل أعمال الجوارح وقول اللسان داخل في مُسمى الإيمان أم لا؟ أو أن الإيمان مجرد التصديق؟ الذي عليه جمهور أهل العلم: الإيمان يتألف من تصديق القلب وعمل الجوارح وقول اللسان كل ذلك من الإيمان ولكن شعب الإيمان كما رأيتم تتفاوت، من شعب الإيمان ما تركها يؤدى إلى الكفر، من ترك الشعبة الأولى (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكفر بها خرج من ملة الإسلام، ومن ترك أدنى شعبة من شعب الإيمان (إماطة الأذى عن الطريق) هل يخرج من الإيمان؟ لا، ماعدا الشعبة الأولى ينقص إيمان من ترك بقدر ما ترك وهى تـتـفـاوت،
بين الشعبة الأولى والشعبة الأدنى شعب كثيرة متفاوتة الصلاة شعبة من شعب الإيمان والصيام والزكاة والـحج والأمر بالمعـروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبـيل الله وطلب العلم النافع كل هذه من شعب الإيمان، تتفاوت درجاتها، إذا على الصحيح: الإيمان: تصديقٌ بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، كل ذلك إيمان، والتصديق وحده يحتاج إلى شاهد، من ادعى أنه مُصدق ما الدليل؟ لأن التصديق عمل القلب، ما الدليل على أنك صادق في تصديقك؟ لابد من دليل ولابد من مُصدق، ما الذي يُصدق التصديق؟ أعمال الجوارح وقول اللسان..
إذ، إذا صلح القلب وصدق في تصديق ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام صلحت الجوارح والأعضاء فعملت وتكلم وتلفظ بكلمة الـتوحـيد وعمل بجوارحه، أما من يترك الواجبات ويـرتكب المحرمات فإذا قيل له في ذلك قال: لا، الإيمان في القلب، الإيمان هاهنا ويشير إلي صدره.
هذه دعوى كاذبة، الدليل على كذب هذه الدعوة لو كان قلبه عامراًً بالإيمان بالله ومحبة الله وتعظيم الله لما ارتكب المحرمات ولا ترك الواجبات، لو صدر منه شىء من ذلك لبادر بالتوبة، أي، إن الإنسان ليس بمعصوم قد يرتكب وقد يترك لكنه يؤنبه إيمانه الصادق فيبادر بالتوبة، أما كونه يُصر على ارتكاب المحرمات وترك الواجبات ويدعى أن إيمانه في القلب هذه دعوى غير صادقة لأنها دعوى لا بينة عليها وكل دعوى بلا بينة لا تُقبل، البينة على صدق دعوى أن في قلبه إيمان أعمال الجوارح وقول اللسان وأن يُكثر من ذِكر الله تعالى ويعمل ما أوجب الله عليه ويجتنب ما حرم الله عليه، هذا هو الشاهد أو البينة علي صدق إيمان القلب.
إذاً الإيمان: إيمان القلب وإيمان اللسان وإيمان الجوارح، إيمان القلب يحتاج إلى شاهد وبينة، فإيمان اللسان وإيمان الجوارح هذه هي التي تشهد بصدق ما في القلب، هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة أو جمهور أهل السنة والجماعة.
والإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام عرفنا..
والإيمان بالملائكة: من جاء ذكرهم في الكتاب والسنة، آمنا بهم بأسماءهم وإلا فآمنا بهم بالجملة بأنهم جنود الله.
وآمنا بكتبه المُنزلة من الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن، وأن هذه الكتب كلها من كلام الله تعالى، الله تكلم بها، لفظها ومعناها من عند الله.
والإيمان بالرسل: واجب كما يجب الإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام إلا أن الإيمان بالرسول يمتاز عن الإيمان بجميع الرسل،
الرسل يجب عليك أن تُصدقهم في رسالتهم ولا تُكذبهم وتصفهم بالأمانة والتبليغ والفطانة وجميع الصفات الفاضلة والأخلاق الحميدة ولكن لا يجب عليك أن تعمل بشرعهم، النبي الوحيد الذي يجب عليك أن تعمل وتعبد الله بما جاء به وتُسئل عنه في القبر هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده خاتم النبيين والوحيد الذي يُسئل عنه كل ميت: ماذا تقول في الرجل الذى بُعث فيكم؟ لا يوجد مخلوق يُسئل عنه الميت في قبره إلا هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لا تُسئل عن مذهبك وإمام مذهبك وعن طريقتك وشيخ طريقتك وعن حزبك وقيادة حزبك كل هذا لا يرد، غير وارد، ؟إذ لا أساس لهذا كله ولكن تُسئل - بعد أن تُسئل عن ربك ودينك - تُسئل عن نبيك،
الأصول الثلاثة التي درستموها هي التي تحمل الأسئلة التي تُقدم للميت في قبره.
كما يمتاز الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام بما ذكرنا، يمتاز الإيمان بالقرآن عن الإيمان بالكتب السماوية،
الكتب السماوية كلها من الزبور والتوراة والإنجيل تؤمن بأنها من عند الله ومن كلام الله وأنها حق، لكن بالنسبة للقرآن تعمل به، تأخذ من القرآن عقيدتك وعبادتك ومعاملاتك وجميع أحكامك، كتاب العقيدة والعبادات والأحكام والإقتصاد والسياسة والأخلاق كتاب كل شيء، هذا مايمتاز به القرآن الكريم.
والإيمان باليوم الآخر: يبدأ من الإيمان بالبعث بعد الموت ثم مايترتب على ذلك من الحساب والميزان والصراط والاحوال والأهوال التي تجرى في عرصات القيامة، تؤمن بكل ذلك وكل ذلك غيب، من صفات المؤمنين: الذين يؤمنون بالغيب أي ما غاب عنك، عن علمك وسمعك وبصرك تصديقاًً لخبر الله وخبر رسوله عليه الصلاة والسلام.
تؤمن بالقدر خيره وشره: الإيمان بالقدر وبمراتب القدر شرطٌٌ لصحة التوحيد، من يدعي أنه موحد ولكن لا يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره هذا ينقض توحيده بمعنى: يجب أن تؤمن بأن الله علم كل شيء قبل أن يخلقه وكتب ذلك عنده وشاءه بالمشيئة العامة وأوجده على وفق ماعلم، هذا الإيمان واجب،
فإذا علمت ذلك وجب أن تستسلم وتؤمن بأن ما أخطأك في علم الله لا يصيبك أبدا وما أصابك في علم الله السابق لا يُخطئك أبدا وأن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن، هذا المقدار يكفي بالنسبة للإيمان بالقضاء والقدر معرفة هذه المراتب، وأما الخوض في أسرار القدر فمزلة القدم،
من يتسائل فيقول: لماذا هذا التفاوت بين العباد؟ غني وفقير، مريض وصحيح، عالم وجاهل، لماذا؟ لماذا يعطي فلاناً ولم يُعط فلان ؟ لماذا يُميت الأطفال والشيوخ الطاعنون في السن يمشون؟ لماذا؟
الدخول في هذه التفاصيل يؤدي إلى الكفر وإلى عدم الرضا بقضاء الله وقدره والخوض في الأسرار، لذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: القدر سر الله فلا نكشفه. أي لا نحاول كشفه، القدر الذي يعنيه علي رضي الله عنه وغيره بهذه الأسرار كما ذكرنا كافٍٍ للإيمان بالقضاء والقدر وهذا المقدار يجب على كل مسلم ومسلمة لا على طلاب العلم فقط بل من أركان الإيمان كل مسلم ومسلمة يجب أن يؤمنوا بأن الله علم كل شىء،
لا يوجد في هذا الكون من كفر وإيمان ومعصية وطاعة وبلاء ونعمة كل ما يتجدد معلوم عند الله من قبل ومكتوب ويقع كل ذلك بقضاءه وقدره وتدبيره وبقدرته ومشيئته، لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وهو فعَّال لما يريد، هذا الإيمان هو معنى الإيمان بالقضاء والقدر، فلا تنزعج إن حصل عليك شيء على خلاف هواك وخلاف ماتريد، تريد الغنا يأتيك الفقر، تريد الصحة ويأتيك المرض وهكذا، تريد أن يعيش ابنك فيموت.. يجب أن تُسلِّّم لله وتعلم أن هذا ليس بعبث، أمر عُلم فكُتب فقُدِّر، فإيمانك بهذا المعنى يحفظ دينك وعقيدتك وتوحيدك وإلا عدم الإيمان بالقضاء والقدر ينقض التوحيد فهو نظام التوحيد.
وقول جبرائيل بعد كل خبر: صدقت يدل على أن هذا السائل ليس إنساناًً عادياًً يريد يطلب العلم، يريد أن يسأل هذه الأسئلة ليسمع الحاضرون الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال له: صدقت أكد صحة ذلك الجواب لذلك يقول بعد كل سؤال من الأسئلة الثلاثة التي قبل الساعة قال له: صدقت.
بعد السؤال عن الإسلام والإيمان سأل عن الإحسان، ماهو الإحسان؟ قلنا الإسلام إذا جاء وحده منفرداًً يُفَسَّر يشمل أعمال القلوب وأعمـال الجوارح كذلك إذا ذُكر الإيمان وحده شمل أعمـال الـقـلـوب وأعمال الجوارح، يُشبهـونه بالمسكـين والفقير، إذا ذُكر الفقير والمسكين معاًً فُسر الفقير بإنسان قليل المال، ماله لا يكفيه والمسكين بالمعدم أو العكس على خلاف بين أهل العلم، كذلك الإسلام والإيمان إذا ذُكرا معاًً فُسر الإسلام بأعمال الجوارح والإيمان بأعمال القلوب، وإذا ذُكر كل واحد وحده دخل فيه الآخر.
وأما الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه
فيها أعمال وفيها تروك، مزاولة الصلاة والصيام والصدقة والجهاد هذه أعمال، مزاولة الأعمال، والتروك أيضاًً من الإيمان، تركك للمعاصى، تركك للظلم، تركك للسرقة، تركك للغيبة، تركك لارتكاب فاحشة الزنا إلى غير ذلك، كل ذلك من الإحسان، إيمان وإحسان وعبادة،
أن تعبد الله وتخشاه كأنك تراه أي إذا كان العبد واقفاً بين يدي الملك يراه يستحي أن يفعل شيئاًً لا يرضاه هذا الملك العظيم، ربك يراك ويسمع كلامك ويعلم ما في نفسك استحضارك لهذه المعاني حتى لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك هذا هو الإحسان درجة ليس بعدها درجة بمعنى: حسن المراقبة، يُسمى هذا حسن المراقبة، كأنك في كل لحظة، في كل ماتريد أن تفعل أو تترك، تتذكر، لا يغيب عن بالك بأن الله يراك من فوقك لا يخفى عليه شيء من أمرك ومطلع عليك وسميعٌ كلامك، يرى مكانك ويعلم ما في ضميرك، هذا المعنى يسمى الإحسان ويسمى المراقبة ويسمى المشاهدة، تشاهد هذا المعنى وهو الذي يقربك إلى الله حتى تكون عبداًً خالصاًً صادقا، يحملك هذا المعنى على الإخلاص وألا تعمل عملاًً إلا لوجهه سبحانه وتعالى تريد رضاه ومحبته وأن يكرمك في دار كرامته بل يحملك هذا المعنى على الصدق، الصدق بعد الإخلاص،
الإخلاص: أن تريد بعملك وجه الله، وأما الصدق: أن تريد بعملك وجه الله وأن تكون حاضراًً حين تعمل وخاشع الجوارح، خاشع القلب خاشع الجوارح هذا هو الصدق، هذا المعنى هو الذى يسمى الإحسان، لذلك قلنا هذه المراتب الثلاثة مراتب الدين الإسلامي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.. إسلام: فهو أوسع، أوسع الدرجات، إذ قد يكون الإنسان مسلماًً ولا يكون مؤمنا، قد يكون مسلماً بأن ينقاد في الظاهر، يصلى فيصوم وقلبه كافر، هذا إسلام المنافقين، أو دخل الإيمان في قلبه لكن ضعيف جدا ويطلق عليه أنه مسلم وليس بمؤمن فإذا وقر الإيمان في القلب، حقيقة تثبت في القلب وتؤثر في الجوارح هنا صار أضيق من الدرجة الأولى، لذلك قيل في أبى بكر: إنه لم يسبق الناس بكثرة صلاته وصيامه، في الصحابة من يُكثر الصلاة والصيام أكثر من أبى بكر الصديق،
لم يسبقهم بكثرة صلاة أو صيام ولكن سبقهم بما وقر في قلبه، بالحقيقة التي وقرت في قلبه، تعظيم الله ومحبة الله ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام المحبة الصادقة حتى خرج من ماله كله ويفدي رسول الله عليه الصلاة والسلام بنفسه ذلك هو الإيمان ولكن الإحسان وإن كان من حيث المعنى أوسع لكن من حيث أهله أضيق وأخص لأن المحسنين خاصة المؤمنين، نخبة من المؤمنين ليس كل مؤمن محسنا لا بل المؤمن الذي يصل إلى هذه ادرجة من شدة مراقبة الله، يعبد الله كأنه يرى الله، يخشاه كانه يراه، يستحي منه، لا يفقده حيث أمره ولا يجده حيث نهاه، الذين يصلون إلى هذه الدرجة هم قلة من المؤمنين أو طائفة من المؤمنين وليس كل مؤمن يصل إلى هذه الدرجة، هكذا فسر النبي عليه الصلاة والسلام الإحسان، فقال له جبرائيل صدقت، هذا السائل الغريب الذي لا يعرفه الصحابة، الذي يستغربون كيف يسأل ثم يُصدق؟!
وبعد هذا سأله عن الساعة فكان الجواب: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. متى تقوم الساعة بالتحديد لا يعلم ذلك إلا الله، وتقدير عمر الدنيا بكذا مليون خطأ، ليس هناك تحديدٌ حتى تعرف كم ذهب من عمر الدنيا وكم بقي، لا يعلم ذلك إلا الله، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ما المسئول عنها بأعلم من السائل أي لا الرسول يعلم عليه الصلاة والسلام ولا جبرائيل يعلم عليه السلام بل علم ذلك عند الله، لذلك انتقل فسأل عن أمارات الساعة، عن علامات الساعة، ذكر له علامة وقعت الآن ونعيش وسطها، العلامات كثيرة ولكن من باب المثال ذكر علامة ..

إنتهى الشريط الأول ويليه الشريط الثاني
 

شرح الأربعين النووية
الشريط الثاني
الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله -​

لذلك انتقى وسأل عن أمرات الساعة ... ذَكر له علامة وقعت الآن ونعيش وسطها، العلامات كثيرة ولكن من باب المثال ذكر علامة، من علامات الساعة بعث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول النبي عليه الصلاة والسلام بعثت أنا والساعة كهاتين أشار بالسبابة والوسطى أي سبقت الساعة كما تسبق الوسطى السبابة - تسمى المسبحة -أو إن الساعة لاصقة ببعثي ليس بيني وبين الساعة نبي،
ثم بعد ذلك علامات كثيرة أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام وأفرد أهل العلم بعض المصنفات بأمارات الساعة،
والآن نعيش في وسط كثيرة من تلك الأمارات:
كثرة الفتن، حدث ولا حرج،
كثرة القتال، حدث ولا حرج ليل نهار،
كثرة النساء وقلة الرجال كذلك لأسباب كثيرة منها: موت الرجال، لأن هذه الفتن وهذا القتال يأخذ الرجال فتكثر النساء،
كثرة الجهل وقلة العلم، في وقتنا هذا، يخفى هذا المعنى على كثير من الناس لأن الناس تلاحظ أن الثقافة انتشرت اليوم أكثر من ذي قبل بين الرجال والنساء ويحسبون أن هذه الثقافة هي العلم، ليس الأمر كذلك، العلم شيء والثقافة شيء آخر
الثقافة المعرفة، نوع من المعرفة لكن العلم الذي يقربك إلى الله ويبين لك ما أحل الله وما حرم الله وتعرف به العقيدة الصحيحة من العقيدة المنحرفة، وتعرف به السنة من البدع وتعرف وتحيط بجميع ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وتعرف الشبه حول الإسلام وحول العقيدة وحول الشريعة لترد تلك الشبه، قليل جدا من يتصفون بهذا العلم اليوم، لو تزودت بفكرة في العالم الإسلامي العربي أولا، الذي هو أولى أن يكون محل العلم ثم العالم الآخر لوجدت قلة قليلة جدا، بل هذا ينذر بأن رفع العلم قريب،
العلم يرفع بموت العلماء فإذا مات العلماء الربانيون والفقهاء المبرِّزون، رفع العلم، ما الذي يحصل، يتولى الجهال المناصب والإفتاء والقضاء، يحكمون بين الناس بغير ما أنزل الله، فيَضِلون ويُضِلون، هذا وقع الآن في كثير وكثير من الأقطار، اللهم سلم سلم
والأمارات التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تلد الأمة ربتها أو ربها فُسِّرت هذه الجملة بعدة تفاسير منها: يكثر التسرِّي بالجواري، ليلدن أولادا، والولد تابع للأب ويصير بمثابة سيد لوالدته من كثرة التسري وكثرة أولاد الجواري الذين يتبعون أبائهم من حيث النسب، إذا كان الأب سيدا فأصبح الإبن سيدا فتصير هذه الأَمَة التي هي مال لأبيه بمثابة جارية له أو يكثر بيع أمهات الولد، ينجب الرجل من أَمَة ثم يبيعها فيدور الوقت، يوما ما، الإبن يشتريها، يشتري أُمَّهُ،
معنىً ثالث كناية عن كثرة العقوق، يكثر العقوق في آخر الزمان، بحيث إن الولد يستخدم والده ووالدته كاستخدام الخادم فيُذِله ويسيء إليه ويتكلم عليه وربما ضَرَبَهُ،
هكذا هذه من أمارات الساعة
والعلامة الثانية: أن ترى الحفاة العراة، انتبهوا لهذه الوصاف، حفاة من شدة الحاجة، عراة من شدة الحاجة، عالة فقراء، رعاء الشاء..وإلى غد إن شاء الله لتكملة هذا الدرس وبالله التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
نواصل درسنا في الحديث الثاني من أحاديث الأربعين النووية وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف بقصة جبرائيل، قال السائل - وهو جبرائيل -:فأخبرني عن الساعة -بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان - قال له أخبرني عن الساعة، قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل فإن الساعة لا يعلمها غير الله لا جبرائيل ولا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأخبرني عن أماراتها أي علاماتها وأشراطها (يقال لها علامة وأمارة وأشراط، المعنى واحد) قال أن تلد الأمة ربتها وفي لفظ ربها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان
ذكر من علامات الساعة الكثيرة، ذكر منها علامتين اثنتين ونقتصر عليهما وإلا فالعلامات كثيرة وكثيرة جدا وصنفها أهل العلم إلى ثلاثة أصناف:
صنف يسمى الأشراط الأولى
ثم الوسطى
ثم الأشراط الأخيرة العظيمة التي هي قرب الساعة
أما الأشراط والعلامات الأولى فهي بالنسبة لكثير من الناس غير أهل العلم علامات خفية غير ظاهرة ولكنها يعلمها أهل العلم وقد صنف غير واحد من أهل العلم مصنفات في أمارات الساعة وأشراط الساعة وجاءت ذكرها في أحاديث صحيحة، من تلكم الأشراط والعلامات بعث النبي صلى الله عليه وسلم أو ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله "بعثت أنا والساعة كهاتين" أي تقدمت على الساعة كما تتقدم الوسطى على السبابة، وكل آت قريب وقد يتصور بعض الناس أن هذه الفترة من بعثه عليه الصلاة والسلام حتى تقوم الساعة زمن طويل ولكن ليس بطويل بالنسبة لما مضى من الدنيا لأن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، هكذا سبق الساعة وفي تفسير لبعض أهل العلم فإن الساعة لاصقة ببعث النبي عليه الصلاة والسلام إشارة إلا أنه لا نبي بعده من ذلك الوقت تتجدد العلامات والأمارات ولعله من المستحسن أن نشير إلى بعضها لكونها واقعة بالفعل ولأننا نعيش وسطها لينتبه السامع
من الأمارات التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام كثرة الهَرِي، قيل ما الهري قال القتال، وكل عاقل يدرك هذا الوقت بأن القتال كَثُرَ وأن الحروب إذا انقطعت من جهة اندلعت من جهات أخرى وأن هذا القتال في الغالب الكثير بين المسلمين أو بين المنتسبين إلى الإسلام وربما جرى القتال بينهم بدعوى الدعوة إلى الإسلام المقاتِل والمقاتَل، كل يدعي أنه يدعوا إلى الإسلام ويقاتل لأجل الإسلام، يقتل أخاه المسلم في زعمه للدعوة إلى الإسلام - يا سبحان الله - هذا مفهوم عزيز وخطير، ومن العلامات كثرة الفتن، الفتن أعم من القتال، قد يفتتن المرء في دينه فنسأل الله لنا ولكم السلامة، أن لا يجعل الفتنة في ديننا.
يفتن المرء في دينه، يراقَب لكونه يتردد إلى المساجد للصلاة، لصلاة الجماعة، يراقب لكونه يلتحي تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام وعملا بسنته، يراقب لكونه يَتزَيَى بالزي الإسلامي وهكذا إلى آخر تلك المراقبات، وتلكم المراقبات، ليس من اليهود ولا من النصارى ولكن من المنتسبين إلى الإسلام، فتن كقطع الليل المظلم، كثيرة ومتنوعة، وربما يعلم غيرنا أكثر مما نعلم الفتن التي تقع الآن، هذه كلها من أمارات الساعة ولعلها من الوسطى، منها كثرة الجهل، وكثرة الجهل أمر ملموس الآن، أين علماء المسلمون الجهابذة الذين كانوا يُعرفون في كل بلد بالعلم، تُضرب إليهم أكباد الإبل، أين هم الآن؟
ولو تجولت بذهنك في الأقطار لما وجدت في بعض البلدان عالما واحدا وقد تجد في بعض البلدان عالمين اثنين أو ثلاثة أو أربعة، أقل فأكثر، ولكن أكثر أقطار المسلمين لا يوجد فيها عالم واحد، عالم بالمفهوم الصحيح الذي يعلم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، الذي رزقه الله الفقه في الدين، من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، الفقه في الدين قَلَّ كثيرا جدا، بخلاف الثقافة العامة التي عمت الرجال والنساء، ثقافة يعيشون بها في هذه الحياة، معرفة علوم الدنيا، التي هي أشبه ما تكون بالصناعات، ومن تلكم العلامات:
كثرة النساء وقلة الرجال، ملموس جدا، ولذلك أسباب من الأسباب، تجد في كثير من البيوت يكثر عدد البنات ويقل عدد البنين وهذا ملموس، ومن الأسباب أن الرجال يقتلون كثيرا تأكلهم الحروب والقتال، ويكثر النساء وهكذا تظهر العلامات الكثيرة ولكن نقتصر الآن بالشرح على ما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، منها أن تلد الأمة ربتها أو ربها،
تقدم الكلام على تفسير هذه الجملة بكلام أهل العلم ولا بأس من الإعادة بالإختصار، قال بعضهم معنى ذلك: إنه يكثر بين المسلمين التسري من كثرة الجواري والإماء ويلدن ويكون الولد بمثابة السيد لأمه لأنه ينتسب إلى والده ووالدته مال لوالده فيكون بمثابة والده سيدا لوالدته التي هي الأَمَة، قال بعضهم عِند من يجيز بيع أم الولد أنها ربما تباع هذه الأمة بعد أن أنجب منها سيدها ومولاها ويوما ما من حيث لا يشعر، يشتريها الولد أو بنتها، فتكون عندهما بمثابة الجارية والخادمة، فتستخدم وربما تهان وقال بعضهم: كناية عن العقوق، يكثر العقوق في آخر الوقت بحيث إن الولد يستخدم الوالدين كما يستخدم الإماء والعبيد ويهينهما وربما أساء إليهما وربما ضربهما، هكذا ذكر أهل العلم هذه المعاني الثلاثة لهذه الجملة ولا بأس أن تتوافر كلها وتقع، وبالتجارب وقعت كلها، هذه من علامات الساعة،
العلامة الثانية، أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، كناية من أن أهل البادية الذين كانوا معروفين بالفقر والفاقة والحاجة، يسكنون المدن ويوسع الله عليهم بعد أن كانوا حفاة عراة عالة أي فقراء فيغنيهم الله فيتطاولون ويتفاخرون في رفع المباني والقصور، أمر واقع بالفعل، فإن كثيرا من أطراف المدن والعواصم التي كان يسكنها أهل البوادي في خيمهم، تحولت تلك الخيم إلى القصور الآن وصار أهل البادية الذين كانوا بدوا صاروا حَضَرا ويتطاولون ويتفاخرون في رفع القصور، فلان بنى عمارة فنحن ينبغي أن نبني مثلها أو أحسن منها وهكذا ولابد أن يقع ذلك لِيَصدُق هذا القول من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، كل هذه العلامات نعيشها الآن وتعرفها جميع الناس ..
بعد هذا انطلق السائل، السائل الغريب الذي يسأل، فإذا أجاب الأستاذ أو المسؤول يقول له صدقت، انطلق فذهب فيقول عمر: فَلَبِثْتُ مليا وفي لفض فَلَبِثَ مليا أي النبي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك في بعض الروايات قال النبي عليه الصلاة والسلام ردوه علي، كأنه يريد أن يشعرهم بأنهم لا يستطيعون رده فلم يجدوه شيئا فذهب، لأنه عند السؤال تمثل وتشكل بشكل آدمي، الملك لا يرى على خلقته الحقيقية ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل على خلقته إلا مرتين اثنتين: مرة عند سدرة المنتهى ومرة في الأرض في غار حراء هكذا ذهب فانطلق فلم يجدوه ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام يا عمر أتدري ما السائل؟ الذي كان يسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن الساعة وأشراط الساعة ثم ذهب، من هذا؟ قلت الله ورسوله أعلم قال إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، هذه الجملة تدل على عظمة هذا الحديث لأنه حديث اشتمل على الدين كله، الدين له ثلاث درجات وثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الإسلام
المرتبة الثانية: الإيمان
المرتبة الثالثة: الإحسان
هذا الدين كله. اشتمل عليها حديث جبرائيل
الإسلام الذي هو الإستسلام والإنقياد والقيام بأعمال الجوارح، عملا وتركا
الإيمان الذي يشمل تصديق القلب وقول اللسان وعمل الجوارح على أصح قولي أهل العلم أي عند الجمهور وقول بعضهم إن الإيمان هو التصديق فقط قول ضعيف ترده أدلة من الكتاب والسنة، التصديق كما تقدم من ادعى أنه مؤمن بقلبه أي بالتصديق ولكنه يرفض التلفظ بالشهادتين ليس بمسلم ولا مؤمن، وإن تلفظ بالشهادتين وترك الأعمال إتكالا على نطقه بالشهادتين وعلى ما يزعُم من التصديق ليس بمؤمن، إما أنه ليس بمؤمن أصلا أو ليس بمؤمن إيمانا كاملا، هذا التحفظ سببه ما نسب إلى بعض الأئمة كالإمام أبي حنيفة وأتباعه وأصحابه بأن الإيمان هو التصديق وفي رواية عنه التصديق والتلفظ بالشهادتين،
القول بأن الإيمان هو التصديق، هو الذي عليه الأشاعرة، من هنا تعتبر الأشاعرة من المرجئة لأن الإرجاء معناه التأخير، أخروا الأعمال عن الدخول في مسمى الإيمان وهذا الإرجاء ليس كإرجاء مرجئة أهل الكلام ويسمى إرجاء الفقهاء، إرجاء علماء أهل الكلام أخطر وربما يؤدي إلى الكفر وهو القول بأن الذنب لا يؤثر مع وجود الإيمان وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن إيمان جبرائيل وإيماننا بدرجة واحدة، إيمان أبي بكر وإيمان النبي، الإيمان كله بدرجة واحدة لا يزيد ولا ينقص،
ليس هذا هو قول الإمام أبي حنيفة فليذكر طلاب العلم إذا رمي الإمام أبوحنيفة بالإرجاء، إرجاءه غير علماء الكلام ويسمى إرجاء الفقهاء أي إن الأعمال وإن لم تكن داخلة في مسمى الإيمان ولكن لابد منها، بل الأعمال شرط في صحة الإيمان عند الإمام أبي حنيفة وأصحابه لذلك هذا القول لا يخرج الإمام أبا حنيفة والأشاعرة معا، لا يخرجهم من كونهم على السنة إذا سلِموا من المخالفات الأخرى وأما الإمام فقد سَلِم من المخالفات الأخرى وهو من أئمة أهل السنة والجماعة وأما الأشاعرة فقد ارتكبوا مخالفات كثيرة تنقلهم من دائرة أهل السنة والجماعة إلى دائرة المبتدعة ولكنهم مبتدعة ليسوا بكافرين بل يعتبرون مبتدعة من أهل البدع من أهل الكلام لأن الكلام كله بدع،
علم الكلام علمٌ مبتدع، لم يعرف إلا من عهد العباسيين إلى يومنا هذا، أما في عهد النبوة وأهل الخلافة الراشدة وفي عهد الأمويين، هذا السواد الأعظم من المسلمين لا يعرفون علم الكلام، لا الأشعرية ولا المعتزلة ولا الماتريدية، كلها فرقت تجددت ولا تزال الفرق تتجدد والأحزاب تتحزب إلى وقتنا هذا ولكن الحق أبلج والباطل لجلج، لا يشتبهان على طالب العلم، الشاهد، الإيمان أوسع دائرة من الإحسان كما أن الإسلام أوسع من الإيمان، أما الإحسان فمن حيث المعنى واسع لكن من حيث أهله ضيق جدا لأن المحسنين كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام هم الذين وصلوا من شدة المراقبة إلى درجة أنهم يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه رأي العين، إيمانا منهم بأن الله يراهم من فوق سبع سماوات ومن فوق العرش، يراهم ويسمع كلامهم لذلك من وصل منهم إلى درجة الإحسان لا يكاد يلتفت بقلبه إلى سوى الله ولا يغفل عنه في صلاته، يصلي كأن الله بينه وبين القبلة كأنه يراه، هذه درجة المراقبة الشريفة، والتوفيق بيد الله
هذا الحديث العظيم رواه الإمام مسلم في صحيحه
اقرأ الحديث الثالي..
وعن أبي عبدالرحمـن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان (رواه البخاري ومسلم)
الحديث الثالث من أحاديث الأربعين النووية، حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي عبدالرحمـن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا كذلك من لطائف هذه الأربعين اللطيفة، الحديث الأول، عن عمر، والثاني أيضا عن عمر، والثالث عن ابنه، رضي الله عنهما، يقول عبدالله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
بني الإسلام على خمس، على : هذا الحرف كما يعلم طلاب العلم، يؤَوَّل بحرف آخر من حروف الجر، وحروف الجر تتناوب، بني الإسلام من خمسٍ (من خمسة أعمدة) ليس على خمس أي ليس الإسلام شيئا آخر غير هذه الخمسة بل الخمسة من الأسس ومن الدعائم، دعائم الإسلام، ليس المبني (غير) المبني عليه كما يدل حرف على لذلك هذا الحرف يكون بمعنى الباء أو بمعنى مِن، بنيَ الإسلام من خمسة أعمدة العمود الأول والأساس،
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هما شهادتان كشهادة واحدة، بمعنى لو شهد الإنسان لله بالوحدانية، مصدقا بقلبه، متلفظا بلسانه، غير مخالف لما قال، ولكنه لم يشهد لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام بالنبوة والرسالة، لمَا نفعه التلفظ بالشهادة الأولى والتصديق، بل لابد من الجمع بين الأمرين، شهادتان كشهادة واحدة، شهادة أن لا إله إلا الله، أن يشهد بأنه لا معبود بحق إلا الله، وليس معنى شهادة أن لا إله إلا الله، لا خالق إلا الله، هذا هو المعروف عند الأشاعرة،
انتبهوا، إن كثيرا من المتكلمين منهم الأشاعرة يفسرون كلمة التوحيد بتوحيد الربوبية وهذا تفسير خاطئ، لا إله إلا الله كلمة التوحيد أي لا معبود بحق إلا الله، كلمة تشتمل على النفي والإثباث، على الكفر والإيمان، وهي معنى قوله تعالى أو يفسرها، يفسر هذه الشهادة، قوله تعالى خير تفسير: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها"، وأنتم تلاحظون إن الآية قدمت الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، لذلك يقال التخلية قبل التحلية،
أولا التخلية، أي تكفر بكل من وما يعبد من دون الله، وتؤمن بالله، ولو آمنت بالله، وعبدته ولكنك لم تكفر بمن وبما يعبد من دون الله -عفوا لا أمثل بك أيها المستمع- لو أن إنسانا عبد الله، عرفه وعبده، ولكنه لم يكفر بما وبمن يعبد من دون الله، ما نفعه هذا الإيمان لذلك خير تفسير لكلمة التوحيد، هذه الآية العظيمة، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، أنت تلاحظ حتى في الوضع، على وضع كلمة التوحيد، تقديم الكفر على الإيمان،
لا إله: لا معبود بحق، إلا الله، فمن يكفر بالطاغوت = لا إله، ويؤمن بالله = إلا الله، تماما، خير تفسير لهذه الكلمة هذه الآية، بمعنى يجب أن يكفر الإنسان بكل ما يعبد من الجمادات كالأضرحة والقباب التي يطاف بها، فتقدم لها القربات والنذور، وتستجلب بها الأرزاق، فيطلب من أصحابها ما لا يقدر عليه إلا الله، يجب الكفر بهذه المعاني، كما يجب الكفر بمن وبالعقلاء الذين يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم أو يبينون للناس عبادة غير الله كالذين يدعون إلى التحاكم بغير ما أنزل الله، إلى الحكم بغير ما أنزل الله، كالذين يدعون إلى الحكم البرلماني والمجالس الشعبية والمجالس الوطنية، تلك المجالس التي تحكم بآراء الرجال، أي رجال يُسمَون نواب البرلمان الذين يصدرون الأحكام، والعقوبات والقوانين، تاركين كتاب الله وما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، من لم يكفر بهذه المعاني كلها ما نفعه الإيمان بالله، "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله" بمعنى لا إله إلا الله، هذا معنى لا إله إلا الله، أما القول بأنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله ولا مدبر إلا الله، هذا المعنى صحيح ولكن ليس معنى لا إله إلا الله، هذا يسمى توحيد الربوبية أي إفراد الله تعالى بأفعال نفسه سبحانه، إفراده تعالى بأنه وحده هو الخالق الرازق المدبر، هذا التوحيد، لم يجهله أبوجهل، يعترف به، أبوجهل وأمثاله من المشركين موحدون بتوحيد الربوبية "ولإن سألتهم من خلق السماوات والأرض" ماذا يقولون؟، الله، لا يقولون اللات والعزة ومناة وهبل، أبدا، ماكانو يعتقدون في آلهتهم تلك، أنها تخلق وترزق وتدبر ولكن يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفا، إذا لا فرق بين اتخاذ أضرحة ومشايخ بدعوى أنهم شفعاء عند الله، يقول المريد أو الدرويش أو الخليفة، هؤلاء أهل الله، هم الذين يقربونا إلى الله، هم الذين يشفعون لنا يوم القيامة، وربما قال قائلهم، على ظهورهم نمر على الصراط.
لا فرق بين هذا الإعتقاد وبين اعتقاد المشركين الأولين تماما، أي إفراد الله تعالى بأفعال نفسه يسمى توحيد الربوبية، لا يجعل المرء مسلما حتى يضيف إلى ذلك، إفراد الله تعالى بأفعال العباد، بالدعاء، والإستغاثة، والنذر، والذبح والخوف والرجاء والتذلل والمحبة، هذه معاني العبادة، التي يجب ألا تكون إلا لله،
ومعنى أشهد أن محمدا رسول الله: أن تصدقه في كل ما أخبر وإن كانت الأخبار بالنسبة لعقلك غريبة، لا يجوز أن تعرض أخباره وأحاديثه عليه الصلاة والسلام، على عقلك أو على عقل شيخك، إن قبل العقل قبلت وإلا رددت، هذا مذهب العقلانيين، العقلانيون موجودون الآن، وهم أصحاب المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مقره في الولايات المتحدة، ينتسب إليه كثير من الكتاب اليوم، ممن ينتسب إلى ذلك نقول من باب النصح، الشيخ محمد الغزالي، والدكتور القرضاوي، من الكتاب العلمانيين، الذين لا يقبلون الأحاديث حتى توافق العقل، يعرضون على عقولهم، ما وافق العقل قبلوه وما خالف ردوه، اقرؤوا في السنة، آخر كتاب أو من أواخر كتب الغزالي "السنة وأهلها"، تجدون العجائب، أحاديث ثابتة في الصحيحين مردودة، لكونها مخالفة لعقله، ولعقول أمثاله،
الشاهد لا يتم الإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام ولا تَصْدُق في قولك أشهد أن محمدا رسول الله حتى تصدقه في كل ما أخبر إذا صح عندك، سواء كان ذلك من الغيب الماضي عن الأمم السابقة أو الغيب المستقبل كأشراط الساعة التي سبق أن تحدثنا عنها، أو الأحكام التي بيننا، يجب أن تصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما ثبث عندك في كل ما أخبر لتكون صادقا في قولك، أشهد أن محمدا رسول الله، أما إذا كنت لا تقبل أخباره وسنته إلا بعد العرض على أقوال الرجال وعلى المذاهب، وعلى العقلانيين، إيمانك برسول الله عليه الصلاة والسلام إما معدوم أو ناقص على حسب تفاوت الناس في ذلك،
وأن لا تكذبه، لأنه رسول والرسول يطاع ولا يعصى، يُصَدَّق ولا يكذَّب، وأن لا تعبد الله إلا بما جاء به عليه الصلاة والسلام، إن عبدت الله بعبادة مبتدعة من عندك أو من عند شيوخك اتهمت رسول الله عليه الصلاة والسلام بلسان الحال وإن لم تقل ذلك بلسان المقال، بأنه لم يبلغ البلاغ الكامل بل هناك نواقص، وهذا المعنى قد قاله الإمام مالك، إمام دار الهجرة رحمه الله، عندما قال: "من ابتدع في الإسلام بدعة فرآها حسنة فقد اتهم محمدا صلى الله عليه وسلم بالكتمان وعدم التبليغ"، روى عنه ابن الماجِشون،
كلام عظيم يفسر لك معنى أشهد أن محمدا رسول الله لا تعبد الله إلا بما علمت بأن هذه العبادة جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تبتدع صوما ولا صلاة ولا أورادا ولا أحكاما لم يأت بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، هكذا بني الإسلام على خمس، أي من خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم إقام الصلاة، إقام الصلاة: الإتيان بها تامة تُطَبِّق فيها صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصلاة من عِظَمِ شأنها، إن الله سبحانه وتعالى فرضها بعد أن رفع إليه نبيه عليه الصلاة والسلام إلى أن وصل في ليلة الإسراء والمعراج إلى مكان يسمع فيه كلام الله فالله خاطبه، وسمع كلام الله، فأوجب الله عليه الصلوات،
ثم لما نزل، أرسل خلفه من يعلمه الصلاة فتعلم عمليا، ثم صلى والصحابة ينظرون إليه ثم قال: صلوا كما رأيتموني أصلي -عليه الصلاة والسلام- هذا يدل على مكانة الصلاة في الإسلام، يقول بعض السلف: لا نعلم عملا أطلق على تركه أنه كفر غير الصلاة، يشير إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، العهد الذي بيننا و.............. الدين النصيحة، ثم الأمر الثالث: أنه لم يعذره بجهله، قل له صل فإنك لم تصل، نفى عن صلاته أنها صلاة، علما بأن الرجل اعترف بأنه لا يتقن غيرها، وما أكثر من ينقر كما نقر ذلك الرجل الصلاة اليوم، لا يتم ركوعها وسجودها، وخصوصا يخفف في الإعتدال، وفي الجلسة بين السجدتين بدعوى انه ينتسب إلى مذهب معين يرى أن الطمأنينة ليست بشرط في الإعتدال وفي الجلسة بين السجدتين لأنهما ركنان خفيفان، كلام بعيد، لا يُلتفت إليه، مع احترامنا لصاحب المذهب الذين ينسبون إليه هذا القول،
إذا إقام الصلاة هكذا، وبالمناسبة نجيب على سؤال سأله سائل وألح في الإجابة، يقول، كان يصلي مسدلا فترة طويلة هكذا، ولا يقبض، لا يضع يمناه على يسراه فوق الصدر، ثم علم سنية ذلك فعمِل، فيسأل هل صلاته التي كان يصليها مسدلا صحيحة أم لا، الجواب الصلاة صحيحة، صلاة من يسدل يديه في صلاته صحيحة، إلا أنها ناقصة من حيث الأجر، ليس كصلاة الذي يطبق صفات صلاة النبي عليه الصلاة والسلام كلها في صلاته، وهذا أمر معلوم، بقدر ما يترك المرء من السنن، ينقص أجر صلاته، والصلاة صحيحة، ثم ننبه هنا بالمناسبة، نسبة هذا العمل، إلى الإمام مالك، نسبة غير صحيحة، انتبهوا!! أكثر الحضور من المنتسبين إلى مذهب الإمام مالك، لا تقولوا لماذا هذا المذهب غير صحيح عن الإمام مالك، ما الدليل؟ الدليل أن الإمام مالك روى في موطئه وهو الكتاب الوحيد الذي ترك لنا، من يعلم للإمام مالك غير الموطأ، أنا لا أعلم له إلا هذا الكتاب، روى في هذا الكتاب حديثا عظيما، قال من سنن المرسلين، لم يقل من سنة النبي عليه الصلاة والسلام فقط، من سنن المرسلين، وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر هكذا، وهل معقول أن الإمام مالكا يروي هذا الحديث في موطئه ثم يصلي مسدلا، أكثر المالكيين إنما هم قاسميون وليسوا بمالكيين، أي ينتسبون إلى ابن القاسم، هذه رواية ابن القاسم هو الذي روى مسألة السدل........
من أحدث في الإسلام بدعة فرآها حسنة فقد اتهم محمدا صلى الله عليه وسلم بالكتمان وعدم التبليغ، الشاهد، وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر سنة من سنن الصلاة، ليس ذلك ركنا ولا شرطا، وإن عده بعضهم من الواجبات، ومن يرى أنها من الواجبات، يجبر بسجود السهو، والمشهور عند الفقهاء، أن تلك الصفة سنة من سنن الصلاة، ولا ينبغي التساهل بالسنن، لكن من حيث البطلان، الصلاة غير باطلة بل صحيحة بالإجماع، صلاة من فعل ذلك صحيحة بالإجماع ولكن الذي يؤخذ على من علم السنة ثم خالف السنة علما، تعصبا لهذا القول، هذا موقفه خطير، لأنه لا ينبغي لمن آمن بأن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقدم قول غيره على قوله عليه الصلاة والسلام، هذا لا ينبغي، لذلك ننصح إخواننا طلاب العلم الذين علموا هذه السنة، ورأوا ما في الموطأ وعلموا من صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يصل قط مسدلا، لم يرد ذلك لا في حديث صحيح ولا ضعيف، ومن علم ذلك لا ينبغي له أن يترك هذه السنة تعصبا، هذا ما ننصح به، وليس في هذه السنة فقط بل في جميع السنن، بما في ذلك رفع اليدين في أربعة مواضع،
رفع اليدين عند بعض الفقهاء إنما ثبت في موضعين اثنين، عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند بعضهم، عند تكبيرة الإحرام فقط، ولكن ثبت بالسنة، رفع اليدين بالمواظبة، في أربعة مواضع، عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وعند القيام من التشهد الأول، رفع اليدين هكذا، حتى يكون الكفان بمقابل المنكبين، والأصابع بمقابل الأذنين، وأما ما يفعله بعضهم يبالغ في الرفع، أو بعضهم يمسك بأذنيه هكذا، هذه لا، غير صحيحة، خلاف السنة، السنة هكذا ترفع، هذا هو الثابت، لنطبق نحاول أن نطبق صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في صلاتنا وذلك دليل على صدق المحبة وعلى صدق الإتباع، محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وليس معنى المحبة مجرد الدعوة بل المحبة التي تترجمها الأعمال والتطبيق والالتزام، ثم قال: وإيتاء الزكاة، الزكاة معروفة في أبوابها ولا نطيل فيها بل نحيل طلاب العلم على دراسة أبواب الزكاة في كتب السنة أو في كتب الفقه، وحج البيت أيضا كذلك وصوم رمضان، وهذا التقديم والتأخير هنا، الترتيب من باب الترتيب الذكري لا الترتيب العملي، وإلا الصيام مقدم على الحج.
اقرأ الحديث الرابع:

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛ فَوَاَللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا. رواه البخاري ومسلم

الحديث الرابع من أحاديث الأربعين النووية، كما سمعتم، حديث صحيح رواه البخاري ومسلم، 'عن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ' المصدَّق الذي كان يصدقه أهل مكة قبل أن يُبعث، يعرفونه بالأمانة والصدق، كان هذا شأنه حتى قبل النبوة، وقد هيئه الله لهذا الأمر العظيم، وحدثت له إرهاصات عظيمة عند ولادته ثم صانه الله صيانة قبل النبوة، ما قبل النبوة يسمى صيانة، وما بعد النبوة يسمى عصمة، صانه الله من جميع الأخلاق الرذيلة، كان معروفا بالصدق والأمانة والعفة وكان يترفع من مجالسة مجالس السفهاء إلى أن حببت إليه الخلوة ثم دخل غار حراء عليه الصلاة والسلام، هذا النبي الكريم، الذي أكرمنا الله بأن جعله حظنا من بين الأنبياء، هذه الأمة، أمة عظيمة، التي هي آخر الأمم، من حيث الزمن، وأول الأمم، عند دخول الجنة، وعلينا أن نعرف هذه المكانة لهذه الأمة وكيف أعزنا الله بهذا النبي الكريم، ونحرص على اتباع هديه عليه الصلاة والسلام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً
مَنِيٌّ منتشر في الرحم، يجمع الله ذلك الماء، ماء الرجل وماء المرأة، مختلطين، نطفة، لأن الولد يخلق من المائين، لذلك قد يظهر الشبه أحيانا، يميل شبهه إلى أمه وأخواله وأحيانا، إلى والده وأعمامه، ذلك كما ثبت إذا علا ماء الرجل، غلب عليه شبه والده، وإذا علا ماء المرأة بالعكس، هكذا في أربعين يكون نطفة، مجتمعة في الرحم،
ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً
فتجمد هذه النطفة فيكون علقة، كأنها علقة، أو قطعة من كبدة، دم غليظ، في أربعين يوما،
ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً
يجمد فيكبر من حيث الحجم، حتى يكون كلقمة تمضغ،
ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ بعد أربعة أشهر
وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وهو في بطن أمه، في الطور الثالث
بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٍ، هذا أحد المقادير، أما المرتبة الأولى من مراتب القدر، عِلم الله، عَلِم الله أزلا، كل ما يقع في هذا الكون قبل أن يقع، علم شقاوة الشقي، وسعادة السعيد وأرزاق الإنسان، وآجاله، أين يعيش وأين يموت، كل شيء معلوم عند الله، وهذا من باب الإيمان بالقضاء والقدر، أي ليس الأمر مستأنفا وليس ما يقوله بعض الملاحدة من علماء الكلام، بأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها، هذا باطل، يتنافى مع الإيمان بالقضاء والقدر لأن من مراتب القدر، أن تؤمن إيمانا لا تردد فيه، بأن الله علم كل شيء، كل صغيرة وكبيرة، قبل أن يخلق هذا الكون، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ كيف خلق وهو لا يعلم، لا يعقل حتى عقلا، الدليل العقلي يدل، على إحاطة علم الله تعالى بكل شيء، وإلا الذي لا علم له، ولا إرادة له، لا يخلق، وهذا الإبداع على غير مثال، دليل على قدرة الله تعالى على وجوده أولا ثم على قدرته، ثم التخصيص دليل على إرادته وعلمه سبحانه وتعالى، هكذا يعلم العبد ربه بهذه الطريقة، ويؤمن بالقضاء والقدر، فإذا علم ذلك، لا ينبغي أن يشغل باله بالرزق، وبالأجل، ولكن عليه أن يطلب فيحسن في الطلب، فيُجمل الطلب، الطلب سبب، وليس معنى كتابة هذه الأشياء بأن الإنسان يتَّكل على هذا الكتاب، ويترك الأسباب لا، سئل النبي عليه الصلاة والسلام هل نحن نعمل ..(نحاول إن شاء الله إتمام هذا الدرس بعد صلاة العشاء بتوفيق الله تعالى وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في شرح الحديث الرابع من أحاديث الأربعين النووية حديث ابن مسعود
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، لمدة أربعين يوم يكون نطفة، بعد اختلاط المائين ماء الرجل وماء المرأة، مني مجتمع وربما كان سارٍ في جسم المرأة فيتجمع في الرحم في أربعين يوما، من فعل الرب سبحانه وتعالى، ثم يكون علقة، فهذه النطفة تتحول إلى علقة، دم غليظ في أربعين يوما، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً كقطعة لحم في أربعين يوما، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ، ملك الرحم، الموكل بالرحم، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ بعد أربعة أشهر، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: يكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَو سَعِيدٍ؛
تمت كتابة هذه الأشياء، وهو القدر الثاني أو المرتبة الثانية من مراتب القدر، التي هي العلم والكتابة والمشيئة والتنفيذ، هكذا يكتب، وهل معنى هذه الكتابة، أن الإنسان لا يعمل فيتكل على كتابه؟ سئل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال، لما أخبره بأن الأمر ليس بأنف، بل إنما نعمل على أمر قد فرغ منه، قالوا أفلا نتكل على كتابنا، قال عليه الصلاة والسلام: إعملوا فكل ميسر لما خلق له، ومن خلق للجنة، يُسر لأعمال أهل الجنة، حتى يختم له بأعمال أهل الجنة، ومن خلق للنار، يُسر لعمل أهل النار، حتى يختم له بذلك فيدخل النار، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام، إنما الأعمال بالخواتيم، أي، قد يعمل الإنسان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يبدوا للناس - هذه عبارة عظيمة - يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة - فيما يبدوا للناس - ثم يسبق عليه الكتاب فيتحول في آخر لحظة من عمره فيعمل بعمل أهل النار فيختم له بذلك فيدخل النار، والعكس، قد يعمل الإنسان فيما يبدو للناس بعمل أهل النار، فيسبق له الكتاب، فيتحول ويعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، قوله عليه الصلاة والسلام -فيما يبدو للناس- دليل على أن سبب الشقاوة وسبب السعادة أمر خفي، إما في قلبه أو في عمله، لا يعلم ذلك إلا الله، قد يكون العمل الخبيث الذي يُدْمِ ره ويعمله ويواظب عليه، قد يكون سببا لسوء خاتمته، بحيث يختم له بذلك العمل، كأن يكون مدمنا للخمر، وقع من المدمنين [...]، إنسان مدمن، يلقن الشهادتين عند موته، سمع منه كما حكى بعض السلف أنه قال إنه كافر بذلك، يختم له هكذا، وقد يعمل فيما يبدوا للناس فترة طويلة بعمل أهل النار، ولكن في قلبه، يعلم الله خصلة من خصال أهل الجنة، كحب الإحسان والرحمة فيختم الله له بذلك بتلك الخصلة فيدخل النَّار، إنما الأعمال بالخواتيم،
بمعنى أن الإنسان عليه أن يعمل ويكد ويطلب من الله سبحانه وتعالى التوفيق، فإذا رأينا من يحرص ويعمل بعمل أهل الجنة، قد يكون ذلك من أول حياته حتى يختم له بذلك، فنرجو له خيرا ولا نشهد له بأنه من أهل الجنة، لأنه لا يجوز أن يشهد لمعين ولو مات على خير عمله، لا يُشهد له بأنه من أهل الجنة إلا من شهد له النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام ولكن من مات على خير عمله فارجوا له خيرا، يقال إن فلانا مات على كذا وهو يعمل الخير، وهو يجاهد، لا يقال لمن مات في المعركة بأنه شهيد، كما هو معروف عند كثير من الناس الآن، الشهيد فلان والشهيد فلان، لا هذا خطأ، فقل نرجوا له الشهادة، نرجو أن يكون شهيدا، لأنك لا تعلم ما في نفسه،
هل قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الشهيد، أو قاتل حمية وشجاعة، وليذكر وليعرف، وليقال إنه شجاع، لا تدري، لذلك الشهادة للإنسان بأنه شهيد بمجرد أن يموت في المعركة هذه من الأخطاء الشائعة، إنما يقال فلان نرجو له الشهادة، لأننا علمنا منه كذا وكذا، فلان نرجو له خيرا، الشهادة شيء والرجاء شيء آخر كذلك بالنسبة لمن يموت وهو مصر على الكبيرة لا يجوز أن تشهد عليه بالنار بأن فلانا مات وهو مدمن، وأن فلانا مات وهو يعامل بالربا، وأن فلانا مات وهو مرتكب فاحشة الزنا ولم يتب، فلان مات وهو سارق، أمثال هؤلاء لا يشهد عليهم بالنار ولكن يخاف عليهم ويقال أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم، إن علم الله فيهم خيرا وفي قلوبهم أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان لا يخلد في النار، يكون مآله إلى الجنة، وقد يقيد الله له من يشفع له، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وقد تكون له حسنات أخرى كثيرة تغلب على ذنوبه وكبائره هذه، وقد يرحمه الله وهو أرحم الراحمين، فيخرجه من النار بمحض رحمته، لذلك القول بأن من مات مدمنا ومن مات شاربا ومن مات سارقا إلى آخره أنه في النار مخلد [...] على الله ولا يجوز ذلك ولكن يخشى عليه، هذا موقف خطير ينبغي إدراك هذه المعاني، ومن الناس من يتحول كما أشرنا، ومن الناس من يوفقهم الله من أول حياتهم إلى آخر حياتهم ومنهم من يخذلهم من أول حياتهم إلى آخر حياتهم، هكذا الناس أقسام، موفق من أول حياته إلى أن يختم له بأعمال أهل الجنة ومخذول من أول حياته إلى أن يختم له بأعمال أهل النار، ومنهم من يعمل فترة طويلة بعمل أهل النار ويتحول في آخر حياته بتوفيق الله تعالى وبالعكس، هذه هي الأقسام في هذا الباب، وعلى العبد أن يتضرع إلى الله، الدعاء نفسه بتوفيق الله لذلك يقول عمر إذا ألجمت بالدعاء فإني لا أحمل همَّ الإجابة، أي إذا وفقك الله بالتضرع والدعاء والطلب والإلتجاء (علامة خير) وإذا رأيت من نفسك الإنصراف والإعراض عن الدعاء وعن طلب الله، هنا ينبغي أن تبادر بالتوبة وتراجع صحائف أعمالك والله المستعان.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فَوَاَللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ وفي الرواية التي أشرنا إليها، فيما يبدو للناس، هذه زيادة مهمة،
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا.
هذا الكلام فيه إجمال، هل يعمل بعمل أهل النار إلى درجة الكفر والردة، فيدخلها، دخولا فيه الخلود ولا خروج أو يعمل بعمل أهل النار الموجبة للنار ولكن لا يصل إلى درجة الكفر، فيدخلها، فيستحق دخولها ولا يلزم من ذلك الدخول الفعلي، ولكن مستحق للدخول، قد يسعفه الله بشفاعة الشافعين كما ثبت في باب الشفاعة لأن من أقسام الشفاعة شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس استحقوا دخول النار فيشفع لهم فيتقبل الله شفاعته، فيتحولون من النار إلى الجنة قبل دخول النار، ومن الناس من تتساوى أعمالهم، أعمال الخير وأعمال الشر، فيشفع فيهم النبي عليه الصلاة والسلام فتغلب حسناتهم على سيئاتهم فيدخلون الجنة، لذلك القطع بالدخول غير وارد، ومسألة وذكر الذراع، أي تكون المسافة بينه وبين الجنة ذراع مقدار ذراع والثاني المسافة بينه وبين النار مقدار ذراع، قال أهل العلم، هذه كناية عن قرب التحول، يعمل عملا يقربه إلى النار ثم يسبق له الكتاب فيتحول إلى أعمال أهل الجنة وبالعكس، هذا الحديث لابد أن تكون التكملة في الحديث الذي ذكرنا في رواية البخاري، إنما الأعمال بالخواتيم، لذلك لا يغتر الإنسان بكثرة صلاته وصيامه وأعماله الكثيرة بل ينبغي أن يخاف ويعمل، هذه صفات السابقين الأولين، يعملون فيخافون، هل تقبل أعمالهم هذه، وهل يختم له بهذه الأعمال، أو يتحول، يكون إلى الله بين الخوف والرجاء، يقال، إن الخوف والرجاء مقامان كجناحي الطائر، الطائر لا يعتدل طيرانه إلا بسلامة الجناحين معا، ولو تعطل أو اختل أحد الجناحين اختل طيرانه ولو ذهب أحد الجناحين، ما طار، كذلك العبد في سيره إلى الله، يعمل ويخاف، ويرجو بل إن من صفات المؤمن، من إذا عمل حسنة سرته حسناته، يفرح ويقول الحمد لله الذي وفقني إلى هذه الحسنة، وإذا عمل سيئة أساءته، تأسف وندم، هذه الإساءة أو هذا الندم يحمله على التوبة، حقيقة التوبة الإقلاع ثم الندم ثم العزم على أن لا يعود مرة أخرى، إذا سبقت هذه المعاني الثلاثة تمت التوبة، ولو فرض أنه غلبته بعد ذلك نفسه الأمارة بالسوء، أو شيطانه، أو قرناء السوء، عاد فرجع إلى تلك المعصية أو إلى غيرها، ليس معنى ذلك أن الثوبة الأولى انتقضت لا، التوبة قبلت بشروطها، إذا عاد مرة أخرى عليه أن يتوب، بذلك يكون من التوابين، هذا سر لطيف، ما معنى التواب؟؟
الذي كلما يخطئ، كلما يهفوا، كلما يذنب، بادر بالتوبة، تواب، إن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، التواب، الرجاع من وقت لآخر، ليس بمعصوم لكن عليه أن يصدق عند التوبة الأولى مع الله، إذا علم الله منه الصدق فقبلت تلك التوبة، ثم بحكم أنه بشر، الله يعلم كيف خلقه، لذلك يعذره إذا هفا مرة أخرى، لكن عليه أن يبادر ويحسن الظن بربه، الله عند حسن ظن عبده به، يحسن به الظن، بأن الله يقبله ولا يطرده من بابه، فنسأل الله لنا ولكم الثبات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحديث الخامس من الأحاديث التي جمعها الإمام النووي في الأربعين النووية المعروفة عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، رواه البخاري ومسلم
وفي رواية لمسلم، من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، هذا الحديث أحد الأصول، أصول الإسلام بل من أعظم أصول الإسلام، حديث عمر بن الخطاب إنما الأعمال بالنيات يعتبر أصلا من أصول الإسلام وميزانا للأعمال بالنسبة لباطنها، باطن الأعمال، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، يعتبر ميزانا للأعمال في باطن الأعمال، ثم العمل الذي لم يوافق هذا الحديث أي لم يحصل فيه الإخلاص لله سبحانه وتعالى لا قبول له، هذا معنى كونه ميزان الأعمال في الباطن، وهذا الحديث الذي عندنا، حديث أم المؤمنين رضي الله عنها، أيضا هو أصل من الأصول وهو ميزان الأعمال في الظاهر، ميزان لأعمال العباد في ظاهرها، أي في ظاهر الأعمال، بمعنى، من عمل عملا ليس عليه أمر الشرع فهو رد، والأعمال تختلف، أو تنقسم إلى قسمين: عبادات ومعاملات، هذه الأعمال التي يقوم بها العباد: عبادات ومعاملات، من عمل عملا من نوع العبادة فهو لا أصل له ولم يشرع أصلا ولم يُجعل قربة، وأراد أن يتقرب إلى الله بهذا العمل الذي لم يشرع، لم يأت به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن هذا العمل مردود، مردود على صاحبه وصاحب هذا العمل مؤاخذ لأنه ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله واتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان الحال لا بلسان المقال بأنه لم يبلغ البلاغ التام وهناك عبادات يمكن أن يقدمها أو يتقدم بها بعض العباد بين يدي الله تعالى فتكون عبادة مقبولة مرضية عند الله، هذه الأعمال غير المشروعة التي قد يعملها بعض الناس كالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالملاهي والرقص وكشف الرأس، ما تعبدَنا الله سبحانه وتعالى بالقصائد والأناشيد والملاهي، أنواع الملاهي والرقصات وأن يكون كشف الرأس عبادة، يثاب المرء على ذلك إلا في الحج، وأما الإشتغال ببعض الأناشيد والقصائد تقربا إلى الله بها، بتلك القصائد والأناشيد وببعض الرقصات التي يسميها بعض الناس أذكارا في بعض الأقطار، يجتمع الناس في بعض المناسبات ويسمون هذا الإجماع اجتماع الذكر، يتمايلون تمايلا على هيئة الرقص وهم يقرؤون أناشيد وقصائد، ويعتبرون هذه قربة، وهناك قصائد معروفة يتعبد بها كثير من المتصوفة كالبردة، قصيدة البردة والهمزية، وأمثالها، كل هذا العمل بدع، والأعمال والقصائد والرقصات التي تشترك فيها الدفوف، وآلات الملاهي يقصد بها العبادة، تعتبر بدعة سيئة واتهاما لرسول الله عليه الصلاة والسلام كما قلنا، بل فيه إيحاء بأن هذا الدين لم يكمل بعد، علما بأن الله أكمل هذا الدين وأخبر في حجة الوداع في آية كريمة نزلت في تلك الأمسية، "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، نزلت هذه الآية يوم الجمعة أمسية يوم عرفة، أخبر الله فيها أنه أكمل لنا هذا الدين، والكامل لا يقبل زيادة، إذا كل ما يأتي به الناس بعد ذلك يعتبر بدعة مردودة على أصحابها وقد تكون الأعمال مشروعة كذلك مسألة كشف الرأس، والتقرب إلى الله تعالى بالقيام، كأن ينذر الإنسان نذرا أنه يقف يوما أو ساعة تقربا إلى الله بهذا القيام، ليعذب نفسه، وهذا ما نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، شرع لنا القيام في الصلاة، القيام في وقوف يوم عرفة، وإن لم يكن ذلك شرطا في الوقوف يوم عرفة لم يكن القيام شرطا، لأن معنى القيام بعرفة الحضور هناك، سواء كنت واقفا أو جالسا أو مضطجعا، وعلى كل، نوع من القيام يكون عبادة، القيام في الصلاة عبادة، مع القدرة، القيام في يوم عرفة عبادة، مع القدرة، وما عدا ذلك، كون الإنسان يتقرب إلى الله تعالى بالقيام العادي، وقوف عادي هكذا، بدعة مردودة، شرع الله لنا كشف الرأس بل حرم علينا أن نغطي رؤوسنا ونحن محرمون وفي غير هذه الحالة لا ينبغي اعتبار كشف الرأس عبادة يتقرب بها إلى الله، وقِس على ذلك كثير من الأمور التي أحدثها كثير من الناس في الآونة الأخيرة، وقد تكون الأعمال مشروعية في أصلها، ولكن يزيد فيها الإنسان زيادة، الصيام مشروع والصلاة مشروعة ولكن لو زدت على الصلوات المشروعة، الصلوات الخمس تصلي ست، أو يصوم صياما مبتدعا كصيام نصف شعبان وصيام الرجبية، هذه كلها من الأعمال التي في الأصل مشروعة ولكنها ابتدعها بعض الناس في غير موضعها، وقد تكون البدعة بدعة إضافية بمعنى الذكر مشروع والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام مشروعة ومطلوبة، ولكن لو اتخذ كما يفعل بعض الناس، بعض المؤذنين في صلاة الفجر، الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام قبل الأذان نحو دقائق، يطلع فوق المئذنة فيدوم فيصلي على النبي صلى الله وسلم فترة من الزمن، عشر دقائق - ربع ساعة، ثم يؤذن ويستمر على ذلك، حتى يظن الظان، غير الدارس بتعاليم الإسلام أن هذا نوع من الأذان ومن أعمال الأذان، مثل هذا يسمى بدعة إضافية، أي إن الأعمال المشروعة إذا وضعت في غير موضعها أو زيد فيها تعتبر بدعة إضافية وكلها مردودة، هذا من باب العبادات وهناك معاملات كذلك قد يزيد الإنسان أو يرتكب معاملات منهي عنها، فتكون مردودة عليه كأن يصلي في مكان مغصوب أو في ثوب مغصوب.
فُرِّغ الشريط الثاني
 
شرح الأربعين النووية
الشريط الثالث
الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله -​



بسم الله ... ورحمته وبركاته على هذا النبي الكريم والرسول الأمين وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين وأهل بيته الطيبين الطاهرين، أما بعد،
هذا الحديث السادس من أحاديث الأربعين النووية عن أبي عبدالله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الحلال بين وإن الحرام بين , وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه, ألا وأن لكل ملك حمى, ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب، رواه البخاري ومسلم،

إن الحلال بين وهو ما بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أو بيَّنه رسوله عليه الصلاة والسلام فإما جاء به النص بأن هذا حلال وإن الحرام بين أيضا، فلم يترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته في لبس واضطراب في أمرهم بل بين لهم الحلال والحرام، ما من شيء يقربهم إلى الله إلا بينه لهم ودعاهم إليه وما من أمر يبعدهم عن الله ويسبب لهم سخط الله إلا بينه لهم وحذرهم منه، في هذا المعنى يقول أبوذر رضي الله عنه: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلى ذكر لنا منه علما، هذه كناية أنه لم يترك شيئا ملتبسا على الناس، معنى هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد قاعدة، نهى عن كل ذي مخلب من الطيور، ونهى عن كل ذي ناب من السباع، هذه من كليات الشريعة، وليس معنى ذلك أنه ذكر لنا أحكام الطيور طيرا طيرا، وأحكام السباع فردا فردا، ولكن قعَّد قاعدة يعرفها أهل العلم، أن أي طير له مخلب يصطاد به فهو محرم، وأي طير ليس له مخلب سواء عرفنا اسمه أو لم نعرف يوجد في بلدنا أو لا يوجد فهو حلال، وأي سباع له ناب يصطاد به فهو حرام عرفت اسمه أو لم تعرف وهكذا، بين للأمة جميع المحرمات من المأكولات والمشروبات والملبوسات وبين لهم الحلال أيضا وترك الأمر واضحا وقال لهم، تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، إذا كان الحلال بينا والحرام بينا، سواء كان ذلك في العبادات والمعاملات وفي الأطعمة والأشربة والملابس وغير ذلك، من أين تأتي
المشتبهات، وهناك أمور مشتبهة مقام بين الحلال والحرام، أو يحصل ذلك عندما يختلط الحلال بالحرام، إذا اختلط المال الحلال بالمال الحرام، وكان كسب الرجل ودخله من الحرام أكثر فهذا حرام يتجنب وإذا كان الحلال أكثر من المشتبهات فابتعدوا عنه، فإذا كانت في البلاد أطعمة كثيرة ولحوم كثيرة كوقتنا هذا، تأتي لحوم من أقصى الدنيا ولا ندري هل هذه اللحوم ذبحها مسلم أو أهل كتاب أو وتني أو مجوسي أو إنه لم يذبح ولكن الذبيحة قتلت بالكهرباء كما يحكى، هذه اللحوم المنتشرة في الأسواق من الورع عدم أكلها من المشتبهات، لا تجزم بأنها حرام ولا تجزم بأنها حلال، من الأمور المشتبهة التي ينبغي أن يبتعد عنها الورِع، إذا الحلال والحرام بينان بالنسبة لأهل العلم المطلعين على الأحكام الدارسين للكتاب والسنة ويحصل الاشتباه إما لقصر في العلم لقلة الإطلاع على الأحكام أو التبست عليه النصوص، لم يتبين صحتها من عدم صحتها أو إنها من الأمور المستجدة، لم يستطع أن يدخل هذه الأمور المستجدة في كليات الشريعة العامة ليحكم عليها بالحل أو بالحرمة من الأمور المشتبهة، كذلك بعض الأحكام التي وردت فيها نصوص ظاهرها التعارض ولم يستطع التوفيق بين النصوص، الأحوط أن يعتبر ذلك من المشتبهات فيبتعد، هكذا يتصور وجود أمور مشتبهات، قال لا يعلمهن كثير من الناس وقد يُشعر هذا أن أهل الفقه في الدين ليسوا هم الكثرة بل الكثرة في من تشتبه عليه الأمور فإذا كان هذا، يُفهم من هذا الحديث: عندما قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث، أما الآن فمن باب أولى، أهل العلم والفقه الذين يستطيعوا أن يبينوا الحلال من الحرام والحق من الباطل والسنة من البدعة والشرك من التوحيد والعقيدة السليمة من غيرها، قلوا جدا وهو من أمارات الساعات التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، من الورع أن تتقي الشبهات، الأمور المشتبهة، إذا ابتعدت عما اشتبه عليك حفظتك دينك وحفظت عرضك، أما دينك لأنك حفظته من الوقوع فيما يَحتمل الحرمة وأما العرض لأن لا يتسلط عليك السفهاء ويخوضوا في عرضك وربما تأثروا بك وتجرؤوا على إتيان المشتبهات أو اقتراف المحرمات خصوصا إذا كنت ذا شأن، إن كنت عالما أو طالب علم يقتدى بك، ابتدائك من مواقف الريبة أولى وأوجب، إذا كان الناس يقتدون بك ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، وقع في الحرام يحتمل، أنه من اقترف أمرا مشتبها عليه وخصوصا كما مثلنا إذا كان مال الرجل خليطا، الحرام أكثر من الحلال، وقوعك في هذا حرام، وقع في الحرام أو يوشك، وقع في الحرام أي قارب الوقوع في الحرام، كما يدل عليه المثل الذي ذكر، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ومن يرعى ماشيته حول الحمى قد قارب الوقوع في الحمى، قد قارب الوقوع فيما حرم عليه، إذا ينبغي الابتعاد عن الحمى، وعن الوقوع فيما حول ما حرم عليك ومن تعرض للأسباب والذرائع، تجره هذه الأسباب إلى الوقوع في الحرام، ومن خلى بالمرأة أجنبية قارب الوقوع في الحرام لأنه إذا خلى بها فالشيطان ثالثهما، يجره في الوقوع فيما حرم الله عليه، سواء كان وقع في الفاحشة بعينها أو في مقدمات الفاحشة، طالما خلى بها لا يسلم، ومن أراد السلامة لا يخلو بأجنبية، كذلك من يرسل امرأته أو قرينته بالطائرة وحدها من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى بلد بدعوى ليس في الطائرة خطورة، ما هناك خطورة وما هناك محظور، قربها للفتنة، فإن قبِلت وهي عاقلة وفاهمة، عرضت نفسها للخطر، وهذه من الأمور الواقعة المنتشرة الآن، لذلك ضربنا المثل بذلك، حدث غير واحد من الثقاة أن بعض النساء التي تسافر، سافرت امرأة من مطار إلى مطار، فركب بجوارها شاب فحصل الحديث بينهما عندما تقدم المشروبات في الطائرة، تفضل أنت خذ أنت خذ أنت، من هنا بدأ الحديث، وانتهى هذا الحديث إلى تحديد الموعد للقاء في الفندق الفلاني، أين السلامة؟؟ والذين يقولون من العقلانيين، إن تحريم السفر على المرأة وحدها كان في الجاهلية كان في الزمن الأول، عندما كانت العربية تسافر وحدها، ببعيرها ليس معها أحد وقد أخطأ هذا الذي تصور هذا التصور، سفر تلك العربية أقرب إلى الأمن من سفر المرأة اليوم في الطائرة أو في الباخرة، وخصوصا في الباخرة، تدخل بين مجموعة من الأجانب، في الباخرة غرف، تقع في غرفة ليس لها فيها محرم أو زوج، ما الذي يقع؟؟ ما يعلمه الله .. وقائع لو حدثنا بها، لاستغرب الحضور، نكتفي بالمثال الذي ذكرنا، الشاهد، هذا التساهل الذي انتشر الآن من سفر النساء، من سفر الإمرأة واحدة وحدها في الطائرة أو في الباخرة وخصوصا سفرها إلى الخارج، هذه عرضة ودعوة إلى الوقوع في الفتن، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لك ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، كما ينبغي أن يتحفظ من الوقوع في حمى الملك، ينبغي من باب أولى التحفظ من الوقوع في محارم الله، ومن الأسباب المؤدية إلى الوقوع في ذلك، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، القلب ملك للجوارح كلها، يوجه الجوارح، كما يريد وكما يشاء، إن صلح هو بالإيمان الصادق ومراقبة الله المراقبة الصادقة ومحبة الله وتعظيم شرع الله ومحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام والالتزام بسنته، هذه من الأمور التي تصلح القلوب، القلب، أول ما يصلحه فتقدم له الإيمان الصادق بالله، وبرسوله عليه الصلاة والسلام وبدين الله، ثم العمل الصالح الذي يغذي القلب ويحي، والإكثار من ذكر الله والإكثار من ذكر الموت، إذا أحييت قلبك وصلح هذا القلب صلحت الجوارح، "وإذا حلت الهداية قلبا ** نشطت في العبادة الأعضاء" نشاط الأعضاء في العبادة ونشاط المرء في العبادة والحرص على عبادة الله، والحرص على الطاعة والابتعاد عن المعاصي والرغبة فيما عند الله، دليل على صلاح القلب، وإذا فسد القلب بضعف الإيمان أو فقدانه، أو بالحسد والغل والجبن والبخل والشح، والوقوع في الشرك والبدع والخرافات وتعلق القلب بغير الله، إذا فسد القلب هذا الفساد فسدت الجوارح كلها، تجدها تميل إلى الوقوع في المعاصي، العين والأذن واليدين والرجلين والفرج يصدق ذلك أو يكذِّب، لذلك العاقل يحافظ على صلاح قلبه وعلى أن يغذي قلبه بذكر الله، وعلى أن يغذي قلبه ويحييه بمحبة الله، فمحبة الله تعالى روح الإيمان، الإيمان ليس بالدعوة، الإيمان، التصديق الصادق، والأعمال الصالحة والتلفظ بالشهادتين، يتكون الإيمان ويتألف من هذه العناصر الثلاثة، قلت التصديق الصادق، ليس التصديق المدعى، متى يكون التصديق صادقا، إذا رأينا أثر التصديق في أعمال الجوارح وفي الإكثار من ذكر الله تعالى وإلا دعوى بأن مؤمن بقلبك وأنت معرض بجوارحك عن الله، لا تُرى غالبا حيت أمرك، وربما تُرى حيث نهاك، معرض عن شرع الله، وعن كتاب الله، وعن تعلم ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام وربما ترك الصلاة، فإذا قيل له في ذلك قال: الإيمان هنا الإيمان في القلب، دعوى كاذبة لأن التصديق، تصديق القلب لابد له من مصدق، ليس كل تصديق تصديقا، كما أنه ليس كل إمساك إمساكا في الصيام، كذلك ليس كل تصديق تصديقا مقبولا، يجب أن يكون التصديق تصديق له بينة، وإلا فهي دعوى، البينة أن تُرى مقبلا على الله، راغبا فيما عندَ الله، تسير إلى الله بين الخوف والرجاء وهي أمور قد لا يستطيع الإنسان التعبير عنها وعلى كل، مجرد دعوى التصديق غير كاف، هكذا يصلح القلب وتصلح الجوارح، وهكذا يفسد القلب وتفسد الجوارح ... نعم

وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. (رواه مسلم)

الحديث السابع، من أحاديث الأربعين النووية عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله تعالى عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، في رواية مسلم كما هنا، ليس هناك تكرار، الدين النصيحة مرة واحدة، وعند بعض أهل السنن، الدين النصيحة الدين النصيحة ثلاث مرات، جملة مكونة من المبتدأ والخبر، الدين النصيحة، حصر النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في هذه الجملة، وهذا الحديث من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، مما خص الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم، عبارة يسيرة وجملة قصيرة تشتمل على أمور كثيرة، الدين النصيحة، كما سيأتي في تفسيره عليه الصلاة والسلام شمِل الدين كله، لم يبق دين وراء هذا، قلنا لمن؟؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، من نصح لهؤلاء، من نصح لله ونصح لكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وولاة أمور المسلمين ولعامة المسلمين كمُل دينه، وبقدر ما تنقص النصيحة، ينقص دين المرء، كيف ينصح لله؟، النصح مأخوذ من قولهم نصح الرجل ثوبه أي خاطه لأن الناصح يسد الخلل الذي يراه في دين المنصوح له، بالنسبة للنصيحة للمخلوق، كذلك، أو مأخوذة من نصح العسل إذا صفاه، لأن الناصح يصفي دين المنصوح له من الخلل والشبه والشركيات والبدع، ليكون دينه صافيا خالصا، هذا أصل النصيحة، النصيحة لله، أن تعرفه حق المعرفة، كيف تعرف الله؟؟ إذا عرفت نفسك على حقيقتك، عرفت نفسك بأنك مخلوق ضعيف جاهل ضال لولا الله، عرفت ربك بأنه الخالق وبأنه العالم المحيط علمه بكل شيء وأنه القادر على كل شيء، وإذا عرفت نفسك بأنك محدث، مخلوق بعد أن لم تكن، عرفت ربك بأنه الخالق، هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، المحيط بعلمه بكل شيء، كان الله ولا شيء غيره، كان الله ولا شيء معه، عرفت ربك الذي تعرفه بفطرتك قبل أن تتغير فطرتك، تعرف بفطرتك وعقلك السليم بأنك تدعو الله من فوق، من فوقك، الله، لكن قد تقع في جهل في أن تجهل ربك بسبب ثقافتك، هذه المشكلة، المشكلة القائمة الآن، قد يكون الإنسان عارفا بربه، بفطرته، يلتفت ضميره إلى فوق قبل أن يرفع يديه وقبل أن يرفع بصره، إذا قال يا الله، قلبه التفت إلى فوق، فإذا هو يدرس عقيدة تسمى العقيدة الأشعرية، فإذا بنا نسمع أن يقول: الله في كل مكان، الله في كل شيء، جهل ربه بعد أن كان عالما، الذين ثبتوا على الفطرة وسلمت لهم فطرتهم لا يزالون إلى يومنا هذا، العجائز يعرفن ربهم أكثر من كثير من الدكاترة، لو سألت عجوزا أين الله، لقالت دون تردد في السماء، دون أن تتردد، لكن لو سألت دكتورا أشعريا، قلت له أين الله، قال لك في كل مكان، قل له ابحث أين هو في أي مكان، جهل طارئ بعد علم سابق، وهو أخطر، الجهل الطارئ أخطر، هذا ما تعيشه طبقة من المثقفين، جهل بربهم،

سئل عبدالله بن المبارك، بم نعرف ربنا، قال تعرفه بأنه مستو على عرشه بائن من خلقه، وعلمه في كل مكان، لا يخلو مكان من علمه، وهو معنا بعلمه، يرانا ويسمعنا ويعلم ما في نفوسنا، الله يعلم ما في نفسك أكثر مما تعلم أنت من نفسك، قد يكون في جوفك في داخلك شيء لا تعلمه أنت، حتى الجهاز الحديث من أجهزة الأطباء يعجز أحينا أن يدرك بعض الأمراض الخفية الجوفية، الله مطلع على ذلك ويعلم منك كل شيء، إذا، الله معنا حقيقة، بعلمه واطلاعه وتدبير أمورنا، لا يخفى عليه شيء من شؤوننا، هكذا تعرف ربك، ثم تعبده عبادة خالصة له، طالما هو متصف بهذه الصفات بالخلق والرزق والتدبير والعطاء والمنع وغير ذلك، هو وحده الذي يستحق العبادة، الذي لا يفعل شيئا من ذلك لا يستحق العبادة، لو عبدته ظلمت نفسك، فصارت عبادتك ظلما لأنك وضعتها في غير موضعها، إذا عرفت ربك حق المعرفة وعبدته حق العبادة وأخلصت له العبادة وعظمت شرعه وعظمت كتابه، الله أنزل الشريعة لمذا؟؟ لنعمل بها، تعظيم شرع الله العمل بها، العمل بالحلال والحرام والكفر والإيمان والشرك والتوحيد والبدع والسنة، أن تعرف كل هذا وتعمل، بهذا تعظِّم شرع الله، تعظيم شرع الله تعظيم لله، هذا بالاختصار النصح لله، والنصح لكتاب الله، تؤمن بأن هذا الكتاب الذي تتلوه وتحفظه كلام الله حقيقة لفظه ومعناه، أنزله ولم يخلقه، ليس بمخلوق ولكنه منزل، تكلم الله به واختار لإنزاله من رباه فأحسن تربيته، ورعاه رعاية خاصة وأدبه فأحسن تأديبه، واصطفاه وارتضاه ثم بعثه إلى الثقلين عامة، انزله على هذا النبي الكريم، وبلغته، وبذلك شرفه وشرف أمته، وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون، هكذا قال الله في القرآن، إنه لشرف لك يا محمد هذا القرآن وشرف لقومك فسوف تسألون، إنذار بعد هذا التعظيم وهذه البشرى، سوف تسألون عن هذا القرآن، الذي شرفكم الله به، اختار لغتكم من بين سائر اللغات فأنزل بها كلامه، تؤمن بهذا القرآن، وتأخذ منه عقيدتك، وأحكامك في كل شيء، في المعاملات، والجنايات، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، هو كتاب كل شيء، كان هذا القرآن، في صدر الإسلام، في عهد النبوة، وعهد الخلافة الراشدة وفي عهد الأمويين، كان هو كل شيء، ليس للمسلمين كتاب غيره، لا يوجد كتاب توحيد أو كتاب فقه أو كتاب أحكام، هو كل شيء، القوم اكتفوا بهذا القرآن واستغنوا به عن غيره، أعزهم الله، وجعل لهم الكلمة وجعل لهم الهيبة، وسيطروا على العالم، لأنهم نصروا الله فنصرهم فنصروا دينه، وآمنوا بكتابه الإيمان الصحيح، فنصرهم الله وعزهم وشرفهم، تؤمن بهذا الكتاب كما آمن الأولون، لا تقل أنه مخلوق، بل كلام الله المنزل، ثم لماذا نزل، لماذا نزل هذا القرآن، ما الهدف؟ ليس لعبث، عبارة عن رسالة بعثها الله إلى عباده في الأرض، واختار من بينهم من يبين لهم ما يحتاج إلى البيان، هذه الرسالة الهدف منها قراءتها وتدبرها وتعقلها وفهمها ثم العمل بها، الهدف العمل، أما طباعة المصحف، ونشر المصحف بين الناس وحفظ الكتاب، حفظ القرآن وإنشاء مدارس لتحفيظ القرآن وكليات الحديث وكليات القرآن، هذه كلها وسائل، وسائل حفظ الله بها كتابه، لأنه تولى حفظ كتابه، بهذه الوسائل حفظ الله الكتاب، لكن ما هي الغاية؟؟ العمل، ليس غير العمل شيء، معنى العمل، تعتقد عقيدته، الكتاب فيه العقيدة كلها، فيه توحيد العبادة، توحيد الربوبية، توحيد الأسماء والصفات، شؤون المعاد، النبوات، كل هذه العقيدة المطلوبة من المسلم في هذا المصحف، جاءت السنة تبين وتوضح، ما أجمل الله في الكتاب، الله عليم حكيم، أنزل هذا الكتاب المبين ولكن أجمل بعض الأحكام ثم بين ذلك الإجمال بالوحي الثاني، هما وحيان: وحي يتلى ويتعبد بتلاوته، القرآن، وحي يحفظ ويعمل به ولا يتعبد بتلاوته، السنة، كلاهما من عند الله، حتى لا يقول قائل، كيف يحتاج القرآن إلى البيان، هذا السؤال غير وارد، لو كان البيان من عند غير الله، يقال، كيف يحتاج كتاب الله إلى البيان، لكن إذا كان الإجمال والبيان من عند الله، يجمل أحيانا في الوحي الذي يتلى، ويبين ذلك الإجمال، في الوحي الثاني، إذا، الذي أجمل وبين فسر وفصل هو الله، إذا السؤال غير وارد، القرآن مبين لهذا المعنى، معنى هذا لابد من دراسة السنة مع القرآن، القرآن لا يفهم الفهم الكامل إلا بضميمة السنة إليه، لأنهما من عند الله، أحدهما من عند الله لفظا ومعنا، القرآن، وأحدهما من عند الله معنا لا لفظا، السنة، أي الله يوحي إلى نبيه عليه الصلاة والسلام معاني فيعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المعاني بألفاظ من عنده، بني الإسلام على خمس، وهل النبي عليه الصلاة والسلام لو لم يكن نبيا موحىً إليه، يستطيع أن يخبر بني الإسلام على خمس، لا، إذا هذا وحي، ولكن الألفاظ من عند النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام، هكذا ننصح لكتاب الله، ونتخذه كتاب كل شيء، أما مع طول الزمن، إذا جاء قوم، يقولون: إنما في هذا القرآن من الأحكام للأولين ونحن نتلوه في رمضان ونتبرك بتلاوته ونقرأ لموتانا ونهدي الثواب لموتانا وكفى، أما العقيدة فنأخذها من الكتب الأشعرية، وأما الأحكام فمن رجال القانون الذين يضعون القوانين المناسبة لهذا الوقت، قوانين مرنة ليس فيها قصف الرقبة ولا قطع اليد ولا ضرب الظهور، أحكام مرنة تساير ركب الحضارة، غرامات مالية، سجن، مدد متفاوتة، وهكذا، هذا هو المناسب أما الأحكام التي في القرآن، لا، غير مناسبة اليوم، من وصل به التطرف إلى هذه الدرجة ارتد عن الإسلام، من اعتقد أن الأحكام الوضعية سواء كانت وضعية مستوردة أو وضعية محلية أو سواليف من سواليف مشايخ البادية، من رآى بأن هذه تساوي حكم الله أو أحسن وأليق وأنسب فهو مرتد، فليعلم مسبقا، لا تنفعه صلاته ولا صيامه، لأنه لم يؤمن بكتاب الله، هكذا ننصح لكتاب الله، النصح لكتاب الله نصح لله، ونتيجة النصيحة راجعة علينا، لأن الله غني عنا، لا تضره معصيتنا ولا تنفعه طاعتنا، وإنما نحن المقصودون بنتيجة هذه النصيحة، النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت أشهد أن محمدا رسول الله يجب أن تعمل بهذه الشهادة، من العمل بهذه الشهادة أن تصدقه في كل ما أخبر وأن لا تعرض أخباره وأحاديثه وسنته على عقلك أو على عقول العقلانيين، لتقبل ما قبله العقل وترد ما رده العقل، هذا هو الجهل اليوم للأسف عند المثقفين الذين سموا أنفسهم بالعقلانيين، أنشئوا لهم معهدا كبيرا يسمى المعهد العالي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة هناك، ليس في دار الإسلام، ولكن زبائنهم هنا موجودون في البلاد الإسلامية الذين يؤمنون ويسمون العقلانيين بأولي الألباب، قال لك قال أولوا الألباب، إذا سمعت في كتب بعض الكتاب المعاصرين قال أولو الألباب هكذا تعرف أنهم العقلانيون الذين رفضوا كثيرا من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها وقد تصل إلى حد التواتر لكونها لا توافق عقولهم، ليس من الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام أن ترد سنته بعقلك أو عقل شيخك ومشايخك، يجب أن تصدقه في كل ما أخبر إذا صح الحديث عندك، سواء كان في إخباره عن الغيب الماضي عندما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن ما مضي أي ما جرى بين الأنبياء وأممهم كأنه يعيش بينهم عليه الصلاة والسلام وأخبر عن الغيب المستقبل أي ما حدث بعد زمانه، من ذلك الغيب منه ما وقع ومنه ما هو واقع اليوم نعيش وسطه ومنه ما سيقع ونحن نؤمن بالذي لم يقع كإيماننا بالذي وقع، تماما، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الغيب المستقبل عن كثرة الفتن، تكثر الفتن، ما من أحد منا اليوم أنه يحس بهذا كثرة الفتن وما أكثرها، قلة العلم، هذه أمور ملموسة الآن نعيش وسطها، ونصدقه في كل ذلك، نؤمن بظهور المسيح الدجال ونزول عيسى......أما المهدييون، المهدويون الذين ادعوا المهدية كثيرون، المهدي الذي كان في الخرطوم، والمهدي القحطاني الذي هو آخرهم وكثير جدا، هم الدجاجلة الذين ظهروا في آخر الوقت كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، أما المهدي المنتظر فيظهر هو وعيسى والمسيح الدجال في وقت واحد، يتولى المهدي الولاية العامة للمسلمين، يتولى عيسى الولاية العامة للمسلمين، ويحكم بشرع الله ....... بالإيمان لابد أن تنظم إليها المحبة الشرعية الرسالية، ومن يحب الذات المحمدية، ويعظم ويقدر ويقول إنه عبقري، ككثير من المستشرقين وهم يخالفونه ولا يؤمنون برسالته ما نفعهم ذلك التقدير والاحترام، وقد كان أبوطالب يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة ذاتية قرابية لا محبة رسالية إيمانية، لم تنفعه تلك المحبة، مات كافرا، ولم تنفعه شفاعته عليه الصلاة والسلام في خروجه من النار، "إذ لا تنفعهم شفاعة الشافعين" ولكن خففت عنه العذاب، أخرجه النبي عليه الصلاة والسلام من قعر النار كما أخبر عن نفسه وجعله في ضحضاح من النار يلبس نعلين يغلي دماغه منهما، بمعنى الذين يتغنون ويقرؤون القصائد والمديح ويدعون محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام المحبة الذاتية وهم لا يعملون بسنته ولا يرفعون رؤوسهم لتعلم ما جاء به، فليراجعوا إيمانهم الإيمان الصحيح والمحبة الصحيحة طاعته وتصديقه وتعظيم ما جاء به عليه الصلاة والسلام وأن لا تعبد الله إلا بما جاء به هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولو عبدت ليلك ونهارك، عبادة كثيرة وطويلة لكن مخالفة لما جاء به هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ما قبلت عبادتك، هكذا تنصح لرسول الله عليه الصلاة والسلام وفي واقع الأمر إنما تنصح لنفسك، ولأئمة المسلمين وعامتهم، أئمة المسلمين ولاة أمور المسلمين، من الأمراء الصالحين والعلماء العاملين، أهل الحل والعقد، تنصح لهم تدعوا لهم بالصلاح وتنصح لهم وتسدي لهم النصح وتبين لهم الحق وتبين لهم ما يقعون فيه من القصور، كل ذلك بأسلوب غير منفر، ولكن ليس من النصح أن تخاطبهم بغلظة لأنهم، لأن ولاة الأمور مهما فسدت أحوالهم، لا يصلون إلى درجة فرعون، ماذا قال الله لموسى وهارون، "فقولا له قولا لينا" بدعوى بأن بعض الولاة، بعض ولاة الأمور لا يحكمون الشريعة فلابد من الغلظة والشدة والعنف معهم والمظاهرة ومحاولة الانقلاب، هذه كلها أساليب جاهلية ليست من الإسلام في شيء، الواجب: تدعوهم بالحكمة وبالتي هي أحسن وبلين الكلام فتطالبهم بأن يحكموا شرع الله بين عباد الله، وتتابع هذه النصيحة بأساليب مختلفة بواسطة وبغير واسطة وتحتسب الأجر على الله في ذلك ولو أوديت وتدعوا لهم لأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمـن يقلبها كيف يشاء، لذلك ينبغي أن تكثر لهم من الدعاء بالصلاح وأن يشرح صدورهم للإسلام ويحبب إليهم الإيمان والعمل الصالح ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأما إثارة الضوضائيين للخروج على ولاة الأمور في كل مكان، إفساد في الأرض، دعوة إلى اضطراب الأمن في الدنيا كلها، أمثال هؤلاء ليسوا بدعاة ولكنهم مخربون ومفسدون، الداعية يعرف بالنصح الصادق وبلين الكلام وبمحبة الخير للناس وبمحبة الهدوء وانتشار الأمن بين المسلمين، هؤلاء هم الناصحون الصادقون، والنصح لعامة المسلمين، ذلك بتعليم جاهلهم وتذكير غافلهم ونشر العلم بينهم وأن تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأهم شيء في نصح عامة المسلمين وعوام المسلمين التعليم، التعليم، العلم قبل القول والعمل، لا عبادة تقبل ولا عمل صالح يرفع إلا بالعلم، إذا كما تحرص في نفسك أن تتعلم، يجب أن تحرص أن تعلم الناس وأن تيسر لهم سبل العلم وأما إذا حاولت تجميع الناس حولك وتجهيلهم وعدم تحريكم بدعوى أنك تقدر خواطرهم، لا تقول للمسيء صلاته أسأت في صلاتك فصل فإنك لم تصل، لا تقول لمن يدعوا غير الله لا تشرك بالله، لا تقول شيئا، تقول كلكم مسلمون، تعالوا بنا، ادخلوا بلا شرط ولا قيد، هذا ليس بنصح هذا غش، نرجع إلى ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الصحابة، يرى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام رجلا يصلي فيسيء في صلاته وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيأتي الرجل بعدما صلى فيسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فيرد عليه السلام، فيقول له إرجع فصل فإنك لم تصل، فكرر هذا ثلاث مرات وفي المرة الثالثة اعترف بجهله فقال والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها، إستنبط من هذه القصة فقها عظيما وهو يجب إهتمام العلماء وطلاب العلم بعبادات عوام المسلمين، بالتصحيح، تصحح عباداتهم، لمن يسيء صلاته تقول أسأت في صلاتك فصل، ولمن يسيء في طهارته وفي ملابسه يجر ثوبه وفي كل من يدخل خلل في عبادته، يجب أن تنصح، تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام، كونه يقبل النصيحة أو لا يقبل، هذا أمر آخر، عليك أن تبلغ وتنصح قبلت النصيحة أو لم تقبل، إذا كان تصحيح العبادة واجبا فتصحيح العقيدة من باب أولى، نأخذ كذلك لذلك مثالا: من فعله عليه الصلاة والسلام وتصرفه، رجل قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام ما شاء الله وشئت، عطف مشيئة النبي عليه الصلاة والسلام على مشيئة الله بالواو، الواو تقتضي الجمع والمساواة، كأنه يقول إن مشيئتك يا رسول الله كمشيئة الله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام لا، غضب، أجعلتني لله ندا، تجعل مشيئتي كمشيئة الله؟ مشيئة العباد تابعة لمشيئة الله، وما تشاءون إلا أن يشاء الله، هذا الغضب وهذا النصح ماذا يعني؟ اهتمامه عليه الصلاة والسلام بتصحيح عقيدة المسلمين، وهذا هو الواجب على كل مسلم، أما كونك تراعي خواطر الناس، لو قلت له هذا غير صحيح، هذه الصلاة غير صحيحة، وهذا القول غير صحيح، وهذا شرك، وهذه بدعة، والناس تغضب، وتنفر الناس، إذا أنت تحاول القيادة، أن تقود الناس ويسيروا خلفك كالقطيع، أين النصح؟ هذا علم غش، يجب أن تنصح لإخوانك المسلمين، لتصحيح عباداتهم، وتصحيح عقيدتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وهكذا حتى تحب لهم كلما تحبه لنفسك، هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وآله وأصحابه، إذا كان أحد لديه سؤال، لا بأي أن نسمع الأسئلة..

من أحاديث الأربعين النووية عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله، حديث عظيم وأصل من أصول الإسلام لأن أكثر الأحاديث التي اختارها الإمام النووي وأثبتها في هذا الكتيب، أكثرها من الأصول والقواعد وهذا الحديث منها، الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما يقول عليه الصلاة والسلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، أي أمرني ربي أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وهذا القتال يأتي بعد العرض كما هو معروف من سيرته عليه الصلاة والسلام، يعرض الدعوة على الناس وربما زارهم في أسواقهم وفي تجمعاتهم وعرض عليهم الدعوة والإسلام، فمن استجاب فذاك، وفي أول الإسلام، كان العرض والدعوة بالتي هي أحسن بدون قتال، وبعد أن أذن الله له أن يقاتل، أصبح القتال والجهاد أسلوبا من أساليب الدعوة إلى الإسلام، أي من وقف في سبيل سير الدعوة الإسلامية وحاول إيقاف سيرها ووصول الإسلام إلى الناس يقاتل، إن كان من أهل الكتاب، المطلوب منه أن يدخل في الإسلام طوعا لا كرها وإلا تضرب عليه الجزية، وإن كان من المشركين، ليس هناك إلا القتال، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، كان يقاتل رسول الله عليه الصلاة والسلام على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله أي حتى يوحدوا الله في عبادتهم ويجردوا المتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ما كان يقاتلهم حتى يقروا بربوبية الله تعالى وبأنه خالق السماوات والأرض ومدبر الأمور، هذا التوحيد المعروف بتوحيد الربوبية، معلوم لدى القوم من قبل وهو توحيد فطري يقر به المسلم والكافر على حد سواء، توحيد الربوبية الذي يسرف فيه كثير من الناس من المتأخرين أعمارهم في إقراره توحيد لا نزاع فيه، لم يحصل نزاع بين الأنبياء وأممهم وبين المصلحين والمدعوين إلى الإسلام، لم يختلفوا قط ولم يكن محل نزاع توحيد الربوبية أي العلم والإيمان بأن الله وحده خالق السماوات والأرض ومدبر الأمور، ليس محل إشكال ولا محل نزاع ولكن النزاع كله حول هذه الكلمة، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإنما توقف القوم المشركون في أول الإسلام من التلفظ بهذه الكلمة العظيمة لأنهم يعرفون معناها، معناها لا معبود بحق إلا الله، وذلك قضاء على آلهتهم، وهم مع إيمانهم بخالق السماوات والأرض، يرون لا بد من عبادة هذه الآلهة لتقربهم إلى الله زلفى، لذلك لما عرض عليهم النبي عليه الصلاة والسلام هذه الكلمة، قولوا لا إله إلا الله تفلحون، قالوا أجعل الآلهة إله واحدا، إن هذا لشيء عجاب، أجعل الآلهة إله واحدا، محل الاستغراب لم يستغربوا عبادة الله، ولكن استغربوا توحيد الله بالعبادة، يرون أن يعبد الله ويعبد معه أو تعبد معه آلهتهم، هذا محل الإشكال ومحل المعركة، إذا الدعوة إلى التوحيد تعني الكفر بالطواغيت، الكفر بما وبمن يعبد من دون الله مع الإيمان بالله، الدعوة إلى التوحيد لا تعني عبادة الله مع الإشراك، لا، عبادة خالصة، لذلك أفضل تفسير وأوضح تفسير لكلمة لا إله إلا الله قوله تعالى، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، من يكفر بالطاغوت = لا إله، ويؤمن بالله = إلا الله، حتى من حيث اللفظ، الآية تشبه كلمة التوحيد، هذا هو التوحيد الذي دعا إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأُمر أن يقاتل الناس حتى يوحدوا بهذا التوحيد، لا مجرد التلفظ بلا إله إلا الله، والتلفظ سهل ميسور ولكن الشأن كل الشأن، معرفة معنى هذه الكلمة، والعمل بمقتضاها، بأن يكفر المؤمن بكل ما ومن يعبد من دون الله، مع الإيمان بالله، لو آمن بالله، وعبده، ولكن لم يكفر بمن وبما يعبد من دون الله، ما نفعه ذلك التوحيد ولا اعتبر، إذا التوحيد الصحيح، الذي أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقاتل الناس حتى يوحدوا، التلفظ بكلمة التوحيد، وكلمة الإسلام وكلمة الإيمان هذه الكلمة العظيمة، ومعرفة معناها أي لا معبود بحق إلا الله، ثم العمل بها وعدم التناقض في شأنها، الذين يقولون لا إله إلا الله، وربما اتخذوا من هذه الكلمة وردهم، وأكثروا من لا إله إلا الله، عدّا بالسبحة، ثم يستغيثون بغير الله، ويذبحون لغير الله، ويجهرون باسم خير الله عند الشدة، اليوم يا فلان، هؤلاء نقضوا إيمانهم وإسلامهم بفعلهم، بأفعالهم وبأقوالهم، الإيمان له نواقض كنواقض الوضوء، وكما يحرص المرء المسلم أن يعرف نواقض الوضوء، ليصلي صلاة صحيحة، عليه أن يعرف نواقض التوحيد، ونواقض الإسلام ونواقض الإيمان لأن لا ينقض إيمانه بقوله أو بفعله، الإقرار بلا إله إلا الله، ثم الإتيان بالنواقض أمر خطير جدا، يجهله كثير من المنتسبين إلى الإسلام، الشاهد، أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعوا الناس إلى هذه الكلمة ويقاتلهم إن لم يقبلوها، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وفي رواية حتى يوحدوا الله، ويشهدوا أن محمدا رسول الله، يشهدوا ويقروا بألسنتهم، ويعملوا أيضا بمقتضاها، هما كلمتان ككلمة واحدة، شهادتان كشهادة واحدة، إذ لا ينفع المرء أن يشهد أن لا إله إلا الله ما لم يشهد بأن محمدا رسول الله، وما لم يجرد المتابعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، بأن لا يعبد الله إلا بما جاء به هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فإذا أقروا بالتوحيد وبالرسالة يدعون إلى إقامة الصلاة بعد أن فرضت الصلاة، إقامة الصلاة أن تؤدى كما علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وقال لهم صلوا كما رأيتموني أصلي، الصلاة التقليدية، أمرها سهل، ولكن الصلاة المحمدية في طهارتها وفي صفاتها وفي طمأنينتها، هذه هي الصلاة المطلوبة، أما الصلاة التقليدية التي صلاها المسيء صلاته، في هذا المسجد وراءه النبي عليه الصلاة والسلام وهو يسيء في صلاته، لا يتم ركوعها، ولا سجودها، أي لا يطمئن فيها، فأمره أن يعيد تلك الصلاة، قال له صل فإنك لم تصل، فرجع فصلى مرة أخرى كالتي قبلها ثم رجع مرة ثالثة فصلى كالتي قبلها وأخيرا قال والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها، فعلمه النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة الشرعية المطلوبة التي فيها الطمأنينة في جميع أركانها، هذه هي الصلاة المطلوبة منا، لا الصلاة التقليدية، كما أن المطلوب من طلاب العلم، تنبيه الناس وتصحيح صلاتهم وعباداتهم، تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يكفي أن يكون طالب علم، يتعلم صفة النبي عليه الصلاة والسلام فيصليها ثم يترك الناس يتخبطون في صلواتهم ويسيئون في صلاتهم كما أساء ذلك الرجل، لأن الواجب على المسلم: العلم والعمل والدعوة والإصلاح، ومن الدعوة والإصلاح أن تهتم بتصحيح عبادات الناس وعقائدهم كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يهتم بذلك، وإلا تكون مقصرا في نصح عباد الله، الدين النصيحة، لله، ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، إذا قصر طلاب العلم في توجيه العوام، في تصحيح عباداتهم وتصحيح عقائدهم لم ينصحوا لهم، ينقص دين المرء بحسب ما ينقص واجب النصيحة، وبعد الصلاة الزكاة، وإذا أدى المسلم هذه الأمور الثلاثة، الشهادتين والصلاة والزكاة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، لم يذكر الصيام ولم يذكر الحج، وهما من أركان الإسلام، ولماذا؟ قال بعض أهل العلم: لا يقاتل المرء إذا ترك الصيام ولكن يعاقب بأن يحبس ويمنع عن الطعام، بخلاف الصلاة والزكاة، يقاتل من ترك الصلاة وأصر، ويقاتل من منع الزكاة، كما قاتل أبوبكر رضي الله عنه مانعي الزكاة ولكن الصيام، من ترك الصيام، يعاقبه ولي الأمر بأن يحبسه عن الطعام ويمنعه عن الطعام حتى يتوب، وأما الحج، أيضا، قال بعض أهل العلم، لا يقاتل من ترك الحج، لأن وجوب الحج على الصحيح، على التراخي لا على الفور، إن ترك هذا العام، ربما حج في العام المقبل أو الذي بعده، هذا على القول بأن وجوب الحج على التراخي لا على الفور، والله أعلم، هذا ما يرجحه الإمام النووي

فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم، حرمت أموالهم وحرمت دمائهم، لا يجوز قتالهم ولا أخذ أموالهم إلا بحق الإسلام، حقوق الإسلام كثيرة، لهذا الحديث، لما استدل عمر رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة وعارض أبابكر عندما عزم أبوبكر على قتال مانعي الزكاة، مع قتال المرتدين، استدل عمر بهذا الحديث فقال أبوبكر، الزكاة من حق المال، لأقاتلن من فرق بين الزكاة وبين الصلاة، فرجع عمر إلى رأيه، إلى رأي أبي بكر وفهمه، وحسابهم على الله، إن أدوا هذه الأشياء في الظاهر، يقبل ظاهرهم ولا يفتش عن بواطنهم، من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولو قال ذلك تقية، وصلى وأدى الزكاة سواء كان ذلك تقية ونفاقا أو إيمانا قبل ظاهره، وباطنه إلى الله، لذلك كان يترك رسول صلى الله عليه وسلم المنافقين في هذا المسجد، في هذا البلد وفي هذا المسجد، يصلون في الظاهر خلفه ويقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، والمسلمون يسمعون منهم هذه الكلمة فيصلون خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم منافقون في الدرك الأسفل من النار، لماذا؟ لأنه عليه الصلاة والسلام هو وأتباعه وأمته إنما أمروا بظواهر الأمور، أن يأخذوا الناس بظاهرهم وباطنهم إلى الله، ليس لهم إلا ذلك، وإن كان بالنسبة لكبار المنافقين، في إمكان النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتلهم لأنه قد علم نفاقهم، النفاق كفر باطني، وإن كانوا يتظاهرون بالإسلام ولكن السياسة الإسلامية الحكيمة تقتضي أو اقتضت عدم تكفيرهم، لأنهم فيما يبدوا للناس من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي من اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام ولقيه مؤمنا به، وهؤلاء تظاهروا بالإيمان وبالإسلام واجتمعوا برسول الله عليه الصلاة والسلام وصلوا خلفه، لو قتّلهم، كان يشاع في العالم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم بدأ يقتّل أصحابه، وتكون هذه دعاية سيئة في سير الدعوة، تمنع سير الدعوة تسيئ إلى الدعوة وإلى الدعاة وإلى الإسلام، إذا لابد من ارتكاب أخف الضررين، هما ضرران، بقائهم في صفوف الصحابة، هم منافقون وقد يتواطئون أحيانا مع المشركين، فيخرجون أسرار المسلمين إلى المشركين، بقائهم بين المسلمين ضرر، لكن أي الضررين أكبر، بقائهم هكذا مستورين حسب الظاهر أو تقتيلهم حتى يكون ذلك سببا لصد الطريق على سير الدعوة الإسلامية وخصوصا في أول أمرها، كان هذا أخطر، لذلك، هذا المثال، أو هذا التصرف، هذا الموقف من رسول الله عليه الصلاة والسلام، يمثل السياسة الإسلامية أو السياسة الشرعية الحكيمة وهي ارتكاب أخف الضررين، ليعلم طلاب العلم أن في الإسلام سياسة، السياسة حسن التدبير، معنى السياسة حسن التدبير لتعرف متى تجهر ومتى تسر ومتى تجامل ومتى تصارح، متى تقاتل ومتى تعمل بالهدنة، معرفتك لهذه الأمور ومعرفة واختيارك لأخف الضررين عند اجتماع الضررين يسمى تسمى هذه السياسة الشرعية الحكيمة، من هذا المثال ومن مثال آخر يستفيد طلاب العلم، السياسة الشرعية الحكيمة من تصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن مواقفه، هذا مثال، والمثال الثاني، سابق لهذا، عندما رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام تزاحم الناس على باب الكعبة العالي، على ما هو عليه الآن، ورأى تضرر الناس همّ بأن يهدم الكعبة ويبني على أساس إبراهيم، ويجعل للكعبة بابين، باب يدخل منه وباب يخرج منه، لاصقين بالأرض، بدلا من هذا التعب وهذا الضرر الذي يلحق المسلمين عندما يدخلون الكعبة المشرفة وهذا الوضع مستمر إلى يومنا هذا، لماذا ترك ذلك، فكر في الأمر فقال لعائشة: لولا قومك قريبوا عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وبنيتها على أساس إبراهيم وجعلت لها بابين، باب يدخل منه، وباب يخرج منه أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولكن لماذا ترك؟ في ذلك الوقت لو هدم الكعبة وفعل ما عزم عليه أو ما هم به لشاع في العالم بأن محمدا هدم الكعبة والكعبة عند العرب عامة وعند قريش خاصة لها مكانتها، وهدمها يعتبر إساءة إليهم، وبذلك يعتبر ذلك إساءة إلى سير الدعوة وإيقافا لسير الدعوة، إذا فليرتكب أخف الضررين، وليبقى باب الكعبة العالي كما هو، هكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المواقف السياسة الشرعية الحكيمة، وحسابهم على الله، من فعل هذه الأشياء الثلاثة فيما يبدوا للناس، باطنه إلى الله

عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم. رواه البخاري ومسلم

الحديث التاسع من أحاديث الأربعين النووية عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، فاجتنبوه كله جملة واحدة، لا تفعلوا المنهي عنه إذا كان النهي للتحريم، الأصل في النهي للتحريم حتى يصرف صارف النهي عن التحريم إلى الكراهة، وما علم بأنه منهي عنه يجب أن يترك كله، ولم يقيد هنا بالاستطاعة وقال: وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، المأمور به يأتى به بحسب الاستطاعة، وما عجزت عنه من المأمور به، لا تآخذ في ذلك، أمرت أن تتوضأ بالماء ولا تعدل إلى التيمم، وجدت ماءا قليلا يكفي لبعض الأعضاء، ولا يكفي لجميع الأعضاء، فاستعمل فيما يكفي وتتيمم للباقي، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وجبت عليك زكاة الفطر، عليك وعلى أسرتك، وجدت بعض الأصواع، صاعا صاعين، وعجزت عن الباقي، ادِّ الذي استطعت وهكذا ما تستطيع به تأتي به، أمرت ان تستر عورتك في الصلاة ولم تجد ما يستر عورتك كلها، تستر ما تيسر، أمرت أن تتوضأ أو تتيمم، حبست عن الماء وعن التراب، تصلي على حالك، فاتقوا الله ما استطعتم، هكذا،، وإذا أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم إذا لا تكثروا من الأسئلة ولا تختلفوا فيما جئتكم به، هذا معناه، الأسئلة المذمومة التي لا ينبغي الإكثار منها أن تسأل فيما لا يجب عليك ولا على غيرك من فضول القول وإلا السؤال قد يكون واجبا، إذا كنت تجهل مسألة في العقيدة وأمرا في العبادة في صلاتك في صيامك أو في معاملاتك في البيع والشراء، خشيت أن تقع في البيوع المنهي عنها، وفي أنواع الربا، سؤالك فيما يجب عليك فعله في تصحيح عقيدتك وتجنب الشرك، في تصحيح السنة، الالتزام بالسنة، لتجتنب البدع وفي تصحيح معاملاتك، الأسئلة من هذا القبيل واجبة، من باب طلب العلم، طلب العلم واجب على كل مسلم ومسلمة، وحسن السؤال نصف العلم، الذي يمنعه الاستكبار عن السؤال أو الحياء، لا يخرج من الجهل طول عمره، اثنان لا يتعلمان، المستحيي والمستكبر، الحياء ممدوح في كل مقام، إلا في هذا المقام، الحياء الذي يمنعك من السؤال ومن التعلم كأن رأيت في نفسك نوعا من الانقباض لأن لا يضحك عليك الناس لأن لا يقولوا لماذا يسأل مثل هذا السؤال، أو استكبرت، تزعم أنك كبير وذو شأن وحدثتك نفسك كيف تسأل أمام الناس وأنت فلان بن فلان، منعك هذا من التعلم وتبقى جاهلا، اثنان لا يتعلمان المستكبر والمستحيي، فيما تجهل يجب أن تسال وجوبا، ليس هذا هو السؤال المذموم وقد يكون السؤال فيما هو فرض كفاية لتتعلم وتقضي بين الناس وتفتي للناس، هذا من باب فرض الكفاية، أما في ما يجب عليك في نفسك العمل الفردي عقيدة وعبادة ومعاملة، هذا واجب عيني، وما تريد أن تتعلمه لتنفع به الناس وقد يكد غيرك كالقضاء والفتوى، تسأل وتتبحر في هذه المسائل، فرض كفاية، وإنما السؤال المذموم السؤال الفضولي، كأن يترك الإنسان ما يجب عليه في عقيدته وعبادته ومعاملته ويبحث هل الأرض كروية أم لا، هل الأرض ثابتة أم تدور، يبحث في هذه الأمور في علوم الهيئة الظنية التخمينية التي لا دليل عليها، فيكثر من هذا القبيل، هذه الأسئلة مذمومة، والاختلاف في الدين، مذموم كله، إلا ما كان من المسائل الفقهية الفرعية الاجتهادية التي يختلف فيها أهل العلم إما لخفاء الدليل أو لصحة الدليل عند زيد دون عمر، مثل هذه المسائل، الاختلاف فيها ليس بمذموم لأن الكل مجتهد ليصل إلى الحق وذكر هذا الاختلاف وقع حتى بين الصحابة، أما الاختلاف في أصول الدين، في توحيد العبادة، في توحيد الأسماء والصفات، في النبوات


فُرِّغ الشريط الثالث
 

شرح الأربعين النووية
الشريط الرابع
الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله -​

....في توحيد العبادة في توحيد الأسماء والصفات في النبوات وفي شؤون المعاد، الأصول التي لا ينبغي جهلها، الاختلاف في أصول الدين مذموم وسبب الهلاك، الاختلاف ليس كما يطلق بعض الناس الاختلاف رحمة، لا، الاختلاف نِقمة، الاختلاف في أصول الدين وفي المسائل الظاهرة عليها دليل من الكتاب والسنة، مخالفتك للأدلة الظاهرة حتى في باب العبادات عملا أو تقليدا لرأي لمن تحسن به الظن، هذا يحسن الظن بزَيدٍ فيترك الأدلة والآخر يحسن الظن بعمرٍ فيترك الأدلة، حتى تتفرق الأمة وتتمزق، وتكون أحزابا وطوائف كأنها ملل هذه فتنة وليست برحمة إنما الاختلاف الذي ذكرنا لا يقال أنه رحمة يقال يجوز جائز، وذلك لأهل العلم لطلاب العلم، أما العوام فليس لهم مذهب، مذهب العوام مذهب مفتيهم، أهل العلم وطلاب العلم هم الذين ينتسبون إلى مذاهب مختلفة، فيستطيعون أن يفضلوا مذهبا على مذهب بحسب الأدلة بحسب قوة الأدلة، أما العامي فواجبه السؤال "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" العامي لا يملك إلا السؤال وعلى المسئول أن يتقي الله ويفتي للعامي بالدليل لذلك ينبغي أن نتعود ونعود طلابنا المطالبة بالدليل عند الجواب، ولا يكفي أن تسأل الشيخ فيقول لك هذا حلال وهذا حرام هذه سنة وهذه بدعة، ثم تأخذ وتنطلق وأنت لا تسأل عن الدليل لو قيل لك: خذ، قال الشيخ الفلاني هذا غير صحيح اسأل عن الدليل ما هذا الحكم وما دليله، هذا الذي كان عليه سلف هذه الأمة، لا يقبلون الأمر والأحكام إلا بالدليل، الدليل قال الله وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام أو إجماع الصحابة أو أفعال الخلفاء الراشدين، عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، هؤلاء أفعالهم سنة، ينحصر الدليل في هذا والاختلاف في هذا الوقت يكثر، فيما مضى كان الفقهاء يختلفون في المذاهب الأربعة المشهورة المدونة يعرضون المسائل على هذه المذاهب أي على قواعدها فيختلفون هذا الذي أدركنا من أهل العلم، وإن كان الأئمة الأربعة نهوا الناس عن تقليد أنفسهم وخصوصا كان الإمام أبوحنيفة يحرم التقليد، يصرح بتحريم التقليد فيقول نحن بشر نقول القول يوما فنرجع عنه غدا، خذوا من حيث أخذنا، كثير من الناس يظنون أن الأخذ من السنة ومن الكتاب صعب جدا بخلاف الأخذ بأقوال أهل العلم العكس هو الصحيح، السنة واضحة، لو أن طالب علم بعد أن يدرس مثل هذا الكتيب الأربعين النووية، ثم درس عمدة الأحكام وبلوغ المرام ونظر في الشروح وعرض هذه الكتب على أهل العلم ودرس، يتفقه في دينه قبل أن يتفقه ذلك الذي يختار مذهبا معينا فيدرسه لأن الذي يختار مذهبا معينا فيدرسه إنما يدرس أقوال أهل العلم وخصوصا أقوال المتأخرين بلا أدلة، سرد للأقوال ولا يعرف أقوال المذاهب الأخرى لكن الدارس للسنة الذي بدأ يتفقه فقه السنة يتفقه في وقت وجيز جدا، بينما يقضي أولائك جل أعمالهم في تحقيق مذهب واحد معين وهم يجهلون المذاهب الأخرى لذلك خير دراسة للمذاهب هو المنهج الذي عليه أسست الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، دراسة الفقه المقارِن بين المذاهب الأربعة ومناقشة المذاهب بالأدلة، ثم ترجيح القول الراجح هكذا تُعود الجامعة الإسلامية طلاب العلم السعوديين والوافدين على حد سواء لذلك تعتبر الجامعة الإسلامية نعمة وهدية عظيمة من هذا البلد على المسلمين عامة حيث ما كانوا يعرف ذلك من درس منهج الجامعة الإسلامية وخصوصا في مقرر الفقه، الشاهد هذا الاختلاف إنما يجوز الاختلاف في الفروع لطلاب العلم وأما الاختلاف الذي تجدد في الآونة الأخيرة وهو الانتماء، انتماء الناس إلى أحزاب وجماعات حتى أصبح المسلمون جماعات وأحزاب ليس في الفقهيات ولكن انتماءات سياسية وتحزبات سياسية، هذا ضار كله لا خير فيه، الذين ينتمون إلى أحزاب وإلى فرق فلينتبهوا فلينظروا في تاريخ الأمة، هذه الأمة كانت على كلمة واحدة وعلى منهج واحد من عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة وعهد الأمويين كانوا على منهج واحد، منهج السلف الصالح هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فلما دخل في الإسلام كثير من المسلمين من غير العرب، دخلت معهم أفكار وهذه الأفكار فرقت الناس إلى فرق شتى ومذاهب مختلفة، فألِّفت في ذلك كتب الفرق بين الفرق للبغدادي، الملل والنحل للشهرستاني، الفِصَل لابن حزم، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري، كتب ألفت في هذه الفرق فإذا بنا اليوم نفاجئ بفرق أخرى وبأحزاب سياسية أخرى الذين لم يدرسوا تاريخ الفرق والطوائف يتساهلون في هذه الأحزاب الجديدة الآن وفي هذه الانتماءات التي دبت الآن في صفوف شبابنا وشبابنا شباب نشئوا على الفطرة، يصدق عليهم قول عمر رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، شبابنا لا يعرفون جاهلية التصوف ولا جاهلية علم الكلام ولا جاهلية تلك الفرق والأحزاب القديمة، لذلك ينطلي عليهم الكلام عندما يأتي إليهم ملبِّس فيدعوهم لقوله تعالوا بنا لنعمل للإسلام، لو كان الطالب ذكيا قال له لأجل الإسلام ونحن على الإسلام وهل هناك إسلام غير هذا الإسلام نعمل له ؟.....طلبة العلم المدركين هذه الحقائق أن يبينوا للناس خطورة هذا الانتماء وبالله التوفيق. نكتفي بهذا المقدار من الدرس على أن نواصل إن شاء الله غدا لنجيب على بعض الأسئلة الواردة .
- سائل يسأل عن حكم زيارة النساء للقبور؟
حكم زيارة النساء للقبور حكم فقهي مختلف فيه، منهم من أجاز مطلقا، فأدخل النساء في عموم قوله عليه الصلاة والسلام "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة" ولكن هذا الحديث العام يخصص بالنهي الخاص للنساء عن زيارة القبور، إلا ما كان من باب مرور المرأة على مقبرة أو مرورها عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام عندما تدخل الروضة لتصلي في الروضة تسلم، مرت على البقيع تسلم على أهل البقيع, وهكذا في مقبرة بلدها إن كانت وافدة، أما قصد المرأة زيارة القبور والخروج لزيارة القبور أرجح الأقوال عندي عدم الجواز والله أعلم

سائل يسأل: الرجاء شرح حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه" البوائق الشر والأذى والضرر، الشخص الذي لا يأمن جاره شره لا يؤمن، وهل هذا النفي نفي للأساس أو نفي للكمال؟ هذا الذي ينبغي أن يعلم، هذا الحديث وأمثاله نفي رسول الله عليه الصلاة والسلام الإيمان من كثير من الذين يرتكبون الكبائر، يحمل عند أهل السنة والجماعة قاطبة على نفي الكمال أي لا يؤمنوا الإيمان الكامل، بل بإيذائه لجيرانه إما بعينه بأن ينظر ويتتبع عوراته، أو يؤذي جاره في نفسه وأهله وماله، بأي أذى، ينقص إيمانه بقدر الأذى, إيمانه ناقص، وليس معنى قوله عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن" بأنه كافر، لا، هذا كقوله عليه الصلاة والسلام "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" الحديث.
"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" في هذا المعنى أحاديث كثيرة ينفي رسول الله عليه الصلاة والسلام من كثير من الذين يرتكبون الكبائر، الإيمان, الإيمان المنفي الإيمان الكامل وليس معنى هذا أن هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الكبائر كالزاني والسارق والشارب أنهم كفار, لا، بدليل أن الشارع جعل حدودهم، لم يجعل حدودهم كحد المرتد، جلد ورجم وقطع يد وليس في حدودهم معاملتهم معاملة المرتد, بل قد قبض على رجل صحابي لطيف جدا كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قدر الله عليه شربه، فأوتي به وجلد ثم أطلق ثم شرب فأوتي به فجلد فأطلق ثم أوتي به في المرة الثالثة قال بعض الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يأتى به سكرانا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام, فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله
هذا الصحابي المسكين يسمى عبد الله, ويلقب بالحمار, كان يجالس رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيرا, ومن تلطفه من كثرة محبته لرسول الله عليه الصلاة والسلام أحيانا ينكت له نكتة مضحكة, ذات مرة أتى بعكة، فقدم للنبي عليه الصلاة والسلام قال يا رسول الله هذه هدية, فقبل النبي عليه الصلاة والسلام لأن من دأبه قبول الهدايا, وبعد أيام جاء عبد الله قال يا رسول الله أعطني ثمن العكة، يا عبد الله ألم تقل أنه هدية؟ قال صحيح لكن الآن ما عندي هاتها، هات الثمن، فدفع له النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تبسم، شهادة النبي عليه الصلاة والسلام له بأنه يحب الله ورسوله يدل على أنه لم يكفر، ولكن شيء قدره الله عليه، بشر ليس بمعصوم, لم يوجد على وجه الأرض أو لم توجد دولة إسلامية معصومة حاكما ومحكومين أبدا, خير دولة كان حاكمها معصوما، دولة رسول الله عليه الصلاة والسلام, الصحابة ليسوا بمعصومين, منهم من ارتكب فاحشة الزنا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كما تعلمون قصة الغامدية وقصة ماعز بن مالك, إذن الدولة الإسلامية ماذا تعمل تنفذ الأحكام, وتقيم الحدود وليس معنى المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية أن الناس يصبحون معصومين, من يبحث عن دولة كهذه لا يجده على وجه هذه الأرض في طول التاريخ, ولكن هذه الكبائر التي نفى النبي عليه الصلاة والسلام عن مرتكبيها الإيمان الكامل, تقام فيها الحدود وهذا معنى الدولة الإسلامية ومعنى المجتمع الإسلامي, إذا هذا الجار الإنسان الذي يؤذي جيرانه بأي أذى ينفى عنه كمال الإيمان لا أصل الإيمان أي ليس بكافر،
سائل آخر يسأل أو هو نفسه, كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل, وكم كانت عدد ركعاتها؟
صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام في قيام الليل, قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل ووسطه وانتهى قيامه إلى السحر, وكان يطيل القيام حتى تتورم قدماه من طول القيام فيقال له في ذلك لماذا تتكلف هكذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيكون جوابه أفلا أكون عبدا شكورا, من دأبه وعادته عليه الصلاة والسلام ينام أول الليل ويقيم آخره, لا يقوم الليل كله, لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أحيا الليالي كلها إلا في العشر الأواخر من رمضان, حتى في شهر رمضان قبل العشر الأواخر يصلي ويرقد, وإلى الغد إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه.
من أحاديث الأربعين النووية، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا, وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال تعالى: "يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا" وقال تعالى: "يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ياربُّ ياربُّ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام فأنا يستجاب لذلك" رواه مسلم
يقول النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى طيب، مقدس، منزه عن جميع النقائص، كامل الكمال المطلق، لا يقبل إلا طيبا، إذا كان الله سبحانه وتعالى طيب, طيب الأسماء طيب الأفعال وطيب الأحكام والتشريع، وطيب منزه مقدس عن كل نقص لا يقبل من الأعمال إلا طيبا، سواء كان العمل قولا أو فعلا أو اعتقادا لا يقبل إلا الشيء الطيب العمل الصالح الطيب، إنما يكون العمل طيبا إذا كان خالصا لله سبحانه وتعالى وموافقا لهديه عليه الصلاة والسلام لا يقبل إلا العمل الطيب إلا الإخلاص, والشرك غير مقبول عند الله, وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي "أنا أغنى الشركاء فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه" لأنه عمل غير طيب, العمل الذي خالطه الشرك ليس بطيب, والرياء يخرج العمل من كونه طيبا وأنواع الشرك, الشرك الخفي يخرج العمل من كونه عملا طيبا، لا يقبل من الاعتقاد إلا ما كان طيبا, ولا يقبل من القول من الأقوال إلا ما كان طيبا، من تلاوة كتابه وذكر الله تعالى والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأعمال الطيبة، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه, العمل الذي ليس بصالح وليس بطيب لا يرفع إلى الله, كذلك من تصدق بمال غير طيب لا تقبل صدقته، وغير الطيب يشمل نوعين, المال الحرام من تصدق بالحرام فهذا المال مال خبيث غير طيب فالله لا يقبله, ومن تصدق برديء ماله, انتخب لنفسه وأسرته المال الطيب المال الجيد وتصدق بالرديء لا يقبل الله منه لأنه تصدق معرضا عنه، وهذا الأخير محل خلاف، هل التصدق بالمال الرديء مكروه أو حرام, أما التصدق بالمال الحرام فحرام, ومن يتصدق بما يسمى بالفائدة في البنوك يجعل ماله في البنوك الرِّبوية ثم إذا علم بأن الفائدة ربا يريد أن يتصدق بهذا المال, فهذا المال خبيث وليس بطيب ولا يجوز التصدق به, وقد ارتبك كثير من الذين تابوا من أخذ الفوائد ماذا يصنعون بهذه الفائدة الموجودة, وهو فعلا محل ارتباك, كون الإنسان يتصدق به فهو مال غير طيب,وان ترك في البنك يعتبر إعانة لهم على الإثم والعدوان فماذا يصنع, مال لم نعلم له حكما ماذا يصنع صاحبه وربما اجتهد بعض طلاب العلم أنه يصرف في المصالح العامة, في بعض الجهات المحتاجة لفتح الشوارع وغير ذلك من المصالح العامة, اجتهاد محض, وإلا مال لا يجوز التصدق به ولا يجوز الأكل به ولا يجوز أكله وتركه يزيد الطين بلة مال محرج، وعلى كل على الإنسان أن يبتعد من التصدق بالمال الحرام فانه غير مقبول بل يآخذ صاحبه, "إن الله طيب فلا يقبل إلا طيبا, أما ما كان من المال الرديء فالأولى والأليق وتعظيم الله تعالى عدم التصدق به, كما تنتخب لنفسك وأسرتك المال الجيد، التمر الجيد, الحب الجيد, كذلك تختار وتنتخب المال الطيب إذا أردت أن تتصدق، فلتعلم بأن صدقتك تقع في يمين الرحمن سبحانه وتعالى كما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن تقع في اليد الفقير, الله يتقبل حبة تمر فيربيها لك, وكيف تجود نفسك, كيف تجود نفسك أن تقدم لله ما ترغب عنه, الحشف، وتنتخب لنفسك التمر الجيد، وهذا فيه سوء أدب وعدم تقدير لله سبحانه وتعالى لأنك تقرض الله, هذا قرض لله، وسوف يردّه لك وافيا وأوفر ما يكون, إذا كنت تتصور هذا المعنى لا تتصدق إلا المال الجيد, إن الله طيب فلا يقبل إلا طيبا, القول بأن الله طيب قيل إنه من باب الإخبار ليس الطيب من الأسماء الحسنى ولكنه من باب الإخبار, وباب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات, وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى في حق الرسل " يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " وقال في شأن المؤمنين " يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " إذاً أمر كل من الفريقين بالأكل من الطيب فينبغي الحرص من الأكل من الطيب, أي من الحلال, الطيب هنا بالنسبة للمأكولات والملبوسات والمشروبات بمعنى الحلال, ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر, هذه الصفات من دواعي إجابة الدعاء, ورد في آثار كثيرة بأن المسافر دعوته مستجابة, لكن هذا الرجل مع أنه مسافر فيطيل السفر, أشعث أغبر, لا يهتم بشعره لا يهتم بشعره فينظفه, أشعث أغبر مهمل بنفسه, زاهد في نفسه, مقبل على الله, ومع ذلك من الأسباب الأخرى يمد يده إلى السماء, مد اليد في الدعاء أنواع: منها الإشارة بالإصبع المتضرع إلى الله تعالى فليرفع إصبعه وثبت هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام في الدعاء, وبعض السلف يرى أن رفع اليد في القنوت رفع إصبع، هذه صورة, صورة ثانية أن يرفع ويجعل باطن الكفين إلى وجهه هكذا وظاهر الكفين إلى القبلة ويتضرع, صورة ثالثة أن يرفعهما هكذا إلى السماء, ووردت آثار بأنه عند الاستعاذة يستعيذ بظهر كفه إلا أنه لم يثبت, الآثار التي في هذا المعنى فيها شيء، الشاهد من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين, وهذا، هذا الحديث وما جاء في معناه يؤكد لنا مشروعية رفع اليدين في الدعاء, ولا ينبغي إنكار ذلك, وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه كان يرفع يديه بعد كل فريضة فيدعو إذا ثبت في القنوت، أما في القنوت عفوا إذا ثبت في الاستسقاء، فتلك هيئة خاصة، رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الاستسقاء وبالغ في رفعهما حتى ظهر بياض إبطيه, هذه الحالة يمكن أن يقال إنها خاصة في الاستسقاء, أما رفع اليدين إما رفع الإصبع أو رفع الكفين، ثبت بهذا الحديث وبحديث آخر، إن الله حيي يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا أو أن يردهما خائبتين, هذه الأحاديث تثبت أصل اليدين في الدعاء، ولكن الذي قد ينكره بعض أهل العلم المواظبة على الدعاء برفع اليدين بعد كل فريضة, الثابت من النبي صلى الله عليه وسلم الحث على الدعاء اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك بعد كل صلاة, إذا مشروعية الدعاء ثابت بعد كل صلاة، ولكن بهيئة معينة رفع اليدين باستمرار هذا قد يلفت النظر قد يقال هذه الصورة غير منقولة, وإذا زيد على ذلك كما يفعله بعض الناس في بعض الأذكار بأن تعودوا بأن الإمام بعد السلام يدعو رافعا يديه والمأمونون يؤمنون رافعين أيديهم حتى صارت كأنها هذه الصورة كأنها جزء من أذكار الصلاة, ينتظر المأمومون الإمام حتى يدعو ولا ينصرفون, ومن أراد أن ينصرف طلب من الإمام أن يدعو لينصرف, إذا وصلت إلى هذه الدرجة يمكن أن يقال هذه الصورة بدعة وهي بدعة إضافية, أي بدعة بالإضافة وبالنسبة إلى هذه الهيئة، يستصعب بعض الناس أن يفهموا البدعة الإضافية, البدعة في الدين في الأصل أن تأتي بعمل ليس له أصل في الشريعة هذه بدعة واضحة يعلمها ويدركها كل طالب علم أو كل إنسان, لكن البدعة الإضافية هي بدعة خفية لا يدركها إلا طلاب العلم تأتي بعمل صالح ولكن في غير موضعه، كأن تطلق الذكر المقيد أو تقيد الذكر المطلق أو تأتي بمثل هذا الدعاء وبهذه الصورة وبهذه الهيئة بين الإمام والمأمومين باستمرار بعد كل فريضة لا بعد النوافل، هذه تعتبر بدعة إضافية, ولا يقال الدعاء بدعة ولا يقال رفع اليدين بدعة, الدعاء مشروع ومطلوب, وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام الصحابي ألا يدع بعد كل صلاة "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك", دعاء عظيم، لكن الهيئة كما وصفنا هي التي يقال فيها بأنها بدعة, إذا مشروعية رفع اليدين ثابت.
ثم قال يمد يديه إلى السماء, لماذا يمد يديه إلى السماء؟ لماذا لم يمد يديه إلى القبلة, ما السر لأنه يدعو الله, فأين الله؟ في السماء, يستصعب بعض الناس هذا السؤال وهذا الجواب، أين الله, هذا السؤال أول من سأله رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم, سأل جارية عامية لم تقرأ ولم تكتب راعية الغنم في مناسبة ما عندما أراد مولاها أن يعتقها أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يتأكد من إيمانها ليعتقها وهي مؤمنة، ليعتقها مولاها وهي مؤمنة, فحضرت عند النبي صلى الله عليه وسلم, فسألها السؤال الآتي أين الله؟ قالت في السماء, قال من أنا؟ قالت أنت رسول الله, عليه الصلاة والسلام, قال لمولاها فاعتقها, اعتقها فإنها مؤمنة, شهادة من رسول الله عليه الصلاة والسلام لتلك الجارية لكونها عرفت بالفطرة بأن الله يدعى من فوق, فوق جميع المخلوقات,وأن محمدا رسول الله كفى ذلك في إيمانها, واستصعاب واستبعاد واستغراق بعض الناس اليوم بعض المثقفين الذين تثقفوا على العقيدة الأشعرية استغرابهم عن السؤال عن الله بأين؟, نعتذر لهم بالجهل, لم يطلعوا على هذه السنة، وان كان الجهل صفة ذم, ولكن نرى أن هذا ألطف بدلا من أن يحكم عليهم بأنهم ردوا السنة بعد العلم وأنكروا وسخروا ممن يرفعوا أيديهم إلى السماء وربما كفروه, المتطرفون منهم، قالوا إن رفع يده إلى السماء معتقدا أن الله في العلو فهو كافر, وان رفع إصبعه إلى السماء عادة جريا مع العادة أو تعظيما لا يعتقد أن الله في العلو فهو فاسق, هذا ما يدرسه بعض شبابنا في بعض الجامعات, هذا خطأ خطأ محض, لذلك نقول قولنا ملتمسين العذر لهم حملهم على ذلك الجهل وعدم الاطلاع على هذه السنة ألطف, من قولنا إنهم أنكروا ذلك مع العلم وأن ذلك يؤدي إلى الكفر, لأن من كذب رسول الله عليه الصلاة والسلام وحكم على من حكم له النبي عليه الصلاة والسلام بالإيمان حكم عليه بالكفر يكفر, لذلك نكرر القول دائما في هذه المناسبة إن القوم غير مطلعين على هذه السنة، لأننا نعلم أن دراستهم في علم الكلام, يبدؤون بعقيدة العوام والعقيدة السنوسية وحاشية البيجوري، هذا كل علمهم في باب العقيدة وما حولها من هذه الكتب, إذا هم بعيدون كل البعد عن السنة علما بأن الواجب على المسلم أن يأخذ عقيدته من الكتاب والسنة لا من آراء الرجال, وحيث لم يتمكنوا من دراسة السنة ولم يربوا تربية إسلامية ليعتبروا القران كتاب عقيدة مفصلا بالسنة، ربوا تربية أشعرية كلامية نلتمس لهم العذر لئلا يقعوا في ورطة, هذا ما نقوله دائما في هذه المناسبة, الواجب اعتقاد بأن الله في العلو ومن لم يعتقد علو الله لم يعرف الله, لذلك لما سئل عبد الله بن المبارك بما نعرف ربنا؟ قال نعرفه بأنه على عرشه فوق جميع خلقه وعلمه في كل مكان أو كما قال رحمه الله, هذا محل إجماع عند أئمة السلف بما فيهم الأئمة الأربعة, الأئمة الأربعة على هذا الاعتقاد, ومن في طبقتهم ومن قبلهم ومن بعدهم من تلامذتهم.
يمد يديه إلى السماء يارب يارب, يجهر باسم ربه سبحانه وتعالى، قال بعض أهل العلم الداعي ينبغي أن يكثر أو يستفتح دعوته بالنداء يارب, يفضل بعضهم أن يقول العبد رب اغفر لي أو ربنا اغفر لنا من قوله اللهم اغفر لي وان كان كل منهما جائز لكن استنتاجا من مثل هذا الحديث وما في معناه الإكثار من لفظة يارب أو ياربي ويتجنب الحرام وجوبا ويتجنب ما فيه الشبهة ورعا, ليكون مجابة الدعوة, أما إذا جمع المال من الحلال والحرام وربما أكثر من دخله من الحرام كالفوائد الربوية التي في البنوك ومن يغش في البيع والشراء ومن يجمع الأموال باسم صناديق وباسم الأيتام، صناديق البر والخير وباسم الأيتام, ثم يتاجر في ذلك المال ويأكل, وما أكثر أسباب دخل الحرام في هذه الأيام, تلكم الصناديق المعلقة التي تطلب التبرع والصدقات في كثير من المساجد حولها كلام خطير وخطير جدا, لذلك على الإنسان أن يحتاط لنفسه، فماذا تستفيد من المال إذا كان مالك يكون سببا لأن تحجب عن الله, لا يقبل لك عمل ولا يرفع لك دعاء, بسبب مالك أليس هذا المال وبال وبال على صاحبه, مال يسبب لك عدم رفع مالك ودعائك, لذلك يجب على العاقل أن يحرص عن الأكل من الحلال الطيب على اليقين, وأما من حيث التبرعات التي كثرت هذه الأيام وفتح بابها وكثر الكلام حول تلك الأموال التي تجمع باسم بعض الجهات المعينة الفقيرة ثم اكتشف بأنها استخدمت في غير محلها، إذا كان الأمر كذلك ينبغي أن تحرص أن تضع مالك حيث تعلم, الفقراء في بلدك جيرانك, أقاربك, الموظفون الصغار, في الإدارة التي تعمل فيها، الفراشون والمستخدمون المحتاجون، محل حاجة, تترك هؤلاء الذين تعلم حاجتهم يقينا وترسل صدقاتك حتى صدقة الفطر وحتى الكفارات بدأت تطلب كل المال يطلب, يطلب في تلك الصناديق إلى تلك الجهات, كأنه لا يوجد فقير محتاج إلا في تلك الجهة, عجبا! تترك المحل الذي أنت مطمئن إليه, أقاربك أولى بصدقتك, والجيران المحتاجون أولى بصدقتك، وبزكاتك, زملائك المحتاجون الذين دخلهم قليل, أن تتوظف كبير رئيس قسم, تعلم هؤلاء المستخدمون وهؤلاء الفراشون الذين طول النهار تطلب منهم جيب شاي جيب قهوة، وأنت تعلم حاجتهم الماسة, وتتركهم وترسل أموالك إلى جهات لست مطمئنا مائة بالمائة بأن هذه المال تصل إلى الفقراء والمحتاجين, وخصوصا بعد أن قيل، كيف وقد قيل، كيف وقد قيل؟, لذلك ننصح إخواننا المحبين للإنفاق والصدقة أن ينفقوا على من يعرفون حاجتهم ويطمئنون إلى أن أموالهم وقعت موقعها بأيديهم وبدون واسطة زيد أو عمر هذا أحوط بل أوجب
الحرص على أكل الحلال واجب من واجبات الدين, يجب أن يحرص المرء على ذلك
وروي عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك الى ما لا يريبك" رواه النسائي والترمذي وقال حسن صحيح
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وهو تابع للحديث السابق والذي قبله, ابتعد عما تشك في حله وفي جوازه وانتقل إلى العمل الذي لا تشك في حله وفي جوازه, وهذا من باب الورع، أما ترك ما تقطع لأنه حرام هذا واجب, وأما تركك ما تشك فيه فهذا من باب الورع ما لم تقطع بحرمة ذلك, والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه، نكتفي بهذا المقدار لنواصل الإجابة التي بدأناها الليلة الماضية على بعض الأسئلة الواردة .
وقفنا عند السؤال القائل, يسأل السائل: كيف كانت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام في قيام الليل؟ وهذا السؤال يشمل قيام الليل في رمضان، وقيام الليل في غير رمضان, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم آخر الليل حتى في غير رمضان, وأخبرتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه ما كان يزيد على ثلاثة عشرة ركعة في رمضان وفي غير رمضان, أي يطيل القيام ولا يزيد على هذا, وهذا الحديث لا يمنع أن يزيد إنسان على هذا العدد, خصوصا إذا كان لا يتقيد أو لا يستطيع أن يطيل القراءة والركوع والسجود كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام, وفق أهل العلم بين هذا الحديث وبين قوله عليه الصلاة والسلام "صلاة الليل مثنى مثنى" فإذا خاف أحدكم الفجر فأوتر بركعة، صلاة الليل مثنى مثنى هذا مفتوح باب مفتوح، لك أن تصلي على ركعتين ركعتين ما تيسر لك وما تستطيع عليه, ولو زدت على هذا، ولكن إذا أردت أن تتقيد بالعدد الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يزيد عليه ينبغي أن تتقيد بذلك العدد بصفته, تقول أم المؤمنين رضي الله عنها: يصلي أربعا ولا تسأل عن حسنهن وطولهن, وربما فهم بعض الناس أنه يصلي أربعا متتابعا بسلام بسلام واحد, لا, يصلي ركعتين ثم يصلي ركعتين فيجلس, ترويحا, هذه أربعا, لا تسأل عن حسنهن وطولهن, ومن يستطيع أن يصلي صلاة كهذه في طولها وحسنها واقتصر على ذلك العدد وافق السنة, ومن لم يستطع أن يأتي بهذه الصفة ولكنه أكثر من الركعات وزاد على ذلك بدون أن يحدد عددا معينا لا بعشرين أو أربعين أو ثلاثين أي عدد, عليه أن يكثر من الصلاة, فصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام من الليل ليست كل الليل, لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أحيى الليل كله, إلا في العشر الأواخر, حتى في رمضان قبل العشر الأواخر يصلي ويرقد, وإذا دخل العشر الأواخر, طوى فراشه وشد مئزره وأيقظ أهله, ولا ينام في العشر الأواخر, هذا الثابت عنه عليه الصلاة والسلام, فصلاته عليه الصلاة والسلام في الغالب الكثير في قيام الليل في بيته، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " إلا أنه ثبت خروجه عليه الصلاة والسلام أحيانا إلى المسجد, تاركا بيته, أذكر لذلك مثالا اثنين: المثال الأول: خرج ذات مرة من بيت عائشة رضي الله عنها, بيت عائشة الذي تحول أخيرا قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام, والبيت لاصق بالمسجد، حجرة حجرة عائشة ليس عندهم بيوت, على مفهوم بيوت اليوم, حجرات حجرة صغيرة, يمد الإنسان يده إلى السقف, سقف قريب من رؤوس الناس, حجرة صغيرة, لمن؟ لرسول الله عليه الصلاة والسلام, أفضل الخلق سيد ولد آدم, يعيش في هذا البيت المتواضع أو في هذه الحجرة المتواضعة وكان مصباحهم يطفأ عند النوم, وبعد أن نام شيئا من الليل خرج وترك عائشة في حجرتها إلى المسجد, وجعل يصلي, فالتمسته فلم تجده, ليس هناك مصباح، ظلام الحجرة مظلمة, والمسجد مظلم, كيف البحث باليد, ولما فقدته من على الفراش، ظنت كما تظن الطبائن (الضرائر) أنه ربما ذهب إلى إحدى طبائنها وهي في واد والرسول في واد عليه الصلاة والسلام, لكنها عرجت على المسجد فجعلت تلتمس فوضعت يدها على قدميه وهو ساجد اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك, حفظت لنا أم المؤمنين هذا الدعاء من رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يدعوا بهذا الدعاء في سجوده وقفت عند رأسه فحفظت لنا هذا الدعاء, وتأسفت ورجعت إلى بيتها, فرأت أو فوجدت نفسها في واد فرسول الله عليه الصلاة والسلام يناجي ربه في واد في المسجد, إذا يجوز الخروج أحيانا إلى المسجد كما يجوز رفع الصوت أحيانا بالقراءة والدعاء حتى يسمع غيره, هذه الصورة تثبت كما قلت جواز الخروج أحيانا إلى المساجد بالنوافل وان كان الأفضل في البيت، الصورة الثانية في رمضان, خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام من البيت فجعل يصلي في المسجد وحده، فرأوه بعض الناس واقتدوا به فصلوا خلفه, فصلى بهم, فقه هذه المسالة لا يجب على الإمام أن ينوي الإمامة عندما يدخل في الصلاة, إذا لك أن تقتدي بمن دخل في الصلاة أو شرع في الصلاة ليصلي منفردا, تقتدي به فتصلي خلفه فصلاتك صحيحة, صلى بهم وفي الليلة الثانية خرج أيضا, فزاد العدد, وفي الليلة الثالثة خرج فعجز المسجد وامتلأ, وفي الليلة الرابعة بقي في بيته وقد اجتمعوا, وقال لهم لم يخفى علي ما فعلتم أو اجتماعكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم, فترك, من هنا تعلمون إن قول عمر رضي الله عنه لما جمع المسلمين على إمام واحد في عهده ولم يحضر معهم فخرج إليهم فوجدهم صافين خلف إمام واحد أعجب بذلكم المنظر فقال نعمت البدعة, كيف يقول نعمت البدعة وهي ليست ببدعة وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام بالناس ثلاث ليال, الليلة الواحدة تكفي بالإثبات السنية, إذا المراد بقول عمر رضي الله عنه نعمت البدعة البدعة اللغوية لا البدعة الشرعية, البدعة الشرعية هي المذمومة, أن يأتي الإنسان في الدين بعمل لا أصل له, وأما البدعة بمعنى شيء تجدد لأن هذا نوع من التجديد, تجديد للعمل الذي بدأ به رسول الله عليه الصلاة والسلام وترك لعلة, وانتفت العلة فجدد عمر رضي الله عنه في عهده, هكذا يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل أي في قيام الليل وعدد الركعات كما سمعتم، السائل نفسه زاده الله حرصا وإيانا يسأل سؤالا آخر الرجاء إفادتنا عن إتباع الجنائز وعن البدع التي يعملها الناس – أي بعض الناس – بعض الناس أثناء إتباع الجنازة, مثل وحدوه والدعاء الجماعي بعد الدفن، وتلقين الميت, الجواب أحيل هذا السائل وغيره من السائلين إلى كتاب ألفه الشيخ ناصر الألباني في خصوص هذه المسألة أحكام الجنائز, كتاب فريد في بابه, وعلى كل، إتباع الجنازة الصلاة على الجنازة فرض كفاية كما يعلم الجميع, ولمن حضر الصلاة فصلى كتب له قيراط, ومن صلى وتبع الجنازة كتب له قيراطان, الجنازة يسرع بها, والمتبعون للجنازة سواء كانوا يمشون خلفها أو أمامها لا يرفعون أصواتهم لا بقراءة ولا بذكر ولا بكلام, يمشون، صامتون مفكرون في الموت, وإذا دفن شرع بعد الدفن طلب الثبات للميت, لا بصورة جماعية ولكن كل إنسان يدعو له اللهم ثبته بالقول الثابت, اللهم ثبته عند السؤال, هكذا أمرنا أن ندعوا الله له بالثبات لأنه يسأل, الثابت أن يدعو كل إنسان وحده لا بطريقة جماعية, ثم بعد ذلك التعزية بعد الدفن تعزي أقارب...... من الأمور المبتدعة الدعاء الجماعي والتلقين واجتماع الناس أياما معدودة في بيت الميت على الطعام ثم الأربعينات أشياء كثيرة يعرفها كثير من الناس في غير هذا البلد كل ذلك من الأمور المبتدعة, وإن جاءت الآن إلى هذا البلد من حيث لا نشعر لا يستغرب, وقد جاء إلى هذا البلد ما هو أفظع من هذا, من الأمور التي كانت غير معروفة ولكن هذا الانفتاح العظيم الذي نعيشه الذي له فوائده وله ضرره ربما يأتي بأشياء أخرى لا نعلمها، سائل هذه الورقة الطويلة موجود هنا؟ لعله لم يحضر فنأخر له بعض أسئلته فالأسئلة كثيرة
سائل آخر يسال ما حكم دخول المسلم في جيش الطغاة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله, والمدافعة عنهم, ومناصرتهم؟ نرجوا الإجابة
الذين يحكمون بغير ما أنزل الله وبعد التفصيل تعرف الحكم في دخول جيشهم, الذين يحكمون بغير ما أنزل الله عند هذه الآية لابد من التفصيل "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولائك هم الكافرون" الله سماهم كافرين وظالمين وفاسقين, المعنى واحد، الكفر والظلم والفسق معان متقاربة, ولابد من التفصيل الآتي, من حكم بغير ما أنزل الله, أولا المراد بغير ما أنزل الله غير ما جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام سواء الذي حكمت به قوانين منظمة وضعية مستوردة من الشرق والغرب, أو قوانين وضعها الدكاترة من بني جنسنا الذين ينتسبون إلى ديننا من رجال القانون الذين أطلق عليهم رجال التشريع,أي لا فرق بين القوانين المستورة وبين القوانين المحلية، كلاهما كفر, إن اعتقد المعتقد بأن هذه الأحكام خير وأنسب للأمة من الحكم الشرعي، إن اعتقد مساواة تلك الأحكام بشرع الله وأنها مساوية أو أحسن أو أنسب أو أليق فهذا كفر بواح, ولا يجوز التعاون مع أمثال هؤلاء بل يجب دعوتهم إلى الرجوع إلى الإسلام من جديد, ومن حكم بغير ما أنزل الله معتقدا أن ما انزل الله أحسن و أنسب و أليق وأنه عندما يصدر الأحكام بالقوانين الوضعية أو بالسواليف فهو مخطأ الصواب في ما أنزل الله, هذا كفره كفر دون كفر، ليس كفره بالكفر بواحا, أي فاسق بهذا التصرف لا يخرج من ملة الإسلام طالما يعتقد أن ما فعله خطأ وأن حكم الله في الكتاب والسنة هو الحق وحده, الثالث إنسان أو قاض أو حاكم اجتهد ليحكم بما أنزل الله ولكنه أخطأ فحكم بغير ما أنزل الله هذا يثاب على اجتهاده ولا يآخذ على خطئه, هكذا فصل أهل العلم القول عند هذه الآية نقل هذا المعنى شارح الطحاوية فلترجع إليه, وبعد هذا عرفنا الكافر كفرا بواح وعرفنا من كفره دون كفر, ومن كفره دون كفر لا يعامل معاملة الكفار
سؤال للمعتمرين والزوار، يسأل كم من يوم للمعتمر والزائر -أي يقوم في الحرمين – وما حكم ركعتين قبل صلاة الجمعة ؟
الزائر والمعتمر ليس لهم أيام معلومة معدودة شرعا, أنه إذا اعتمر لابد أن يقيم في مكة كذا يوم وإذا زار مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام عليه أن يقيم كذا يوم، هذا غير موجود, الزائر يحدد لنفسه مدة الإقامة, إن شاء أقام شهرا إن لم يكن هناك مانع يمنعه، أو أقل أو أكثر ليس هناك تحديد للإقامة لا في مكة ولا في المدينة, ويشير هذا السائل إلى ما يشاع بين الزوار من المطالبة بأن يصلي أربعين صلاة في هذا المسجد وان لم يصرح بذلك وهذا الحديث الذي يقول "من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتب الله له براءة من النفاق براءة من النار وبراءة من النفاق" هذا الحديث عند كثير من أهل العلم ضعيف, ومنهم من يصححه, وعلى فرض صحته الحديث لا علاقة له بالزيارة، الحديث يعني بعد صحته الحث، حث أهل المدينة على المواظبة على صلاة الجماعة في هذا المسجد حتى يصلوا أربعين صلاة متتالية ليكتب لهم هذا الأجر العظيم, ولكن ورد الحديث بلفظ آخر "من صلى في مسجد أربعين صلاة" في أي مسجد من المساجد في ذلك حث للمسلمين على المواظبة على صلاة الجماعة ومجاهدة النفس حتى تصلي أربعين صلاة خلف إمام مسجد بلدك وقريتك, إذن الحديث حث على المواظبة على صلاة الجماعة ولا علاقة له بالزيارة لا من قريب ولا من بعيد, وأما صلاة ركعتين قبل الجمعة, يوم الجمعة المفروض أو المطلوب أن تبكر, فإذا بكرت صلي ما كتب الله لك من دون تحديد، نوافل مطلقة حتى يصعد الإمام المنبر, وهذا السؤال الذي يسأله السائل يعني صلاة ركعتين بين الأذان الأول والأذان الثاني هذا الذي يعنيه, وهاتان الركعتان في ما أعلم غير مشروعتين, لماذا ؟ لأن الاستدلال على هاتين الركعتين بقوله عليه الصلاة والسلام "بين كل أذانين صلاة" استدلال في غير موضعه، المراد بالأذانين بين كل أذانين صلاة الأذان والإقامة، إذا أذن المؤذن لكل صلاة حتى صلاة المغرب تصلي ركعتين قبل الإقامة هذا معنى الحديث, وأما الأذانان للجمعة لم يشرع الأذان الأول لا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حتى يدخل في عموم هذا الحديث ولا في عهد أبي بكر أيضا وهو اجتهاد من عمر سنة عمرية, وعندما شرع لم يشرع على هذه الكيفية التي نحن عليها الآن في كثير من مساجدنا, وفي كثير من المناطق, ولكنه شرع تنبيها في السوق, الأذان الأول عبارة عن تنبيه أهل السوق في وقت كاف نحو ساعة أو ما يقرب من الساعة قبل الوقت لينصرفوا من أسواقهم وأعمالهم ويغتسلوا ويستعدوا للجمعة, هذا الأذان لا يتطلب صلاة, تنبيه عادي, وكان في السوق في سوق المناخة على مكان عال لما شرع عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس وابتعدوا عن المسجد ابتعادا نسبيا شرع اجتهادا من عثمان, لذلك لا يدخل في عموم هذا الحديث, وينبغي أن يكون الأذان على نفس الطريقة ليستفاد منه في وقت كاف, والى اللقاء غدا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه .انتهى


فُرِّغ الشريط الرابع وبارك الله في الإخوة الذين فرغوا الأشرطة وراجعوها فنسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتهم
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top