صناعة الفتوى بين العمى السياسي والمعرفي

adel._dz

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
12 جوان 2013
المشاركات
1,336
نقاط التفاعل
1,847
النقاط
71
وصف معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، الفتاوى السياسية الأخيرة الخاصة بدعوة الأمة للجهاد في سوريا بالعمى السياسي، كما اعتبر تلك الدعوة بأنها تجارة بدماء السوريين، في إشارة إلى حرب بالوكالة تقف وراها دول وأطراف كثيرة. وإذ نبارك هذه الصحوة المتأخرة لدى شيخ الائتلاف، والتي انبثقت عن الخبرة البسيطة التي اكتسبها، من خلال احتكاكه بخلفيات الواقع الفعلي للصراع وأبعاده الإقليمية والدولية، أثناء توليه الملف الذي وضعه في عمق الحسابات السياسية، ووفّر له معطيات سمحت له بإدراك مسارات ومراحل استراتيجيات القوى الدولية في تعاملها مع الملف، فإن ذلك الوصف للفتوى يفرض علينا التساؤل، حول ما إذا كان ذلك العمى سياسيا، أم أن خلفياته علمية ومعرفية بالدرجة الأولى؟! لقد انتقل العالم، ومنذ زمن بعيد، من المثالية إلى الواقعية، فالسلوكية فالواقعية الجديدة، لتنتهي الخبرة التاريخية إلى أنه في الصراعات والحروب توجد قوى دولية وتوازن للقوى، تتمركز حوله إستراتيجيات ومصالح قومية وعليا، وحسابات جيوسياسية معقّدة ومصالح اقتصادية كبرى، وتوازنات هامّة تقف خلفها مراكز وخزانات التفكير ومجالس الأمن القومية، وأجهزة المخابرات وأقمار صناعية وقوى ذكية وصلبة وناعمة، وآليات سياسية متفرّعة ومتشعبة تسير في كل الاتجاهات وتصبّ كلها في مفردة واحدة، هي المصلحة العليا للدولة. حتى وإن وصل الأمر إلى حدّ اختلاق الأكاذيب، كما حصل في أسلحة الدمار الشامل في العراق، وهي تقيس مختلف التفاعلات على أرض الواقع، كما يقيس “التارمومتر” درجة الحرارة، لكي تحدد توقيت اتخاذ القرار والنتيجة التي ينبغي أن يحققها. إنه الواقع المعقد الذي يقوم على دراسته علماء وخبراء سياسة واجتماع واقتصاد وغيرهم، إلى جانب النخبة العسكرية. وانطلاقا من هذه المعطيات، فإن التساؤل الأهم الذي يفرض نفسه يدور حول مدى إدراك شيوخ الدين لكل هذه التعقيدات، ما دامت الفتوى تشترط في صناعتها فقه الواقع والزمان والمكان، الذي يقوم على مدى استيعاب صاحب الفتوى والمتصدّر لها لهذه الحسابات التي تقف وراءها ترسانة من مراكز التفكير، التي يتبادل أفرادها المواقع والأدوار، بين ممارسين للسياسة في الأجهزة التنفيذية للقوى الدولية، وخبراء يقفون وراء الرؤية الإستراتيجية لصانع القرار في الإدارة التنفيذية، وعادة ما يكونوا من خريجي أكبر الجامعات والمدارس العليا وأعرقها في دولهم.
هل صاحب الفتوى إذن مطّلع على كل هذه البيانات والمعلومات المتشابكة، كي يتمكّن من تحديد المصالح والمفاسد ويوازن بينها، بحيث يأخذ بعين الاعتبار آثار فتواه ومآلاتها على الشعوب والدول والأمة؟ أم أن سؤال المآل مفارق لتلك المصفوفة الفكرية، والخريطة الإدراكية، لمن يتجرأون على الفتوى في مثل هذه الظروف، باعتبارهم الجهاد بابا من أبواب الفقه، في غياب الفقه السياسي مادامت السياسة من العلوم الفلسفية وليس الشرعية كما صنّفها بعضهم.
إن سؤال المآل يجعلنا نوازن بين مصالحنا ومصالح القوى الدولية، كما يدفعنا إلى العودة إلى مفهوم الفتنة، الذي ينبغي أن يتم إدراكه من خلال أعداد القتلى اللاجئين والمعوقين والثكالى واليتامى وحجم الدمار ومخاطر التكفير والحرب الطائفية والعرقية الاثنية، فضلا عن سؤال آخر طالما يغفل عنه شيوخ الدين الذين يدعون الأمة للجهاد.. ماذا سيفعل أولئك الجهاديون الأمميون بعد الانتهاء من الحرب والعودة إلى دولهم، غير أنهم يصبحون مصدرا للقلاقل والأزمات، وسببا في الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي يقف عائقا في طريق تحقيق أي تنمية أو تطوّر، بعد أن يكونوا قد تعوّدوا على لعبة الموت والرقص على الجثث، ولعل ذلك هو ما دفع الرئيس التونسي المؤقت، في صحوة أخرى، إلى التنسيق مع الجانب التركي للحدّ من ظاهرة تدفق الشبان التونسيون على سوريا عبر تركيا، واصفا إياهم بالمغرر بهم، معتبرا أن ذلك يضرّ بأمن تونس.
إنه الجهل بفقه الواقع والمآل الذي يعتبر أحد أهم مقوّمات الفتوى وركائزها، والذي بات يصنع فتوى هي أقرب إلى فوضى، لا يمكن لها الانتظام في أي سياق أو رؤية أو مقصد من مقاصد الشرع، باعتبارها نتاج انطباع قائم على ثقافة السمع والانفعال القائم بدوره على قراءة تبسيطية وقاصرة للواقع، وهي في جلّها تعتمد على الفضائيات والصحف التي هي من أولى ثمار الإستراتيجيات، فضلا عن التوظيف السياسي الذي يجد له استعدادا وقابلية عند البعض لأسباب كثيرة، أغلبها دنيوي بحت. كما أن تلك الفتوى تعتمد على أخبار يرويها أعضاء جماعات بعينها للمتصدر للفتوى فيندفع باتجاه إصدار الفتوى، التي بات الجمهور يتلقاها مرفوقة بالسباب والشتم واللعان وكل أشكال العنف اللفظي، ما يجعل العملية تبدو أقرب إلى التهريج منها إلى أمر يتعلّق بحياة الإنسان التي جعل اللّه عز وجلّ من اقترب من واحدة منها، وكأنه قتل كل ما على الكرة الأرضية من بشر. إن ما نراه اليوم من فتاوى سياسية، بات أقرب إلى الفقه الوضعي (غير العلمي) الذي يرتكز إلى مصالح مفارقة للبعد الديني والمقصد الشرعي منه إلى الفقه الشرعي. إنه عمى معرفي وعلمي، وعمى سياسي، وآخر ثالث هو عمى القلوب التي في الصدور!





المصدر


جريدة الخبر
ط§ظ„ط®ط¨ط± - طµظ†ط§ط¹ط© ط§ظ„ظپطھظˆظ‰ ط¨ظٹظ† ط§ظ„ط¹ظ…ظ‰ ط§ظ„ط³ظٹط§ط³ظٹ ظˆط§ظ„ظ…ط¹ط±ظپظٹ
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top