الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم(للشيخ عبد الرزاق البدر)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد :
قبل الدخول في موضوع هذه المحاضرة أسأل الله عز وجل أن يبارك لنا أجمعين في شهرنا الكريم وموسمنا العظيم شهر رمضان المبارك ؛ هذا الشهر الذي خصه الله تبارك وتعالى بخصائص عظيمة وميِّزات كريمة تميز بها عن غيره من الشهور ، وقد جاء في الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)) ، والأحاديث الواردة في فضل هذا الشهر وبيان مكانته العظيمة كثيرة . وهو يُعَدُّ فرصةً عظيمة لتجديد الإيمان ، وتقوية الإسلام ، وتزكية القلوب ، وإصلاح النفوس ، وتهذيب الأخلاق، والبُعد عن سيئها وسفسافها ، والنهوض بالنفس لمعالي الأمور ورفيعها ؛ وهذا كله من المقاصد والغايات التي شُرع صيام رمضان لأجلها كما قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183] . فنسأل الله عز وجل أن يغنِّمنا أجمعين خيرات هذا الشهر وبركاته ، وأن يجعله لنا أجمعين مغنما ، وإلى الخيرات والمعالي مرتقًى وسلَّما ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما ، إنه تبارك وتعالى سميعٌ قريبٌ مجيب .
معاشر الكرام : حديثنا في هذا اللقاء عن «الاستجابة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام» ؛ والحديث عن هذه الاستجابة هو حديثٌ عن الحياة الحقيقية التي يتميز بها المرء عن بهيمة الأنعام ؛ إذ إنَّ الحياة نوعان : حياة حقيقية وحياة بهيمية ، وإنما تكون الحياة حياةً حقيقيةً بالاستجابة لله والاستجابة لرسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا قال الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:24] .
فالحياة الحقيقية إنما هي بهذه الاستجابة لله عز وجل ، وكلما قويت هذه الاستجابة قويت هذه الحياة ، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء يحمل وحيًا عظيمًا وذِكرًا كريمًا به تحيا القلوب وتتحقق لها السلامة من موتها ، فإنَّ النفوس موتى إلا إذا وصل إليها وحي الله تبارك وتعالى فإنها تحيا به ، ولا حياة لها إلا به ؛ ولهذا سمى الله تبارك وتعالى وحيه وتنزيله روحًا كما قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا }[الشورى:52] ، فسمى الله تبارك وتعالى الوحي روحًا وسمى من ينزل به وهو جبريل روحًا { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }[الشعراء:193] لأن القلوب لا تحيا إلا بهذا الوحي وهي بدونه في عِداد الأموات ؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ }[الأنعام:122] أي أحييناه بهذا الوحي .
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى لعباده مثلًا في القرآن الكريم يبين كيف أن القلوب لا تحيا إلا بالوحي ، نظير النبات الذي في الأرض لا يحيا إلا بالماء ؛ فضرب الله سبحانه وتعالى مثلًا لحياة النبات بالماء ليستفيد منه العباد في معرفة حقيقة حياة القلوب بوحي الله سبحانه وتعالى ؛ وتأمل ذلك في قول الله عز وجل في سورة الحديد: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)} ؛ فهذه آية عظيمة جدًا ضربها الله سبحانه وتعالى لندرك من خلالها كيف أن القلوب لا تحيا إلا بالوحي كما أن الأرض الميتة لا تحيا إلا بالماء . والأرض الميتة كما هو مشاهد ومعروف تكون جفافًا مقحطةً لا زرع فيها ولا نبات فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ؛ فكذلك القلب مثلها تمامًا إذا وصل إليه هذا الوحي وتزكى بهذا الوحي أنبت من كل خير ؛ عبادات فاضلة ، أخلاق كريمة ، آداب عالية ، معاملات طيبة ، إلى غير ذلك من الأمور التي تنبُت من هذا القلب على إثر حياته بالوحي .
والقلب تُغرس فيه شجرة الإيمان فتزداد حياتها بهذا الوحي ؛ فكلما عظُم حظها من وحي الله سبحانه وتعالى عظم النماء لهذه الشجرة ، كما قال الله عز وجل في سورة إبراهيم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25)} . وحقيقةً معاشر الكرام ينبغي بل يتأكد على كل واحد منَّا عندما نسمع هذه الأمثال المضروبة في كتاب الله تبارك وتعالى أن نحرص على أن نعيها وأن نفهم مدلولها حتى يكون لها الأثر المبارك علينا والنفع الكبير ، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43] .
فينبغي على من سمع هذه الأمثال العظيمة التي ضربها الله سبحانه وتعالى لعباده في كتابه أن يحرص تمامًا على أن يعيها وأن يفهمها حتى تتحقق له الفائدة . وها أنت قد تأملت في هذا المثل العظيم الذي ضربه لك رب العالمين سبحانه وتعالى لتدرك من خلاله أهمية حياة القلوب وأن هذه الحياة لها إنما تكون بوحي الله سبحانه وتعالى ، أما بدون الوحي فإن المرء يكون منه أكلٌ وشربٌ ونومٌ ويقظةٌ وحركة وسكون لكنه لا يتميز في شيء من ذلك عن بهيمة الأنعام إلا إذا أكرمه الله سبحانه وتعالى بهذا الوحي الذي لا يحيا قلبه ولا تزكو حياته ولا تطيب أعماله ولا يستقيم أمره إلا به .
فينبغي على المرء أن يدرك أهمية هذا الأمر ؛ أعني الاستجابة لله سبحانه وتعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام فيما يدعونا إليه مما فيه حياة قلوبنا وزكاة نفوسنا وإطابة أخلاقنا وآدابنا وتعاملاتنا وصلاح أمرنا بتمامه ، فإنه لا صلاح للأمر إلا بدين الله تبارك وتعالى ، وفي الدعاء المأثور : «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» .
ثم أيها الأخ الكريم : تأمل مرة أخرى في هذه الآية وهي خطابٌ لأهل الإيمان {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ}[الأنفال:24] ، وأنت تعلم أن المرء لا يوصف بالإيمان إلا إذا كان عنده حظ ونصيب من الاستجابة لله تبارك وتعالى ، فهذا خطابٌ للمستجيب لله أن يستجيب لله ، مثله تمامًا قول الله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }[النساء:136] ، وقول الله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ }[الحديد:28] ؛ يخاطب المؤمن بوصف الإيمان وفي الوقت نفسه يأمره بالإيمان . وهنا أيضا يخاطبه بوصف الإيمان وهو يتضمن الاستجابة لله عز وجل ويأمره بالاستجابة { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ } .
وهذا نستفيد منه : أن الاستجابة يؤمر بها من هو مؤمنٌ بالله مستجيبٌ لأمر الله عز وجل ليزداد استجابةً وامتثالًا وطواعيةً وثباتًا على الحق والهدى ، وفي الوقت نفسه يؤمر بها من ليس مستجيبًا لله ليدخل في دين الله ، مثل الإيمان ؛ الإيمان يؤمر به من هو مؤمن ليزداد إيمانًا ، ويؤمر به من ليس بمؤمن ليدخل في هذا الدين وليكون من أهله . فقول الله عز وجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ } هو أمرٌ لأهل الإيمان أن يزدادوا استجابة واستمساكًا بهذا الدين وثباتًا عليه . وهل يصح في اللغة أن يؤمر بالشيء من هو فاعل له؟ نعم بل بكثرة ، تجد الشخص مثلا يمشي مع صاحبه فيلتفت إليه ويقول "امشي يا فلان" ، أو يرى صاحبه يأكل معه لكنه يقِلُّ في لأكل فيقول "كُل يا فلان أو اشرب يا فلان" وهو يشرب! أمر بالزيادة . ولهذا العلماء رحمهم الله تعالى قالوا: الأمر بالشيء تارة يكون لمن هو داخلٌ فيه فهو أمرٌ بالزيادة ، وتارة لمن هو ليس بداخل فيه فهو أمرٌ بالدخول .
فإذًا دلت هذه الآية الكريمة على أن المسلم ينبغي له أن يعمل حياته كلها على تحقيق هذه الاستجابة ؛ فالاستجابة لله تبارك وتعالى ليست مرحلةً وقتية أو أيامًا معدودة ، ولنضرب مثال بموسم رمضان ؛ من الناس من يتحرك في استجابته لله سبحانه وتعالى في رمضان ، حتى إن بعض الناس لا يعرف المساجد إلا في رمضان ، وإذا خرج رمضان تركوا المساجد أو ضعف إتيانهم إليها ! حتى قال بعض السلف في هؤلاء : «بأس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان» ، ورب رمضان هو رب شوال ورب الشهور كلها ، ومطلوبٌ من المسلم أن يكون مستجيبا لله تبارك وتعالى في الشهور كلها وحياته كلها {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:99] ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102] أي داوِموا على عبادة الله ، داوموا على طاعة الله إلى أن يتوفاكم الله تبارك وتعالى وأنتم على هذه الحال من الاستقامة والاستجابة والامتثال لأمر الله تبارك وتعالى .
وأيضًا قول الله عز وجل { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }[الأنفال:24] ينبغي أن يُحدث هذا في قلوبنا يقظةً مهمة في هذا الباب ، وهو أنه ثمة ارتباط بين أمرين وتلازم قوي بينهما ألا وهما : الاستجابة لله والرسول ، والحياة الحقيقية التي يتميز بها المرء عن الحياة البهيمية ، { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ، ولْيعمِّق المرء في نفسه أثر هذه الاستجابة في قوة هذه الحياة وكمالها ، وأنه كلما عظم حظه من الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام عظم حظه من هذه الحياة .
الحياة الدنيا فيها مذاقٌ جميل وحلاوةٌ وطعم ولذةٌ وهناءة لكنها لا تُحصَّل إلا بالإيمان ، لا تحصَّل إلا بالاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام ، قال صلى الله عليه وسلم : ((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا)) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) . فالحياة فيها حلاوة وفيها لذة وفيها هناءة وفيها قرة عين وفيها راحة بال ، وكل هذه المعاني لا يمكن أن تُنال إلا بالإيمان ، وتأمل في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ)) ، وكان يقول : ((أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ يَا بِلالُ)) .
فهذه الاستجابة تحقِّق هذه الحياة ؛ حياة الراحة ، حياة قرة العين ، حياة هناءة العيش ، حياة هدوء البال زوال القلق والكدر ، حياة السعادة الحقيقية ، يقول الله عز وجل : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النحل:97] ؛ فانظر هذه الحياة الطيبة ، الحياة الموصوفة بهذا الوصف الجميل الطِّيب لا تكون إلا بالإيمان بالاستجابة لله وللرسول بالطاعة لله سبحانه وتعالى ، لا يمكن أن يحيا المرء هذه الحياة الجميلة الهنيئة السعيدة إلا بالاستجابة لله تبارك وتعالى ولرسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه .
وتأمل أيضًا في هذا المعنى قول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }[الانفطار:13] ؛ قال أهل التفسير: «إن الأبرار لفي نعيم في دورهم الثلاثة» يعني في نعيم في الدنيا ، وفي نعيم في البرزخ ، وفي نعيم يوم يلقون الله سبحانه وتعالى . فالدنيا فيها نعيم ، فيها حياة جميلة ، حياة طيبة ، حياة لذيذة كريمة ، لكنها لا تنال إلا بهذه الاستجابة ؛ الاستجابة لله تبارك وتعالى ولرسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه .
ثم تأمل رعاك الله في تمام هذا السياق في هذه الآية الكريمة قال : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}[الأنفال:24] انتبه تيقظ ، { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} وهذا تنبيه وإيقاظ للقلوب ؛ إذا أقبل عليك الخير أقبلت عليك مواسمه فاغتنمها ، إذا وجدت في صدرك شيء من الانشراح للطاعة والإقبال على العبادة إياك ثم إياك أن تسوِّف أو أن تؤجِّل أو أن تؤخر عمل اليوم إلى الغد ، احذر أشد الحذر من ذلك ؛ فهذه النفس التي قد تُقبِل حينًا من الدهر على الخير فتسوِّف أنت يا صاحبها وتؤجل قد لا تقبِل مرة أخرى { أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } قد لا تقبِل مرة أخرى ، وكم من إنسان أقبلت نفسه فأعرض عن إقبالها وأجَّل بالطاعة وسوَّف ثم بقيت مدبرةً إلى أن مات ، ثم بقيت معرضة إلى أن مات ، { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } ليس كل وقت تُقبِل النفس ، ليس كل وقت ينشرح الصدر ، فإذا وجد الإنسان من نفسه شيئا من الانشراح والإقبال فليغتنم ذلك وليبادر وليسارع إلى الاستجابة لله تبارك وتعالى ، والنفس لها إقبال وإدبار ، تُقبِل وتدبر ، والعاقل يغتنم إقبال نفسه ويحرص على اغتنام ذلك .
في مواسم الخيرات وخاصة رمضان تتهيج النفوس وتتحرك ويحصل منها إقبال ، هذا ينبغي أن يُغتنم لتحقيق الاستجابة لله تبارك وتعالى .
في موسم الحج ؛ كم في الحج من المعاني العظيمة التي تعمق الاستجابة لله تبارك وتعالى ! لو لم يكن فيه إلا كلمة «لبيك» التي يرددها الحجيج ، ما هي هذه الكلمة «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» ماذا تعني هذه الكلمة؟ على أي شيء تدل ؟ معناها : أنا مستجيب لك يا الله ، أنا منقاد لأمرك ، دعوتني إلى حج بيتك فقلت ليبك ، «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» استجابةٌ من بعد استجابة ، وطواعيةٌ يتبعها طواعية ، وامتثالٌ يعقبه امتثال ؛ هذا هو معناها . وتجد الحاج يردِّدها عشرات وربما مئات المرات عند بيت الله الحرام وفي فجاج منى وعرفات والمزدلفة يرددها عشرات المرات ، هذه الكلمة لو وعاها الحاج وعقل مدلولها لعمَّقت في نفسه بشكل عظيم الاستجابة لله والطواعية والامتثال لأمر الله ، والله لو كان يعي الحاج معنى هذه الكلمة لا يتخلَّف يومًا عن الصلاة عندما ينادى «حي على الصلاة حي على الفلاح» والله لا يتخلف ، كيف يتخلف وهو في منى وعرفات وفي المزدلفة وحول بيت الله الحرام يردد ويرفع صوته عشرات المرات «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» ثم ينادى للصلاة التي هي أعظم من الحج ويتأخر ! أين «لبيك» ؟ أين هذه الاستجابة وهذا الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى ؟
وهذه المواسم العظيمة رمضان وحج بيت الله الحرام مواسم تفعِّل في قلوب المؤمنين هذه الاستجابة وهذه الطواعية وهذا الامتثال ، قرأنا في آية الصيام { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } من أجل ماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183] ، وفي الحج قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} من أجل ماذا؟ { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج:27-28] أذِّن فيهم بالحج من أجل أن يشهدوا منافع الحج ، والحج مليء بالمنافع مليء بالدروس مليء بالعبر مليء بالعظات التي توقظ القلوب الغافلة والنفوس المعرِضة وتدفع المرء دفعًا قويا إلى الإحسان في الاستجابة لله والامتثال لأمره سبحانه وتعالى .
ثم تأمل أيضًا كيف ختم الله سبحانه وتعالى هذا السياق المبارك بقوله { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:24] ؛ انتبه يا عبد الله { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}مصيرك إلى هذا الحشر وهذا الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وهناك يحصل التمايز بين الفريقين : فريق الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام ، وفريق الصدود والإعراض عن هذه الاستجابة ، ليجزي الله سبحانه وتعالى {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم:31] ؛ من هم أهل الحسنى ؟ أهل الاستجابة مثل ما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الرعد {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى}[الرعد:18] ، فأهل الاستجابة هم أهل الحسنى ، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }[الرحمن:60] ، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26] .
ولهذا ينبغي على العبد أن يتفكر في هذا اليوم الذي يُحشر فيه إلى الله ويقف فيه بين يديه جل في علاه ويُعِد لذلك اليوم عدَّته كما قال علي رضي الله عنه : «ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ -هناك من الناس من هم أبناء الدنيا ليس لهم حظ في الآخرة ، وهناك من الناس من هم أبناء الآخرة وعملهم للآخرة - فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ» . ففرصة المرء عظيمة وهو يعيش في هذه الحياة الدنيا أن يحقق هذه الاستجابة لله تبارك وتعالى ولرسوله عليه صلوات الله وسلامه وبركاته ؛ حتى يغنم خير الدنيا والآخرة ، حتى يغنم نعيم الدنيا والآخرة ، حتى يغنم قرة العين في الدنيا والآخرة ، حتى يكون من أهل قوله جل في علاه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النحل:97] .
وأعظم ما يكون في هذا الباب «باب الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام» تحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله تبارك وتعالى ؛ فإن هذا أصل الدين الذي عليه يُبنى وأساسه الذي عليه يقوم ، فإنه لا قيام للدين ولا تحقق للاستجابة لرب العالمين إلا بتوحيده وإخلاص الدين له ، فإن مثل التوحيد مع الأعمال مثل الأصول في الأشجار ، فكما أن الأشجار لا تقوم إلا على أصولها فإن الدين لا يقوم إلا على توحيد الله سبحانه وتعالى ، فالأساس الذي تُبنى عليه الاستجابة لله وعليه تقوم هو توحيد الله تبارك وتعالى وإخلاص الدين له ، ومن لم يكن موحدًا لا يكون مستجيبًا لله وإن عمل ما عمل ، لأن أساس الاستجابة لله أن يكون العبد موحدًا لله مخلصًا دينه له تبارك وتعالى محققًا ما تدل عليه كلمة التوحيد التي هي أحسن الحسنات ، وقد جاء في المسند أن أبا ذر رضي الله عنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام «أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؟ قَالَ : ((هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ)) ، «لا إله إلا الله» هي كلمة التوحيد ، «لا إله إلا الله» كلمة استجابة لله بتوحيده وإخلاص الدين له وإفراده تبارك وتعالى وحده بالعبادة ؛ بأن لا يدعو العبد إلا الله ، ولا يستغيث إلا بالله ، ولا يتوكل إلا على الله ، ولا يذبح إلا لله ، ولا ينذر إلا لله ، ولا يصرف شيئا من العبادة إلا لله {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:162-163] . فهذا أساس الاستجابة لله تبارك وتعالى؛ أن يكون المرء موحدًا مخلصًا دينه لله مفردًا ربه تبارك وتعالى بالعبادة ، لا يصرف شيئا من العبادة إلا لله سبحانه وتعالى .
ثم يأتي من بعد التوحيد في حقيقته وتحقيق الاستجابة لله سبحانه وتعالى : الصلاة المفروضة التي افترضها الله سبحانه وتعالى على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات ؛ فهذه الصلاة هي أعظم أركان الدين بعد التوحيد ، قد قال عليه الصلاة والسلام : ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ)) فهذه الإقامة للصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد توحيد الله تبارك وتعالى . والله عز وجل افترض على عباده هذه الصلوات الخمس في اليوم والليلة وجعل فيها خيرًا عظيمًا ونفعًا كبيرًا للعباد وصلاحًا وفلاحًا وسعادةً لهم في دنياهم وأخراهم ، وقد ذُكرت الصلاة يومًا عند نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام فقال : ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ)) ؛ أي أنه إن لم يحافظ على الصلاة يحشر يوم القيامة مع صناديد الكفر وأعمدة الباطل ، ومن هذا الذي يرضى لنفسه أن يكون يوم القيامة جنبًا إلى جنب مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف؟! من الذي يرضى لنفسه ذلك ؟! ومن لم يحافظ على الصلوات فقد رضي لنفسه ذلك شاء أم أبى . فالصلاة شأنها عظيم في باب الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام ، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)) ، فالصلاة المفروضة شأنها عظيم جدًا .
ثم يأتي من بعد ذلك إيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت الحرام ، وهذه الخمسة هي مباني الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ)) .
وتأمل في هذا المقام هذا الحديث العجيب وهو في صحيح مسلم : أن رجلا أتى النبي عليه الصلاة والسلام وصُرِّح باسمه في بعض الروايات النعمان بن قوقل رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟» قَالَ: ((نَعَمْ)) ، قَالَ: «وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا» يقول هذا الصحابي .
وهنا نستفيد فائدة في باب الاستجابة لله عز وجل وللرسول عليه الصلاة والسلام : أن أعظم ما يكون في هذه الاستجابة أن تُعنى بفرائض الدين وواجباته ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول كما في الحديث القدسي : ((مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)) ؛ فأعظم ما يكون في هذا الباب باب الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام أن نُعنى بفرائض الإسلام وواجبات الدين المتحتمة المتعيِّنة على كل مسلم ومسلمة ؛ الصلوات الخمس ، إيتاء الزكاة ، صوم رمضان ، حج البيت الحرام ، هذه هي الفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى على عباده ، ثم من بعد ذلك أن نحِلَّ الحلال ونحرم الحرام ؛ فمن كان كذلك محققًا هذه الاستجابة فإنه يدخل يوم القيامة الجنة بدون حساب ولا عذاب ، نعم هناك من هو أعلى منه وأرفع منه درجة وهم السابقون بالخيرات ، لكن من كان في هذه الدرجة التي أشرت إليها وهي درجة الاقتصاد { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ }[فاطر:32] وهو من يفعل الواجب ويترك المحرم هذا يدخل الجنة يوم القيامة بدون حساب ولا عذاب ، لأنه أدى ما أوجب الله عليه ، قام بما افترضه الله سبحانه وتعالى عليه وتجنب المحرمات التي حرمها الله سبحانه وتعالى عليه .
الحاصل معاشر الكرام : أنَّ هذه الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام هي حياة المرء الحقيقية وهي سعادته في دنياه وأخراه ، وثمة صوادّ في هذه الحياة الدنيا كثيرة جدًا تصرف المرء عن هذه الاستجابة ينبغي على العبد أن يكون على حذر منها ؛ فهناك النفس الأمارة بالسوء ، وهناك الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه ، وهناك قرناء السوء ، وهناك أيضا الوسائل الحديثة التي انفتحت الآن على الناس انفتاحًا واسعًا كبيرا فألهت قلوبهم وأشغلت نفوسهم ؛ القنوات الفضائية وما أدراك ما القنوات الفضائية ، ومواقع الانترنت كم جرَّت من بلاء وشرور عظيمة على الناس !! كم أوقعت في القلوب من غفلة !! وكم جعلت في النفوس من إعراض وبُعد!! وكم حركت وهيجت في فعل الذنوب وارتكاب الموبقات !! وكم وكم !! أعني قنوات الفساد وقنوات الشر ومواقع الشر كم أضرَّت بالناس ؟ كم أضرت بالشباب؟ كم أبعدت عن الاستجابة لله تبارك وتعالى وللرسول عليه الصلاة والسلام؟ بل إنها جرَّت كثيرا من الناس إلى أن أصبحوا مستجيبين للشيطان لا لله ولا للرسول عليه الصلاة والسلام .
فينبغي على المسلم أن يتيقظ وأن يدرك حقيقة الأمر ، وأن يغنم حياته ، وأن يسارع وأن يبادر إلى الخيرات ، وأن يغتنم حياته وشبابه كما قال عليه الصلاة والسلام : ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شَغْلِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ)) يغتنم هذه ، وإن لم يغتنم فاتت عليه وضاعت وذهبت أيامه سدى وحياته هباء ، والله سبحانه وتعالى وحده الموفق والمعين لا شريك له .
نسأله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا أجمعين لما يحبه ويرضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، وأن يعيننا أجمعين على تحقيق هذه الاستجابة لله تبارك وتعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحةً لنا من كل شر ، اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسره . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه .
[FONT=&quot]................[FONT=&quot][FONT=&quot][FONT=&quot][/FONT][/FONT][/FONT][/FONT]​
 
رد: الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم(للشيخ عبد الرزاق البدر)

بارك الله فيك
و جعله الله في ميزان حسناتك
 
رد: الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم(للشيخ عبد الرزاق البدر)

بارك الله فيك وجزاك خيرا
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top