روى الأصفهانيّ في «الأغاني»، والأصفهانيّ بالمناسبة منافسٌ شرسٌ للأصمعيّ في اختلاق القصص، ولكنّ الأوائل إذا رووا تنادينا: السّماع، السّماع! فاسمعوا منّي عنه، قال:
يُحكى أنّ تاجراً من الكُوفة، قَدِمَ المدينة المُنوّرة بخُمُرٍ، فباعها كلّها إلا السوداء بقِيَتْ بضاعةً كاسدةً في وجهه! وكان الكوفيّ صديقاً لـ«الدراميّ» الشّاعر الذي اشتهر بشعر الغزل، ولكنّه ما لبث أن تنسّك وأقلع عن قول الشّعر في النّساء! فشكا الكُوفيّ للدراميّ ما صارت إليه تجارته، فقال له: لا تقلق، فسأبيعها لك، ثم أنشد قائلاً:
قُلْ للمليحةِ في الخِمارِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ مُتعبّدِ
قد كان شمّر للثيابِ صلاته
حتى وقفتِ له بباب المسجدِ
رُدّي عليه صيامه وصلاته
لا تفتنيه بحقّ دين مُحمّدِ
فانتشرت الأبياتُ بين النّاس انتشارَ النّار في الهشيم، وأقبلت النّسوةُ على الخُمر السّود.. وهكذا وُلدتْ أوّل دعاية تجاريّة في التّاريخ!
تُقبلُ النّساء على مستحضرات «غارنييه» اعتقاداً منهُنّ أنّ كل واحدة ستصبح «هند صبري»، ويدفعُ الرجالُ المال على يقينهم أنّه لا تُصلحُ «غارنييه» ما أفسد الدّهرُ! ولكنّهم يريدون السِتر لا أكثر!
مشكلة النّساء أنّهنّ ضعيفات أمام دعايات مستحضرات التجميل ضَعف الرجال أمام الحسناوات اللواتي يعرضنها! التّجملُ مطلوب، ولكن أُريدكنّ أن تعرفن أن غارنييه لم تجعل من هند صبري جميلة، فلا تتوقع إحداكُنّ أن تستيقظ ذات صباح ولا تعرف نفسها، ثمّة جمال يهبه الله هبّة للنّاس، ولم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وشقّ الأنفس هنا أموال طائلة، وعشرات عمليّات التجميل، فأرى أن تسترحن، وتوفرن أموال أزواجكن، ودعوهم يتفرّجون على هند صبري «ببلاش» ولتذهب غارنييه إلى الجحيم!
مُذ فتحتُ عينيّ على التلفاز وأنا أرى مستحضرات التنظيف تقضي على ٩٩ % من الجراثيم، لدرجة أنني لم أعد أُفكّر بالجراثيم ضحايا هذه الإبادة الجماعيّة، وإنما أريد أن أتشرف بلقاء هذه الجرثومة التي لم يستطع أن يقضي عليها أحد! أريدُ أن أصافح بطلة العالم الصغيرة، وآخذ معها «سيلفي» وأضعها في الفيس بوك! عموماً لستُ أدري سبب هذه الحملة الشعواء على الجراثيم، فقد تبيّن لي أنّها مخلوقات طيّبة يمكن التعايش معها.. قرأتُ مؤخراً دراسة علميّة تقول إن الجراثيم على الهاتف النقّال أكثر منها في المراحيض العّامة! لستُ أدري ما إذا كانت هذه الدراسة خطوة استباقيّة من شركة تنوي أن تنتج مستحضرات تنظيف للهواتف، فقبل بيعنا منتجهم التجاريّ عليهم أن يقنعونا أولاً أن كل واحدٍ منا يحمل في يده مرحاضا! صدّقوني عندما أخبركم أن الدعايات فنّ، بل علم قائم بذاته يلعب بعقلية المستهلك ويقنعه بشراء منتجات لا يحتاجها!
الثّياب التي يجعلها «برسيل» أكثر بياضاً هي بيضاء فعلاً، وأنظف من ثيابنا بعد أن نغسلها، والمسحوق الآخر الذي يأتون به ليتحداه برسيل ويحجبونه من باب السِتر على المساحيق الأخرى وعدم التشهير بها، ويتغلّب عليه برسيل دوماً، يضعون عليه بقعة حقيقية كتلك التي تكون على ثياب أولادنا البيضاء ونحصل بعد غسلها ببرسيل على ذات النتيجة المذلّة التي حصل عليها المسحوق الخاسر!
والأشخاصُ الذين يعرضون دعايات معجون الأسنان، دفعوا مبالغ طائلة لقاء «الهوليود سمايل» الذي قاموا به، ولكنّهم سيعوّضونه من جيوبنا بعد أن يتقاضوا مبلغاً محترماً من الشركة بعد إقناعنا أن الحل يمكن في «الآب ديت» الجديد لمنتجهم لأنه يحتوي على فلورايد أكثر!
إنّهم يسرقوننا، ويستعينون بالمشاهير علينا، يريدون أن يقنعونا أن ميسي يسجل الأهداف لأنه يشرب بيبسي، رغم أن كميّة السّكر الموجودة في العبوة، مع تكلفة العبوة الفارغة، بالإضافة لسعر الماء إذا كان نظيفاً، مع الملونات والأصباغ الكيميائية، تجعل تكلفة الأشياء أعلى من سعر بيعها، ولكننا نستمر بشرب هذه الجحيم!
يريدون أن يقنعونا أن كريستيانو رونالدو تحبّه الفتيات لأنّه يحلق لحيته بجيليت سانسور، لا لأنّه وسيم، ويلعب في الناديّ الملكيّ، ولديه سلاح فتّاك وهو أنّه ثريّ جداً!
يريدون أن يقنعونا أن شاكيرا تصنع شوربة كنور، فنشتريها رغم علمنا أنّ شاكيرا لا تعرف أن تسلق بيضة!
كما حاولوا أن يقنعونا من قبل أن بيرت بلاس سبب نعومة شعر سيرجيو راموس، فلماذا لا يرينا بيرت بلاس عضلاته في شعر ديديه دروغبا!
من أكثر الدّعيات استفزازاً لي تلك التي تقول: اُنتُخِبَ هذا المنتج من قبل المستهلك كمنتج العام! أنا ككل مواطني هذا العالم العربيّ ودوله مستهلك جيّد! ولم يحدث مرّة أن دعاني أحد لأنتخب، إنّهم يُنصّبون المنتجات ويبايعونها ونحن نبايع كما نبايع كل المنتجات التي لا يد لنا في تنصيبها! كثيراً ما حلمتُ أن أمارس حقّي الديمقراطي، كنتُ سأدلي بصوتي لأندومي، لا لأني أحبّه، على العكس تماماً، ولكنّه يكاد يكون المنتج الوحيد الذي ما زالت البركة مطروحة فيه فلم يخسر شيئاً من وزنه، كما أن سعره ثابت!
أرجو من أيّ مواطنّ عربيّ إذا علم بأي انتخابات ديمقراطيّة بين المنتجات أن يخبرني لأحضر وأدلي بصوتي، أو صوتوا عني لأندومي، حفاظاً على التقاليد العربيّة، وعدم التّشبه بالكفّار!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
يُحكى أنّ تاجراً من الكُوفة، قَدِمَ المدينة المُنوّرة بخُمُرٍ، فباعها كلّها إلا السوداء بقِيَتْ بضاعةً كاسدةً في وجهه! وكان الكوفيّ صديقاً لـ«الدراميّ» الشّاعر الذي اشتهر بشعر الغزل، ولكنّه ما لبث أن تنسّك وأقلع عن قول الشّعر في النّساء! فشكا الكُوفيّ للدراميّ ما صارت إليه تجارته، فقال له: لا تقلق، فسأبيعها لك، ثم أنشد قائلاً:
قُلْ للمليحةِ في الخِمارِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ مُتعبّدِ
قد كان شمّر للثيابِ صلاته
حتى وقفتِ له بباب المسجدِ
رُدّي عليه صيامه وصلاته
لا تفتنيه بحقّ دين مُحمّدِ
فانتشرت الأبياتُ بين النّاس انتشارَ النّار في الهشيم، وأقبلت النّسوةُ على الخُمر السّود.. وهكذا وُلدتْ أوّل دعاية تجاريّة في التّاريخ!
تُقبلُ النّساء على مستحضرات «غارنييه» اعتقاداً منهُنّ أنّ كل واحدة ستصبح «هند صبري»، ويدفعُ الرجالُ المال على يقينهم أنّه لا تُصلحُ «غارنييه» ما أفسد الدّهرُ! ولكنّهم يريدون السِتر لا أكثر!
مشكلة النّساء أنّهنّ ضعيفات أمام دعايات مستحضرات التجميل ضَعف الرجال أمام الحسناوات اللواتي يعرضنها! التّجملُ مطلوب، ولكن أُريدكنّ أن تعرفن أن غارنييه لم تجعل من هند صبري جميلة، فلا تتوقع إحداكُنّ أن تستيقظ ذات صباح ولا تعرف نفسها، ثمّة جمال يهبه الله هبّة للنّاس، ولم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وشقّ الأنفس هنا أموال طائلة، وعشرات عمليّات التجميل، فأرى أن تسترحن، وتوفرن أموال أزواجكن، ودعوهم يتفرّجون على هند صبري «ببلاش» ولتذهب غارنييه إلى الجحيم!
مُذ فتحتُ عينيّ على التلفاز وأنا أرى مستحضرات التنظيف تقضي على ٩٩ % من الجراثيم، لدرجة أنني لم أعد أُفكّر بالجراثيم ضحايا هذه الإبادة الجماعيّة، وإنما أريد أن أتشرف بلقاء هذه الجرثومة التي لم يستطع أن يقضي عليها أحد! أريدُ أن أصافح بطلة العالم الصغيرة، وآخذ معها «سيلفي» وأضعها في الفيس بوك! عموماً لستُ أدري سبب هذه الحملة الشعواء على الجراثيم، فقد تبيّن لي أنّها مخلوقات طيّبة يمكن التعايش معها.. قرأتُ مؤخراً دراسة علميّة تقول إن الجراثيم على الهاتف النقّال أكثر منها في المراحيض العّامة! لستُ أدري ما إذا كانت هذه الدراسة خطوة استباقيّة من شركة تنوي أن تنتج مستحضرات تنظيف للهواتف، فقبل بيعنا منتجهم التجاريّ عليهم أن يقنعونا أولاً أن كل واحدٍ منا يحمل في يده مرحاضا! صدّقوني عندما أخبركم أن الدعايات فنّ، بل علم قائم بذاته يلعب بعقلية المستهلك ويقنعه بشراء منتجات لا يحتاجها!
الثّياب التي يجعلها «برسيل» أكثر بياضاً هي بيضاء فعلاً، وأنظف من ثيابنا بعد أن نغسلها، والمسحوق الآخر الذي يأتون به ليتحداه برسيل ويحجبونه من باب السِتر على المساحيق الأخرى وعدم التشهير بها، ويتغلّب عليه برسيل دوماً، يضعون عليه بقعة حقيقية كتلك التي تكون على ثياب أولادنا البيضاء ونحصل بعد غسلها ببرسيل على ذات النتيجة المذلّة التي حصل عليها المسحوق الخاسر!
والأشخاصُ الذين يعرضون دعايات معجون الأسنان، دفعوا مبالغ طائلة لقاء «الهوليود سمايل» الذي قاموا به، ولكنّهم سيعوّضونه من جيوبنا بعد أن يتقاضوا مبلغاً محترماً من الشركة بعد إقناعنا أن الحل يمكن في «الآب ديت» الجديد لمنتجهم لأنه يحتوي على فلورايد أكثر!
إنّهم يسرقوننا، ويستعينون بالمشاهير علينا، يريدون أن يقنعونا أن ميسي يسجل الأهداف لأنه يشرب بيبسي، رغم أن كميّة السّكر الموجودة في العبوة، مع تكلفة العبوة الفارغة، بالإضافة لسعر الماء إذا كان نظيفاً، مع الملونات والأصباغ الكيميائية، تجعل تكلفة الأشياء أعلى من سعر بيعها، ولكننا نستمر بشرب هذه الجحيم!
يريدون أن يقنعونا أن كريستيانو رونالدو تحبّه الفتيات لأنّه يحلق لحيته بجيليت سانسور، لا لأنّه وسيم، ويلعب في الناديّ الملكيّ، ولديه سلاح فتّاك وهو أنّه ثريّ جداً!
يريدون أن يقنعونا أن شاكيرا تصنع شوربة كنور، فنشتريها رغم علمنا أنّ شاكيرا لا تعرف أن تسلق بيضة!
كما حاولوا أن يقنعونا من قبل أن بيرت بلاس سبب نعومة شعر سيرجيو راموس، فلماذا لا يرينا بيرت بلاس عضلاته في شعر ديديه دروغبا!
من أكثر الدّعيات استفزازاً لي تلك التي تقول: اُنتُخِبَ هذا المنتج من قبل المستهلك كمنتج العام! أنا ككل مواطني هذا العالم العربيّ ودوله مستهلك جيّد! ولم يحدث مرّة أن دعاني أحد لأنتخب، إنّهم يُنصّبون المنتجات ويبايعونها ونحن نبايع كما نبايع كل المنتجات التي لا يد لنا في تنصيبها! كثيراً ما حلمتُ أن أمارس حقّي الديمقراطي، كنتُ سأدلي بصوتي لأندومي، لا لأني أحبّه، على العكس تماماً، ولكنّه يكاد يكون المنتج الوحيد الذي ما زالت البركة مطروحة فيه فلم يخسر شيئاً من وزنه، كما أن سعره ثابت!
أرجو من أيّ مواطنّ عربيّ إذا علم بأي انتخابات ديمقراطيّة بين المنتجات أن يخبرني لأحضر وأدلي بصوتي، أو صوتوا عني لأندومي، حفاظاً على التقاليد العربيّة، وعدم التّشبه بالكفّار!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية