آداب الشرب

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,786
نقاط التفاعل
12,805
النقاط
1,716
محل الإقامة
أرض الوطن
الجنس
ذكر
آداب الشرب:
إن الماء نعمةٌ لا تدانيها نعمة؛ فهو أساس الشرب، فكل مشروب يعتمد على الماء، بل إن الله خلَق كل شيء من ماء؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ [النور: 45]، وتبلغ نسبته 70% من إجمالي مساحة الأرض، كما أن جسم الإنسان يحتوي على 70% من الماء، وبتوفُّره صار أرخص موجود، لكنه أغلى مفقود.

قالوا: إن الإنسان يستطيع أن يعيش أسابيع بدون طعام، لكنه لا يستطيع أن يعيش أسبوعًا واحدًا بدون ماء.

والشرب له آداب وأحكام، أذكرها في النقاط التالية:
1- اشرِبْ باليمين:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمُّن في طعامه وشرابه، وترجُّله وتنعُّله، بل في شأنه كله؛ عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشِماله، ويشرب بشِماله))[1].

فوجب مخالفة الشيطان، وعدم الأكل أو الشرب بالشمال، بل إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دعا على رجل تكبَّر عن الأكل باليمين؛ عن سلمة بن الأكوع: أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشِماله، فقال: ((كُلْ بيمينك))، قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعتَ))، ما منعه إلا الكِبْر، قال: فما رفعها إلى فيه[2].

وقد سبق بيان ذلك في آداب الطعام؛ فليحذر المخالفُ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المتعمد تركها، وإلا فربنا يتجاوز عن الخطأ والنسيان.

2- سَمِّ اللهَ:
فالتسمية قبل كل شيء، وقبل الشرب قل: (بسم الله)، فهي تجلب البركة، وتطرد الشيطان.

3- اشرَبْ قاعدًا:
من السنَّة أن تشرب قاعدًا، مع جواز الشرب قائمًا عند الحاجة، وإليك ما جاء من أحاديث، ثم ما توصل إليه العلماء؛ عن أنس وأبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنهما -: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا)، وفي رواية لأبي سعيد: (زجَر عن الشرب قائمًا)[3].

عن ابن عباسٍ، قال: (سقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مِن زمزمَ، فشرِبَ وهو قائمٌ)[4].

وعن النزال، قال: أتى عليٌّ رضي الله عنه على باب الرَّحَبة (فشرب قائمًا)، فقال: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائمٌ، وإني (رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلتُ)[5].

فإذا كانت بعض الأحاديث تنهى عن الشُّرب قائمًا، وأخرى تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا، فكيف نحُلُّ هذا الإشكال؟!

قال ابن القيم: "وكان أكثر شربه قاعدًا، بل زجر عن الشرب قائمًا، وشرب مرةً قائمًا، فقيل: هذا نسخٌ لنهيه، وقيل: بل فِعلُه لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه - والله أعلم - أنها واقعة عينٍ شرِب فيها قائمًا لعذرٍ، وسياق القصة يدل عليه؛ فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو وشرب قائمًا.. والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائمًا، وجوازه لعذرٍ يمنع مِن القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، والله أعلم"[6].

أقول وبالله التوفيق: الأصل أن تشرب قاعدًا؛ فهو أكثرُ فِعله صلى الله عليه وسلم، مع جواز الشرب قائمًا لعذر.

4- اشرَبْ في ثلاث:
عن أنسٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول: ((إنه أَرْوى وأبرَأُ وأمرأ))، قال أنسٌ: (فأنا أتنفَّس في الشراب ثلاثًا)[7].

والمعنى هنا: (أروى): أكثر ريًّا، و(أبرأ): مِن ألم العطش الذي قد يحصل بالشرب مرة واحدة، و(أمرأ): أجمل انسياغًا؛ كما قال النوويُّ.

(يتنفس)؛ أي: يخرج نَفَسه، ويبعد الإناء عن فمه، ويتنفس خارجه ثلاثًا، ثم يعود للشراب.

5- لا تشرَبْ من فِي السقاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرَبَ مِن فِي السقاء)[8].

السقاء: إناءٌ يوضَع فيه الماء، وله فمٌ يشرب منه، ومثله القِربة، ويشبههما: الزجاجة.

والنهي محمول على ما لو كان هناك مَن يشرب غيره، فلو كانت الزجاجة له خاصة، فلا نهيَ، فإذا وجد غيره ليشرب من الزجاجة، فينبغي ألا يشرب مِن فمها مباشرةً.

قال ابن القيم: وفي هذا آدابٌ عديدةٌ:
منها: أن تردُّد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومةً ورائحةً كريهةً يُعافُ لأجلها.
ومنها: أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء، فتضرر به.
ومنها: أنه ربما كان فيه حيوانٌ لا يشعر به، فيؤذيه.
ومنها: أن الماء ربما كان فيه قذاةٌ أو غيرها لا يراها عند الشرب، فتلِج جوفه.
ومنها: أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء، فيضيق عن أخذ حظه من الماء، أو يزاحمه، أو يؤذيه، ولغير ذلك من الحِكم.

6- لا تتنفَّس في الإناء:
عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شرب أحدكم، فلا يتنفَّس في الإناء...))[9]، وعن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه[10]، فلا تتنفَّسْ في الإناء، ولا تنفخ فيه.

والعلة في ذلك، يبينها العلماء، قال ابن حجر: "لأنه ربما حصل له تغيُّر من النَّفَس، إما لكون المتنفِّس كان متغيِّرَ الفم بمأكول مثلًا، أو لبُعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفَس يصعَد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشدُّ مِن التنفُّس"[11].

وقال النووي: "والنهي عن التنفس في الإناء هو مِن طريق الأدب؛ مخافة من تقذيره ونتنه، وسقوط شيء مِن الفمِ والأنف فيه، ونحو ذلك"[12].

7- لا تشرَبْ في آنية الذهب والفضة:
نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الشُّرب في آنية الذهب والفضة؛ عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تلبَسوا الحرير والديباج؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة))[13]، وتوعد مَن يشرب فيها بأن له نار جهنم؛ عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شرب في إناءٍ من ذهبٍ أو فضةٍ، فإنما يُجرجِر في بطنه نارًا مِن جهنَّم))[14].

8- اقتصِدْ في شُربك:
أُمِرنا بالاقتصاد في شتى أمور حياتنا، وبعدم الإسراف في الطعام والشراب؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يشرب في مِعًى واحدٍ، والكافر يشرب في سبعة أمعاءٍ))[15].

9- احمَدِ اللهَ بعد الشراب:
أخبَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن اللهَ يرضى عن الرجل يأكل أو يشرب، فيحمد الله بعد طعامه وشرابه، فيقول: (الحمد لله)؛ عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكلَ الأكلة فيحمَده عليها، أو يشرب الشَّربة فيحمَده عليها))[16].

عن أبي أيوب الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: ((الحمد لله الذي أطعَم وسقَى، وسوَّغه وجعَل له مخرجًا))[17].

وإذا كان المشروب لبنًا، فليدعُ بهذا الدعاء، الذي جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((.... ومَن سقاه الله لبنًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه؛ فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن))[18].

10- أعطِ الإناء لِمَن عن يمينك:
وهذا مِن قَبيل التيامن، وتقديم اليمين سنَّة، فلو كانوا مجموعة، فأتي لهم بماء ليشربوا، فالسنَّة أن يعطي الأيمنَ فالأيمن؛ فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبنٍ قد شِيبَ بماءٍ، وعن يمينه أعرابي، وعن شِماله أبو بكرٍ، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال: ((الأيمن فالأيمن))[19].

وليستأذن مَن يجلس عن يمينه، إذا رغب أن يعطي غيره، هكذا يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشرابٍ، فشرب منه وعن يمينه غلامٌ، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟))، فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثِر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتَلَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يدِه[20].

11- اشرَبْ أخيرًا إن كنت ساقيًا:
وتلك سنَّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي قال: ((إن ساقيَ القوم آخرُهم شُربًا))[21].

12- لا تطرَحِ الشرابَ الذي وقع فيه الذباب:
فإذا وقع في الشراب ذبابة، أو بعوضة، فاغمسها في الإناء ثم انزعها؛ فقد يتقذر البعض من ذلك، على الرغم أنه فِعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي هريرة، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، فليغمِسْه ثم لينزعه؛ فإن في إحدى جَناحيه داءً، والأخرى شفاءً))[22].

قد يتعجب البعض، بل وصل الأمر ببعضهم أنهم أنكروا هذا الحديث، فيقول: كيف تجمع الذبابة بين النقيضين - الداء والدواء -؟! نقول: أليست النحلة تعطي العسل وتلقي السم، ثم إن كان رسول الله قد قال، فقد صدق؛ فهو لا ينطق عن الهوى، وذكر الإمام ابن حجر في ذلك كلامًا للمتخصصين، فقال: "ذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح له، فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه، فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء، فتتقابل المادتان، فيزول الضرر بإذن الله تعالى"[23].

13- لا تترُكِ الإناء مكشوفًا:
هذه سنَّة قد يغفُلُ عنها بعض الناس، وهي أن يترك الإناء مكشوفًا؛ عن جابرٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((غطُّوا الإناء، وأَوْكُوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج؛ فإن الشيطان لا يحُلُّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناءً، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودًا، ويذكر اسم الله، فليفعل؛ فإن الفُوَيْسِقَةَ تُضرم على أهل البيت بيتهم))[24].

وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((غطوا الإناء، وأوكوا السقاء؛ فإن في السَّنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ، لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ، أو سقاءٍ ليس عليه وكاءٌ، إلا نزل فيه مِن ذلك الوباء))[25].

هذه هي آداب الشرب، وهي ثلاثة عشر، جعلها ربي نافعةً لي ولسائر البشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


[1] مسلم (2020).

[2] مسلم (2021).

[3] مسلم (2024)، و(2025).

[4] البخاري (1637)، مسلم (2027).

[5] البخاري (5615).

[6] زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، (ج1، ص143، 144).

[7] مسلم (2028).

[8] البخاري (5628).

[9] البخاري (5630)، مسلم (267).

[10] أبو داود (3729)، والترمذي (1888)، وقال: حسن صحيح.

[11] فتح الباري (ج10، ص92).

[12] شرح النووي على مسلم (ج3، ص160).

[13] البخاري (5633).

[14] مسلم (2065).

[15] مسلم (2063).

[16] مسلم (2734).

[17] أبو داود (3851)، وصححه الأرناؤوط.

[18] أبو داود (3730)، والترمذي (3455)، وقال: حديث حسن.

[19] البخاري (5619)، مسلم (2029).

[20] البخاري (2451).

[21] مسلم (681).

[22] البخاري (3320).

[23] فتح الباري (ج10، ص252).

[24] مسلم (2012).

[25] مسلم (2014).






 
رد: آداب الشرب

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
 
رد: آداب الشرب

283745731.gif
 
رد: آداب الشرب

بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top