سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
هذه أول الرسائل و هي نصيحة عن حال بعض الدعاة الذين يتصدرون الساحة اليوم.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
هي رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني أريد بها بيان الحق و تجليته حتى لا يكون ملتبس، و ايضاح ما حقه الايضاح.
أولا
لمن أراد أن يسأل عن المتصدرين للفتوى و الذين هم في صف الدعاة و لكل وجهته و مشربه، و لست أقر بذلك تعدد المناهج فلا منهج حق إلا منهج الانبياء و الرسل في الدعوة الى الله و الذي مرتكزه الأول و قطب رحاه الأوحد الدعوة إلى التوحيد و مستنده الأصيل متابعة الرسول عليه من ربي أفضل الصلاة و أزكى التسليم، و من ثم يكون أصل الأصول توحيد الله و اتباع الرسول.
ولست أيضا بذكر المشارب و الوجهات داعي التحزب للأراء المجردة عن الدليل، العارية عن النظر الصحيح و الفهم الأثري السليم البريئ من تخبط المتخبطين، البعيد المدى عن احاطته بدليل المسألة بعد الاحاطة بواقعها و ملابسات وقائعها.
و انما أردت بذكر المشارب و الوجهات التذكير بحديث الصادق المصدوق (عليه الصلاة و السلام) حين أخبر عن تفرق الفرق فقال: (
افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
و ما زالت الفرق يوما بعد يوم تظهر و تكثر و كل مها يدعي أنها على الحق المبين مع مخالفته الصريحة له، مما يحتم على المرء معرفة عمن يأخذ العلم الصحيح المُورث للعمل الصالح المنجي بين يدي الله عز و جل و قد قال ابن سرين (ان هذا العلم دين فاعرفوا عمن تأخذون دينكم).
و لما كان الأمر كذلك كان لزاما على عاقل نبيه عارف بربه باحث عن النجاة أن لا يسلم الزمام الا لمن تيقن منه النصح و الاخلاص في دلالته على ربه و تعليمه سنة نبيه وفقا لما كان عليه السلف الصالح أصحاب القرون الثلاث المفضلة الأُوَل، قرن الصحابة و التابعين و تابعيهم ممن جاء بعدهم.
و من ثم يأتي السؤال هل يحق لنا أن نتبع و ننصت لكل متعصب للرأي المجرد عن الدليل بزعم أنه على المذهب الأصيل ؟
ثم هل يحق لنا أن نعظم في أنفسنا و نتخذ لنا قدوة من ديدنه الطعن في أئمة أهل العلم من أمثال شيخ الاسلام ابن تيمية و شيخ الاسلام ابن قيم الجوزية و الامام البربهاري (رحمهم الله) و هلم جر حتى يبلغ الطعن اليوم أمثال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله؟
ثم هل يعد رشد و هدى أن نقتدي بمن حمل راية مخالفة عقيدة الأنبياء في اثباتهم أسماء الله الحسنى و صفاته العليا، و الذهاب بعيدا مع أهل التأويل و التعطيل؟
نهيك عن المنهج العقلاني في تبرير البدع و الدعوة الى الشرك، هل تسلمون القود و العنان لكل ناعق ليود بكم سبل الهلاك بدلا عن سبل السلام؟
اخواني و أخواتي فتحت الصفحة هنا لأذكر بأصول بعد طرح أسئلة توعوية تدركون بمعرفة أجوبتها حال كثير ممن يتصدرون للدعوة اليوم و ليسوا أهلا لها، و دعكم من شقشقة الكلام و كثرة المزاح و روعة الأسلوب الجذاب، فقد تكون هذه من الحبائل التي يستلها أهل البدع يستلبون بها كل من عرض لهم في طريقهم و طرق بابهم و اسلم السمع و القلب لهم.
هذا جاء كمقدمة و ما يأتي بعده أهم.
 
آخر تعديل:
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

بارك الله فيك
 
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه ستة درر من أصول أهل الأثر ينبغي لنا مراجعتها و فهمها و العمل بما جاء فيها، نقلتها لكم عساها تنفعكم والله الموفق و الهداي الى الصواب.
..................................

تمهيد :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

* أما بعد :

فقد اقترح عليَّ بعضُ من اطَّلع على كتابي : "مدارك النَّظرفي السياسة بين التطبيقات والانفعالات الحماسية" أن استلَّ منه مدخَلَه الذي ضمَّنته أصولًا ستةً لأهل السنة ، وأن يُفرد بمصنَّفٍ لطيف يكون نشرةً تعريفية لمنهج السلف بما لا يَسَع أحدًا الاختلاف عليه ، فمكثتُ سنوات لا أفعل شيئًا ؛ رجاء أن أُصيب ممن هو أقدر عليه منِّي كفايةَ مؤنته ؛ لأنَّني علمتُ أن نخبةً من طلبة العلم الموقِّرين قام بشرحها في بعض الأقطار الإسلامية .

فلما اشتدَّ عليَّ الإلحاح ، لاسيما مِمَّن لا يسعُنِي ردُّه ،استعنتُ بالله، وأخرجتهُ كما هو مع شيءٍ من الإيضاح ، وقد كانت في صلب الكتاب المسمَّى أعلاه كما يلي :

الأصل الأول : الطريق واحد .
الأصل الثاني : اتباع الكتاب والسُّنة على فهم السلف الصالح .
الأصل الثالث : نَيلُ السؤدد بالعلـم .
الأصل الرابع : صمام الأمان من الكفر والهزيمة باتِّباع الكتاب والسُّنّـة .
الأصل الخامس : الردُّ على المخالِف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الأصل السادس : التصفية والتربية .

ثُمَّ بدا لي أن أضيف إليها أصلًا آخر ، ألا وهـو "إخلاص الدين لله" ؛ لأنه أصل الأصول بلا ريب ، وأدرجت الأصل الرابع الذي هو : " صمام الأمان من الكفر والهزيمة باتباع الكتاب والسُّنّـة" تحت الأصل الثالث الذي هو : " نيل السؤدد بالعلـم " ؛ نظرًا لكونه ثمرة له ، على ما أشار عليَّ بعضُ الفضلاء ، فكانت كما يلي :

الأصل الأول : إخلاص الدين لله .
الأصل الثاني : الطريق واحد .
الأصل الثالث : اتباع الكتاب والسُّنّـة على فهم السلف الصالح .
الأصل الرابع : نيلُ السؤدد بالعلـم .
الأصل الخامس : الردُّ على المخالف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الأصل السادس : التصفيـة والتربيـة .

وقد كنتُ كتبتُ هذه الأصول لعرض منهج أهل السنة والجماعة الذين هم أصحاب الحديث وأتباع الأثر والسلفيُّون .

ذلك المنهج الذي ينبغي التركيز عليه في القيام على النفس بالقسط ، ودعوة النَّاس إليه ؛ لأنَّ به بايَنَ أهلُه غيرهم من المخالِفين ، وبه بَنوا صرحَ هذا الدِّين عزيزًا شامخًا في عليائه .

ولمَّا رأيت المخالِفَ قد ظَلَمَ هذا المنهج ظُلمًا بالغًا ، وأضفى عليه من الشناعات لباسًا سابغًا ، حتَّى توارى نوره بحجاب ، عمَّن لم يأخذ من العلم بنصابِ، عزمتُ على إسداء النصح للناس عامة ، وللمخالِف خاصة .

وهذا الأخير :

*إما مُستوحِشٌ من منهج أهل الحقِّ ؛ لجهله به ، وجهله بحجَّته الدامغة ؛ فإذا عرفه استأنس به ، وركب متنه ولم يُعقِّـب .

*وإما مُثَبِّطٌ عنه، جالِب عليه بخيله ورجله ، صادٌّ عنه بماله وسلطانه ؛ لغلبة الهوى عليه مع معرفته بقوَّة حجَّته ، وسرعة تأثيره في الأمم والأفراد ، فإذا جاءته البيِّنة بعد البيِّنة ، والتذكير بعد التذكير ، ثُمَّ تنكَّبه ، استبان الناس تلبيسه ، واكتشفوا عوار دعايته ، إلى أن يقصمه الله فيُستراح من شرِّه ، قال الله تعالى: " لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة" [الأنفال: 42] .

وسبب استِلال هذا البحث من أصله : "مدارك النظر في السياسة" وجعله كتابًا مستقلًا ، هو أنَّني تعرَّضتُ في الكتاب المسمَّى آنفًا لبعض الدعوات بالنَّقض ، ولرؤوسها بالنَّقد ، ونظرًا لكون الناس معادن ، وأنَّ لمناهج تلك الدعوات محاضن ! يَهْرُمُ فيها الكبير، ويَرْبُو فيها الصَّغير ، جرَّدتُ بحثي هذا عن تسمية المخالف ، حتَّى لا يَحُول ذلك دون استفادة متحزِّبة هذه المحاضن من الكتاب ، وأنا بقَدر استفادة النَّاس منه رجوتُ مِن الله الثواب .

وينبغي لفتُ النظر إلى أنَّنِي لا أفعل هذا موافقةً لقومٍ ضاق عطنهم عن قراءة كتب الردود ، الذين صدَّهم عن الحقِّ جنونُهم بمتبوعيهم كلَّ الصدود .

كلَّا ! فإنَّنا لا نزال نؤثر عن سلفِنا الصالح ومن تَبِعَهُ بإحسان إلى يوِمنا هذا انتقادَهم الدَّعوات المنحرفة عن السُّنّـة ، ولا يستنكفون عن تعريتها بإقامة حُجَّة السُّنّـة والكتاب ، وذكر أصحابِها بالأسماءِ والكُنَى والألقاب .

ومن ظنَّ أنه حين يُعرض عن تسميتها مطلقًا يُحسنُ صنعًا ؛ فقد أَزَرَى بصنيع المهاجرين والأنصار والتابعين لهم وأتباع التابعين على مرِّ الدهور واختلاف الأمصار، الذين عُنُوا بالجرح والتعديل ، ولم يتورَّعوا عن ذكر آلاف الرواة بأسمائهم وأنسابِهم ، ولا عن وصف بعضهم بـ: الضعيف ! والمنكر ! والكذَّاب ! والدجال! . .

لماذا سمُّوهُم؟

الجواب : لِيَحْذَرَهُم النُّاسُ على دينِ اللهِ تعالى .
وعلى كلِّ حال ؛ فإنَّ تتمةَ هذا المبحث يجدها القارئ عند أصلَيّ " الردُّ على المخالف " ، و " التَّصفيةُ والتربيةُ " .

هذا وقد نَسَبْتُ هذه الأصولَ إلى أهل الأَثَرِ كما هو عنوان الكتابِ ؛ تنبيهًا للقارئ على أنَّ الدينَ الحقَّ إنَّما هو اقتفاءُ أثرِ مَنْ سَبَقَ ، ممن جاء التنويه عليه بالذِّكرِ الجميلِ على لسانِ الصَّادق المصدوق ، بل وَفِي محكم التـنـزيل ، لا عِلم الكلام الذي وَرِثَهُ المـتأخِرون من أهل الكفر والزندقة كالفرس واليونان .

قال ابن عبد البر -رحمه الله- : " أَجْمَعَ أهلُ الفقهِ والآثارِ من جميعِ الأمصارِ أنَّ أهلَ الكلامِ : أهلُ بدعٍ وزيغٍ ، ولا يُعدُّونَ عند الجميع –في جميع الأمصار- في طبقات العلماء ، وإنَّما العلماء : أهلُ الأثرِ والتَّفقُّه فيه ، ويتفاضلون فيه بالإتقان والمـيْزِ والفَهمِ" [1] .

قال مالك -رحمه الله- : " لو كان الكلامُ عِلمًا لَتَكَلَّمَ فيه الصحابةُ والتَّابِعُون كما تَكَلَّمُوا في الأحكام ، ولكنَّه باطلٌ يَدُّلُ على باطلٍ" [2] .

وَقِيَلَ لعبد الرحمن بن مهدي –رحمه الله- : "إنَّ فلاناً صَنَفَ كتاباً يَرُدُّ على المُبتدِعة ، قال: بأي شيءٍ ؟ بالكتاب و السُّنّـة ؟، قال : لا ، لكن بعِلم المعقولِ و النَّظَـرِ ؛ فَقَالَ : أَخْطَـأَ السُّـنَّة ، وَرَدَّ بدعةٍ ببدعةٍ " [3] .

قال أبو المُظَفََّر الصَّنعاني رحمه الله: " إنَّ كلَّ فريقٍ من المُبتدعة يدََّعي أنَّ الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّهم كلَّهم يدّعون شريعة الإسلام ، مُلتزِمون في شعائرها ، يَرَوْنَ أنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحقُّ ، غير أنَّ الطرق تفرَّقت بِهم بعد ذلك وأَحدثوا في الدِّين ما لم يأذنْ به الله ورسوله ، فَزَعَمَ كلُّ فريقٍ أنّه هو المُتَمَسِّكُ بِشَريعةِ الإسلامِ ، وأنَّ الحقَّ الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يَعتقِدُه ويَنتحِلُه ، غير أنّ الله تعالى أَبَى أن يكون الحقّ والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار ؛ لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفاً عن سلف , وقرناً عن قرنٍ ، إلى أن انتهوا إلى التابعين ، وَأَخَذَه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس من الدِّين المستقيم والصراط القويم إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث .

وأمّا سائر الفرق فَطَلَبُوا الدّين لا بطريقه ؛ لأنّهم رَجَعَوا إلى معقولِهم وخواطرِهم وآرائهم ، فَطَلَبُوا الدِّين مِنْ قِبَلِه ، فإذا سمعوا شيئًا مِنْ الكتاب والسُّنّة عَرَضُوه على معيارِ عقولِهم رَدَّوه ، فإنَّ اضطروا إلى قبوله حرّفوه بالتأويلات البعيدة والمعاني المستنكرة ، فحادوا عن الحقّ ، وزاغواعنه ، وَنَبَذُوا الدِّين وراء ظهورهم ، وجعلوا السُّنّـة تحت أقدامِهم ، تعالى الله عمّا يصفون .

وأمَّا أهل الحقِّ ؛ فجعلوا الكتاب والسُّنَّـة إمامهم ، وَطَلَبُوا الدِّين مِنْ قِبَلها ، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسُّنّـة ، فإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقعلهم ، وأقبلوا على الكتاب والسُّنّـة ،ورجعوا بالتُّهمة على أنفسهم ؛ فإنّ الكتاب والسُّنّة لا يهديان إلا إلى الحقّ ، ورأيُ الإنسان قد يُرِي الحقّ ، وقد يُرِي الباطل " [4] .

هذا وقد عمدتُ إلى تخريج الآثار السلفية مع ذكر درجتها مِن حيث الصِّحَّةِ وعدمها ؛ وذلك إفحامًا للمخالِف لأصول سلفنا الصِّالح ، حتى لا أدع مجالًا لردِّ الحقِّ بزعم عدم ثبوت دليله ، وإلا فإنه قد جرى عملُ أهل العلـم على التساهل في إيراد الآثار غير المعروفة ، ما دامت جاريةً على الأصول الشرعية المعروفة .

والله أسأل أن يجعل عملي خالصًا لوجهه ، تابعًا للحقِّ الذي بَعَثَ به نبيَّه صلى الله عليه وسلم .

---------
[1] جامع بيان العلم (2/942) .
[2] صَوْنُ المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للسيوطي (ص:57) ، والأمر بالاتِّباع له (ص:70) .
[3]صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للسيوطي (ص:131)
[4] الانتصار لأهل الحديث (ص: 43-45) .

 
آخر تعديل:
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

الأَصْلُ الأَوّلُ : إِخْلاَصُ الدِّينِ للهِ .

إخلاص الدِّين لله هو أصل الدِّين وقطبُه الذي تدور عليه رحاه ، وهو التوحيد الذي أرسل الله به الرسلَ ، وأنزل به الكتب ، وإليه دعا الأنبياءُ –عليهم الصلاة والسلام-، وعليه جاهدوا ، وبه أَمروا ، وفيه رغَّبوا .

قال الله تعالى : }فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ(2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3){[الزمر:2-3]
وقال : }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ{ [البينة:5]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : }قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ (15){ [الزمر: 14-15] .
وقال :}قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163){[الأنعام : 162-163] .

فهذا التوحيد هو بِمثابة الأساس من البنيان .
قال ابن القيم رحمه الله : " من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدَّة الاعتناء به ؛ فإنَّ علوَّ البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه ، فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان...

فالعارف همَّتُه تصحيح الأساس وإحكامُه ، والجاهلُ يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانُه أن يَسقط ؛ قال تعالى: }أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ{ [التوبة:109] .

قلت : وذلك أنَّ هذه الآية نزلت في المنافقين الذين بنوا مسجدًا للصلاة فيه ، لكنَّهم لما أتوا بِهذا العمل العظيم الفضيل وقلوبُهم خِلوٌ من الإخلاص لم ينفعهم ذلك شيئًا ، بل انهار بِهم في نار جهنَّم كما الآية .

ثم قال رحمه الله : "وهذا الأساس أمران :
-الأول : صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته .
- والثاني: تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه .

فهذا أوثق أساس أسَّس العبد عليه بنيانه، وبحسبه يعتلي البناءُ ما شاء. فَـأَحْكِمِ الأساسَ ، واحفظ القوَّة، ودُم على الحميَّة...(1)

*والتوحيد بمثابة الجذور من الشجرة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى تحت عنوان ( شجرة الإخلاص ) :
فالسَّنة شجرةٌ، والشهور فُروعُها، والأيَّام أغصانُها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثَمرُها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة ، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل .

إنَّما يكون الجداد (2)، فعند الجداد يتبيَّن حُلوُ الثملر من مرِّها .
والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب، وفروعها الأعمال، وثمرُها طِـيبُ الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ، وكما أنَّ ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك .

والشرك والكذب والرياء شجرةٌ في القلب ، ثمرُها في الدنيا الخوفُ والغمُّ وضيق الصدر وظلمةُ القلب ، وثمرها في الآخرة الزَّقُّوم والعذاب المقيم ،وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم " (3) .

قلت يريد قول الله تعالى : }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27){ . وفيها دليل واضح على أن الإخلاص يبدأُ بالتوحيد ، وينتهي بالتوحيد ، ويُركِّز فيه بين ذلك على التوحيد .

-------
(1) الفوائد (ص204) .
(2) الجداد : قطف الثمر .
(3) الفوائد (ص: 214) .

يتبع إن شاء الله .
 
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

ولمَّا كان التوحيد بمثابةِ الأساس من البنيانِ، والجذور من الشجرة ، كان أول أَمرٍ يصادف الناس عند افتتاحهم للمصحف من بدايته ، وذلك هو قوله سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 21](1).

ثُمَّ بعد هذا مباشرة النهي عمَّا يضاد التوحيد، ألا وهو الشرك؛ وذلك قوله سبحانه: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 22].

وهذه فائدة جليلة؛ لأنَّ الله عز وجل لم يأمرنا بعبادته فحسب، بل ونَهانا أيضًا عما ينقض ذلك، ألا وهو عبادة غيره، فقلِّب النَّظر في كتاب ربِّكَ حُكمًا مطَّرِدًا،

فمنه قول الله عزَّ وجلَّ:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163].،

ومنه قوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: 36]،

ومنه قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 25 ] ،

وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النساء :36] الآية .

قال الشيخ مبارك الميلي – أمين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رحمه الله - : « فلم يكتف في الشهادتين بالتوحيد المُجرَّد، حتَّى صرَّح بنفي التعدُّد، وحصر التشريع في شخص المرسَل بالتبليغ » (2).

والشرك هو أُولَى المحَرَّمات الَّتي ينهى الله عنها ، كما في قوله جلَّ وعلا:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام :151] الآية.

وأول وصية قدمها لقمان لابنه أن قال: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.[لقمان :13] .


واهتمامات الناس تتفاوت، وإنَّما تُعلم عنهم عند حشرجة الروح، في وصية الميت للحيِّ.

فمنهم من يُوصي زوجته بماله، ومنهم من يُوصي حبيبه بوظيفته وسلطانه، ومنهم من يُوصي ولدَه بإخوانه ...


وأفضلهم من يُوصي العبدَ بربِّه، ولذلك كان التوحيدُ وصيةَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند موتِهم، قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة : 132-133] (3).

ولهذا كان الدعاة إلى التوحيد أفضل الدعاة وأشرفهم، لأنَّ الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى أعلى درجات الإيمان، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الإيمان بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ من شُعبِ الإيمان » (4).

قال النووي رحمه الله : « وقد نَبَّهَ صلى الله عليه وسلم على أنَّ أفضلها التوحيد المتعيّن على كل أحد، والذي لا يصح شيءٌ من الشُّعب إلَّا بعد صحَّته » (5) .

قلت. بل هذه الشُّعب لا تنبت في قلب امرئ، ولا تثمر على جوارحه إلَّا بحسب ما قام بالعبد لهذه الكلمة الطيَّبة من معانٍ .

---------
(1) كان العلاَّمة حمَّاد بن مُحمَّد الأنصاري رحمه الله يُنبِّهنا على هذه الفائدة العظيمة .
(2) رسالة الشرك ومظاهره (ص :20) .
(3) انظر : تخريج الوصايا من خبايا الزوايا لصديق خان (ص: 74) .
(4) رواه مسلم (58) .
(5) صحيح مسلم بشرح النووي(1/280-ط دار أبي حيان).
رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) .


يتبع إن شاء الله .

 
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

جزاك الله خيرا
نتمنى من الاعضاء ان يتابعوا هذا الموضوع
لكي يزول عليهم اشكال في مسالة المشيخة
 
آخر تعديل:
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

بارك الله فيك.... وجزاك الله خيراااا
 
رد: سلسلة رسائل و توجيهات و نصائح أسديها لكل اخواني (رقمها أخوكم بو ليث)

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top