القناعة "حقيقتها و مكانتها"

زاد الرحيل

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2016
المشاركات
4,624
نقاط التفاعل
8,126
النقاط
996
محل الإقامة
الجزائر
الجنس
أنثى
القناعة
حقيقتها ومكانتها ووسائلها

مع خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وأدب من آدابه العظيمة؛ إذا تخلق به العبد اطمأن قلبُه، وهدأت نفسُه، ونعِمَ بالراحة باله، وسلمت من الحرام جوارحُه. مع خلق من أخلاق الأنبياء، وسمة من سمات الأتقياء، وصفة من صفات أهل الفوز والفلاح. مع خلق القناعة.

ما أحوجنا إلى القناعة، وما أحوجنا إلى الرضا بما قسم الله، في زمن تكالب فيه كثير من الناس على الدنيا، وانغمسوا في شهواتها، في زمن كثر فيه التسخط والتذمر والتشكي، وضعُف فيه الرضا بما قسَم وقدر ربّ العالمين سبحانه.

فهل فشا الجشع والطمع إلا عندما غابت القناعة؟ وهل اكتوت المجتمعات بنيران الحسد والكراهية والبغضاء إلا بسبب فقدان القناعة؟ وهل كثرت الصراعات والنزاعات والسرقات إلا بسبب غياب القناعة في المجتمع؟..

• معنى القناعة:
القناعة: هي الرضا بما أعطاه الله، وكتبه وقسمه.
القناعة: استغناء بالموجود، وترك للتشوف إلى المفقود.
القناعة: استغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث.
القناعة: أن يكتفي المرء بما يملك، ولا يطمع فيما لا يملك.
القناعة: امتلاء القلب بالرضا، والبعد عن التسخّط والشكوى.

فليس القانع ذلك الذي يشكو خالقه ورازقه إلى الخلق، ولا الذي يتطلع إلى ما ليس له، ولا الذي يغضب إذا لم يبلغ ما تمنى من رُتَب الدنيا؛ لأن الخير له قد يكون عكس ما تمنى.

كما أن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيرا، فالغني أيضا في حاجة إلى قناعة، كما أن الفقير في حاجة إلى قناعة؛ وقناعة الغني أن يكون راضيا شاكرا، لا جاحدا ظالما، قناعته أن لا تَلجَ أمواله إلى قلبه، حتى يصبح عبدا لها. قناعته أن لا يستعلي بماله على الفقراء، وأن لا يوظف ماله في الاستيلاء على ممتلكات الآخرين والاعتداء على حقوقهم.

فكم من صاحب مال وفير، وخير عظيم، رُزق القناعة! فلا يغشّ في تجارته، ولا يمنَع أُجَراءَهُ حقوقَهم، ولا يذلّ نفسه من أجل مال أو جاه، ولا يمنع زكاة ماله؛ إن ربح شكر، وإن خسر رضي؛ فهذا قنوع وإن ملك مال قارون.

وقناعة الفقير أن يكون راضيا بقسمة الله، مستسلما لأمر الله، لا ساخطا ولا شاكيا، ولا جزعا من حالِه، ولا غاضبا على رازقه. قناعته أن لا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، قناعته أن يكون عفيفا متعففا، وأن لا يرتكب الحرام من أجل الحصول على لقمة العيش.

فكم من مستور يجد كفافًا؛ قد ملأ الطمع قلبه، ولم يُرْضِه ما قُسِم له! فجزع من رزقه، وغضِب على رازقه، وبثّ شكواه للناس، وارتكب كل طريق محرم ليُغني نفسه؛ فهذا منزوع القناعة وإن كان لا يملك درهمًا ولا فلسًا.

• فضل القناعة ومكانتها:
القناعة شفاء ودواء؛ شفاء من داء الجشع والطمع، شفاء من الهموم والأحزان، شفاء من الكراهية والحسد، شفاء من نهب الأموال والاعتداء على الممتلكات.

فمَن عُدِم القناعة ازداد تسخّطه وقلقه، وحُرِمَ من الرضا بما رزقه الله وآتاه. وحينئذ لا يُرضيه طعام يُشبعه، ولا لباس يواريه، ولا مركب يحمله، ولا مسكن يؤويه؛ "ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب". يبحث عن المال في كل مكان، يخلط بين الحلال والحرام، بل ربما كان ماله كله من الحرام لأنه لا يقتنع بما هو حلال.

ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبيّن أنها طريق إلى السعادة والفلاح، فقال عليه الصلاة والسلام: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ". أخرجه مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا". أخرجه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني.

فلماذا التسخط؟ ولماذا التذمر؟ ولماذا التشكي؟.. وأنت آمِن في نفسك ومالك وأهلك، معافى في بدنك، عندك قوتُ يومك، بل قوتُ عامٍ أو يزيد..

لكنه الطمع الذي استولى على القلوب، فلم تعد تقنع لا بالقليل ولا بالكثير. وهذا ما حذرنا منه نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".

قال أبو حاتم رحمه الله: (مِنْ أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطراً؛ القناعة. وليس شيءٌ أروحَ للبدن من الرضا بالقضاء والثقة بالقَسْم، ولو لم يكن في القناعة خصلة تحمد إلا الراحة وعدم الدخول في مواضع السوء لِطلب الفَضلِ، لكان الواجبُ على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال).

وقال أيضاً: (القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخطْ وعاش آمنا مطمئنا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته).

• الأسباب المعينة على اكتساب القناعة:
للقناعة طرق ووسائل وأسباب تعين على اكتسابها، ومن ذلك:
1- الإيمان الجازم بأن الله تعالى هو الرزاق، كتب الأرزاق قبل أن يخلقَ العِباد، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها. فهل مِن أحد يرزق العبادَ غيرُه سبحانه؟ وهو القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58].

روى ابن ماجة في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس؛ اتقوا الله وأجْمِلوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم". فلماذا الطمع؟ ولماذا الجشع؟..

يقول عامر بن عبد قيس رضي الله عنه: "أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 35]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [يونس: 107]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6] وقوله تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

2- تذكّرُ العبدِ أن الدنيا إلى زوال وأن متاعها إلى فناء:
ليعلمِ العاقل أنّ كل حال إلى زوال، فلا يفرح غنيّ حتى يطغى ويَبطر، ولا ييأس فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم، ولا غنى يدوم!! وكم من رجال نشؤوا على فرش من حرير، وشربوا بكؤوس من ذهب، وورثوا كنوزا من المال، وأذلوا أعناق الرجال، واستعبدوا الأحرار من الرجال والنساء! فما ماتوا حتى اشتهَوْا فراشًا خَشِنا يقي الجنب عَضّ الأرض، ورغيفًا من خبز يحمي البطن من قَرْص الجوع!! وآخرون قاسوا المحن والبلايا، وذاقوا الألم والحرمان، وطووا الليالي بلا طعام! فما ماتوا حتى ازدحمت عليهم النعم، وتكاثرت لهم الخيرات، وصاروا من سراة الناس!! وسيسوي الموت بين الأحياء جميعا: الغني والفقير؛ فدُود الأرض لا يفرق بين المالك والأجير، ولا بين الصعلوك والأمير، ولا بين الكبير والصغير، فلا يجزع فقير بفقره، ولا يبطر غني بغناه..

فما أجمل القناعة، وما أسعد أهلها! لو تحلى بها الناس لزالت منهم الضغائن والأحقاد، وحفت بينهم الألفة والمودة؛ فإنّ ما يقع فيه الناس من خلاف وشقاق سببه الدنيا والتنافس عليها، سببه ضعف القناعة والرضا في القلوب، وصدق رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حينما قال: "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم؛ كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم "، فهل من مدّكر؟ وهل من معتبر؟ يجعل ما يملك من دنيا في يديه، ويحذر أن تقترب إلى قلبه فتفسده.

"ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

3- أن ينظر المرء إلى من هو أقل منه في المال والمنصب والجاه، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في ذلك:
فقد علمنا ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ". قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ "عَلَيْكُمْ". وفي لفظ لابن حبان في صحيحه: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ فَوْقَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ".

وليس في الدنيا أحد لا يجد مَن هو أفضل منه في شيء، ولا مَن هو أقل منه في أشياء؛ فإن كنت فقيرا ففي الناس من هو أفقر منك! وإن كنت مريضًا ففي الناس من هو أشد منك مرضا. وإن كنت ضعيفا ففي الناس من هو أشد منك ضعفا.. فلماذا تَرفعُ رأسَك لتنظرَ إلى مَن هو فوقك، ولا تخفِضُه لتُبصِرَ من هو تحتك؟!.
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

لو كان جميع الناس يتصفون بها لعاشوا في امان وسعادة

احسنت يا الاخت ميلينا

كلام يشع نورا
شكرا
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

لو كان جميع الناس يتصفون بها لعاشوا في امان وسعادة

احسنت يا الاخت ميلينا

كلام يشع نورا
شكرا

الشكر لك ايضا لمرورك العطر و لمشاركتك
لابد ان نحارب نفسنا الامارة بالسوء دائما حتى تصل القناعة الى قلبنا
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

القناعة كنز لا يفنى
لو كان كل الناس مقتنعين بما لديهم
لكان حالهم افضل
شكرا لكي
وجزاكي الله خيرا
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: َ ‏«‏انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم»[رواه مسلم].
وعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏«‏ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ » ‏‏.[رواه البخاري].
القناعة حكمة العاقل
جزاك الله كل خير أختي..وكثر من أمثالك..
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

بآرك آلله فيك
آلقنآعة طبعآ كنز لآ يفنى
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

القناعة كنز لا يفنى
لو كان كل الناس مقتنعين بما لديهم
لكان حالهم افضل
شكرا لكي
وجزاكي الله خيرا

بكل تأكيد هذا صحيح ، فعين بني ادم لا يملئها الا التراب
بارك الله فيكي
 
رد: القناعة "حقيقتها و مكانتها"

فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: َ ‏«‏انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم»[رواه مسلم].
وعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏«‏ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ » ‏‏.[رواه البخاري].
القناعة حكمة العاقل
جزاك الله كل خير أختي..وكثر من أمثالك..

صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
حقا ان النظر الى من هم اعلى منا لا يجلب لنا الا السخط و الجشع و انكار نعمة الله علينا
جعلها الله في ميزان حسناتك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top