✍️ الكتاب 📔

  • كاتب الموضوع كاتب الموضوع Bfatiha
  • تاريخ النشر تاريخ النشر

Bfatiha

:: عضو مُشارك ::
13544947841.gif

645906hmoluktu9a.gif


- يقول الله تعالى ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا )

- يقول الله تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )

- يقول الله تعالى ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير )

- ما معني كتاب في هذه الايات الثلاثة ؟

- ماذا تعني كلمة ينقص في الاية الثالثة وكيف يكون الانقاص .والتعمير ؟


645906hmoluktu9a.gif
 
توقيع Bfatiha
13544947841.gif

645906hmoluktu9a.gif


الجوابُ

يذكر القرآن الكريم لفظة ( كتاب) عشرات المرات، لكن إذا جاءت معرفة بـ الـ فتدل غالبا على كتاب سماوي ( أهل الكتاب) أهل التوراة والإنجيل( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) أي القرآن. وحتى لو جاء نكرة موصوفة بقرينة تدل عليه مثل ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ) أو ( كتاب أنزلناه إليك ) فالمعنى هو القرآن الكريم .

أما إن جاءت نكرة فحسب تأتي لفظة “كتاب” في القرآن فهي تعني مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض يخرج منها ظاهرة موضوعية ما.

معنى الكتاب فى قوله تعالى(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا (145) سورة آل عمران) يعني كتاب الموت ويسمي كتاب القدر و هو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت، وإن الموت مؤجل حتى تتحقق شروط هذا الكتاب، فمثلا عندما تقدم طب الأطفال والنظافة العامة، خفت وفيات الأطفال بشكل ملحوظ وألغيت بعض الأمراض السارية. وعندما تقدم طب القلب والعمليات الجراحية أصبحت فرص النجاة من أمراض كانت سابقا لا أمل من النجاة منها كثيرة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع متوسط الأعمار في هذا المضمار، فكلما زاد تقدم البلد في الطب وفي النظافة وفي تطبيق قواعد السلامة في العمل وفي الحياة العامة، ارتفع متوسط الأعمار فيه، لذا قال عن الموت*{كتابا مؤجلا}. أما إذا اجتمعت الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت فالأجل لا محالة حاصل، ولذلك قال:*{فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(الأعراف 34).

معنى قوله تعالى(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(103)سورة النساء ) أي إن كتاب الصلاة ويسمي كتاب القضاء فهي أم الكتاب. أي الصلاة لها شروطها وعناصرها وإلا ليست بصلاة .. ومنها مثلا :
الوضوء ـ النية ـ الفاتحة ـ التقيد بالركوع والسجود والقيام ـ كما فعل الرسول الكريم القائل ( خذوا عني مناسككم ).


معنى قوله تعالى (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ(11)سورة فاطر) يعني أيضًا كتاب القدر لاحظ في هذه الآية كيف صرح أن نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموعة ما لشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموع من الشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان الأعمار، وأخرى تؤدي إلى زيادتها، من هذا المنطلق نفهم أن أعمار الإنسان غير ثابتة،

تعني كلمة ينقص في الاية:

إن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا كانت عقوبة القاتل هي القتل، لأن القاتل قد نقص من عمر المقتول فكانت عقوبته إنقاص عمره. وإن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا أعز الله الشهيد وأعطاه المرتبة العالية، لأنه تبرع بأغلى ما عنده وهو الحياة، ولأنه وافق طوعاً على إنقاص عمره في سبيل الله.

و الله اعلى و اعلم

المصدر

كتاب و القرآن قراءة معاصرة للدكتور المهندس محمد الشحرور ص 412 - 415


645906hmoluktu9a.gif


رأيكم يهمني
وكذلك رأي زخرفة حرف
شكرًا 🙏
 
توقيع Bfatiha
جزاك الله خيرا على الموضوع القيم اختي بموضوعاتك القيمة جعلها الله في ميزان حسناتك يا رب العالمين اجمعين دمت مبدعة في سماء المنتدى
 
كتاب و القرآن قراءة معاصرة للدكتور المهندس محمد الشحرور ص 412 - 415
اخيتي محمد شحرور ليس بعالم ثقة
فكتبه و كتاباته فيها الكثير من الانحرافات

اتمنى ان لا تقرئي له و لا تنشري له
 
توقيع الامين محمد
شكرًا للنصيحة وسوف أعمل بها في المستقبل
 
توقيع Bfatiha
﴿وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَـٰبࣰا مُّؤَجَّلࣰاۗ وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِی ٱلشَّـٰكِرِینَ﴾ [آل عمران ١٤٥]

طالب: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٥ - ١٤٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، ﴿مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ﴾ أي يمتنع غاية الامتناع لأي نفس من الأنفس أن تموت إلا بإذن الله، مهما حاول الناس أن يميتوا أحدًا بدون إذن الله فإنهم لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا، وإذا جاءت ﴿مَا كَانَ﴾ فإنها للممتنع إما شرعًا وإما قدرًا، فهذه الآية: ﴿مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي ما كان قدرًا لنفس أن تموت إلا بإذن الله.وقوله: ﴿لِنَفْسٍ﴾ نكرة في سياق النفي، فتعم كل نفس من الآدميين وغير الآدميين، لا يمكن لأي نفس أن تموت إلا بإذن الله.وقوله: ﴿أَنْ تَمُوتَ﴾ الموت هو مفارقة الحياة، ويحصل هذا بانفصال الروح عن الجسد انفصالًا تامًّا؛ وذلك لأن الروح تتصل بالبدن اتصالًا تامًّا، وتنفصل منه انفصالًا ناقصًا، وتنفصل منه انفصالًا تامًّا، فإذا كان الإنسان يقظًا فالاتصال تام، وإذا كان نائمًا فهو انفصال ناقص، وإذا مات الإنسان فهو انفصال تام، لكن هذا لا يمنع أن تعود إليه في قبره عودًا ليس على الوجه الذي هي عليه في الدنيا؛ لأن حياة البرزخ تخالف حياة الدنيا، فالإنسان في قبره تعاد إليه روحه ويجلس ويخاطب ويتكلم ويفهم، ولكن ليست هذه الحياة كحياة الدنيا؛ لأنها لو كانت حياة الدنيا لهلك فورًا؛ إذ إنه مغمور بالتراب الذي فوقه، وربما يكون غرقًا في ماء أو محترقًا بنار.وقوله: ﴿أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ (إذن) هنا يراد بها الإذن الكوني؛ لأن إذن الله تنقسم إلى قسمين: إذن كوني، وإذن شرعي.فالإذن الشرعي ما قضى به شرعًا وأذن فيه شرعًا، وهو تحت المشيئة، قد يقع وقد لا يقع، فمثلًا يقول الله عز وجل: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١] الإذن هنا شرعي وليس بكوني؛ لأن الله قد أذن به كونًا، لكنه لم يأذن به شرعًا، وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩] هنا الإذن شرعي، أما في مثل هذه الآية: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فهي إذن كوني، يعني لا يمكن أن تموت إلا إذا أذن الله بذلك كونًا.وقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي بقضائه وقدره.﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ كتابًا هذه مصدر مؤكد للجملة التي قبله، أي أن الموت مكتوب كتابًا مؤجلًا محددًا بحد معلوم، لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، هذا الكتاب يُكتب في عدة كتب: يكتب في ليلة القدر بأنه سيموت في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية من الشهر الفلاني، وهذه كتابة سنوية، ويكتب أيضًا إذا كان الإنسان في بطن أمه حين يبعث إليه الملك ويؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.هذا الكتاب يُكتب في عدة كتب: يُكتب في ليلة القدر بأنه سيموت في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية من الشهر الفلاني؛ وهذه كتابة سنوية، ويكتب أيضًا إذا كان الإنسان في بطن أمه حين يبعث إليه الملَك ويؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ويكتب في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فهذه كتب لا تتغير ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ [آل عمران ١٤٥] لا يزيد ولا ينقص.﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، (من) شرطية، وفعل الشرط ﴿يُرِدْ﴾، و﴿نُؤْتِهِ﴾ جواب الشرط، وفي كل من فعل الشرط وجوابه حذف، أما في فعل الشرط فالحذف من وسط الكلمة، وأما في جوابه فالحذف من آخر الكلمة؛ لأن قوله: ﴿يُرِدْ﴾ أصلها: يريد، فحذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين، و﴿نُؤْتِهِ﴾ أصلها: نؤتيه، فحذفت الياء للجازم؛ لأن الفعل المعتل يُجزم بحذف حرف العلة. ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ أي: من يرد الجزاء في الدنيا من الدنيا فإن الله تعالى يؤتيه منها، ﴿نُؤْتِهِ﴾ أي: نعطه، ﴿مِنْهَا﴾ وليس نعطيه كل الدنيا، فالإنسان قد يريد شيئًا كثيرًا من الدنيا ولكن لا يحصل له وإنما يؤتى منها، ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، مثلًا من يرد القصور والأموال الكثيرة، والزوجات، والمراكب الأثيرة وما أشبه ذلك، من يرد هذا يؤته الله منها؛ لأن من يرد هذا لا بد أن يسعى له، أليس كذلك؟ فإذا كان لا بد أن يسعى له فالغالب أن السعي التام يُحصل به الموجَد، ولهذا قال: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ فيقدر الله الأسباب لحصول ما أراده من الدنيا. وقوله: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ واضح في أن الله لا يؤتيه كل الدنيا وإنما يؤتى منها، وهذا يحتمل أن يكون عائدًا إلى ما أراده، بمعنى أن الله لا يعطيه كل ما يريد، ويحتمل أن يكون عائدًا إلى الدنيا من حيث هي على سبيل العموم فيعطيه الله كل ما أراد، وعلى كل تقدير فهذه الآية مقيدة بآية الإسراء وهي قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ [الإسراء ١٨] يعني الدنيا، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾، ولم يقل: عجلنا له ما يريد، قال: ﴿مَا نَشَاءُ﴾، وهذا يؤيده الواقع؛ فإن كثيرًا من الناس يريدون الدنيا ويسعون لها بأيديهم وأرجلهم وألسنتهم وأعينهم وآنافهم ولكن لا يحصّلونها، أليس كذلك؟ لأن الله قيد هذا العموم اللي هنا، قيده في سورة الإسراء بقوله: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ﴾ لا ما يشاء هو، ﴿مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ فقيّد المعجَّل والمعجَّل له ﴿مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾، هنا هذا الإطلاق يقيد بذلك.﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ ولا نعطه الآخرة كلها؛ لأن الآخرة درجات يختلف فيها الناس، ولا يمكن أن يعطى الإنسان جميع درجات الناس، ولكن يعطى من الآخرة، ولهذا قال: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ ولكنها تختلف عن عطية الدنيا، كما قال الله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧]، فعطية الآخرة ليست كعطية الدنيا بل هي أعظم، ولهذا قال في آية الإسراء: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء ١٩]، وهنا قال: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾، فدل ذلك على أن من أراد الآخرة فهو من الشاكرين، وسيجزي الله الشاكرين عز وجل بفضله الواسع، من أتى بحسنة أعطي عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، الآن يتطهر الإنسان في بيته فيسبغ الوضوء، فسيئاته تكفر عنه في آخر قطرة من قطرات الماء، فإذا تشهّد فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، إذا خرج من بيته بعد هذا التطهر يريد المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة واحدة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، هذا أيضًا ثواب كثير، كل خطوة لك فيها فائدتان؛ الأولى: رفع الدرجة، والثانية: حط الخطيئة، ثواب كثير عظيم في عمل قليل، فإذا دخل المسجد وصلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم صلِّ عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، دعاء من الملائكة سخرهم الله عز وجل، فأنت ترى أن من أراد الآخرة فهو من الشاكرين، ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٤]، سيجزيهم على شكرهم أكثر بأضعاف مضاعفة من أعمالهم.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: أن آجال الأنفس محددة؛ لقوله: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾.
* ثانيًا: تسلية أصحاب الرسول ﷺ حين قيل لهم: إن محمدًا قد قُتِل، فأصابهم ما أصابهم من الغم، فقال الله لهم لا يمكن أن يُقتل محمد قبل أجله ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾، إن كان الله قد أنهى أجله فإنه ينتهي، وإن لم ينته أجله بقي إلى الأجل المحدد، فلماذا تجزعون، لماذا تجزعون إذا قيل إن محمدًا قد مات أو قد قُتل، وهذا شيء مؤجل عند الله عز وجل وبإذنه، وما كان مؤجلًا عند الله وبإذنه فإن الإنسان يجب عليه أن يستسلم له ويصبر عليه ويرضى به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن كل شيء حتى الموت مخلوق لله؛ لقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وما كان صادرًا عن إذن فهو مخلوق، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك ٢].
* ومن فوائد الآية: أنه لا يمكن أن يتقدم الإنسان أو يتأخر عن الأجل الذي قدّره الله له؛ لقوله: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾، ويؤيد هذا آيات، منها قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل ٦١]، ومنها: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون ١١].فإن قال قائل: يشكل على هذا قول النبي ﷺ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»(١)، فإن هذا يفيد بأن الإنسان إذا وصل رحمه زيد في عمره؟فالجواب عن ذلك أن يقال: هذا - أعني مد الأجل - كبسط الرزق، والحديث يقول: «أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ»، والرزق مكتوب أو لا؟ مكتوب؛ فقد بيّن الرسول أن الرزق يُبسط ويوسع إذا وصل الإنسان رحمه، فكذلك الأجل يمدد إذا وصل الإنسان رحمه، ولا فرق، وهذا كقولنا: من أراد أن يولد له فليتزوج، صحيح هذا أو لا؟ صحيح، ولا يعدو الحديث: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ» لا يعدو أن يكون بيانًا لسبب طول العمر، وليس معناه أن الإنسان له عمران، عمر عند قطيعة الرحم وعمر عند صلة الرحم؛ لأن المعلوم عند الله والمكتوب عنده إيش؟ عمر واحد، عمر واحد مقرون بسبب، ما هو السبب؟ صلة الرحم، فإذا وصل الإنسان رحمه علمنا أن له عمرًا واحدًا زائدًا مقرونًا بإيش؟ بالسبب، كقولنا أيضًا، يوضح ذلك أنك تقول: إذا أكل الجائع سلم من الموت، صح أو لا؟ فهذا الإنسان على آخر رمق في الحياة أتينا له بطعام فأكل وعاش، هل نقول إنه كان له عمران؟ مع أننا لو تأخرنا عن إسعافه بالطعام لمدة دقيقة واحدة لمات، فهذا لا نقول: له عمران، نقول: له عمر واحد، لكن سبب اندفاع الموت عنه الذي حصل من الجوع إيش؟ هذا الطعام، سببه هذا الطعام؛ فالمسألة ليس فيها إشكال، إذا تأملها الإنسان وجد أن سبب زيادة العمر الذي هو صلة الرحم كغيره من الأسباب التي يحث الشارع عليها، أيضًا نقول: من أراد الجنة فليعمل عملًا صالحًا وهو مؤمن بالله، هل نقول: إن الإنسان له حالان؛ حال يكفر وحال يؤمن؟ أو نقول: هذا قد قدّره الله بقضائه السابق أن يكون مؤمنًا من أهل الجنة؟ الجواب الثاني ولّا الأول؟ الثاني، هكذا الذي وصل رحمه نقول: هذا من الأول لم يكن له إلا عمر واحد مبني على سبب وهو صلة الرحم، إذن فالمراد من الحديث حث الناس على صلة الرحم التي هي سبب لطول العمر.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على الجبرية؛ لقوله: ﴿مَنْ يُرِدْ﴾، حيث أثبت للإنسان إرادة، والجبرية يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وأنه يفعل بدون اختيار ولا إرادة، ولكن كل النصوص السمعية والعقلية ترد على قولهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الناس لهم مشارب ولكل مسلك؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾، وهو كذلك.
* ومنها: أن الإخبار عن الشيء أو عن وقوع الشيء لا يدل على حِله؛ فقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، لا يدل على حِل إرادة الإنسان الدنيا بعمله، لا يدل عليه، إنما هو خبر عن أمر وقع، والحِل والحرمة يؤخذ من دليل آخر من الشرع، ومن ثم يتبين خطأ من قال: إنه لا يشترط للمرأة محرم في السفر؛ لأن الرسول أخبر أن الظعينة تخرج من صنعاء إلى عدن لا تخشى إلا الله ولا تخاف على نفسها(٢)؛ لأن هذا إخبار عن إيش؟ عن الواقع، وليس إقرارًا له شرعًا، ألم يقل الرسول ﷺ:« «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»؟ قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فَمَنْ؟»(٣)، بلى قال ذلك، هل يعني هذا أنه يجوز أن نتبع سنن اليهود والنصارى لأن الرسول أخبر بأننا سنتبعها؟ أبدًا؛ فالإخبار عن الشيء وقوعًا لا يدل عن جوازه شرعًا، يؤخذ جوازه أو عدم جوازه من أدلة أخرى.
* من فوائد هذه الآية: أن الإنسان قد يريد بعمله أن يُمدح عند الناس، وهذا لا يكون له من عمله إلا ما ناله من الدنيا فقط - نسأل الله السلامة - يعني مثلًا إنسان يصلي ليقال: مجتهد في العبادة، يقرأ ليقال: قارئ، يتصدق ليقال إيش؟ كريم، يقاتل ليقال: شجاع، وما أشبه ذلك، هذا الذي يريد بعمله الصالح هذه الأمور الدنيوية - لأن كل هذه من أمور الدنيا - ليس له حظ في الآخرة، ليس له حظ، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى ٢٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إيثار إرادة الآخرة على الدنيا؛ لقوله: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾؛ فإن هذا يدل على أن من أراد الآخرة فإنه من الشاكرين الذين يجزيهم الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجزاء على العمل، وهذا - أعني الجزاء عن العمل - دائر بين أمرين؛ بين عدل وفضل، ويمتنع الأمر الثالث وهو الظلم بالنسبة لله عز وجل، والذين يجازون العمال على أعمالهم ينقسمون في جزائهم إلى ثلاثة أقسام، وآدم يبينها لنا؟
* طالب: عدل، وفضل، وظلم.
* الشيخ: نعم، عدل، وفضل، وظلم، الذين يجازون العمال، ولهذا نجد الآن العمال عند كفلائهم من الكفلاء من يظلمهم، ومنهم من يعطيهم حقهم كاملًا، ومنهم من يزيد، أما بالنسبة لجزاء الله سبحانه وتعالى فإن الظلم ممتنع، ممتنع على الله لا عجزًا عنه ولكن لكمال عدله سبحانه وتعالى ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾.
* من فوائد الآية أيضًا: الحث على الشكر؛ لأن الإخبار بأن الله يجزي الشاكرين يراد به أيش؟ الحث على الشكر، والشكر قال العلماء: إنه يتعلق بالقلب واللسان والجوارح؛ فبالقلب بحيث يشعر الإنسان بنفسه أن هذه النعمة من الله عز وجل لا من حوله وقوته، أي لا من حول الإنسان وقوته ولكنها بفضل الله، باللسان: يشكر الله، يعني يتحدث بنعمة الله، بلسان الحال وبلسان المقال، فلسان المقال أن يقول: أحمد الله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، أحمد الله الذي أعطاني الولد، أحمد الله الذي أعطاني المال، أحمد الله الذي يسّر لي بيتًا، وما أشبه ذلك، وبلسان الحال أن يظهر أثر النعمة على العبد، فإن الله يحب من عبده إذا أنعم عليه نعمة أن يُرى أثر نعمته عليه، وعلى هذا فإذا آتى الله الإنسان مالًا وخرج إلى الناس بالثياب الخلقة أو بثياب الخيش أو ما أشبه ذلك هل يعد شاكرًا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا، أليس هذا زهدًا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ليس بزهد، هذا من رآه قال: هذا فقير ما أنعم الله عليه بشيء، فيكون هذا المظهر منبئًا عن أيش؟ عن أن الله لم ينعم على هذا الشخص.طيب، بالفعل وهو الثالث: أن يقوم الإنسان بطاعة الله، إذا أنعم الله عليه بمال يتصدق منه، بعلم ينشره، بجاه يتوسط للناس ويشفع لهم، وما أشبه ذلك، هذا من الشكر بالفعل، وعلى هذا يقول الشاعر في كون الشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، أنشدناكم بيتًا فيما مضى؟
* طالب: يقول: أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا* الشيخ: أحسنت أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَاوابن القيم ذكر أن الله يسّر له شيخ الإسلام ابن تيمية وأخبر أنه لا يستطيع أن يجزيه بأيش؟ بيده ولا لسانه، مرّت علينا هذه في النونية.

(١) متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦٧)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢٠) من حديث أنس بن مالك.
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٩٥) من حديث عدي بن حاتم ولفظه: «لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله»
(٣) متفق عليه؛ البخاري (٢٤٥٦)، ومسلم (٢٦٦٩ / ٦) من حديث أبي سعيد الخدري.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))
 
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ (١٤٤) وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَـٰبࣰا مُّؤَجَّلࣰاۗ وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِی ٱلشَّـٰكِرِینَ (١٤٥) وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیࣲّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرࣱ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ (١٤٦) وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِیۤ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ (١٤٧) فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ (١٤٨)﴾ [آل عمران ١٤٤-١٤٨]

لَمَّا انْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُد، وقُتِل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، نَادَى الشَّيْطَانُ: أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتل. وَرَجَعَ ابْنُ قَمِيئَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ: قتلتُ مُحَمَّدًا. وَإِنَّمَا كَانَ قَدْ ضَرَبَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَشَجَّه فِي رَأْسِهِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُتل، وَجَوَّزُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَا قَدْ قَصَّ اللَّهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَحَصَلَ وهَن وَضَعْفٌ وتَأخر عَنِ الْقِتَالِ فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](١) عَلَى رَسُولِهِ ﷺ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ أَيْ: لَهُ أسْوة بِهِمْ فِي الرِّسَالَةِ وَفِي جَوَازِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ.قَالَ ابْنُ أَبِي نَجيح، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَر عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ أشعرتَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ قُتِل؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ [ﷺ](٢) قَدْ قُتِل فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ، فَنَزَلَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ رَوَاهُ [الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ](٣) الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ(٤) .ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ ضَعْفٌ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ أَيْ: رَجَعْتُمُ القَهْقرى ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ أَيِ: الَّذِينَ قَامُوا بِطَاعَتِهِ وَقَاتَلُوا عَنْ دِينِهِ، وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا.وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ(٥) وَغَيْرِهَا مِنْ كُتْبِ الْإِسْلَامِ مَنْ طُرق مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ القطْع، وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي مُسْندي الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ(٦) .وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَير، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقيل عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمة؛ أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَقْبَلُ عَلَى فَرَس مِنْ مَسْكنه بالسَّنْح(٧) حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكلم النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فتيمَّم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ مُغَشى بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ [ﷺ](٨) ثُمَّ أَكُبَّ عَلَيْهِ وقَبَّله وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ موْتَتَين؛ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتبت عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّها.وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُحَدِّث(٩) النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ فَأَبَى عمرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، مَنْ كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ قَالَ: فَوَاللَّهِ لكَأنّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْهُ(١٠) كُلُّهُمْ، فَمَا سَمِعَهَا(١١) بَشَرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا تَلَاهَا(١٢) .وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب أَنَّ عُمر قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعقرتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ(١٣) وَحَتَّى هَوَيتُ إِلَى الْأَرْضِ(١٤) .وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ القنَّاد، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْب، عَنْ عكْرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ وَاللَّهِ لَا نَنْقَلِبُ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ، وَاللَّهُ لَئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمُوتَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخُوهُ، ووليُّه، وَابْنُ عَمِّهِ، وَوَارِثُهُ فَمَنْ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي؟(١٥) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا﴾ أَيْ: لَا يَمُوتُ أَحَدٌ إِلَّا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ المدةَ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلا﴾ كَقَوْلِهِ(١٦) ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ﴾ [فَاطِرِ:١١] وَكَقَوْلِهِ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ [الْأَنْعَامِ:٢] .وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَشْجِيعٌ للجُبَناء وَتَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ الْإِقْدَامَ وَالْإِحْجَامَ لَا يَنْقُص مِنَ الْعُمُرِ وَلَا يَزِيدُ فِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صُهبان، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(١٧) -وَهُوَ حُجْرُ بْنُ عَدِيّ-: مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تعبُروا إِلَى هَؤُلَاءِ الْعَدُوِّ، هَذِهِ(١٨) النُّطْفَةُ؟ -يَعْنِي دِجْلَة- ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا﴾ ثُمَّ أَقْحَمَ فَرَسَهُ دِجْلَةَ فَلَمَّا أَقْحَمَ أَقْحَمَ النَّاسُ فَلَمَّا رَآهُمُ الْعَدُوُّ قَالُوا: ديوان، فهربوا(١٩)(٢٠) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ أَيْ: مَنْ كَانَ عَمَلُهُ لِلدُّنْيَا فَقَدْ نَالَ مِنْهَا مَا قدّرَه اللَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ [مِنْ](٢١) نَصِيبٍ، وَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الدَّارَ الْآخِرَةَ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْهَا مَعَ مَا قَسَّمَ لَهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشُّورَى:٢٠] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٨، ١٩] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ أَيْ: سَنُعْطِيهِمْ مِنْ فَضْلِنَا وَرَحْمَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحَسْبِ شُكْرهم وَعَمَلِهِمْ.ثُمَّ قَالَ تَعَالَى -مُسَلِّيًا لِلْمُسْلِمِينَ(٢٢) عَمَّا كَانَ وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ يَوْمَ أُحُد-: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِل وَقُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَثِيرٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الَّذِينَ قرؤوا: ﴿قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا عَنَى بِالْقَتْلِ النَّبِيَّ وَبَعْضَ مِنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيِّينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا نَفَى الْوَهَنَ وَالضَّعْفَ عَمَّنْ بَقِيَ مِنَ الرِّبِّيِّينَ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ.قَالَ: وَمَنْ قَرَأَ ﴿قَاتَلَ﴾ فَإِنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ قُتِلُوا(٢٣) لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: ﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوصَفوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا بَعْدَ مَا قُتِلُوا.ثُمَّ اخْتَارَ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ﴿قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى](٢٤) عَاتَبَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَالَّتِي(٢٥) قَبْلَهَا مَنِ انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكُوا الْقِتَالَ أَوْ سَمِعُوا الصَّائِحَ يَصِيحُ: "إِنَّ(٢٦) مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ". فَعَذَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى فِرَارِهِمْ وترْكِهم الْقِتَالَ فَقَالَ لَهُمْ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ﴾ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَانْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ؟.وَقِيلَ: وَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ(٢٧) .وَكَلَامُ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ يَقْتَضِي قَوْلًا آخَرَ، [فَإِنَّهُ](٢٨) قَالَ: أَيْ وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ، أَيْ: جَمَاعَاتٌ فَمَا وَهَنُوا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ، وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ الصَّبْرُ، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ .فَجَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ حَالًا وَقَدْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ السُّهَيْلِيُّ وَبَالَغَ فِيهِ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ لِقَوْلِهِ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ﴾ الْآيَةَ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ، عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَقُلْ(٢٩) غَيْرُهُ.وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: ﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عن ابن مَسْعُودٍ ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أَيْ: أُلُوفٌ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وعِكْرِمة، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي، والرَّبِيع، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيِّ: الرِّبِّيُّونَ: الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر عَنِ الْحَسَنِ: ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أَيْ: عُلَمَاءُ كَثِيرٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا: عُلَمَاءُ صُبُرٌ أَبْرَارُ أَتْقِيَاءُ.وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بَعْضِ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ: أَنَّ الرِّبِّيِّينَ هُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: وَرَدَّ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ رَبيون، بِفَتْحِ الرَّاءِ.وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: "الرِّبِّيُّونَ: الْأَتْبَاعُ، وَالرَّعِيَّةُ، وَالرَّبَّابِيُّونَ:(٣٠) الْوُلَاةُ.﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ﴿وَمَا ضَعُفُوا﴾ بِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ يَقُولُ: فَمَا ارْتَدُّوا عَنْ نُصْرَتِهِمْ وَلَا عَنْ دِينِهِمْ، أنْ قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ تَخَشَّعوا. وَقَالَ السُّدِّي وَابْنُ زَيْدٍ: وَمَا ذَلُّوا لِعَدُوِّهِمْ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَيْ مَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ حِينَ قُتِل نَبِيُّهُمْ.﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هِجيرى إِلَّا ذَلِكَ.﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ أَيِ: النَّصْرَ وَالظَّفَرَ وَالْعَاقِبَةَ(٣١) ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ﴾ أَيْ: جمَع لَهُمْ ذَلِكَ مَعَ هَذَا، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ .

(١) زيادة من و.
(٢) زيادة من ر.
(٣) زيادة من و.
(٤) (٢/٢٤٨) من طريق آدم بن أبي إياس عن ورقاء عن ابن أبي نجيح به.
(٥) في جـ، ر، أ، و: "السنن والمسانيد".
(٦) انظر: البداية والنهاية (٥/٢١٣) ودلائل النبوة للبيهقي (٧/٢١٥-٢١٧) .
(٧) في ر: "بالسيح" وهو خطأ، والمثبت من البخاري (٤٤٥٢، ٤٤٥٣) وهو الصواب.
(٨) زيادة من جـ.
(٩) في جـ، ر، أ، و: "يكلم".
(١٠) في جـ، أ، و: "فتلاها منه الناس" في ر: "فتلاها الناس منه".
(١١) في جـ، ر، أ، و: "أسمع".
(١٢) في جـ، ر، أ، و: "يتلوها".
(١٣) في و: "رجلان".
(١٤) صحيح البخاري برقم (٤٤٥٢، ٤٤٥٣، ٤٤٥٤) .
(١٥) ورواه أبي حاتم في تفسيره (٢/٥٨١) والحاكم في المستدرك (٣/١٢٦) من طريق عمرو بن حماد بن طلحة به. قال الهيثمي في المجمع (٩/١٣٤) : "رجاله رجال الصحيح".
(١٦) في جـ: "وكقوله".
(١٧) في جـ: "للمسلمين".
(١٨) في أ، و: "وهذه".
(١٩) في جـ: "وهربوا".
(٢٠) تفسير ابن أبي حاتم (٢/٥٨٤) .
(٢١) زيادة من أ.
(٢٢) في جـ، ر، أ، و: "للمؤمنين".
(٢٣) في جـ: "لأنه لو قتلوا"، وفي ر: "فإنه قال لو قتلوا".
(٢٤) زيادة من و.
(٢٥) في و: "الذي".
(٢٦) في ر: "بأن".
(٢٧) في و: "وقيل: وكم من نبي قتل معه ربيون كثير".
(٢٨) زيادة من جـ.
(٢٩) في جـ، أ، و: "ولم يحك".
(٣٠) في جـ، ر: "الربانيون".
(٣١) في ر: "العافية".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمعنى الكتاب في القرآن يختلف بحسب السياق، فكثيرا ما يرد مرادا به القرآن كما في قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {البقرة:2}.
وقد يرد مرادا به التوراة كما في قوله تعالى:أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {البقرة:44}وكما في قوله تعالى: وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {البقرة:53}.

وقد يرد مرادا به الإنجيل كما في قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ {المائدة:77}.

وقد يرد مرادا به جنس الكتاب فيشمل كل الكتب المنزلة على الرسل كما في قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ {البقرة:213}.

وقد يرد مرادا به الكتابة والخط كما في قوله تعالى: اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ... {المائدة:110}.

فالمقصود بالكتاب هنا الكتابة أي الخط، وقيل المقصود جنس الكتاب.

قال ابن عطية في تفسيره: والكتاب في هذه الآية مصدر كتب يكتب أي علمتك الخط، ويحتمل أن يريد اسم جنس في صحف إبراهيم وغير ذلك، ثم خص بعد ذلك التوراة والإنجيل بالذكر تشريفاً، والحكمة هي الفهم والإدراك في الأمور الشرعية. انتهى.



فينبغي أن تنظر في كل آية وتطالع كتب التفسير فيها فتجد معناها موضحا إن شاء الله.

والله أعلم.
 
﴿فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا (١٠٣) وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا (١٠٤)﴾ [النساء ١٠٣-١٠٤]

يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ عُقَيْبَ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا مُرَغَّبًا فِيهِ أَيْضًا بَعْدَ غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ هَاهُنَا آكَدُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّخْفِيفِ فِي أَرْكَانِهَا، وَمِنَ الرُّخْصَةِ فِي الذَّهَابِ فِيهَا وَالْإِيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا لَيْسَ يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي(١) الْأَشْهُرِ الْحُرُمَ: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٦] ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ فِيهَا آكَدُ لِشِدَّةِ حُرْمَتِهَا وَعِظَمِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ أَيْ فِي سَائِرِ أَحْوَالِكُمْ.ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أَيْ: فَإِذَا أَمِنْتُمْ وَذَهَبَ الْخَوْفُ، وَحَصَلَتِ الطُّمَأْنِينَةُ ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أَيْ: فَأَتِمُّوهَا وَأَقِيمُوهَا كَمَا أُمِرْتُمْ بِحُدُودِهَا، وَخُشُوعِهَا، وَسُجُودِهَا وَرُكُوعِهَا، وَجَمِيعِ شُئُونِهَا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَفْرُوضًا. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَمُقَاتِلٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا(٢) كَوَقْتِ الْحَجِّ.وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ: مُنَجَّمًا، كُلَّمَا مَضَى نَجْمٌ، جَاءَتْهُمْ يَعْنِي: كُلَّمَا مَضَى وَقْتٌ جَاءَ وَقْتٌ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ أَيْ: لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَبِ عَدُّوِّكُمْ، بَلْ جِدُّوا فِيهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ أَيْ: كَمَا يُصِيبُكُمُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ، كَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ(٣) ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٠] .ثُمَّ قَالَ: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ أَيْ: أَنْتُمْ وَإِيَّاهُمْ(٤) سَوَاءٌ فِيمَا يُصِيبُكُمْ وَإِيَّاهُمْ من الْجِرَاحِ وَالْآلَامِ، وَلَكِنْ أَنْتُمْ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ الْمَثُوبَةَ وَالنَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ، وَهُمْ لَا يَرْجُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْجِهَادِ مِنْهُمْ، وَأَشَدُّ رَغْبَةً فِي إِقَامَةِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِعْلَائِهَا.﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ، وَيُنَفِّذُهُ وَيُمْضِيهِ، مِنْ أَحْكَامِهِ الْكَوْنِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(١) في أ: "حين ذكر".
(٢) في د، ر: "للصلاة وقت".
(٣) في د: "كقوله".
(٤) في أ: "وهم".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
 
﴿وَٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ فَتُثِیرُ سَحَابࣰا فَسُقۡنَـٰهُ إِلَىٰ بَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَحۡیَیۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ ٱلنُّشُورُ (٩) مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِینَ یَمۡكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۖ وَمَكۡرُ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُوَ یَبُورُ (١٠) وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا یُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرࣲ وَلَا یُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦۤ إِلَّا فِی كِتَـٰبٍۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ (١١)﴾ [فاطر ٩-١١]

كَثِيرًا مَا يَسْتَدِلُّ تَعَالَى عَلَى الْمَعَادِ بِإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا -كَمَا فِي [أَوَّلِ](١) سُورَةِ الْحَجِّ -يُنَبِّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَعْتَبِرُوا بِهَذَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ مَيِّتَةً هَامِدَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا، فَإِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا(٢) السَّحَابَ تَحْمِلُ الْمَاءَ وَأَنْزَلَهُ عَلَيْهَا، ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الْحَجِّ: ٥] ، كَذَلِكَ الْأَجْسَادُ(٣) ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْثَهَا وَنَشُورَهَا، أَنْزَلَ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَطَرًا يَعُمُّ(٤) الْأَرْضَ جَمِيعًا فَتَنْبُتُ الْأَجْسَادُ فِي قُبُورِهَا كَمَا يَنْبُتُ(٥) الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى إِلَّا عَجْب الذَّنَب، مِنْهُ خُلِقَ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ"؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ .وَتَقَدَّمَ فِي "الْحَجِّ"(٦) حَدِيثُ أَبِي رَزِين: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: "يَا أَبَا رَزِينٍ، أَمَا مَرَرْتَ بِوَادِي قَوْمِكَ محْلا(٧) ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: "فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى".
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ أَيْ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَزِيزًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلْيَلْزَمْ طَاعَةَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مَالِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَلَهُ الْعِزَّةُ جَمِيعُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النِّسَاءِ: ١٣٩] .وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [يُونُسَ: ٦٥] ، وَقَالَ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ٨] .قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ .وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ أَيْ: فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.وَقِيلَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ علْم الْعِزَّةِ، لِمَنْ هِيَ، ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ يَعْنِي: الذِّكْرَ وَالتِّلَاوَةَ وَالدُّعَاءَ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأحْمَسِيّ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْن، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخَارِقِ، عن أبيه المخارق بن سليم(٨) قال: قَالَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ حَدِيثًا أَتَيْنَاكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ"، أَخَذَهُنَّ مَلَكٌ فَجَعَلَهُنَّ تَحْتَ جَنَاحِهِ، ثُمَّ صَعد بِهِنَّ إِلَى السَّمَاءِ فَلَا يمُرّ بِهِنَّ عَلَى جمْعٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا اسْتَغْفَرُوا لِقَائِلِهِنَّ، حَتَّى يَجِيءَ بِهِنَّ وَجْهَ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ .وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، أَخْبَرْنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِي(٩) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ(١٠) : قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنَّ لِـ "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ" لَدَوِيًّا حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْخَزَائِنِ.(١١)وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْر، حَدَّثَنَا مُوسَى -يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ الطَّحَّانَ -عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ -أَوْ: عَنْ أَخِيهِ(١٢) -عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ، مِنْ تَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَهْلِيلِهِ، يَتَعَاطَفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرُونَ بِصَاحِبِهِنَّ أَلَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَلَّا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ يُذْكَرُ بِهِ؟ ".(١٣)وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ(١٤) الْقَطَّانِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي [عِيسَى](١٥) الطَّحَّانَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ -أَوْ: عَنْ أَخِيهِ-عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، بِهِ.(١٦)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: ذِكْرُ اللَّهِ، يُصْعَدُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ: أَدَاءُ فَرَائِضِهِ. وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ، رُدَّ كَلَامُهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ.وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَعِكْرِمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخعِيّ، وَالضَّحَّاكُ، والسُّدِّيّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وشَهْر بْنُ حَوْشَب، وَغَيْرُ وَاحِدٍ [مِنَ السَّلَفِ] .(١٧)وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقَاضِي: لَوْلَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ لَمْ يُرْفَعِ الْكَلَامُ.وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: لَا يُقْبَلُ قولٌ إِلَّا بِعَمَلٍ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ : قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وشَهْر بن حَوْشَب: هم المراؤون بِأَعْمَالِهِمْ، يَعْنِي: يَمْكُرُونَ بِالنَّاسِ، يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ فِي طاعة الله، وهم بُغَضَاء إلى الله عز وجل، يراؤون بِأَعْمَالِهِمْ، ﴿وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا﴾ [النِّسَاءِ: ١٤٢] .وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ.وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ، وَالْمُشْرِكُونَ دَاخِلُونَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ ، أَيْ: يَفْسَدُ وَيَبْطُلُ وَيَظْهَرُ زَيْفُهُمْ عَنْ قَرِيبٍ لِأُولِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى، فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ عَبْدٌ(١٨) سَرِيرَةً إِلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَمَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ رِدَاءَهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ. فَالْمُرَائِي لَا يَرُوجُ أَمْرُهُ وَيَسْتَمِرُّ إِلَّا عَلَى غَبِيٍّ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَفَرِّسُونَ فَلَا يَرُوجُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، بَلْ يُكشَف(١٩) لَهُمْ عَنْ قَرِيبٍ، وَعَالَمُ الْغَيْبِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أَيِ: ابْتَدَأَ خَلْقَ أَبِيكُمْ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أَيْ: ذَكَرًا وَأُنْثَى، لُطْفًا مِنْهُ وَرَحْمَةً أَنْ جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا مِنْ جِنْسِكُمْ، لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ﴾ أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، بَلْ ﴿مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٥٩] . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ [وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ] الْمُتَعَالِ﴾ [الرَّعْدِ: ٨، ٩] .(٢٠)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ﴾ أَيْ: مَا يُعْطَى بَعْضُ النُّطَفِ مِنَ الْعُمُرِ الطَّوِيلِ يَعْلَمُهُ، وَهُوَ عِنْدَهُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْجِنْسِ، لَا عَلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الطَّوِيلَ لِلْعُمُرِ فِي الْكِتَابِ وَفِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ، وَإِنَّمَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْجِنْسِ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: "عِنْدِي ثَوْبٌ وَنِصْفُهُ" أَيْ: وَنِصْفٌ آخَرُ.وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ، يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ طُولَ عُمُر(٢١) وَحَيَاةٍ إِلَّا وَهُوَ بَالِغٌ مَا قَدَّرْتُ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ وَقَدْ قَضَيْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي قَدَّرْتُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ أَنَّهُ قَصِيرُ الْعُمُرِ وَالْحَيَاةِ بِبَالِغٍ لِلْعُمُرِ، وَلَكِنْ يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ، يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ.وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ﴾ قَالَ: مَا لَفَظت الْأَرْحَامُ مِنَ الأولاد من غير تمام.وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِهَا: أَلَا تَرَى النَّاسَ، يَعِيشُ الْإِنْسَانُ مِائَةَ سَنَةٍ، وَآخَرُ يَمُوتُ حِينَ يُولَدُ فَهَذَا هَذَا.وَقَالَ قَتَادَةُ: وَالَّذِي يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ: فَالَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ﴾ أَيْ: فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُكْتَبُ لَهُ ذَلِكَ، لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَلَى عُمُرٍ وَاحِدٍ، بَلْ لِهَذَا عُمُرٌ، وَلِهَذَا عُمُرٌ هُوَ أَنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْتُوبٌ لِصَاحِبِهِ، بَالِغٌ مَا بَلَغَ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ أَيْ: مَا يُكْتَبُ مِنَ الْأَجَلِ ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ ، وَهُوَ ذَهَابُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا الْجَمِيعُ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَجُمُعَةً بَعْدَ جُمُعَةٍ، وَيَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَسَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، الْجَمِيعُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابٍ.نَقَلَهُ(٢٢) ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السُّدِّيّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيِّ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ [الْقَوْلَ](٢٣) الْأَوَّلَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.وَقَالَ النَّسَائِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ سرَّه أَنْ يُبْسَط لَهُ فِي رِزْقُهُ، ويُنْسَأ لَهُ فِي أَجَلِهِ(٢٤) فَلْيَصِلْ رَحِمَه".وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، بِهِ(٢٥) .وَقَالَ(٢٦) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو مُسَرَّحٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ(٢٧) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَة بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُؤَخِّرُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجْلُهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَةُ الْعُمُرِ بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ يُرْزَقُهَا الْعَبْدَ، فَيَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ الْعُمْرِ".
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أَيْ: سَهْلٌ عَلَيْهِ، يَسِيرٌ لَدَيْهِ عِلْمُهُ بِذَلِكَ وَبِتَفْصِيلِهِ فِي جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ، فَإِنَّ عِلْمَهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ ذَلِكَ لَا يخفى منه عليه شيء.

(١) زيادة من ت، س، أ.
(٢) في ت: "عليها".
(٣) في ت، س: "الأجسام".
(٤) في أ: "فعم".
(٥) في ت: "كما تنبت".
(٦) عند الآيات: ١٢-١٦.
(٧) في ت، س، أ: "ممحلا".
(٨) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده عن عبد الله بن أبي المخارق بن سليم".
(٩) في أ: "سعيد بن الجريري".
(١٠) في ت: "وروى بإسناده".
(١١) تفسير الطبري (٢٢/٨٠) .
(١٢) في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".
(١٣) المسند (٤/٢٦٨) .
(١٤) في أ: "عيسى".
(١٥) زيادة من ت، س، وابن ماجه.
(١٦) سنن ابن ماجه برقم (٣٨٠٩) وقال البوصيري في الزوائد (٣/١٩٣) : "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
(١٧) زيادة من ت.
(١٨) في أ: "أحد".
(١٩) في ت، س، أ: "ينكشف".
(٢٠) زيادة من ت، س، أ، وفي هـ: "إلى قوله".
(٢١) في ت، س: "العمر".
(٢٢) في أ: "رواه".
(٢٣) زيادة من ت، أ.
(٢٤) في ت، س، أ: "أثره".
(٢٥) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٢٩) وصحيح البخاري برقم (٢٠٦٧) وصحيح مسلم برقم (٢٥٥٧) وسنن أبي داود برقم (١٦٩٣) .
(٢٦) في ت: "وروى".
(٢٧) في أ: "سلمة".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللغة العربيّة واسعة جدا، وكما نعلم هناك كلمة عندها عدة معاني حسب تشكيلها وحسب موقعها في الجملة، كما أننا نعلم الاستعارة وووو وكلام الله عز وجل فيه ما فيه من جمال البلاغة..
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom