مررنـــا على دار الحبيـــــب

نــــبراس الامل

:: عضو منتسِب ::
إنضم
29 جوان 2011
المشاركات
75
نقاط التفاعل
0
النقاط
2

في القدس


مررنا على دار الحبيب فردنا


عن الدار قانون الاعادي وسورها

فقُلْتُ لنفســي رُبما هي نعْمة

فماذا ترى في القدس حين تزُورُها

ترى كُلّ ما لا تستطيعُ احتمالهُ
إذا ما بدتْ من جانب الدّرْب دورُها
وما كلُّ نفس حين تلْقى حبيبها
تُـسرُّ، ولا كُلُّ الغـياب يُضيرُها
فإن سـرّها قبل الفراق لقاؤُه
فليس بمأمـون عليها سـرُورُها
متى تُبْصر القدس العتيقة مرّة
فسوف تراها العيْنُ حيْثُُ ديرُها









في القدس، بائعُ خضرة من جورجيا برم بزوجته

يفكرُ فيقضاء إجازة أو في طلاء البيتْ

في القدس، توراة وكهل جاء من مانهاتن العُليا






يُفقّهُ فتية البولوني في أحكامها

في القدس شرطي من الأحباش يُغْلقُ شارعا في السوق،

رشّاش على مستوطن لم يبلغ العشرين،

قُبّعة تُحيّي حائط المبكى
وسياح من الإفرنج شُقْر لا يروْن القدس إطلاقا
تراهُم يأخذون لبعضهم صُورا
مع امْرأة تبيعُ الفجْل في الساحات طُول اليومْ









في القدس دبّ الجندُ مُنْتعلين فوق الغيمْ

في القدس صلّينا على الإسفلت

في القدس من في القدس إلا أنْتْ؟وتلفّت التاريخُ لي مُتبسّما

أظننْت حقا أنّ عينك سوف تخطئهم، وتبصرُ غيرهم؟
ها هُم أمامك، متْنُ نصّ أنت حاشية عليه وهامش
أحسبت أنّ زيارة ستُزيحُ عن وجه المدينة يا بُنيّ
حجاب واقعها السميك لكي ترى فيهاهواكْ؟
في القدس كلّ فتى سواكْ تبا كاتب التاريخ مهْلا،




فالمدينةُ دهرُها دهران

دهرمطمئن لا يغيرُ خطوه وكأنّه يمشي خلال النومْ

وهناك دهر، كامن متلثم يمشي بلاصوت حذار القومْ

والقدس تعرف نفسها،
اسأل هناك الخلق يدلك الجميعُ
فكلُّ شيء في المدينة
ذو لسان، حين تسألُهُ، يُبينْ
في القدس يزدادُ الهلالُ تقوسا مثل الجنينْ
حدْبا على أشباهه فوق القباب
تطوّرتْ ما بيْنهم عبْر السنين




في القدس أبنية حجارتُها اقتباسات منالإنجيل والقرآنْ

في القدس تعريفُ الجمال مُثمّنُ الأضلاع أزرقُ،

فوْقهُ،يا دام عزُّك، قُبّة ذهبيّة،

تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماءمُلخّصا فيها
تُدلّلُها وتُدْنيها
تُوزّعُها كأكْياس المعُونة في الحصارلمستحقّيها
إذا ما أُمّة من بعد خُطْبة جُمْعة مدّتْ بأيْديها
وفي القدس السماءُ تفرّقتْ في الناس تحمينا ونحميها
ونحملُها على أكتافنا حمْلا إذا جارت





في القدس أعمدةُ الرُّخام الداكناتُ
في القدس مدرسة لمملوك أتى مما وراء النهر،


باعوهُ بسوق نخاسة في أصفهان

لتاجر من أهل بغداد أتى حلبا فخاف أميرُها من زُرْقة فيعيْنه اليُسْرى،

فأعطاهُ لقافلة أتت مصر، فأصبح بعد بضع سنين




غلاّب المغولوصاحب السلطانْ

كأنّ تعريق الرُّخام دخانْ

ونوافذ تعلو المساجد والكنائس،

أمْسكتْ بيدالصُّباح تُريه كيف النقشُ بالألوان،
وهْو يقول: "لا بل هكذا"،
فتقُولُ: "لا بل هكذا"،
حتى إذا طال الخلافُ تقاسما
فالصبحُ حُرّ خارج العتبات لكنْ
إن أراد دخولها
فعليه أن يرْضى بحُكْم نوافذ الرّحمنْ





في القدس رائحة تُلخّصُ بابلا والهند
في دكان عطار بدخان الزيتْ


والله رائحة لها لغة ستفْهمُها إذا أصْغيتْ

وتقولُ لي إذ يطلقون قنابل الغاز المسيّل للدموع عليّ:
"لا تحفل بهم"


وتفوحُ من بعد انحسار الغاز،
وهْي تقولُ لي: "أرأيتْ؟"
في القدس يرتاحُ التناقضُ،
والعجائبُ ليس ينكرُهاالعبادُ،
كأنها قطعُ القماش يُقلّبُون قديمها وحديدها،
والمعجزاتُ هناكتُ لْمسُ باليديْنْ
في القدس لو صافحت شيخا أو لمست بناية
لوجدْت منقوشا علىكفّيك نصّ قصيدة


يا بْن الكرام أو اثْنتيْنْ

في القدس، رغم تتابع النّكبات،


ريحُ براءة في الجوّ، ريحُطُفُولة،

فترى الحمام يطيرُ يُعلنُ دوْلة في الريح بيْن رصاصتيْن

ْفي القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنّ سطورُ تاريخ


المدينةوالكتابُ ترابُها

الكل مرُّوا من هُنا

فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافرا أومؤمنا

أُمرر بها واقرأ شواهدها بكلّ لغات أهل الأرض
فيها الزنجُ والإفرنجُ والقفْجاقُ والصّقْلابُ والبُشْناقُ
والتتار والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك،
والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ،
فيها كلُّ من وطئ الثّرى
أرأيتها ضاقت علينا وحدنا
يا كاتب التاريخ ماذا جدّ فاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعدالعين تُغْمضُ، ثمّ تنظُرُ




سائقُ السيارة الصفراء،
مال بنا شمالا نائيا عن بابها


والقدس صارت خلفنــا

والعينُ تبصرُها بمرآة اليمين،

تغيّرتْ ألوانُها في الشمس، منْ قبل الغيابْ
إذفاجأتْني بسمة لم أدْر كيف تسلّلتْ للوجْه
قالت لي وقد أمْعنْتُ ما أمْعنْتْ
يا أيها الباكي وراء السور، أحمقُ أنْتْ؟
أجُننْتْ؟
لا تبك عينُك أيهاالمنسيُّ من متن الكتابْ
لا تبك عينُك أيها العربيُّ واعلمْ أنّهُ
في القدس من في القدس لكنْ
لا أرى في القدس إلا أنْت






لـ الشاعر: تميم البرغوثي

 
شكرا على النقل الجميل
القصيدة أروع عندما تكون بصوت البرغوثي
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top