البكاء من خشية الله عز وجل للشيخ الفاضل سليمان الرحيلي.

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:



فإن من العبادات المهجورة والطاعات الخفية المستورة التي غاب ذكرها و توارى خبرها فضلا عن رؤيتها ومشاهدتها بله الاتصاف بها والتقرب بها الى رب العزة والجلال : البكاء من خشية الله عز وجل.

هذه القُربة العظيمة والمنزلة الكريمة التي جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية حاثة عليها آمرة بها دالة على فضلها وعظم أجرها.

لكن الناظرالمتصفح في واقعنا المعاش يرى بُعد العهد بها ونأي الفكر في تحصيلها وإن هذا لعمري من أعظم الحرمان وأكبر الشقاء والعصيان.

من أجل هذا وذاك أردت أن أذكر نفسي وإخواني بما تيسر من نقول سلفية وأقوال أثرية لعلها تكون عبرة لمن اعتبر وعظة لمن نهى النفس عن غيها وازدجر مع مثال عصري للشيخ الفاضل سليمان الرحيلي حفظه الله تعالى:


ذكر ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى في سورة مريم : "إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا" عن سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر قال : قرأ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سورة مريم ، فسجد وقال : هذا السجود ، فأين البكي ؟ يريد البكاء.

وقد صح عن ابن عمر موقوفا كما جاء في صحيح الترغيب والترهيب برقم 3328:
وعن ابن أبي مليكة قال جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحجر فقال: ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا لو تعلموا العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره ولبكى حتى ينقطع صوته.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في منخري مسلم أبدا. صحيح الجامع 7778.

وقد حجب الله أعينا عن رؤية النارفقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة:

عين بكت من خشية الله وعين حرست في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله.
الصحيحة 2673.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي حتى يبل الثرى كما في قصة الليلة التي نزلت فيها عليه أواخر سورة آل عمران؛ وقد ثبت عنه صلوات ربي وسلامه عليه كما في سنن أبي داود : عن حماد بن سلمة عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء صلى الله عليه وسلم. صحيح أبي داود 903


و عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
طوبى لمن ملك لسانه و وسعه بيته و بكى على خطيئته.
صحيح الجامع 3929


وقد كان لسلفنا الصالح قدم السبق في الظفر بهذه العبادة الجليلة فهاهو محمد بن واسع يقول:
إن كال الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به.
شعب الإيمان (2/347)


وهذا واعظ زمانه ابن الجوزي رحمه الله يقول:
إذا جلست في ظلام الليل بين يدي سيدك فاستعمل أخلاق الأطفال؛ فإن الطفل إذا طلب من أبيه شيئا فلم يعطه بكى عليه.
المدهش (1 /219)


قال كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله أحب إلي أن أتصدق بوزني ذهبا. السير 491/3


و عن شعبة قال : كان ثابت بن أسلم يبكي حتى تختلف أضلاعه. السير 224/5


و عن سفيان قال: كان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع. السير 358/5


هذا غيض من فيض وقطرة من بحر؛ إلا أنه مما ينبغي أن ينبه عليه أن ما سق ذكره لا يعارض ما ثبت و ورد في الشرع الأغر من طلاقة الوجه وانبساطه وملاطفة الإخوان وممازحتهم والضحك مع الأولاد والصبيان ولكن لكل شيئ مجاله و لكل عبادة حدودها ورسمها.


قال القرطبي رحمه الله:
كان الحسن البصري رضي الله عنه ممن قد غلب عليه الحزن فكان لا يضحك . وكان ابن سيرين يضحك ويحتج على الحسن ويقول : الله أضحك وأبكى . وكان الصحابة يضحكون ; إلا أن الإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه ، وهو من فعل السفهاء والبطالة . وفي الخبر : أن كثرته تميت القلب وأما البكاء من خوف الله وعذابه وشدة عقابه فمحمود.

ومما يعلم أن مجاوزة الحد في دوام البكاء والحزن قد يؤدي إلى القنوط من رحمه الله كما ثبت في ذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه يضحكون ويتحدثون فقال :


والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ثم انصرف وأبكى القوم وأوحى الله عز وجل إليه يا محمد لم تقنط عبادي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشروا وسددوا وقاربوا.

صحيح الأدب المفرد 254

قال البغوي عند قوله تعالى" و أنه هو أضحك وأبكى":

وقال معمر عن قتادة : سئل ابن عمر: هل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحكون ؟ قال : نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل.

وأختم بهذه الصوتية العظيمة للكلمة التي أبكت كثيرا من الإخوة في دورة أمستردام الأخيرة بهولندا حيث تكلم فيها الشيخ الفاضل سليمان الرحيلي حفظه الله عن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وما تضمنه من العظات والعبر والنصائح والدرر وتجدونها في المرفقات.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
رد: البكاء من خشية الله عز وجل للشيخ الفاضل سليمان الرحيلي.

mp3.gif
الكلمة التي أبكت كثيرا من الإخوة في هولندا.mp3
 
رد: البكاء من خشية الله عز وجل للشيخ الفاضل سليمان الرحيلي.

نقلا عن منتديات التصفية و التربية.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top