قصة الفرعون الصغير

9c908da03496642bec16275b2814fef3.jpg

ركع اوسر للكاهن وكانت الركعة أفضل من الوقوف أمامه وضع يده الباردة على رأس اوسر وقال له: ردد مع هذا القسم اقسم بالرب آمون أنني ما أراه هذه الليلة المقنرة يكون سر لا ابوح به لأحد حتى أباي وامي لن أريده حتى لنفسي وسامحوه من ذاكرتي ابتلع ريقه وهو يردد هذا القسم ولا تزال يد الكاهن على راسه وهو راكع ويواصل كلامه هذه الليلة انت حارس المعبد ستحرس هذا الجسد تبحث روحه عن منفذ لتجد طريقها إلى المملكة الأبدية وغدا صباحا يأتي المحنطون ليكملو عملهم
6197d6328aff256801b0037ad74d246a.jpg

ارتاح اوسر كثيرا لهذه المهمة لأنه سيحرس مومياء لا يهم لأنها مجرد جثة هامدة ففي بلدته يدفن الفلاحين وعمال الاهرامات في الطين والتراب بلا اي مبالات سواء وجدت الروح طريقها خارج الجسد ام لا
تراجع الكاهن إلى وراء وضغط على حجر وفتح الباب وأشار له بانه سيذهب وغلق الحجر خلفه
احس اوسر أنه استرجع حريته وانه سيغادر هذه الغرفة المظلمة في المعبد ورجع عبر الممر الضيق في الاتجاه الخلفي للمعبد الذي دخل منه ليجد نفسه في حديقة واسعة مليئة بالاشجار ونهر يمر بينهما وعلى حافة النهر يوجد تابوت من الحجر الاسود احس اوسر يبالسعادة لأنه أصبح وحيدا فالميت مهما كان فإنه مجرد ميت حدوده هاذا التابوت سواء خرجت روحه الليلة أو لا تخرج
5425546e1ac5705f517027727b6ee08c.jpg

يهب الهواء من ناحية التابوت فتنبعث منه رائحة الشيح و العنبر والزعفران بدأت الشمس بالغروب خلف النهر الكبير تقدم اوسر خطوات أمام ذلك التابوت والتفت يمينا وشمالا نظر اليه فكان لون الحجر اسود مكتوب عليه رموز بدا في تاملها لكنها توحي بأن داخله امرأة لأنه لم يتعلم الحروف الهيروغليفية ابوه كان فقيرا وكان يعمل بسحب الصخور لبناء المعابد والاهرامات أزاح الغطاء قليلا لم يقدر اوسر على مقاومة فضوله فنظر داخل التابوت ليرى الجسد المغطى بالكتان ساكنا داخله فتقدم أكثر فنظرة أخرى واقرب لن تقتل أحدا يحدث اوسر نفسه وهو يمد يده المرتعشة يضعها بخفة على الغطاء ويزيحه قليلا كاشفا عما تحته انه وجها لفتاة شاحب اللون عينان واسعتان مستكينة في نبل وكأنها تنظر اليه على رأسها تاج ذهبي وجهها فاتن شفتيها مصبوغة باحمر فاقع وخطوط من الكحل على جانب عيونها وجهها دقيق في غاية الجمال رغم شحوب بشرتها وقف متجمدا امام ذلك التابوت لم يعد هناك فرصة للتراجع حتى وإن كانت اللعنة بداخله

905e7bffd519af0970bff6fe4546183a.jpg
يتطاير لحاف الكتان مع هواء النهر ليكشف الجسد كله ..وقف اوسر مشلول القدمين أمام الجسد المسجى ذراعيها متقاطعة قابضة صولجان من ذهب يخر اوسر على الارض مذهول ويتذكر القسم الذي اقسمه مع الكاهن فسار على ركبتيه ويديه مبتعدا على التابوت يستند على شجرة حتى يستطيع الوقوف لقد تعرف على ذاك الوجه وبدا يكلم نفسه هل الموت تطول الأرباب والملوك؟يتساءل كيف ماتت وكيف كستها زرقة الموت
لا يوجد أحد معه واحس أنه لا يستطيع أن يبقى في هذا الوضع طويلا تقدم مرة أخرى وهو يتأمل وجهها الصغير الذي لم يغير الموت ملامحه بعد

fee1f7193cce4a42eaf3f35f5b6ba823.jpg

...يتبع
 
آخر تعديل:
توقيع Oktavio_hinda
483720d21e5105ecbf32b62355020d39.webp

اقترب أوسر بخطى مرتجفة تحمله ذاكرته أكثر مما تحمله قدماه العاجزتان انحنى أمام الجسد المسجى والريح تعبث بشعرها الطويل كأن الحياة لم تغادره بعد وضع يده المرتعشة على جبينها فشعر ببرودة الموت تتسلل إلى روحه تماما كما تسللت منها الحياة

همس:
"لماذا أنت هنا؟ ولماذا الآن؟"
تذكر أن كان لها صوت وضحكات وهمسات
ولكن الان لا ضحكة تسكن شفتيها فقط سكون مهيب وجمال مرعب
55b57e132d87b43d8321e57a2c30292b.webp
مد يده إلى الصولجان الذهبي في قبضتها كان باردا مغطى بنقوش لا يفهمها لكن قلبه أدرك أنها ليست مجرد زينة ملكية… بل ختم و رمز او لعنة ربما
فجأة اهتز الهواء من حوله كأن النهر نفسه شهق وارتفعت أنفاس الأرض من تحته ثم انبعث صوت خافت من بعيد صوت غامض أشبه بتلاوة كاهن قديم:
"من كسر العهد… تكلف الروح الثمن."
ارتبك أوسر تراجع خطوة ثم أخرى لكن الأرض رفضت أن تحمله جذور الشجرة أمسكت بساقيه وكأنها تمنعه من الرحيل وفجأة فتحت عيناها… لا لم تكن حياة بل بريق أزرق بارد كأن الموت ذاته ينظر إليه من خلال عينيها
169474d14ba58f9b6f02e9238edbef01.webp
قالت بصوت لم يكن صوتها: "جئت متأخرا يا أوسر... القسم لا يكسر… ولا ينسى."

بدا قلبه يخبط في صدره كطبول الحرب حاول أن يصرخ لكن صوته علق في حلقه مدت يدها نحوه والصولجان في قبضتها يتوهج… لحظة ثم اختفى كل شيء



هدأ النهر وسكن الهواء ولم يبق على ضفة الماء سوى لحاف الكتان يتطاير في مهبّ النسيان
فتح أوسر عينيه فجأة فوجد نفسه راقدا عند سفح الشجرة لا أثر للجسد ولا للصولجان ولا حتى لنسمة هواء

كان كل شيء ساكنًا حتى النهر بدا جامدًا كأنه فقد روحه

نهض بصعوبة كأن ثقل قرون من الذنب جثم على كتفيه نظر حوله وكل شيء كما كان ما عدا قلبه
لقد عاد لكن شيئا منه بقي هناك… في تلك اللحظة مع الجسد مع القسم

مشى متعثرا حتى المعبد القديم وهناك وجد الكاهن العجوز في انتظاره جالسًا أمام النار التي لم تنطفئ منذ آلاف السنين.
نظر إليه الكاهن وقال دون أن يسأله شيئًا:

"رأيت ما لم يكن يُفترض بك أن تراه… والآن، ستدفع الثمن."

اقترب أوسر بوجه شاحب وركع أمام الكاهن مدّ يده اليمنى كما يفعل التائبون.

لكن الكاهن لم يقطع كفّه كما اعتاد مع الخائنين… بل وضع شيئًا فيها:
نفس الصولجان الذهبي الذي كان بين يديها

قال له الكاهن:
"أنت حارس الروح الآن… ستبقى لا حيًّا ولا ميتًا، بين العالمين. هذا ثمن القسم."

ومنذ ذلك الحين يُقال إن روح أوسر ما زالت تَسير عند ضفاف النهر تحمل الصولجان وتحرس موضع التابوت…
كل من يقترب يسمع صوتًا هامسًا:

"لا تكسر العهد… فالموت لا ينسى."
accb62ec8fa6cf60dd394fdb37c96bde.webp
 

المرفقات

  • 169474d14ba58f9b6f02e9238edbef01.webp
    169474d14ba58f9b6f02e9238edbef01.webp
    54.8 KB · المشاهدات: 6
توقيع Oktavio_hinda
العودة
Top Bottom