التفاعل
35.2K
الجوائز
5.2K
- تاريخ التسجيل
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 28,003
- الحلول المقدمة
- 1
- آخر نشاط
- الجنس
- ذكر
1
- الأوسمة
- 54
وقال شيخ الإسلام الصغير ابن قيّم الجَوْزِية عليهِ رَحَمَات ربّ العالمين /
وَالرَّجُلُ : هُوَ الَّذِي يَخَافُ مَوْتَ قَلْبِهِ لَا مَوْتَ بَدَنِهِ ..
إِذْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْخَلْقِ : يَخَافُونَ مَوْتَ أَبْدَانِهِمْ ..
وَلَا يُبَالُونَ : بِمَوْتِ قُلُوبِهِمْ ..
وَلَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْحَيَاةِ : إِلَّا الْحَيَاةَ الطَّبِيعِيَّةَ ..
وَذَلِكَ : مِنْ مَوْتِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ ..
فَإِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الطَّبِيعِيَّةَ شَبِيهَةٌ : بِالظِّلِّ الزَّائِلِ ..
وَالنَّبَاتِ السَّرِيعِ : الْجَفَافِ ..
وَالْمَنَامِ الَّذِي يُخَيَّلُ : كَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ ..
فَإِذَا اسْتَيْقَظَ : عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ خَيَالًا ..
كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ / لَوْ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا أُوتِيَهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ثُمَّ جَاءَهُ الْمَوْتُ : لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَسُرُّهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ ؛ فَإِذَا لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ . ..
وقال أيضاً /
قِيلَ / إِنَّ الْمَوْتَ : مَوْتَانِ ..
مَوْتٌ : إِرَادِيٌّ ..
وَمَوْتٌ : طَبِيعِيٌّ ..
فَمَنْ أَمَاتَ نَفْسَهُ مَوْتًا إِرَادِيًّا كَانَ مَوْتُهُ الطَّبِيعِيُّ : حَيَاةً لَهُ ..
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَوْتَ الْإِرَادِيَّ : هُوَ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ الْمُرْدِيَةِ ؛ وَإِخْمَادُ نِيرَانِهَا الْمُحْرِقَةِ ؛ وَتَسْكِينُ هَوَائِجِهَا الْمُتْلِفَةِ ..
فَحِينَئِذٍ يَتَفَرَّغُ الْقَلْبُ وَالرُّوحُ : لِلتَّفَكُّرِ فِيمَا فِيهِ كَمَالُ الْعَبْدِ وَمَعْرِفَتِهِ وَالإشْتِغَالِ بِهِ .. وَيَرَى حِينَئِذٍ أَنَّ إِيثَارَ الظِّلِّ الزَّائِلِ عَنْ قَرِيبٍ عَلَى الْعَيْشِ اللَّذِيذِ الدَّائِمِ : أَخْسَرُ الْخُسْرَانِ ..
فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الشَّهَوَاتُ وَافِدَةً وَاللَّذَّاتُ مُؤْثَرَةً وَالْعَوَائِدُ غَالِبَةً وَالطَّبِيعَةُ حَاكِمَةً فَالْقَلْبُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ : أَسِيرًا ذَلِيلًا ..
أَوْ : مَهْزُومًا مُخْرَجًا عَنْ وَطَنِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ الَّذِي لَا قَرَارَ لَهُ إِلَّا فِيهِ ..
أَوْ قَتِيلًا : مَيِّتًا ..
وَمَا لِجُرْحٍ بِهِ : إِيلَامٌ ..
وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ / أَنْ يَكُونَ فِي حَرْبٍ يُدَالُ لَهُ فِيهَا مَرَّةً وَيُدَالُ عَلَيْهِ مَرَّةً ؛ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ مَوْتَهُ الطَّبِيعِيَّ كَانَتْ بَعْدَهُ : حَيَاةُ رُوحِهِ بِتِلْكَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ ؛ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَحْوَالِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِإِمَاتَةِ نَفْسِهِ ..
فَتَكُونُ حَيَاتُهُ هَاهُنَا : عَلَى حَسَبِ مَوْتِهِ الْإِرَادِيِّ فِي هَذِهِ الدَّارِ ..
وَهَذَا مَوْضِعٌ : لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا أَلِبَّاءُ النَّاسِ وَعُقَلَاؤُهُمْ ..
ولَا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ : إِلَّا أَهْلُ الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ الْأَبِيَّةِ . ..
وقال أيضاً في كلامٍ جميلٍ يكتب بماءِ العينِ /
فَأَكْمَلُ النَّاسِ حَيَاةً : أَكْمَلُهُمْ حَيَاءً ..
وَنُقْصَانُ حَيَاءِ الْمَرْءِ : مِنْ نُقْصَانِ حَيَاتِهِ ..
فَإِنَّ الرُّوحَ إِذَا مَاتَتْ : لَمْ تُحِسَّ بِمَا يُؤْلِمُهَا مِنَ الْقَبَائِحِ ؛ فَلَا تَسْتَحِي مِنْهَا ..
فَإِذَا كَانَتْ صَحِيحَةَ الْحَيَاةِ : أَحَسَّتْ بِذَلِكَ ؛ فَاسْتَحْيَتْ مِنْهُ ..
وَكَذَلِكَ سَائِرُ : الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ..
وَالصِّفَاتِ الْمَمْدُوحَةِ : تَابِعَةٌ لِقُوَّةِ الْحَيَاةِ ..
وَضِدِّهَا : مِنْ نُقْصَانِ الْحَيَاةِ ..
وَلِهَذَا كَانَتْ حَيَاةُ الشُّجَاعِ : أَكْمَلَ مِنْ حَيَاةِ الْجَبَانِ ..
وَحَيَاةُ السَّخِيِّ : أَكْمَلَ مِنْ حَيَاةِ الْبَخِيلِ ..
وَحَيَاةُ الْفَطِنِ الذَّكِيِّ : أَكْمَلَ مِنْ حَيَاةِ الْفَدْمِ الْبَلِيدِ ..
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَكْمَلَ النَّاسِ حَيَاةً حَتَّى إِنَّ قُوَّةَ حَيَاتِهِمْ تَمْنَعُ الْأَرْضَ أَنْ تُبْلِيَ أَجْسَامَهُمْ : كَانُوا أَكْمَلَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَخْلَاقِ ..
ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ : مِنْ أَتْبَاعِهِمْ . ..